الصدقات . فضائلها . فوائدها . مجالاتها . أنواعها .
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الله تعالى آمرًا نبيه صل الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [سورة إبراهيم: 31].
ويقول جل وعلا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ...} [سورة البقرة: 195].
وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} [سورة البقرة: 254].
وقال سبحانه: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [سورة البقرة: 267]
. وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة التغابن: 16].
ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صل الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان،
فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه،
فاتقوا النار ولو بشق تمرة» [في الصحيحين].
والمتأمل للنصوص التي جاءت آمرة بالصدقة مرغبة فيها يدرك ما للصدقة من الفضل الذي قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال،
حتى قال عمر رضي الله عنه: "ذكر لي أن الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم" [صحيح الترغيب].
فضائل وفوائد الصدقة:
أولًا:
أنّها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صل الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى» [صحيح الترغيب].
ثانيًا:
أنّها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله صل الله عليه وسلم: «والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار» [صحيح الترغيب].
ثالثًا:
أنّها وقاية من النار كما في قوله صل الله عليه وسلم: «فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة»
. رابعًا:
أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم
يقول: «كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس».
قال يزيد: "فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة"،
قد ذكر النبي صل الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [في الصحيحين].
خامسًا:
أنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صل الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة».
يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج،
وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم،
ففعل الرجل فبرأ". [صحيح الترغيب].
سادسًا:
إنّ فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صل الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا إردت تليين قلبك فأطعم المسكين،
وامسح على رأس اليتيم» [رواه أحمد].
سابعًا:
أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: "وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره
العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم". [صحيح الجامع]
فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعًا من البلاء،
وهذا أمر معلوم عند النّاس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنّهم قد جربوه.
ثامنًا:
أنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران:
92].
تاسعًا:
أنّ المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صل الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان
ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [في الصحيحين].
عاشرًا:
أنّ صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صل الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «ما نقصت صدقة من مال» [في صحيح مسلم].
الحادي عشر:
أنّه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلاّ ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [سورة البقرة: 272].
ولما سأل النبي صل الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلاّ كتفها.
قال: «بقي كلها غير كتفها» [في صحيح مسلم].
الثاني عشر:
أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ
أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 18].
وقوله سبحانه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 245].
الثالث عشر:
أنّ صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أنّ رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل
الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة،
ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان».
قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها:
قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» [في الصحيحين].
الرابع عشر:
أنّها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلاّ أوجب ذلك لصاحبه الجنة
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر: أنا.
قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟». قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟». قال أبو بكر: أنا،
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «ما اجتمعت في امرىء إلاّ دخل الجنة» [رواه مسلم].
الخامس عشر:
أنّ فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي صل الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما
جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره،
وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع. [في الصحيحين]
"فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه،
فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلاّ هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقيا
بالاستكثار منها والمبادرة إليها
وقد قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: 9].
السادس عشر:
أنَّ المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله صل الله عليه وسلم: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله
مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل..».
السابع عشر:
أنَّ النبَّي صل الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صل الله عليه وسلم: «لا حسد إلاّ في
اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل والنهار»،
فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله.
الثامن عشر:
أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتممٌ للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك
قوله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيْهِ حَقّاً فِى التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرءَانِ وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ الَّذِى بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 111].
التاسع عشر:
أنَّ الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه كما في قوله صل الله عليه وسلم: «والصدقة برهان» [رواه مسلم].
العشرون:
أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة
فقد كان النَّبي صل الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع].
أفضل الصدقات:
الأول: الصدقة الخفية؛ ل
أنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة: 271]،
"فأخبر أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهلرها وإعلانها، وتأمَّل تقييده تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة
ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أو غير ذلك،
وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد، والستر عليه، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة،
وأن يرى النّاس أنّ يده هي اليد السفلى، وأنَّه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته،
وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من النّاس.
وكان إخفاؤها للفقير خيرا من إظهارها بين النّاس، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها،
وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق
وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته". [طريق الهجرتين].
الثانية:
الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار
كما في قوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا
بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا» [في الصحيحين].
الثالثة:
الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ} [سورة البقرة: 219]،
وقوله صل الله عليه وسلم: «لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى... »،
وفي رواية: «وخير الصدقة ظهر غنى» [كلا الروايتين في البخاري].
الرابعة:
بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول» [رواه أبو داود]،
وقال صل الله عليه وسلم: «سبق درهم مائة ألف درهم»، قالوا: وكيف؟! قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما،
وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها» [رواه النسائي، صحيح الجامع]،
قال البغوي رحمه الله: "والإختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتا لما يخاف عليه من فتنة الفقر،
وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على النّاس،
ولم ينكر النبي صل الله عليه وسلم على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة،
كما خافها على غيره، أمّا من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى،
إلا أن يكون معروفا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر،
وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سورة الحشر: 9] وهي الحاجة والفقر". [شرح السنة].
الخامسة:
الإنفاق على الأولاد كما في قوله صل الله عليه وسلم: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة» ?حين،
وقوله صل الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم].
السادسة:
الصدقة على القريب، كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد،
وكان رسول الله صل الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: "فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: 92].
قام أبو طلحة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه {لن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}
إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت،
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين».
فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". [في الصحيحين].
وقال صل الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]،
وأخصُّ الأقارب ـ بعد من تلزمه نفقتهم ـ
اثنان: الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ * أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ} [سورة البلد:11-16].
والمسبغة: الجوع والشِّدة.
الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛
فقد قال صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع].
السابعة:
الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ} [سورة النساء: 36]
وأوصى النبي صل الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها» [رواه مسلم].
الثامنة:
الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار
ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل» [رواه مسلم].
التاسعة:
النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهادا للكفار أو المنافقين، فإنّه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير
ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات
ومن ذلك قوله سبحانه: {انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة:41]،
وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحجرات: 15]،
وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله صل الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: {لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ
جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ
الْفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 89،88]،
ويقول عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله،
أو طروقة فحل في سبيل الله» [رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع]،
وقال صل الله عليه وسلم: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا» [في الصحيحين]،
ولكن ليُعلم أنّ أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا،
أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيرا
ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ
مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 11،10].
"إنّ الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل،
والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجردا كاملا لا شبهة فيه، عميق
الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعوانا إلاّ ما يستمده مباشرةً من عقيدته،
وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين". [في ظلال القرآن].
العاشرة:
الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ
من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
مجالات الصدقة الجارية:
1- سقي الماء وحفر الآبار؛
لقوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة:صحيح الجامع].
2- إطعام الطعام؛
فإن النبي صل الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [في الصحيحين].
3- بناء المساجد؛
لقوله صل الله عليه وسلم: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة» [في الصحيحين]،
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا
طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة» [صحيح الترغيب].
4- الإنفاق على نشر العلم،
وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما
علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من
ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة:صحيح الترغيب].
ولتعلم أخي أنّ الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان،
كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صل الله عليه وسلم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه
جبريل وكان بلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن،
فلرسول الله صل الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة". [في الصحيحين]
وكذلك الصدقة في أيّام العشر من ذي الحجة،
فإنّ النبي صل الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيّام العشر.
قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك
شيء» [رواه البخاري]،
وقد علمت أنّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله. ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون النّاس في شدة وحاجة ماسة
وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [سورة البلد: 11-14].
فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عونا له على طاعة الله
«فنعم المال الصالح للمرء الصالح» [رواه البخاري].
الحكمة في إخراج الصدقة
1) تورث المحبة والمودّة بين المسلمين، وتزيل الحقد من قلوب الفقراء على الأغنياء.
2) يسهل التعارف بين المسلمين.
3) ينشر الرحمة والمودة بين المسلمين.
4) يقلّل من ظاهرة انتشار الفقر في المجتمع المسلم.
5) يثبّت أواصر التعاضد والتماسك والترابط بين أفراد المجتمع المسلم.
أداب إخراج الصدقة
1) أن تكون من مال الإنسان الطيب
2) أن تكون للأرقاب وعلى من يستحقها من الفقراء
3) أن لا يستقل المؤمن مقدار صدقته حتى لا تصدق بشق تمرة
4) أن لا يتبع المسلم صدقته بالمن والأذى
5) وأن يخفيها ولا يتظاهر ويتفاخر بها لأن التفاخر يقلل من أجر الصدقة على عكس إخفائها، من السبعة الذين يُظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، ويكون دليلًا على إخلاص العبد، حيث إنّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير.
أنواع الصدقات
تنقسم الصدقة إلى نوعين: صدقة النافلة، والصدقة المفروضة وهي الزكاة الواجبة
فصدقة النافلة
تشمل أوجه الإحسان إلى الفقراء والمساكين من أموال غير الزكاة، حيث حثّ الإسلام على البذل والعطاء،
وقد وردت الكثير من النصوص الشرعية التي تشجّع على ذلك، ومنها ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله
-صل الله عليه وسلم- أنه قال: (الصَّدقةُ تُطفئُ غضَبَ الرَّبِّ وتدفَعُ مِيتةَ السُّوءِ)،
ومن الجدير بالذكر أن صدقة التطوع لا تقتصر على نوعٍ واحدٍ من أعمال الخير، وإنما تشمل الكثير من الأعمال،
فكل معروفٍ صدقة، مصداقًا لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-
أنه قال: (كلُّ معروفٍ صدقةٌ وإنَّ منَ المعروفِ أن تلقَى أخاكَ بوجْهٍ طَلقٍ وأن تُفرِغَ مِن دلْوِكَ في إناءِ أخيكَ).
أما الصدقة الواجبة وهى الزكاة المفروضة
فلها شروط خاصة، ومصارف معيّنة شرعًا، كما في قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ
قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،
وقد فرض الله تعالى الزكاة في العام الثاني للهجرة، وثبت وجوب الزكاة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الأمة،
حيث قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،
وعندما بعث رسول الله -صل الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى أهل اليمن قال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم
صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،
والزكاة لا تجب على المكلّف إلا إذا تحقّقت شروط معيّنة، وهى الإسلام، البلوغ، العقل، الحرية، المِلك، النماء، الحول.
الصدقة الجارية
الصدقة الجارية هي كل عملٍ يستمر أجره وثوابه حتى بعد موت الإنسان، وانتقاله إلى جوار ربه، وهي استثمارٌ صالحٌ في الحسنات،
وبابُ أجرٍ مفتوح لتكثير الأعمال الصالحة في الميزان حتى بعد الموت، والصدقة الجارية من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين أن جعل لهم أبواب أجرٍ كثيرة، كالصدقة الجارية.
فضل الصدقة الجارية
سبب لتكثير الحسنات واكتساب الخير بعد الموت. سبب لإطفاء غضب الله سبحانه وتعالى، ونيل رضاه ورحمته وعفوه. تمنع عذاب القبر. ترفع درجة المؤمن في الجنة، وتجعله في أعلى الدرجات. تنجّي من عذاب النار. تبرئ ذمة العبد من أي دينٍ أو نقصٍ أو تقصيرٍ في عبادته.
الصدقة للميت
فضل الصدقة عن الميت.. أجمع علماء المسلمين استنادًا إلى الأدلة على ثواب الصدقة عن الميت، حيث يصل أجرها إليه وتفيده في قبره وتخفف عنه،
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أبي مات وترك مالًا ولم يُوصِ. فهل يُكِفِّرُ عنه أن أَتصدَّق عنه؟
قال: نعم.)
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ أمي افتُلِتت نفسُها. وإني أظنها لو تكلمتْ تصدقتْ. فلي أجرٌ أن أتصدقُ عنها؟ قال: نعم).
إنّ من الأفضل أن تكون الصدقة أو أية أعمالٍ أخرى تقدّم للميت من ولده، فأفضل الصدقات التي تكون من مال الميت نفسه، ومن مال أولاده من الذكور والإناث، ولا بأس من تصدّق المحبين والأصدقاء.
أفضل الصدقات التي تصل للميت
1) الدعاء؛ من أهمّ ما يصل الميت الدعاء الخالص له بطلب المغفرة من الله تعالى، وقد كان قد ذكر النبي صل الله عليه وسلّم في
الحديث الشريف أنّ الولد الصالح هو ما يُمكن أن يستفيد منه الميت، قال صل الله عليه وسلّم ((إنَّ الرجلَ لتُرفعُ درجتُه في الجنةِ ، فيقول : أنَّى لي هذا ؟ فيقال : باستغفارِ ولدِك لك)).
2) الصدقة بالمال؛ فيصل أجرها إلى الميت سواءً كانت مالًا أو طعامًا أو كسوةً، فكلّها تعتبر صورًا من صور الصدقة.
3) بناء المساجد ودور العلم وكل شيءٍ مفيدٍ، وهذا يُدعى صدقةً جاريةً لأنها تستمر لفتراتٍ طويلة، وكلّما انتفع منها الناس أخذ الميت الأجر، كما يمكن التبرّع بأرضٍ لبناء المباني النافعة للأمة الإسلامية.
4) تبَّني طلبة العِلم من حيث تأمين ما يحتاجونه، كما أنَّ تخصيص بئرٍ لشرب عابري السبيل أو وضع كولر من الماء في مسجدٍ من المساجد يعتبر من الصدقات التي يصل الميت أجرها.
5) طباعة القرآن الكريم في كتيباتٍ صغيرةٍ وتوزيعها على الناس، ومن الأفضل عدم طباعة اسم الميت عليها حتى لا يدخل الرياء أو السمعة في العمل؛ فالنية الخالصة لله تعالى هي التي توصِل الأجر للميت.
6) تأدية ما على الميّت من ديونٍ للناس، وتأدية الديون التي لله تعالى مثل: تأدية فريضة الحج عنه في حال مات ولم يحج، أو يمكن التبرّع لمساعدة حاجٍ لله تعالى.
وصل الله وسلم على سيدنا وحبيبنا و نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
********************
لا تنسوني من صالح دعائكم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الله تعالى آمرًا نبيه صل الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [سورة إبراهيم: 31].
ويقول جل وعلا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ...} [سورة البقرة: 195].
وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} [سورة البقرة: 254].
وقال سبحانه: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [سورة البقرة: 267]
. وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة التغابن: 16].
ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صل الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان،
فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه،
فاتقوا النار ولو بشق تمرة» [في الصحيحين].
والمتأمل للنصوص التي جاءت آمرة بالصدقة مرغبة فيها يدرك ما للصدقة من الفضل الذي قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال،
حتى قال عمر رضي الله عنه: "ذكر لي أن الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم" [صحيح الترغيب].
فضائل وفوائد الصدقة:
أولًا:
أنّها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صل الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى» [صحيح الترغيب].
ثانيًا:
أنّها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله صل الله عليه وسلم: «والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار» [صحيح الترغيب].
ثالثًا:
أنّها وقاية من النار كما في قوله صل الله عليه وسلم: «فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة»
. رابعًا:
أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم
يقول: «كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس».
قال يزيد: "فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة"،
قد ذكر النبي صل الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [في الصحيحين].
خامسًا:
أنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صل الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة».
يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج،
وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم،
ففعل الرجل فبرأ". [صحيح الترغيب].
سادسًا:
إنّ فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صل الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا إردت تليين قلبك فأطعم المسكين،
وامسح على رأس اليتيم» [رواه أحمد].
سابعًا:
أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: "وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره
العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم". [صحيح الجامع]
فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعًا من البلاء،
وهذا أمر معلوم عند النّاس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنّهم قد جربوه.
ثامنًا:
أنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران:
92].
تاسعًا:
أنّ المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صل الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان
ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [في الصحيحين].
عاشرًا:
أنّ صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صل الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «ما نقصت صدقة من مال» [في صحيح مسلم].
الحادي عشر:
أنّه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلاّ ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [سورة البقرة: 272].
ولما سأل النبي صل الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلاّ كتفها.
قال: «بقي كلها غير كتفها» [في صحيح مسلم].
الثاني عشر:
أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ
أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 18].
وقوله سبحانه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 245].
الثالث عشر:
أنّ صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أنّ رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل
الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة،
ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان».
قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها:
قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» [في الصحيحين].
الرابع عشر:
أنّها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلاّ أوجب ذلك لصاحبه الجنة
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر: أنا.
قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟». قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟». قال أبو بكر: أنا،
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «ما اجتمعت في امرىء إلاّ دخل الجنة» [رواه مسلم].
الخامس عشر:
أنّ فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي صل الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما
جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره،
وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع. [في الصحيحين]
"فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه،
فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلاّ هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقيا
بالاستكثار منها والمبادرة إليها
وقد قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: 9].
السادس عشر:
أنَّ المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله صل الله عليه وسلم: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله
مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل..».
السابع عشر:
أنَّ النبَّي صل الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صل الله عليه وسلم: «لا حسد إلاّ في
اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل والنهار»،
فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله.
الثامن عشر:
أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتممٌ للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك
قوله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيْهِ حَقّاً فِى التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرءَانِ وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ الَّذِى بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 111].
التاسع عشر:
أنَّ الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه كما في قوله صل الله عليه وسلم: «والصدقة برهان» [رواه مسلم].
العشرون:
أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة
فقد كان النَّبي صل الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع].
أفضل الصدقات:
الأول: الصدقة الخفية؛ ل
أنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة: 271]،
"فأخبر أنَّ إعطاءها للفقير في خفية خيرٌ للمنفق من إظهلرها وإعلانها، وتأمَّل تقييده تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة
ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرة، وإجراء نهر، أو غير ذلك،
وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد، والستر عليه، وعدم تخجيله بين النَّاس وإقامته مقام الفضيحة،
وأن يرى النّاس أنّ يده هي اليد السفلى، وأنَّه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته،
وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص، وعدم المراءاة، وطلبهم المحمدة من النّاس.
وكان إخفاؤها للفقير خيرا من إظهارها بين النّاس، ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها،
وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق
وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته". [طريق الهجرتين].
الثانية:
الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار
كما في قوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا
بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا» [في الصحيحين].
الثالثة:
الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب كما في قوله عز وجل: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ} [سورة البقرة: 219]،
وقوله صل الله عليه وسلم: «لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى... »،
وفي رواية: «وخير الصدقة ظهر غنى» [كلا الروايتين في البخاري].
الرابعة:
بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول» [رواه أبو داود]،
وقال صل الله عليه وسلم: «سبق درهم مائة ألف درهم»، قالوا: وكيف؟! قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما،
وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها» [رواه النسائي، صحيح الجامع]،
قال البغوي رحمه الله: "والإختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتا لما يخاف عليه من فتنة الفقر،
وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على النّاس،
ولم ينكر النبي صل الله عليه وسلم على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة،
كما خافها على غيره، أمّا من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى،
إلا أن يكون معروفا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر،
وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سورة الحشر: 9] وهي الحاجة والفقر". [شرح السنة].
الخامسة:
الإنفاق على الأولاد كما في قوله صل الله عليه وسلم: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة» ?حين،
وقوله صل الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم].
السادسة:
الصدقة على القريب، كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد،
وكان رسول الله صل الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: "فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: 92].
قام أبو طلحة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه {لن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}
إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت،
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين».
فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". [في الصحيحين].
وقال صل الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]،
وأخصُّ الأقارب ـ بعد من تلزمه نفقتهم ـ
اثنان: الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ * أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ} [سورة البلد:11-16].
والمسبغة: الجوع والشِّدة.
الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛
فقد قال صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع].
السابعة:
الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ} [سورة النساء: 36]
وأوصى النبي صل الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها» [رواه مسلم].
الثامنة:
الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار
ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل» [رواه مسلم].
التاسعة:
النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهادا للكفار أو المنافقين، فإنّه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير
ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات
ومن ذلك قوله سبحانه: {انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة:41]،
وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحجرات: 15]،
وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله صل الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: {لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ
جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ
الْفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 89،88]،
ويقول عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله،
أو طروقة فحل في سبيل الله» [رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع]،
وقال صل الله عليه وسلم: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا» [في الصحيحين]،
ولكن ليُعلم أنّ أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا،
أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيرا
ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ
مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 11،10].
"إنّ الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل،
والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجردا كاملا لا شبهة فيه، عميق
الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعوانا إلاّ ما يستمده مباشرةً من عقيدته،
وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين". [في ظلال القرآن].
العاشرة:
الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ
من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
مجالات الصدقة الجارية:
1- سقي الماء وحفر الآبار؛
لقوله صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة:صحيح الجامع].
2- إطعام الطعام؛
فإن النبي صل الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [في الصحيحين].
3- بناء المساجد؛
لقوله صل الله عليه وسلم: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة» [في الصحيحين]،
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا
طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة» [صحيح الترغيب].
4- الإنفاق على نشر العلم،
وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما
علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من
ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة:صحيح الترغيب].
ولتعلم أخي أنّ الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان،
كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صل الله عليه وسلم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه
جبريل وكان بلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن،
فلرسول الله صل الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة". [في الصحيحين]
وكذلك الصدقة في أيّام العشر من ذي الحجة،
فإنّ النبي صل الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيّام العشر.
قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك
شيء» [رواه البخاري]،
وقد علمت أنّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله. ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون النّاس في شدة وحاجة ماسة
وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [سورة البلد: 11-14].
فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عونا له على طاعة الله
«فنعم المال الصالح للمرء الصالح» [رواه البخاري].
الحكمة في إخراج الصدقة
1) تورث المحبة والمودّة بين المسلمين، وتزيل الحقد من قلوب الفقراء على الأغنياء.
2) يسهل التعارف بين المسلمين.
3) ينشر الرحمة والمودة بين المسلمين.
4) يقلّل من ظاهرة انتشار الفقر في المجتمع المسلم.
5) يثبّت أواصر التعاضد والتماسك والترابط بين أفراد المجتمع المسلم.
أداب إخراج الصدقة
1) أن تكون من مال الإنسان الطيب
2) أن تكون للأرقاب وعلى من يستحقها من الفقراء
3) أن لا يستقل المؤمن مقدار صدقته حتى لا تصدق بشق تمرة
4) أن لا يتبع المسلم صدقته بالمن والأذى
5) وأن يخفيها ولا يتظاهر ويتفاخر بها لأن التفاخر يقلل من أجر الصدقة على عكس إخفائها، من السبعة الذين يُظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، ويكون دليلًا على إخلاص العبد، حيث إنّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير.
أنواع الصدقات
تنقسم الصدقة إلى نوعين: صدقة النافلة، والصدقة المفروضة وهي الزكاة الواجبة
فصدقة النافلة
تشمل أوجه الإحسان إلى الفقراء والمساكين من أموال غير الزكاة، حيث حثّ الإسلام على البذل والعطاء،
وقد وردت الكثير من النصوص الشرعية التي تشجّع على ذلك، ومنها ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله
-صل الله عليه وسلم- أنه قال: (الصَّدقةُ تُطفئُ غضَبَ الرَّبِّ وتدفَعُ مِيتةَ السُّوءِ)،
ومن الجدير بالذكر أن صدقة التطوع لا تقتصر على نوعٍ واحدٍ من أعمال الخير، وإنما تشمل الكثير من الأعمال،
فكل معروفٍ صدقة، مصداقًا لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-
أنه قال: (كلُّ معروفٍ صدقةٌ وإنَّ منَ المعروفِ أن تلقَى أخاكَ بوجْهٍ طَلقٍ وأن تُفرِغَ مِن دلْوِكَ في إناءِ أخيكَ).
أما الصدقة الواجبة وهى الزكاة المفروضة
فلها شروط خاصة، ومصارف معيّنة شرعًا، كما في قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ
قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،
وقد فرض الله تعالى الزكاة في العام الثاني للهجرة، وثبت وجوب الزكاة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الأمة،
حيث قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،
وعندما بعث رسول الله -صل الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى أهل اليمن قال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم
صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،
والزكاة لا تجب على المكلّف إلا إذا تحقّقت شروط معيّنة، وهى الإسلام، البلوغ، العقل، الحرية، المِلك، النماء، الحول.
الصدقة الجارية
الصدقة الجارية هي كل عملٍ يستمر أجره وثوابه حتى بعد موت الإنسان، وانتقاله إلى جوار ربه، وهي استثمارٌ صالحٌ في الحسنات،
وبابُ أجرٍ مفتوح لتكثير الأعمال الصالحة في الميزان حتى بعد الموت، والصدقة الجارية من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين أن جعل لهم أبواب أجرٍ كثيرة، كالصدقة الجارية.
فضل الصدقة الجارية
سبب لتكثير الحسنات واكتساب الخير بعد الموت. سبب لإطفاء غضب الله سبحانه وتعالى، ونيل رضاه ورحمته وعفوه. تمنع عذاب القبر. ترفع درجة المؤمن في الجنة، وتجعله في أعلى الدرجات. تنجّي من عذاب النار. تبرئ ذمة العبد من أي دينٍ أو نقصٍ أو تقصيرٍ في عبادته.
الصدقة للميت
فضل الصدقة عن الميت.. أجمع علماء المسلمين استنادًا إلى الأدلة على ثواب الصدقة عن الميت، حيث يصل أجرها إليه وتفيده في قبره وتخفف عنه،
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أبي مات وترك مالًا ولم يُوصِ. فهل يُكِفِّرُ عنه أن أَتصدَّق عنه؟
قال: نعم.)
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ أمي افتُلِتت نفسُها. وإني أظنها لو تكلمتْ تصدقتْ. فلي أجرٌ أن أتصدقُ عنها؟ قال: نعم).
إنّ من الأفضل أن تكون الصدقة أو أية أعمالٍ أخرى تقدّم للميت من ولده، فأفضل الصدقات التي تكون من مال الميت نفسه، ومن مال أولاده من الذكور والإناث، ولا بأس من تصدّق المحبين والأصدقاء.
أفضل الصدقات التي تصل للميت
1) الدعاء؛ من أهمّ ما يصل الميت الدعاء الخالص له بطلب المغفرة من الله تعالى، وقد كان قد ذكر النبي صل الله عليه وسلّم في
الحديث الشريف أنّ الولد الصالح هو ما يُمكن أن يستفيد منه الميت، قال صل الله عليه وسلّم ((إنَّ الرجلَ لتُرفعُ درجتُه في الجنةِ ، فيقول : أنَّى لي هذا ؟ فيقال : باستغفارِ ولدِك لك)).
2) الصدقة بالمال؛ فيصل أجرها إلى الميت سواءً كانت مالًا أو طعامًا أو كسوةً، فكلّها تعتبر صورًا من صور الصدقة.
3) بناء المساجد ودور العلم وكل شيءٍ مفيدٍ، وهذا يُدعى صدقةً جاريةً لأنها تستمر لفتراتٍ طويلة، وكلّما انتفع منها الناس أخذ الميت الأجر، كما يمكن التبرّع بأرضٍ لبناء المباني النافعة للأمة الإسلامية.
4) تبَّني طلبة العِلم من حيث تأمين ما يحتاجونه، كما أنَّ تخصيص بئرٍ لشرب عابري السبيل أو وضع كولر من الماء في مسجدٍ من المساجد يعتبر من الصدقات التي يصل الميت أجرها.
5) طباعة القرآن الكريم في كتيباتٍ صغيرةٍ وتوزيعها على الناس، ومن الأفضل عدم طباعة اسم الميت عليها حتى لا يدخل الرياء أو السمعة في العمل؛ فالنية الخالصة لله تعالى هي التي توصِل الأجر للميت.
6) تأدية ما على الميّت من ديونٍ للناس، وتأدية الديون التي لله تعالى مثل: تأدية فريضة الحج عنه في حال مات ولم يحج، أو يمكن التبرّع لمساعدة حاجٍ لله تعالى.
وصل الله وسلم على سيدنا وحبيبنا و نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
********************
لا تنسوني من صالح دعائكم
أمس في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد