: الشَّهادتانِ :
: شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
: شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ :
إنَّ تحقيقَ أصلِ الدِّينِ الذي إذا التَزَمه الإنسانُ نجا به مِنَ الكُفرِ والخُلودِ في النَّارِ: يكونُ بالشَّهادَتينِ نُطقًا باللِّسانَ، وإقرارًا مُجمَلًا بالقَلْبِ.
فالشَّهادةُ لله بالوَحْدانيَّةِ تعني: الإقرارَ المجمَلَ بالتَّوحيدِ، والبراءةَ المُطلَقةَ مِن الشِّرْكِ.
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة: 256] .
والشَّهادةُ لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّسالةِ تعني: الإقرارَ المجمَلَ بكُلِّ ما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عِندِ اللهِ تَصديقًا وانقيادًا.
قال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 136] .
ونَفيُ الإيمانِ المجمَلِ معناه نَفيُ مُطلَقِ الإيمانِ، وسُقوطُ صاحِبِه في الكُفرِ، ويتحَقَّقُ هذا بانتفاءِ أو نَقضِ أحَدِ عناصِرِه؛ مِن التَّصديقِ، أو الانقيادِ، أو الإقرارِ.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ يَومَ خَيْبَرَ: ((لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسولَه، يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْه ))
قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ما أحْبَبْتُ الإمَارةَ إلَّا يَومَئذٍ، قالَ: فَتَسَاوَرْتُ لها رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لها، قالَ فَدَعَا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فأعْطَاه إيَّاها،
وقال: ((امْشِ، ولا تَلتَفِتْ، حتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عليك)) قالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شيئًا، ثُمَّ وَقَفَ ولم يَلْتَفِتْ، فَصَرَخَ: يا رَسولَ اللهِ، على ماذا أُقاتِلُ النَّاسَ؟ قال: ((قَاتِلْهم حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فَعَلوا ذلك فقد مَنَعوا منك دِمَاءَهم وأموَالَهم إلَّا بحَقِّها، وَحِسَابُهم على اللَّهِ )) .
وعنِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنه إلى اليَمَنِ، فَقال : ( ادْعُهمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ... )) .
وعن عِتْبانَ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: أصابَنِي في بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ، فَبَعَثْتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أُحِبُّ أنْ تأتِيَني فَتُصَلِّيَ في مَنْزِلِي، فأتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قال: فأتَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن شاءَ اللَّهُ مِن أصْحابِهِ، فَدَخَلَ وهو يُصَلِّي في مَنْزِلِي وأصْحابُه يَتحَدَّثون بينَهم، ثُمَّ أسنَدوا عُظْمَ ذلكَ وكُبْرَه إلى مالِكِ بنِ دُخْشُمٍ، قالوا: ودُّوا أنَّه دَعا عليه فَهَلَكَ، ودُّوا أنَّه أصابَه شَرٌّ، فَقَضَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّلاةَ، وقالَ: ((أليسَ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ؟)) قالوا: إنَّه يقولُ ذلكَ، وما هو في قَلْبِه، قال: ((لا يَشْهَدُ أحَدٌ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ، فَيَدْخُلَ النَّارَ، أوْ تَطْعَمَه)) .
وعن مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((هل تَدْري ما حَقُّ اللهِ على عِبادِه؟)) قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ اللهِ على عِبادِه أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، هل تدري ما حَقُّ العبادِ على اللهِ إذا فَعَلوه؟ )) قلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ العبادِ على اللهِ أنْ لا يُعَذِّبَهم)) .
قال البَرْبَهاريُّ: اعلَمْ أنَّ أوَّلَ الإسلامِ: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.
وقال الآجُرِّيُّ بعد نَقْلِه حديثَ: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ )) : (فهذا الإيمانُ باللِّسانِ نُطقًا فَرضٌ واجِبٌ) .
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ذلك أنَّ أحدًا لا يكونُ بالنيَّةِ مُسلمًا دونَ القَولِ، حتى يلفِظَ شهادةَ الإيمانِ وكَلِمةَ الإسلامِ، ويكونَ قَلْبُه مصدِّقًا للسانِه في ذلك، فكما لا يكونُ مُسلِمًا حتى يشهَدَ بشهادةِ الحَقِّ، فكذلك لا يكونُ متطَهِّرًا ولا مُصَلِّيًا حتى ينطِقَ بالشَّهادة، وإنَّ ما تعتَقِدُه الأفئدةُ من الإسلامِ والإيمانِ ما تنطِقُ به الألسِنةُ) .
وقال عِياضٌ: (مَذهَبُ أهلِ السُّنَّة: أنَّ المعرفةَ مُرتبطةٌ بالشَّهادتينِ، لا تنفَعُ إحداهما، ولا تنجِّي من النَّارِ دونَ الأخرى، إلَّا لِمَن لم يَقدِرْ عليها من آفةٍ بلِسانِه) .
وقال محمَّدُ بنُ عبد الوهَّابِ: (التوحيدُ أوَّلُ واجبٍ) .
فأوَّلُ واجبٍ على العَبدِ هو: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ، وذلك بخِلافِ ما يَقولُه أهلُ الكَلامِ مِن المعتَزِلةِ والأشعَرِيَّةِ أنَّ أوَّلَ ما يجِبُ على العَبدِ النَّظَرُ في الأدِلَّةِ العَقليَّةِ على وُجودِ اللهِ تعالى .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (لو لم يكُنْ في الكَلامِ شَيءٌ يُذَمُّ به إلَّا مَسألتانِ هما من مَبادِئِه، لكان حقيقًا بالذَّمِّ، وجَديرًا بالتَّرْكِ؛
إحداهما: قَولُ طائفةٍ منهم: إنَّ أوَّلَ الواجِباتِ الشَّكُّ في اللهِ تعالى.
والثَّانيةُ: قَولُ جماعةٍ منهم: إنَّ من لم يَعرِفِ اللهَ تعالى بالطُّرُقِ التي طَرَقوها، والأبحاثِ التي حَرَّروها، فلا يَصِحُّ إيمانُه، وهو كافِرٌ، فيلزَمُهم على هذا تكفيرُ أكثَرِ المُسلِمينَ مِنَ السَّلَفِ الماضينَ، وأئِمَّةِ المُسلِمينَ!...
ومَن شَكَّ في تكفيرِ من قال: إنَّ الشَّكَّ في الله تعالى واجِبٌ، وأنَّ مُعظَمَ الصَّحابةِ والمُسلِمينَ كُفَّارٌ- فهو كافِرٌ شَرعًا، أو مختَلُّ العَقلِ وَضعًا؛ إذ كُلُّ واحدةٍ منهما معلومةُ الفَسادِ بالضَّرورةِ الشَّرعيَّةِ الحاصِلةِ بالأخبارِ المتواتِرةِ القَطْعيَّةِ) .
وقال النووي: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرِّوايةِ الأُخرى: ((أقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويُؤمِنوا بي وبما جِئتُ به)) فيه بيانُ ما اختُصِر في الرِّواياتِ الأُخَرِ مِن الاقتِصارِ على قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ،
وفيه دَلالةٌ ظاهِرةٌ لمذهَبِ المحَقِّقينَ والجماهيرِ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ أنَّ الإنسانَ إذا اعتقد دينَ الإسلامِ اعتِقادًا جازِمًا لا ترَدُّدَ فيه،
كفاه ذلك، وهو مؤمِنٌ مِن المُوَحِّدينَ، ولا يجِبُ عليه تعَلُّمُ أدِلَّةِ المتكَلِّمينَ ومَعرفةُ الله تعالى بها، خِلافًا لمن أوجَبَ ذلك، وجعَلَه شَرْطًا في كونِه مِن أهلِ القِبلةِ، وزَعَم أنَّه لا يكونُ له حُكمُ المسلِمينَ إلَّا به، وهذا المذهَبُ هو قَولُ كثيرٍ مِن المعتَزِلةِ،
وبَعضِ أصحابِنا المتكَلِّمينَ، وهو خَطَأٌ ظاهِرٌ؛ فإنَّ المرادَ التَّصديقُ الجازِمُ، وقد حَصَل، ولأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اكتفى بالتَّصديقِ بما جاء به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يشتَرِطِ المعرفةَ بالدَّليلِ؛ فقد تظاهَرَت بهذا أحاديثُ في الصَّحيحينِ يحصُلُ بمَجموعِها التَّواتُرُ بأصلِها، والعِلْمُ القَطْعيُّ) .
وقال ابنُ أبي جمرةَ في شَرْحِه لحديثِ وَفدِ عبدِ القيسِ: ((شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ... )) : (فيه دليلٌ لِمن يقولُ بأنَّ أوَّلَ الواجباتِ الإيمانُ قبل النَّظَرِ والاستدلالِ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ لَمَّا أن ذَكَر لهم الإيمانَ لم يذكُرْ بعده نظرًا ولا استِدلالًا) .
أمَّا الالتِزامُ ببقيَّةِ الفُروضِ والواجِباتِ فإنَّه يأتي بعد تحقيقِ هذا الأصلِ.
ففي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ)) النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه إلى اليَمَنِ، فقال: ادْعُهم إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهم أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهم أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهم تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهم وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهم)) .
قال الخطَّابيُّ: (في هذا الحديثِ مِن العِلمِ أنَّه رَتَّب واجباتِ الشَّريعةِ؛ فقَدَّم كَلِمةَ التوحيدِ، ثم أتبَعَها فرائِضَ الصَّلاةِ لأوقاتِها) .
وقال أبو الحارِثِ الصَّائغُ: (سألتُ أبا عبدِ اللهِ أحمدَ بنَ محمَّدِ بنِ حَنبلٍ، قُلتُ: إذا قال الرَّجُلُ: لا إلهَ إلا اللهُ، فهو مؤمِنٌ؟ قال: كذا كان بدءُ الإيمانِ، ثمَّ نزلت الفرائِضُ: الصَّلاةُ، والزكاةُ، وصومُ رمضانَ، وحَجُّ البيتِ) .
وقال العَينيُّ: (قال شيخُنا زينُ الدين رحمه الله:... لَمَّا كان إرسالُ مُعاذٍ إلى من يُقِرُّ بالإلهِ والنبُوَّاتِ، وهم أهلُ الكتابِ، أمَرَه بأوَّلِ ما يدعوهم إلى توحيدِ الإلهِ والإقرارِ بنبُوَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّهم وإن كانوا يعترفون بإلهيَّةِ اللهِ تعالى، ولكِنْ يجعلون له شَريكًا؛ لدعوةِ النَّصارى أنَّ المسيحَ ابنُ اللهِ تعالى، ودعوةِ اليهودِ أنَّ عُزَيرًا ابنُ اللهِ -سبحانَه عمَّا يَصِفون- وأنَّ محمَّدًا ليس برَسولِ اللهِ أصلًا، أو أنَّه ليس برسولٍ إليهم، على اختلافِ آرائِهم في الضَّلالةِ؛ فكان هذا أوَّلَ واجبٍ يُدْعَونَ إليه) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (كُلُّ مَن آمَنَ بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إيمانًا راسِخًا، فإنَّ إيمانَه متضَمِّنٌ لتَصديقِه فيما أخبَرَه، وطاعتِه فيما أمَرَه، وإنْ لم يعلَمْ ولم يقصِدْ أنواعَ الأخبارِ والأعمالِ، ثمَّ عِندَ العِلْمِ بالتَّفصيلِ إمَّا أن يصَدِّقَ ويُطيعَ، فيَصيرَ مِنَ الذين آمَنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ، أو يُخالِفَ ذلك، فيَصيرَ إمَّا مُنافِقًا، وإمَّا عاصِيًا فاسِقًا، أو غيرَ ذلك) .
وقال أيضًا: (فعامَّةُ النَّاسِ إذا أسلَموا بعد كُفْرٍ، أو وُلِدوا على الإسلامِ، والتَزَموا شرائِعَه، وكانوا من أهلِ الطَّاعةِ للهِ ورَسولِه، فهم مُسلِمونَ، ومعهم إيمانٌ مُجمَلٌ، ولكِنْ دُخولُ حقيقةِ الإيمانِ إلى قُلوبِهم إنَّما يَحصُلُ شيئًا فشيئًا إن أعطاهم اللهُ ذلك) .
وقال الخرشيُّ المالكيُّ: (لا يتقَرَّرُ الإسلامُ إلَّا بالنُّطقِ بالشَّهادَتينِ، والتزامِ أحكامِهما) .
وقال ابنُ باز: (الشَّهادتانِ هما أصلُ الدِّينِ، وهما أساسُ المِلَّةِ؛ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، ومتى صَدَق فيهما العَبدُ وأدَّى حَقَّهما، فإنَّه يؤدِّي ما أوجَبَ اللهُ مِن الأقوالِ والأعمالِ، وينتهي عمَّا حَرَّم اللهُ مِن القَولِ والعَمَلِ، ويَقِفُ عندَ حُدودِ اللهِ، ومتى فَرَّط في شيءٍ مِن ذلك صار نَقصًا في إيمانِه وتوحيدِه، وضَعفًا في إيمانِه وتوحيدِه) .
وقال ابنُ عثيمين: (أركانُ الإسلامِ: أُسُسُه التي ينبني عليها، وهي خَمسةٌ مذكورةٌ فيما رواه ابنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسةٍ: على أن يوحَّدَ اللهُ -وفي روايٍة: على خمسٍ-: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصِيامِ رَمَضانَ، والحَجِّ)، فقال رجلٌ: الحَجِّ، وصِيامِ رَمَضانَ، قال: (لا، صيامِ رَمضانَ، والحَجِّ)، هكذا سمعتُه مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
1- أمَّا شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، فهي: الاعتِقادُ الجازِمُ المعَبَّرُ عنه باللِّسانِ بهذه الشَّهادةِ، كأنَّه بجَزْمِه في ذلك مشاهِدٌ له، وإنَّما جُعِلَت هذه الشَّهادةُ رُكنًا واحِدًا مع تعَدُّدِ المشهودِ به:
إمَّا: لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُبَلِّغٌ عن اللهِ تعالى، فالشَّهادةُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالعُبوديَّةِ والرِّسالةِ مِن تمامِ شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ.
وإمَّا: لأنَّ هاتينِ الشَّهادتينِ أساسُ صِحَّةِ الأعمالِ وقَبولِها؛ إذْ لا صِحَّةَ لعَمَلٍ ولا قَبولَ إلَّا بالإخلاصِ للهِ تعالى، والمتابعةِ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبالإخلاصِ لله تتحَقَّقُ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وبالمتابعةِ لرَسولِ اللهِ تتحَقَّقُ شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه.
ومِن ثَمَراتِ هذه الشَّهادةِ العَظيمةِ: تحريرُ القَلبِ والنَّفسِ مِنَ الرِّقِّ للمخلوقينَ، ومِن الاتِّباعِ لغيرِ المرسَلينَ) .
: معنى شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ.
قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: لا معبودَ بحَقٍّ تجوزُ عِبادتُه، وتَصلُحُ الألوهةُ له إلَّا اللهُ الذي هذه الصِّفاتُ صِفاتُه، فادعُوه -أيُّها النَّاسُ- مُخلِصينَ له الدِّينَ، مخلِصينَ له الطَّاعةَ، مُفرِدينَ له الأُلوهةَ، لا تُشرِكوا في عِبادتِه شَيئًا سِواه؛ مِن وَثَنٍ وصَنَمٍ، ولا تجعَلوا له نِدًّا ولا عِدْلًا) .
وقال ابنُ جريرٍ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] : (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فاعلَمْ -يا محمَّدُ- أنَّه لا معبودَ تنبغي أو تَصلُحُ له الألوهةُ، ويجوزُ لك وللخَلْقِ عِبادتُه، إلَّا اللهُ الذي هو خالِقُ الخَلقِ، ومالِكُ كُلِّ شَيءٍ، يَدينُ له بالرُّبوبيَّةِ كُلُّ ما دُونَه) .
وقال البقاعي في تفسيرِ قَولِه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] : (أي: انتفى انتِفاءً عَظيمًا أن يكونَ مَعبودٌ بحَقٍّ غيرُ المَلِكِ الأعظَمِ؛ فإنَّ هذا العِلْمَ هو أعظَمُ الذِّكرى المُنجِيةِ مِن أهوالِ السَّاعةِ، وإنَّما يكونُ عِلْمًا إذا كان نافِعًا، وإنَّما يكونُ نافِعًا إذا كان مع الإذعانِ والعَمَلِ بما يَقتَضيه، وإلَّا فهو جَهلٌ صِرفٌ) .
قال ابنُ هُبَيرة: (فإذا قُلتَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد اشتمل نُطقُك هذا على أنَّ ما سِوى اللهِ ليس بإلهٍ، فيلزَمُك إفرادُه سُبحانَه بذلك وَحْدَه... وجملةُ الفائدةِ في ذلك، أن تعلَمَ أنَّ هذه الكَلِمةَ هي مُشتَمِلةٌ على الكُفرِ بالطَّاغوتِ، والإيمانِ باللهِ؛ فإنَّك لَمَّا نَفَيتَ الإلهيَّةَ وأثبَتَّ الإيجابَ لله سُبحانَه، كُنتَ ممَّن كَفَر بالطَّاغوتِ وآمنَ باللهِ) .
وقال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (كَلِمةُ التَّوحيدِ تدُلُّ على التَّكليفِ بالواجِبِ والحرامِ؛ إذ معناه: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ، والعِبادةُ هي الطَّاعةُ مع غايةِ الذُّلِّ والخُضوعِ) .
وقال القرافيُّ في صِفةِ الأذانِ وشَهادةِ التوحيدِ: (الإلهُ المعبودُ، وليس المرادُ نَفيَ المعبودِ كيف كان؛ لوجودِ المعبودينَ في الوُجودِ، كالأصنامِ والكواكِبِ، بل ثَمَّ صِفةٌ مُضمَرةٌ تقديرُها: لا معبودَ مُستحِقٌّ للعبادةِ إلَّا اللهُ، ومن لم يُضمِرْ هذه الصِّفةَ لَزِمَه أن يكونَ تَشهُّدُه كَذِبًا) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوحيدُ الذي بعَثَ اللهُ به رُسُلَه هو عِبادةُ اللهِ وَحْدَه لا شَريكَ له، وهو معنى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وذلك يتضَمَّنُ التَّوحيدَ بالقَولِ والاعتقادِ، وبالإرادةِ والقَصْدِ) .
وقال الزَّركشيُّ: (قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أي: على هذه الصِّيغةِ الخاصَّةِ الجامِعةِ بين النَّفيِ والإثباتِ؛ ليدُلُّ على حَصْرِ الإلهيَّةِ لله تعالى، فإنَّ الجَمعَ بين النَّفيِ والإثباتِ أبلَغُ صِيَغِ الحَصرِ، وقد ثبت العِلمُ الضَّروريُّ بالاكتفاءِ بهذه الكَلِمةِ الشَّريفةِ في إثباتِ التوحيدِ لله تعالى، من غيرِ نَظَرٍ إلى واسِطةٍ بين النَّفيِ والإثباتِ، ولا انضِمامِ لَفظٍ آخَرَ إليه) .
وقال ابنُ رجبٍ: (قَولُ العَبدِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ يقتضي أنْ لا إلهَ له غيرُ اللهِ، والإلهُ هو الذي يُطاعُ فلا يُعصى؛ هيبةً له وإجلالًا، ومَحَبَّةً وخَوفًا ورَجاءً، وتوكُّلًا عليه، وسُؤالًا منه، ودُعاءً له، ولا يَصلُحُ ذلك كُلُّه إلَّا لله عزَّ وجَلَّ، فمَن أشرَكَ مخلوقًا في شَيءٍ مِن هذه الأمورِ التي هي مِن خَصائِصِ الإلَهيَّةِ كان ذلك قَدْحًا في إخلاصِه في قَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ونَقْصًا في توحيدِه، وكان فيه مِن عُبوديَّةِ المخلوقِ بحَسَبِ ما فيه مِن ذلك، وهذا كُلُّه مِن فُروعِ الشِّرْكِ) .
وقال السيوطيُّ -في معنى قَولِه تعالى-: (اللَّهُ لَا إِلَهَ أي: لا معبودَ بحَقٍّ في الوجودِ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الدَّائِمُ بِالْبَقَاءِ) .
وقال ابن حجر الهيتمي في شَرحِ كلامِ النووي: («وأشهَدُ»، أي: أعلَمُ وأبيِّنُ، «أنْ لا إلهَ» لا معبودَ بحَقٍّ في الوجودِ «إلَّا اللهُ الواحِدُ») .
وقال البهوتي في شَرحِ كلامِ الحجاوي: («وأشهَدُ»، أي: أعلَمُ «أنْ لا إلهَ»، أي: معبودَ بحَقٍّ في الوجودِ «إلَّا اللهُ وَحْدَه») .
وقال الصَّنعانيُّ: (رأسُ العِبادةِ وأساسُها التَّوحيدُ لله الذي تُفيدُه كَلِمتُه التي إليها دَعَت جميعُ الرُّسُلِ، وهي قَولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، والمرادُ اعتِقادُ معناها والعَمَلُ بمُقتَضاها، لا مجَرَّدُ قَولِها باللِّسانِ.
ومعناها: إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ والإلَهيَّةِ، والنَّفيُ والبراءةُ مِن كُلِّ مَعبودٍ دُونَه، وقد عَلِمَ الكُفَّارُ هذا المعنى؛ لأنَّهم أهُل اللِّسانِ العَربيِّ، فقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] ) .
وقال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (معناها: لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ وَحْدَه، و (لا إلهَ) نافيًا جميعَ ما يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ، (إلَّا اللهُ) مُثبِتًا العِبادةَ للهِ وَحْدَه لا شَريكَ له في عبادتِه، كما أنَّه ليس له شَريكٌ في مُلْكِه،
وتفسيرُها الذي يوضِّحُها قَولُه تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: 26 - 28] ،
وقولُه تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64] ) .
وقال محمَّدُ بنُ علي بن غريب: (أهلُ القِبلةِ هم أهلُ الإسلامِ، وهو الاستسلامُ والانقيادُ لله وَحْدَه، وتَرْكُ جميعِ الآلهةِ سِواه، وهذا هو تحقيقُ معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وإخلاصُها له، فمن استسلم وانقاد لله ولغيرِه في معناها، فهو مُشرِكٌ، واللهُ لا يغفِرُ أن يُشرَكَ به؛ فلَفظُ الإسلامِ يتضَمَّنُ الاستسلامَ والانقيادَ، ويتضَمَّنُ الإخلاصَ) .
وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (معنى "لا إلهَ إلَّا اللهُ"، أي: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا إلهٌ واحدٌ، وهو اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ،
مع قَولِه تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، فصَحَّ أنَّ معنى الإلهِ هو المعبودُ؛
ولهذا لَمَّا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكُفَّارِ قُرَيشٍ: ((قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] ،
وقال قومُ هود: أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [الأعراف: 70] ،
وهو إنَّما دعاهم إلى لا إلهَ إلَّا اللهُ، فهذا هو معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهو عبادةُ اللهِ وتَرْكُ عبادةِ ما سِواه، وهو الكُفرُ بالطَّاغوتِ، وإيمانٌ باللهِ؛ فتضَمَّنَت هذه الكَلِمةُ العظيمةُ أنَّ ما سوى اللهِ ليس بإلهٍ، وأنَّ إلهيَّةَ ما سِواه أبطَلُ الباطِلِ، وإثباتَها أظلَمُ الظُّلمِ، فلا يستحِقُّ العبادةَ سِواه، كما لا تصلُحُ الإلهيَّةُ لغيرِه) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ: (فدَلَّت لا إلهَ إلَّا اللهُ على نَفيِ الإلَهيَّةِ عن كُلِّ ما سِوى اللهِ تعالى كائِنًا ما كان، وإثباتِ الإلَهيَّةِ لله وَحْدَه دونَ كُلِّ ما سِواه، وهذا هو التَّوحيدُ الذي دعت إليه الرُّسُلُ، ودَلَّ عليه القُرْآنُ مِن أوَّلِه إلى آخِرِه،
كما قال تعالى عن الجِنِّ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: 1، 2]،
فلا إلهَ إلَّا اللهُ لا تنفَعُ إلَّا مَن عَرَف مَدلولَها نفيًا وإثباتًا، واعتَقَد ذلك وقَبِلَه وعَمِلَ به، وأمَّا مَن قالها مِن غيرِ عِلمٍ واعتِقادٍ وعَمَلٍ، فقد تقَدَّمَ في كلامِ العُلَماءِ أنَّ هذا جَهلٌ صِرفٌ، فهي حُجَّةٌ عليه بلا رَيبٍ) .
وقال المعصومي الخُجَندي: (معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ؛ لأنَّ الإلهَ هو المعبودُ المطاعُ، فإنَّ الإلهَ هو المألوهُ الذي يستحِقُّ أن يُعبَدَ، وكونُه يستحِقُّ هو بما اتَّصَف من الصِّفاتِ التي تستلزِمُ أن يكونَ هو المحبوبَ غايةَ الحُبِّ، المخضوعَ له غايةَ الخضوعِ، والإلهُ هو المحبوبُ الذي تألهُه القلوبُ بحُبِّها، وتخضَعُ له وتذِلُّ له وتخافُه وترجوه، وتنيبُ إليه في شدائِدِها، وتدعوه في مُهِمَّاتِها، وتتوكَّلُ عليه في مصالحِها، وتلجَأُ إليه، وتطمَئِنُّ بذِكْرِه، وتسكُنُ إلى حُبِّه، وليس ذلك إلَّا لله وَحْدَه) .
وقال ابنُ باز: (معنى الشَّهادة أن يَشهَدَ بلِسانِه وبقَلْبِه أنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، يَشهَدُ بلِسانِه ويُؤمِنُ بقَلْبِه أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ،
يعني: لا مَعبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، وأنَّ ما عَبَده النَّاسُ مِن دونِ اللهِ مِن أصنامٍ أو أمواتٍ أو أشجارٍ أو أحجارٍ أو ملائكةٍ أو غيرِهم: كُلُّه باطِلٌ، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج: 62] .
هذا معنى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ أن تَشهَدَ عن عِلمٍ ويَقينٍ وصِدقٍ أنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، وأنَّ ما عَبَده النَّاسُ مِن دونِ اللهِ كُلُّه باطِلٌ) .
وقال ابنُ عثيمين: (معنى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ أن يَعتَرِفَ الإنسانُ بلِسانِه وقَلْبِه بأنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ عزَّ وجَلَّ، فكُلُّ ما عُبِدَ مِن دونِ اللهِ فهو باطِلٌ؛
قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج: 62] ) .
فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ
مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ:
: أنَّها أعظَمُ نِعمةٍ أنعَمَ اللهُ عزَّ وجَلَّ بها على عِبادِه :
قال اللهُ تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [النحل: 2] ،
فقَدَّمها اللهُ في سورةِ النَّحلِ -التي تسمَّى سورةَ النِّعَمِ - على كُلِّ نِعمةٍ أخرى.
قال السَّمرقنديُّ: (قال تعالى: أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ أي: خَوِّفوا بالقُرْآنِ الكُفَّارَ، وأَعلِموهم أنَّه لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ يعني: أنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له، فوَحِّدوه وأطيعوه) .
وقال الرَّازيُّ: (يُنَزِّلُ الملائِكةَ على من يَشاءُ مِن عَبيدِه، ويأمُرُ ذلك العَبدَ بأن يُبَلِّغَ إلى سائِرِ الخَلقِ أنَّ إلهَ العالَمِ واحِدٌ، كَلَّفَهم بمعرفةِ التَّوحيدِ والعِبادةِ، وبَيَّن أنَّهم إن فَعَلوا ذلك فازوا بخيرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ، وإنْ تمَرَّدوا وقَعوا في شَرِّ الدُّنيا والآخِرةِ) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوحيدُ الذي هو إخلاصُ الدِّينِ للهِ: أصلُ كُلِّ خَيرٍ مِن عِلمٍ نافِعٍ وعَمَلٍ صالحٍ) .
وقال الطِّيبيُّ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف: 110] أي: الوَحيُ مَقصورٌ على استِئثارِ اللهِ تعالى بالوَحْدانيَّةِ؛ لأنَّ المقصودَ الأعظَمَ مِنَ الوَحيِ هو التَّوحيدُ، وسائِرُ التَّكاليفِ متفَرِّعٌ عليه، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (صَلاحُ العالَمِ في أن يكونَ اللهُ وَحْدَه هو المعبودَ، وفَسادُه وهَلاكُه في أن يُعبَدَ معه غَيرُه) .
وقال السَّعديُّ: (زُبدةُ دَعوةِ الرُّسُلِ كُلِّهم ومَدارُها على قَولِه: أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ أي: على مَعرفةِ اللهِ تعالى، وتوَحُّدِه في صِفاتِ العَظَمةِ التي هي صِفاتُ الأُلوهيَّةِ، وعبادتِه وَحْدَه لا شَريكَ له؛ فهي التي أنزَلَ اللهُ بها كُتُبَه، وأرسَلَ رُسُلَه، وجعَلَ الشَّرائِعَ كُلَّها تدعو إليها، وتحثُّ وتجاهِدُ مَن حارَبَها وقام بضِدِّها) .
: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ:
: أنَّها أعلى شُعَبِ الإيمانِ :
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ -أو بِضعٌ وسِتُّونَ- شُعبةً، فأفضَلُها قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ )) [594] أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35) واللَّفظُ له. .
قال الطِّيبيُّ: (أفضَلُ الذِّكرِ: قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهي الكَلِمةُ العُليا، وهي القُطبُ الذي يدورُ عليها رحى الإسلامِ، وهي القاعِدةُ التي بُني عليها أركانُ الدِّينِ، وهي الشُّعْبةُ التي هي أعلى شُعَبِ الإيمانِ، بل هو الكُلُّ، وليس غَيرُه) .
وقال الصَّنعانيُّ: (هذه الكَلِمةُ الشَّريفةُ هي التي أباح اللهُ الأرواحَ والأنفُسَ والأموالَ وصانها بها، وبَعَث رُسُلهَ أوَّلَهم وآخِرَهم بدُعاءِ الخَلْقِ إليها، كُلُّ رَسولٍ يَقولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] ، وهي أعلى شُعَبِ الإيمانِ) .
: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ:
: أنَّها العَهدُ الذي يتَّخِذُه المُوَحِّدُ عندَ اللهِ :
قال اللهُ تعالى: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم: 87] .
أي: ليس للكافرينَ مِن الشَّفاعةِ شَيءٌ يومَ القيامةِ، فلا يَشفَعونَ لأحَدٍ، ولا يستَحِقُّونَ أن يشفَعَ لهم أحدٌ، وأمَّا من كان مُؤمِنًا بالله موحِّدًا ومُطيعًا له؛ فإنَّه يشفعُ لِغَيرِه، وينتَفِعُ بشَفاعةِ غَيرِه له .
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما في قَولِه: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم: 87] قال: (العَهدُ: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويتبَرَّأُ إلى اللهِ مِنَ الحَولِ والقُوَّةِ، ولا يَرجو إلَّا اللهَ) .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا يعني: لا يَشفَعونَ إلَّا لِمَن اتَّخَذ عندَ الرَّحمنِ عَهدًا، فالعَهدُ هو لا إلهَ إلَّا اللهُ. ويُقالُ: لا يَشفَعُ إلَّا من اتَّخَذ عِندَ الرَّحمنِ عَهدًا، يعني: لا يَشفَعُ إلَّا مُؤمِنٌ) .
وقال ابنُ كثيرٍ في تَفسيرِ العَهدِ: (هو شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، والقيامُ بحَقِّها) .
وقال الشِّنقيطيُّ: (أي: لا يَملِكُ مِن جميعِهم أحَدٌ الشَّفاعةَ إلَّا مَن اتَّخَذ عند الرَّحمنِ عَهدًا، وهم المؤمِنونَ، والعَهدُ: العَمَلُ الصَّالِحُ، والقَولُ بأنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، وغَيرُه مِن الأقوالِ يَدخُلُ في ذلك، أي: إلَّا المؤمِنونَ فإنَّهم يَشفَعُ بعضُهم في بعضٍ، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه: 109] ،
وقد بَيَّن تعالى في مواضِعَ أُخَرَ: أنَّ المعبوداتِ التي يَعبُدونَها مِن دونِ اللهِ لا تَملِكُ الشَّفاعةَ، وأنَّ مَن شَهِدَ بالحَقِّ يَملِكُها بإذنِ اللهِ له في ذلك، وهو قَولُه تعالى: وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86] ، أي: لكِنْ مَن شَهِدَ بالحَقِّ يَشفَعُ بإذنِ اللهِ له في ذلك) .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، مَن أسعَدُ النَّاسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ؟ فقال: ((لقد ظَنَنتُ يا أبا هُرَيرةَ ألَّا يَسألَني عن هذا الحديثِ أحَدٌ أوَّلَ مِنك؛ لِما رأيتُ مِن حِرْصِك على الحديثِ؛ أسعَدُ النَّاسِ بشَفاعتي يومَ القيامةِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، خالِصًا مِن قِبَلِ نَفْسِه )) .
قال ابنُ بطال: (الشَّفاعةُ إنَّما تكونُ في أهلِ الإخلاصِ خاصَّةً، وهم أهلُ التصديقِ بوحدانيَّةِ اللهِ، ورُسُلِه؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (خالصًا من قَلْبِه أو نَفْسِه)) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (في قَولِه في حديثِ أبي هُرَيرةَ: ((أسعَدُ النَّاسِ بشَفاعتي مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) سِرٌّ من أسرارِ التَّوحيدِ، وهو أنَّ الشَّفاعةَ إنَّما تُنالُ بتجريدِ التَّوحيدِ، فمن كان أكمَلَ تَوحيدًا كان أَحرى بالشَّفاعةِ) .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لكُلِّ نَبيٍّ دَعوةٌ مُستجابةٌ، فتعَجَّلَ كُلُّ نَبيٍّ دَعوتَه، وإني اختبَأْتُ دَعوتي شفاعةً لأُمَّتي يومَ القيامةِ، فهي نائِلةٌ -إن شاء اللهُ- من مات من أمَّتي لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا )) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (ما يحصُلُ للعَبدِ بالتَّوحيدِ والإخلاصِ مِن شفاعةِ الرَّسولِ وغَيرِها لا يَحصُلُ بغَيرِه مِنَ الأعمالِ وإن كان صالِحًا، كسُؤالِه الوَسيلةَ للرَّسولِ، فكيف بما لم يأمُرْ به من الأعمالِ، بل نهى عنه؟ فذاك لا يَنالُ به خيرًا لا في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ،
مِثلُ: غُلُوِّ النَّصارى في المسيحِ عليه السَّلامُ؛ فإنَّه يَضُرُّهم ولا ينفَعُهم، ونظيرُ هذا ما في الصَّحيحَينِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ لكُلِّ نَبيٍّ دَعوةً مُستجابةً، وإنِّي اختَبَأْتُ دَعوتي شفاعةً لأمَّتي يومَ القيامةِ، فهي نائِلةٌ -إن شاء اللهُ- من مات لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا)). وكذلك في أحاديثِ الشَّفاعةِ كُلِّها إنَّما يَشفَعُ في أهلِ التَّوحيدِ، فبحَسَبِ توحيدِ العبدِ للهِ وإخلاصِه دينَه لله يَستَحِقُّ كرامةَ الشَّفاعةِ وغَيرِها. وهو سُبحانَه عَلَّق الوَعدَ والوَعيدَ والثَّوابَ والعِقابَ والحَمدَ والذَّمَّ بالإيمانِ به وتوحيدِه وطاعتِه؛ فمن كان أكمَلَ في ذلك كان أحَقَّ بتولِّي اللهِ له بخَيرِ الدُّنيا والآخِرةِ)
: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
: أنَّها القَولُ الثَّابتُ :
قال اللهُ تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم: 27] .
أي: يثبِّتُ اللهُ المُؤمِنينَ بهذا القَولِ الصَّادقِ الحَقِّ، الذي ثبَتَ في قُلوبِهم، وتمكَّنَ فيها، واطمأنَّتْ إليه نفوسُهم (وهو شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ) يُثَبِّتُهم في حياتِهم الدُّنيا على إيمانِهم باللهِ تعالى، وبرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُسلِّمُهم من الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ، ويُثَبِّتُهم أيضًا في قُبورِهم عندَ سؤالِ الملكَينِ .
عن طاوس في قَولِه تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قال: (لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَفِي الْآخِرَةِ المَسْألة في القَبرِ) .
وقال السَّمرقنديُّ: (قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ بلا إلهَ إلَّا اللهُ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني: يثبِّتُهم على ذلك القَولِ عندَ النَّزعِ، وَفِي الْآخِرَةِ يعني: في القَبرِ) .
وقال البَغَوي: (قَولُه تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ كَلِمةِ التَّوحيدِ، وهي قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني: قَبلَ الموتِ، وَفِي الْآخِرَةِ يعني: في القَبرِ، هذا قَولُ أكثَرِ المفَسِّرينَ) .
وعن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُسلِمُ إذا سُئِلَ في القبرِ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، فذلك قولُه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)) .
: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
: أنَّها الكَلِمةُ الطَّيِّبةُ :
قال اللهُ تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25] .
أي: ألم تَرَ -يا محمَّدُ- كيف مثَّلَ اللهُ مَثَلًا، وشبَّه شَبَهًا كَلِمةً طَيِّبةً -وهي كَلِمةُ التَّوحيدِ: شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ- كشَجَرةٍ طَيِّبةِ الثَّمرةِ -كالنَّخلةِ- وجُذورُها ثابِتةٌ في الأرضِ، وأغصانها مرتَفِعةٌ نحوَ السَّماءِ،
فكذلك كَلِمةُ التَّوحيد؛ أصلُها ثابِتٌ وراسِخٌ في قلبِ المؤمِنِ، وفرُوعُها مِن الأعمالِ الصَّالحةِ صاعِدةٌ إلى السَّماءِ، مَرفوعةٌ إلى الرَّبِّ سُبحانَه، تُخرِجُ هذه الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ ثَمَرَها كامِلًا كثيرًا طَيِّبًا في كلِّ وقتٍ وساعةٍ مِن ليلٍ ونهارٍ، وصيفٍ وشِتاءٍ، بمَشيئةِ خالِقِها وأمْرِه وتيسيرِه، وكذلك كَلِمةُ التَّوحيد؛ لا تزالُ تُثمِرُ الأعمالَ الصَّالحةَ للمُؤمِنِ في كُلِّ وَقتٍ، ولا يزالُ يُرفَعُ له عمَلٌ صالِحٌ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، في كلِّ حينٍ .
وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (كَلِمَةً طَيِّبَةً شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهو المؤمِنُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ ثابِتٌ في قَلبِ المؤمِنِ، وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ يقول: يُرفَعُ بها عَمَلُ المؤمِنِ إلى السَّماءِ) .
وقال السَّمعانيُّ: (أجمع المفَسِّرون على أنَّ الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ هاهنا: لا إلهَ إلَّا اللهُ) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الكَلِمةُ: أصلُ العقيدةِ، فإنَّ الاعتقادَ هو الكَلِمةُ التي يعتَقِدُها المرْءُ، وأطيَبُ الكَلامِ والعقائِدِ: كَلِمةُ التَّوحيدِ، واعتِقادُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ) .
وقال أيضًا: (هي كَلِمة التَّوحيدِ، والشَّجَرةُ كُلَّما قَوِيَ أصلُها وعَرُق ورَوِيَ، قَوِيَت فُروعُها، وفُروعُها أيضًا إذا اغتَذَت بالمطَرِ والرِّيحِ، أثَّر ذلك في أصلِها) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (شَبَّه سُبحانَه وتعالى الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ بالشَّجَرةِ الطَّيِّبةِ؛ لأنَّ الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ تُثمِرُ العَمَلَ الصَّالِحَ، والشَّجرةُ الطَّيِّبةُ تُثمِرُ الثَّمَرَ النَّافِعَ. وهذا ظاهِرٌ على قَولِ جُمهورِ المُفَسِّرين الذين يقولونَ: الكَلِمةُ الطَّيِّبةُ هي شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فإنَّها تُثمِرُ جَميعَ الأعمالِ الصَّالحةِ الظَّاهرةِ والباطِنةِ، فكُلُّ عَمَلٍ صالحٍ مَرْضِيٍّ لله ثَمَرةُ هذه الكَلِمةِ) .
وقال السَّعديُّ: (يَقولُ تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً وهي شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وفُروعُها كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهي النَّخلةُ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ في الأرضِ، وَفَرْعُهَا مُنتَشِرٌ فِي السَّمَاءِ، وهي كثيرةُ النَّفعِ دائِمًا) .
---------------------------------------------------------------------------------------
التالي : -
-
: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
: أنَّها سَبَبٌ للنَّجاةِ مِنَ النَّارِ :
-
تابعونا جزاكم الله خيرا
أمس في 4:11 pm من طرف عبدالله الآحد
» أَسْرارُ اَلْمُسَبَّحَةِ اَوْ السُّبْحَةِ وَأَنْواعُها وَأَعْدادُها - - ( ( اَلْجُزْءُ الثَّانِي ))
أمس في 3:05 pm من طرف صادق النور
» الرياء شرك أصغر إن كان يسيرا
الخميس أبريل 25, 2024 4:39 pm من طرف عبدالله الآحد
» لم يصح تأويل صفة من صفات الله عن أحد من السلف
الأربعاء أبريل 24, 2024 5:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» إثبات رؤية الله للمؤمنين في الجنة
الثلاثاء أبريل 23, 2024 7:24 am من طرف عبدالله الآحد
» الرد على من زعم أن أهل السنة وافقوا اليهود
الثلاثاء أبريل 23, 2024 5:40 am من طرف عبدالله الآحد
» طائِفُهُ الصَّفْوِيِّينَ - - اَلْدوَلهُ الصِّفْوِيهُ
الإثنين أبريل 22, 2024 11:18 am من طرف صادق النور
» حكم الرقى والتمائم
الأحد أبريل 21, 2024 7:19 am من طرف عبدالله الآحد
» كثرة الأشاعرة ليست دليلا على أنهم على حق في كل شيء
السبت أبريل 20, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد
» حقيقة الإسلام العلماني
السبت أبريل 20, 2024 8:37 am من طرف صادق النور