عقيدة فرقة السلف والسلفيه :
هي ما يعتقده الشخص في قرارة نفسه ويعقد العزم عليه ويراه صحيحاً سواء أكان صحيحاً في حقيقة الأمر أم باطلاً.
ومن هنا فإن عقيدة السلف التي يعتقدونها في قرارة أنفسهم وقد عقدوا العزم على العمل بها هي جملة ما أخذوه عن كتاب الله وسنة نبيه وهو الاعتقاد الصحيح والواقع الحق الذي لا يزيغ عنه إلا هالك بخلاف عقائد غيرهم الذين خلطوا بعلم الكلام وآراء الفلاسفة فجاءت نتاجاً مشوهاً خصوصاً في ما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبعضهم لم يقف عند هذا الحد بل تعدى هذا الخطأ إلى أخطاء أخرى تتعلق بالنبوات وبالسمعيات بسبب تأثرهم بالأفكار المنحرفة فإذا بعقائدهم تقوم على خليط من الآراء والأفكار المنحرفة بأدلة متنوعة
إما من القرآن الكريم الذي حرفوا معانيه وأولوها لتوافق أهواءهم أو من السنة النبوية التي لا يميزون في قبولها بين الصحيح والضعيف والمكذوب وغيره سواء أكان بسند أم بغير سند ولا يهمهم من الراوي إلا أن يكون على وفق معتقدهم أو من المكاشفات التي يزعمون أن الله يخاطبهم بها أو من الأحلام المنامية أو من التقائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يدعون كذباً وزوراً أو من العلم اللدني الذي يقذفه الله في قلوبهم كما يدعون أو من الخرافات والأساطير التي لا تصلح إلا في سمر العجائز بالليل لأن تلك كلها في ميزان السلف أمور مرفوضة لانقطاع التشريع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبق في مفهوم السلف إلا الاجتهاد حول فهم النصوص واستخراج الحق منها.
وقد ذكر بعض العلماء أن أهل الأهواء إزاء السنة النبوية ينقسمون إلى فريقين:
- فريق لا يتورع عن ردها وإنكارها إذا خالفت مذهبه وما ألفه من أقوال وأفعال ثم يختلق لردها شتى الأعذار الباطلة.
- ومنهم فريق آخر يثبتون السنة في ظاهرهم ويعتقدون بصحة النصوص ولكنهم يشتغلون بتأويلها إلى ما يوافق هواهم وينصر معتقداتهم وهؤلاء - الحقيقة ماكرون فإن عملهم هذا هو رد للسنة ولكنه بطريق قد تخفى على غير طلاب العلم.
وأحياناً يضرب هؤلاء بالنصوص جانباً بحجة أنها متعارضة مع أنه في الواقع لا يوجد بين النصوص الصحيحة أي تعارض إذا تبين الناسخ والمنسوخ والمتقدم والمتأخر منها فإن لم يتبين ذلك فإنه يمكن الجمع بينها ولا محالة إلا إذا كانت أحاديث موضوعة وصحيحة فحينئذٍ طريقة أهل السنة أنه لا تعارض بين الصحيح والموضوع إذ لا قيمة للموضوع وشبهه إزاء الصحيح لأن عدم فهم النصوص هو الذي أدى إلى تفرق الأمة وسفك دماء بعضهم بعضاً وما نشأ عنه من الاستكبار والبغي والعدوان واستحكام العداوات وكل هذا لا تحتمله الشريعة الإسلامية التي تركنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
إن منهج السلف في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها يقوم على إيمانهم بكل ما ثبت دليله من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إيماناً راسخاً ظاهراً وباطناً.
سواء كان ذلك الأمر الذي يعتقدونه من الأمور الغيبية كالإيمان بكل ما أخبر الله به أو أخبر عنه رسوله بأنه قد وقع كالإيمان بخلق الله لآدم من طين وخلق زوجه منه وإهباط الله لهما إلى الأرض بسبب معصيتهما ثم توبة الله عليهما وإنزال الكتب وإرسال الرسل وجميع ما جاء بإثباته النص في سائر الأمور التي قد وقعت من قبلنا أو كان من الأمور التي أخبر الله ورسوله أنها ستقع كالإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من الثواب والعقاب في الحساب والجنة والنار وما فيهما وغير ذلك من أمور العالم الآخر أو كان من الأمور التي تقع في الدنيا التي جاء النص بوقوعها فيها قبل يوم القيامة مثل ما أشار إليه الله في القرآن الكريم أو أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم مثل موقعة بدر وفتح مكة وظهور الدجال ونزول المسيح وغير ذلك.
وبصفة عامة الإيمان بكل الأخبار الغيبية التي وقعت أو التي ستقع على حد سواء هي مزية عظيمة تدل على قوة إيمانهم وطمأنينة نفوسهم غير متأولين بعقولهم لرد النصوص كما تفعل الفرق الباطلة الذين لا يؤمنون إلا بما تراه عقولهم مقدمينها على النصوص كالمعتزلة وغيرهم غير ناظرين إلى نقص العقول عن إدراك المغيبات عنها واضطرابها في معرفة الحقائق حينما لا تستند إلى النصوص الشرعية وإلى الوحي الإلهي الذي يخرج الله به من يشاء من الظلمات إلى النور لأن السلف يعلمون تمام العلم أن الدين لا يؤخذ إلا من مصدره ومصدره الشرع الشريف وليس العقول ومختلف الآراء القاصرة.
ويعلمون كذلك أنه من الحمق والغباء والضلال البعيد أن يتركوا الطرق الواضحة البينة إلى الطرق المظلمة المحفوفة بالمخاطر.
وأن الطريق الواضح هو ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تاماً كاملاً الذي لا يقبل الله ديناً سواه
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة :3]
وقوله( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )[النساء:65]
ولقد جعلوا هذه الآية هي أساس منهجهم وأبرز صفاتهم فكانوا المثل الأول في التسليم لنصوص الشرع لاعتقادهم أن التسليم هو الطريق الذي فيه النجاة وأنه ثمرة الإيمان الحقيقي لحب الله له والثناء على أهله وقد تواصى السلف بالتزام ذلك قولاً وعملاً وصرحوا به ورغبوا فيه الناس نصحاً منهم لله ولرسوله ولعامة المسلمين لمعرفتهم أنه أساس بناء الإسلام لأن من لم يسلم للشرع أمره سلمه إلى الشيطان والبدع والخرافات وشاق الله ورسوله وخالف سبيل المؤمنين وحال المخالفين أقوى شاهد على ما هم فيه من التخبط والاضطراب والضعف.
منهج أهل السنة في تقرير العقيدة
يتمثل في الأمور التالية :
1- التمسك بالكتاب والسنة وعدم التفريق بينهما وتحكيمهما والعمل بهما في كل ما يعرض لهم من قضايا العبادة وغيرها دون رد أو تأويل سواء كانت الأخبار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم متواترة أو آحاداً لا فرق فيها بعد صحتها وثبوتها إذ التفريق بينهما إنما هو من سمات أهل البدع.
2- العمل بما ورد عن الصحابة في قضايا العقيدة والدين وغيرهما والسير على نهجهم وسننهم لأنهم أعرف بالحق من غيرهم.
3- الوقوف عند مفاهيم النصوص وفهم دلالاتها وعدم الخوض فيما لا مجال للعقل فيه مع الاستفادة من دلالة العقل في حدوده وعدم الخوض فيها بالتأويلات الباطلة.
4- الإعراض عن البدع وعن أهلها فلا يجالسونهم ولا يسمعون كلامهم ولا شبههم بل يحذرون منهم أشد تحذير خصوصاً من عرف منهم بعناده واتباعه الهوى.
5- لزوم جماعة المسلمين ونبذ التفرق والتحذير منه.
هذا هو منهجهم وكان لهذا المنهج مزايا قيمة من أهمها :
1- أن هذا المنهج هو ما دل عليه كتاب الله تعالى ودلت عليه سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ودل عليه عمل الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
2- أن هذا المنهج الذي ساروا عليه كان من أقوى أسباب بقاء عقيدتهم صافية نقية لا تشوبها شوائب الضلال وهي نعمة من الله عليهم لما علمه من حسن نياتهم وصدق عزائمهم.
أما أدلتهم على وجوب لزوم ذلك المنهج فهو ما نعرض بعضه فيما يلي :
استدلال أهل السنة على وجوب التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويشتمل على مبحثين هما :
1- استدلالهم من القرآن الكريم -
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على وجوب التمسك بالقرآن الكريم وأنه لا يخرج عنه مؤمن وأن الدين لا يؤخذ إلا منه ومن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن زاغ عنهما خرج إلى الضلالة وفارق هدى الإسلام -
ومن تلك الآيات البينات -
- قوله تعالى ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )[النساء:65].
- وقوله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103].
- وقوله تعالى( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام:153].
- وقوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ )[السجدة:22].
وهذه الآيات واضحة الدلالة على أن الهدى كله في كتاب الله تعالى وفي هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن الواجب على كل مسلم الانقياد والإذعان والتسليم التام دون أي تردد أو شك وذلك لأن كل أمر بان رشده لا يتردد العاقل في قبوله والاعتماد عليه.
2- استدلالهم من السنة النبوية :
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يحث فيها على وجوب التمسك بكتاب الله تعالى وأن من فارقه فلا حظ له من الإسلام.
قال صلى الله عليه وسلم - ((مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب فقال: أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه))
.
- وجاء في موعظة الرسول صلى الله عليه وسلم بغدير خم قوله ((أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به))
ثم قال ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) (4) وفي رواية أخرى ((كتاب الله وسنتي)) .
- ومن حديث يرويه العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))
- وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن مثلي ومثل ما بعثني به مثل رجل أتى قومه فقال إني رأيت جيشاً بعيني وإني النذير العريان فالنجاة فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا على مكانتهم فصبحهم الجيش واستباحهم فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق)) .
- وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من رغب عن سنتي فليس مني))
.
والأحاديث في هذا كثيرة كلها تؤكد وجوب التمسك والعمل بكتاب الله تعالى وأنه هو الصراط المستقيم الذي أوله في الدنيا وآخره في الجنة.
بيان مجمل اعتقادات السلف في سائر أبواب الاعتقاد
لقد ألف العلماء في بيان العقيدة السلفية المؤلفات الواسعة ملئت بها المكتبات الإسلامية بين مطولات ومتوسطات ومختصرات مطبوعات ومخطوطات.
ومن العجيب أنه على كثرة ما كتب في ذلك فلا يزال الكثير من الناس يجهلون عقيدة هذه الطائفة ويجهلون كثيراً من مبادئها لأسباب كثيرة حسب ما يظهر لي :
1- بسبب انصراف الناس عن مدارستها بجد.
2- لعدم وجود من يقدمها للناس في أماكن تجمعاتهم وبالصورة المرضية.
3- لقوة الدعايات ضد السلف وضد كتبهم.
4- لعدم تمكينهم وتمكين كتبهم من الانتشار في كثير من بلدان المسلمين لوقوف أعداء السلفية ضدها.
ومهما وصل الشخص في علمه بها فإنه دائماً في حاجة إلى تجديد معلوماته ولهذا كلما قرأ الشخص عنها وفي كتب أصحابها ازداد معرفةً واكتسب علماً جديداً وربما يعود هذا إلى كثرة ما كتب عنها وكثرة الأساليب المستخدمة في الكتابة عنها وسعة مفاهيم كتابها وكثرة ردودهم على أهل الباطل المناوئين لهم ودحض كل شبهة توجه لهم ولهذا فإن أهل السنة وعلومهم مثل الجداول وينابيع المياه العذبة متجددة على الدوام ولنا في شهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أكبر شاهد ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
كما أن فرقة السلف أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وهم خير الفرق وأزكاها ولا تقارن بهم أي فرقة أخرى مهما بلغت في انتسابها إلى الكتاب والسنة.
فقد اتضح منهاجهم القويم وشهد لهم النبي العظيم صلى الله عليه وسلم بأنهم على الحق والهدى وأنه لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على الحق وهي فرقة قائمة بذاتها لا تعلق لها بالفرق الأخرى وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنما نذكر ههنا في هذه العجالة على حد ما قيل (وبضدها تتميز الأشياء) كما أن معرفة هذه الطائفة وفهم مبادئها حق الفهم هو العلم والخير كله وبهذه المعرفة يستطيع المسلم الدفاع عن دينه ومبادئه ورد شبهات المبطلين وتفنيدها.
فإن من حقق معرفة طريقة السلف أهل السنة والجماعة فقد أمن العثار وسار في طريق الأبرار.
- أنه يجب أن يرفع قدر أهل السنة أن يدرسوا ضمن الفرق الأخرى المنحرفة لأنهم هم الأساس وهم الدعامة القوية لحفظ السنة وليس فرقة طارئة كسائر الفرق ولكن حصلت القناعة بعد ذلك لإبرازها بالدراسة فقد ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ فرقة وطائفة ولا يضيرهم أن يذكروا مع ذكر الفرق المخالفة للحق بل إن ذكرهم يعتبر من إقامة الحجة على كل مخالف.
لقد تميزت عقيدة السلف بقيامها على الكتاب والسنة في كل جزئية منها فكانت تلك العقيدة هي المحجة البيضاء التي تركنا عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم سهلة في تطبيقها واضحة في دلالاتها لا يزيغ عنها إلا المبتدعون أصحاب الأهواء الباطلة والاتجاهات الفاسدة.
ومما أود التنبيه عليه أن عقيدة السلف قد دونها العلماء بمؤلفات كثيرة بل كتبوا في كل جزئية مجلدات ضخمة كما سبق بيانه.
ولذلك فمن غير السهولة أن أذكرها هنا مفصلة وإنما أكتفي بذكرها على طريق الإجمال والإيجاز بحيث يكفي المستعجل فينال بغيته في التعرف على عقيدة السلف إن لم يتمكن من الاطلاع عليها بالتفصيل في مراجعها.
وقد عبر عن ذلك الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) بعد أن رجع إلى مذهب السلف ودان الله به كما عبر عنه أيضاً في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) ففي كتابه (الإبانة)
قال رحمه الله تعالى: :ن قال لنا قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.
قيل له : قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب ربنا عزّ وجلّ، وبسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم،
وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون.
وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته وأجزل مثوبته، قائلون،
ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين.
وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نريد من ذلك شيئاً وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو، فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها،
وأن الله يبعث من في القبور وأن الله استوى على عرشه كما قال( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[طه:5] وأن له وجهاً بلا كيف كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27] وأن له يدين بلا كيف، كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]. وكما قال ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )[المائدة:64] وأن له عيناً بلا كيف، كما قال : ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )[القمر:14] وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً وأن لله علماً كما قال ( أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) [النساء:166]
وكما قال( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فاطر:11]. ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك، كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونثبت أن لله قوة
كما قال( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )[فصلت:15]
نقول: إن كلام الله غير مخلوق وإنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له( كن فيكون، كما قال ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [النحل:40].
وأنه لا يكون في الأرض شيء من خيرٍ وشرٍ إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عزّ وجلّ وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله.
ولا نستغني عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله عزّ وجلّ وأنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العبد مخلوقة لله مقدورة،
كما قال ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96] وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا
وهم يخلقون، كما قال ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر:3] وكما قال( لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل:20] وكما قال( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل):17]، وكما قال( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور:35].
وهذا في كتاب الله كثير وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم، ونظر إليهم، وأصلحهم، وهداهم، وأضل الكافرين،
ولم يهدهم، ولم يلطف بهم بالإيمان، كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين، كما قال تبارك وتعالى( مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:178] وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين،
ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وأنه خذلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره،
وأنّا نؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشره، حلوه ومره، ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا،
وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله وأنا نلجأ في أمورنا إلى الله، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه ونقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر – وندين بأن الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة كما قال الله عزّ وجلّ (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين):15] وأن موسى عليه السلام سأل الله عزّ وجلّ الرؤية في الدنيا، وأن الله تعالى تجلى للجبل، فجعله دكاً، فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا، ونرى بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون
ونقول : إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً.
ونقول : إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيماناً.
وندين بأن الله تعالى يقلب القلوب ((وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عزّ وجلّ ) وأنه سبحانه يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع)) .
كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف.
وندين بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنةً ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ونرجوا الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
ونقول : إن الله عزّ وجلّ يخرج قوماً من النار بشفاعة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وإن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق
وأن الله عزّ وجلّ يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص،
ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عزّ وجلّ لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونثني عليهم بما أثنى به عليهم، ونتولاهم أجمعين
ونقول : إن الإمام الفاضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضوان الله عليه،
وأن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون للإمامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأن الذين قتلوه قتلوه ظلماً وعدواناً،
ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة
ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها،
ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونكف عما شجر بينهم. وندين الله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم.
ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن ((الرب عزّ وجلّ يقول ( هل من سائل، هل من مستغفر)) وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل
ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه.
ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم
ونقول : إن الله عزّ وجلّ يجيء يوم القيامة كما قال( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )[الفجر:22] وأن الله عزّ وجلّ يقرب من عباده كيف شاء كما قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16] وكما قال (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى َ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم:8-9] ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر،
كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي خلف الحجاج,
وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لقول من أنكر ذلك. ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم، إذا ظهر منهم ترك الاستقامة ,وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف، وترك القتال في الفتنة,
ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهما المدفونين في قبورهم ونصدق بحديث المعراج ونصحح كثيراً من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيراً ونرى الصدقة عن موتى المسلمين، والدعاء لهم ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك ونصدق بأن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر كائن موجود في الدنيا وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وتوارثهم ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان.
وأن من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل وأن الأرزاق من قبل الله عزّ وجلّ يرزقها عباده حلالاً وحراماً
وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية،
كما قال الله عزّ وجلّ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة:275] وكما قال (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس:4-6]
ونقول : إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله عزّ وجلّ بآيات يظهرها عليه
وقولنا في أطفال المشركين (إن الله يؤجج لهم في الآخرة ناراً، ثم يقول لهم اقتحموها) كما جاءت بذلك الرواية ،
وندين الله عزّ وجلّ بأنه يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، وما كان وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعته ومجانبة أهل الأهواء: وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي منه مما لم نذكره باباً باباً وشيئاً شيئاً إن شاء الله تعالى.
ونجد الأشعري قد أكد أيضاً تلك الأمور في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) وفي بيانه لاعتقاد أصحاب الحديث.
وقد رغبت أن أثبتها كما جاءت في الكتاب القيم تتميماً للفائدة وتأكيداً لكلامه في الإبانة وأن مصدر هذين الكتابين هو الأشعري رحمه الله تعالى.
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة :
الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله –سبحانه- إله واحد فرد صمد، لا إله غيره، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً،
وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها،
وأن الله يبعث من في القبور وأن الله - سبحانه - على عرشه، كما قال( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] وأنه له يدين بلا كيف، كما قال( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص:75]
وكما قال (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )[المائدة:64] وأنه له عينين بلا كيف،
كما قال( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )[القمر:14]
وأن له وجهاً كما قال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [الرحمن:27] وأن أسماء الله لا يقال : إنها غير الله؛ كما قالت المعتزلة والخوارج،
وأقروا أن لله سبحانه علماً كما قال ( أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ )[النساء:166]
وكما قال (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ٌ) [فاطر:11]. وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله، كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة،
كما قال( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )[فصلت:15]
وقالوا : إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر، إلا ما شاء الله، وإن الأشياء تكون بمشيئة الله،
كما قال عزّ وجلّ (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ) [الإنسان:30]
وكما قال المسلمون : ما شاء الله كان، وما لا يشاء لا يكون.
وقالوا إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله، أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله، أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله.
وأقروا أنه لا خالق إلا الله، وأن سيئات العباد يخلقها الله، وأن أعمال العباد يخلقها الله عزّ وجلّ، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً.
وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين، ونظر لهم، وأصلحهم، وهداهم، ولم يلطف بالكافرين، ولا أصلحهم، ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين.
وأن الله –سبحانه- يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم، حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين، ويلطف بهم، حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم، وأضلهم وطبع على قلوبهم.
وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بقضاء الله وقدره، خيره وشره حلوه ومره، ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، إلا ما شاء الله كما قال، ويُلجئون أمرهم إلى الله –سبحانه- ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت، والفقر إلى الله في كل حال.
ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق.
ويقولون : إن الله - سبحانه- يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عزّ وجلّ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ )[المطففين:15] وإن موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا، وإن الله –سبحانه تجلى للجبل، فجعله دكاً، فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.
ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، كنحو الزنا والسرقة، وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون، وإنما ارتكبوا الكبائر والإيمان - عندهم - هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره،
وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم. والإسلام هو: أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، على ما جاء في الحديث، والإٍسلام عندهم غير الإيمان. ويقرون بأن الله –سبحانه- مقلب القلوب.
ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها لأهل الكبائر من أمته، وبعذاب القبر، وأن الحوض حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، والمحاسبة من الله عزّ وجلّ للعباد حق، والوقوف بين يدي الله حق
ويقرون بأن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق، ويقولون أسماء الله هي الله، ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار،
ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله –سبحانه- ينزلهم حيث شاء،
ويقولون : أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم،
ويؤمنون بأن الله –سبحانه- يخرج قوماً من الموحدين من النار، على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينكرون الجدل، والمراء في الدين، والخصومة في القدر، والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل،
وينازعون فيه من دينهم، بالتسليم للروايات الصحيحة، لما جاءت به الآثار التي رواها الثقات، عدلاً عن عدل، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولون: كيف؟ ولا لم؟ لأن ذلك بدعة.
ويقولون : إن الله لم يأمر بالشر، بل نهى عنه، وأمر بالخير، ولم يرض بالشر، وإن كان مريداً له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله –سبحانه - لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم
ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم .
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله –سبحانه- ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عزّ وجلّ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59].
ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين، وألا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.
ويقرون أن الله –سبحانه- يجيء يوم القيامة كما قال( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر:22]، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )[ق:16].
ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام، بر وفاجر،
ويثبتون المسح على الخفين سنة، ويرونه في الحضر والسفر.
ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – إلى آخر عصابة تقاتل الدجال، وبعد ذلك.
ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، وألا يخرجوا عليهم بالسيف، وألا يقاتلوا في الفتنة،
ويصدقون بخروج الدجال، وأن عيسى ابن مريم يقتله.
ويؤمنون بمنكر ونكير، والمعراج، والرؤيا في المنام، وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم.
ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى، وأن الساحر كائن موجود في الدنيا.
ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.
وأن من مات مات بأجله، وكذلك من قتل قتل بأجله
وأن الأرزاق من قبل الله –سبحانه- يرزقها عباده، حلالاً كانت أم حراماً
وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم
وأن السنة لا تُنسخ بالقرآن وأن الأطفال أمرهم إلى الله : إن شاء عذبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله عالم ما العباد عاملون، وكتب أن ذلك يكون، وأن الأمور بيد الله.
ويرون الصبر على حكم الله، والأخذ بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل، والنصيحة للمسلمين، ويدينون بعبادة الله في العابدين، والنصيحة لجماعة المسلمين، واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء عن الناس والعجب.
ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة، والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق
وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب .
فهذه جملة ما يأمرون به، ويستعملونه ويرونه , وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير.
وفي كتب أهل السنة والجماعة تفصيل وأدلة كل مسألة مما تقدم ذكره فارجع إلى كتبهم إن أحببت الاطلاع على تلك التفاصيل.
وقد أورد اللالكائي رحمه الله فصلاً طويلاً عن اعتقاد علماء السلف وعدد أسمائهم وذكر مقالاتهم تحت عنوان (سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قرن).
ثم شرع في بيان اعتقادهم (الصحابة فمن بعدهم) في مسائل العقيدة وقد سار على هذا المنهج عدة من المؤلفين السلف رحمهم الله جميعاً.
_______________________________________________________________
تابعونا جزاكم الله خيرا
-
التالي :
-
أسماء هذه الطائفة وألقابهم
-
لا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل صادق النور في الثلاثاء سبتمبر 26, 2023 2:27 pm عدل 3 مرات
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد