*****8 سعيد بن جبير سيد التابعين وفقية زمانة ******
هو أبو عبدالله وقيل أبو محمد- سعيد بن جبيربن هشام الأسدي بالولاء مولى بني الحارث بطن من أسد ابن خزيمة, كوفي أحد أعلام التابعين, وكان أسود البشرة أبيض القلب يشيع منه نور الولاية لآل البيت عليهم السلام.
علمه وفقاهته:
أخذ العلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه وعن الإمام زين العابدين عليه السلام.
وقال نصيف: كان سعيد بن المسيّب أعلم التابعين بالطلاق, وبالحج عطاء, وبالحلال والحرام طاووس وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبير, وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.
ولا عجب في ذلك فقد كان له باع كبير في الفقه والتفسير فقد قضى مقداراً كبيراً من عمره عند ابن عباس وعند الإمام زين العابدين عليه السلام من أجل التعلم والتحصيل فكل ما عنده من الإمام عليه السلام أو من ابن عباس, وفي الحقيقة من علي عليه السلام فماذا تتوقع أن يكون؟
وقال أحمد بن حنبل قد قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه.
تواضعه وزهده:
لقد كان سعيد بن جبير متواضعاً جداً لم يجعله علمه وغزارة ثقافته الدينية أن يكون متكبراً على غيره ولم يحجبه عن اكتساب الفضائل الأخلاقية لأن العلم هو الحجاب الأكبر إذا نظر الشخص إلى علمه بأنه هو الذي اكتسبه عن جدارة وليس من الله سبحانه, ورأى نفسه فوق الآخرين، هنا يصبح العلم المانع والحاجب الذي يحول بين المرء واكتسابه الفضائل الأخلاقية والمقامات المعنوية التي توصله إلى الله سبحانه وتعالى.
فمن جملة تواضعه ما يروى أنه في يوم من الأيام قال له ابن عباس: حدث، فقال: أحدِّث وأنت هنا؟ احتراماً وتواضعاً لأستاذه ومعلمه.
وكان يمتنع كتابة الفتاوى وابن عباس حاضر, فلما عُمي ابن عباس, كتب.
وسأله رجل ذات يوم أن يكتب له تفسير القرآن, فغضب وقال لأن يسقط شقِّي أحب إلي من ذلك.
وقد كان مضرب المثل في الزهد, وعدم الانكباب على الدنيا, وهذا ليس غريباً على من تخرج من مدرسة الإمام علي عليه السلام وعلى من ساروا على نهج أهل البيت ونرى هذا واضحاً من خلال ما دار بينه وبين الحجاج عندما قُبض عليه حيث قال له: يا شقي, أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها إلا عربي فجعلتك إماماً؟ فقال بلى, قال: أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا: لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك؟ قال: بلى, قال أما جعلتك في سُمّاري وكلهم رؤوس العرب؟ قال: بلى, قال: أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها؟ قال: بلى, قال: فما أخرجك علي؟ قال: بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث, فغضب الحجاج وأمر بقتله. وذلك في شعبان سنة خمسة وتسعين, وقيل أربعة وتسعين للهجرة, بواسط و دفن في ظاهرها وقبره يزار بها, رضي الله عنه وله تسعة وأربعين سنة.
عبادته:
كان سعيد بن جبير عابداً متهجداً, قوام الليل صوام النهار, وصل سعيد إلى مقام العشق الإلهي في سيره و سلوكه إلى الله سبحانه و تعالى,هذا ما نستنتجه من خلال سيرته العبادية، حيث كان لا يملّ ولا يكلّ من كثرة العبادة والتقرب إلى الله, فكلما مارس لون من ألوان العبادة ازداد شوقاً وهياماً في الله, وهكذا كان حتى نال الشهادة حيث لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
فكان أحياناً يصلي في بعض الليالي وربما الليالي الطويلة من الشتاء ركعتين فيقرأ في الأولى خمسة عشر جزءاً من القرآن المجيد وفي الركعة الثانية يتلو الخمسة عشرجزء الباقية,أي إنه كان يختم القرآن في ركعتين.
حيث كان يجمع بين قيام الليل وقراءة القرآن.
وكان سعيد مقرء للقرآن بعدّة قراءات, حيث قال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن الجبير يؤمنّا في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وليلة بقراءة غيره, وهكذا أبداً.
شجاعته:
كان سعيد بن جبير شجاعاً جريئاً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يخاف أحداً سوى الله سبحانه وتعالى وهذا ما سوف نلاحظه عندما أحضره الحجاج عنده بعد إن تم القبض عليه من قبل أزلامه الذين وكلهم بذلك.
لقد رأى الأمويون أنهم كلما فعلوا ليطفئوا نوراً لأهل البيت يظهر نورٌ آخر فقد قتلوا ميثماً وعماراً ورشيد الهجري وآخرين ليطفئوا هذا النور ولكنهم فجأة رأوا رجلاً عظيماً عالماً كسعيد بن جبير مدَّاحاً لأهل البيت والعصمة والطهارة. فأخبروا الحجاج الملعون بأن سعيد بن جبير قدم إلى الحج وقد كان حريصاً على قتل كل من يحب أهل البيت, فأمر الحجاج عشرين شخصاً من أتباعه باللحاق به ليأخذوه بعد الحج وعيّن لهم رئيساً وجائزة كبيرة وأقسم أنهم إذا لم يحضروا سعيداً فإن نسائهم ستكون طالقة منهم.
وبينما هم يبحثون عنه وصلوا إلى دير راهب وسألوا الراهب عن سعيد إن كان قد رآه في هذه الأماكن وأعطوه مواصفاته, فقال لهم: نعن لقد رأيت شخصاً بهذه المواصفات ذهب من هذا الطريق, فذهبوا في ذلك الطريق حتى وجدوا سعيداً في الصحراء ساجداً على الأرض يناجي ربه, لدرجة أنهم تأثروا بهذا المنظر, فانتظروه حتى أتم صلاته, ثم تقدموا وسلموا عليه وقالوا له: أجب الحجاج!
فقال: لابدّ من ذلك؟ قالوا: لابدّ.
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فعاد معهم حتى وصل إلى دير الراهب, وكان قد حلّ الغروب, فقال الراهب: إن هذه الصحراء خطيرة, وفيها أسدان ولبوة يخرجون عند الغروب في هذه الصحراء, فإذا وجدوا بشراً انقضوا عليه, فادخلوا إلى الدير. فدخلوا إلا سعيد لم يدخل مهما حاولوا معه, فقالوا: هل تريد الهروب؟ قال: لا, ولكن لا أدخل بيت مشرك.
فقالوا: ستكون لقمة للأسد فماذا نجيب الحجاج؟
فقال:إن معي ربي يحرسني.
فأخبروا الراهب بالقضية, فقال الراهب: إذن اجعلوا سهامكم في أقواسها حتى إذا هجمت عليه اضربوها.
أراد سعيد أن يصلى في أول المغرب فاقتربت منه اللبوة ولكن سعيداً لم يعتنِ بها ووقف للصلاة دون أدنى خوف, فاحتار الراهب, فصبرت اللبوة حتى أنهى سعيد صلاته, ثم أخذت تمسح رأسها بالتراب أمامه (وهذا الموضوع مُسلَّم به ويذكره المؤرخون السنة) ثم وبإشارة من سعيد ذهبت اللبوة.
وبقي هو مشغولاً في الصلاة نافلة أخرى, فأتى أسد وصنع كما صنعت اللبوة حتى أذن الصبح وبقيت هذه الوحوش حارسة لسعيد وعند الصباح مسحت بوجهها على الأرض ثم ذهبت.
هذا يدل دلالة قاطعة على مقام سعيد العالي وولايته على تلك الوحوش المفترسة،وهذا ليس غريباً على مثل سعيد عندما تخشع له الوحوش ،عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن المؤمن يخشع له كل شئ ثم قال : إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كل شئ حتى هوام الأرض و سباعها و طير السماء )1، وفي الصباح أتى الراهب واعتذر من سعيد وطلب منه أن يعتنق الإسلام على يديه وأسلم تلك اللحظة وتعلم منه شيئاً من الأحكام الإسلامية.
فوقع أزلام الحجاج على قدمي سعيد وقالوا: لا نعرف ماذا نفعل؟ لكننا مجبرون على أخذك.
فقال سعيد: اعملوا ما عليكم.
قالوا:تمنن علينا وتفضل معنا إلى الحجاج.
والخلاصة أنهم أخدوا سعيداً ووصلوا في الليل فقال: أمهلوني هذه الليلة, فهي آخر ليلة من عمري وقد تذكرت ضغطة القبر ووحشته أريد أن أتدارك من أجل ليلة الغد.
فقال أحدهم: لو ذهب من يدينا أين سنجده؟
فقال آخر: لقد عرفنا سعيد, فلم يأكل طوال هذه المدة لقمة من خبزنا, ولم نر منه شيئاً إلا العبادة.
فسألوه: هل تعدنا بذلك؟
فقال: أعدكم, وضمنه أحدهم.
فأتى سعيد الماء واغتسل وانشغل بالصلاة والمناجاة حتى الصباح, فأتى أول طلوع الفجر إليهم, وأخذوه إلى الحجاج.( 1)
فقال له الحجاج ما اسمك؟ يريد به أن يهين سعيد بذكر اسمه، فقال: سعيد بن جبير, قال: بل أنت شقي بن كسير, فرد عليه بكل جرأة وشجاعة وهو أطغى زمانه, بل أمي أعلم باسمي منك، قال شقيت أمك وشقيت أنت قال له وهو عدم مكترث به: الغيب يعلمه غيرك, قال: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى, قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.
نلاحظ من هذه المواجهة أن سعيداً يرادد الظالم الطاغية بدون أدنى خوف, ولم تجرِ على لسانه كلمة توسل أو عفو أو مطالبة بسماح أو ما شابه ذلك، بل كان كلامه كالصواعق المحرقة قبال كلام الحجاج اللعين.
عند ذلك قال الحجاج: فما قولك في محمد؟قال: نبي الرحمة وإمام الهدى, قال: فما قولك في علي أهو في الجنة أو في النار؟ قال: لو دخلتها عرفت من فيها وعرفت أهلها(1), وحتى يدين سعيد وتكون له ذريعة في قتله قال له ما رأيك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل, قال فأيهم أعجبك إليك؟ قال: أرضاهم لخالقي, قال فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم ثم قال الحجاج: خرجت عليّ. قال بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث.
فغضب الحجاج وقال: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك, قال: أختر لنفسك يا حجاج, فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة, قال أتريد أن أعفو عنك, قال: إن كان العفو فمن الله, وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر, قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه, فلما خرج ضحك, فأخبر الحجاج بذلك فردّه وقال: ما أضحك, قال: عجبت من جراءتك على الله وحلم الله عليك, فأمر بالسطح فبُسط وقال: اقتلوه, قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, قال: وجِّهوا به لغير القبلة, قال سعيد: فأينما تولوا ثمَّ وجه الله, قال: كبُّوه لوجهه, قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم..., قال الحجاج: اذبحوه,حينها قال سعيد: إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وإن محمداً عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة, ثم دعا سعيد فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
وبالفعل استجاب الله دعاء سعيد فقد أبتلَ الحجاج ببلاء بعد خمسة عشر يوماً من قتل سعيد ومات بعد ذلك إلى جهنم وبأس المصير.
ويقال: إن الحجاج لما حضرته الوفاة كان يغوص(يغمى عليه) ويفيق ويقول: مالي ولسعيد بن جبير؟ وقيل: إنه في مدة مرضه كان إذا نام رأى سعيداً آخذاً بمجامع ثوبه يقول له: يا عدو الله, فيم قتلتني؟ فيستيقظ مذعوراً ويقول مالي ولسعيد بن جبير؟ ويقال: إنه رُأيَ الحجاج في النوم بعد موته, فقيل له ما فعل الله بك, فقال قتلني بكل قتيل قتلته قتلة, وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.
هذا جزاء الظالمين وعبرة لمن يعتبر ليتخذ سيرة السابقين دروساً وتجارباً ونبراساَ تنير الدرب نورا
****
وهذة رواية اخرى لما دار بين سيدنا سعيد وبين الطاغية الحجاج
كان سعيد بن جبير إمام الدنيا في عهد الحجاج، وكان الإمام أحمد إذا ذكره بكى وقال: والله لقد قتل سعيد بن جبير، وما أحد على الدنيا من المسلمين، إلا وهو بحاجة إلى علمه.
قتله الحجاج، قتل وليّ الله، الصوّام القوّام، محدث الإسلام وفقيه الأمة، وافتحوا كتب التفسير والحديث والفقه، فسوف تجدون سعيد بن جبير في كل صفحة من صفحاتها.
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء، وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
هو أبو عبدالله وقيل أبو محمد- سعيد بن جبيربن هشام الأسدي بالولاء مولى بني الحارث بطن من أسد ابن خزيمة, كوفي أحد أعلام التابعين, وكان أسود البشرة أبيض القلب يشيع منه نور الولاية لآل البيت عليهم السلام.
علمه وفقاهته:
أخذ العلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه وعن الإمام زين العابدين عليه السلام.
وقال نصيف: كان سعيد بن المسيّب أعلم التابعين بالطلاق, وبالحج عطاء, وبالحلال والحرام طاووس وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبير, وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.
ولا عجب في ذلك فقد كان له باع كبير في الفقه والتفسير فقد قضى مقداراً كبيراً من عمره عند ابن عباس وعند الإمام زين العابدين عليه السلام من أجل التعلم والتحصيل فكل ما عنده من الإمام عليه السلام أو من ابن عباس, وفي الحقيقة من علي عليه السلام فماذا تتوقع أن يكون؟
وقال أحمد بن حنبل قد قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه.
تواضعه وزهده:
لقد كان سعيد بن جبير متواضعاً جداً لم يجعله علمه وغزارة ثقافته الدينية أن يكون متكبراً على غيره ولم يحجبه عن اكتساب الفضائل الأخلاقية لأن العلم هو الحجاب الأكبر إذا نظر الشخص إلى علمه بأنه هو الذي اكتسبه عن جدارة وليس من الله سبحانه, ورأى نفسه فوق الآخرين، هنا يصبح العلم المانع والحاجب الذي يحول بين المرء واكتسابه الفضائل الأخلاقية والمقامات المعنوية التي توصله إلى الله سبحانه وتعالى.
فمن جملة تواضعه ما يروى أنه في يوم من الأيام قال له ابن عباس: حدث، فقال: أحدِّث وأنت هنا؟ احتراماً وتواضعاً لأستاذه ومعلمه.
وكان يمتنع كتابة الفتاوى وابن عباس حاضر, فلما عُمي ابن عباس, كتب.
وسأله رجل ذات يوم أن يكتب له تفسير القرآن, فغضب وقال لأن يسقط شقِّي أحب إلي من ذلك.
وقد كان مضرب المثل في الزهد, وعدم الانكباب على الدنيا, وهذا ليس غريباً على من تخرج من مدرسة الإمام علي عليه السلام وعلى من ساروا على نهج أهل البيت ونرى هذا واضحاً من خلال ما دار بينه وبين الحجاج عندما قُبض عليه حيث قال له: يا شقي, أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها إلا عربي فجعلتك إماماً؟ فقال بلى, قال: أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا: لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك؟ قال: بلى, قال أما جعلتك في سُمّاري وكلهم رؤوس العرب؟ قال: بلى, قال: أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها؟ قال: بلى, قال: فما أخرجك علي؟ قال: بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث, فغضب الحجاج وأمر بقتله. وذلك في شعبان سنة خمسة وتسعين, وقيل أربعة وتسعين للهجرة, بواسط و دفن في ظاهرها وقبره يزار بها, رضي الله عنه وله تسعة وأربعين سنة.
عبادته:
كان سعيد بن جبير عابداً متهجداً, قوام الليل صوام النهار, وصل سعيد إلى مقام العشق الإلهي في سيره و سلوكه إلى الله سبحانه و تعالى,هذا ما نستنتجه من خلال سيرته العبادية، حيث كان لا يملّ ولا يكلّ من كثرة العبادة والتقرب إلى الله, فكلما مارس لون من ألوان العبادة ازداد شوقاً وهياماً في الله, وهكذا كان حتى نال الشهادة حيث لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
فكان أحياناً يصلي في بعض الليالي وربما الليالي الطويلة من الشتاء ركعتين فيقرأ في الأولى خمسة عشر جزءاً من القرآن المجيد وفي الركعة الثانية يتلو الخمسة عشرجزء الباقية,أي إنه كان يختم القرآن في ركعتين.
حيث كان يجمع بين قيام الليل وقراءة القرآن.
وكان سعيد مقرء للقرآن بعدّة قراءات, حيث قال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن الجبير يؤمنّا في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وليلة بقراءة غيره, وهكذا أبداً.
شجاعته:
كان سعيد بن جبير شجاعاً جريئاً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يخاف أحداً سوى الله سبحانه وتعالى وهذا ما سوف نلاحظه عندما أحضره الحجاج عنده بعد إن تم القبض عليه من قبل أزلامه الذين وكلهم بذلك.
لقد رأى الأمويون أنهم كلما فعلوا ليطفئوا نوراً لأهل البيت يظهر نورٌ آخر فقد قتلوا ميثماً وعماراً ورشيد الهجري وآخرين ليطفئوا هذا النور ولكنهم فجأة رأوا رجلاً عظيماً عالماً كسعيد بن جبير مدَّاحاً لأهل البيت والعصمة والطهارة. فأخبروا الحجاج الملعون بأن سعيد بن جبير قدم إلى الحج وقد كان حريصاً على قتل كل من يحب أهل البيت, فأمر الحجاج عشرين شخصاً من أتباعه باللحاق به ليأخذوه بعد الحج وعيّن لهم رئيساً وجائزة كبيرة وأقسم أنهم إذا لم يحضروا سعيداً فإن نسائهم ستكون طالقة منهم.
وبينما هم يبحثون عنه وصلوا إلى دير راهب وسألوا الراهب عن سعيد إن كان قد رآه في هذه الأماكن وأعطوه مواصفاته, فقال لهم: نعن لقد رأيت شخصاً بهذه المواصفات ذهب من هذا الطريق, فذهبوا في ذلك الطريق حتى وجدوا سعيداً في الصحراء ساجداً على الأرض يناجي ربه, لدرجة أنهم تأثروا بهذا المنظر, فانتظروه حتى أتم صلاته, ثم تقدموا وسلموا عليه وقالوا له: أجب الحجاج!
فقال: لابدّ من ذلك؟ قالوا: لابدّ.
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فعاد معهم حتى وصل إلى دير الراهب, وكان قد حلّ الغروب, فقال الراهب: إن هذه الصحراء خطيرة, وفيها أسدان ولبوة يخرجون عند الغروب في هذه الصحراء, فإذا وجدوا بشراً انقضوا عليه, فادخلوا إلى الدير. فدخلوا إلا سعيد لم يدخل مهما حاولوا معه, فقالوا: هل تريد الهروب؟ قال: لا, ولكن لا أدخل بيت مشرك.
فقالوا: ستكون لقمة للأسد فماذا نجيب الحجاج؟
فقال:إن معي ربي يحرسني.
فأخبروا الراهب بالقضية, فقال الراهب: إذن اجعلوا سهامكم في أقواسها حتى إذا هجمت عليه اضربوها.
أراد سعيد أن يصلى في أول المغرب فاقتربت منه اللبوة ولكن سعيداً لم يعتنِ بها ووقف للصلاة دون أدنى خوف, فاحتار الراهب, فصبرت اللبوة حتى أنهى سعيد صلاته, ثم أخذت تمسح رأسها بالتراب أمامه (وهذا الموضوع مُسلَّم به ويذكره المؤرخون السنة) ثم وبإشارة من سعيد ذهبت اللبوة.
وبقي هو مشغولاً في الصلاة نافلة أخرى, فأتى أسد وصنع كما صنعت اللبوة حتى أذن الصبح وبقيت هذه الوحوش حارسة لسعيد وعند الصباح مسحت بوجهها على الأرض ثم ذهبت.
هذا يدل دلالة قاطعة على مقام سعيد العالي وولايته على تلك الوحوش المفترسة،وهذا ليس غريباً على مثل سعيد عندما تخشع له الوحوش ،عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن المؤمن يخشع له كل شئ ثم قال : إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كل شئ حتى هوام الأرض و سباعها و طير السماء )1، وفي الصباح أتى الراهب واعتذر من سعيد وطلب منه أن يعتنق الإسلام على يديه وأسلم تلك اللحظة وتعلم منه شيئاً من الأحكام الإسلامية.
فوقع أزلام الحجاج على قدمي سعيد وقالوا: لا نعرف ماذا نفعل؟ لكننا مجبرون على أخذك.
فقال سعيد: اعملوا ما عليكم.
قالوا:تمنن علينا وتفضل معنا إلى الحجاج.
والخلاصة أنهم أخدوا سعيداً ووصلوا في الليل فقال: أمهلوني هذه الليلة, فهي آخر ليلة من عمري وقد تذكرت ضغطة القبر ووحشته أريد أن أتدارك من أجل ليلة الغد.
فقال أحدهم: لو ذهب من يدينا أين سنجده؟
فقال آخر: لقد عرفنا سعيد, فلم يأكل طوال هذه المدة لقمة من خبزنا, ولم نر منه شيئاً إلا العبادة.
فسألوه: هل تعدنا بذلك؟
فقال: أعدكم, وضمنه أحدهم.
فأتى سعيد الماء واغتسل وانشغل بالصلاة والمناجاة حتى الصباح, فأتى أول طلوع الفجر إليهم, وأخذوه إلى الحجاج.( 1)
فقال له الحجاج ما اسمك؟ يريد به أن يهين سعيد بذكر اسمه، فقال: سعيد بن جبير, قال: بل أنت شقي بن كسير, فرد عليه بكل جرأة وشجاعة وهو أطغى زمانه, بل أمي أعلم باسمي منك، قال شقيت أمك وشقيت أنت قال له وهو عدم مكترث به: الغيب يعلمه غيرك, قال: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى, قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.
نلاحظ من هذه المواجهة أن سعيداً يرادد الظالم الطاغية بدون أدنى خوف, ولم تجرِ على لسانه كلمة توسل أو عفو أو مطالبة بسماح أو ما شابه ذلك، بل كان كلامه كالصواعق المحرقة قبال كلام الحجاج اللعين.
عند ذلك قال الحجاج: فما قولك في محمد؟قال: نبي الرحمة وإمام الهدى, قال: فما قولك في علي أهو في الجنة أو في النار؟ قال: لو دخلتها عرفت من فيها وعرفت أهلها(1), وحتى يدين سعيد وتكون له ذريعة في قتله قال له ما رأيك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل, قال فأيهم أعجبك إليك؟ قال: أرضاهم لخالقي, قال فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم ثم قال الحجاج: خرجت عليّ. قال بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث.
فغضب الحجاج وقال: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك, قال: أختر لنفسك يا حجاج, فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة, قال أتريد أن أعفو عنك, قال: إن كان العفو فمن الله, وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر, قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه, فلما خرج ضحك, فأخبر الحجاج بذلك فردّه وقال: ما أضحك, قال: عجبت من جراءتك على الله وحلم الله عليك, فأمر بالسطح فبُسط وقال: اقتلوه, قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, قال: وجِّهوا به لغير القبلة, قال سعيد: فأينما تولوا ثمَّ وجه الله, قال: كبُّوه لوجهه, قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم..., قال الحجاج: اذبحوه,حينها قال سعيد: إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وإن محمداً عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة, ثم دعا سعيد فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
وبالفعل استجاب الله دعاء سعيد فقد أبتلَ الحجاج ببلاء بعد خمسة عشر يوماً من قتل سعيد ومات بعد ذلك إلى جهنم وبأس المصير.
ويقال: إن الحجاج لما حضرته الوفاة كان يغوص(يغمى عليه) ويفيق ويقول: مالي ولسعيد بن جبير؟ وقيل: إنه في مدة مرضه كان إذا نام رأى سعيداً آخذاً بمجامع ثوبه يقول له: يا عدو الله, فيم قتلتني؟ فيستيقظ مذعوراً ويقول مالي ولسعيد بن جبير؟ ويقال: إنه رُأيَ الحجاج في النوم بعد موته, فقيل له ما فعل الله بك, فقال قتلني بكل قتيل قتلته قتلة, وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.
هذا جزاء الظالمين وعبرة لمن يعتبر ليتخذ سيرة السابقين دروساً وتجارباً ونبراساَ تنير الدرب نورا
****
وهذة رواية اخرى لما دار بين سيدنا سعيد وبين الطاغية الحجاج
كان سعيد بن جبير إمام الدنيا في عهد الحجاج، وكان الإمام أحمد إذا ذكره بكى وقال: والله لقد قتل سعيد بن جبير، وما أحد على الدنيا من المسلمين، إلا وهو بحاجة إلى علمه.
قتله الحجاج، قتل وليّ الله، الصوّام القوّام، محدث الإسلام وفقيه الأمة، وافتحوا كتب التفسير والحديث والفقه، فسوف تجدون سعيد بن جبير في كل صفحة من صفحاتها.
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء، وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد