التصوف من صور الجاهلية
الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله -
الحمد لله رب العالمين وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على رسوله الأمين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن الجاهلية التي نريد أن نتحدث عن بعض صورها غير الجاهلية التي تتبادر إلى الأذهان إذا أطلقت ؛ لأن الجاهلية في الأصل اسم لفترة زمنية قبل الإسلام بما فيها من أعمال وثنية وتصرفات جاهلية من شرك وظلم وفساد أخلاق وغير ذلك .
وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم حتى أنار الطريق لكل سالك فدخل الناس في دين الله أفواجا فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل ولن يوجد لها مثيل قطعاً توحيد خالص لله وحده وعدل وإنصاف وطاعة لله ولرسوله وتحابب في الله وتآخ واعتزاز بالإسلام وعزة وكرامة وهيبة في قلوب الأعداء ، وقد سجل له القرآن هذا المعنى في قوله تعالى :" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين "
هكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن أنتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن نزل من السماء بأن الدين قد كمل فالكامل لا يقبل الزيادة عادة وأن نعمت الله على أتباع محمد بالإسلام قد تمت وذلك قوله تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "
نزلت الآية الكريمة في حجة الوداع في يوم الجمعة وفي اليوم نفسه خطب النبي الكريم صلة الله عليه وسلم خطبة يوم عرفة المشهورة جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب أصحابه " أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون " قالوا : نشهد أنك بلغت ونصحت .فجعل يقول عليه الصلاة والسلام " اللهم أشهد اللهم أشهد يرفع أصبعه إلى الله الذي فوقه وفوق كل شيء ثم ينكبها إلى الصحابة قائلاً :" اللهم أشهد اللهم أشهد اللهم أشهد "
ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع طويلاً بل أخذ يحدث أصحابه واتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض إذ قال لهم :" تركتكم على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك " وفي لفظ " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله " " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " تركهم على هذا المنهج الموصوف ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه ولا يزيدوا فيه وحذرهم عن الزيادة والمخالفات بل يلتزمون المنهج حرفياً
فقال عليه الصلاة والسلام محذراً لهم من الابتداع " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " " من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد " " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية في أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصاً يشبه حرصه عليه الصلاة والسلام عليهم وهم رجال رباهم على المنهج واطمأن إلى فهمهم للمنهج وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وإخوانهم فحافظوا على المنهج وأحسنوا التصرف فيه بحزم دونه كل حزم ودعوا إليه بصدق وإخلاص وضحوا في سبيل ذلك بكل ممكن .
وفور وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض قبائل العرب وبعضها منعت الزكاة فنهض أبو بكر لقتالهم فتوقف باقي الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة مجتهدين قالوا : كيف نقاتل قوماً يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأقسم بالله أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو أنهم منعوه عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة وأن الزكاة من حقوق الإسلام وواجباته المالية ولأن الإسلام بجميع حقوقه وواجباته إنما هو لله الحي الذي لا يموت فلا يموت الإسلام ولا شيء من واجباته بموت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أول إعلان أعلنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما علم ما حصل لعمر بن الخطاب عندما قبض النبي عليه الصلاة والسلام إذ ظن عمر أن النبي لم يقبض بعد بل إنه سوف يعود فهدّأه أبو بكر رضي الله عنه فقال فيما قال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران :" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين "
واندهش عمر عند سماعه هذه الآية دهشة قريبة من دهشته من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول كأنه لم يسمع هذه الآية قبل هذه المرة وهو يحفظها ويقرؤها وكأنها نزلت من توها وهي تخاطبه .
وبعد ذلك البيان من الخليفة الأول أبي بكر رضي الله عنه رجع عمر رضي الله عنه ومن معه إلى رأي أبي بكر فاقتنعوا بوجوب قتال مانعي الزكاة إذ لو لم يفعلوا لكانت فتنة في صفوف الأمة وفساد كبير
هكذا حافظوا رضي الله عنهم على وحدة الأمة ووقفوا أمام أسباب الانقسام والتفرق بذلك الحزم لئلا تعود الأمة إلى الجاهلية الأولى من جديد أو إلى ما يشبه ذلك وفي أواخر عهد الخلفاء الراشدين وفي خلافة علي بالتحديد خرجت الخوارج وتشيعت الشيعة ثم ظهرت الفرق متتابعة من جبرية ومرجئة وجهمية ومعتزلة وأشعرية وماتريدية
فسمعت دنيا المسلمين ما تتوقعه من الانقسام والتفرق تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام :" وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " هكذا بدأت الجاهلية التي نريد أن نستعرض بعض صورها لأن الجاهلية لا تعني كما تقدم فترة زمنية ولكنها أعمال وتصرفات وأوضاع معينة ومفاهيم خاطئة ويمكن أن نوجز أمهاتها في العناوين التالية :
1/ جاهلية التصوف
2/ جاهلية علم الكلام
3/جاهلية التعصب المذهبي
4/ جاهلية في الحاكمية أي الحكم بغير ما أنزل الله .
أما جاهلية التصوف :
فقد ظهرت واشتهرت بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة فيحدثنا عن نشأتها شيخ الإسلام ابن تيمية كما يعين لنا مكان نشأتها وملخص حديثه إن الصوفية ظهرت أول ما ظهرت في البصرة بالعراق على أيدي بعض العباد الذين عُرفوا بالغلو في العبادة والزهد والتقشف المبالغ فيه بل لقد زين لهم الشيطان أن يتخذوا لباس الشهرة فلبسوا الصوف وقاطعوا القطن بدعوى أنهم يريدون التشبه بالمسيح عليه السلام هكذا تقول الرواية فنسبوا إلى الصوف فقيل لهم الصوفية فدعوى أنهم منسوبون إلى أهل الصفة أو إلى الصف المتقدم دعوى باطلة يكذبها الواقع واللغة ولما سمع بعض السلف أن قوماً لازموا لباس الصوف زاعمين التشبه بالمسيح عليه السلام قالوا : هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا وهو يلبس القطن وغيره ينسب هذا الكلام إلى ابن سيرين رحمه الله ويروي لنا شيخ الإسلام أن مدينة البصرة قد عرفت من تلك الفترة بهؤلاء المتصوفة وتصوفهم كما عرفت الكوفة بالفقه والآراء والقضاء حتى قيل عبادة البصرة وفقه الكوفة .
هكذا ظهرت جاهلية التصوف ومن هذه المدينة انتشرت .
ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها وذلك عندما جنح بعض الناس إلى نوع من الرهبانية فذهب ثلاثة أشخاص من الصحابة إلى بيت من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا ن عبادته عليه الصلاة والسلام فلما أخبروا كأنهم تقالوها أي رأوا أن ما يفعله الرسول من العبادة قليل فهم يريدون أكثر من ذلك فقال أحدهم : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الثاني : وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث : وأما أنا فلا أتزوج النساء فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام طلبهم فأتي بهم فقال :" أنتم الذين قلتم كذا وكذا " فلم يسعهم إلا أن يقولوا نعم فقال الرسول عليه الصلاة والسلام :" أما والله إني لأعبدكم وأخشاكم لله ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
هذه الواقعة رويناها بالمعنى تقريباً وهي عند الشيخين وبعض أهل السنن
ومما يلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم في إنكار هذه البدعة أسلوباً لا نعم أنه كان يستخدمه عندما يبلغه أن إنساناً ما ارتكب مخالفة أو أتى معصية بل كانت عادته الكريمة المعروفة أنه في مثل هذه الحالة يجمع الناس فيوجه إليهم كلمة عامة واستنكاراً وتوبيخاً لا مجابهة فيه كأن يقول :" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " وقد كان هذا الأسلوب كافياً للردع والإنكار مع ما يتضمنه من الستر على مقترف تلك المعصية
ولكننا رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المرة يطلب حضور الثلاثة الذين جنحوا إلى ما يسمى ( التصوف ) اليوم ثم يسألهم أنتم الذين قلتم كذا وكذا ثم يعلن لهم أنه أعبدهم وأخشاهم لله مؤكداً ذلك بالقسم كأنهم لا يعلمون ذلك تقريعاً لهم وتوبيخاً فأشعرهم أن الأساس في العبادة الاتباع دون الابتداع وأن الكيفية مقدمة على الكم المخالف للسنة ثم يختم التوبيخ بالبراءة أي الإخبار أن من رغب عن سنته وهديه ليس منه ولا هو على دينه الذي جاء به من عند الله .
ومما ينبغي التنويه به هنا أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد كل هذه المعاني لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملاً صالحاً لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله فنيتهم صالحة وقصدهم حسن إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هو الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده .
وبعد :
لعل القارئ يلاحظ أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد وهما أمران مقبولان في الإسلام بل مرغب فيهما ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن وهذا شأن كل بدعة إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلامياً مقبولا بل محبوباً
ومن أمثلة ذلك : بدعة الاحتفال بالمولد التي ابتدعها الفاطميون بالقاهرة بدعوى محبة الرسول وآل البيت حيث كانوا يحتفلون بمولد النبي عليه الصلاة والسلام في كل عام ثم بمولد علي رضي الله عنه ثم بمولد فاطمة رضي الله عنها ثم بمولد الحسن والحسين وأخيراً يحتفل بمولد الخليفة الحاضر وهكذا لو تتبعت نشأة كل بدعة لوجدتها لا تظهر أول ما تظهر إلا في مثل هذا الغلاف المقبول ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور احتفالات باسم أسبوع فلان أو شهر فلان أو مرور كذا سنة على الحركة الفلانية أو بعبارة بهذا المعنى ومثل هذه الاحتفالات التي تعد فيما يبدو للناس إنما هي مجرد ذكرى لأولئك المجددين والمصلحين وإحياء لدعوتهم وحركتهم الإصلاحية ولكنها سوف تتحول على المدى البعيد والله اعلم إلى جنس الاحتفالات التي تسمى اليوم عند العوام وأشباههم الاحتفالات الدينية هكذا أتصور والله اعلم
فلنعد إلى البصرة حيث نشأة الصوفية ثن انتقلت منها إلى المدن الأخرى بالعراق ثم إلى الأقطار المجاورة للعراق وهكذا حتى انتشرت الصوفية في دنيا المسلمين وهي تتظاهر بالعبادة والزهد .
ولم يطل الزمن كما يحدثنا شيخ الإسلام حتى انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة والمرتزقة وهذه المتصوفة المنتشرة في العالم الإسلامي من أولئك المبتدعة والزنادقة كالحلاج الذي قتل أخيراً بسبب زندقته وابن عربي وغيرهم من كبار مشايخ الصوفية وسيأتي نقل بعض نصوصهم الكفرية إن شاء الله
وقد شوهت هذه الطائفة ( الصوفية ) جمال الدين وغيرت مفاهيم كثيرة من تعاليم الإسلام لدى كثير من المخدوعين الذين يحسنون الظن بكل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة وسبحة طويلة ويستسمنون كل ذي ورم فأخذوا يحاولون أن يفهموا الإسلام بمفهوم صوفي بعيد عن الإسلام الحق الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل بدعة التصوف وبدعة علم الكلام وغيرهما من البدع التي شوشت على السذج وحالت بينهم وبين المفهوم الصحيح للإسلام
وإليكم بعض المفاهيم التي غيرتها الصوفية :
***مفهوم الدين الإسلامي عند الصوفية :
ينقسم الدين الإسلامي عند الصوفية إلى قسمين :
الأول : الشريعة التي تضمنها الكتاب والسنة :
وهي في زعمهم للعوام أو لغير الواصلين ويسمون علماء الشريعة علماء الرسوم استخفافاً بهم بل يسمون الشريعة القشر الظاهري وهو قليل الجدوى وأما اللب الداخلي المقصود بالذات فهي تلك الحقيقة التي اختص بها كبار مشايخ الصوفية وهي التي سوف نتحدث عنها في الفقرة التالية .
ثانياً : الحقيقة :
وهي خاصة بطبقة الواصلين كما تقدم وهي شيء آخر غير الشريعة وأعلى من الشريعة وأخص لأن الشريعة إنما يلتزمها العوام وأشباه العوام من علماء الرسوم كما زعموا وبئس ما زعموا
وهذه الحقيقة المزعومة يرى بعضهم أنها علم التصوف ويسمون تلك البدعة علماً وهي ليست من العلم في شيء بل التصوف في الحقيقة عبارة عن طقوس مجمعة من البوذية والهندوكية واليهودية وهي بعيدة عن الإسلام كل البعد ولا يتردد في ذلك إلا مريض القلب بمرض الوثنية أو إنسان ضعيف المعرفة بالدين فالمتصوفة طائفة مادية تريد أن تعيش تحت ستار العبادة وعبادتهم في الواقع عبارة عن عبث وأنواع من الرقصات فهم من الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وقد سموا تلك الرقصات ذكراً لتقبل وتروج ولكن على السذج وأما طلاب العلم أصحاب البصيرة فلا تنطلي عليهم مثل هذه التسمية .
من واضع علم التصوف :
يزعم ابن عجيبة الصوفي الفاطمي بأن واضع علم التصوف هو الرسول صلى الله عليه وسلم علمه الله بالوحي والإلهام ثم يقول ابن عجيبة في تفصيل ذلك في عجائبه وأكاذيبه الكثيرة نزل جبريل أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانية بالحقيقة فخص بها رسول الله بعضاً دون بعض وأول من تكلم بالتصوف هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ عنه الحسن البصري .
** والقارئ البصير يدرك من كلام هذا الزنديق الصلة الوثيقة بين بدعة الصوفية وبدعة الشيعة التي تعبد أئمتها وتؤلههم وما الصوفية إلا خطاً ممدوداً متفرعاً من دين الروافض الخبيث
وكلام ابن عجيبة هذا فرية جائرة وجريئة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهت له عليه الصلاة والسلام بجريمة الكتمان وهل يتهم النبي الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم بكتمان الحق الذي أرسل به ليبلغه للناس وقد أمره ربه بذلك بقوله :" يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " إلا الزنديق المارق الذي يريد أن يصرف الناس عن الإسلام لو استطاع ويتضمن زعم ابن عجيبة بهتاً آخر على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين لا يعلمه سائر الصحابة حتى أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ومن جهة أخرى أن المعروف من معاني الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام بلغ ما أنزل عليه وما أوحي إليه بلاغاً عاماً شاملاً وأنه أمين الله على وحيه وكلام ابن عجيبة الذي يتحدث عن واضع علم التصوف على حد تعبيره يتنافى وهذا الإيمان كما ترى .
وأما تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين دون غيرهم فهذه فكرة موروثة ورثتها الصوفية من أسيادهم الشيعة وقد نفى هذا الزعم علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه حيث روى مسلم حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال : ما كان النبي يسر إليك فغضب وقال ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يسر إلي شيئاً يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال فقال ما هي يا أمير المؤمنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لعن الله من لعن والديه لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من آوى محدثاً لعن الله من غير منار الأرض "
ثم إن كلام ابن عجيبة ووراءه.ابن عربي وابن الفارض وغيرهما من كبار مشائخ الصوفية يتضمن أن أبا بكر وعمر وعثمان لا يعلمون بعض الأمور وهي من الدين قد يعلمها مشايخ الصوفية وهو ما سموه حقيقة أو تصوفاً وهل يعتبر ديناً ما لم يعلمه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقد أمرت الأمة بالأخذ بسنتهم والاقتداء بهم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " الحديث " اقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر .
أما ابن الفارض فقد تحدث عن دين الصوفية بإسهاب في تائيته الكبرى ودين الصوفية الذي انتهى إليه كبار الصوفية ويشمر عن ساعد الجد صغار الصوفية للوصول إليه هو ( وحدة الوجود ) واعتقاد أن الله سبحانه وتعالى عين هذا الوجود وهي زندقة تحملها أبيات تائية لا بن الفارض إذ يقول ما هو كفر بواح لدى كل فقيه :
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ** وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
ولا فلك إلا ومن نور باطني ** به ملك يهدي الهدى بمشيئتي
ولا قطر إلا حل من فيض ظاهري **به قطرة عنها السحائب سحت
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ** شهود ولم تعهد عهود بذمه
ولا حي إلا من حياتي حياته ** وطوع مرادي كل نفس مريدة
فما يحكم القارئ على هذا الكلام وهو يفتري أن ملكوت كل شيء بيده وأن الوجود كله قطرة من فيض جوده ومن وجوده وأن كل شيء طوع هواه
وله فرية أخرى وهي أنه زعم أن جميع الصلوات التي يؤديها العباد والنساك في جميع الجهات الست وتلك المناسبات التي ينسكها الحجاج والمعتمرون إنما ترفع في الحقيقة إلى ابن الفرض من حيث لا يشعر أولئك العباد والحجاج والعمار والطائفون بالبيت العتيق بل إنه نفسه إنما يصلي لو كان له صلاة لنفسه وذلك إذ يقول :
وكل الجهات الست نحوي توجهت ** بما تم من نسك وحج وعمرة
لها صلواتي بالمقام أقيمها ** وأشهد فيها أنها لي صلت
ولا يزال يكرر مزاعمه التي ضلل بها كثيراً من السذج فيزعم أنه ليس في هذا الوجود متناقضات ولا أضداد أو أغيار أو أمثال بل الوجود كله حقيقة واحدة ولا يقال ( خالق ومخلوق ) أو ( رب ومربوب ) أو ( عابد ومعبود ) وذلك حيث يقول :
تعانقت الأطراف عندي وانطوى ** بساط السوي عدلا بحكم السوية
ثم يصرح بأنه هو المعبود الذي يصلي له كل مصل ويسجد له كل ساجد فيقول :
كلانا مصل واحد ساجد إلى ** حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم يكن **صلاتي لغيري في أداء كل سجدة
وهذا الهذيان المارق قد صرح شيخهم الأكبر والزنديق الأكفر ابن عربي الطائي إذ يقول مستخدماً أسلوب التقديس تلبيساً على الأغمار : سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها- تعالى الله عما زعم علواً كبيراً إذ " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
وقال في موضع آخر من فتوحاته :إن العارف من يرى الحق ( الله ) في كل شيء بل يراه عين كل شيء .انتهى
وترى الصوفية قاطبة أن هذا أدق تعريف للعارف بالله يا سبحان الله إذ سمي الكفر إيماناً والجهل معرفة والمروق وصولاً ما الذي بقي من الحقائق على ظواهرها ؟! وإنما تكد الصوفية ليل نهار وتقدم جميع الوسائل البدعية للوصول إلى هذه الدرجة من الكفر الذي ليس بعده كفر ولكن باسم الوصول .
وما ذكرنا من كلام ابن عجيبة وشرحناه وما أضفنا إليه من كلام ابن الفارض وابن عربي إنما هو قطرة من بحار كفرهم ويعرف ذلك بالاطلاع على " فصوص الحكم " و " الفتوحات المكية " وهما لابن العربي وماجاء في " التائية الكبرى " لابن الفارض وما ورد في " إيقاظ الهمم في شرح الحكم" لابن عجيبة وغيرها من الكتب التي كتبها المؤمنون بهم والمدافعون عن معتقداتهم وهي كثيرة
هذا وبرهان الدين البقاعي الذي كان يعيش في القرن التاسع الهجري قد ألف كتاباً سماه " تنبيه الغبي بتفكير عصر بن الفارض وابن عربي " وكتاباً آخر " تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد " وقد دمجها في كتاب واحد الشيخ السلفي الداعية عبد الرحمن الوكيل
والكتاب ينقد التصوف نقداً قاتلاً كما يقول الشيخ الوكيل فجزى الله البقاعي والوكيل خير الجزاء على ما قدما من بيان الحق ودحض الباطل ونصح القارئ والمطلع
وللشيخ الوكيل كتاب آخر سماه " هذه هي الصوفية " والكتاب فريد في بابه وهو مع كثرة النقل المعزوة يمتاز بمعلومات أضافها الشيخ رحمه الله تلك المعلومات التي اكتسبها إبان أن كان أسيراً عند الصوفية في صباه كما يحكي الشيخ في هذا الكتاب كيف حاولت الصوفية أن تفسد فطرة الصبي وتزين له دين الصوفية وإبعاده عن الخط الموصل إلى الحق وهو الاعتصام بالكتاب والسنة ولكن الله سلم فهرب الصبي من الأسر واتصل بجماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة فأنقذه الله على يد الجماعة زادها الله من التوفيق
ولله الحمد والمنة فالكتاب يحمل في صفحاته معلومات خطيرة عن الصوفية
وأنا أدعو شبابنا إلى قراءة هذين الكتابين ليدركوا بأنفسهم حقيقة دين الصوفية وأنه غير الدين الإسلامي في حقيقته والله المستعان
وإن كان القارئ يلاحظ أن في هذا الحكم نوعاً من القسوة أو المبالغة وإنما يرجع ذلك لأنه حكم جاء مخالفاً للمألوف الموروث وأما القارئ المتجرد من مألوفات قومه بعقله الحر وله اطلاع واسع على نصوص الشريعة في باب الردة خاصة فلا شك أن ما تدعو إليه الصوفية من وحدة الوجود ومن دعوى حلول الرب تعالى في فرد من مخلوقاته أو من دعوى الاستغناء عن الشريعة المحمدية بدعوى الأخذ عن الله مباشرة أو نقل الأحكام من اللوح المحفوظ بالنسبة لخواصهم فلا يترددون في تكفيرهم وبالتالي لا يتهمنا بالمبالغة أبداً .
هذا وقد يدعون التأثير في الآجال والأرزاق والشقاوة والسعادة والموت على حسن الخاتمة أو سوء الخاتمة بل التصرف المطلق في هذا الكون علويه وسفليه ومن لم يكفر هؤلاء فهو إما كافر مثلهم أو من أجهل عباد الله فنسأل الله له العافية .
أما البقاعي فقد نقل في كتابه المذكور : أقوال عدد كبير من أعلام القرن السابع والثامن والتاسع في تكفير ابن الفارض وابن عربي شرعاً وهي فتاوى خطيرة لها اعتبارها ووزنها عند أهل العلم .
وقد صنف البقاعي أولئك الشيوخ الذين أفتوا بكفر الزنديقين إلى طبقات مختلفة في الزمن بعد أن بين مكانة كل واحد منهم في علمه وفضله والمذهب الذي ينتسب إليه من : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وذكر منهم 40 عالماً وإماماً بأسمائهم فليراجع كتابه لأهميته .
وخلاصة ما اعتمدوا عليه في تكفيرهم هو : أن كلام الرجلين ابن الفارض وابن عربي ومن ذهب مذهبهما مثل ابن عجيبة إنما يدور حول القول بأنهم مستغنون عن الشريعة التي جاءت في الكتاب والسنة ووصلوا بغير طريق محمد رسول الله إلى الله في زعمهم .
ثانياً : أنهم صرحوا بالاتحاد والحلول ، وأنهم إنما يعبدون أنفسهم كما يعبدون غيرهم إذ ليس هناك ( خالق ومخلوق ) و ( عابد ومعبود ) ؛ لأن الكون عين واحد ، وحقيقة واحدة ، هذه بعض أسباب تكفيرهم وهي واضحة لدى طالب العلم .
وأما الذين لم يصلوا إلى هذه الدرجة من التصريح بوحدة الوجود فلا يسلمون أيضاً من الكفر بل ينالهم نصيبهم مما أصاب كبارهم من الكفر لإيمانهم بذلك الكفر الذي تقدم شرحه وتوضيحه ؛ لأن الرضاء بالكفر كفر ، وهو أمر لا يختلف فيه فقيهان ، اللهم إلا إذا كان له عذر كأن حالت بينه وبين فهم الحقيقة شبهات وجهل فقبل عذره .
مفهوم الذكر عند الصوفية :
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى ذكر الله بقلبه ولسانه والمواظبة عليه مطلقاً كان أو مقيداً ، حسب ما نظمته السنة المطهرة من تهليل ةتسبيح واستغفار ودعاء ولقد تمكنت بدعة الصوفية من هذه العبادة العظيمة فعبثت فيها عبثاً ، وأحدثت باسم الذكر ألفاظاً ما أنزل الله بها من سلطان كما عبثت بالأذكار المأثورة فزعمت أنها تنقسم - في زعمهم - إلى ثلاثة أنواع :
نوع للعوام
ونوع آخر للخواص
ونوع ثالث لخاصة الخاصة
وتقسيم الذاكرين إلى هذه الأقسام يعد من مبتكرات مشايخ الصوفية ومبتدعتهم بل قد ألحدت الصوفية في أسماء الله تعالى حيث تكلمت فيها بغير علم فزعمت أن من الأسماء مالا يصلح إلا للعوام ، وأما الواصلون إلى الله فلهم أسماء خاصة لا يذكر الله بها العوام ، وإليكم تفصيل ما أجملت :
أما العوام في زعم الصوفية هم من عدا الواصلين في اصطلاحهم من طبقات المسلمين من العلماء وطلاب العلم وغيرهم ، والواصلون هم أولئك الذين تمردوا على الشريعة واستخفوا بها ومرقوا عن حقيقة الإسلام والتقيد به ، فسموا الأذكار التي جاءت بها نصوص الشريعة أذكار العوام مثل :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الخ . الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام :" أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " .
هذا الذكر العظيم والتوحيد الخالص يعد عند المتصوفة من أذكار العوام .
أما الخاصة ، وخاصة الخاصة من كبار الزنادقة الذين سبق أن تحدثنا عنهم مثل ابن عربي وابن سبعين فلا يتنازلون لمثل هذا الذكر وهذه الصيغة ، أما ذكر الخاصة - في زعمهم - فهو تكرار لفظ الجلالة مفرداً ( الله ) ، ( الله )
وأما ذكر خاصة الخاصة فهو ضمير الغيبة ( هو ) (هو ) وربما اقتصر بعضهم على الآهات ( آه ، آه ) بكيفية خاصة بأن يتمايل الذاكر - العابث - يمنة ويسرة ، وأما العامي منهم عندما يذكر الله بالتهليل مثلاً يكون على هيئة معينة كأن يتمايل يميناً ويساراً يبدأ بـ (لا ) يميناً ويرجع بـ (إله) فيتوسط ثم يختم بـ ( إلا الله ) على اليسار ، يبدأ التمايل في هدوء بعد الاستئذان من الشيخ أولاً ويستمد منه المدد قائلاً ( دستور ) يا أستاذ ، مددك يا سيدي ، ثم يستأذن سلسلة الطريقة التي ينتسب إليها من قادرية أو تيجانية أو رفاعية أو مرغنية فيقول : دستور يا أصحاب الطريقة والقدم .
وبعد أن يجأر بأسماءهم هكذا معتقداً أنهم يسمعونه ويأذنون له بقلوبهم وبعد أن يتلطخ هكذا يهذه الوثنية ليتقبل ذكره يبدأ في الذكر .
ومما ينبغي أن يعلمه طالب العلم من هذه الجاهلية الصوفية أن ذكر الله لا ينفع به الذاكر ولا يقبل منه ولا يقرب إلى الله في دين الصوفية إلا بإذن من شيخ الطريقة وللشيخ أن يحرم على دراويش طريقته أن يذكروا بالذكر الذي تذكر به الطريقة الأخرى وترقص به وعلى الدراويش أو المريد الصغير أن يلتزم ذلك التحريم ولا يعصي الشيخ أدنى عصيان وإلا فهو مهدد بسوء الخاتمة ، بل عليه أن يعتقد أن الشيخ جاسوس قلبه فعليه أن يراقب خطرات قلبه بدقة ومن الأمثال السائرة عند الصوفية ( إن حضرت عند نحوي احفظ لسانك وإن حضرت عند العارفين احفظ قلبك )
وأما أسماء الله الحسنى فمنها ما هو صالح للعوام فقط ولا يناسب الواصلين كالعفو والغفار ولهم كلام طويل هنا يعرف بالرجوع إلى كتبهم .
ولا أحسب الدرويش أنه يؤمن بالله تعالى ويخشاه ويراقبه إيمانه بالشيخ وخشيته له ومراقبته إياه ؛ لأنه يرى حياته الاجتماعية والمادية والدينية - إن كان له دين - يرى أن ذلك كله مرتبط بالشيخ وإذا لم يظهر للشيخ -ولو تصنعاً - أنه من المخلصين له ولطريقته فسوف يبقى دائماً في ذل الدروشة ولا تحصل له الترقية إلى درجة ( مريد ) حيث يصبح إنساناً له نوع من الاعتبار ثم لا يتخرج خليفة له شأنه ليعين في مكان معروف بكثرة الزراعة أو بالثروة الحيوانية أو في مدينة معروفة بالتجارة والصناعة ليصبح بعد فترة قصيرة من أثرياء تلك البلدة وتزداد بذلك ثروة الشيخ الكبيرة وتتضخم وبالتالي تستفيد الطريقة من وراء ذلك مادة وصيتا طويلاً وتقدم الطريقة بسخاء الهدايا الثمينة والذبائح السمينة لمشيخة الصوفية إذ يتقدم الشيخ أمام تلك الهدايا في تيه وكبرياء ليعلن أنها هدايا من الطريقة التيجانية مثلاً فيرمي الشيخ من وراء ذلك أن يرشح لرياسة مشيخة الصوفية وهذا بيت القصيد من جميع تلك الحركات .
مشائخ الصوفية يفترون الكذب في سبيل الدعوة إلى طرقهم :
تحل الصوفية في اقتراف جريمة الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام في المرتبة الثانية تقريباً بعد أن تشغل الشيعة المرتبة الأولى .
ومن أكثر مشايخ الصوفية كذباً وافتراء على الله ذلك التيجاني الجاني فاسمعوا وهو يفتري على الله " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله "
يقول التيجاني الجاني :" وما أكرم الله به قطب الأقطاب أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون وما وراءه وما لا نهاية له وأن يعلمه جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات وأن يخصصه بأسرار دائرة الإحاطة ..." إلى آخر الفرية الطويلة ولعل القارئ لا يغفل أنه يريد أن يدعي هذا المقام لنفسه لا لغيره بأسلوب صوفي معروف لدى كل العارفين بأسلوب القوم إذاً هي فرية ودعاية في آن واحد وهذا ديدنهم .
وهناك فرية أخرى يطلقها التيجاني أيضاً إذ يقول : " إن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق ( الله ) مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفة "1" في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من له عليه ألوهية الله تعالى فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً ما كان من ( الحق ) إلا بحكم القطب ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود ) إلى آخر تلك الفرية الطويلة التي تنبيء عن خلو قلب هذا الفاجر من الإيمان بالله سبحانه وتقديره حق قدره .
وهذه الفرية كالتي قبلها دعوة صريحة للربوبية لأن له التصرف المطلق في الكون جملة وتفصيلاً وهو كفر لم يتورط فيه أبو جهل وأمثاله من كبار صناديد قريش الذين قاتلهم رسول الإسلام واستباح دماءهم وأموالهم وسبى ذراريهم .
ولكنه كفر يتورط فيه أكثر كبار مشايخ الصوفية كما سيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن ديوانهم الباطني .
وللشيخ التيجاني فرية أخرى في نفس المعنى ولكنها تمتاز بما تتضمنه من دعاية صريحة لطريقته ( التيجانية ) وفيها من أساليب تضليل الناس ما ليس في غيرها من أكاذيبه المتنوعة إذ يعد أتباعه بالجنة التي لا يملكها بل هي حرام عليه إن مات على ما كان عليه في كفره وزندقته ومع ذلك يقدم لأتباعه ضمانات كاذبة بدخول الجنة طالما تفانوا في طاعته وخدمته وقدموا له طعاماً شهياً في حياته فإنهم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب وذلك حيث يقول :" أخبرني سيد الوجود ( يقظة ) لا مناماً كل من أحسن إليك بخدمة أو غيرها وكل من أطعمك يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب فسألته لكل من أحبني ولكل من أحسن إلي بشيء من مثقال ذرة ومن أطعمني طعامه كلهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب وسألته لكل من أخذ مني ذكراً أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن يرفع الله عنهم محاسبته وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي عليه الصلاة والسلام فقال لي عليه الصلاة والسلام ضمنت له ضمانة لا تنقطع حتى يجاورني أنت وهم في عليين " "2"
وكتابه المعروف بـ( جواهر المعاني ) كله أو جله مؤلف من مثل هذا الكلام العاري عن أي حقيقة ولكن عامة الناس تصدق وتؤمن بهذا الكتاب أكثر من إيمانهم بالأحاديث الصحاح في الصحيحين وغيرهما .
وبهذه الدعاية انتشرة الطريقة التيجانية في القارة الأفريقية وما جاورها أكثر من غيرها لأن من علم مثل هذه الوعود والضمانات المروية عن رسول الله وهو لا يفرق بين الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله وبين الأحاديث الصحيحة بل يصدق كل ما قيل فيه ( قال رسول الله ) من علم مثل هذه الضمانات وهو بهذه المثابة لا يتردد في الانخراط في الطريقة التيجانية ويتلوث بوثنيتها ويتلطخ بدم شركها وتشبيهها حيث يشبه الله بملك له أعوان يدبرون أمر مملكته وليس عليه إلا الموافقة والتصديق على تدبيرهم لأنه لا يعلم من أمر الرعية الشيء الكثير إلا بواسطة هؤلاء الأعوان .
هكذا تشبه الصوفية رب العالمين الذي لا تخفى عليه خافية بمخلوق ضعيف لا يعلم الكثير والكثير من أمور رعيته إلا بواسطة غيره .
وبهذا التشبيه والتضليل يوهمون العوام بأن الجنة بأيديهم وأنهم يستطيعون إعطاء الوعد لأتباعهم بالجنة والرسول يضمن لهم أن يكون مشايخ الصوفية في جواره مع أتباعهم .
وأتباع التيجاني في الغالب جهال كسائر الدراوشة ولو كانوا يعلمون ما جاء في السنة من موقف رسول الله من أقاربه وما قال لهم عندما أنزل عليه قوله تعالى :" وأنذر عشيرتك الأقربين " حيث جمع عشيرته فخص وعم وقال فيما قال :" يا فاطمة بنت محمد إعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً " .
وما جاء في هذا المعنى من نصوص الكتاب والسنة التي تقضي بأن الأمر كله لله وحده ، وأما الأنبياء والصالحين فليس لهم من الأمر من شيء فإنهم لا يملكون أن يعدوا أحداً بدخول الجنة وقد سأل صحابي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة فقال له : " أعني على نفسك بكثرة السجود " أي أكثر من الصلاة حتى يكون ذلك سبباً لدخولك الجنة ومرافقتي ولم يقل له أبشر أنت معي في الجنة وإنما وجهه وأرشده إلى الأسباب علماً بأنه قد بشر بعض الصحابة بالجنة بوحي من الله مثل العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من بعض الصحابة ودعا لبعضهم أن يجعله الله من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ثم أخبره بأنه منهم كما في قصة ( عكاشة ) لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى .
ولو علم أتباع التجاني الجاني مثل هذا الموقف وهذه النصوص ما مكثوا على مواعيد التجاني الكاذبة ساعة بل الكفروا به ولعنوه لعناً كبيراً ولكن الجهل والببغائية وحسن الظن المبالغ فيه والطيبة الزائدة ضيعت جماهير المسلمين وجعلتهم يقادون فينقادون دون أدنى تردد في كل ما يصدر من هؤلاء الأفاكين .
وقد يستغرب بعض الناس مثل هذا الإيمان من أتباع التيجاني وأمثاله من مشايخ الصوفية المضللين كيف يصدق ويؤمن الإنسان بوعدهم بالجنة وهم لا يملكون الجنة ؟
حقاً إن القصة أو الحكاية لغريبة فتعال لأحدثك عن بعض الثقات وهم شهود عيان ما هو أغرب من هذا وذلك حين يعبث يعض مشايخ الصوفية بالأعراض والدروشة المستضعفون يطيعون المشايخ حتى في هتك الأعراض
حدثني ثقة أن من خصوصية بعض مشايخ الطرق في بعض الجهات أن أي درويش إذا تزوج وتم الزفاف يترك " غرفة النوم " في الليلة الأولى ليزور الشيخ " الغرفة " فيباركها له ثم يأمره في الليلة الثانية ليذهب إلى بيته وقد حلت البركة وربما تتطلب الحال أن يكرر الشيخ الزيارة في الليلة الثانية فإذا " قضى منها وطراً " أمر الدرويش الغبي أن يذهب إلى البيت المبارك " الملوث " وهكذا يعبث مشايخ الصوفية بجميع القيم فيفسدون العقيدة ويفسدون الأخلاق ويعبثون في الأعراض ويسلبون الأموال ويأكلونها بالباطل ويستعبدون الجهال من الناس ويصدون عن سبيل الله ويعادون الدعاة إلى الله تعالى لأنهم يبصرون الناس حتى يدركوا أن مشايخ الصوفية ضللوهم وأبعدوهم عن الدين الحق الذي جاء به رسول الهدى محمد عليه الصلاة والسلام .
مكر وعربدة ومجون .. وهذه الصفات في لغتهم كرامات وبركات وزهد وعبادة ودعوة ااناس إلى الإسلام .
إنه التناقض .. إنها المغالطة .. فمن لها ؟!! .. إنها فتنة .. بل ردة ، ولا أبا بكر لها .. والله المستعان
ألقاب وهمية يسغلها مشايخ الصوفية لاستجلاب الأرزاق وإفساد العقيدة :
الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله -
الحمد لله رب العالمين وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على رسوله الأمين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن الجاهلية التي نريد أن نتحدث عن بعض صورها غير الجاهلية التي تتبادر إلى الأذهان إذا أطلقت ؛ لأن الجاهلية في الأصل اسم لفترة زمنية قبل الإسلام بما فيها من أعمال وثنية وتصرفات جاهلية من شرك وظلم وفساد أخلاق وغير ذلك .
وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم حتى أنار الطريق لكل سالك فدخل الناس في دين الله أفواجا فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل ولن يوجد لها مثيل قطعاً توحيد خالص لله وحده وعدل وإنصاف وطاعة لله ولرسوله وتحابب في الله وتآخ واعتزاز بالإسلام وعزة وكرامة وهيبة في قلوب الأعداء ، وقد سجل له القرآن هذا المعنى في قوله تعالى :" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين "
هكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن أنتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن نزل من السماء بأن الدين قد كمل فالكامل لا يقبل الزيادة عادة وأن نعمت الله على أتباع محمد بالإسلام قد تمت وذلك قوله تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "
نزلت الآية الكريمة في حجة الوداع في يوم الجمعة وفي اليوم نفسه خطب النبي الكريم صلة الله عليه وسلم خطبة يوم عرفة المشهورة جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب أصحابه " أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون " قالوا : نشهد أنك بلغت ونصحت .فجعل يقول عليه الصلاة والسلام " اللهم أشهد اللهم أشهد يرفع أصبعه إلى الله الذي فوقه وفوق كل شيء ثم ينكبها إلى الصحابة قائلاً :" اللهم أشهد اللهم أشهد اللهم أشهد "
ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع طويلاً بل أخذ يحدث أصحابه واتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض إذ قال لهم :" تركتكم على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك " وفي لفظ " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله " " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " تركهم على هذا المنهج الموصوف ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه ولا يزيدوا فيه وحذرهم عن الزيادة والمخالفات بل يلتزمون المنهج حرفياً
فقال عليه الصلاة والسلام محذراً لهم من الابتداع " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " " من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد " " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية في أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصاً يشبه حرصه عليه الصلاة والسلام عليهم وهم رجال رباهم على المنهج واطمأن إلى فهمهم للمنهج وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وإخوانهم فحافظوا على المنهج وأحسنوا التصرف فيه بحزم دونه كل حزم ودعوا إليه بصدق وإخلاص وضحوا في سبيل ذلك بكل ممكن .
وفور وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض قبائل العرب وبعضها منعت الزكاة فنهض أبو بكر لقتالهم فتوقف باقي الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة مجتهدين قالوا : كيف نقاتل قوماً يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأقسم بالله أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو أنهم منعوه عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة وأن الزكاة من حقوق الإسلام وواجباته المالية ولأن الإسلام بجميع حقوقه وواجباته إنما هو لله الحي الذي لا يموت فلا يموت الإسلام ولا شيء من واجباته بموت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أول إعلان أعلنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما علم ما حصل لعمر بن الخطاب عندما قبض النبي عليه الصلاة والسلام إذ ظن عمر أن النبي لم يقبض بعد بل إنه سوف يعود فهدّأه أبو بكر رضي الله عنه فقال فيما قال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران :" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين "
واندهش عمر عند سماعه هذه الآية دهشة قريبة من دهشته من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول كأنه لم يسمع هذه الآية قبل هذه المرة وهو يحفظها ويقرؤها وكأنها نزلت من توها وهي تخاطبه .
وبعد ذلك البيان من الخليفة الأول أبي بكر رضي الله عنه رجع عمر رضي الله عنه ومن معه إلى رأي أبي بكر فاقتنعوا بوجوب قتال مانعي الزكاة إذ لو لم يفعلوا لكانت فتنة في صفوف الأمة وفساد كبير
هكذا حافظوا رضي الله عنهم على وحدة الأمة ووقفوا أمام أسباب الانقسام والتفرق بذلك الحزم لئلا تعود الأمة إلى الجاهلية الأولى من جديد أو إلى ما يشبه ذلك وفي أواخر عهد الخلفاء الراشدين وفي خلافة علي بالتحديد خرجت الخوارج وتشيعت الشيعة ثم ظهرت الفرق متتابعة من جبرية ومرجئة وجهمية ومعتزلة وأشعرية وماتريدية
فسمعت دنيا المسلمين ما تتوقعه من الانقسام والتفرق تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام :" وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " هكذا بدأت الجاهلية التي نريد أن نستعرض بعض صورها لأن الجاهلية لا تعني كما تقدم فترة زمنية ولكنها أعمال وتصرفات وأوضاع معينة ومفاهيم خاطئة ويمكن أن نوجز أمهاتها في العناوين التالية :
1/ جاهلية التصوف
2/ جاهلية علم الكلام
3/جاهلية التعصب المذهبي
4/ جاهلية في الحاكمية أي الحكم بغير ما أنزل الله .
أما جاهلية التصوف :
فقد ظهرت واشتهرت بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة فيحدثنا عن نشأتها شيخ الإسلام ابن تيمية كما يعين لنا مكان نشأتها وملخص حديثه إن الصوفية ظهرت أول ما ظهرت في البصرة بالعراق على أيدي بعض العباد الذين عُرفوا بالغلو في العبادة والزهد والتقشف المبالغ فيه بل لقد زين لهم الشيطان أن يتخذوا لباس الشهرة فلبسوا الصوف وقاطعوا القطن بدعوى أنهم يريدون التشبه بالمسيح عليه السلام هكذا تقول الرواية فنسبوا إلى الصوف فقيل لهم الصوفية فدعوى أنهم منسوبون إلى أهل الصفة أو إلى الصف المتقدم دعوى باطلة يكذبها الواقع واللغة ولما سمع بعض السلف أن قوماً لازموا لباس الصوف زاعمين التشبه بالمسيح عليه السلام قالوا : هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا وهو يلبس القطن وغيره ينسب هذا الكلام إلى ابن سيرين رحمه الله ويروي لنا شيخ الإسلام أن مدينة البصرة قد عرفت من تلك الفترة بهؤلاء المتصوفة وتصوفهم كما عرفت الكوفة بالفقه والآراء والقضاء حتى قيل عبادة البصرة وفقه الكوفة .
هكذا ظهرت جاهلية التصوف ومن هذه المدينة انتشرت .
ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها وذلك عندما جنح بعض الناس إلى نوع من الرهبانية فذهب ثلاثة أشخاص من الصحابة إلى بيت من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا ن عبادته عليه الصلاة والسلام فلما أخبروا كأنهم تقالوها أي رأوا أن ما يفعله الرسول من العبادة قليل فهم يريدون أكثر من ذلك فقال أحدهم : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الثاني : وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث : وأما أنا فلا أتزوج النساء فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام طلبهم فأتي بهم فقال :" أنتم الذين قلتم كذا وكذا " فلم يسعهم إلا أن يقولوا نعم فقال الرسول عليه الصلاة والسلام :" أما والله إني لأعبدكم وأخشاكم لله ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
هذه الواقعة رويناها بالمعنى تقريباً وهي عند الشيخين وبعض أهل السنن
ومما يلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم في إنكار هذه البدعة أسلوباً لا نعم أنه كان يستخدمه عندما يبلغه أن إنساناً ما ارتكب مخالفة أو أتى معصية بل كانت عادته الكريمة المعروفة أنه في مثل هذه الحالة يجمع الناس فيوجه إليهم كلمة عامة واستنكاراً وتوبيخاً لا مجابهة فيه كأن يقول :" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " وقد كان هذا الأسلوب كافياً للردع والإنكار مع ما يتضمنه من الستر على مقترف تلك المعصية
ولكننا رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المرة يطلب حضور الثلاثة الذين جنحوا إلى ما يسمى ( التصوف ) اليوم ثم يسألهم أنتم الذين قلتم كذا وكذا ثم يعلن لهم أنه أعبدهم وأخشاهم لله مؤكداً ذلك بالقسم كأنهم لا يعلمون ذلك تقريعاً لهم وتوبيخاً فأشعرهم أن الأساس في العبادة الاتباع دون الابتداع وأن الكيفية مقدمة على الكم المخالف للسنة ثم يختم التوبيخ بالبراءة أي الإخبار أن من رغب عن سنته وهديه ليس منه ولا هو على دينه الذي جاء به من عند الله .
ومما ينبغي التنويه به هنا أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد كل هذه المعاني لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملاً صالحاً لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله فنيتهم صالحة وقصدهم حسن إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هو الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده .
وبعد :
لعل القارئ يلاحظ أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد وهما أمران مقبولان في الإسلام بل مرغب فيهما ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن وهذا شأن كل بدعة إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلامياً مقبولا بل محبوباً
ومن أمثلة ذلك : بدعة الاحتفال بالمولد التي ابتدعها الفاطميون بالقاهرة بدعوى محبة الرسول وآل البيت حيث كانوا يحتفلون بمولد النبي عليه الصلاة والسلام في كل عام ثم بمولد علي رضي الله عنه ثم بمولد فاطمة رضي الله عنها ثم بمولد الحسن والحسين وأخيراً يحتفل بمولد الخليفة الحاضر وهكذا لو تتبعت نشأة كل بدعة لوجدتها لا تظهر أول ما تظهر إلا في مثل هذا الغلاف المقبول ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور احتفالات باسم أسبوع فلان أو شهر فلان أو مرور كذا سنة على الحركة الفلانية أو بعبارة بهذا المعنى ومثل هذه الاحتفالات التي تعد فيما يبدو للناس إنما هي مجرد ذكرى لأولئك المجددين والمصلحين وإحياء لدعوتهم وحركتهم الإصلاحية ولكنها سوف تتحول على المدى البعيد والله اعلم إلى جنس الاحتفالات التي تسمى اليوم عند العوام وأشباههم الاحتفالات الدينية هكذا أتصور والله اعلم
فلنعد إلى البصرة حيث نشأة الصوفية ثن انتقلت منها إلى المدن الأخرى بالعراق ثم إلى الأقطار المجاورة للعراق وهكذا حتى انتشرت الصوفية في دنيا المسلمين وهي تتظاهر بالعبادة والزهد .
ولم يطل الزمن كما يحدثنا شيخ الإسلام حتى انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة والمرتزقة وهذه المتصوفة المنتشرة في العالم الإسلامي من أولئك المبتدعة والزنادقة كالحلاج الذي قتل أخيراً بسبب زندقته وابن عربي وغيرهم من كبار مشايخ الصوفية وسيأتي نقل بعض نصوصهم الكفرية إن شاء الله
وقد شوهت هذه الطائفة ( الصوفية ) جمال الدين وغيرت مفاهيم كثيرة من تعاليم الإسلام لدى كثير من المخدوعين الذين يحسنون الظن بكل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة وسبحة طويلة ويستسمنون كل ذي ورم فأخذوا يحاولون أن يفهموا الإسلام بمفهوم صوفي بعيد عن الإسلام الحق الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل بدعة التصوف وبدعة علم الكلام وغيرهما من البدع التي شوشت على السذج وحالت بينهم وبين المفهوم الصحيح للإسلام
وإليكم بعض المفاهيم التي غيرتها الصوفية :
***مفهوم الدين الإسلامي عند الصوفية :
ينقسم الدين الإسلامي عند الصوفية إلى قسمين :
الأول : الشريعة التي تضمنها الكتاب والسنة :
وهي في زعمهم للعوام أو لغير الواصلين ويسمون علماء الشريعة علماء الرسوم استخفافاً بهم بل يسمون الشريعة القشر الظاهري وهو قليل الجدوى وأما اللب الداخلي المقصود بالذات فهي تلك الحقيقة التي اختص بها كبار مشايخ الصوفية وهي التي سوف نتحدث عنها في الفقرة التالية .
ثانياً : الحقيقة :
وهي خاصة بطبقة الواصلين كما تقدم وهي شيء آخر غير الشريعة وأعلى من الشريعة وأخص لأن الشريعة إنما يلتزمها العوام وأشباه العوام من علماء الرسوم كما زعموا وبئس ما زعموا
وهذه الحقيقة المزعومة يرى بعضهم أنها علم التصوف ويسمون تلك البدعة علماً وهي ليست من العلم في شيء بل التصوف في الحقيقة عبارة عن طقوس مجمعة من البوذية والهندوكية واليهودية وهي بعيدة عن الإسلام كل البعد ولا يتردد في ذلك إلا مريض القلب بمرض الوثنية أو إنسان ضعيف المعرفة بالدين فالمتصوفة طائفة مادية تريد أن تعيش تحت ستار العبادة وعبادتهم في الواقع عبارة عن عبث وأنواع من الرقصات فهم من الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وقد سموا تلك الرقصات ذكراً لتقبل وتروج ولكن على السذج وأما طلاب العلم أصحاب البصيرة فلا تنطلي عليهم مثل هذه التسمية .
من واضع علم التصوف :
يزعم ابن عجيبة الصوفي الفاطمي بأن واضع علم التصوف هو الرسول صلى الله عليه وسلم علمه الله بالوحي والإلهام ثم يقول ابن عجيبة في تفصيل ذلك في عجائبه وأكاذيبه الكثيرة نزل جبريل أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانية بالحقيقة فخص بها رسول الله بعضاً دون بعض وأول من تكلم بالتصوف هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ عنه الحسن البصري .
** والقارئ البصير يدرك من كلام هذا الزنديق الصلة الوثيقة بين بدعة الصوفية وبدعة الشيعة التي تعبد أئمتها وتؤلههم وما الصوفية إلا خطاً ممدوداً متفرعاً من دين الروافض الخبيث
وكلام ابن عجيبة هذا فرية جائرة وجريئة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهت له عليه الصلاة والسلام بجريمة الكتمان وهل يتهم النبي الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم بكتمان الحق الذي أرسل به ليبلغه للناس وقد أمره ربه بذلك بقوله :" يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " إلا الزنديق المارق الذي يريد أن يصرف الناس عن الإسلام لو استطاع ويتضمن زعم ابن عجيبة بهتاً آخر على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين لا يعلمه سائر الصحابة حتى أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ومن جهة أخرى أن المعروف من معاني الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام بلغ ما أنزل عليه وما أوحي إليه بلاغاً عاماً شاملاً وأنه أمين الله على وحيه وكلام ابن عجيبة الذي يتحدث عن واضع علم التصوف على حد تعبيره يتنافى وهذا الإيمان كما ترى .
وأما تخصيص آل البيت بشيء من العلم والدين دون غيرهم فهذه فكرة موروثة ورثتها الصوفية من أسيادهم الشيعة وقد نفى هذا الزعم علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه حيث روى مسلم حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال : ما كان النبي يسر إليك فغضب وقال ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يسر إلي شيئاً يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال فقال ما هي يا أمير المؤمنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لعن الله من لعن والديه لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من آوى محدثاً لعن الله من غير منار الأرض "
ثم إن كلام ابن عجيبة ووراءه.ابن عربي وابن الفارض وغيرهما من كبار مشائخ الصوفية يتضمن أن أبا بكر وعمر وعثمان لا يعلمون بعض الأمور وهي من الدين قد يعلمها مشايخ الصوفية وهو ما سموه حقيقة أو تصوفاً وهل يعتبر ديناً ما لم يعلمه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقد أمرت الأمة بالأخذ بسنتهم والاقتداء بهم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " الحديث " اقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر .
أما ابن الفارض فقد تحدث عن دين الصوفية بإسهاب في تائيته الكبرى ودين الصوفية الذي انتهى إليه كبار الصوفية ويشمر عن ساعد الجد صغار الصوفية للوصول إليه هو ( وحدة الوجود ) واعتقاد أن الله سبحانه وتعالى عين هذا الوجود وهي زندقة تحملها أبيات تائية لا بن الفارض إذ يقول ما هو كفر بواح لدى كل فقيه :
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ** وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
ولا فلك إلا ومن نور باطني ** به ملك يهدي الهدى بمشيئتي
ولا قطر إلا حل من فيض ظاهري **به قطرة عنها السحائب سحت
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ** شهود ولم تعهد عهود بذمه
ولا حي إلا من حياتي حياته ** وطوع مرادي كل نفس مريدة
فما يحكم القارئ على هذا الكلام وهو يفتري أن ملكوت كل شيء بيده وأن الوجود كله قطرة من فيض جوده ومن وجوده وأن كل شيء طوع هواه
وله فرية أخرى وهي أنه زعم أن جميع الصلوات التي يؤديها العباد والنساك في جميع الجهات الست وتلك المناسبات التي ينسكها الحجاج والمعتمرون إنما ترفع في الحقيقة إلى ابن الفرض من حيث لا يشعر أولئك العباد والحجاج والعمار والطائفون بالبيت العتيق بل إنه نفسه إنما يصلي لو كان له صلاة لنفسه وذلك إذ يقول :
وكل الجهات الست نحوي توجهت ** بما تم من نسك وحج وعمرة
لها صلواتي بالمقام أقيمها ** وأشهد فيها أنها لي صلت
ولا يزال يكرر مزاعمه التي ضلل بها كثيراً من السذج فيزعم أنه ليس في هذا الوجود متناقضات ولا أضداد أو أغيار أو أمثال بل الوجود كله حقيقة واحدة ولا يقال ( خالق ومخلوق ) أو ( رب ومربوب ) أو ( عابد ومعبود ) وذلك حيث يقول :
تعانقت الأطراف عندي وانطوى ** بساط السوي عدلا بحكم السوية
ثم يصرح بأنه هو المعبود الذي يصلي له كل مصل ويسجد له كل ساجد فيقول :
كلانا مصل واحد ساجد إلى ** حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم يكن **صلاتي لغيري في أداء كل سجدة
وهذا الهذيان المارق قد صرح شيخهم الأكبر والزنديق الأكفر ابن عربي الطائي إذ يقول مستخدماً أسلوب التقديس تلبيساً على الأغمار : سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها- تعالى الله عما زعم علواً كبيراً إذ " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
وقال في موضع آخر من فتوحاته :إن العارف من يرى الحق ( الله ) في كل شيء بل يراه عين كل شيء .انتهى
وترى الصوفية قاطبة أن هذا أدق تعريف للعارف بالله يا سبحان الله إذ سمي الكفر إيماناً والجهل معرفة والمروق وصولاً ما الذي بقي من الحقائق على ظواهرها ؟! وإنما تكد الصوفية ليل نهار وتقدم جميع الوسائل البدعية للوصول إلى هذه الدرجة من الكفر الذي ليس بعده كفر ولكن باسم الوصول .
وما ذكرنا من كلام ابن عجيبة وشرحناه وما أضفنا إليه من كلام ابن الفارض وابن عربي إنما هو قطرة من بحار كفرهم ويعرف ذلك بالاطلاع على " فصوص الحكم " و " الفتوحات المكية " وهما لابن العربي وماجاء في " التائية الكبرى " لابن الفارض وما ورد في " إيقاظ الهمم في شرح الحكم" لابن عجيبة وغيرها من الكتب التي كتبها المؤمنون بهم والمدافعون عن معتقداتهم وهي كثيرة
هذا وبرهان الدين البقاعي الذي كان يعيش في القرن التاسع الهجري قد ألف كتاباً سماه " تنبيه الغبي بتفكير عصر بن الفارض وابن عربي " وكتاباً آخر " تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد " وقد دمجها في كتاب واحد الشيخ السلفي الداعية عبد الرحمن الوكيل
والكتاب ينقد التصوف نقداً قاتلاً كما يقول الشيخ الوكيل فجزى الله البقاعي والوكيل خير الجزاء على ما قدما من بيان الحق ودحض الباطل ونصح القارئ والمطلع
وللشيخ الوكيل كتاب آخر سماه " هذه هي الصوفية " والكتاب فريد في بابه وهو مع كثرة النقل المعزوة يمتاز بمعلومات أضافها الشيخ رحمه الله تلك المعلومات التي اكتسبها إبان أن كان أسيراً عند الصوفية في صباه كما يحكي الشيخ في هذا الكتاب كيف حاولت الصوفية أن تفسد فطرة الصبي وتزين له دين الصوفية وإبعاده عن الخط الموصل إلى الحق وهو الاعتصام بالكتاب والسنة ولكن الله سلم فهرب الصبي من الأسر واتصل بجماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة فأنقذه الله على يد الجماعة زادها الله من التوفيق
ولله الحمد والمنة فالكتاب يحمل في صفحاته معلومات خطيرة عن الصوفية
وأنا أدعو شبابنا إلى قراءة هذين الكتابين ليدركوا بأنفسهم حقيقة دين الصوفية وأنه غير الدين الإسلامي في حقيقته والله المستعان
وإن كان القارئ يلاحظ أن في هذا الحكم نوعاً من القسوة أو المبالغة وإنما يرجع ذلك لأنه حكم جاء مخالفاً للمألوف الموروث وأما القارئ المتجرد من مألوفات قومه بعقله الحر وله اطلاع واسع على نصوص الشريعة في باب الردة خاصة فلا شك أن ما تدعو إليه الصوفية من وحدة الوجود ومن دعوى حلول الرب تعالى في فرد من مخلوقاته أو من دعوى الاستغناء عن الشريعة المحمدية بدعوى الأخذ عن الله مباشرة أو نقل الأحكام من اللوح المحفوظ بالنسبة لخواصهم فلا يترددون في تكفيرهم وبالتالي لا يتهمنا بالمبالغة أبداً .
هذا وقد يدعون التأثير في الآجال والأرزاق والشقاوة والسعادة والموت على حسن الخاتمة أو سوء الخاتمة بل التصرف المطلق في هذا الكون علويه وسفليه ومن لم يكفر هؤلاء فهو إما كافر مثلهم أو من أجهل عباد الله فنسأل الله له العافية .
أما البقاعي فقد نقل في كتابه المذكور : أقوال عدد كبير من أعلام القرن السابع والثامن والتاسع في تكفير ابن الفارض وابن عربي شرعاً وهي فتاوى خطيرة لها اعتبارها ووزنها عند أهل العلم .
وقد صنف البقاعي أولئك الشيوخ الذين أفتوا بكفر الزنديقين إلى طبقات مختلفة في الزمن بعد أن بين مكانة كل واحد منهم في علمه وفضله والمذهب الذي ينتسب إليه من : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وذكر منهم 40 عالماً وإماماً بأسمائهم فليراجع كتابه لأهميته .
وخلاصة ما اعتمدوا عليه في تكفيرهم هو : أن كلام الرجلين ابن الفارض وابن عربي ومن ذهب مذهبهما مثل ابن عجيبة إنما يدور حول القول بأنهم مستغنون عن الشريعة التي جاءت في الكتاب والسنة ووصلوا بغير طريق محمد رسول الله إلى الله في زعمهم .
ثانياً : أنهم صرحوا بالاتحاد والحلول ، وأنهم إنما يعبدون أنفسهم كما يعبدون غيرهم إذ ليس هناك ( خالق ومخلوق ) و ( عابد ومعبود ) ؛ لأن الكون عين واحد ، وحقيقة واحدة ، هذه بعض أسباب تكفيرهم وهي واضحة لدى طالب العلم .
وأما الذين لم يصلوا إلى هذه الدرجة من التصريح بوحدة الوجود فلا يسلمون أيضاً من الكفر بل ينالهم نصيبهم مما أصاب كبارهم من الكفر لإيمانهم بذلك الكفر الذي تقدم شرحه وتوضيحه ؛ لأن الرضاء بالكفر كفر ، وهو أمر لا يختلف فيه فقيهان ، اللهم إلا إذا كان له عذر كأن حالت بينه وبين فهم الحقيقة شبهات وجهل فقبل عذره .
مفهوم الذكر عند الصوفية :
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى ذكر الله بقلبه ولسانه والمواظبة عليه مطلقاً كان أو مقيداً ، حسب ما نظمته السنة المطهرة من تهليل ةتسبيح واستغفار ودعاء ولقد تمكنت بدعة الصوفية من هذه العبادة العظيمة فعبثت فيها عبثاً ، وأحدثت باسم الذكر ألفاظاً ما أنزل الله بها من سلطان كما عبثت بالأذكار المأثورة فزعمت أنها تنقسم - في زعمهم - إلى ثلاثة أنواع :
نوع للعوام
ونوع آخر للخواص
ونوع ثالث لخاصة الخاصة
وتقسيم الذاكرين إلى هذه الأقسام يعد من مبتكرات مشايخ الصوفية ومبتدعتهم بل قد ألحدت الصوفية في أسماء الله تعالى حيث تكلمت فيها بغير علم فزعمت أن من الأسماء مالا يصلح إلا للعوام ، وأما الواصلون إلى الله فلهم أسماء خاصة لا يذكر الله بها العوام ، وإليكم تفصيل ما أجملت :
أما العوام في زعم الصوفية هم من عدا الواصلين في اصطلاحهم من طبقات المسلمين من العلماء وطلاب العلم وغيرهم ، والواصلون هم أولئك الذين تمردوا على الشريعة واستخفوا بها ومرقوا عن حقيقة الإسلام والتقيد به ، فسموا الأذكار التي جاءت بها نصوص الشريعة أذكار العوام مثل :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الخ . الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام :" أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " .
هذا الذكر العظيم والتوحيد الخالص يعد عند المتصوفة من أذكار العوام .
أما الخاصة ، وخاصة الخاصة من كبار الزنادقة الذين سبق أن تحدثنا عنهم مثل ابن عربي وابن سبعين فلا يتنازلون لمثل هذا الذكر وهذه الصيغة ، أما ذكر الخاصة - في زعمهم - فهو تكرار لفظ الجلالة مفرداً ( الله ) ، ( الله )
وأما ذكر خاصة الخاصة فهو ضمير الغيبة ( هو ) (هو ) وربما اقتصر بعضهم على الآهات ( آه ، آه ) بكيفية خاصة بأن يتمايل الذاكر - العابث - يمنة ويسرة ، وأما العامي منهم عندما يذكر الله بالتهليل مثلاً يكون على هيئة معينة كأن يتمايل يميناً ويساراً يبدأ بـ (لا ) يميناً ويرجع بـ (إله) فيتوسط ثم يختم بـ ( إلا الله ) على اليسار ، يبدأ التمايل في هدوء بعد الاستئذان من الشيخ أولاً ويستمد منه المدد قائلاً ( دستور ) يا أستاذ ، مددك يا سيدي ، ثم يستأذن سلسلة الطريقة التي ينتسب إليها من قادرية أو تيجانية أو رفاعية أو مرغنية فيقول : دستور يا أصحاب الطريقة والقدم .
وبعد أن يجأر بأسماءهم هكذا معتقداً أنهم يسمعونه ويأذنون له بقلوبهم وبعد أن يتلطخ هكذا يهذه الوثنية ليتقبل ذكره يبدأ في الذكر .
ومما ينبغي أن يعلمه طالب العلم من هذه الجاهلية الصوفية أن ذكر الله لا ينفع به الذاكر ولا يقبل منه ولا يقرب إلى الله في دين الصوفية إلا بإذن من شيخ الطريقة وللشيخ أن يحرم على دراويش طريقته أن يذكروا بالذكر الذي تذكر به الطريقة الأخرى وترقص به وعلى الدراويش أو المريد الصغير أن يلتزم ذلك التحريم ولا يعصي الشيخ أدنى عصيان وإلا فهو مهدد بسوء الخاتمة ، بل عليه أن يعتقد أن الشيخ جاسوس قلبه فعليه أن يراقب خطرات قلبه بدقة ومن الأمثال السائرة عند الصوفية ( إن حضرت عند نحوي احفظ لسانك وإن حضرت عند العارفين احفظ قلبك )
وأما أسماء الله الحسنى فمنها ما هو صالح للعوام فقط ولا يناسب الواصلين كالعفو والغفار ولهم كلام طويل هنا يعرف بالرجوع إلى كتبهم .
ولا أحسب الدرويش أنه يؤمن بالله تعالى ويخشاه ويراقبه إيمانه بالشيخ وخشيته له ومراقبته إياه ؛ لأنه يرى حياته الاجتماعية والمادية والدينية - إن كان له دين - يرى أن ذلك كله مرتبط بالشيخ وإذا لم يظهر للشيخ -ولو تصنعاً - أنه من المخلصين له ولطريقته فسوف يبقى دائماً في ذل الدروشة ولا تحصل له الترقية إلى درجة ( مريد ) حيث يصبح إنساناً له نوع من الاعتبار ثم لا يتخرج خليفة له شأنه ليعين في مكان معروف بكثرة الزراعة أو بالثروة الحيوانية أو في مدينة معروفة بالتجارة والصناعة ليصبح بعد فترة قصيرة من أثرياء تلك البلدة وتزداد بذلك ثروة الشيخ الكبيرة وتتضخم وبالتالي تستفيد الطريقة من وراء ذلك مادة وصيتا طويلاً وتقدم الطريقة بسخاء الهدايا الثمينة والذبائح السمينة لمشيخة الصوفية إذ يتقدم الشيخ أمام تلك الهدايا في تيه وكبرياء ليعلن أنها هدايا من الطريقة التيجانية مثلاً فيرمي الشيخ من وراء ذلك أن يرشح لرياسة مشيخة الصوفية وهذا بيت القصيد من جميع تلك الحركات .
مشائخ الصوفية يفترون الكذب في سبيل الدعوة إلى طرقهم :
تحل الصوفية في اقتراف جريمة الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام في المرتبة الثانية تقريباً بعد أن تشغل الشيعة المرتبة الأولى .
ومن أكثر مشايخ الصوفية كذباً وافتراء على الله ذلك التيجاني الجاني فاسمعوا وهو يفتري على الله " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله "
يقول التيجاني الجاني :" وما أكرم الله به قطب الأقطاب أن يعلمه علم ما قبل وجود الكون وما وراءه وما لا نهاية له وأن يعلمه جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات وأن يخصصه بأسرار دائرة الإحاطة ..." إلى آخر الفرية الطويلة ولعل القارئ لا يغفل أنه يريد أن يدعي هذا المقام لنفسه لا لغيره بأسلوب صوفي معروف لدى كل العارفين بأسلوب القوم إذاً هي فرية ودعاية في آن واحد وهذا ديدنهم .
وهناك فرية أخرى يطلقها التيجاني أيضاً إذ يقول : " إن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق ( الله ) مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفة "1" في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من له عليه ألوهية الله تعالى فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً ما كان من ( الحق ) إلا بحكم القطب ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود ) إلى آخر تلك الفرية الطويلة التي تنبيء عن خلو قلب هذا الفاجر من الإيمان بالله سبحانه وتقديره حق قدره .
وهذه الفرية كالتي قبلها دعوة صريحة للربوبية لأن له التصرف المطلق في الكون جملة وتفصيلاً وهو كفر لم يتورط فيه أبو جهل وأمثاله من كبار صناديد قريش الذين قاتلهم رسول الإسلام واستباح دماءهم وأموالهم وسبى ذراريهم .
ولكنه كفر يتورط فيه أكثر كبار مشايخ الصوفية كما سيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن ديوانهم الباطني .
وللشيخ التيجاني فرية أخرى في نفس المعنى ولكنها تمتاز بما تتضمنه من دعاية صريحة لطريقته ( التيجانية ) وفيها من أساليب تضليل الناس ما ليس في غيرها من أكاذيبه المتنوعة إذ يعد أتباعه بالجنة التي لا يملكها بل هي حرام عليه إن مات على ما كان عليه في كفره وزندقته ومع ذلك يقدم لأتباعه ضمانات كاذبة بدخول الجنة طالما تفانوا في طاعته وخدمته وقدموا له طعاماً شهياً في حياته فإنهم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب وذلك حيث يقول :" أخبرني سيد الوجود ( يقظة ) لا مناماً كل من أحسن إليك بخدمة أو غيرها وكل من أطعمك يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب فسألته لكل من أحبني ولكل من أحسن إلي بشيء من مثقال ذرة ومن أطعمني طعامه كلهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب وسألته لكل من أخذ مني ذكراً أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر وأن يرفع الله عنهم محاسبته وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي عليه الصلاة والسلام فقال لي عليه الصلاة والسلام ضمنت له ضمانة لا تنقطع حتى يجاورني أنت وهم في عليين " "2"
وكتابه المعروف بـ( جواهر المعاني ) كله أو جله مؤلف من مثل هذا الكلام العاري عن أي حقيقة ولكن عامة الناس تصدق وتؤمن بهذا الكتاب أكثر من إيمانهم بالأحاديث الصحاح في الصحيحين وغيرهما .
وبهذه الدعاية انتشرة الطريقة التيجانية في القارة الأفريقية وما جاورها أكثر من غيرها لأن من علم مثل هذه الوعود والضمانات المروية عن رسول الله وهو لا يفرق بين الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله وبين الأحاديث الصحيحة بل يصدق كل ما قيل فيه ( قال رسول الله ) من علم مثل هذه الضمانات وهو بهذه المثابة لا يتردد في الانخراط في الطريقة التيجانية ويتلوث بوثنيتها ويتلطخ بدم شركها وتشبيهها حيث يشبه الله بملك له أعوان يدبرون أمر مملكته وليس عليه إلا الموافقة والتصديق على تدبيرهم لأنه لا يعلم من أمر الرعية الشيء الكثير إلا بواسطة هؤلاء الأعوان .
هكذا تشبه الصوفية رب العالمين الذي لا تخفى عليه خافية بمخلوق ضعيف لا يعلم الكثير والكثير من أمور رعيته إلا بواسطة غيره .
وبهذا التشبيه والتضليل يوهمون العوام بأن الجنة بأيديهم وأنهم يستطيعون إعطاء الوعد لأتباعهم بالجنة والرسول يضمن لهم أن يكون مشايخ الصوفية في جواره مع أتباعهم .
وأتباع التيجاني في الغالب جهال كسائر الدراوشة ولو كانوا يعلمون ما جاء في السنة من موقف رسول الله من أقاربه وما قال لهم عندما أنزل عليه قوله تعالى :" وأنذر عشيرتك الأقربين " حيث جمع عشيرته فخص وعم وقال فيما قال :" يا فاطمة بنت محمد إعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً " .
وما جاء في هذا المعنى من نصوص الكتاب والسنة التي تقضي بأن الأمر كله لله وحده ، وأما الأنبياء والصالحين فليس لهم من الأمر من شيء فإنهم لا يملكون أن يعدوا أحداً بدخول الجنة وقد سأل صحابي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة فقال له : " أعني على نفسك بكثرة السجود " أي أكثر من الصلاة حتى يكون ذلك سبباً لدخولك الجنة ومرافقتي ولم يقل له أبشر أنت معي في الجنة وإنما وجهه وأرشده إلى الأسباب علماً بأنه قد بشر بعض الصحابة بالجنة بوحي من الله مثل العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من بعض الصحابة ودعا لبعضهم أن يجعله الله من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ثم أخبره بأنه منهم كما في قصة ( عكاشة ) لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى .
ولو علم أتباع التجاني الجاني مثل هذا الموقف وهذه النصوص ما مكثوا على مواعيد التجاني الكاذبة ساعة بل الكفروا به ولعنوه لعناً كبيراً ولكن الجهل والببغائية وحسن الظن المبالغ فيه والطيبة الزائدة ضيعت جماهير المسلمين وجعلتهم يقادون فينقادون دون أدنى تردد في كل ما يصدر من هؤلاء الأفاكين .
وقد يستغرب بعض الناس مثل هذا الإيمان من أتباع التيجاني وأمثاله من مشايخ الصوفية المضللين كيف يصدق ويؤمن الإنسان بوعدهم بالجنة وهم لا يملكون الجنة ؟
حقاً إن القصة أو الحكاية لغريبة فتعال لأحدثك عن بعض الثقات وهم شهود عيان ما هو أغرب من هذا وذلك حين يعبث يعض مشايخ الصوفية بالأعراض والدروشة المستضعفون يطيعون المشايخ حتى في هتك الأعراض
حدثني ثقة أن من خصوصية بعض مشايخ الطرق في بعض الجهات أن أي درويش إذا تزوج وتم الزفاف يترك " غرفة النوم " في الليلة الأولى ليزور الشيخ " الغرفة " فيباركها له ثم يأمره في الليلة الثانية ليذهب إلى بيته وقد حلت البركة وربما تتطلب الحال أن يكرر الشيخ الزيارة في الليلة الثانية فإذا " قضى منها وطراً " أمر الدرويش الغبي أن يذهب إلى البيت المبارك " الملوث " وهكذا يعبث مشايخ الصوفية بجميع القيم فيفسدون العقيدة ويفسدون الأخلاق ويعبثون في الأعراض ويسلبون الأموال ويأكلونها بالباطل ويستعبدون الجهال من الناس ويصدون عن سبيل الله ويعادون الدعاة إلى الله تعالى لأنهم يبصرون الناس حتى يدركوا أن مشايخ الصوفية ضللوهم وأبعدوهم عن الدين الحق الذي جاء به رسول الهدى محمد عليه الصلاة والسلام .
مكر وعربدة ومجون .. وهذه الصفات في لغتهم كرامات وبركات وزهد وعبادة ودعوة ااناس إلى الإسلام .
إنه التناقض .. إنها المغالطة .. فمن لها ؟!! .. إنها فتنة .. بل ردة ، ولا أبا بكر لها .. والله المستعان
ألقاب وهمية يسغلها مشايخ الصوفية لاستجلاب الأرزاق وإفساد العقيدة :
اليوم في 2:54 pm من طرف عبدالله الآحد
» الآيات الناهية عن دعاء غير الله سبحانه وتعالى
أمس في 3:16 pm من طرف عبدالله الآحد
» ما جاء في أن دعاء غير الله والإستعاذة بغيره سبحانه شرك أكبر
الإثنين نوفمبر 25, 2024 2:14 pm من طرف عبدالله الآحد
» خطر الشرك والخوف من الوقوع فيه
الأحد نوفمبر 24, 2024 3:17 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 24, 2024 12:53 pm من طرف صادق النور
» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
السبت نوفمبر 23, 2024 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد