هارون : لقد جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبي (ص) ويقولوا لكم : يا أولاد رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من قبل أمكم ؟؟!
الإمام عليه السلام : لو أن النبي (ص) نشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه ؟!
هارون : سبحان الله ! ولم لا أجيبه، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .
الإمام عليه السلام : لكنه لا يخطب إليّ، ولا أزوّجه .
هارون : ولِمَ ؟!
الإمام عليه السلام : لأنه ولدني ولم يلدك .
هارون : أحسنت !!
ولكن كيف قلتم : إنا ذرية النبي (ص) والنبي لم يعقّب ؟! وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد بنت النبي، ولا يكون ولدها عقبا له (ص) !!
الإمام عليه السلام : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا أعفيتني عن هذه المسألة .
هارون: لا ... أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهى لي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم معشر ولد علي تدّعون : أنه لا يسقط عنكم منه شيء، ألف ولا واو، إلا تأويله عندكم واحتججتم بقوله عز وجل : (ما فرطنا في الكتاب من شيء)(10) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم !!
الإمام عليه السلام : تأذن لي في الجواب ؟
هارون : هات .
الإمام عليه السلام : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) (11) فمن أبو عيسى عليه السلام ؟
هارون : ليس لعيسى أب !
الإمام عليه السلام : فالله عز وجل ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق أمه مريم عليها السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبي (ص) من قبل أمنا فاطمة عليها السلام ... هل أزيدك ؟
هارون : هات .
الإمام عليه السلام : قال الله تعالى : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(12) ولم يدّعِ أحد أنه أدخله النبي (ص) تحت الكساء وعند مباهلة النصارى، إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليها السلام، واتفق المسلمون : أن مصداق (أبناءنا) في الآية الكريمة : الحسن والحسين عليهما السلام، (ونساءنا) : فاطمة الزهراء عليها السلام . (وأنفسنا) : علي بن أبي طالب عليه السلام .
هارون : أحسنت يا موسى ! ارفع إلينا حوائجك .
الإمام عليه السلام : ائذن لي أن أرجع إلى حرم جدي رسول الله (ص) لأكون عند عيالي .
هارون : ننظر إن شاء الله (13).
الاستدلال بكتب العامة ورواياتهم
هناك دلائل كثيرة جاءت في نفس الموضوع تدل على ما ذكرناه وقد سجّلها علماؤكم ونقلها حفاظكم ورواتكم . منهم : الإمام الرازي في الجزء الرابع من (تفسيره الكبير) (14) وفي الصفحة (124) من المسألة الخامسة قال في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام : إن الآية تدل على أن الحسن والحسين [ عليهما السلام ] ذرية رسول الله (صلى الله عليه [وآله ] وسلم) لأن الله جعل في هذه الآية عيسى من ذرية ابراهيم ولم يكن لعيسى أب، وإنما انتسابه إليه من جهة الأم، وكذلك الحسن والحسين [ عليهما السلام ] فإنهما من جهة الأم ذرية رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم .
كما إن الإمام الباقر عليه السلام استدل للحجاج الثقفي بهذه الآية لإثبات أنهم ذرية رسول الله (ص) أيضا(15):
ومنهم : ابن أبي الحديد في : " شرح نهج البلاغة"، وأبو بكر الرازي في تفسيره استدل على أن الحسن والحسين عليهما السلام أولاد رسول (ص) من جهة أمهم فاطمة عليها السلام بآية المباهلة وبكلمة : (أبناءنا) كما نسب الله تعالى في كتابه الكريم عيسى إلى إبراهيم من جهة أمه مريم عليها السلام .
ومنهم : الخطيب الخوارزمي، فقد روى في (المناقب) والمير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه (مودة القربى) والإمام أحمد بن حنبل وهو من فحول علمائكم في مسنده، وسليمان الحنفي البلخي في (ينابيع المودة)(16) بتفاوت يسير : أن رسول الله (ص) قال ـ وهو يشير إلى الحسن والحسين عليهما السلام :ـ " إبناي هذان ريحانتاي من الدنيا، إبناي هذان إمامان إن قاما أو قعدا " .
ومنهم : محمد بن يوسف الشافعي، المعروف بالعلامة الكنجي، ذكر في كتابه (كفاية الطالب) فصلا بعد الأبواب المائة بعنوان : فصل: في بيان أن ذرية النبي (ص) من صلب علي عليه السلام " جاء فيه بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال : قال رسول الله (ص) إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله عز وجل جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب "(17) .
ورواه ابن حجر المكي في صواعقه المحرقة : ص74 و94 عن الطبراني، عن جابر بن عبدالله، كما ورواه أيضا الخطيب الخوارزمي في (المناقب) عن ابن عباس : قلت (والقائل هو الكنجي الشافعي تعقيبا لما رواه) : ورواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة الحسن، ثم قال :
فإن قيل : لا اتصال لذرية النبي (ص) بعلي عليه السلام إلا من جهة فاطمة عليها السلام وأولاد البنات لا تكون ذرية، لقول الشاعر :
بنـــونا بنـــــو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
قلت(18) : في التنزيل حجة واضحة تشهد بصحة هذه الدعوى وهو قوله (عز وجل)(19): (ووهبنا له [أي:ابراهيم] إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ـ إلى أن قال : ـ وزكريا ويحيى وعيسى)، فعد عيسى (عليه السلام) من جملة الذرية الذين نسبهم إلى نوح (عليه السلام) وهو ابن بنت لا اتصال له إلا من جهة أمه مريم .
وفي هذا أكد دليل على أن أولاد فاطمة (عليها السلام) ذرية النبي (ص) ولا عقب له إلا من جهتها، وانتسابهم الى شرف النبوة ـ وان كان من جهة الأم ـ ليس ممنوع، كانتساب عيسى الى نوح، إذ لا فرق .
وروى الحافظ الكنجي الشافعي في آخر هذا الفصل، بسنده عن عمر بن الخطاب، قال سمعت رسول الله يقول : كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم(20) .
قال العلامة الكنجي : رواه الطبري في ترجمة الحسن .
هذا ونقله أيضا بتفاوت يسير وزيادة في أوله، بأن رسول الله (ص) قال : كل حسب ونسب منقطع يوم اليوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي(21) .
أقول : ونقله كثير من علمائكم وحفاظكم، منهم الحافظ سليمان الحنفي في كتابه : (ينابيع المودة)(22) وقد أفرد بابا في الموضوع فرواه عن أبي صالح، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر وأبي نعيم في معرفة الصحابة، والدار قطني والطبراني في الأوسط .
ومنهم : الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في الإتحاف بحب الاشراف).
ومنهم : جلال الدين السيوطي في (إحياء الميت بفضائل أهل البيت) (23).
ومنهم : أبو بكر بن شهاب الدين في : (رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبي الهادي) ط. مصر، الباب الثالث .
ومنهم : ابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة) الباب التاسع، الفصل الثامن، الحديث السابع والعشرون، قال : أخرج الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عباس ... ونقل الحديث .
وروى ابن حجر أيضا في (الصواعق الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية التاسعة ...) : وأخرج ابو الخير الحاكمي، وصاحب (كنوز المطالب في بني أبي طالب) إن عليا دخل على النبي (ص) وعنده العباس، فسلم فردّ عليه (ص) السلام وقام فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه .
فقال له العباس : أتحبه ؟
قال (ص) : يا عمّ ! واللهِ الله ُأشدّ حبا له مني، إن الله (عز وجل) جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا .
ورواه العلامة الكنجي الشافعي في كتابه : (كفاية الطالب الباب السابع) (24) بسنده عن ابن عباس .
وهناك مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة المعتبرة، المروية في كتبكم، المقبولة عند علمائكم، تقول، إن النبي (ص) كان يعبر عن الحسن والحسين عليهما السلام بأنهما ابناه، ويعرفهما لأصحابه ويقول : هذان ابناي.
وجاء في تفسير : (الكشاف) وهو من أهم تفاسيركم، في تفسير آية المباهلة : لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم : علي وفاطمة والحسنان، لأنهما لما نزلت، دعاهم النبي (ص) فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما، فعلم : إنهم المراد من الآية، وإن أولاد فاطمة وذريتهم سيمون أبناءه، وينسبون إليه (ص) نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة(25).
وكذلك الشيخ أبو بكر الرازي في (التفسير الكبير) في ذيل آية المباهلة، وفي تفسير كلمة (أبناءنا) له كلام طويل وتحقيق جليل، أثبت فيه أن الحسن والحسين هم أبنا رسول الله (ص) وذريته، فراجع(26).
ثم قلت بعد ذلك : فهل يبقى ـ يا أيها الحافظ ـ بعد هذا كله، محل للشعر الذي استشهدت به ؟! بنونا بنو أبنائنا...الى آخره .
وهل يقوم هذا البيت من الشعر، مقابل هذه النصوص الصريحة والبراهين الواضحة ؟!
فلو اعتقد أحد بعد هذا كله، بمفاد ذلك الشعر الجاهلي ـ الذي قيل في وصفه : إنه كفر من شعر الجاهلية ـ لردّه كتاب الله العزيز وحديث رسوله الكريم (ص) .
ثم أعلم ـ أيها الحافظ ـ أن هذا بعض دلائلنا في صحة انتسابنا إلى رسول الله (ص)، وبعض براهيننا على أننا ذريته ونسله، ولذا يحق لنا أن نفتخر بذلك ونقول :
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
الحافظ : إني أقر وأعترف بأن دلائلكم كانت قاطعة، وبراهينكم ساطعة، ولا ينكرها إلا الجاهل العنود، كما وأشكركم كثيرا على هذه التوضيحات، فلقد كشفتم لنا الحقيقة وأزحتم الشبهة عن أذهاننا .
______________________
(10) الاحتجاج ج2 المناظرة رقم 271 ص335 .
(11) سورة الأنعام، الآية 38 .
(12) سورة الأنعام، الآية 84 و85 .
(13) سورة آل عمران، الآية 61 .
(14) لكن ما زال الإمام موسى بن جعفرعليه السلام بعيدا عن حرم جده رسول الله (ص) مفارقا لأهله وعياله، ينقل من سجن إلى سجن، مكبّلا بالقيد والحديد وفي ظلم المطامير حتى قضى بدسّ هارون السمّ إليه مسموما شهيدا صلوات الله وسلامه عليه (المترجم) .
(15) التفسير الكبير للامام الفخر الرازي : المجلد السابع ج13، ص66 .
(16) المروي في كتاب الاحتجاج : ج2ص175 المناظرة 204 ان الإمام الباقر عليه السلام استدل بهذه الآية في حديثه مع أبي الجارود، فراجع .
(17) ينابيع المودة : الباب 54 ص193، وفيه : عن الترمذي عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : "ان الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا " .
(18) كفاية الطالب : ص 379 .
(19) في سورة الانعام الآيتين 84و85.
(20) كفاية الطالب : ص 381 .
(21) كفاية الطالب : ص 380 .
(22) ينابيع المودة : الباب 57 ص318 .
(23) من الحديث 29 ص 28 إلى الحديث 34 ص32 .
(24) كفاية الطالب : الباب السابع، ص 79 .
(25) الكشاف :ج1 ص368 .
(26) حول آية المباهلة والحسنين عليهما السلام : لقد أجمع المفسرون على أن أبناءنا في آية المباهلة إشارة إلى الحسن والحسين عليهما السلام وأن رسول الله (ص) أخرجهما معه يوم المباهلة مجيبا أمر الله عز وجل، وقد أجمع عليه المحدثون والمؤرخون من المسلمين .
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد