آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

عقيدة فرقة السلف والسلفيه Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 46 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 46 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10129 مساهمة في هذا المنتدى في 3406 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    عقيدة فرقة السلف والسلفيه

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty عقيدة فرقة السلف والسلفيه

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 3:20 pm



    عقيدة فرقة السلف والسلفيه :

    هي ما يعتقده الشخص في قرارة نفسه ويعقد العزم عليه ويراه صحيحاً سواء أكان صحيحاً في حقيقة الأمر أم باطلاً.
    ومن هنا فإن عقيدة السلف التي يعتقدونها في قرارة أنفسهم وقد عقدوا العزم على العمل بها هي جملة ما أخذوه عن كتاب الله وسنة نبيه وهو الاعتقاد الصحيح والواقع الحق الذي لا يزيغ عنه إلا هالك بخلاف عقائد غيرهم الذين خلطوا بعلم الكلام وآراء الفلاسفة فجاءت نتاجاً مشوهاً خصوصاً في ما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبعضهم لم يقف عند هذا الحد بل تعدى هذا الخطأ إلى أخطاء أخرى تتعلق بالنبوات وبالسمعيات بسبب تأثرهم بالأفكار المنحرفة فإذا بعقائدهم تقوم على خليط من الآراء والأفكار المنحرفة بأدلة متنوعة
    إما من القرآن الكريم الذي حرفوا معانيه وأولوها لتوافق أهواءهم أو من السنة النبوية التي لا يميزون في قبولها بين الصحيح والضعيف والمكذوب وغيره سواء أكان بسند أم بغير سند ولا يهمهم من الراوي إلا أن يكون على وفق معتقدهم أو من المكاشفات التي يزعمون أن الله يخاطبهم بها أو من الأحلام المنامية أو من التقائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يدعون كذباً وزوراً أو من العلم اللدني الذي يقذفه الله في قلوبهم كما يدعون أو من الخرافات والأساطير التي لا تصلح إلا في سمر العجائز بالليل لأن تلك كلها في ميزان السلف أمور مرفوضة لانقطاع التشريع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبق في مفهوم السلف إلا الاجتهاد حول فهم النصوص واستخراج الحق منها.
    وقد ذكر بعض العلماء أن أهل الأهواء إزاء السنة النبوية ينقسمون إلى فريقين:

    - فريق لا يتورع عن ردها وإنكارها إذا خالفت مذهبه وما ألفه من أقوال وأفعال ثم يختلق لردها شتى الأعذار الباطلة.

    - ومنهم فريق آخر يثبتون السنة في ظاهرهم ويعتقدون بصحة النصوص ولكنهم يشتغلون بتأويلها إلى ما يوافق هواهم وينصر معتقداتهم وهؤلاء - الحقيقة ماكرون فإن عملهم هذا هو رد للسنة ولكنه بطريق قد تخفى على غير طلاب العلم.
    وأحياناً يضرب هؤلاء بالنصوص جانباً بحجة أنها متعارضة مع أنه في الواقع لا يوجد بين النصوص الصحيحة أي تعارض إذا تبين الناسخ والمنسوخ والمتقدم والمتأخر منها فإن لم يتبين ذلك فإنه يمكن الجمع بينها ولا محالة إلا إذا كانت أحاديث موضوعة وصحيحة فحينئذٍ طريقة أهل السنة أنه لا تعارض بين الصحيح والموضوع إذ لا قيمة للموضوع وشبهه إزاء الصحيح لأن عدم فهم النصوص هو الذي أدى إلى تفرق الأمة وسفك دماء بعضهم بعضاً وما نشأ عنه من الاستكبار والبغي والعدوان واستحكام العداوات وكل هذا لا تحتمله الشريعة الإسلامية التي تركنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
    إن منهج السلف في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها يقوم على إيمانهم بكل ما ثبت دليله من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إيماناً راسخاً ظاهراً وباطناً.
    سواء كان ذلك الأمر الذي يعتقدونه من الأمور الغيبية كالإيمان بكل ما أخبر الله به أو أخبر عنه رسوله بأنه قد وقع كالإيمان بخلق الله لآدم من طين وخلق زوجه منه وإهباط الله لهما إلى الأرض بسبب معصيتهما ثم توبة الله عليهما وإنزال الكتب وإرسال الرسل وجميع ما جاء بإثباته النص في سائر الأمور التي قد وقعت من قبلنا أو كان من الأمور التي أخبر الله ورسوله أنها ستقع كالإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من الثواب والعقاب في الحساب والجنة والنار وما فيهما وغير ذلك من أمور العالم الآخر أو كان من الأمور التي تقع في الدنيا التي جاء النص بوقوعها فيها قبل يوم القيامة مثل ما أشار إليه الله في القرآن الكريم أو أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم مثل موقعة بدر وفتح مكة وظهور الدجال ونزول المسيح وغير ذلك.

    وبصفة عامة الإيمان بكل الأخبار الغيبية التي وقعت أو التي ستقع على حد سواء هي مزية عظيمة تدل على قوة إيمانهم وطمأنينة نفوسهم غير متأولين بعقولهم لرد النصوص كما تفعل الفرق الباطلة الذين لا يؤمنون إلا بما تراه عقولهم مقدمينها على النصوص كالمعتزلة وغيرهم غير ناظرين إلى نقص العقول عن إدراك المغيبات عنها واضطرابها في معرفة الحقائق حينما لا تستند إلى النصوص الشرعية وإلى الوحي الإلهي الذي يخرج الله به من يشاء من الظلمات إلى النور لأن السلف يعلمون تمام العلم أن الدين لا يؤخذ إلا من مصدره ومصدره الشرع الشريف وليس العقول ومختلف الآراء القاصرة.
    ويعلمون كذلك أنه من الحمق والغباء والضلال البعيد أن يتركوا الطرق الواضحة البينة إلى الطرق المظلمة المحفوفة بالمخاطر.
    وأن الطريق الواضح هو ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تاماً كاملاً الذي لا يقبل الله ديناً سواه

    ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة :3]

    وقوله( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )[النساء:65]
    ولقد جعلوا هذه الآية هي أساس منهجهم وأبرز صفاتهم فكانوا المثل الأول في التسليم لنصوص الشرع لاعتقادهم أن التسليم هو الطريق الذي فيه النجاة وأنه ثمرة الإيمان الحقيقي لحب الله له والثناء على أهله وقد تواصى السلف بالتزام ذلك قولاً وعملاً وصرحوا به ورغبوا فيه الناس نصحاً منهم لله ولرسوله ولعامة المسلمين لمعرفتهم أنه أساس بناء الإسلام لأن من لم يسلم للشرع أمره سلمه إلى الشيطان والبدع والخرافات وشاق الله ورسوله وخالف سبيل المؤمنين وحال المخالفين أقوى شاهد على ما هم فيه من التخبط والاضطراب والضعف.  

    منهج أهل السنة في تقرير العقيدة

    يتمثل في الأمور التالية  :
    1- التمسك بالكتاب والسنة وعدم التفريق بينهما وتحكيمهما والعمل بهما في كل ما يعرض لهم من قضايا العبادة وغيرها دون رد أو تأويل سواء كانت الأخبار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم متواترة أو آحاداً لا فرق فيها بعد صحتها وثبوتها إذ التفريق بينهما إنما هو من سمات أهل البدع.
    2- العمل بما ورد عن الصحابة في قضايا العقيدة والدين وغيرهما والسير على نهجهم وسننهم لأنهم أعرف بالحق من غيرهم.
    3- الوقوف عند مفاهيم النصوص وفهم دلالاتها وعدم الخوض فيما لا مجال للعقل فيه مع الاستفادة من دلالة العقل في حدوده وعدم الخوض فيها بالتأويلات الباطلة.
    4- الإعراض عن البدع وعن أهلها فلا يجالسونهم ولا يسمعون كلامهم ولا شبههم بل يحذرون منهم أشد تحذير خصوصاً من عرف منهم بعناده واتباعه الهوى.
    5- لزوم جماعة المسلمين ونبذ التفرق والتحذير منه.

    هذا هو منهجهم وكان لهذا المنهج مزايا قيمة من أهمها :

    1- أن هذا المنهج هو ما دل عليه كتاب الله تعالى ودلت عليه سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ودل عليه عمل الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
    2- أن هذا المنهج الذي ساروا عليه كان من أقوى أسباب بقاء عقيدتهم صافية نقية لا تشوبها شوائب الضلال وهي نعمة من الله عليهم لما علمه من حسن نياتهم وصدق عزائمهم.

    أما أدلتهم على وجوب لزوم ذلك المنهج فهو ما نعرض بعضه فيما يلي :
    استدلال أهل السنة على وجوب التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويشتمل على مبحثين هما :

    1- استدلالهم من القرآن الكريم -

    وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على وجوب التمسك بالقرآن الكريم وأنه لا يخرج عنه مؤمن وأن الدين لا يؤخذ إلا منه ومن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن زاغ عنهما خرج إلى الضلالة وفارق هدى الإسلام -
    ومن تلك الآيات البينات -
    - قوله تعالى ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )[النساء:65].
    - وقوله تعالى  (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103].
    - وقوله تعالى( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام:153].
    - وقوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ )[السجدة:22].
    وهذه الآيات واضحة الدلالة على أن الهدى كله في كتاب الله تعالى وفي هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن الواجب على كل مسلم الانقياد والإذعان والتسليم التام دون أي تردد أو شك وذلك لأن كل أمر بان رشده لا يتردد العاقل في قبوله والاعتماد عليه.

    2- استدلالهم من السنة النبوية :

    وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يحث فيها على وجوب التمسك بكتاب الله تعالى وأن من فارقه فلا حظ له من الإسلام.
    قال صلى الله عليه وسلم - ((مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر))  .
    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))  
    وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب فقال: أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه))  
    .
    - وجاء في موعظة الرسول صلى الله عليه وسلم بغدير خم قوله  ((أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به))
    ثم قال  ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي))  (4) وفي رواية أخرى ((كتاب الله وسنتي))   .
    - ومن حديث يرويه العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))  

    - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  ((إن مثلي ومثل ما بعثني به مثل رجل أتى قومه فقال إني رأيت جيشاً بعيني وإني النذير العريان فالنجاة فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا على مكانتهم فصبحهم الجيش واستباحهم فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق))  .
    - وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   ((من رغب عن سنتي فليس مني))
    .
    والأحاديث في هذا كثيرة كلها تؤكد وجوب التمسك والعمل بكتاب الله تعالى وأنه هو الصراط المستقيم الذي أوله في الدنيا وآخره في الجنة.  
    بيان مجمل اعتقادات السلف في سائر أبواب الاعتقاد

    لقد ألف العلماء في بيان العقيدة السلفية المؤلفات الواسعة ملئت بها المكتبات الإسلامية بين مطولات ومتوسطات ومختصرات مطبوعات ومخطوطات.
    ومن العجيب أنه على كثرة ما كتب في ذلك فلا يزال الكثير من الناس يجهلون عقيدة هذه الطائفة ويجهلون كثيراً من مبادئها لأسباب كثيرة حسب ما يظهر لي :
    1- بسبب انصراف الناس عن مدارستها بجد.
    2- لعدم وجود من يقدمها للناس في أماكن تجمعاتهم وبالصورة المرضية.
    3- لقوة الدعايات ضد السلف وضد كتبهم.
    4- لعدم تمكينهم وتمكين كتبهم من الانتشار في كثير من بلدان المسلمين لوقوف أعداء السلفية ضدها.

    ومهما وصل الشخص في علمه بها فإنه دائماً في حاجة إلى تجديد معلوماته ولهذا كلما قرأ الشخص عنها وفي كتب أصحابها ازداد معرفةً واكتسب علماً جديداً وربما يعود هذا إلى كثرة ما كتب عنها وكثرة الأساليب المستخدمة في الكتابة عنها وسعة مفاهيم كتابها وكثرة ردودهم على أهل الباطل المناوئين لهم ودحض كل شبهة توجه لهم ولهذا فإن أهل السنة وعلومهم مثل الجداول وينابيع المياه العذبة متجددة على الدوام ولنا في شهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أكبر شاهد ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
    كما أن فرقة السلف أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وهم خير الفرق وأزكاها ولا تقارن بهم أي فرقة أخرى مهما بلغت في انتسابها إلى الكتاب والسنة.

    فقد اتضح منهاجهم القويم وشهد لهم النبي العظيم صلى الله عليه وسلم بأنهم على الحق والهدى وأنه لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على الحق وهي فرقة قائمة بذاتها لا تعلق لها بالفرق الأخرى وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنما نذكر ههنا في هذه العجالة على حد ما قيل (وبضدها تتميز الأشياء) كما أن معرفة هذه الطائفة وفهم مبادئها حق الفهم هو العلم والخير كله وبهذه المعرفة يستطيع المسلم الدفاع عن دينه ومبادئه ورد شبهات المبطلين وتفنيدها.

    فإن من حقق معرفة طريقة السلف أهل السنة والجماعة فقد أمن العثار وسار في طريق الأبرار.
    -  أنه يجب أن يرفع قدر أهل السنة أن يدرسوا ضمن الفرق الأخرى المنحرفة لأنهم هم الأساس وهم الدعامة القوية لحفظ السنة وليس فرقة طارئة كسائر الفرق ولكن حصلت القناعة بعد ذلك لإبرازها بالدراسة فقد ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ فرقة وطائفة ولا يضيرهم أن يذكروا مع ذكر الفرق المخالفة للحق بل إن ذكرهم يعتبر من إقامة الحجة على كل مخالف.  
    لقد تميزت عقيدة السلف بقيامها على الكتاب والسنة في كل جزئية منها فكانت تلك العقيدة هي المحجة البيضاء التي تركنا عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم سهلة في تطبيقها واضحة في دلالاتها لا يزيغ عنها إلا المبتدعون أصحاب الأهواء الباطلة والاتجاهات الفاسدة.
    ومما أود التنبيه عليه أن عقيدة السلف قد دونها العلماء بمؤلفات كثيرة بل كتبوا في كل جزئية مجلدات ضخمة كما سبق بيانه.
    ولذلك فمن غير السهولة أن أذكرها هنا مفصلة وإنما أكتفي بذكرها على طريق الإجمال والإيجاز بحيث يكفي المستعجل فينال بغيته في التعرف على عقيدة السلف إن لم يتمكن من الاطلاع عليها بالتفصيل في مراجعها.

    وقد عبر عن ذلك الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) بعد أن رجع إلى مذهب السلف ودان الله به كما عبر عنه أيضاً في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) ففي كتابه (الإبانة)  
    قال رحمه الله تعالى: :ن قال لنا قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.

    قيل له : قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها :  التمسك بكتاب ربنا عزّ وجلّ، وبسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم،
    وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون.
    وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته وأجزل مثوبته، قائلون،
    ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين.

    وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نريد من ذلك شيئاً وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو، فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها،
    وأن الله يبعث من في القبور وأن الله استوى على عرشه كما قال( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[طه:5] وأن له وجهاً بلا كيف كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27] وأن له يدين بلا كيف، كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]. وكما قال ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )[المائدة:64] وأن له عيناً بلا كيف، كما قال : ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا  )[القمر:14] وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً وأن لله علماً كما قال ( أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) [النساء:166]
    وكما قال( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فاطر:11]. ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك، كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونثبت أن لله قوة
    كما قال( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )[فصلت:15]

    نقول: إن كلام الله غير مخلوق وإنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له( كن فيكون، كما قال ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [النحل:40].
    وأنه لا يكون في الأرض شيء من خيرٍ وشرٍ إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عزّ وجلّ وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله.
    ولا نستغني عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله عزّ وجلّ وأنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العبد مخلوقة لله مقدورة،

    كما قال ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96] وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا

    وهم يخلقون، كما قال ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر:3] وكما قال( لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل:20] وكما قال( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل):17]، وكما قال( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور:35].
    وهذا في كتاب الله كثير وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم، ونظر إليهم، وأصلحهم، وهداهم، وأضل الكافرين،
    ولم يهدهم، ولم يلطف بهم بالإيمان، كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين، كما قال تبارك وتعالى( مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:178] وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين،
    ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وأنه خذلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره،
    وأنّا نؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشره، حلوه ومره، ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا،
    وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله وأنا نلجأ في أمورنا إلى الله، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه ونقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر – وندين بأن الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة كما قال الله عزّ وجلّ (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين):15] وأن موسى عليه السلام سأل الله عزّ وجلّ الرؤية في الدنيا، وأن الله تعالى تجلى للجبل، فجعله دكاً، فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا، ونرى بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون
    ونقول :  إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً.
    ونقول :  إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيماناً.
    وندين بأن الله تعالى يقلب القلوب ((وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عزّ وجلّ )  وأنه سبحانه يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع))   .
    كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف.
    وندين بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنةً ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ونرجوا الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
    ونقول : إن الله عزّ وجلّ يخرج قوماً من النار بشفاعة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وإن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق
    وأن الله عزّ وجلّ يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص،
    ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عزّ وجلّ لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونثني عليهم بما أثنى به عليهم، ونتولاهم أجمعين
    ونقول : إن الإمام الفاضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضوان الله عليه،
    وأن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون للإمامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأن الذين قتلوه قتلوه ظلماً وعدواناً،
    ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة
    ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها،
    ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونكف عما شجر بينهم. وندين الله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم.
    ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن ((الرب عزّ وجلّ يقول ( هل من سائل، هل من مستغفر))   وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل
    ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه.
    ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم
    ونقول : إن الله عزّ وجلّ يجيء يوم القيامة كما قال( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )[الفجر:22] وأن الله عزّ وجلّ يقرب من عباده كيف شاء كما قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16] وكما قال (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى َ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم:8-9] ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر،
    كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي خلف الحجاج,
    وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لقول من أنكر ذلك. ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم، إذا ظهر منهم ترك الاستقامة ,وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف، وترك القتال في الفتنة,
    ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهما المدفونين في قبورهم ونصدق بحديث المعراج ونصحح كثيراً من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيراً ونرى الصدقة عن موتى المسلمين، والدعاء لهم ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك ونصدق بأن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر كائن موجود في الدنيا وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وتوارثهم ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان.
    وأن من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل وأن الأرزاق من قبل الله عزّ وجلّ يرزقها عباده حلالاً وحراماً
    وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية،
    كما قال الله عزّ وجلّ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة:275] وكما قال (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس:4-6]
    ونقول : إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله عزّ وجلّ بآيات يظهرها عليه
    وقولنا في أطفال المشركين (إن الله يؤجج لهم في الآخرة ناراً، ثم يقول لهم اقتحموها) كما جاءت بذلك الرواية ،
    وندين الله عزّ وجلّ بأنه يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، وما كان وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعته ومجانبة أهل الأهواء: وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي منه مما لم نذكره باباً باباً وشيئاً شيئاً إن شاء الله تعالى.

    ونجد الأشعري قد أكد أيضاً تلك الأمور في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) وفي بيانه لاعتقاد أصحاب الحديث.
    وقد رغبت أن أثبتها كما جاءت في الكتاب القيم تتميماً للفائدة وتأكيداً لكلامه في الإبانة وأن مصدر هذين الكتابين هو الأشعري رحمه الله تعالى.  
    جملة ما عليه أهل الحديث والسنة :

    الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله –سبحانه- إله واحد فرد صمد، لا إله غيره، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً،
    وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها،
    وأن الله يبعث من في القبور وأن الله - سبحانه - على عرشه، كما قال( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] وأنه له يدين بلا كيف، كما قال( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص:75]
    وكما قال (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )[المائدة:64] وأنه له عينين بلا كيف،
    كما قال( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )[القمر:14]
    وأن له وجهاً كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [الرحمن:27] وأن أسماء الله لا يقال : إنها غير الله؛ كما قالت المعتزلة والخوارج،
    وأقروا أن لله سبحانه علماً كما قال ( أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ )[النساء:166]
    وكما قال (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ٌ) [فاطر:11]. وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله، كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة،
    كما قال( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )[فصلت:15]

    وقالوا : إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر، إلا ما شاء الله، وإن الأشياء تكون بمشيئة الله،
    كما قال عزّ وجلّ (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ) [الإنسان:30]
    وكما قال المسلمون : ما شاء الله كان، وما لا يشاء لا يكون.
    وقالوا  إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله، أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله، أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله.
    وأقروا أنه لا خالق إلا الله، وأن سيئات العباد يخلقها الله، وأن أعمال العباد يخلقها الله عزّ وجلّ، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً.
    وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين، ونظر لهم، وأصلحهم، وهداهم، ولم يلطف بالكافرين، ولا أصلحهم، ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين.
    وأن الله –سبحانه- يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم، حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين، ويلطف بهم، حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم، وأضلهم وطبع على قلوبهم.
    وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بقضاء الله وقدره، خيره وشره حلوه ومره، ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، إلا ما شاء الله كما قال، ويُلجئون أمرهم إلى الله –سبحانه- ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت، والفقر إلى الله في كل حال.
    ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق.
    ويقولون : إن الله - سبحانه- يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عزّ وجلّ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ )[المطففين:15] وإن موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا، وإن الله –سبحانه تجلى للجبل، فجعله دكاً، فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.
    ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، كنحو الزنا والسرقة، وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون، وإنما ارتكبوا الكبائر والإيمان - عندهم - هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره،
    وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم. والإسلام هو: أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، على ما جاء في الحديث، والإٍسلام عندهم غير الإيمان. ويقرون بأن الله –سبحانه- مقلب القلوب.
    ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها لأهل الكبائر من أمته، وبعذاب القبر، وأن الحوض حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، والمحاسبة من الله عزّ وجلّ للعباد حق، والوقوف بين يدي الله حق
    ويقرون بأن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق، ويقولون أسماء الله هي الله، ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار،
    ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله –سبحانه- ينزلهم حيث شاء،
    ويقولون : أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم،
    ويؤمنون بأن الله –سبحانه- يخرج قوماً من الموحدين من النار، على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينكرون الجدل، والمراء في الدين، والخصومة في القدر، والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل،
    وينازعون فيه من دينهم، بالتسليم للروايات الصحيحة، لما جاءت به الآثار التي رواها الثقات، عدلاً عن عدل، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولون: كيف؟ ولا لم؟ لأن ذلك بدعة.

    ويقولون : إن الله لم يأمر بالشر، بل نهى عنه، وأمر بالخير، ولم يرض بالشر، وإن كان مريداً له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله –سبحانه - لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم
    ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم .
    ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله –سبحانه- ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عزّ وجلّ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59].
    ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين، وألا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.
    ويقرون أن الله –سبحانه- يجيء يوم القيامة كما قال( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر:22]، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )[ق:16].
    ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام، بر وفاجر،
    ويثبتون المسح على الخفين سنة، ويرونه في الحضر والسفر.
    ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – إلى آخر عصابة تقاتل الدجال، وبعد ذلك.
    ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، وألا يخرجوا عليهم بالسيف، وألا يقاتلوا في الفتنة،
    ويصدقون بخروج الدجال، وأن عيسى ابن مريم يقتله.
    ويؤمنون بمنكر ونكير، والمعراج، والرؤيا في المنام، وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم.
    ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى، وأن الساحر كائن موجود في الدنيا.
    ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.
    وأن من مات مات بأجله، وكذلك من قتل قتل بأجله
    وأن الأرزاق من قبل الله –سبحانه- يرزقها عباده، حلالاً كانت أم حراماً
    وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم
    وأن السنة لا تُنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله : إن شاء عذبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله عالم ما العباد عاملون، وكتب أن ذلك يكون، وأن الأمور بيد الله.
    ويرون الصبر على حكم الله، والأخذ بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل، والنصيحة للمسلمين، ويدينون بعبادة الله في العابدين، والنصيحة لجماعة المسلمين، واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء عن الناس والعجب.
    ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة، والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق
    وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب  .
    فهذه جملة ما يأمرون به، ويستعملونه ويرونه , وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير.
    وفي كتب أهل السنة والجماعة تفصيل وأدلة كل مسألة مما تقدم ذكره فارجع إلى كتبهم إن أحببت الاطلاع على تلك التفاصيل.

    وقد أورد اللالكائي رحمه الله فصلاً طويلاً عن اعتقاد علماء السلف وعدد أسمائهم وذكر مقالاتهم تحت عنوان (سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قرن).
    ثم شرع في بيان اعتقادهم (الصحابة فمن بعدهم) في مسائل العقيدة وقد سار على هذا المنهج عدة من المؤلفين السلف رحمهم الله جميعاً.
    _______________________________________________________________
    تابعونا جزاكم الله خيرا
    -
    التالي :
    -
    أسماء هذه الطائفة وألقابهم
    -
    لا تنسونا من صالح دعائكم


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الثلاثاء سبتمبر 26, 2023 2:27 pm عدل 3 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty أسماء هذه الطائفة وألقابهم :. أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 3:32 pm



    أسماء هذه الطائفة وألقابهم

    الألقاب الصحيحة

    أطلقت على أهل السنة أسماء وألقاب صحيحة تدل على حالهم وتطابق معتقداتهم هي كالرحيق بالنسبة لكل مؤمن صحيح العقيدة وكالشجى في حلق كل مبتدع مخرف وهي أسماء مشرقة أخذت من أوصافهم التي وردت على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن أحوالهم وسلوكهم.
    فمن شكك فيها أو ردها فإنما ذلك لمرض في قلبه وعقيدة باطلة في نفسه كما هو شأن أهل الباطل في مقاومتهم دائماً للحق وأهله والتشنيع عليهم وذكرهم بالألقاب والأسماء المنفرة الكاذبة.

    وأسماء السلف الصحيحة التي أطلقت عليهم هي:

    1- أهل السنة والجماعة.
    2- السلف الصالح.
    3- الفرقة الناجية.
    4- أهل الحديث والسنة.
    5- أهل الأثر.
    6- الطائفة المنصورة.
    وفيما يلي بيان هذه الأسماء وبيان أحقية السلف بإطلاقها عليهم.
    1- أهل السنة والجماعة
    أ – التعريف بأهل السنة :
    1- معنى السنة في اللغة:
    هي الطريقة أو الطرق الواضحة والسلوك الطيب، قال الجوهري: السنن الطريقة يقال: استقام فلان على سنن واحدة، أي على طريقة واحدة.
    وقال ابن الأثير مبيّناً المعنى اللغوي ومتعرضاً كذلك للمعنى الاصطلاحي في مادة (سنن) قد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها والأصل فيها الطريقة والسيرة وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث.
    وبما ذكر وغيره يتضح أن معنى السنة في اللغة هي: الطريقة أو الطريق وقد ورد في الحديث ما يؤيد ما سبق في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث وفد مضر : ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))  
    وقد دل الحديث على أن السنة تنقسم إلى قسمين إما أن تكون سنة حسنة أو تكون سنة سيئة ولكل واحدة جزاؤها العادل.

    2 – معناها في الاصطلاح :

    تطلق تسمية السنة على كل ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته ويطلق على المتمسكين بها أهل السنة وهي تسمية مدح لهم كما يطلق على المخالفين لها أهل البدعة تسمية ذم لهم.
    ومن كرامة الله لأهل السنة هدايته لهم إلى الانتساب إليها دون غيرها كما هو حال أهل الطرق البدعية فلم ينتسبوا إلى رأي ولا إلى شخص ولا إلى بلد أو قوم أو غير ذلك وهي مزية فيهم قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أما أهل الطرق البدعية فما أكثر انتسابهم إلى مشائخهم أو آرائهم أو بلداتهم وغير ذلك.
    ولهذا تجد أن الكثير من تلك التسميات والآراء لهم بل والأشخاص المتزعمين لهم يضمحلون ويندثرون مهما بلغوا من القوة والتمكين ومهما تطول بهم المدة , قال الراغب: سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يتحراها ومن الملاحظ أنه مع اتفاق كل المسلمين على هذا المفهوم للسنة فقد وقع بعض التفاوت في مفاهيم علماء كل فن.
    فالسنة عند المحدثين هي: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو سيرة سواءً أكان قبل البعثة أو بعدها  
    بينما هي عند العلماء الذين يتتبعون الأحكام الشرعية العامة كالأصوليين يقتصرون في التعريف بها على أنها: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
    وكالفقهاء الذين يبحثون عن حكم الشرع في أفعال المكلفين من حيث الوجوب أو عدمه حيث فسروا السنة بأنها: خلاف الواجب أي ما يثاب العبد على فعله ولا يعاقب على تركه كفعل المستحبات أو تركها.
    ويتحصل من أقوال العلماء أن المراد بالسنة عند الإطلاق ما يلي:
    1- يراد بها كل ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    2- يراد بها الحديث النبوي.
    3- يراد بها العقيدة.
    4- يراد بها التمسك بالكتاب والسنة وهدي الصحابة في كل الأمور سواء أكانت في الأمور الاعتقادية أو أمور العبادات.
    5- يراد بها ما يقابل البدع وأهل هذا القول – السلف – يفرقون بين السنة والحديث لأن السنة ما يقابل البدعة والحديث ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد يكون الرجل محدثاً ولكنه ليس بسني.
    ويفهم من هذه الإطلاقات عموماً أن السنة يراد بها ما كان في أمر الدين بدليل قوله تعالى في الحث على التمسك بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
    (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر:7]. وقوله تعالى( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ )[النساء:80] وغير ذلك من الآيات.
    وبدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ((فعليكم بسنتي))
      وقوله صلى الله عليه وسلم ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))  
    وقد أطلق على السلف أهل السنة لتمسكهم بها منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن تبعهم بإحسان , والقرآن الكريم والسنة النبوية في مجال الاعتقاد والاستدلال لا فرق بينهما في وجوب العمل والتمسك بهما فهما وحيان إلا أن السنة النبوية صدرت على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم من كلام الله عزّ وجلّ وهذا هو اعتقاد أهل السنة كلهم المتمسكون بها حقيقة عدا من انحرف عنها من الطوائف التي تنتسب إلى الإسلام  

    ب- معنى الجماعة :

    تطلق الجماعة على الطائفة أو الفرق أو الأمة الذين يرتبطون بمنهج واحد وهدف واحد ولم يتفرقوا في الاعتقاد والسلوك وتطلق تسمية أهل السنة والجماعة – وهو المراد – على السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم إلى يوم الدين كما تقدم – وأطلقها بعضهم على أهل الحديث ولا ريب أن اقتران اسم أهل السنة بالجماعة يفيد مزية خاصة لأهل السنة إذ هم الجماعة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على الانضمام إليهم والسير في منهجهم حينما أخبر عليه الصلاة والسلام عن هلاك الطوائف إلا واحدة وهي الجماعة وهذا هو الحق والاعتقاد مهما كان من الخلاف وإنما نذكر الخلاف فيما يلي تتمة للبيان.
    الخلاف في المراد بالجماعة هذه:
    1- قيل الجماعة هم السواد الأعظم، واختُلف في المقصود بالسواد الأعظم فقيل: هم كثرة الناس وهذا مردود فلا يلزم أن تكون الجماعة التي معها الحق هم الكثرة دائماً والله تعالى يقول( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ )[الأنعام:116] خصوصاً إذا فهم من السواد الأعظم العوام وغيرهم.
    وقيل: السواد الأعظم هم العلماء العاملون بالحق المتبعون للسنة حتى لو كان عالماً واحداً وقوّى هذا القول كثير من العلماء فقد قيل :   وواحد كالألف إن أمر عنا

    2- أنهم العلماء المجتهدون في كل عصر إلا أنه يرد على هذا أنه ضيق موسعاً باشتراط الوصول لرتبة الاجتهاد ثم إنه تعريف غير جامع ولا مانع فإن كل فن له علماؤه المجتهدون فيه وعلماء السلف يدخلون دخولاً أولياً في عداد أهل السنة والجماعة الممدوحة.

    3- أنهم خصوص الصحابة رضوان الله عليهم ولكنه قول غير راجح مع دخول الصحابة دخولاً أولياً في الجماعة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحكم على المسلمين بالهلاك ما عدا الصحابة فقط ولقوله ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))   .
    4- أنهم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أميرٍ واحدٍ وجب على الجميع طاعته إلا أنه يرد على هذا القول أن الحديث لم يرد في باب الإمارة وشأنها وإنما ورد في التحذير من التفرق.
    5- أنهم جماعة على الحق أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك الصفات دون تعيين لأسمائهم وبلدانهم  
    وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
    وهذا هو الذي يترجح - والله أعلم - ولأهل السنة والجماعة نصيب من صحة تلك الأقوال كلها.

    2 – السلف

    التعريف بالسلف في اللغة وفي الاصطلاح
    أ – في اللغة:
    يقال سلف الرجل آباؤه المتقدمون والجمع أسلاف وسلاف وقد استدل الراغب لمجيء  
    السلف على المتقدم بقوله تعالى ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ )[الزخرف:56] وقوله تعالى( فَلَهُ مَا سَلَفَ ) [البقرة:275] وقوله تعالى ( إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ )[النساء:22].
    وقال ابن منظور: قيل: سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح   .
    وهذا التعريف اللغوي للسلف عام يشمل كل من سبق وتقدم على غيره وهو دون المعنى الاصطلاحي للسلف في المفهوم الحقيقي لهم.
    والسلف الصالح قد تقدمونا وهم قدوتنا ولهذا فلا منافاة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي من تلك الناحية إلا من حيث الخصوص والعموم كما سيتضح هذا عند ذكر التعريف الاصطلاحي لهم فيما يلي :

    ب – التعريف الاصطلاحي:
    اختلف العلماء في المفهوم من إطلاق تسمية السلف على من تطلق وفي أي زمن أطلقت وهل هذا الوصف باق يصح الانتساب إليه أم لا؟
    1- ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن مفهوم السلف عند الإطلاق يراد به الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان وأتباع التابعين من أهل القرون الثلاثة الوارد ذكرهم في الحديث ومن سلك سبيلهم من الخلف وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله ومن قال بقوله ويظهر هذا في قوله : "مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف  ( إلى آخر كلامه ولفظة أهل الحديث الواردة في كلام شيخ الإسلام يقصد بها عامة من يتمسك بالسنة النبوية وليس المراد ما تعارف عليه الناس اليوم في التخصصات العلمية بدليل قوله في معرض ثنائه على أئمة الحديث :

    "وإذا كان الأمر كذلك فأعلم الناس بذلك أخصهم بالرسول وأعلمهم بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ومدخله ومخرجه وباطنه وظاهره وأعلمهم بأصحابه وسيرته وأيامه وأعظمهم بحثاً عن ذلك وعن نقلته وأعظمهم تديناً به واتباعاً له واقتداء به وهؤلاء هم أهل السنة والحديث حفظاً له ومعرفة بصحيحه وسقيمه وفقهاً فيه وفهماً يؤتيه الله إياه في معانيه وإيماناً وتصديقاً وطاعة وانقياداً واقتداءً واتباعاً مع ما يقترن بذلك من قوة عقلهم وقياسهم ورأياً وأصدق الناس رؤياً وكشفاً".
    إلى أن يقول : "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل نعني بهم كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً واتباعه باطناً وظاهراً وكذلك أهل القرآن وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبها ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم"   .
    وفي هذا البيان الطيب يتضح أن أهل الحديث هم الذين يعلمونه ويعملون به أما من علمه ولم يعمل به فإنه ليس منهم بل لا فرق بينه وبين أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم ممن برزت جهودهم في خدمة الحديث وأصحاب المعجم المفهرس أقوى مثال وهم بخلاف أهل الحديث مع كثرة ما دونوه لتتم حجة الله عليهم.
    2- وهناك من خصص لفظ السلف عند الإطلاق بالصحابة فقط.
    3- ومنهم من خص لفظ السلف بالصحابة ومن تبعهم دون غيرهم.
    4- ومنهم من خص السلف بالقرون الثلاثة فقط.
    ويتضح من هذه التعريفات أنه لا خلاف بين أحد من المسلمين أن الصحابة هم السلف الصالح الأخيار الأبرار وأن أفضل الناس بعد الصحابة هم التابعون لهم بإحسان ثم أتباع التابعين ثم من سار على نهج الجميع دون تقييد بزمن.
    وأما من خص السلف فقط بالصحابة أو التابعين أو أتباعهم فقط أو خصهم بزمن محدد فهو استحسان منه واجتهاد وليس له دليل فإن السلف ليسوا جماعة بخصوصهم أو في زمن بخصوصه وإنما السلف هم المتمسكون بالكتاب والسنة فإن المدار عليهما والعبرة بهما ولا ريب أن الصحابة لهم القدح المعلى في هذه النسبة لملازمتهم النبي صلى الله عليه وسلم وجودة أفهامهم وذكائهم ولهذا كان ما عملوا به حجة يجب العمل به وما تركوه يجب تركه بخلاف غيرهم بعد القرون الثلاثة وإن كان وصف السلف يشملهم بسبب تمسكهم بالشرع الشريف مع تفوق الصحابة عليهم بالفضل والأسبقية   .

    السلف والسلفية:
    وبيان صحة الوصف وجواز الانتساب والاعتزاء إليه والرد على ما أنكر ذلك لم يكن هذا الوصف مجرد لقب أو اسم أو ظهر صدفة على ألسنة الناس. لم يكن كذلك ولكنه نشأ عن أساس ثابت كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها لقد نشأ الاسم عن سلوك عميق لما كان عليه الصحابة ومن بعدهم بإحسان فاستحقوا هذا الاسم نتيجة عمل واقتداء والتزام بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
    ولا ريب أن من اتصف بهذا الوصف يستحق أن ينتسب إلى السلفية أو سلف هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
    ولا اعتبار لنبز أصحاب الأهواء والبدع وتزهيدهم عن هذه الفرقة الناجية ومن أراد أن يقف على الحق فليقرأ سيرة هذه الجماعة وليقف على البلاء الذي تحملوه في سبيل الدفاع عنها لتبقى جوهرة مكنونة صافية نقية.
    وفي تاريخ الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية ومن جاء بعدهم من تلامذتهم وأتباعهم إلى يومنا الحاضر خير شاهد على استحقاق هؤلاء لهذا الاسم السلفية وعلى غبطة الانتساب إليهم الذي هو في النهاية انتساب إلى الإسلام الذي رضيه الله تعالى.

    وقد ظهر من كلام الشيخ أبي زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية)   والدكتور مصطفى الشكعة في كتابه (إسلام بلا مذاهب) أن السلفيين هم الذين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم في القرن الرابع ثم تجدد ظهوره على يد الشيخ ابن تيمية في القرن السابع الهجري ثم جدده الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر للهجرة وقد أخطأ الحقيقة كما أخطأها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي).
    حيث رد وبعنف على القول بأن السلفية لقب لفئة من الناس واعتبره خطأً وبدعة طارئة على المسلمين بزعمه وقد ظهر خطأه من تسمية كتابه هذا وقد ذهب إلى أن الاقتداء بالسلف ليس معناه اتباع آرائهم وأقوالهم ومواقفهم التي اتخذوها وسلوك طريقتهم وإنما يكون بالرجوع إلى ما احتكموا إليه من قواعد تفسير النصوص وتأويلها وأصول الاجتهاد والنظر في المبادئ والأحكام
    وهذا حكم قاصر وغير صحيح فإن السلفية ليست فترة زمنية ثم إن تفسيره الاقتداء بالصحابة بهذا التفسير لا يعتبر اتباعاً حقيقياً فإذا لم نتبعهم في آرائهم وفي أقوالهم وفي مواقفهم التي ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سلوكهم وطريقتهم في العبادات وفي المعاملات إذا لم نتبعهم في هذا كما يرى البوطي فماذا بقي لهم من فضل الصحبة والتلقي من النبع الصافي قبل أن تعكره مختلف الآراء والمذاهب والفرق.
    وأما ما يراه من اتباعهم يكون في الرجوع إلى ما احتكموا إليه عند الاختلاف فهذا أيضاً لا يمنع الاقتداء بهم وتقديم آرائهم على آراء من جاء بعدهم.
    على أن القواعد التي أشار إليها البوطي وأن الشافعي رحمه الله عملها حيث وضع قواعد أصول الفقه لم تكن قد بينت في الزمن الذي كان قبله فماذا يحكم عليهم البوطي   ولو أنه سلم بما اتفق عليه السلف لكان خيراً وأشد تثبيتاً ولأغناه ذلك عن تكلف القواعد والشروط وموقف العقل بالنسبة للنصوص في أخبار الآحاد وأخبار التواتر التي شغلته فإنها كلها مبنية على الاستحسان والاجتهاد على طريقة المتكلمين.
    والخلاصة من كل ما سبق أن مذهب السلف والانتساب إليه أمر لا غبار ولا اعتراض عليه وأنه لا يحق لأحد الانتساب إليه إلا إذا كان متبعاً قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً كما كان عليه الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان,وأما من حاد عنهم إلى كلام الفلاسفة وعلماء الكلام الباطل وإلى اتباع العقل دون الالتفات إلى النص فهو ليس على طريقتهم وإن انتسب إليهم لأنه انتساب غير حقيقي.

    3- الفرقة الناجية:
    الفرقة في اللغة: اسم يطلق على الطائفة أو الجماعة من الناس.
    والناجية: وصف لتلك الفرقة بالنجاة دون أن يكون له تعلق بالزمن والمقصود بهم هم أهل الحق ممن تمسكوا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على مدى الأزمان ولا عبرة بدعاوى المنحرفين أنهم هم تلك الفرقة الناجية.
    ووصفهم بالناجية لعله أخذ من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه))
    أو لأن المتمسك بالوحيين سبيله النجاة أو لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة ... الحديث))   ولا ريب أن من تمسك بكتاب الله وسنة نبيه أنه من الناجين بتوفيق الله له, ينجو من الضلالة والفتن وينجو إذا ما مات على ذلك من عذاب الله وغضبه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك))  .
    وهذا الاسم – الفرقة الناجية – يشمل كل من اتصف بالعقيدة الصحيحة التي كان عليها الصحابة ومن استن بسنتهم واهتدى بهديهم وربما أخذت التسمية أيضاً من حديث افتراق الأمة حيث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الفرق كلها هالكة إلا واحدة هي الناجية وهم الصحابة ومن تمسك بهديهم وهذا الوصف لا ينطبق إلا على السلف الذين اتبعوا الصحابة بإحسان.
    ويجب أن نلاحظ أن السلف حين تسموا بهذه التسمية لا يقصدون من ورائها الشهادة لأنفسهم بالجنة ولا تزكية أنفسهم وإنما المقصود بها إظهار ما هم عليه من التمسك بكتاب الله وسنة رسوله الكريم وهما مصدر النجاة ولا يمنع أن تكون التسمية من باب التفاؤل أو من باب إظهار البراءة من المخالفين كما يرى البعض ولا مانع من ملاحظة كل ذلك.

    4- تسميتهم أهل الحديث والسنة
    كثير من العلماء يطلق هذه التسمية على السلف أهل السنة كشيخ الإسلام وغيره من رجال العلم.
    وإذا أطلقوا في تسميتهم فقالوا أهل الحديث والسنة فإنهم لا يريدون التقسيم إنما هما عندهم بمعنى واحد فالسنة هي الحديث والحديث هو السنة حسب ما يظهر من صنيع المحدثين من السلف.
    ولكن ينبغي الانتباه إلى أن بعض علماء السلف قد يطلق تسمية أهل السنة احترازاً عن غيرهم من أهل البدع فتكون السنة عامة والحديث أخص ويظهر الافتراق في أبواب الاعتقاد عند هذا الاستعمال.
    وعلى هذا فهناك فرق بين مصطلح أهل السنة وأهل الحديث وإن عبر بأحدهما عن الآخر في أبواب الاعتقاد لما بينهما من التقارب في الغالب وإلا فقد يكون المرء من أهل السنة وليس من أهل الحديث من الناحية الصناعية أي ليس بمحدث وقد يكون من أهل الحديث صناعة وليس هو من أهل السنة فقد يكون مبتدعاً   .
    ولاشك في أن هذه التسمية شرف عظيم لرجال العقيدة الصحيحة الحاملين لواء علم الحديث المنتسبين إليه.

    5 – أهل الأثر
    أطلقت الأثرية أو أهل الأثر على أهل السنة والجماعة والمراد بهم كل من تمسك بنصوص الكتاب والسنة ويريدون بالأثر ما أثر عن الله تعالى وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من تلك النصوص.
    وواضح أنهم لا يريدون به ما أصبح معروفاً عند بعض العلماء من تقسيماتهم للحديث إلى أقسام ومنها المأثور أو الأثر وهو ما وقف على الصحابي ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن السلف لا ينطبق عليهم هذا الاصطلاح إذ هم من أحرص الناس على التمسك بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ورفع إليه. وإنما يقصدون بالأثر الحديث عموماً فأهل الأثر أي أهل الحديث الملتزمون بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما ورد عن السلف من الصحابة ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان من آثارهم الصحيحة لأن رد الآثار الصحيحة إنما هو من سمة أهل البدع المتنطعين في دينهم الذين لا يقبلون إلا ما يوافق أهواءهم مع أنهم يقدمون كلام مشايخهم وآبائهم على ما تفيده النصوص حمية وعصبية.
    ولكنهم يستكبرون عن الآثار التي هي أشرف وأرفع من كلام من جاء بعد الصحابة مهما بلغ في العلم والشرف.

    6- تسميتهم الطائفة المنصورة
    هذه التسمية للسلف أخذت من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون))
    وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله))
    وفي بعض الروايات: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين...)) الحديث,
    وقد فسّر العلماء هذه الطائفة بأنهم كل من تمسك بالكتاب والسنة وعمل الصحابة المجانبين البدع وأهلها وهم أصحاب الحديث الذي يعملون به قولاً وعملاً المجاهدون في سبيل الله تعالى.
    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النصر سيكون حليفهم إلى أن تقوم الساعة وهي بشارة عظيمة مفرحة لأهل الحق والواقع يشهد بذلك فكم من المؤامرات والخطط تبيت لهم قديماً وحديثاً ولكن الله تعالى بلطفه يخرجهم منها ويجعل لهم منها فرجاً ومخرجاً لأن الله تعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين إلى يوم القيامة وهؤلاء هم حفظته بإذن الله تعالى وقد تكفل الله عزّ وجلّ بنصرة من ينصر دينه وأن يجعل العاقبة الحسنة له في الدنيا والآخرة. وقد يفهم البعض أن هذا الحديث يدل على أن السلطة والحكم لابد أن يكونا بأيدي العلماء من أهل السنة. وهذا فهم خاطئ إذ لا يلزم من كونهم منصورين إلى قيام الساعة أن يكونوا بشكل حكومات ولا بد فإن الله تعالى ينصرهم بهذا وبغيره بلطفه العظيم كما هو الواقع فأحياناً يكون الحكم بأيديهم وأحياناً بأيدي غيرهم ولا يؤثر ذلك في سلوكهم الإيجابي أبداً.
    _أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع .

    وردت عن السلف الكرام أقوال كثيرة في الحث على التمسك بكتاب الله تعالى وأن الهدى والخير والفلاح كله في ذلك وأنه يجب على كل المسلمين الرجوع إلى كتاب الله والتمسك به في كل أحوالهم واختلافاتهم
    كما قال الله سبحانه وتعالى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ )[النساء:59].

    وهذا هو منهج كل من جاء بعد السلف الكرام من التابعين ومن تبعهم من علماء المسلمين وعامتهم وفي كتب شيخ الإسلام رحمه الله وتلميذه ابن القيم وغيرهما كالطبري وابن كثير وأهل الحديث كالشيخين وغيرهما ممن تزخر بأقوالهم المكتبات الإسلامية في كتبهم من الأقوال والشروحات ما لا مزيد عليه في وجوب التمسك بكتاب الله والعمل به والرجوع إليه.
    وعلى هذا "فقد اتفق المسلمون سلفهم وخلفهم من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا أن الواجب عند الاختلاف في أي أمر من أمور الدين بين الأئمة والمجتهدين هو الرد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام الناطق بذلك الكتاب العزيز
    ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )[النساء:59]
    ومعنى الرد إلى الله سبحانه الرد إلى كتابه ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الرد إلى سنته بعد وفاته وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين" .
    - وهم يؤكدون أن الخير كله فيها وأن الشر كله في الابتعاد عنها وفي الابتداع الذي يسببه اتباع الهوى والبعد عن السنة والسير خلف التأويلات الباطلة التي هلك بسببها الكثير ممن جرفتهم التيارات المنحرفة ومن تلك الأقوال.
    - قال عبد الله بن مسعود "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" .
    - وعن معاذ بن جبل من كلام له رضي الله عنه قال : "فإياكم وما ابتدع فإنما ابتدع ضلالة" .
    - وقال حذيفة: اتقوا الله يا معشر القراء خذوا طريق من قبلكم فوالله لئن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً وإن تركتموه يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً" .
    - وعن عبد الله بن مسعود قال: يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا يعني الإصبع فإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى وإنه لم يكن أهل كتاب قط إلا كان أول ما يتركون السنة وإن آخر ما يتركون الصلاة ولولا أنهم يستحيون لتركوا الصلاة .
    - وعن عبد الله بن الديلمي قال : إن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة .
    - وعن حسان بن عطية قال: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة .
    - وعن عمر بن عبد العزيز قال: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله عزّ وجلّ واستكمال لطاعته وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها فمن اقتدى بما سنوا فقد اهتدى ومن استبصر بها بصر ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله عزّ وجلّ ما تولاه وأصلاه جهنم وساءت مصيرا .
    - وأقوالهم في هذا الصدد كثيرة وإنما تلك أمثلة يكتفي بها طالب الحق الحريص على سلامة دينه من غوائل أقوال أهل الباطل الذين يقدمون البدع على السنة ويحلونها محلها ويعتبرونها ديناً يجب اتباعه.
    استدلالهم على وجوب العمل بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم:
    يعمل السلف بما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة أفقه وأعرف بما يقولون وقد زكاهم الله ورسوله وبذلك تعتبر أقوالهم وأفعالهم سنة يجب العمل بها وخصوصاً الخلفاء الراشدين منهم.
    ومما ورد في وجوب العمل بما صح عن الصحابة:

    - جاء عن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ))
    - وعن خصوص أبي بكر وعمر رضي الله عنهما جاء قوله صلى الله عليه وسلم : ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر))
    وهذا يدل على مزيد فضلهما ووجوب الاقتداء بهما.
    وعلى هذا أجمع السلف وهو من أسس عقائدهم وقد مدح الله السلف الكرام من الصحابة ومن سار على نهجهم

    بقوله تعالى( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) [التوبة :100]
    فهم السابقون الأولون وأصحاب الشرف العظيم في وقوفهم إلى جانب نبيهم في ساعة العسرة وفدائهم له بأموالهم وأنفسهم وهم أول المجاهدين في سبيل الله من هذه الأمة.
    وكانت نسبتهم في البداية بالنسبة إلى نسبة الكفار كنسبة الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود فإن الأرض كلها على الشرك وعبادة الأصنام.
    فاستعذبوا العذاب في سبيل نشر النور إرضاءً لله تعالى وقرباً إليه ولا يوجد مسلم على ظهر الأرض إلا وهو مدين للصحابة بالشكر والتقدير على نصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فتوحاتهم التي عمت أكثر البقاع في عهودهم المجيدة.
    وتلك الحقيقة يعيها كل مسلم إلا من فسدت فطرته وانحرف واتبع هواه كالرافضة الذين ذهبوا يسبونهم ويكفرونهم مضادة للآية الكريمة : ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)
    10?لهذا فقد كان[color=#996633] ابن حزم رحمه الله حينما يدحض النصرانية ويثبت لهم تحريف كتابهم يستدلون عليه أن المسلمين أيضاً أثبتوا أن في القرآن تحريفاً وزيادةً ونقصاً فيقول لهم لا تحتجوا بكلام الرافضة واحتجوا بكلام المسلمين أو نحو ذلك لمعرفته التامة بأنه لا يمكن أن يقدم مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً أن يدعي بأن هذا القرآن الموجود بين أيدينا قد تخلى الله عن وعده بحفظه أو أنه سلط عليه من يغيره ويبدله فإن من اعتقد حدوث هذا فقد خرج عن الإسلام إن كان يدعيه وكفر به.
    وقوف السلف عند حدود النص :

    أما بالنسبة لوقوف السلف عند حدود النص وعدم الخوض فيما لا مجال للعقل فيه فهذا دليل من أقوى الأدلة على عمق فهمهم وقوة ذكائهم وحرصهم على ما ينفعهم في دينهم, به يظهر صدق متابعتهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام وحرصهم على إقامة سنته والبعد عن ما يكدرها فقد علموا أن العقل من أكبر نعم الله على عباده وأن الله جعله عوناً لصاحبه وربط الله به كثيراً من القضايا ونوّه به وبعلو شأنه ولكن السلف مع هذا يعلمون علم اليقين أن العقل له حد ينتهي إليه فإذا تجاوزه انقلب إلى الجهل والحمق سنة الله في خلقه وإن تكلف الأمور التي لا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق النص يعتبر تعدياً وظلماً وقد يجر إلى القول على الله بغير علم والكذب عليه مع أنهم ليسوا في حاجة إلى ذلك فإن السنة واضحة ونهج من سبقهم فيها واضح وقد يجر كذلك إلى إحداث البدع وهو الأمر الذي ينفر منه السلف أشد نفور ويحذرون منه أشد تحذير فطالما جر عدم الوقوف عند النصوص إلى إحداث البدع والخرافات بل وإماتة كثير من السنن كما هو الحال عند أصحاب الأهواء وعباد العقول وتقديمهم لها على النصوص,. وكم من الفظائع والمآسي ارتكبت بسبب عدم فهم النصوص كما يحدثنا عنها التاريخ بل وإن تكفير أهل البدع بعضهم بعضاً ودليلهم واحد لهو أقوى الأدلة على مضار عدم فهم النصوص إذ إنه لا يوجد أي نص يؤدي إلى تكفير العاملين به بعضهم بعضاً وهو أمر معروف بداهة.
    إعراض السلف عن أهل البدع :

    أما إعراضهم عن أهل البدع وعن مخالطتهم فقد أصبح أمراً معلوماً بالضرورة عند أهل السنة فقد حذروا من مجالسة أهل البدع والاستماع إليهم لعلمهم أن أصحاب البدع يوردون شبهات يضللون بها العامة
    قال تعالى ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) [الأنعام:68].

    وقال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ )[النساء:140].
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)) (11) . وفي رواية ((وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) .

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))
    وقال صلى الله عليه وسلم ((من رغب عن سنتي فليس مني)) .
    وهذه الآيات والأحاديث كلها تدل على وجوب الإعراض عن المبتدعين وعن أقوالهم وما يحدثونه في دينهم بأهوائهم التي يقدمونها على السنة ومن هنا كانت نفرة أهل السنة عن أهل البدع اتباعاً لأمر الله وأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ونصحاً لأنفسهم ولغيرهم.
    وقد أكد السلف التحذير من أهل البدع ووجوب البعد عنهم.
    - قال ابن مسعود رضي الله عنه: وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم عليكم بالعلم وإياكم والبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق .
    - عن مجاهد قال: قيل لابن عمر: إن نجدة يقول كذا وكذا فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع في قلبه منه شيء .
    وعن تحذيرهم من سماع كلام القدرية جاء عن أبي أمامة الباهلي قال: "ما كان شرك قط إلا كان بدؤه تكذيب بالقدر ولا أشركت أمة قط إلا بدؤه تكذيب بالقدر وإنكم ستبلون بهم أيتها الأمة فإن لقيتموهم فلا تمكنوهم من المسألة فيدخلوا عليكم الشبهات"
    - وعن تحذيرهم من الدخول في الخصومات مع أهل الأهواء جاء رجل إلى الحسن البصري فقال : "يا أبا سعيد إني أريد أن أخاصمك. فقال الحسن: إليك عني فإني قد عرفت ديني إنما يخاصمك الشاك في دينه"
    - وعن بغض أهل الأهواء وحب الابتعاد عنهم قال أبو الجوزاء : "لئن يجاورني قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني أحد منهم" . يعني أهل الأهواء.
    - وكان الحسن يقول : "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم"
    .كان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة قال: فجعل يتكلم قال فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أي بني أدخل إصبعيك في أذنيك واشدد ولا تسمع من كلامه شيئاً. قال معمر راوي الخبر يعني أن القلب ضعيف .
    وروى الدارمي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال : "إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة" .
    وكان الشافعي ينهى النهي الشديد عن الكلام في الأهواء ويقول : "أحدهم إذا خالف صاحبه قال كفرت والعلم فيه أنما يقول أخطأت" .
    وقال علي بن المديني : "من قال فلان مشبه علمنا أنه جهمي ومن قال فلان مجبر علمنا أنه قدري ومن قال فلان ناصبي علمنا أنه رافضي" .
    وقد رويت عن السلف من النصوص الكثيرة ما لا يحتمل المقام ذكرها هنا وكلها تهدف إلى أمر واحد هو اجتناب أهل البدع والتحذير منهم امتثالاً
    لقول الله تعالى ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68].
    وقوله تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].

    وفي عدم مجالستهم حماية للعقيدة وحماية لقلوبهم لئلا تميل إلى شيء من شبهات أهل الباطل وحتى لا تنتشر أفكارهم بين الناس وفيه كذلك قيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أهل البدع إن لم يجدوا من يرد عليهم تمادوا في باطلهم وضعف في نفوس الناس الإحساس بوجوب تغيير المنكر بل يستمرئون بعد ذلك وقد يعترض البعض فيقول إن مجالستهم ومناظرتهم فيها إقامة للحجة عليهم ودعوة لهم للرجوع أو يقول قد ناظر بعض السلف أهل الباطل كما فعل ابن عباس مع الخوارج وعمر بن عبد العزيز معهم أيضاً والمناظرة المشهورة لعبد العزيز الكناني مع بشر المريسي وغير ذلك والجواب والله أعلم أن مناظرة السلف لأهل البدع تعتبر بالجملة قليلة ولا يناظرونهم إلا إذا رأوا أن المصلحة تقتضي ذلك وفي مجامع عامة وعلنية.
    وهي أيضاً لا تكون إلا مع من يرجى منه الرجوع أما المعاندين منهم المصرين على بدعهم الداعين إليها فإنهم كانوا يحذرونهم ويحذرون منهم وهذا من باب الحزم وإنكار المنكر والبعد عن الشر قبل الوقوع فيه فإن مجالسة أهل البدع والاستماع لكلامهم قد يجذب الشخص إليهم وقد يتشوش فكره بكلامهم فإذا حسم الشر من أوله كان أضمن لسلامته ومن هنا فإنه يجب الحذر من قراءة كتب المخالفين والاستماع لخطبهم وكلامهم قبل أن يحصن الشخص نفسه بالقراءة عنهم ومرد شبهاتهم.
    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن من وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه))
    -------------------------------------------
    تابعونا - جزاكم الله خيرا
    التالي :
    لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك



    عدل سابقا من قبل صادق النور في الإثنين سبتمبر 18, 2023 7:15 pm عدل 1 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق :.

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 4:06 pm


    لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك :

    أما لزومهم جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق فهذا أحد الأسس التي قامت عليها عقيدتهم امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فقد استفاضت الأدلة من كتاب الله عزّ وجلّ ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على وجوب لزوم الجماعة والحذر من التفرق وما يؤدي إليه مهما كان نوعه.
    وفي كتاب الله تعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يوضح ويؤكد هذا الجانب بمزيد من العناية والبيان .

    1- الأدلة من كتاب الله تعالى:

    - قال الله تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ )[آل عمران:103].

    - وقال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) [الأنعام:159]

    - قال الله تعالى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) [الأنعام:153]

    وهذه الآيات وغيرها مما جاء في معناها واضحة الدلالة والمراد, وكلها تهدف إلى منع التفرق في الآراء والمعتقدات التي لا يتصف بها قوم إلا كانوا في طريقهم إلى الفضل رغم وضوح هذه الأدلة ورغم حاجة الأمة الإسلامية إلى العمل بمفهوم هذه الآيات البينات إلا أن المسلمين في عصرنا هذا لم يستفيدوا منها
    بل كان بعضهم قريباً من حال الذين أخبر الله عنهم أنهم ازدادوا بمجيء البينات اختلافاً وفرقة وبعداً عن منهج الله تعالى.

    قال تعالى( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) [البينة:4].
    فما أكثر ما يجتمع المسلمون في شكل مؤتمرات وندوات ولقاءات ويكون شعارهم هو العمل بهذه الآية

    ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) [ آل عمران:103]
    ولكنهم يخرجون وهم على أشد ما يكونون من الاختلاف والتنافر وما أكثر ما يقرأ المسلمون هذه النصيحة الإلهية

    ( (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) [آل عمران:105].

    وما أكثر ما يقرؤون غيرها من الآيات ولكن لماذا لم يستفيدوا منها؟

    والجواب:

    أنهم حينما يجتمعون يكون كل فريق وحزب في غاية الإصرار على أن حبل الله الذي يجب التمسك به هو ما هو عليه وحزبه ويجب على الآخرين الانضواء تحت رايتهم والسير على نهجهم وكل يرى نفس هذا الرأي وبالتالي يكون اجتماعهم لتعميق هذه الفرقة فلا يستفيدون من تلاوة هذه الآيات شيئاً لعدم إخضاع رغباتهم وأهوائهم لتحكيمها ولعدم رضاهم بالرجوع إلى الحق الذي هدى الله إليه سلف هذه الأمة وصلح عليه أمرهم وما دام كل حزب وكل فرقة تستدل بالآيات على أن الآخرين مفارقين للحق وأن الحق هو بأيديهم فقط وما داموا كذلك فلا أمل في عودة الوحدة الإسلامية .
    ومن عجيب أمر أهل الأهواء أن البينات التي تفصل النزاعات أصبحت هي بمفاهيم هؤلاء البدعية مصدر الاختلاف والنزاع بسبب عدم التسليم لمفهومها الصحيح وإلا فهي ليست كذلك وحبل الله وصراطه المستقيم واحد لا تعدد فيه .
    ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) [الأنعام:153] فكيف يتعدد الحق؟ وكيف تصبح كل تلك الفرق والطوائف المبتعدة عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعن سبيل المؤمنين؟ كيف يصبحون كلهم على حق؟.
    2- الأدلة من السنة النبوية
    وكما تعددت الأدلة من كتاب الله تعالى على النهي عن التفرق وعلى وجوب التمسك بالجماعة تعددت الأدلة كذلك من السنة النبوية على هذا الجانب الهام في العقيدة الإسلامية.
    ومما ورد في ذلك:
    1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم))  

    2- عن حذيفة رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني )
    فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال: نعم. قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد الخير من شر قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . قلت :  فما تأمرني إن أدركني ذلك قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك))  
    - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ..)) الحديث  
    .
    - وعن عرفجة بن شريح الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان))
    - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة))  
    - وهذه الأحاديث وغيرها مما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تؤكد على وجوب لزوم الجماعة والتحذير من التفرق ولو تمسك بها المسلمون وحققوها لكانوا على الخير الذي مضى عليه السلف الكرام من الصحابة ومن تبعهم بإحسان ولعاد للمسلمين سؤددهم وكرامتهم التي فقدت في عصرنا الحاضر بسبب التفرق وعدم الإذعان لتعاليم الشريعة السمحاء ومع ذلك لا يزال الخير إن شاء الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة ما داموا متمسكين بالحق قولاً وعملاً

    والله تعالى يقول ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد:11]

    جهودهم في خدمة العقيدة

    ولا ريب أن العقيدة الإسلامية صافية نقية محجة بيضاء ولهذا ما إن ظهرت البدع والفتن التي أراد أهلها – بسوء نية –
    التشويش على صفائها وطمس نورها إلا ووقف السلف بكل حزم وشجاعة ويقين لردها والإنكار عليها وعلى أهلها لا تأخذهم في الله لومة لائم فحفظ الله بهم الدين وأتم بهم النعمة ولولا فضل الله ثم تلك الجهود التي بذلوها لاختلط الحق بالباطل
    وقال من شاء في الدين بما شاء ولانتشرت البدع والخرافات الباطلة إلى أن يصبح المسلمون في دينهم كما أصبح عليه من قبلهم ولكن الله لم يرض بهذا فقد تكفل بحفظ دينه الذي ارتضاه إلى يوم القيامة وسخر له رجالاً خدموه يبتغون فضل الله ورضوانه ما كانت تأخذهم في الله لومة لائم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.

    فقد كان السلف من الرعيل الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخلص الناس وأشدهم حفاظاً على شعائر الإسلام, كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم يتناصحون ويرشدون لا يقر لأحدهم قرار إذا رأى منكراً أو بدعة من قريب أو من بعيد لا يداهنون أحداً ولا يرهبون إلا ربهم.
    ولو بدأنا التعرف على جهودهم في زمن الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه لرأينا مدى اهتمامه بالحفاظ على العقيدة الإسلامية صافية نقية وما محاربته لأهل الردة وإرجاعهم إلى الدين إلا مظهر من مظاهر اهتمامه بخدمة العقيدة بل وما كانت هجرته إلى المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أحد الشواهد على ذلك فلقد ترك المال والبنين والأهل والأحبة ليفر إلى البلد الذي يأمن فيه على عقيدته وما إنفاقه في سبيل الله وإعتاقه الرقاب إلا لوجه الله وخدمة عقيدته الحنيفية ولقد أسلم على يده أفذاذ كانوا مفخرة الإسلام والمسلمين ويطول الشرح لو أردنا استقصاء أعماله التي قدمها مبتغياً بها وجه الله وخدمة دينه.
    وكذلك الحال مع الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي اقض مضاجع أعداء الإسلام وأعلى الله به كلمة الحق وظهر المسلمون على أعدائهم ودخل الناس في دين الله أفواجاً وكانت درته سيفاً مسلطاً على رقاب أهل البدع وكانت سيرته العطرة وأخباره المشرقة مثار دهشة وإعجاب العالم أجمع كان شديداً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم شديد على أهل البدع يضربهم بالدرة مؤدباً لرعيته بأقواله وأفعاله.

    دخل عليه شاب طويل الثوب وعمر يجود بنفسه فسلم عليه فلما خرج ناداه عمر فرجع إليه الشاب فقال له: يا بني أقصر من ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك أو كلاماً نحو هذا ولم يشغله ما هو فيه من سكرات الموت حتى عن التنبيه على هذه المسألة فما الظن بغيرها؟
    وقد ضرب رجلاً اسمه صبيغ حتى أدمى رأسه لأنه كان مغرماً بالسؤال عن المتشابهات  وهدد أبا موسى الأشعري حين استأذن ثلاثاً وانصرف قائلاً له لماذا استأذنت ثلاثاً وانصرفت فقال له: هكذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وكان أبو موسى صادقاً وعمر يعرفه بالصدق ولكنه أراد أن يحد ويؤدب من عسى أن تسول له نفسه التقول على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: هات شاهداً وإلا فعلت وفعلت بك ،

    وكان مهاباً رغم تواضعه الجم تهابه الناس وتهابه الشياطين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يسلك وادياً أو فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً آخر وأخباره لا تستقصيها هذه العجالة رضي الله عنه.
    وبعد وفاته واستشهاده خلفه عثمان رضي الله عنه فأبلى في الإسلام وفي خدمته وفي الفتوحات ونشر الإسلام وخدمة العقيدة الحنيفية ما طفحت به المراجع التاريخية.
    ومن أجل خدماته للإسلام كرمه الواسع ابتغاء مرضات الله تعالى وإنفاقه الذي فاق التصور ثم فتوحاته ونشر الإسلام ولا ينسى القارئ أجل خدمة قام بها عثمان في شأن كتاب الله تعالى إلى أن استشهد على يد البغاة عاقبهم الله بما يستحقون.
    ثم خلفه علي رضي الله عنه على نفس الأهداف في خدمة الدين ورفع رايته ومحاربة أهل الكفر وأهل البدع بأقواله وأفعاله حتى لقي ربه  .
    ثم جاءت الدولة الأموية وكان لأول ملوكهم معاوية رضي الله عنه وهو من خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين خدماته الجليلة للإسلام والمسلمين فقد فُتحت البلدان الكثيرة في عهده وعهد خلفائه وانتشر الإسلام انتشاراً واسعاً وكان رضي الله عنه محارباً لكل محدث في الدين حماية للعقيدة الإسلامية أن تدنس بالشبهات.
    ونبغ في عهد الدولة الأموية ثم العباسية علماء أجلاء خدموا الدين وقدموا أنفسهم في سبيل الحفاظ على صفائه ونقائه.
    ولم يخل عهد من العهود إلا وفيه جهابذة من علماء السنة ومن المحافظين على بقاء ونقاء الإسلام إلى يومنا الحاضر ولله الحمد فلا ننسى تلك المواقف المشرفة لعلماء السلف في خدمة الدين الإسلامي.
    أمثال الإمام المبجل إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن جاء في العهد القريب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي جدد الله به كثيراً من السنن التي كادت أن تندثر وأذل به كثيراً من أهل البدع التي انتشرت وأخذت حيزاً واسعاً في عقول المسلمين ويطول جداً ذكر علماء السنة وذكر جهودهم في خدمة العقيدة فقد كُتبت المطولات العديدة في هذا الشأن ومن الصعوبة حصرها جميعاً أو حصر جهود مؤلفيها في وقفاتهم التي أصبحت نموذجاً يحتذى به ومشعلاً يستضاء به تلك الجهود التي قمع بها فتن المارقين أصحاب البدع ومختلف الفرق من جهمية ومعتزلة أشعرية و ماتريدية وخوارج ومرجئة من بدء ظهورهم إلى يومنا الحاضر فأدوا الأمانة الملقاة على عواتقهم وابرؤوا ذممهم ونصحوا الأمة فحذروا وبينوا وألفوا الكتب والمقالات وكم لهم من محاضرات ومناظرات دحضوا فيها شبه الضالين وأقاموا الحجة على كل السامعين فانقلبوا بنعمة من الله تعالى وما هذه المؤلفات العديدة التي تزخر بها المكتبات الإسلامية إلا ثمرة من ثمار جهودهم وأقوى الشواهد على بلائهم.

    :وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى :

    فإن الله تعالى في عقيدة أهل السنة لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء فذاته بخلاف ما يتصور العقل،
    له ذات تليق بجلاله وله صفات تليق بجلاله وله أسماء تليق بجلاله حتى ولو كانت صفاته وأسماؤه قد أطلقت على المخلوق
    فإن العقل يدرك تماماً أن مجرد الاتفاق في التسمية لا يدل على المماثلة وهو واضح في المخلوقات تمام الوضوح فكيف بالخالق سبحانه وتعالى ولقد ضلت سائر الملل عن هذا المنهج فبعضهم وصف ذات الله تعالى بأنها كذوات خلقه وهم اليهود والمشبهة, وبعضهم وصفوا غير الله تعالى بذات الله كالنصارى حينما ادعوا أن المسيح ابن الله وأنه إله، واليهود وصفوه عزّ وجلّ بأنه قد كبر وشاخ ولم يعد قادراً على تصريف الأمور إلا بمشورة موسى عليه السلام  كما تدل على ذلك التوراة ونصوص التلمود وتصريح زعماء إسرائيل ووصفوه بالنقص وألحقوا العيوب به فلا فرق بينه وبين خلقه تعالى في مفاهيم المنحرفة.
    ولكن عند المسلمين هو سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
    وقرروا أن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات فكما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين وهذا المفهوم السهل الواضح وهو ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ولولا ظهور الشبهات واستحواذ الشياطين على عقول المخالفين لكان تصور ما تقدم يكفي لردهم إلى الحق.

    : وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء :

    وأهل السنة وسط في ما يتعلق بأنبياء الله تعالى فهم يؤمنون بأنهم بشر مثل سائر البشر شرفهم الله بوحيه ورسالته وأنهم أطهر الناس وأعقل الناس ولكن لا يرفعونهم فوق مرتبتهم ولا ينزلونهم عن قدرهم, ويؤمنون أنهم لا يعلمون الغيب ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله.
    بينما تجد التوراة مملوءة بذكر عيوب أنبياء الله وأنهم حسب إفك كتاب التوراة من أحرص الناس على المال وأشدهم طلباً ولو كان سبيل ذلك تقديم العرض كما يكذبون على خليل الله إبراهيم وزوجته سارة وأنهم - وحاشاهم- زناة كما يكذبون على لوط ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم وبينما تجد هذا البهت عند اليهود تجد أن النصارى قابلوهم بالضد فادعوا لبعض الأنبياء وغيرهم الألوهية كعيسى عليه الصلاة والسلام وأمه وروح القدس.
    ثم غلوا في علمائهم فأنزلوهم منزلة الخالق في التشريع والتحليل والتحريم كما أخبر الله عنهم وبرأ الله المسلمين من ذلك كله وأهل السنة والجماعة في قمة التوسط في نظرتهم إلى علمائهم .

    وما أكثر ما كان يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله))
    كما نجد في القرآن الكريم أكثر من آية يوجه الله الخطاب فيها إلى أهل الكتاب ويذمهم بسبب غلوهم في الأنبياء وفي عبادتهم التي قامت على الإفراط والتفريط اتباعاً لما تمليه عليهم الشياطين.

    : وسطيتهم في عبادة الله تعالى :

    سلك أهل السنة مسلكاً صحيحاً يؤيده الكتاب والسنة حيث عبدوا الله بما شرع لهم في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
    لا يزيدون في عبادتهم ولا ينقصون كما شرع لهم ربهم، ولا يشرعون لأنفسهم عبادة لم يؤيدها الدليل في كل جزئية من أمور العبادة البدنية أو القولية بينما تجد من خرج عن هدى الإسلام قد جعل إلهه هواه وأهل الكتاب هم القمة في هذه الصفة الذميمة.
    فاليهود –وهم أهل تفلت وتحريف واستكبار- نجدهم من أشد الناس ابتعاداً عن العبادة حسب ما شرع الله لهم ومن أشد الناس كسلاً عنها، فقد أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجداً فدخلوه زحفاً على أعقابهم وأمرهم أن يقولوا حطة فقالوا حنطة بل وأمرهم أن يدخلوا فلسطين فقالوا لموسى( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )[المائدة:24] بل وأمرهم الله تعالى أن يعبدوه فعبدوا العجل والحية نخشتان وآلهة أخرى.
    ولهذا وصفهم موسى عليه الصلاة والسلام بأنهم أصلاب غلاظ الرقبة عصاة أصحاب عناد واستكبار وحب للفتن.
    ووضعهم اليوم في فلسطين مع جيرانهم أقوى شاهد على هذا السلوك البغيض منهم فإنهم لا يعيشون إلا في الفتن وتأجيجها وفي التفنن في المؤامرات.
    وأما النصارى فهم بضد اليهود غلوا في العبادة والتقرب إلى الله حتى خرجوا عن منهج الله وأمره بتزيين الشيطان لهم, وحرموا على أنفسهم ما أحل لهم وابتدعوا رهبانية لم يستطيعوا القيام بها.
    وقد وصف الله هذا السلوك الأحمق بقوله تعالى( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ  )[الحديد:27]
    : وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة :

    من أصول أهل السنة والجماعة في باب الصفات:
    - وجوب الإيمان واليقين بجميع أسماء الله وصفاته كما وردت بألفاظها الشرعية نفياً وإثباتاً بينما نجد المشركين وأهل الكتاب في غاية البعد عن التزام ذلك.
    - وأن لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه العظيم ولا يجوزون اختراع أسماء أو صفات لله تعالى لم ترد في الوحيين.
    - الإيمان بمعاني الصفات وقطع الطمع عن البحث في كيفياتها.
    - الإيمان بأن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر.
    - الإيمان بأن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات.
    وهذه الأمور المجملة عن عقيدتهم في هذا الجانب هو الذي يتفق ونصوص الشرع, ويرتاح العقل إلى قبوله، فهو أمر منطقي لا تكلف فيه ولا هضم وهو الذي عاد إليه المتنطعون من أصحاب علم الكلام وأقروا به وأذعنوا وندموا على مخالفتهم له بسبب تشبعهم بفلسفة اليونان وحكمائهم الجاهلين.
    وهذه العقيدة سهلة وواضحة بعيدة عن التصورات الباطلة ولهذا فقد أراحوا أنفسهم من الدخول في ظلمات الشكوك والتخيلات التي لا تقف عند حد فتجدهم يعبرون عن معتقدهم في هذا الباب بأنهم يؤمنون بكل ما أخبر الله عنه في كتابه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم من صفات عليا.
    ويعرفون معنى كل صفة ويفوضون في الكيفيات ويعلمون أن صفات الله لا تشبه صفات خلقه معتمدين قوله عزّ وجلّ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ  )[الشورى:11]
    وينفون عنه كل صفة تشعر بالذم أو لم ترد في الكتاب ولا في السنة ويتوقفون في إطلاق الأسماء والصفات عليه جل وعلا إذا لم ترد في الكتاب والسنة.
    وهذا بخلاف ما عليه غيرهم من أهل الكلام ممن ينتسبون إلى الإسلام وممن لا ينتسبون إليه مثل اليهود والنصارى
    فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات النقص والذم ومثلوه بخلقه وقد أخبر عزّ وجلّ عنهم أنهم وصفوه بالبخل قال تعالى( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) [المائدة:64]
    ووصفوه بالفقر كما قال تعالى عنهم   ( لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ) [آل عمران:181]
    ووصفوه في التوراة وفي التلمود بأنه يتعب ويندم ويبكي ويلهو مع حواء ويعقد شعرها ويلعب مع السمكة الكبيرة وأنه يقرأ التوراة كل يوم وقبل النوم وأنه لا يعرف الأشياء إلا بعد وقوعها وأنه مثل الأخطبوط وأنه يكتب بالقلم ووصفوه بالنسيان الكثير والوقوع في الأخطاء والتوبة منها وغير ذلك من الصفات التي ملئت بها التوراة مما لا يتسع المقام لبسطه هنا.
    ولم ينتشر التشبيه والتجسيم إلا من قبل اليهود المفترين،
    وأما النصارى فإنهم في صفات الله تعالى على وفق ما عليه الوثنيون لأن النصرانية التي أحدثها بولس هي عين الوثنية ولهذا راقت في نظر قسطنطين وسائر الوثنيين من أباطرة الرومان فتظاهروا بأنهم على النصرانية.
    وقد مدحوا بعض من يؤلهونهم بكل صفات الله تعالى وتقدس كما ادعوا في المسيح عليه السلام وادعوا أن لله ولداً وصاحبة –المسيح وأمه- وأن المسيح يجلس إلى جوار أبيه وأنه وحيد الله تعالى وغير ذلك من عقائدهم الباطلة التي تبرأ منها المسيح ومن معتقديها في الدنيا والآخرة كما بين الله تعالى ذلك في كتابه الكريم.
    ------------------------------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا - تابعونا -- جزاكم الله خيرا
    -
    التالي :
    -
    أسباب الاهتمام بالناحية السلوكية


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الثلاثاء سبتمبر 19, 2023 1:33 pm عدل 9 مرات
    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty أسباب الاهتمام بالناحية السلوكية :. مصدر السلوك والأخلاق هو الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 4:16 pm

    : أسباب الاهتمام بالناحية السلوكية :

    1- اهتم السلف الصالح بتزكية النفوس، واعتنوا بالجانب السلوكي والأخلاقي علماً وفقهاً، كما حققوه عملاً وهدياً، فأفردوا كتباً مستقلة في الزهد والرقائق ونحوهما بل إن أئمة السلف يوردون الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنة في ثنايا كتب العقيدة.
    كما قال الإسماعيلي (ت 371هـ ) في اعتقاد أهل السنة :
    ( ويرون مجانبة البدعة والآثام، والفخر، والتكبر، والعجب، والخيانة، والدغل، والاغتيال، والسعاية، ويرون كف الأذى، وترك الغيبة، إلا لمن أظهر بدعة وهوى يدعو إليهما، فالقول فيه ليس بغيبة عندهم) .
    وقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الصابوني (ت 449هـ ) في عقيدة السلف- (والمنكح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه ويتقون الجدال في الله، والخصومات فيه، ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات)   .
    وقال قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصفهاني (ت 535هـ):
    (ومن مذهب أهل السنة التورع في المآكل والمشارب والمناكح، والتحرر من الفواحش والقبائح، والتحريض على التحابّ في الله عز وجل، واتقاء الجدال والمنازعة في أصول الدين، ومجانبة أهل الأهواء والضلالة، وهجرهم ومباينتهم، والقيام بوفاء العهد والأمانة، والخروج من المظالم والتبعات، وغض الطرف عن الريبة والحرمات، ومنع النفس عن الشهوات، وترك شهادة الزور، وقذف المحصنات، وإمساك اللسان عن الغيبة والبهتان، والفضول من الكلام، وكظم الغيظ والصفح عن زلل الإخوان، والمسابقة إلى فعل الخيرات، والإمساك عن الشبهات، وصلة الأرحام، ومواساة الضعفاء، والنصيحة في الله والشفقة على خلق الله، والتهجد لقيام الليل لا سيما لحملة لقرآن، والبدار إلى أداء الصلوات)   .
    وذكر ابن تيمية - رحمه الله - جملة من الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنة،
    ومن ذلك قوله - (يأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ))، ويندبون أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفا سفها)  .

    2- هناك تلازم بين السلوك والاعتقاد، فالسلوك الظاهر مرتبط بالاعتقاد الباطن، ومن ثم فإن الانحراف الواقع في سلوكنا وأخلاقنا الظاهرة إنما هو ناشئ عن نقص في إيماننا الباطن.
    يقول ابن تيمية موضحا ًهذا التلازم - (إذا انقضت الأعمال الظاهرة الواجبة، كان ذلك نقص ما في القلب من الإيمان، فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجود هذا كاملاً وجود هذا كاملاً، كما لزم من نقص هذا نقص هذا، إذ تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعمل، كتقدير موجب بلا موجبه، وعلة تامة بلا معلولها، وهذا ممتنع)   .
    ويقول أيضاً - (وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له، لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الباطنة، فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ودليله ومعلولة، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضاً تأثير فيما في القلب، فكل منهما يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه)   .
    ويقول الشاطبي في هذه المسألة - (الأعمال الظاهرة في الشرع دليل على ما في الباطن، فإن كان الظاهر منخرماً، حكم على الباطن بذلك، أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك أيضاً، وهو أصل عام في الفقه، وسائر الأحكام العاديات، والتجريبيات، بل الالتفات إليهما من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جداً)   .
    إضافة إلى ذلك، فإن الإيمان إذا جاء مطلقاً مجرداً  فإنه يندرج فيه السلوك والأخلاق وسائر الأعمال الصالحة، كما في حديث الإيمان -مثلا - حيث قال صلى الله عليه وسلم :
    ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).
    وكما يقول ابن تيمية- (اسم الإيمان يستعمل مطلقاً، ويستعمل مقيداً، وإذا استعمل مطلقاً فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة، يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين يجعلون الإيمان قولاً وعملاً. .. ودخل في ذلك ما قد يسمى مقاماً وحالاً، مثل الصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرضا، والخشية، والإنابة، والإخلاص، والتوحيد وغير ذلك)  .

    3- يترتب على تحقيق الجانب الخلقي السلوكي الأجر الكثير والثواب الجزيل، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية.
    فقد عد الله تعالى في كتابه مخالقة الناس بخلق حسن من خصال التقوى، بل بدأ بذلك في قوله  (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [آل عمران: 133-134].
    وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخلق أكمل خصال الإيمان فقال - ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا ً)).
    كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن يبلغ بخلقه درجة الصائم القائم فقال - ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات الصائم القائم )).
    وجاء في أحاديث أخرى أن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان وأن صاحبه أحب الناس إلى الله وأقربهم من النبيين مجلساً.
    فقال صلى الله عليه وسلم - ((ما من شئ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق)).
    وقال صلى الله عليه وسلم - ((ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ؟ قالوا : بلى: قال : أحسنكم خلقاً)).
    قال ابن القيم رحمه الله- (الدين كله خلق، فما زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين) .
    وقال ابن رجب رحمه الله - عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم ((وخالق الناس بخلق حسن)).
    (هذا من خصال التقوى، ولا تتم التقوى إلا به، وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه، فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده فنص له على الأمر بإحسان العشرة للناس، فكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمالُ حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جداً لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأنبياء والصديقين)  .

    4- وإذا كان سلفنا الصالح قد اعتنوا كثيراً بالسلوك علماً وعملاً، لأهميته وقيام التلازم بين السلوك الظاهر والإيمان الباطن، إضافة إلى الوعد الكريم والأجر الكبير لأصحاب السلوك الشرعي.
    مع ذلك كله فإن الناظر إلى واقع الكثير منا - معشر المنتسبين لأهل السنة - يرى تقصيراً وتهاوناً في هذا المجال، فأنت تشاهد تفرقاً وخصومة، وجدلاً ومراءً، وأهواء وشهوات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    : مصدر السلوك والأخلاق هو الكتاب والسنة :

    إن مصدر تلقي السلوك والأخلاق عند السلف الصالح هو الكتاب والسنة، فإنهم أهل أتباع، وأرباب طريقة أثرية.

    قال تعالى ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) [النحل: 99]
    وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [النساء: 59]
    وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : ((لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علماً)).
    يقول ابن تيمية : (إن السلوك هو بالطريق التي أمر الله بها ورسوله من الاعتقادات والعبادات والأخلاق وهذا كله مبين في الكتاب والسنة، فإن هذا بمنزلة الغذاء الذي لا بد للمؤمن منه. ولهذا كان جميع الصحابة يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة والتبليغ عن الرسول، لا يحتاجون في ذلك إلى فقهاء الصحابة.
    وفي السلوك مسائل تنازع فيها الشيوخ، لكن يوجد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على الصواب في ذلك ما يفهمه غالب السالكين، فمسائل السلوك من جنس مسائل العقائد كلها منصوصة في الكتاب والسنة
    ) .
    ويقول أيضاً : (المعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ن فمن بنى الكلام في العلم – الأصول والفروع – على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة، وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البد نية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريقة أئمة الهدى)  .

    وعندما ذكر الإمام الذهبي السلوك الصحيح، نجده لا يورد إلا ما دل عليه الدليل،
    كما هو ظاهر مقالته الآتية (السلوك الكامل هو الورع في القوت، والورع في النطق، وحفظ اللسان، وملازمة الذكر، وترك مخالطة العامة، والبكاء على الخطيئة والتلاوة بالترتيل والتدبر، ومقت النفس وذمها في ذات الله، والإكثار من الصوم المشروع، ودوام التهجد، والتواضع للمسلمين، وصلة الرحم، والسماحة وكثرة البشر والإنفاق مع الخصاصة، وقول الحق المر برفق وتؤدة، والأمر بالمعروف، والأخذ بالعفو، والإعراض عن الجاهلين والرباط بالثغر، وجهاد العدو، وحج البيت، وتناول الطيبات في الأحايين، وكثرة الاستغفار في السحر، فهذه شمائل الأولياء، وصفات المحمديين، أماتنا الله على محبتهم)  .
    ويقرر ابن القيم أن السلوك وتزكية النفوس لا يكون إلا عن طريق الرسل عليهم السلام فيقول : (وتزكية النفوس مسلم إلى الرسلوإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة، وتعليماً، وبياناً، فهم المبعثون لعلاج نفوس الأمم. قال الله تعالى ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ  )[الجمعة: 2].
    وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة، التي لم يجئ بها الرسل، فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد، والتسليم لهم، والله المستعان)  .
    وهذا السلوك الشرعي على مرتبتين كما قرره ابن تيمية بقوله : (والسلوك سلوكان : سلوك الأبرار أهل اليمن، وهو أداء الواجبات وترك المحرمات باطنًا وظاهراً ). والثاني : سلوك المقربين السابقين وهو فعل الواجب والمستحب بحسب الإمكان، وترك المكروه والمحرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)).
    وإذا كان عامة من ضل في باب الاعتقاد بسبب الإعراض عن ما جاء به الرسول  ،
    فكذلك الضلال في باب السلوك، إنما كان ناشئاً – في الجملة – بسبب الإعراض عن نصوص الوحيين، كما هو ظاهر في متأخري الصوفية، وأرباب الطرق المحدثة .
    قال تعالى : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه: 123- 126].
    قال ابن عباس رضي الله عنهما : (تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل به، أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية).
    بل إن البدع في باب السلوك أكثر من البدع الاعتقادية، كما بين ذلك ابن تيمية بقوله : (ولا ريب أن البدع كثرت في باب العبادة والإرادة أعظم مما كثرت في باب الاعتقاد والقول، لأن الإرادة يشترك الناس فيها أكثر مما يشتركون في القول، فإن القول لا يكون إلا بعقل، والنطق من خصائص الإنسان، وأما جنس الإرادةفهو مما يتصف به كل الحيوان فما من حيوان إلا وله إرادة)  .
    لقد صنف متأخرو الصوفية كتبًا كثيرة في السلوك، وغلب على تلك الكتب قلة العلم بالسنن والآثار، وكثرة الموضوعات، والتعويل على أخبار متأخري الزهاد، ومع ذلك فلا تخلو تلك الكتب من حق وصواب .
    وسمى أرباب الطرق الصوفية ما أحدثوه من البدع (حقيقة)، فطريق الحقيقة عندهم هو السلوك الذي لا يتقيد صاحبه بأمر الشارع ونهيه ، بل قدموا أذواقهم ومواجيدهم وكشوفاتهم الباطلة على نصوص الوحيين .
    يقول ابن تيمية في هذا الصدد  :
    (من عارض كتاب الله وجادل فيه بما يسميه معقولات وبراهين وأقيسة، أو ما يسميه مكاشفات ومواجيد وأذواق، من غير أن يأتي على ما يقوله بكتاب منزل فقد جادل في آيات الله بغير سلطان، هذا حال الكفار الذين قال فيهم : ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4].
    فهذه حال من يجادل في آيات الله مطلقاً .
    وقال ابن القيم – مبيناً خطورة الابتداع في السلوك:
    (وعامة من تزندق من السالكين فلإعراضه عن دواعي العلم، وسيره على جادة الذوق والوجد، ذاهبة به الطريق كل مذهب فهذه فتنته ن والفتنة به شديدة) .
    وليس هذا فحسب، بل أغلوا في الانحراف والإعراض عن هدي الله تعالى، حتى قال قائلهم : حدثني قلبي عن ربي وقال بعضهم : نحن نأخذ علمنا من الحي الذي لا يموت وأنتم تأخذونه من حي يموت، وقال الآخر : العلم حجاب بين القلب وبين الله عز وجل، وقال رابعهم : إذا رأيت الصوفي يشتغل بـ (أخبرنا) و (حدثنا) فأغسل يدك منه !!
    قال أبو الوفاء ابن عقيل (ت 513هـ ) في نقد تلك الأقاويل :
    (فإذا قالوا (أي الصوفية ) عن أصحاب الحديث قالوا : أخذوا علمهم ميتًا عن ميت، فقد طعنوا في النبوات، وعولوا على الواقع، ومتى أزري على طريق، سقط الأخذ به .ومن قال : حدثني قلبي عن ربي فقد صرح أنه غني عن الرسول، ومن صرح بذلك فقد كفر، فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة، ومن رأيناه يزري أن يكون من إلقاء الشياطين ن فقد قال الله عز وجل ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ  [الأنعام: 121]. وهذا هو الظاهر، لأنه ترك الدليل المعصوم وعول على ما يلقى في قلبه الذي لم تثبت حراسته من الوساوس)  .
    وقال ابن القيم معلقاً على تلك العبارات  :
    (ومن أحالك على غير (اخبرنا) و(حدثنا) فقد أحالك إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي، فليس بعد القرآن و(ـخبرنا) و(حدثنا) إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين، ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي طريق الجحيم والشيطان الرجيم) .
    فلما أعرض أهل التصوف عن الطريقة النبوية السلفية، تلاعب بهم الشيطان، فأوقعهم في الإفراط والتفريط، فتراهم أصحاب تشدد وتنطع ورهبانية محدثة، وحديث عن الدقائق من (الوساوس) و (الخطرات).
    ثم في المقابل تجدهم أهل سماع بدعي، وأرباب رقص وغناء، ومصاحبة للأحداث، وعشق للصور المحرمة.
    قال ابن رجب - في بيان حال القوم  :-
    ( ومما أحدث من العلوم، الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك، بمجرد الرأي والذوق أو الكشف، وفيه خطر عظيم وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيره.
    وقد اتسع الخرق في هذا الباب، ودخل فيه قوم إلى أنواع الزندقة والنفاق، ودعوى أن أولياء الله أفضل من الأنبياء، أو أنهم مستغنون عنهم...وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شئ، فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص، وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس كعشق الصور المحرمة ونظرها، وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة، وبعضه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة والغناء والنظر المحرم، وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً
    )  .
    إذا تقرر ما سبق، وعرفنا اعتماد السلف الصالح على الكتاب والسنة، وأن طريقهتم في السلوك في غاية الإتباع، وأما أرباب الطرق الصوفية ففي منتهى الإحداث والابتداع. فها هنا سؤال يفرض نفسه وهو إذا لم يتيسر المسلك الشرعي الخالص إلا بنوع من الابتداع فما العمل؟
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – مجيبًا عن هذا السؤال : (وقد يتعذر أو يتعسر على السالك سلوك الطرق المشروعة المحضة إلا بنوع من المحدث لعدم القائم بالطريق المشروعة علماً وعملاً، فإذا لم يحصل النور الصافي، بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف، وإلا بقي الإنسان في الظلمة، فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة، إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النور بالكلية..)

    المطلب الثاني: الوسطية:


    من المعلوم أن أهل السنة والجماعة هم الوسط في فرق الأمة، فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين المرجئة الذين يقولون إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء، والأعمال الصالحة ليست من الإيمان، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية، كما أنهم وسط في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج. فإذا كان أهل السنة وسطاً في باب الاعتقاد، فكذلك هم وسط في باب السلوك بين طرفي الإفراط والتفريط، فدين اله بين الغالي فيه والجافي عنه. إن إيمان أهل السنة بجميع النصوص الثابتة في مسألة ما قد أورثهم الخيرية والوسطية بين الفرق،
    وكما قال ابن تيمية ؛(وكذلك (أهل السنة) في سائر أبواب السنة هم وسط، لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه السابقون والأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) .
    ويقرر الشاطبي مفهوم الوسطية في هذا الدين فيقول :
    (الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جارٍ على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال.. فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف، أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى احد الطرفين، كان التشريع رادا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعدال فيه.. إلى أن قال  :- فإذا نظرت في كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط، فإن رأيت ميلاً إلى جهة طرف من الأطراف، فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في الطرف الآخر.
    فطرف التشديد – وعامة ما يكون في التخويف والترهيب والزجر – يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدين.
    وطرف التخفيف – وعامة ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص – يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التوسط لائحاً، ومسلك الاعتدال واضحاً، وهو الأصل الذي يرجع إليه.
    وعلى هذا إذا رأيت في النقل من المتبرعين في الدين من مال عن التوسط، فاعلم أن ذلك مراعاة منه لطرف واقع أو متوقع في الجهة الأخرى، وعليه يجري النظر في الورع والزهد، وأشباههما، وما قابلهما
    )  .

    والآن نورد أمثلة على وسطية أهل السنة في السلوك على النحو التالي :-
    أ- أهل السنة والجماعة وسط في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الوعيدية والمرجئة، فالوعيدية من الخوارج والمعتزلة قد ينكرون المنكر، لكن بنوع من التعدي والإفراط، فجوزوا الخروج على أئمة الجور وقتالهم، مما ترتب عليه أنواع من الفساد والمنكرات أكثر مما أزالوه..
    وأما المرجئة فقد تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظناً أن ذلك من باب ترك الفتنة.
    أهل السنة يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، مع مراعاة مقاصد الشريعة، والحرص على لزوم الجماعة والائتلاف، والبعد عن الفرقة والاختلاف. يقول ابن تيمية :
    (أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم يرون قتال أئمة الجور، والخروج عليهم إذا فعلوا ماهو ظلم، أو ماظنوه هم ظلماً، ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظناً أن ذلك من باب ترك الفتنة، وهؤلاء يقابلون لأولئك، ولهذا ذكر الأستاذ أبو منصور الماتريدي المصنف في الكلام وأصول الدين من الحنفية الذين وراء النهر ما قابل به المعتزلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذكر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سقط في هذا الزمان) .
    ويقول في موضع آخر  :
    (الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض جهاد من يستحق الجهاد، كهؤلاء القوم المسئول عنهم (التتار)، مع كل أمير وطائفة هي أولى بالإسلام منهم، إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك، واجتناب إعانة الطائفة التي تغزو معها على كل شئ من معاصي الله، بل يطيعهم في طاعة الله، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
    وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديماً وحديثاً، وهي واجبة على كل مكلف، وهي متوسطة بين طرفي الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً وإن لم يكونوا أبراراً
    )  .
    ب- أهل السنة والجماعة وسط في باب الإخلاص بين المرائين والملامية.
    فالمراؤن يعملون الصالحات بقصد رؤية الناس وطلب مدحهم وثنائهم، وأما الملامية فعلى النقيض من ذلك، فهم يفعلون ما يلامون عليه، ويقولون نحن متبعون في الباطن  .
    فأهل السنة يعملون الطاعات ابتغاء وجه الله تعالى، فإذا ألقى الله لهم الثناء الحسن في قلوب الناس بذلك، فتلك عاجل بشرى المؤمن، فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه،
    فقال ((تلك عاجل بشرى للمؤمن)).
    لقد جمع أهل السنة بين صحة القصد والإرادة، وصلاح العمل وموافقته للشرع، تحقيقاً لقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) [الكهف: 110].
    ج – أهل السنة والجماعة وسط بين المشتغلين بالعبادات القلبية فقط – كالصوفية -، والمشتغلين بالعبادات الظاهرة فحسب –
    مثل بعض الفقهاء – فقام أهل السنة بالعبادات الظاهرة والباطنة معاً.
    يقول ابن تيمية : (كثر في المتفقهة من ينحرف عن طاعات القلب وعباداته، من الإخلاص لله، والتوكل عليه، والمحبة له، والخشية منه، ونحو ذلك.
    وكثر في المتفقرة والمتصوفة من ينحرف عن الطاعات الشرعية، فلا يسألوا إذا حصل لهم توحيد القلب وتأهله أن يكون ما أوجبه الله من الصلوات، وشرعه من أنواع القراءة والذكر والدعوات أن يتناولوا ما حرم الله من المطاعم، وأن يتعبدوا بالعبادات البدعية من الرهبانية ونحوها، ويعتاضوا بسماع المكاء والتصدية عن سماع القرآن
    )  .
    ويقول ابن القيم : (إن لله على العبد عبوديتين : عبودية باطنة، وعبودية ظاهرة فله على قلبه عبودية، وعلى لسانه وجوارحه عبودية، فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنة مما لا يقربه إلى ربه، ولا يوجد له الثواب وقبول عمله. ولما رأى بعض أرباب القلوب طريقة هؤلاء (الفقهاء)، انحرف عنها هو إلى أن صرف همه إلى عبودية القلب، وعطل عبودية الجوارح، وقال المقصود قيام القلب بحقيقة الخدمة والجوارح تبع.
    والطائفتان متقابلتان أعظم تقابل، هؤلاء لا التفات لهم إلى عبودية جوارحهم، ففسدت عبودية قلوبهم، وأولئك لا التفات لهم إلى عبودية قلوبهم، ففسدت عبودية جوارحهم، والمؤمنون العارفون بالله وبأمره قاموا له بحقيقة العبودية ظاهراً وباطناً، وقدموا قلوبهم في الخدمة، وجعلوا الأعضاء تبعاً لها، فأقاموا الملك وجنوده في خدمة المعبود، وهذا هو حقيقة العبودية
    )  .

    د- أهل السنة وسط بين من يريد من الله ولا يريد الله، وبين من يريد الله ولا يريد منه، فأهل السنة يريدون الله تعالى، ويريدون ثوابه، فهم خواص خلقه، قال تعالى ( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً  )[الأحزاب: 29].
    وأما الذين يريدون من الله ولا يريدون الله، فهؤلاء ليس في قلوبهم غير إرادة نعيم الجنة المخلوق، كحال أكثر المتكلمين، المنكرين رؤية الله تعالى، والتلذذ بالنظر على وجهه في الآخرة، وهم عبيد الأجرة المحضة، فهؤلاء لا يريدون الله تعالى وتقدس، ومنهم من يصرح بأن إرادة الله تعالى محال.
    وأما الذين يريدون الله ولا يريدون منه، فكحال الصوفية..
    ومنشأ اشتباه واضطراب كلا الفريقين أنهم ظنوا أن الجنة التنعم بالمخلوق من أكل وشرب ونكاح ولباس... ثم صاروا فريقين، أحدهما : أنكروا رؤية المؤمنين لربهم كالمتكلمين من المعتزلة والجهمية ونحوهم، والفريق الآخر أثبتوا الرؤية، لكن اخطؤا من جهة أنهم جعلوا ذلك خارجاً عن الجنة، فاسقطوا حرمة اسم الجنة.

    هـ- أهل السنة وسط بين أهل الفجور والفواحش، وأصحاب الرهبانية والتشدد.
    فأهل الفجور هم المترفون المنعمون، ممن أسرفوا على أنفسهم، فأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وأما المترهبون فأوقعهم في البدع غلوهم وتشديدهم، فحرموا ما أحل الله من الطيبات.
    قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [المائدة: 87].
    فنهى سبحانه عن تحريم ما أحل الله من الطيبات، وعن الاعتداء في تناولها وهو مجاوزة الحد، وقد فسر الاعتداء في الزهد والعبادة، بأن يحرموا الحلال ويفعلوا من العبادة ما يضرهم، فيكونوا قد تجاوزوا الحد وأسرفوا، وقيل: لا يحملنكم أكل الطيبات على الإسراف وتناول الحرام من أموال الناس
    -----------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا - تابعونا - جزاكم الله خيرا
    -
    التالي :
    -
    : موافقة النصوص الشرعية لفظا ومعنى  :


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الأربعاء سبتمبر 20, 2023 8:06 am عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty موافقة النصوص الشرعية لفظا ومعنى :. مراعاة أحوال المكلفين وقدراتهم وطبائعهم :. الاهتمام بالجانب الواقعي الإيجابي

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 4:19 pm

    : موافقة النصوص الشرعية لفظا ومعنى  :

    من معالم أهل السنة في السلوك  موافقة النصوص الشرعية لفظاً ومعنى  .
    فيتأدبون مع المصطلحات الشرعية الدينية، ويستمسكون بألفاظها ومعانيها، ويحققون حدودها وتعريفاتها علماً وعملاً.
    وسنتحدث عن هذه المسألة من خلال ما يلي:
    أ- أثنى الله على من عرف حدود ما أنزل الله تعالى على رسوله، وذم من جهلها فقال سبحانه ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ  )[التوبة: 97].
    يقول ابن القيم :
    عرفة منازل العبودية ومراتبها من تمام معرفة حدود ما انزل الله على رسوله، وقد وصف الله تعالى من لم يعرفها بالجهل والنفاق، فقال تعالى ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [التوبة: 97]..فبمعرفة حدودها دراية والقيام بها رعاية، يستكمل العبد الإيمان ويكون من أهل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ  .)
    ويقول أيضاً :
    (فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود، ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهي، ولا يخرج منها ما هو داخل فيها... واعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلاً)  .

    ب – يقرر ابن تيمية الواجب نحو الألفاظ الشرعية فيقول :
    (الألفاظ التي جاء بها الكتاب والسنة علينا أن نتبع ما دلت عليه، مثل لفظ الإيمان، والبر، والتقوى والصدق، والعدل، والإحسان والصبر، والشكر، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحب لله، والطاعة لله وللرسول، وبر الوالدين، والوفاء بالعهد ونحو ذلك مما يتضمن ذكر ما أحبه الله ورسوله من القلب والبدن، فهذه الأمور التي يحبها الله ورسوله هي الطريق الموصل إلى الله، مع ترك ما نهى الله عنه ورسوله كالكفر والنفاق والكذب، والإثم والعدوان، والظلم والجزع والهلع، والشرك والبخل والجبن، وقسوة القلب والغدر وقطيعة الرحم ونحو ذلك، فعلى كل مسلم أن ينظر فيما أمر الله به ورسوله فيفعله، وما نهى الله عنه ورسوله فيتركه، هذا هو طريق الله وسبيله ودينه الصراط المستقيم )   .
    ويقول أيضاً : (الألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها ليثبت ما أثبته، وينفي ما نفاه من المعاني، فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما اخبر، ونطيعه في كل ما أوجب وأمر...) .

    ج- إن تحقيق معنى الأمور السلوكية، والعلم بحدودها وضوابطها الشرعية هو السبب في تمييز تلك الأمور المشروعة من غيرها.
    فكثيراً ما يشتبه الزهد الشرعي -مثلاً- بالكسل والعجز والبطالة عن الأوامر الشرعية، وكثيراً ما تشتبه الرغبة الشرعية بالحرص والطمع والعمل الذي ضلّ سعي صاحبه. وكثيراً ما يشتبه التوكل بالإضاعة، فيضيع العبد حظه، ظنَّا منه أن ذلك تفويض وتوكل، وإنما هو تضيع.
    د- إن كان ثمت ألفاظ مجملة في باب الاعتقاد، كالحيز والجوهر والجسم.. الخ، فذلك في باب السلوك توجد ألفاظ مجملة كالتصوف والفناء والفقر ونحوه.
    وقد تقرر أن موقف السلف الصالح من الألفاظ المجملة في الاعتقاد هو التفصيل، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها، فهو ثابت، وما نُفي بها، فهو منفي، فهم ينظرون في مقصود قائلها فإن كان معنى صحيحاً قُبِل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص الشرعية دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة ن مع قرائن تبين المراد والحاجة، مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها  .
    يقول ابن تيمية – موضحاً الموقف الصحيح من هذه الألفاظ :
    (وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول اقر به، وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره. ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده بها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي، فإن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة)  .
    وإذا كان أهل الكلام أحدثوا ألفاظاً مجملة في أسماء الله وصفاته، فإن أرباب الطرق الصوفية قد أحدثوا ألفاظاً مجملة في السلوك، وهذه الألفاظ عموماً لا تخلو من مخالفات للكتاب والسنة، إضافة إلى ما فيها من التكلف الشديد، والتعقيد في الألفاظ والمعاني، فوعروا – أي المتكلمون والمتصوفة – الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها، فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل، فيطول عليك الطريق، ويوسع لك العبارة، ويأتي بكل لفظ غريب ومعنى أغرب من اللفظ، فإذا وصلت لم تجد معك حاصلاً طائلاً، ولكن تسمع جعجعة ولا ترى طحنًا  .
    ومع ذلك كله فإن الموقف الصحيح من تلك الألفاظ المجملة في السلوك هو التفصيل، فلا تنفى بإطلاق، كما لا تثبت بإطلاق، وإنما يستفسر عن مقصود قائلها، فإن قصد معنى صحيحاً قُبل مع مراعاة التعبير عنه بألفاظ النصوص الشرعية، وإن قصد معنى فاسداً ردَّ.
    وإليك أقوال بعض الأئمة في هذه المسألة :
    يقول ابن تيمية : (لفظ الفقر والتصوف قد أُدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله، فتلك يؤمر بها وإن سميت فقراً أو تصوفاً، لأن الكتاب والسنة إذا دلّ على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب كالتوبة والصبر والشكر والرضا..، وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله كما يدخل فيه بعضهم نوعاً من الحلول والاتحاد، وآخرون نوعاً من الرهبانية المبتدعة في الإسلام..
    فهذا وأمثاله من البدع والضلالات يوجد في المنتسبين إلى طريق الفقر كما يوجد في المنتسبين إلى العلم أنواع من البدع في الاعتقاد والكلام المخالف للكتاب والسنة والتقيد بألفاظ واصطلاحات لا أصل لها في الشريعة
    والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة وأطاعوا فيه الله ورسوله، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة، أو عصوا فيه الله ورسوله.
    .)  .
    ويقول ابن القيم (أعلم أن في لسان القوم من الاستعارات، وإطلاق العام وإرادة الخاص، وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه ما ليس في لسان أحد من الطوائف غيرهم، ولهذا يقولون نحن أصحاب إشارة لا أصحاب عبارة، وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد، ويريدون بها معنى لا فساد فيه، وصار هذا سبباً لفتنة طائفتين تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم، فبدعوهم وضللوهم، وطائفة نظروا إلى مقاصدهم ومغزاهم، فصوبوا تلك العبارات، وصححوا تلك الإشارات، فطالب الحق يقبله ممن كان، ويرد ما خلفه على من كان).
    ويقول الشاطبي : (وأما الكلام في دقائق التصوف، فليس ببدعة بإطلاق، ولا هو مما صح بالدليل بإطلاق، بل الأمر ينقسم. ولفظ التصوف لابد من شرحه أولاً، حتى يقع الحكم على أمر مفهوم، لأنه أمر مجمل عند هؤلاء المتأخرين)   . ثم ذكر – رحمه الله - المعاني الصحيحة والفاسدة للتصوف

    :  مراعاة أحوال المكلفين وقدراتهم وطبائعهم :

    من سمات السلوك الشرعي : مراعاة أحوال المكلفين وقدراتهم وطبائعهم، والاهتمام بالجانب الواقعي الإيجابي.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا )).
    يقول الحافظ ابن حجر (قوله (سددوا) معناه -  اقصدوا السداد أي الصواب، وقوله: - (وقاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا)  .
    إن من مزايا هذا الدين وخصائصه : مراعاة أحوال المكلفين، وملائمة طبيعة الإنسان بقوته وضعفه، ونوازعه ومشاعره.
    وقد أشار ابن القيم إلى هذه (الواقعية) بقوله :
    (لما كان العبد لا ينفك عن الهوى مادام حياً، فإن هواه لازم له، كان الأمر بخروجه عن الهوى بالكلية كالممتنع، لكن المقدور له والمأمور به أن يصرف هواه عن مراتع الهلكة إلى مواطن الأمن والسلامة، مثاله أن الله سبحانه وتعالى لم يأمره بصرف قلبه عن هوى النساء جملة، بل أمره بصرف ذلك إلى نكاح ما طاب له منهن من واحدة إلى أربع، ومن الإماء ما شاء، فانصرف مجرى الهوى من محل إلى محل، وكانت الريح دبوراً فاستحالت صباً، وكذلك هوى الظفر والغلبة والقهر، لم يأمر بالخروج عنه، بل أمر بصرفه إلى الظفر والقهر والغلبة للباطل وحزبه، وشرع له من أنواع المغالبات بالسباق وغيره مما يمرنه ويعده للظفر  .
    ولقد كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- مدركًا لهذا الأمر، فلما قال له ابنه عبد الملك : يا أبة ما يمنعك أن تمضي لما تريد من العدل فوالله ما كنت أبالي ولو غلت بي وبك القدور في ذلك. فقال عمر : يا بني إنما أنا أروض الناس رياضة الصعب. إني لأريد أن احيي الأمر من العدل فأوخره حتى اخرج معه طمعاً من الدنيا فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه
    ) .
    وللحسن البصري مقالة نفيسة في هذا المقام، نوردها بتمامها حيث يقول رحمه الله : (إن هذا الدين دين واصب، وأنه من لا يصبر عليه يدعه، وإن الحق ثقيل، وإن الإنسان ضعيف، وكان يقال : ليأخذ أحدكم من العمل ما يطيق، فإنه لا يدري ما قدر أجله، وإن العبد ركب بنفسه العنف، وكلف نفسه ما لا يطيق أوشك أن يسيِّب ذلك كله، حتى لعله لا يقيم الفريضة، وإذا ركب نفسه التيسير والتخفيف وكلف نفسه ما تطيق كان أكيس وأمنعها من هذا العدو، وكان يقال شر السير الحقحقة )  .

    وهذا أبو حازم سلمة بن دينار –رحمه الله– يقر هذه (الواقعية) فيجمع بين موافقة الفطرة وملائمة نوازع الإنسان، مع الاعتناء بترويض النفس وتهذيبها على طاعة الله تعالى (فلما جاء رجل لأبي حازم وقال : إني لأجد شيئاً يحزنني. قال أبو حازم: :وما هو يا ابن أخي؟ قال : حبي الدنيا. فقال لي : اعلم يا ابن أخي إن هذا الشئ ما أعاتب نفسي على حب شئ حببه الله تعالى إلي، لأن الله عز وجل قد حبب هذه الدنيا إلينا ولكن لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا، أن لا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئاً من شئ يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئاً من شئ أحبه الله، فإذا نحن فعلنا ذلك لا يضرنا حبنا إياها)  .

    وقد أعرض طائفة من الصوفية عن تلك الواقعية في الإنسان، فلم يلتفوا إلى نوازع الإنسان وغرائزه، وخالفوا الفطرة السوية،
    ولذا تعذر عليهم قمع تلك الغرائز، ثم انتكسوا إلى الإغراق في الشهوات والإباحة.
    ولقد تحدث ابن الجوزي عن هذا الصنف مبيناً سبب انحرافهم فقال : (إن قوماً منهم وقع لهم أن المراد رياضة النفوس لتخلص من اكدارها المردية، فلما راضوها مدة ورأوا تعذر الصفاء، قالوا : مالنا نتعب أنفسنا في أمر لا يحصل لبشر، فتركوا العمل. وكشف هذا التلبيس أنهم ظنوا أن المراد قمع ما في البواطن من الصفات البشرية مثل قمع الشهوة والغضب وغير ذلك، وليس هذا مراد الشرع، ولا يتصور إزالة ما في الطبع بالرياضة، وإنما خُلقت الشهوات لفائدة، إذ لولا شهوة الطعام هلك الناس، ولولا شهوة النكاح انقطع النسل، ولولا الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يؤذيه، وإنما المراد من الرياضة كف النفس ما يؤذيه، وإنما المراد الرياضة كف النفس عن الهوى، وإنما تنتهي عما تطلبه، ولو كان طلبه قد زال عن طبعها ما احتاج الإنسان إلى نهيها، وقد قال الله عز وجل : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) [آل عمران: 134].
    وما قال : والفاقدين الغيظ، والكظم رد الغيظ..) (7) .
    إضافة إلى ذلك فإن بعض أرباب الزهد والسلوك قد أهملوا هذا الجانب الواقعي، وحملوا أنفسهم ما لا قبل لهم به، حيث قالوا كلمات لم يفكروا في عواقبها وآثارها. كما يُذكر عن سمنون المحب أنه كان يقول :
    وليس لي في سواك حظ... فكيف ما شئت فاختبرني
    فأخذ الأسْر من ساعته، أي حُصِر بوله، فكان يدور على المكاتب ويفرِّق الجوز على الصبيان، ويقول : ادعوا لعمكم الكذّاب.
    وفي رواية أنه قال : يارب قد رضيت بكل ما تقضيه علي، فاحتُبس بوله أربعة عشر يوماً، فكان يتلوى كما تتلوى الحية على الرمل، يتلوى يميناً شمالاً، فلما أطلق بوله قال : يا رب تبت إليك
    .
    يقول ابن تيمية معلقاً على هذه الحكاية وأمثالها :
    (وهذه الكلمات التي تصدر عن صاحب حال لم يفكر في لوازم أقواله وعواقبها لا تجعل طريقة ولا تتخذ سبيلاً، ولكن قد يُستدل بها على ما لصاحبها من الرضا والمحبة ونحو ذلك، وما معه من التقصير في معرفة حقوق الطريق..
    والرسل صلوات الله عليهم أعلم بطريق سبيل الله وأهدى وأنصح، فمن خرج عن سنتهم وسبيلهم كان منقوصاً مخطئاً محروماً
    .
    ويشبه هذا الأعرابي الذي دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض كالفرخ فقال : هل كنت دعوت الله بشئ ؟ فقال : كنت أقول : اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال : سبحان الله لا تستطيعه – أو لا تطيقه – هلاّ قَلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )

    :  الاهتمام بالجانب الواقعي الإيجابي  :

    حرص السلف الصالح على ما ينفع، فاشتغلوا فيما تحته عمل، واجتهدوا في طاعة الله تعالى والإتباع، وانقادوا لشرع الله وحكمه، دون الخوض في إشارات صوفية، أو مسالك كلامية. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه).
    (دخل الحسن البصري – رحمه الله – المسجد فقعد إلى جنب حلقة يتكلمون، فأنصت لحديثهم، ثم قال : هؤلاء قوم ملوا العبادة، ووجدوا الكلام أهون عليهم، وقلّ ورعهم فتكلموا)  .
    (وقال الأوزاعي -رحمه الله- :إن المؤمن يقول قليلاً ويعمل كثيراً، وإن المنافق يقول كثيراً ويعمل قليلاً) .
    (وكان مالك بن أنس يقول : الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه.. ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل , لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل)  .
    ( ولما سئل الإمام مالك عن طلب العلم، قال : حسن جميل، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي فالزمه) .
    (وتحقيقاً للاشتغال بما هو أنفع كره الإمام احمد بن حنبل – رحمه الله – توسعة الكلام في دقائق أعمال القلوب والتي تنقل عن الصحابة والتابعين)  .
    إضافة إلى أن الاشتغال بتلك الدقائق والآفات الخفية ربما أوقع فيما هو أشك منها كما نبه على ذلك الإمام ابن القيم -رحمه الله- فقال :
    (فلا إله إلا الله. كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه ؟
    فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قطاع تمنع وصول العمل إلى القلب... ثم بين القلب وبين الرب مسافة، وعليها قطاع تمنع وصول العمل إليه، من كبر وإعجاب، ورؤية العمل، ونسيان المنة، وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأي العجب، ومن رحمة الله تعالى سترها على أكثر العمال، إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها، من اليأس والقنوط والاستسحار، وترك العمل، وخمود العزم، وفتور الهمة، ولهذا لما ظهرت (رعاية)  أبي عبد الله بن الحارث بن أسد المحاسبي، واشتغل بها العباد، عطلت منهم مساجد كانوا يعمرونها، بالعبادة، والطبيب الحاذق يعلم كيف يطبّ النفوس، فلا يعمر قصراً ويهدم مصراً
    ) .
    ويقول في موضع آخر:
    كما أن الاشتغال بتلك الدقائق ينبغي أن يكون مسبوقاً بما هو آكد فرضاً من فعل الواجبات الظاهرة وترك المحرمات الظاهرة.
    ولذا يقول ابن رجب – رحمه الله :-
    ( وهاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورع عن شئ من دقائق الشبه، فإنه لا يحتمل له ذلك، بل يُنكر عليه، كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: يسألوني عن دم البعوض، وقد قتلوا الحسين )

    مراعاة تفاوت الناس في فعل الطاعات :

    من معالم السلوك الشرعي : مراعاة تفاوت قدرات الناس في فعل الطاعات، وذلك بسبب اختلاف استعداداتهم، وتنوع مواهبهم وميولهم.
    وقد قرر الإمام مالك بن انس -رحمه الله- هذا المعْلَم وذلك لما كتب عبد الله العُمري العابد إلى مالك يحضّه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فُتح له في الصلاة، ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشْر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فُتح لي فيه، وما أظن ما أنا فه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر) .
    ولما سئل ابن تيمية – رحمه الله – عن الأسباب التي يقوى بها الإيمان إلى أن يكمل.. هل يبدأ بالزهد ؟ أو بالعلم ؟ أم يجمع بين ذلك على حسب طاقته ؟
    أجاب بقوله : (الناس يتفاضلون في هذا الباب، فمنهم من يكون العلم أيسر عليه من الزهد، ومنهم من يكون الزهد أيسر عليه، ومنهم من تكون العبادة أيسر عليه منهما، فالمشروع لكل إنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، كما قال تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  )[التغابن: 16].
    وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم ما كان أرضى لله وهو عليه أقدر، فقد يكون على المفضول أقدر منه على الفاضل، ويحصل له أفضل مما يحصل من الفاضل، فالأفضل لهذا أن يطلب ما هو أنفع له، وهو في حقه أفضل، ولا يطلب ما هو أفضل مطلقاً، إذا كان متعذراً في حقه أو متعسراً يفوته ما هو أفضل له وأنفع كمن يقرأ القرآن فيتدبره وينتفع بتلاوته، والصلاة تثقل عليه، ولا ينتفع منها بعمل أو ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فأي عمل كان له أنفع ولله أطوع أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه، بل على وجه ناقص، يفوته ما هو أنفع له) .
    وقال – في موضع آخر :-
    (وأما ما سألت عنه أفضل الأعمال بعد الفرائض، فإنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد...) .
    وتحدث ابن القيم عن هذا المعلم فكان مما قاله : (والمقصود أن الطريق إلى الله واحد، فإنه الحق المبين، والحق واحد، مرجعه على واحد. وأما الباطل والضلال فلا ينحصر، بل كل ما سواه باطل، وكل طريق إلى الباطل فهو باطل. فالباطل متعدد، وطرقه متعددة، وأما ما يقع في كلام بعض العلماء أن الطريق على الله متعددة متنوعة، جعلها الله كذلك لتنوع الاستعدادات واختلافها رحمة منه وفضلاً, فهو صحيح لا ينافي ما ذكرناه من حدة الطريق. وكشف ذلك وإيضاحه أن الطريق هي واحدة جامعة لكل ما يرضي الله، وما يرضيه متعدد متنوع، فجميع ما يرضيه طريق واحد، ومراضيه متعددة متنوعة بحسب الأزمان والأماكن والأشخاص والأحوال،كلها طرق مرضاته، فهذه التي جعلها الله لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جداً لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم.
    وإذا علم هذا فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم، وقد وفر عليه زمانه مبتغياً به وجه الله، فلا يزال كذلك عاكفاً على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك إلى الله، ويفتح له فيها الفتح الخاص أو يموت في طريق طلبه فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته...
    ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر وقد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله، فمتى فتر عنه أو قصر رأى انه قد غبن وخسر.
    ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة، فمتى قصر في ورده منها ومضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أو مستعد لها أظلم عليه وقته وضاق صدره.
    ومن الناس من يكون كريقه الإحسان والنفع المتعدي كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان وأنواع الصدقات.
    ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد فتح الله له فيه ونفذ منه إلى ربه.
    ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة.
    ومنهم جامع المنفذ السالك إلى الله تعالى في كل واد، الواصل إليه من كل طريق، فهو جعل وظائف عبوديته قبلة ونصب عينه يؤمها أين كانت، ويسير معها حيث سارت، قد ضرب مع كل فريق بسهم، فأين كانت العبودية وجدته هناك، إن كان علم وجدته مع أهله، أو جهاد وجدته في صف المجاهدين، أو صلاة وجدته في القانتين، أو ذكر وجدته في الذاكرين، أو إحسان ونفع وجدته في زمرة المحسنين..يدين بدين العبودية أنى استقلت ركائبها ويتوجه إليها حيث استقرت مضاربُها، لو قيل له : ما تريد من الأعمال ؟ لقال : أريد أن أنفذ أوامر ربي حيث كانت  )

    وهذا الصنف الأخير- الذي ذكره ابن القيم آنفاً هم الصديقون. سلكوا كل أبواب الخير، وحققوا جميع خصال البر وأعماله  ، كما قال تعالى ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة :177].
    وخير مثال على الصديقين : أبو بكر الصديق رضي الله عنه والذي كان له السبق في جميع القربات والصالحات.
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم اليوم صائماً)): قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا. قال : ((فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟)). قال أبو بكر رضي الله عنه :  أنا، قال : ((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟)) قال أبو بكر : أنا. قال( فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟)) قال أبو بكر أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) كما أن هذا الصنف الكريم هم أصحاب التعبد المطلق، فليس لهم غرض في تعبد بعينه يؤثر على غيره، بل غرضهم تتبع مرضاة الرب تعالى في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته
    ------------------------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا -- دزاكم الله خيرا
    -
    التالي :
    -
    : أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق :


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الأربعاء سبتمبر 20, 2023 9:02 am عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty : أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق :.التزكية من مقاصد الشرع :.

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 4:26 pm


    أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق


    أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق من الصفات السلوكية المهمة لأهل السنة أنهم يعلمون الحق ويرحمون الخلق،
    فإنهم أصحاب هدي واتباع، وأرباب عمل وإقتداء، ومن ثم كانوا أعلم الناس بالحق – حيث يقبلون الحق حيث كان ومع من كان – وأحرص الناس على تبليغ الدين والدعوة إليه، ومنابذة أهل الأهواء والبدع ،وفي نفس الوقت فإنهم يرحمون الخلق، ويريدون لهم الخير والهدى، ولذا كانوا أوسع الناس رحمةً وأعظمهم شفقة، وأصدقهم نصحاً
    .
    يقول ابن تيمية في هذا المقام :
    (وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى ( كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )[المائدة: 8].
    ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداء، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق) .
    ويقول ابن رجب في هذا الصدد : (كان خلفاء الرسل وأتباعهم من أمراء العدل وأتباعهم وقضاتهم لا يدعون إلى تعظيم نفوسهم البتة، بل إلى تعظيم الله وحده وإفراده بالعبودية والإلهية ومنهم من كان لا يريد الولاية إلا للاستعانة بها على الدعوة إلى الله وحده.
    وكانت الرسل وأتباعهم يصبرون على الأذى في الدعوة إلى الله ويتحملون في تنفيذ أوامر الله من الخلق غاية المشقة وهم صابرون بل راضون بذلك،
    كما كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لأبيه في خلافته
    : إذا حرص على تنفيذ الحق وإقامة العدل يا أبت لوددت  أني غلت بي وبك القدور في الله عز وجل، وقال بعض الصالحين : وددت أن جسمي قُرِض بالمقاريض وأن هذا الخلق كلهم أطاعوا الله عز وجل ومعنى هذا أن صاحب هذا القول قد يكون لحظ نصح الخلق والشفقة عليهم من عذاب الله بأذى نفسه، وقد يكون لحظ جلال الله وعظمته وما يستحقه من الإجلال والإكرام والطاعة والمحبة، فود أن الخلق كلهم قاموا بذلك وإن حصل له في نفسه غاية الضرر)   .
    إن التزام أهل السنة بالعلم والعدل أورثهم هذه الخصلة الرفيعة، فمسلك أهل السنة قائم على العلم والعدل لا الجهل والظلم،
    حتى كان أهل السنة لكل طائفة من المبتدعة خير من بعضهم لبعض (بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض. وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون أنتم تنصفونا ما لا ينصف بعضنا بعضاً)   .
    لقد تلقي أهل السنة هذه الصفة الحميدة من صاحب الخلق العظيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالحق وأعظم الناس رحمةً ورأفة، فمن أجل إظهار الحق بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، ومن أجل نصرة الحق  .
    نجده صلى الله عليه وسلم يغضب أشد الغضب فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، وكذلك حين رأى بعض أصحابه -رضي الله عنهم- يتخاصمون في القدر، ثم قال : (مهلاً يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذّب بعضه بعضاً، وإنما نزل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه).
    ومع ذلك كله فقد كان صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة، قال تعالى ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ  )[التوبة: 128].
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ((ما خير رسول الله صلى اله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما مالم يكن إثماً، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)).
    وتأمل – أخي القارئ – ما لقيه صلى الله عليه وسلم من أنواع الأذى في سبيل دعوته ونصحه للخلق، ولما سألته عائشة رضي الله عنها قائلة : يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد، فقال : لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذا عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال وسلم عليّ ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)).

    بل إن الرحمة بالخلق والتمسك بالحق خصلة من خصال الأنبياء كما هو ظاهر في قصصهم عليهم السلام،
    ومثال ذلك ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : كأني انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكى نبياً من أنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
    ولقد سار سلف الأمة على ذلك، فهذا أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول الحق ويرحم الخلق، فإنه لما رأى سبعين رأساً من الخوارج وقد جزت تلك الرؤوس ونُصبت على درج دمشق، فقال رضي الله عنه إعلاماً بالحق : سبحان الله، ما يصنع الشيطان ببني آدم، كلاب جهنم، شر قتلى تحت ظل السماء.
    ثم بكى قائلاً : (بكيتُ رحمة لهم حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام)  .
    وكان أويس القرني – رحمه الله – إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضْل من الطعام والشراب، ثم يقول : اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به .
    وكان عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – يقول : يا ليتني عملتُ فيكم بكتاب الله وعملتم به، فكلما عملت فيكم بسنة وقع مني عضو حتى يكون آخر شئ منها خروج نفسي   .
    وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله - : إني لأستحي من الله أن أشبع حتى أرى العدل قد بسط، وأرى الحق قد قام   .
    وهذا الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل – رحمه الله – يثبت على كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم، فيقول بكل يقين : القرآن كلام الله غير مخلوق، ويصبر الإمام على ما أصابه من أنواع الإيذاء والفتنة من قبل رؤوس المعتزلة – آنذاك – ومن تبعهم من خلفاء كالمأمون والمعتصم والواثق.
    (ولما جاءه أحدهم وهو في السجن فقال: الإمام أحمد: إن كان هذا عقلك فقد استرحت)   .
    ومما قاله الإمام الذهبي – رحمه الله – في شأن محنة الإمام احمد : (الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن بهما كاملاً، فهو صديق، ومن ضَعُف فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب، وليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله)   .
    لقد كان الإمام أحمد بن حنبل رجلاً ليناً، لكن رأى الناس يجيبون ويعرضون عن الحق، عندئذ ذهب اللين، وانتفخت أوداجه واحمرت عيناه   .
    ومع ذلك البطش والجلد والسجن من قبل أولئك الخلفاء إلا أننا نجد هذا الإمام يقول :
    (كل من ذكرني  ففي حل إلا مبتدعاً، وقد جعلت أبا إسحاق – يعني المعتصم – في حل، ورأيت لله يقول :  (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النور: 22]. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قصة مسطح، -ثم قال- وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سبيلك؟  ) .
    وهناك مثالاً آخر لأئمة أهل السنة، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرر عقيدة السلف الصالح، ويجاهد بلسانه وسنانه طوائف الزيغ والانحراف، فيرد على أهل الكتاب، ويقمع أكاذيب الباطنية، ويناظر الصوفية وأهل الكلام... وكل ذلك من أجل بيان الحق وتبليغه.
    وفي نفس الوقت فقد كان رحمه الله من أعظم الناس شفقة وإحساناً، وإليك المشاهد الدالة على ذلك :
    يقول تلميذه البار ابن القيم (جئت يوماً مبشراً له (أي لابن تيمية) بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسروا به ودعوا له)  .
    ولما مرض ابن تيمية –مرض الوفاة– دخل عليه أحدهم فاعتذر له، والتمس منه أن يحلله فأجابه الشيخ : (إني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق. وإني قد أحللت السلطان المعظم الملك الناصر من حبسه إياي، كونه فعل ذلك مقلداً غيره...)  .
    وقال أحد خصومه –ابن مخلوف- : (ما رأينا مثل ابن تيمية، حرضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا)

    معنى التزكية

    التزكية... يقصد بها تنمية القلوب وإصلاحها وتطهيرها، يقولون زكا الزرع إذا نما وصلح وبلغ كماله، وسميت صدقة المال الواجبة زكاة لأن المال يطهر بها وينمو، فهي طهارة للمال، وطهارة للمزكي، وطهارة للمجتمع، وعكس التزكية التدسية : وهي التصغير والتحقير حتى تصير النفس حقيرة دنيئة لا تكاد ترى من حقارتها ودناءتها، ومنه قوله عز وجل ( أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ) [النحل: 59] أي يخفيه في التراب

    فلاح العبد منوط بتزكية نفسه


    أقسم الله عز وجل في كتابه أحد عشر قسما متواليا على أن صلاح العبد منوط بتزكية نفسه، وخيبته منوطة بتدسية نفسه  .
    قال تعالى ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) [الشمس: 1-10]
    قال الشيخ عطية سالم في تتمة الأضواء : واختلف في موضع الضمير في زَكَّاهَا دَسَّاهَا وهو يرجع إلى اختلافهم في فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا فهل يعود على الله تعالى كما في وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، أم يعود على العبد، ويمكن أن يستدل لكل قوم ببعض النصوص، فمما يستدل به للقول الأول قوله تعالى ( بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) [النساء: 49]،
    وقوله ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا ) [النور: 21]،
    وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند هذه الآية : ((اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها))
    ومما استدل به للقول الثاني ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) [الأعلى: 14]، وقوله ( وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ  )[فاطر: 18].
    والذي يظهر والله أعلم، أن ما يتزكى به العبد، وعمل في طاعة وترك معصية فإنه بفضل من الله.
    كما تفضل عليه بالهدى والتوفيق للإيمان، فهو الذي يتفضل عليه بالتوفيق إلى العمل الصالح وترك المعاصي، في قولك (لا حول ولا قوة إلا بالله) بل إن في قوله تعالى ( بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) [النساء: 49]،
    الجمع بين الأمرين القدري والشرعي، بل الله يزكي من يشاء بفضله،ولا تظلمون فتيلا بعدله، والله تعالى أعلم   .
    فصلاح العباد وفلاحهم وفوزهم ونجاتهم في تعهد أنفسهم بالإصلاح، وتطهير بواطنهم وظواهرهم من الشرك بالله عز وجل ومن سائر الصفات المذمومة، وتحليتها بالتوحيد واستسلامها للشرع المجيد.

    : التزكية من مقاصد الشرع :


    والشرع كله تزكية لنفوس العباد حتى يصلحوا لمجاورة الله في الجنة، فالتوحيد تزكية  قال الله تعالى ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ  ) [فصلت: 6-7]،
    قال ابن كثير رحمه الله : قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . يعني الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وكذا قال عكرمة.
    والصلاة تزكية : قال الله تعالى : إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) [العنكبوت: 45].
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ما تقولون ذلك يبقى من درنه؟ قالوا لا يبقى من درنه شيئا. قال : فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بها الخطايا)).
    والصدقة تزكية : قال الله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) [التوبة: 103]،
    والحج تزكية  : قال الله تعالى ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) [البقرة: 197].
    فالله عز وجل شرع لنا الشرائع من أجل أن تزكو نفوسنا، وأن تصلح دنيانا وآخرتنا، والله عز وجل أغنى وأعز من أن ينتفع بطاعات العباد، أو أن يتضرر بمعاصيهم .
    كما في الحديث القدسي ((يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)). بل العباد أنفسهم يتضررون بمعاصيهم، وهم أنفسهم ينتفعون بطاعاتهم، والله تعالى غني عنهم وعن طاعاتهم قال تعالى ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا  )[الحج: 37]،
    ألا ترى أن العباد يذبحون الهدايا والأضاحي ويأكلون لحومها، وهم مع ذلك يتقربون بها إلى الله عز وجل، لأنهم يستجيبون لأمر الله، ويستسلمون لشرعه، فالإيمان والعمل الصالح سبب سعادة الدنيا، أنه سبب سعادة الآخرة قال تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  )[النحل: 97] والسعادة سعادة القلوب، والشقاء شقاء القلوب، والقلوب لا تسعد إلا بالله، ولا تطمئن إلا بذكره وطاعته .
    قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرعد: 28] فلا تسعد بالمال، ولا تسعد بالجاه، ولا تسعد بالشهرة، والتعاسة والشقاء تلاحقان العبد إذا تعلق القلب بغير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش))

    التزكية سبب دخول الجنة

    تزكية النفس سبب الفوز بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، كما قال عز وجل ( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ) [طه: 75-76].
    أي طهّر نفسه من الدنس والخبث والشرك، وعبد الله وحده لا شريك له واتبع المرسلين فيما جاءوا به من خبر وطلب  .
    وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ((اللهم آت نفسي تقواها. وزكِّها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها))
    التزكية بالعقيدة الصحيحة عقيدة التوحيد

    لاشك أن أوجب أنواع التزكية، التزكية بالتوحيد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) [التوبة: 28] وهذه النجاسة ليست نجاسة عينية بحيث أن المسلم إذا مس كافرا يغسل يده، فقد أبيح للمسلم أن يتزوج بالكتابية
    ولا يسلم من عرقها، والواجب عليه من الطهارة كما هو الواجب على من تزوج بالمسلمة، فهذه نجاسة معنوية، قلوبهم نجسة لأنها لا تعرف الله عز وجل معرفة صحيحة، ولا تعبده وحده لا شريك له عبادة صحيحة. ونجاسة الشرك ملازمة لا تطهرها المصائب المكفرة ولا الحسنات الماحية،
    بعكس تدنس المسلم بشيء من نجاسات المعاصي التي هي دون الشرك، فإنما تطهرها المصائب المكفرة والحسنات الماحية، ودعاء المؤمنين، واستغفار الملائكة، وغير ذلك من مكفرات الذنوب والخطايا، لذا كان أول الواجبات أن يطهر العبد نفسه من أنجاس الشرك، ويزكيها بالتوحيد، كما قال ابن عباس في قوله تعالى ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت: 6-7] قال : الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله،
    وكذلك قول موسى عليه السلام لفرعون (هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ) [النازعات: 18] أي تتطهر من هذا الشرك بالتوحيد، فأصل التزكية، التزكية بالتوحيد، بل لا تزكو النفس بسائر أنواع العبادات حتى تزكو بالتوحيد أولا،
    ومن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأصل لما أرسل معاذا إلى اليمن قال : ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة )) الحديث.
    وأيضا فإن الزكاة هي التطهير، وهل هناك نجاسة أشد من الشرك قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء )[النساء: 48].
    وقال تعالى ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان: 13]

    التزكية بأداء الواجبات وترك المحرمات

    وهذه تزكية واجبة بعد التزكية بالتوحيد، وأولى ما يتقرب به العبد إلى ربه بعد توحيد الله عز وجل أداء الفرائض واجتناب المحرمات، والعمدة في ذلك حديث الولي في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)).
    قال ابن حجر رحمه الله : (ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله)
    قال الشوكاني  : وجه ذلك أن النكرة وقعت في سياق النفي فتعم كل ما يصدق عليه معنى الشيء، فلا يبقى شيء من القرب إلا وهو داخل في هذا العموم، لأن كل قربه كائنه ما كانت يقال لها شيء، سواء كانت من الأفعال أو الأقوال، أو مضمرات القلوب أو الخواطر الواردة على العبد أو التروك للمعاصي التي هي ضد فعلها...
    . واعلم أن من أعظم فرائض الله سبحانه ترك معاصيه التي هي حدوده، التي من تعداها كان عليه من العقوبة ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، ولا خلاف أن الله افتراض على العباد ترك كل معصية كائنة ما كانت، فكان ترك المعاصي من هذه الحثيثة داخلا تحت عموم قوله
    ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من مما افترضت عليه)) بل دخول فرائض الترك للمعاصي أولى من دخول فرائض الطاعات كما يدل عليه حديث(( إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فلا تقربوه)).
    قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وحسن النية فيما عند الله عز وجل، والمقصود أن أهل السنة، يزكون أنفسهم بعد التوحيد بتكميل الفرائض من فعل الواجبات وترك المحرمات، فلا يفتحون على أنفسهم أبواب النوافل، وهم بعد مقصورون في أداء الفرائض، كما يذهب كثير من الناس إلى الحج والعمرة كل عام ولا يؤدون زكاة أموالهم، أو يهتمون ببناء المساجد وينفقون في أبواب البر لا بنية الزكاة الواجبة في المصارف الثمانية التي حددها الله عز وجل ويصح هنا قول القائل: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور.
    والله عز وجل لا يقبل النفل حتى تؤدي الفريضة، فأهل السنة يزكون أنفسهم بالمشروع، ومع ذلك يقدمون في العمل ما قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((نبدأ بما بدأ الله به)) ثم تلا  (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ ) [البقرة: 158].

    التزكية بالنوافل

    النوافل هي ما عدا الفرائض من جميع أجناس الطاعات، وكل ما ندب الله سبحانه إليه ورغب فيه من غير حتم وافتراض،
    وتختلف النوافل باختلاف ثوابها، فما كان ثوابه أكثر كان فعله أفضل، وتختلف كذلك باختلاف ما ورد في الترغيب فيها، فبعضها قد يقع الترغيب فيه ترغيبا مؤكدا، وقد يلازمه النبي صلى الله عليه وسلم مع الترغيب للناس في فعله.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه)).
    قال الحافظ رحمه الله : وقد استشكل بما تقدم أولا أن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة؟ والجواب أن ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها، ويؤيده أن رواية أبي أمامة ((ابن آدم إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك)).
    قال الفاكهاني : معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله.
    قلت : ويفهم منه أن العبد إذا قصر في الفرائض وأكثر من النوافل لا تكون هذه الطريق موصلة له إلى محبة الله عز وجل : فلا يتم التقرب بالنوافل حتى يتقرب أولا بالفرائض، فهذه سبيل التزكية عند أهل السنة.
    وقال ابن هبيرة : ويؤخذ من قوله : ((ما تقرب... إلخ)) أن النافلة لا تقدم على الفريضة، لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن أدى الفرائض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى. وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة خلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين، وأيضا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض، كما صح في الحديث : ((انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته)) الحديث بمعناه.
    فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها.

    الثالث : أهل السنة يدعون إلى مكارم الأخلاق

    أهل السنة يدعون إلى مكارم الأخلاق، قال ابن تيمية : (وَيَدْعُونَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ).
    يدعون يعني يأمرون بذلك ويدعون الخلق إلى مكارم الأخلاق.
    الأخلاق... هي الصورة الباطنة، جمع خُلُق، والخُلُقْ الصورة الباطنة للانسان يعني ما يكون عليه في الباطن ويفصح عنه الظاهر من إصلاح حاله مع ربه وإصلاح حاله مع الخَلْقْ.
    فيدخل في الخُلُقْ الإخلاص ويدخل فيه مقامات الإيمان من الصبر والرضا واليقين والعلم والعفة والشجاعة ونحو ذلك.
    ويدخل أيضاً في الخُلُقْ: الظاهر، يعني ما فيه صلاح ما بينك وبين الخلق بأداء الأمانة وصدق الحديث ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وترك التعدي على الخَلْقْ والنَصَفَة من العالم ونحو ذلك. قال بعض أهل العلم عماد حسن الخُلُق وكَرَم الخُلُق أن تكون منصفاً الخَلْق على نفسك وأن تكون مع الخَلْق على نفسك.
    يعني إذا كان بينك وبين الخَلْق معاملة فتكون معهم عليك، وهذا يجعلك تأخذ لنفسك القَدْر الذي أُذن به، ما تتجاوز.
    فتكون معهم على نفسك كما جاء في الأثر وأنَّ من أخلاق أهل الإيمان (النَصَفَة من العالم).
    تنصفهم منك يعني تكون معهم على نفسك ولا تكون عليهم متسلطاً، بل إذا اختلفت معهم كن معهم على نفسك فتكون مُثْبِتاً للحق راداً بما ليس بحق.
    والمكارم جمع مَكْرُمَةْ وهي مأخوذة من الكرم.
    والكرم في الأقوال والصفات والأعمال الكامل منها.
    والكريم هو الذي فاق غيره في صفات الكمال المناسِبَة.
    فكريم الرجال من فاق غيره في صفات الكمال، هذا من جهة عموم اللغة.
    عُرْفْ العرب يسمون الكريم الجواد، يعني يقولون للجواد إنه كريم وذلك لأن من أعظم ما يحتاج إليه الناس في ذلك الزمن الأكل والشرب والإكرام بالضيافة، وإلا فإن لفظة الكريم هو أن يفوق غيره في صفات الكمال.
    يدخل فيه أن يفوق غيره في الجود وفي الإحسان وفي صدق الحديث وفي أداء الأمانة وفي البعد عن المظالم إلى آخر ذلك.
    ولهذا وصف الله جل وعلا الملائكة بأنهم كرام كِرَامًا كَاتِبِينَ ووصف الزرع بأنه كريم  ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) النبات كريم باعتبار أنه فاق غيره مما يُتصوَّر مما يخرج من الأرض، يعني لو تصورت فاق غيره في الحسن والبهاء في صفاته، فلو تأملت هذا النبات لوجدت له في صفاته عجباً
    فكما قيل في هذا إن الكريم الذي فاق جنسه أو تقول غيره في صفات الكمال المناسبة له. ومن أسماء الله جل وعلا الكريم لأنه جل وعلا فاق غيره في صفات الكمال، فالخلق لهم صفات قد يشتركون فيها مع الله جل وعلا في أصل المعنى، لهم منها ما يناسب ذاتهم الحقيرة الوضيعة، لكن لله جل وعلا من هذه الصفات الكمال الأعظم المطلق الذي لا يعتريه نقص ولا يتطرق إليه عيب بوجهٍ من الوجوه.
    فإذن مكارم الأخلاق يعني الأخلاق التي فاقت غيرها.
    فالخلق الكريم هو الذي فاق غيره.
    فأهل السنة يدعون في معاملتهم مع ربهم جل وعلا وفي تعاملهم مع الخَلْقْ إلى الخُلُقْ الذي فاق غيره
    فإذا أنت كان عندك اختيار في ثلاثة أنواع من التصرفات مع الخَلْق، فإذا تصرفت بأحسنها وأكملها وأرقها وأبلغها صلة بالخَلْق فإن هذا هو الخُلُق الكريم وهو الخُلُق الحسن كما جاء في الحديث الصحيح (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وفي رواية في الموطأ (إنما بعثت - أو نحوها - لأتمم حَسَنَ الأخلاق) فمكارم الأخلاق كانت موجودة فبُعِثَ النبي عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق، فيدخل في مكارم الأخلاق الصورة الباطنة من الإخلاص والأخلاق جميعاً الباطنة وكذلك الظاهرة في التعامل مع الخلق.
    قال (وَيَدْعُونَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ) يعني يأمرون بكل خلق حسن.
    فكلما كان العبد أحسن خُلُقاً مع صحة العقيدة كلما كان أقرب إلى طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم.
    وإذا تأملت طريقة الإمام أحمد وسفيان ووكيع ومالك والشافعي مع الناس وجدت عجباً، فهم الخِيَرَةُ، وإذا قرأت تراجمهم وجدت أنهم صَلُحُوا في عباداتهم وصَلُحُوا مع الخلق فأدَّوا ما يجب عليهم تجاه الله جل وعلا وتجاه عباده.
    قال (وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ) محاسن الأعمال يعني في العمل الذي هو مع الله جل وعلا أو مع الخلق.
    قال "وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا))" ولهذا نقول من كَمَّلَ خُلُقَهُ الحسن، من سعى في إكمال أخلاقه الظاهرة والباطنة فإنه يكون أكمل إيماناً ممن لم يُكَمِّلْ ذلك.
    (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) وهذا يدل على أن إصلاح الصورة الباطنة وإصلاح الظاهر من جهة التعامل مع الناس فإن هذا من حُسْنْ الخُلُقْ وهذا يدل على أن حسن الخُلُقْ من أعظم أعمال الإيمان، ولهذا كتب فيه جماعة منهم البيهقي في كتابه شُعب الإيمان، فهو مبني على ذِكْرِ شعب الإيمان وأكثرها من جهة الأخلاق.
    صور من مكارم الأخلاق التي يدعون إليها

    ومن مكارم الأخلاق التي يدعون إليها، أنهم يحضُّون أن يَصَل المسلم من قطعه، قال ابن تيمية : (وَيَنْدُبُونَ إِلَى أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ).
    يندبون أي يحضون ويأمرون بذلك على جهة الدعوة والحض والأمر بذلك، يندبون، يُرَغِّبُون في أن تصل من قطعك
    والذي يَصِل من قَطَعَهُ هو الواصل.
    وأما الذي يَصِلْ من وصله وأما من قَطَعَهُ فإنه يقطعه فهذا قد عامل بالعدل ولم يَصِلْ كما جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال ((ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصلها))،
    ولقد جاءه عليه الصلاة والسلام رجل فقال ((يارسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، قال إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُم المَلَّ سفَّاً)) - الرماد الحار في وجوههم -.
    وقد قال جل وعلا ( وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور: 22] وهذا في قصة أبي بكر مع قريبه الذي قطعه. والمقصود من ذلك أن صلة الرحم واجبة ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) [محمد: 22]، وصلة الرحم تكون بصلة من قطع، وقد جاء في مسلم وفي غيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ((يُغْفَرُ لكل مؤمن في يوم الاثنين من كل أسبوع ويوم الخميس إلا رجل كانت بينه وبين أخيه خصومة فيقال اركوا هذين حتى يصطلحا، انْظِرُوا هذين حتى يصطلحا)) فكل خير في الصلة وكل شر في القطيعة.
    والوصل يكون صلة الرحم وصلة المسلم بعامة، فتصل من قطعك.
    وإعطاء المسلم أخاه المسلم حقه ليس مبنياً أن ذاك يعطيك حقك، لا بل تعطيه حقه لأن الله أوجب ذلك ولو حَرَمك حقك.
    ويعفون عمَّن ظلمهم-قال ابن تيمية- (وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ). تعفو عمَّن ظلمك لأن العفو عن من ظَلَمْ هذا مُستحب. من أخذ بالقصاص فلا بأس، هذا عدل ولكن الإحسان بالعفو عن من ظلمك، كما قال جل وعلا ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ  )[النحل: 126] وقال جل وعلا في آية الشورى : ( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى: 43] وهذا هو الأفضل أن يصبر المرء وأن يعفو عن من ظلمه وأن يعفو عن من أساء إليه وهكذا كان عليه الصلاة والسلام.
    (تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ) الظلم قد يكون في البدن وقد يكون في العرض وقد يكون في المال ونحو ذلك.. ... أحياناً يكون الظلم عظيماً، ورد القول السيئ بمثله جائز لكن ليس هو الأفضل كما قال الله جل وعلا   (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ) يعني من ظُلِمَ فإن الله جل وعلا أباح أن يُجْهَرَ له بالسيء من القول من جهة الجزاء.
    لكن. ... الأفضل أن يعفو الرجل عن من ظلمه، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ((وما ازداد عبدٌ بعفوٍ إلا عزاً)) فالذي يعفو لا يظن أنه ينقص بل هو يعتز يُظْهِرْ الله جل وعلا له مناراً لأنه تخلص من حظ نفسه وفعل ما ندبه الله جل وعلا إليه.
    ويأمرون ببرِّ الوالدين وحسن الجوار-قال ابن تيمية- (وَيَأْمُرُونَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ).
    وبر الوالدين فرض وقطيعة الوالدين كبيرة من الكبائر قرنت بالشرك ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  )[الإسراء: 23] والآيات في ذلك معلومة...

    وحسن الجوار أن تحسن إلى جارك، والإحسان إلى الجار يشمل مرتبتين
    المرتبة الأولى أن تؤدي له حقه.
    والثانية أن تكف الأذى عنه.
    والجوار - يعني الجيران - الذين لهم حق حسن الجوار على مراتب :
    أعظمهم حقاً الملاصق، وهذا الجار الملاصق هذا أعظمهم حقاً، وقد جاء في الندب إلى حسن الجوار معه أحاديث كثيرة حتى جاء فيها قوله عليه الصلاة والسلام ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))، هذه المرتبة الأولى، الملاصق القريب منك، ملاصق هنا أو هنا أو هنا، يعني من الجهات، هذا له حق.
    والمرتبة الثانية الجار الجُنُبْ، الجُنُبْ يعني البعيد.
    ما حد الجُنُبْ؟
    اختلف فيه السلف وهو ما ذُكِر في آية النساء   (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ )
    الجار الجُنُبْ البعيد.
    ما حده ؟
    قال بعضهم سبعة أبيات، يعني بيت، سبعة أبيات من كل جهة، هذا يُعتبرُون جيران جنب أمر الله جل وعلا ووصى بهم.
    قال آخرون أربعون داراً، وقد جاء فيها حديث ولكنه ضعيف، أربعون داراً يعني من كل جهة، كل الجهات، أربعون داراً من هنا ومن هنا ومن هنا، هؤلاء يدخلون في الجار الجُنُبْ، جار بعيد.
    والثالث من الجيران جيران البلد، من يساكنك في البلد التي أنت فيها، ولو كان في طرف البلد وأنت في طرف البلد فإنه يسمى جاراً كما قال جل وعلا ( ولا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً ) فالذي يسكن معك في نفس البلد يعتبر جاراً، فله حق الإحسان، حسن الجوار، لكن مراتب :
    أولها أعظمها.
    والثاني الجار الجنب متوسط وله حق عظيم أمر الله به.
    والثالث من باب العموم وحسن الجوار للعامة.
    القريب يعني المرتبة الأولى والثانية تنقسم أيضاً إلى مراتب بحسب الحق :
    - إذا كان جاراً وصاحب رَحِم ومسلم صار له ثلاثة حقوق، حق الجوار، وحق الإسلام، وحق الرَحِم.
    - وإذا كان جاراً مسلماً ولي بذي رَحِم صار له حقان.
    - وإذا كان جاراً وليس بمسلم ولا بذي رَحِمْ صار له حق الجوار.
    وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يزور بعض جيرانه اليهود ويرسل لهم من بعض الطعام ونحو ذلك، فهذا فيه حق الجوار.
    ويأمرون بالإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، قال ابن تيمية: (وَالإِحْسِانِ إلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). اليتامى معروف أنهم هم من دون سن الإحتلام ممن مات من يعيلهم.
    والمساكين، يدخل فيه الفقراء، من لم يجد حاجته.
    وابن السيبل المنقطع.
    وَالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ:
    المملوك هو الخادم يعني الرقيق، العبد، يُرْفَقْ به ولا يُكلف من العمل إلا ما يطيق، يُعان عليه ويطعم مما يطعمه الإنسان ويكسى مما يكتسي منه ونحو ذلك
    صور من الأخلاق المذمومة التي ينهون عنها

    وينهون عن الفخر، والخيلاء، والبغي، قال ابن تيمية : (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَخْرِ، وَالْخُيَلاءِ، وَالْبَغْيِ). الفخر والبغي متقاربان، لكن الفخر يكون بذكر ما أنت عليه بحق، يعني يكون فيك وتفخر بما أنت عليه بصدق.
    والبغي فيه افتخار بالباطل، شيء لست أنت عليه.
    والفخر نوعان : منه ما هو مأذون به، ومنه ما هو مذموم.
    والمذموم هو الذي أراده شيخ الإسلام في هذا الموضع.
    قال (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَخْرِ) يعني الفخر المذموم، وأما الفخر المحمود، تَذْكُرُ ما أنت فيه على جهة بيان الأمر، وذِكْرُ ذلك للناس كما قال عليه الصلاة والسلام ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وقال سعد (أنا أول من رمى بسهم في سبيل الله) ونحو ذلك مما يُذْكَرُ فيه الأعمال الصالحة على جهة بيانها للخلق، هذا إذا لم يكن على جهة الاستطالة على الخلق والترفع عليهم بفساد الباطن فإنه يكون محموداً ولا يصير من الفخر المذموم.
    والضابط في الفرق بين الفخر المذموم والفخر المحمود، أن الفخر المحمود أن يذكر شيئاً تحدثاً بنعمة الله عليه، هذه هي الصورة الأولى.
    الثاني لأجل أن يُقتدى به، يذكر ذلك ليشجع على العمل، أنا فعلت كذا وكذا ليشجع الناس عليه، لكن باطنه منطو على كراهة الفخر والإستطالة على الخلق، فإذا ذكر ذلك لأجل التحدث بنعمة الله أو لدلالة الخلق على الفعل فإن هذا لا بأس به، كما ذكر ذلك العلامة شمس الدين ابن القيم وغيره.
    أما الفخر المذموم فهو أن يذكر ذلك استطالة على الخلق وترفعاً عليهم.
    وجاء تعريف الكِبِرْ بأنه (بطر الحق وغمط الناس) رفض الحق وغمط الناس والإستطالة والله جل وعلا لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا.
    قال بعض أهل العلم الفخر بالاستطالة والترفع والإختيال ليس محموداً إلا بحالين :
    الحال الأولى الجهاد، والثانية الصدقة.
    فالاختيال في الجهاد، يمشي بين الصفوف مختالاً يقابل العدو باختيال، هذا مأذون به كما جاء في الحديث ((إن هذه مشية يُبْغِضُهَا الله إلا في هذا الموطن))، يعني مشية الخيلاء.
    وكذلك الصدقة، الفخر بالصدقة والفرح بها وإظهارها هذا ممدوح عند طائفة من أهل العلم.
    وينهون عن الاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، قال ابن تيمية: (وَالاسْتِطَالَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ)
    الاستطالة على الخلق مذمومة بل الواجب على العبد أن يلين مع الخلق وأن يعتبر نفسه إن لم يرحمه الله جل وعلا هو أهون الخلق، فلهذا لا يستطيل وينصف من نفسه.
    قال: -أي ابن تيمية - (ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها... وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره؛ فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم).
    هذا فيه تنبيه على. ..أن أهل السنة والجماعة في طريقتهم في باب الأخلاق إنما يتابعون فيه ما بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا ليفارقوا به أهل الضلال من الجفاة والغلاة
    -----------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا - - تابعونا -- جزاكم الله خيرا
    -
    التالي :
    -
    : علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الخميس سبتمبر 21, 2023 10:00 am عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 4:32 pm

    : علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة :


    امتازت عقيدة السلف بمزايا عظمية ميزتهم عن جميع العقائد التي قامت على الهوى وما أفرزته العقول البشرية.
    لأن العقيدة السلفية مصدرها غير مصدر العقائد البدعية فلا بد أن يحصل بينهم التمايز وإضافة إلى أنها قامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنها لم تدنس بعلم الكلام والمنطق وسائر ما أفرزته عقول فلاسفة اليونان وغيرهم, بل هي عقيدة نقية تملأ النفوس يقيناً وطمأنينة وأتباعها يعظمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجتمعون عليها ولا يتفرقون في ثبات عظيم كثبات عقيدتهم الناصعة التي رضيها الله عزّ وجلّ وهدى أحباءه إليها.
    فقد انعكست هذه العقيدة بصفائها على معتنقيها فصاروا أثبت الناس على الحق بخلاف أهل الأهواء الذين تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه وسبب ثباتهم يعود إلى يقينهم بصحة ما هم عليه واقتناعهم به, وهم من أكثر الناس اتفاقاً وأقلهم اختلافاً لأن هدفهم أصبح واحداً وتفكيرهم واحداً وهذا التوحد سببه تمسكهم بعقيدة واحدة, وثقتهم أن السلف من قبلهم كانوا على الحق والصراط المستقيم فاحتذوا أثرهم وسلكوا مسالكهم وأخلصوا في نشر عقيدتهم فملأت الدنيا نوراً وأخرج الله بهم أقواماً من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وكانوا أمة وسطاً عدولاً يستحقون ثناء الله وثناء رسوله عليهم وكانوا من أحرص الناس على اجتماع الكلمة وعدم التفرق في الآراء والأفكار ولا أدل على هذا من أن بعضهم كان إذا اختلف مع آخر في قضية واشتد الخلاف بينهم وخشي أن تكون فتنة كان يترك خلافه لأخيه حباً في اجتماع الكلمة وكراهية للتفرق كما يذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    ولهذا استحقوا أن يسموا أهل السنة والجماعة وهما وصفان يدلان على أفضليتهم وحسن ما هم عليه من السلوك الحميد والمعتقد السليم.
    وإذا كنا نذكر سماتهم هنا وسمات غيرهم من أهل الأهواء فإنما ذلك على حد ما قال الشاعر: (وبضدها تتميز الأشياء) والناظر في مذهب السلف والخلف يجد لكل منهم علامات تميزهم نابعة عن اعتقاد كل منهم لأنه كما يقال: (كل إناء بالذي فيه ينضح). فلأهل السنة علامات وصفات ولغيرهم من المخالفين علامات وصفات ولا تشكل على طالب العلم التمييز بينها.
    فإن المتتبع لسلوك السلف سيجد أنهم تميزوا بصفات كثيرة منها -
    أنهم أعرف الأمة بالحق.
    وأرحم الأمة بالخلق.
    وأرحم الناس بخصومهم من بعضهم البعض.
    ومن أشد الناس رجوعاً إلى الحق وانقياداً له ووقوفاً عنده.
    ومن أشدهم رحابة صدر ودماثة خلق وتسامح وإنصاف في حال قدرتهم على المخالفين لهم.
    ومن أكثرهم تواضعاً وتلطفاً وأبعدهم عن السباب والفحش وسيء الأخلاق.
    لا يشمتون بأحد ولا يظهرون الاستهزاء إلا بالقدر الذي يتبين به غرضهم من الرد على المخالفين إن كان ذلك ضرورياً.
    ولقد كانت لهم مواقف تشهد بنبل أخلاقهم وحبهم للتسامح والشفقة على المخالفين يتمثلون ما كان عليه نبيهم الكريم من الصبر حينما كان يؤذيه قومه وهو يقول ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))
    والأمثلة على هذا كثيرة سجلها التاريخ لهم وتاريخ الصحابة مليء بالأمثلة المشرفة ومن ذلك -
    - مواقفهم في سقيفة بني ساعدة.
    - مواقفهم تجاه أهل الذمة.
    - مواقفهم في حال الحرب مع المخالفين.
    - مواقفهم في الحفاظ على العهود والمواثيق.
    وكان نصيب الخلفاء الراشدين من تلك الصفات القمة والحظ الأعلى ومن اطلع على تاريخهم عرف ذلك .
    فهذا الخليفة الصديق صاحب النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشد الناس شفقة ورحمة بالمخالفين له وفي غاية التسامح مع كل من أساء إليه يبادر بالعفو إذا ذُكّر به مهما كان الحال.
    وقصته مع مسطح خير دلالة على ذلك فإنه حين غضب عليه لمشاركته مع أصحاب الإفك وكان ينفق عليه آلى على نفسه أن لا يُنفق عليه بعدها فلما أنزل الله تعالى ( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
    )
    [النور:22] فرجع ينفق عليه حباً في مغفرة الله.
    ومواقف أخرى عديدة كلها تدل على تأصل هذه الصفة في نفسه، ومثل موقفه حين تشاجر مع عمر وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر واحمر وجهه وأخذ يعاتبه حتى أشفق أبو بكر على عمر وهدّأ من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم شفقة بعمر رضي الله عنهما.
    وكذلك عمر الفاروق رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس رحمة على رعيته وأبنائه،
    وكل المسلمين كانوا عنده كأنهم رجل واحد يتعهد فقراءهم فيواسيهم ويرشد ضالهم ويعلمه وقصته مع المرأة التي باتت تعلل بنيها بالماء فوق النار توهمهم أن بها أكلا ليناموا فلما وقف عليها عمر رضي الله عنه وسألها عن حالها وشكت فقرها فذهب وجاء بالدقيق والسمن وكان ينفخ النار والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضج لهم الطعام ولم ينصرف إلا والأطفال يلعبون فرحين من الشبع.
    وكان من رحمته برعيته أنه كان يبذل النصيحة ويرشد المخطئ حتى في أحرج المواقف فقد دخل عليه رجل يعوده حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي فلما خرج الشاب رأى عمر أن ثوبه طويل فاستدعاه وهو في تلك الحال التي كان يجود بنفسه فيها وقال له-- ارفع ثوبك يا ابن أخي فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.
    وما فعله مع صبيغ من تأديبه لإرجاعه إلى الحق وغير ذلك من المواقف التي تدل على رحمته وحبه للمسلمين.
    وكذلك عثمان رضي الله عنه وما كان يتصف به من الرقة والحياء والكرم أمر مشهور في كتب التاريخ فقد كان سريع العفو لا ينتقم لنفسه محباً للعافية تجاه رعيته فقد واساهم في زمن المجاعة ابتغاء مرضاة الله بقافلة من الشام وقعد لتمريض زوجته رضي الله عنهما بل عفا عن البغاة الذين أتوا للنقمة عليه في المدينة.
    ومثلهم علي رضي الله عنه وما ميزه به الله من الأخلاق الطيبة والرحمة بالمساكين والعطف على رعيته وتقديم نفسه في المعارك حماية للمسلمين ودفاعاً عنهم.
    وإذا تجاوزنا الحديث عن بقية الصحابة الكرام ومآثرهم العظيمة وانتقلنا إلى علماء السلف من المسلمين فإننا نجدهم من أرحم الناس وأشدهم شفقة على المخالفين وأنصحهم لهم ويأتي في أول هؤلاء إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وتاريخه مع القائلين بخلق القرآن وما لقيه من الآلام التي تنفطر لها القلوب خير شاهد على ذلك وعلى محبته للمسلمين ولقد ابتلي بالضراء فكان أصلب من الرواسي وابتلي بالسراء فكان شديد الحلم والتواضع لم تخضعه نقمة ولم تستخفه نعمة.
    وتاريخ السلف غني بالرجال الأفذاذ فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية كان من أحرص الناس على بيان الحق ومن أشدهم عفواً عمن ظلمه لم يبال بالسجن والإهانات التي وجهت له من قبل المخالفين الحاقدين عليه وطالما تمكن من الانتصاف منهم ولكنه كان يبادر إلى العفو عنهم ولا يطلب منهم إلا معرفة الحق والتبصر في الدين قال رحمه الله عن إنصاف أهل السنة وشفقتهم بمخالفيهم (أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس الإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك فليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنى حرام لحق الله وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلى من كفره الله ورسوله)  .
    وإذا تجاوزنا تاريخ تلك الحقبة ورجالاتها إلى رجال العصور الأخيرة من السلف فسنجد رجالاً كانوا مثال الأخلاق الفاضلة وحب الخير للناس جميعاً ومن أشدهم رحمة بكل المسلمين حتى المخالفين منهم وفي أول هؤلاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي بذل نفسه لخدمة العقيدة وتفهيم الناس بدينهم الصحيح.
    وكذا من سار على طريقته مثل الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله، الذي أخرج الله به أقواماً من الظلمات إلى النور ومن الشرك إلى التوحيد ومن الخرافات الجاهلية إلى الحقائق الإسلامية في منطقة جيزان ففتح الله به القلوب ونور به البصائر وكان رحمة من الله تمكن حبه في القلوب وتمكنت دعوته في النفوس ولن تزال أبداً إن شاء الله قوة راسخة.هذه نماذج سقتها على عجل مكتفياً بمن تقدم ذكرهم كأمثلة مشرفة لسلف هذه الأمة وما امتازوا به من حميد الصفات وهناك مئات الأمثلة التي لا تكاد تحصى إلا بالكلفة .
    ومن المعلوم أن هذا التسامح ليس هو تسامح العاجزين فقد كانوا فرسان الوغى وليوث الحروب لا يخافون إلا ربهم من فوقهم وإنما هو تسامح الواقف عند الحق المقدم له الراضي به, أما بالنسبة لسمات أهل البدع من الفرق الهالكة فقد اتصفوا بأسوأ الصفات التي أبانت عن سوء معتقداتهم لعدم تحليهم بآداب السنة الغراء وهو أمر بدهي فإن المخالف لها لا بد أن يركب هوى نفسه والهوى من أخطر المطايا وأسرعها إلى الهلاك ومخالفة الشرع.
    وبتتبع الصفات التي يتصف بها هؤلاء تجد أنها كثيرة ومنها --
    بغي بعضهم على بعض والتطاول في السباب.
    اختلافهم لأتفه الأسباب وكثرة تفرقهم.
    اتباعهم لما يهوون حسبما تمليه عليهم رغباتهم وتكفير بعضهم البعض وتكفير كل طائفة لما عداها.
    تتبعهم المتشابه وإثارة الخلافات حوله.
    بغضهم لأهل السنة واختراع الألقاب الباطلة لهم تنفيراً عنهم.
    بغض مذهب السلف وتسميته بالأسماء والألقاب الباطلة.
    قبولهم للروايات الكاذبة وعدم تحريهم النصوص الصحيحة.
    قبولهم للأخبار التي لا يصدقها العقل ولا تعضدها حجة.
    عدم اهتمامهم –كما يجب بالسنة النبوية- وتسلطهم عليها بالتأويل أو الرد بحجة أنها غير ملزمة مثل القرآن.
    وغير ذلك من الصفات التي عرفت عنهم قديماً وحديثاً.
    فالخوارج وهم أول الفرق الهالكة خروجاً تجد أنهم يتصفون بالجفاء والخروج عن الدين وضيق الأفق وتكفير المخالفين لهم واستحلال دمائهم وأموالهم فكانوا يقتلون المصلين في المساجد حينما يغيرون عليهم محكمين بزعم أنهم كفار وأن جهادهم قربة إلى الله، وقد كفروا خيرة الناس بعد الأنبياء والمرسلين من عظماء الصحابة رضوان الله عليهم مثل علي بن أبي طالب وعثمان وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص والحسن والحسين وغيرهم من فضلاء الصحابة ومن سار المسلمين.
    وكفروا الناس بالمعاصي واستحلوا دماءهم بها وأوجبوا الخروج على الحكام لأتفه الأسباب فسفكوا من الدماء ما لا يعلمه إلى الله وحده وتفرقوا فيما بينهم تفرقاً لا يكاد يكون له نظير إذ كان أقل خلاف يحصل بينهم يختلفون ويتقاتلون لا يرعون في بعضهم إلاًّ ولا ذمة. فكانوا أشبه ما يكونون بالوحوش المسعورة لقي الناس منهم الأمرين وشغلوا الناس حكاماً ومحكومين وأذاقوهم الفتن المتلاحقة والويلات المتعاقبة، وما ذلك إلا لبعدهم عن هدي الكتاب والسنة وطريق سلف هذه الأمة وهو طريق من تركه ضل وارتكب الظلم وفعل المحرمات وخرج عن الحق وتلقفته السبل التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه حينئذ يصبح مثل البهيمة التائهة أو الجمل الذي لا خطام له.
    وبعد الخوارج نجد مثالاً آخر من تلك الطوائف وهم الرافضة الضالة الذين وقفوا أسوأ المواقف من الصحابة وسائر أهل السنة كما لا يخفى على طالب العلم.
    ثم نبغت المعتزلة الذين تشبعوا بآراء الخوارج وبعلم الكلام وآراء الشيعة فإذا بهم يملؤون كتبهم سباباً لأهل السنة والمتمسكين بها وإذا بهم يحرضون الحكام عليهم ليشفوا غيظ صدورهم وما فعله ابن أبي دؤاد بإمام أهل السنة وغيره من علماء المسلمين المخالفين لآراء هذه الفرقة الضالة لهو أقوى مثال على ذلك.
    ثم توالت الأمثلة على مر العصور فظهرت المرجئة والقدرية والأشعرية وغيرها من الطوائف الكثيرة الذين اتصفوا بضيق الأفق والشدة على كل من خالف آراءهم حتى وإن كان في المسائل البسيطة الاجتهادية، فكان المعتزلة لا يرجعون إلى كتاب ولا إلى سنة في مسائل الصفات ولا في أحكامهم على المخالفين لهم وإنما يأخذون ما تمليه عليهم عقولهم إضافة إلى الشبهات التي تلقفوها من علماء الكلام.
    ولذلك تقرر في مذهبهم أنه إذا تعارض العقل والنقل فإنه يقدم العقل ويؤول النص أو يترك. مع أنه في الواقع الصحيح لا تعارض أبداً بين العقل السليم والنص الصحيح وكذلك الجهمية وهم مشائخ المعتزلة الذين أسسوا كثيراً من الشبهات وفتحوا أبواب الجدل والخوض في مسائل العقيدة فضلوا وأضلوا وفرقوا الأمة وكانوا من أسوأ الناس أخلاقاً وفظاظة على المخالفين لهم ولعل القارئ قد سمع عن هذا النمط من المنحرفين وما يقولونه عن أهل الحق.
    ولعل القارئ أيضاً لا يخالفني في أن الكوثري في وسط أهل البدع والخرافات شيخ الإسلام رحمه الله في وسط أهل السنة والجماعة وكم للكوثري ولمشائخه ومن سار على نهجه من أفكار خاطئة وكم له من الردود والسباب والشتائم لأهل السنة ولعقيدتهم الصافية وقد صب جام غضبه على مشاهير أهل السنة على مدار تاريخهم وأطلق عليهم عدة ألقاب باطلة هم منها براء، جاءت منه على طريقة أهل البدع في التسرع إلى التكفير والسخرية بالصالحين لغلبة الهوى عليهم وضيق أفهامهم.
    وقد رد عليه علماء السلف قديماً وحديثاً ردوداً كالصواعق وبينوا أخطاءه بالدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة مجانبين التجني عليه أو على غيره- كما هي عادتهم- في رأفتهم بالمخالفين وبالتالي دعوتهم بالتي هي أحسن.
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الأهواء والبدع ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم))   وقد تحدث علماء السلف عن سمات الفرق الهالكة وأسباب تفرقهم وما أحدثوه في الدين تحدثوا من باب النصيحة والتحذير.
    فقد سأل عمرو بن قيس الحكم بن عتبة ((ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها؟ قال الخصومات))  
    وقال الفضيل بن عياض ((لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله))  
    وفي مصنف عبد الرزاق أن رجلاً قال لابن عباس -- الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم. فقال - كل هوى ضلالة))  (6) .
    وعن أبي قلابة قال - ((ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف))  (7) .
    وقال علي بن المديني: ((من قال فلان مشبه علمنا أنه جهمي ومن قال فلان مجبر علمنا أنه قدري ومن قال فلان ناصبي علمنا أنه رافضي)) .
    وأقوالهم في هذا كثيرة جداً وما قصدناه هو الإشارة التي يفهم بها اللبيب.
    ------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا فتابعونا جزاكم الله خيرا
    التالي :
    -
    : تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة  :


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الخميس سبتمبر 21, 2023 10:26 am عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    عقيدة فرقة السلف والسلفيه Empty تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 24, 2021 5:07 pm

    : تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة :

    وفي الختام ننبه إلى ما وقع فيه بعض الناس من إطلاق عبارات ومفاهيم لا تتفق مع عقيدة السلف ومنهجهم بزعم أنها هي العقيدة الصحيحة السلفية.
    متأثرين فيها بشتى المذاهب المخالفة ومؤثرين في غيرهم ممن قلت معرفتهم بحقيقة مذهب السلف وكل ذلك ناتج عن جهل بحقيقة معاني تلك الكلمات وتلك المفاهيم وهي كثيرة بحيث لا يستوعبها وقت كتابة هذه العجالة ولكن أشير إلى أهمها ولأهميتها وخفائها أيضاً أحببت أن أنبه إليها إخواني طلاب العلم وكل من يراها نصيحة لهم ودفاعاً عن العقيدة تتمة لدراسة فرقة السلف الطائفة المنصورة جمعتها من شتى المصادر. ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء الذين يخطئون في جوانب من العقيدة بعضهم على مستوى من المعرفة والثقافة ولكن الكمال لله تعالى والتذكير ينفعهم ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] فقد يكون للشخص أخطاء في جوانب ولكنه في جوانب أخرى لا يشق له غبار.
    والمشكلة ليس الوقوع في الخطأ – فهذا شأن الإنسان – ولكن الخطأ هو الإصرار على الخطأ لأن الإصرار على الخطأ ليس من سمة طلاب العلم بل علامتهم وشعارهم دائماً : ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا  )[طه:114] والحكمة ضالة المؤمن فإن من طلب الزيادة في العلم زاده الله ومن أصر على ما عنده من المعرفة فقط فكأنه يقول بلسان حاله لا أريد زيادة على ما عندي والله تعالى يقول  : (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً  ) [الإسراء:85]
    وفيما يلي بيان ما تقدمت الإشارة إليه :
    - الزعم بأن التفويض في الصفات هو مذهب السلف وذلك أن عقيدة السلف في هذا هي الالتزام التام بما جاء في كتاب الله تعالى
    أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الوحيين كل النصوص تؤكد على الإثبات في الصفات لا على التفويض وهو ما كان عليه الصحابة في اعتقادهم في باب الصفات وما كان عليه سائر التابعين ومن تبعهم بإحسان وسائر من كتب من السلف في العقيدة من المتقدمين والمتأخرين لم يخالف إلا من خرج عن هديهم.

    - ومن المزاعم الباطلة أيضاً قول البعض أن السلف يمرون الصفات كما جاءت دون فهم معانيها وهذا غير صحيح فإن السلف إنما يريدون بإمرارها كما جاءت في الكيفيات لا في معانيها فإن كيفية الصفات من الأمور المجهولة والسؤال عنها بدعة أما المعاني فواضحة ومعقولة.

    - الزعم بأن الله تعالى في كل مكان واستدلالهم بآيات معية الله لخلقه وتفسيرهم لها بأنها المعية الذاتية لله تعالى عن ذلك, فإن السلف فسروا هذه المعية من الله تعالى بأنها إحاطة علمه عزّ وجلّ بجميع ما يجري فلا يخفى عليه شيء وذاته تعالى فوق عرشه وهو مع كل مخلوق بعلمه وإحاطته.
    - الزعم بأن السلف يعتقدون أن الله في السماء أي في داخلها أو أنها تحيط به أو أنه بإحدى السماوات تحوزه تعالى الله عن ذلك فإن هذا ليس من أقوال السلف بل هو من أقوال أهل البدع لأن معنى أن الله في السماء أي في مطلق العلو فوق عباده وفوق عرشه هكذا عقيدة السلف كما قال تعالى  ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) [الأنعام:18].

    - الزعم بأن السلف مجسمة أو حشوية أو مشبهة أو جبرية أو قدرية أو نابتة أو غثاء أو غثراء أو غير ذلك من الألقاب التي أطلقت على السلف نبزاً لهم فإن مذهب السلف هو بخلاف ذلك كله كما اتضح في دراستنا السابقة.

    - الزعم بأن آيات الصفات من المتشابه قول لأهل البدع لا لأهل السنة الذين يعتقدون أنها من المحكم المعروف المعنى.

    - القول بأن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة أو أنه لا فرق بينهم وبين أهل السنة هذا قول من يجهل الفرق بينهم في قضية الصفات وغيرها من القضايا التي خالفوا فيها السلف.
    لأن أهل السنة يثبتون كل الصفات من غير تأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل والأشاعرة لا يثبتون الصفات كلها كما هو معلوم من مذهبهم بل يؤولون أكثرها بحجة التنزيه وهو اعتقاد فاسد لا يقره أهل السنة والجماعة.

    - القول بأن الأشاعرة هم المتمسكون بمذهب الأشعري رحمه الله، وهذا الخطأ نشأ من عدم اعتراف هذه الطائفة برجوع الأشعري رحمه الله إلى مذهب أهل السنة والجماعة كما صح عنه ذلك وكما قرره في كتبه كالإبانة والمقالات وغيرها وقد صرح بما لا خفاء به بأنه على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى.

    - قول بعض أهل البدع ننزه الله عن التشبيه والتمثيل والتركيب والتبعيض وحلول الحوادث والجسم وتعدد القدماء .. إلخ.
    كلها من كلمات أهل البدع ولا شك أن السلف ينفون عن الله تعالى كل صفة لم ترد في الكتاب أو في السنة وبالنسبة لإطلاق بعض العبارات المجملة فإنهم يستفسرون من قائلها وماذا يقصده من كلامه مثل الجسم وغيره من الألفاظ المجملة ثم يحكمون عليه تبعاً لذلك.
    - تقسيم أهل السنة والجماعة إلى سلف وخلف وإن جميعهم يسمون بالسلف وبأهل السنة والجماعة. هذا خلط غير صحيح وجمع بين نقيضين فإن الخلف مؤولة الصفات وليسوا هم السلف المثبتة لها ويلتحق بهذا أيضاً ما أصله أهل البدع بقولهم مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم وهو تقسيم باطل وتفضيل للمؤولة والمحرفة على السلف أصحاب السنة والجماعة الذين مذهبهم أسلم وأعلم وأحكم.
    - الزعم بأنه يجب التأويل خصوصاً في بعض النصوص وأن من لم يؤولها وقع في الخطأ وأن من منع التأويل فإنه سيضطر هنا إليه وإلا كان كلامه باطلاً بزعمهم، وكذلك فإن من منع التأويل مطلقاً وقال به هنا كان دليلاً على تناقضه فيما يزعم هؤلاء الخلف ومن أمثلة ذلك  :
    1- قوله تعالى ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ) [المجادلة:7].
    2- وقوله تعالى ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) [ق: 16].
    3- وقوله تعالى ( وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ [القمر:13-14]
    4- وقوله تعالى ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22].
    5- وقوله تعالى ( أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ ) [الأنعام:158].

    كما استدل المخالفون للسلف على وجوب التأويل بأحاديث من السنة النبوية زاعمين أن من لم يؤولها فإنه لا يكون سلفياً.
    1- مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال ((ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ))  .
    2- ومثله الحديث الآخر أن الله تعالى قال ((ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة))   .
    3- ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض))   وقد زعم المخالفون للسلف أننا لو لم نؤول هنا لأصبحنا ملاحدة نؤمن بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود كما يزعمون.
    4- حديث نزول الله تعالى في ثلث الليل الأخير إلى السماء الدنيا  .
    وقد زعم المخالفون للسلف أن تلك الآيات والأحاديث مما يتوجب فيها التأويل فقوله تعالى (إِلا هُوَ مَعَهُمْ ) [المجادلة:7] أي بعلمه لا بذاته وهذا المعنى للمعية هو الذي سماه المخالفون تأويلاً وهي تسمية غير صحيحة فإن معنى وهو معكم أي مطلع عليكم شهيد عليكم ومهيمن وعالم بكل ما تأتون وما تذرون ولا يمكن أن تفسر المعية في هذه الآية بغير هذا التفسير والمنزه الله تعالى لا يمكن أن يفهم منها معية ذاته جل وعلا إلا إذا أراد التعطيل أو التشبيه أو القول بوحدة الوجود.

    وأما الآية الثانية ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ  ) [ق:16] أي وملائكتنا وقدرتنا وعلمنا أقرب إليه من حبل وريده وقد وصف المخالفون هذا المعنى بأنه لجوء إلى التأويل وهو فهم غير صحيح فإنه ليس بتأويل بل هو على ظاهره صحيح فإن الملائكة يعملون بقدرته وإرادته وهم جنود له تعالى مطيعون ولهذا عبر بكلمة (نحن) المفيدة للتعظيم وإحاطة علمه تعالى بكل شخص ومخلوق صغيراً كان أو كبيراً.

    وأما الآية الثالثة ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا  )[القمر:14] أي بحفظنا ورعايتنا لها وبمرأى منا وليس هذا من قبيل التأويل كما زعم المخالف بل هو المعنى الحقيقي ولهذا قال تعالى: بِأَعْيُنِنَا ولم يقل في أعيننا أي تجري على مرآه عزّ وجلّ وحفظه.
    وأما قوله تعالى  ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) [الفجر:22] فهو مجيء حقيقي ولا نحتاج إلى أي تأويل له للأدلة الأخرى من القرآن الكريم والسنة النبوية فمن أوله إلى مجيء أمره أو مجيء ملك كبير ونحو ذلك فقد خالف الحق ومذهب السلف إذ لا مانع من مجيء الله تعالى.

    وأما الآية  (  أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) [الأنعام:158] فإن الجواب عنها هو كالجواب في وَجَاءَ رَبُّكَ فالإتيان والمجيء والنزول كلها صفات حقيقية نعرف معانيها ونتوقف في معرفة كيفياتها ولا نحتاج إلى أي تأويل لها.
    أما بالنسبة لما استدلوا به من السنة النبوية وأنه لابد فيه من التأويل وإلا لما كنا على السلفية بزعمهم فهو تكلف منهم وتقوية لمذهبهم في حب التأويل
    1- أما الحديث الأول : فمعناه كما يفيده كلام العلماء أن العبد إذا أحب الله تعالى من خالص قلبه فإن عمله كله لا يكون إلا لله فلا يستعمل أعضاءه كلها إلا لله وفي مرضاته عزّ وجلّ فلا يسمع ولا يبصر ولا يبطش بيده ولا يمشي برجله إلا وفق ما أراده الله منه وبالتأويل يوفقه الله ويستجيب له وهذا هو المعنى الحقيقي وليس بتأويل كما يدعي غير السلف ولا حاجة إلى ركوب التأويل ما دام المعنى في غاية الوضوح.

    2- وأما الحديث الثاني : وهو قرب الله تعالى فقد وصف الله نفسه بالقرب .
    فقال ( فإني قريب  )وقربه صفة لا نعرف كيفيتها ولكنها ثابتة لمن تقرب إلى الله تعالى ومع أن الكون كله في قبضة الله تعالى ليس فيه قريب ولا بعيد لكنه عزّ وجلّ يكون إلى أوليائه أكثر قرباً وعناية وهو فوق عرشه ويقرب من عبده حسب مشيئته وإرادته عزّ وجلّ في زيادة العناية به.
    وإذا تصورنا هذا المفهوم فإنه لا حاجة بنا إلى التأويل فراراً من إثبات هذا القرب إذ لا يعقل أن يتصور أن الله يكون قريباً من كل خلقه بذاته عزّ وجلّ.
    3- وأما الحديث الثالث : فقد أراح الله منه فإنه حديث غير صحيح كما ذكره علماء الحديث وعلى فرض صحته فإنه لا يحتاج إلى تأويل إذ معناه يتضح في تمام الحديث بقوله "فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه".
    والمعنى واضح في قوله "فكأنما" أي ليس المراد أن الحجر الأسود هو صفة لله تعالى أو يد له عزّ وجلّ بل من قبله فله من الأجر مثل الذي يقبل يد الله تعالى وهذا المفهوم لا يحتاج معه إلى التأويل إذ لا محذور فيه فهو افتراض المقصود به حصول الأجر العظيم وما دام الحديث غير صحيح فلا حاجة إلى تكلف الجواب عنه.

    4- وأما حديث النزول : فمعناه ينزل جل وعلا حقيقة على صفة لا نعرفها ولا نكيفها مهما اختلفت الأوقات من بلد لبلد فكما أننا لا نعرف كيفية الصفات فكذلك كيفية النزول ولهذا فلسنا بحاجة إلى تأويل نزول الله تعالى بنزول أمره وقدرة الله عزّ وجلّ فوق ما يتصوره العقل فهو يرزق خلقه ويميتهم بمشيئته ويحاسبهم في وقت واحد كما أنه لا يمر وقت إلا وأمره وقضاؤه عزّ وجلّ نازل فلماذا نقصر نزول أمره على تلك الأوقات فقط لو لم يكن نزولاً حقيقياً لا يعلم كيفيته إلا هو عزّ وجلّ.
    - من الأخطاء في العقيدة كذلك قولهم عن الله تعالى : أنه الموجود الحق" لأن الموجود ليس من أسماء الله تعالى, أو قولهم  :"المنفرد بالوجود الحقيقي" لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة أنهما من صفاته تعالى.
    وقولهم "واجب الوجود" أو العقل الأول أو الهيولى على إنما أسماء الله تعالى لأنها أسماء مبتدعة لله تعالى لم ترد في الشرع الشريف فلا نطلقها لا نفياً ولا إثباتاً وفي غيرها من أسماء الله تعالى ما يغني عنها.

    - "لا معبود سوى الله" جملة ناقصة صوابها "لا معبود بحق إلا الله" لأنه قد عبد غير الله وإله.
    - فلان شهيد. لفظ لا يجوز الجزم به لأن الشهادة علمها إلى الله تعالى ولا يشهد لأحد بجنة أو بنار إلا من ورد النص فيه.
    وقد تساهل الناس في أمر الشهادة حتى صاروا يقولون شهيد الحب شهيد الوطن شهيد الواجب شهيد الكرة... إلخ. وهو تساهل يدل على جهل عظيم بمنزلة الشهداء عند الله تعالى.

    - بعضهم يعبر عن توحيد الله عزّ وجلّ بأنه خالق الكون ومدبره.. إلخ.
    والحقيقة أن هذا هو توحيد الربوبية الذي لا يدخل الشخص بالإقرار به في توحيد الألوهية حتى يقر بتوحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بعبادته لا شريك له الذي بعث الله رسله من أجله لا من أجل تقرير توحيد الربوبية الذي تقر به الفطر والعقول السليمة على مر الدهور.
    - الزعم بأن السلفية ليست مذهباً معروفاً كلام باطل وتجاهل لطائفة أهل السنة والجماعة كما ذكرنا سابقاً.
    - رد أخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد هو مذهب أهل البدع أما أهل السنة والجماعة فيتقبلون أخبار الآحاد ويعملون بها في كل أمر ما دامت قد ثبتت صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    - التوسل بالجاه أو بالذات لأي كائن – غير الله تعالى – يعتبر شركاً لا يجوز فعله ومن نسب إلى السلف جواز التوسل بالجاه أو بالذات فقد أخطأ فهم عقيدتهم.
    - القول بأن رؤية الله تعالى في الآخرة تستلزم التحيز لله عزّ وجلّ كلام باطل وهو ليس من أقوال السلف الذين يؤمنون برؤية الله تعالى على كيفية لا نحيط بها استناداً إلى نصوص رؤيته تعالى حقيقة إذ لا مانع من رؤيته لا نصاً ولا عقلاً.

    - نفي الجهة عن الله تعالى مطلقاً أو إثبات أنه في كل جهة بذاته هو معتقد فاسد فإن الله تعالى أخبر عن نفسه أنه في جهة الفوقية المطلقة ولا يلزم منه التحيز أو كونه بذاته في كل مكان فإنه مما يتنزه الله عنه.

    - تجويز التوسل بذات أحد من البشر سواء أكانوا من الرسل عليهم الصلاة والسلام أو غيرهم بدعة منكرة لم يجوزها السلف اتباعاً للنصوص الناهية عن ذلك.

    - القول بالتفريق بين الحقيقة والشريعة ليس من أقوال السلف بل هو من اختراعات غلاة الصوفية وذلك أن أي شيء يخالف الشريعة يجب نبذه وعدم الالتفات إليه فضلاً عن قبول معارضته.

    - اعتقاد أنه لا فرق بين الإرادة والمشيئة الإلهية خطأ لأن الإرادة تنقسم إلى إرادة كونية تتعلق بكل شيء مما يحبه الله أو لا يحبه وإرادة شرعية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه بينما المشيئة تتعلق فقط بالإرادة الكونية من حيث العموم.
    - تنشر بعض الصحف بين آونة وأخرى أخباراً كاذبة فيها تهويل يجذب القراء مثل ما تزعمه بعض الصحف عن علماء الآثار من أنهم يجدون أحياناً جماجم تدل على أن الإنسان كان يشبه القرد تماماً وهذه تقوية لنظرية الملحد داروين أو أن القيامة ستقوم في وقت كذا وكذا من السنين، أو أنه وجد في بلد كذا جنين يقرأ القرآن بصوت مسموع
    وهو في بطن أمه أو أن الدابة ستخرج وقت كذا وغير ذلك من الأخبار التي تدل على أن مصدرها ملاحدة يريدون ترويع الناس لمصالح لهم ومعلوم أن من ادعى علم الغيب فإنه كاذب وكافر بجميع الأديان حاشا الأنبياء الذين يطلعهم الله على ما يشاء من المغيبات.
    - قول بعض الناس بالله وبك أو على الله وعليك أو غير ذلك من الألفاظ التي فيها التشريك بين الله وبين غيره هي من الأمور المنهي عنها والتي لا يقرها السلف وأما إذا أدخلت "ثم" مكان "الواو" فلا حرج.

    قول علماء الكلام الكلام غير المتكلم به"، أو القول غير القائل أو "العلم غير العالم" أو "القدرة غير القادر" إلى غير ذلك من العبارات التي نسجوها على هذا النحو كل ذلك كلام باطل ليس من مذهب السلف فإن مراد هؤلاء أن تلك الصفات مباينة لله تعالى ومنفصلة عنه وأنه لا يصح وصفه بأية صفة لأن الصفات مغايرة له حسب زعمهم ومن هنا تسلطوا على نفي كل صفات الله تعالى واعتبروها تركيباً لا يجوز على الله تعالى ففرقوا بين الله تعالى وبين صفاته بتعمقهم في علم الكلام المذموم ظانين أنه علم غزير.

    - القول بوجوب الموازنة قول يخالف طريقة السلف   وذكر الموازنة فيه محاذير كثيرة فإن المخالف لا ينظر إلى ما يذكر عن أهل البدع من المساوئ بل يقف عند ذكر المحاسن ويضخم أمرها ويستدل بها على صحة ما هو عليه من المبادئ والعقائد كما أن السلف لم يكونوا يستجيزون الثناء على أهل البدع ولهذا فإن ترك ذكر المحاسن يعتبر عقوبة جيدة لأهل البدع.
    فإنه قد يكون لهم أخطاء تذهب بجميع حسناتهم فلا فائدة من ذكر الحسنات بعد ذلك وقد يكون ما نذكره عنهم من الحسنات ليست هي حسنات حقيقية بل قد تكون سيئات عند الله تعالى .
    ثم إن في الثناء على الفساق تغرير بمن لا يعرفهم ولم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم أي حسنات أو ثناء على الكفار بل ذم كفرهم وأعمالهم المخالفة.
    أما إذا كان الشخص من أهل السنة والجماعة ولكنه أخطأ في بعض الأمور الاجتهادية فلا حرج من مدحه والثناء عليه مع التنبيه على خطئه إن أخطأ وكذا ذكر الآراء التي يخالفون فيها مع تفنيدها لا حرج فيه.

    - السلف لا يفرقون بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ومن فرق بينهما فقد جانب الصواب والمفرق إما أن يكون جاهلاً أو في قلبه شيء من بغض السلف وكيف تكون منصورة وهي غير ناجية وكيف تكون ناجية وهي غير منصورة لأن الله تعالى لا يجعل النصر في النهاية إلا لجنده الذين رضي عنهم أما الباطل فله صولة ثم يضمحل وصاحبه لا يكون ناجياً ولا منصوراً.

    - السلف لا يحبون إطلاق كلمة (الصحوة الإسلامية) مع أن هذه العبارة قد انتشرت كثيراً على ألسنة الناس وسبب كراهتهم لها أنها تشعر السامع أن المسلمين كانوا في غفوة تامة وليس لهم دعوة إلى الله ولا جهاد في سبيله ولم يعرفوا الإسلام إلا بعد أن نبغ دعاة هذه العبارة وحركتهم التي يزعمون أنها صحوة جديدة في الإسلام.
    - ليس من عقيدة السلف الاحتفاء بأعياد الميلاد ولا رأس السنة الميلادية أو الهجرية ولا يعترفون إلا بعيدين كبيرين هما عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد ثان صغير هو يوم الجمعة ومن نسب إليهم غير ذلك فقد جانب الصواب.

    - ليس من عقيدة السلف الاعتراف بما يسمى (تقارب الأديان) لأن هذه خدعة جديدة ويهدفون من ورائها الإيحاء للناس بصحة أديان الطوائف المعادية للإسلام وبالتالي الهجوم على الإسلام وأهله.

    - كلمة الأديان السماوية إطلاق غير دقيق فإن السماء ليس لها أديان ولا ترسل رسلاً ولا تنزل كتباً ولا يوجد بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا دين إلهي واحد فيجب إسناد الكتب وإنزالها ثم نسبة الدين الصحيح إلى الله تعالى وإن كان بعضهم يتجوز ذلك بحجة أن المقصود واضح وهو الله تعالى.

    ليس من عقيدة السلف الزعم بأن الإكثار من قراءة سورة (تبت يدا) غير مناسب لأن فيها تعريضاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو أن هذه الخرافة صدرت عن العوام والجهال لما كان لذكرها ضرورة ولكني سمعت بعض أهل العلم ممن نقرأ لهم بعض مؤلفاتهم والله المستعان يحذر من تعمد القراءة بسورة تبت يدا مراعاة لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقولون بل ويزعمون في تخويفهم لمن يتعمد ذلك أنه يصاب بالشلل وهو كلام باطل يجب التوبة منه والاستغفار من اعتقاده وكذا الزعم بأن من قرأ سورة (قريش) دائماً فإنه يصبح غنياً وإن كان جائعاً يصبح شبعاناً وهي خرافات تنافي الاعتقاد الصحيح.
    --------------------------------------------------------------------------------
    تابعونا جزاكم الله خيرا --
    -
    التالي :
    -
    : أهل السنة والجماعة   :

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:05 pm