الإعتكاف سُنة ثابتة
** موسم رمضان موسم عظيم لمن أراد النجاة وسعى إلى فكاك رقبته من النار ، ففي هذا الشهر تتنوع العبادات ،
وتتضاعف الحسنات ، وتتنزل الرحمات ، ومن خصائص هذا الشهر العشر الأواخر منه التي كان النبي صلى الله عليه وسلم
يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها ، فعن عائشة رضي الله عنها :
(( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهدُ في غيره )) . [ رواه مسلم ] .
وفي الصحيحين عنها قالت : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله )) .
وفي مسند أحمد عنها قال (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم ، فإذا كان العشر شمَّر المئزر )) .
ومن الأعمال التي يعملها في العشر الأواخر : الاعتكاف ..
أخرج الترمذي وإبن ماجه وصحح الألباني من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده
( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث : اعلم ، قال : ما أعلم يا رسول الله ؟ قال : إنه من أحيا سنة من سنتي
قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا )
وقال صلي الله عليه وسلم فيما حسنه العلامه الألباني في صحيح الجامع
" المتمسك بسُنتي عِند إختلاف أُمتي كالقابض على الجمر"
وصح أيضاً عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال
" إن لكل عمل شرة، و لكل شرة فترة، فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى، و من كانت إلى غير ذلك فقد هلك"
كما خرجه الألباني في صحيح الجامع.
أخي المسلم ... بادر بإحياء هذه السنة ونشرها بين أهلك وأقاربك وبين إخوانك وزملائك وفي مجتمعك ،
لعل الله أن يكتب لك أجرها وأجر من عمل بها .
إضافة إلى ما في سنة الاعتكاف من الفوائد في تربية النفس وترويضها على طاعة الله عز وجل ،
فما أحوج المسلمين عامة والدعاة منهم خاصة إلى القيام بهذه السنة
* مشروعيته :
1- والاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة ،
والأصل في ذلك قوله تعالى : [ وأنتم عاكفون في المساجد ] ،
مع توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه صلى الله عليه وسلم ، وتواتر الآثار عن السلف بذلك ،
وهي مذكورة في "المصنف" لابن أبي شيبة وعبد الرزاق.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف آخر العشر من شوال ، وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم :
كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال :” فأوف بنذرك” ، ( فاعتكف ليلةً )
(رواه الشيخان وابن خزيمة ، والزيادة للبخاري في رواية كما في "مختصره"،
وهو مخرج في "صحيح أبي داود) .
2- وآكَدُه في رمضان لحديث أبي هريرة : “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان
عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً “
(رواه البخاري وابن خزيمة في "صحيحيهما) .
3- وأفضله آخر رمضان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان
حتى توفاه الله عز وجل
(رواه الشيخان وابن خزيمة ، وهو مخرج في "الإرواء" و "صحيح أبي داود).
4-قال الزهري رحمه الله تعالى ( عجباً للمسلمين ! كيف تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم
ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل )
* شروطه :
1- الإسلام والعقل والتميز , الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس
2-ولا يشرع إلا في المساجد
لقوله تعالى : [ ولا تباشروهن (أي لا تجامعوهن . قال ابن عباس : المباشرة والملامسة والمس جماع كله ، ولكن الله عز وجل يكني ما شاء بما شاء . رواه البيهقي بسند رجاله ثقات) وأنتم عاكفون في المساجد ] ( البقرة : 187 ) ،
قد استدل الإمام البخاري على ما ذكرناه بهذه الآية .
قال الحافظ : ( ووجه الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة به ، لأن الجماع مناف
للاعتكاف بالإجماع ، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا في فيها )،
وقالت السيدة عائشة السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد له منها ، ولا يعود مريضاً ،
ولا يمس أمراته ، ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم )
(رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن ، والراوية الآتية عن عائشة له ،
وهو مخرج في "صحيح أبي داود" و "الإرواء ) .
3- وينبغي أن يكون مسجداً جامعاً لكي لا يضطر للخروج منه لصلاة الجمعة ،
فإن الخروج لها واجب عليه ، لقول عائشة في رواية عنها في حديثها : ( ...ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )
(روى البيهقي عن ابن عباس قال : إن أبغض الأمور إلى الله البدع ،
وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور ).
ثم وقفت على حديث صحيح صريح يُخصص ( المساجد ) المذكورة في الآية بالمساجد الثلاثة
: المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة "
(أخرجه الطحاوي والإسماعيلي والبيهقي بإسناد صحيح عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ،
وهو مخرج في "الصحيحة علي شرط الشيخان" ، مع الآثار الموافقة له مما ذكرنا أعلاه ، وكلها صحيحة)
.وقد قال به من السلف فيما اطلعت حذيفة بن اليمان ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى ،
وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقاً ، وخالف آخرون فقالوا : ولو في مسجد بيته .
ولا يخفى أن الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
4- والسنة فيمن اعتكف أن يصوم كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها
(رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن ، وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" :
( ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً ، بل قد قالت عائشة : لا اعتكاف إلا بصوم ، ولم يذكر سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم ، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ) .
قلت : ويترتب عليه أنه لا يشرع لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرهما أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه ،
وهو ما صرح به شيخ الإسلام في "الاختيارات" ) .
* ما يجوز للمعتكف :
1- ويجوز له الخروج منه لقضاء الحاجة ،
وأن يخرج رأسه من المسجد لِيُـغْسَلَ ويُسَرَّح ، قالت عائشة رضي الله عنها :
"( وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علَيَّ رأسَه وهو ( معتكف ) في المسجد ، ( وأنا في حجرتي ) فأُرَجلُــهُ ،
( وفي رواية : فأغسله وإن بيني وبينه لعتبة الباب وأنا حائض ) ،
وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة ( الإنسان ) ، إذا كان معتكفاً ) "
(رواه الشيخان ، وابن ابي شيبة ، وأحمد ، والزيادة الأولى لهما ،
وهو مخرج في "صحيح أبي داود ) .
2- ويجوز للمعتكف وغيره أن يتوضأ في المسجد لقول رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم :
توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً
(رواه البيهقي بسند جيد ، وأحمد مختصراً بسند صحيح ).
3- وله أن يتخذ خيمة صغيرة في مؤخرة المسجد يعتكف فيها
، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تضرب للنبي صلى الله عليه وسلم خِـبَاءً (
الخِـباء أحد بيوت العرب من وَبَرٍ أو صوف ولا يكون من شعَر ،
ويكون على عمودين أو ثلاثة ) إذا اعتكف ، وكان ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم
(رواه الشيخان من حديث عائشة ، وفعلها للبخاري ، والأمر لمسلم ، وتقدم تخريجه ).
واعتكف مرة في قُبَّةٍ تُركيَّةٍ (أي قبة صغيرة ) على سُدَّتِها حصير
(والسّدة كالظـلّة على الباب لتقي الباب من المطر ، والمراد أنه وضع قطعة حصير على سدتها لئلا يقع فيها نظرُ أحد كما قال السندي ، وأوْلى أن يقال : لكي لا ينشغل بالُ المعتكف بمن قد يمر أمامه تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحِه ،
كما قال الإمام ابن القيم :
( عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المُعْتَكَفِ موضعَ عِشْرةٍ ومجلبة الزائرين وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم ،
فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون ، والله الموفق )
* إباحة اعتكاف المرأة وزيارتها زوجها في المسجد
4- ويجوز للمرأة أن تزور زوجها وهو في معتكفه ،
وأن يودعها إلى باب المسجد لقول صفية رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً
(في المسجد في العشر الأواخر من رمضان) فأتيته أزوره ليلاً ،
(وعنده أزواجه ، فَرُحْنَ) ، فحدثتُـهُ (ساعة) ، ثم قمت لأنقلبَ ، (فقال : لا تعجلي حتى أنصرف معك) ،
فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد (حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة) ،
فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
“ على رسْـلِكُما ؛ إنها صفية بنت حيي ، فقالا : سبحان الله ! يا رسول الله ! قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ،
وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شراً ، أو قال : شيئاً “
(هو طرف من حديث لأبي سعيد الخدري ، رواه مسلم وابن خزيمة في "صحيحيهما"
وهو مخرج في "صحيح أبي داود ).
بل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها ، أو لوحدها لقول عائشة رضي الله عنها :
( اعتكفتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة (وفي رواية أنها أم سلمة) من أزواجه ،
فكانت ترى الحمرة والصفرة ، فربما وضعنا الطَّسْت تحتها وهي تصلي)
(أخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والزيادة الأخيرة له ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود ).
وقال أيضاً :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله،ثم اعتكف أزواجه من بعده )
(رواه البخاري وهو مخرج في "صحيح أبي داود" ، والرواية الأخرى لسعيد بن منصور كما في
"الفتح" لكن سماها الدارمي : ( زينب ) ).
قلت : وفيه دليل على جواز اعتكاف النساء أيضاً ، ولا شك أن ذلك مقيد بإذن أوليائهن بذلك ،
وأمن الفتنة والخلوه مع الرجال ؛ للأدلة الكثيرة في ذلك ، والقاعدة الفقهية : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
5- ويبطله الجماع لقوله تعالى
(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد).
وقال ابن عباس :
( إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه ، وأستأنف )
(رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسند صحيح . والمراد من قوله : ( استأنف ) أي أعاد اعتكافه ).
وقال صاحب كتاب التبيان في آداب القرآن " ينبغي لكل جالس في المسجد الإعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل ،
بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الإعتكاف ، وهذا الأدب ينبغي أن يعتنى به
ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام ، فإنه مما يغفل عنه" .
تنبيهات :
1ـ من شرع في الاعتكاف متطوعاً ثم قطعه استحب له قضاؤه ؛
لفعله صلى الله عليه وسلم حيث قضاه في شوال .
أما من نذر أن يعتكف ثم شرع فيه وأفسده وجب عليه قضاؤه .
2ـ للمرأة الاعتكاف في المسجد إن أمنت الفتنة و بشرط أذن زوجها
فإن اعتكفت بغير إذنه فله إخراجها ؛ والأحكام المتعلقة بالاعتكاف بالنسبة للمرأة كالرجل إلا إذا حاضت بطل اعتكافها
فإن طهرت عادت فأكملته . ويسن استتار المعتكفة بخباء في مكان لا يصلي فيه الرجال .
3ـ من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجز له الاعتكاف في غيره .
وإن نذره في المسجد النبوي وجب عليه الاعتكاف فيه أو في المسجد الحرام .
وإن نذره في المسجد الأقصى وجب عليه الاعتكاف في أحد هذه المساجد الثلاثة
اليوم في 4:11 pm من طرف عبدالله الآحد
» أَسْرارُ اَلْمُسَبَّحَةِ اَوْ السُّبْحَةِ وَأَنْواعُها وَأَعْدادُها - - ( ( اَلْجُزْءُ الثَّانِي ))
اليوم في 3:05 pm من طرف صادق النور
» الرياء شرك أصغر إن كان يسيرا
أمس في 4:39 pm من طرف عبدالله الآحد
» لم يصح تأويل صفة من صفات الله عن أحد من السلف
الأربعاء أبريل 24, 2024 5:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» إثبات رؤية الله للمؤمنين في الجنة
الثلاثاء أبريل 23, 2024 7:24 am من طرف عبدالله الآحد
» الرد على من زعم أن أهل السنة وافقوا اليهود
الثلاثاء أبريل 23, 2024 5:40 am من طرف عبدالله الآحد
» طائِفُهُ الصَّفْوِيِّينَ - - اَلْدوَلهُ الصِّفْوِيهُ
الإثنين أبريل 22, 2024 11:18 am من طرف صادق النور
» حكم الرقى والتمائم
الأحد أبريل 21, 2024 7:19 am من طرف عبدالله الآحد
» كثرة الأشاعرة ليست دليلا على أنهم على حق في كل شيء
السبت أبريل 20, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد
» حقيقة الإسلام العلماني
السبت أبريل 20, 2024 8:37 am من طرف صادق النور