آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» اثبات أن الله يتكلم بالصوت والحرف وأن القرآن كلامه حقيقة
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110أمس في 4:11 pm من طرف عبدالله الآحد

» أَسْرارُ اَلْمُسَبَّحَةِ اَوْ السُّبْحَةِ وَأَنْواعُها وَأَعْدادُها - - ( ( اَلْجُزْءُ الثَّانِي ))
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110أمس في 3:05 pm من طرف صادق النور

» الرياء شرك أصغر إن كان يسيرا
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110الخميس أبريل 25, 2024 4:39 pm من طرف عبدالله الآحد

» لم يصح تأويل صفة من صفات الله عن أحد من السلف
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110الأربعاء أبريل 24, 2024 5:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» إثبات رؤية الله للمؤمنين في الجنة
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110الثلاثاء أبريل 23, 2024 7:24 am من طرف عبدالله الآحد

» الرد على من زعم أن أهل السنة وافقوا اليهود
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110الثلاثاء أبريل 23, 2024 5:40 am من طرف عبدالله الآحد

» طائِفُهُ الصَّفْوِيِّينَ - - اَلْدوَلهُ الصِّفْوِيهُ
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110الإثنين أبريل 22, 2024 11:18 am من طرف صادق النور

» حكم الرقى والتمائم
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110الأحد أبريل 21, 2024 7:19 am من طرف عبدالله الآحد

» كثرة الأشاعرة ليست دليلا على أنهم على حق في كل شيء
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110السبت أبريل 20, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد

» حقيقة الإسلام العلماني
الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooou110السبت أبريل 20, 2024 8:37 am من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 34 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 34 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 9627 مساهمة في هذا المنتدى في 3190 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 288 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو دينا عصام فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 7:51 am


    : الشَّهادتانِ  :

    : شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ :


    إنَّ تحقيقَ أصلِ الدِّينِ الذي إذا التَزَمه الإنسانُ نجا به مِنَ الكُفرِ والخُلودِ في النَّارِ: يكونُ بالشَّهادَتينِ نُطقًا باللِّسانَ، وإقرارًا مُجمَلًا بالقَلْبِ.
    فالشَّهادةُ لله بالوَحْدانيَّةِ تعني: الإقرارَ المجمَلَ بالتَّوحيدِ، والبراءةَ المُطلَقةَ مِن الشِّرْكِ.
    قال اللهُ تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة: 256] .
    والشَّهادةُ لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّسالةِ تعني: الإقرارَ المجمَلَ بكُلِّ ما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عِندِ اللهِ تَصديقًا وانقيادًا.
    قال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 136] .
    ونَفيُ الإيمانِ المجمَلِ معناه نَفيُ مُطلَقِ الإيمانِ، وسُقوطُ صاحِبِه في الكُفرِ، ويتحَقَّقُ هذا بانتفاءِ أو نَقضِ أحَدِ عناصِرِه؛ مِن التَّصديقِ، أو الانقيادِ، أو الإقرارِ.
    عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ يَومَ خَيْبَرَ: ((لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسولَه، يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْه  ))
    قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ما أحْبَبْتُ الإمَارةَ إلَّا يَومَئذٍ، قالَ: فَتَسَاوَرْتُ لها رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لها، قالَ فَدَعَا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فأعْطَاه إيَّاها،
    وقال: ((امْشِ، ولا تَلتَفِتْ، حتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عليك)) قالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شيئًا، ثُمَّ وَقَفَ ولم يَلْتَفِتْ، فَصَرَخَ: يا رَسولَ اللهِ، على ماذا أُقاتِلُ النَّاسَ؟ قال: ((قَاتِلْهم حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فَعَلوا ذلك فقد مَنَعوا منك دِمَاءَهم وأموَالَهم إلَّا بحَقِّها، وَحِسَابُهم على اللَّهِ  )) .
    وعنِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنه إلى اليَمَنِ، فَقال : ( ادْعُهمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ...  )) .

    وعن عِتْبانَ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: أصابَنِي في بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ، فَبَعَثْتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أُحِبُّ أنْ تأتِيَني فَتُصَلِّيَ في مَنْزِلِي، فأتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قال: فأتَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن شاءَ اللَّهُ مِن أصْحابِهِ، فَدَخَلَ وهو يُصَلِّي في مَنْزِلِي وأصْحابُه يَتحَدَّثون بينَهم، ثُمَّ أسنَدوا عُظْمَ ذلكَ وكُبْرَه إلى مالِكِ بنِ دُخْشُمٍ، قالوا: ودُّوا أنَّه دَعا عليه فَهَلَكَ، ودُّوا أنَّه أصابَه شَرٌّ، فَقَضَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّلاةَ، وقالَ: ((أليسَ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ؟)) قالوا: إنَّه يقولُ ذلكَ، وما هو في قَلْبِه، قال: ((لا يَشْهَدُ أحَدٌ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ، فَيَدْخُلَ النَّارَ، أوْ تَطْعَمَه)) .
    وعن مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((هل تَدْري ما حَقُّ اللهِ على عِبادِه؟)) قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ اللهِ على عِبادِه أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، هل تدري ما حَقُّ العبادِ على اللهِ إذا فَعَلوه؟ )) قلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ العبادِ على اللهِ أنْ لا يُعَذِّبَهم)) .

    قال البَرْبَهاريُّ: اعلَمْ أنَّ أوَّلَ الإسلامِ: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.
    وقال الآجُرِّيُّ بعد نَقْلِه حديثَ: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ ))  : (فهذا الإيمانُ باللِّسانِ نُطقًا فَرضٌ واجِبٌ) .

    وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ذلك أنَّ أحدًا لا يكونُ بالنيَّةِ مُسلمًا دونَ القَولِ، حتى يلفِظَ شهادةَ الإيمانِ وكَلِمةَ الإسلامِ، ويكونَ قَلْبُه مصدِّقًا للسانِه في ذلك، فكما لا يكونُ مُسلِمًا حتى يشهَدَ بشهادةِ الحَقِّ، فكذلك لا يكونُ متطَهِّرًا ولا مُصَلِّيًا حتى ينطِقَ بالشَّهادة، وإنَّ ما تعتَقِدُه الأفئدةُ من الإسلامِ والإيمانِ ما تنطِقُ به الألسِنةُ) .

    وقال عِياضٌ: (مَذهَبُ أهلِ السُّنَّة: أنَّ المعرفةَ مُرتبطةٌ بالشَّهادتينِ، لا تنفَعُ إحداهما، ولا تنجِّي من النَّارِ دونَ الأخرى، إلَّا لِمَن لم يَقدِرْ عليها من آفةٍ بلِسانِه) .

    وقال محمَّدُ بنُ عبد الوهَّابِ: (التوحيدُ أوَّلُ واجبٍ) .
    فأوَّلُ واجبٍ على العَبدِ هو: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ، وذلك بخِلافِ ما يَقولُه أهلُ الكَلامِ مِن المعتَزِلةِ والأشعَرِيَّةِ أنَّ أوَّلَ ما يجِبُ على العَبدِ النَّظَرُ في الأدِلَّةِ العَقليَّةِ على وُجودِ اللهِ تعالى .

    قال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (لو لم يكُنْ في الكَلامِ شَيءٌ يُذَمُّ به إلَّا مَسألتانِ هما من مَبادِئِه، لكان حقيقًا بالذَّمِّ، وجَديرًا بالتَّرْكِ؛
    إحداهما: قَولُ طائفةٍ منهم: إنَّ أوَّلَ الواجِباتِ الشَّكُّ في اللهِ تعالى.
    والثَّانيةُ: قَولُ جماعةٍ منهم: إنَّ من لم يَعرِفِ اللهَ تعالى بالطُّرُقِ التي طَرَقوها، والأبحاثِ التي حَرَّروها، فلا يَصِحُّ إيمانُه، وهو كافِرٌ، فيلزَمُهم على هذا تكفيرُ أكثَرِ المُسلِمينَ مِنَ السَّلَفِ الماضينَ، وأئِمَّةِ المُسلِمينَ!...
    ومَن شَكَّ في تكفيرِ من قال: إنَّ الشَّكَّ في الله تعالى واجِبٌ، وأنَّ مُعظَمَ الصَّحابةِ والمُسلِمينَ كُفَّارٌ- فهو كافِرٌ شَرعًا، أو مختَلُّ العَقلِ وَضعًا؛ إذ كُلُّ واحدةٍ منهما معلومةُ الفَسادِ بالضَّرورةِ الشَّرعيَّةِ الحاصِلةِ بالأخبارِ المتواتِرةِ القَطْعيَّةِ
    ) .

    وقال النووي: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرِّوايةِ الأُخرى: ((أقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويُؤمِنوا بي وبما جِئتُ به)) فيه بيانُ ما اختُصِر في الرِّواياتِ الأُخَرِ مِن الاقتِصارِ على قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ،
    وفيه دَلالةٌ ظاهِرةٌ لمذهَبِ المحَقِّقينَ والجماهيرِ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ أنَّ الإنسانَ إذا اعتقد دينَ الإسلامِ اعتِقادًا جازِمًا لا ترَدُّدَ فيه،
    كفاه ذلك، وهو مؤمِنٌ مِن المُوَحِّدينَ، ولا يجِبُ عليه تعَلُّمُ أدِلَّةِ المتكَلِّمينَ ومَعرفةُ الله تعالى بها، خِلافًا لمن أوجَبَ ذلك، وجعَلَه شَرْطًا في كونِه مِن أهلِ القِبلةِ، وزَعَم أنَّه لا يكونُ له حُكمُ المسلِمينَ إلَّا به، وهذا المذهَبُ هو قَولُ كثيرٍ مِن المعتَزِلةِ،
    وبَعضِ أصحابِنا المتكَلِّمينَ، وهو خَطَأٌ ظاهِرٌ؛ فإنَّ المرادَ التَّصديقُ الجازِمُ، وقد حَصَل، ولأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اكتفى بالتَّصديقِ بما جاء به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يشتَرِطِ المعرفةَ بالدَّليلِ؛ فقد تظاهَرَت بهذا أحاديثُ في الصَّحيحينِ يحصُلُ بمَجموعِها التَّواتُرُ بأصلِها، والعِلْمُ القَطْعيُّ
    ) .

    وقال ابنُ أبي جمرةَ في شَرْحِه لحديثِ وَفدِ عبدِ القيسِ: ((شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ...  ))  : (فيه دليلٌ لِمن يقولُ بأنَّ أوَّلَ الواجباتِ الإيمانُ قبل النَّظَرِ والاستدلالِ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ لَمَّا أن ذَكَر لهم الإيمانَ لم يذكُرْ بعده نظرًا ولا استِدلالًا) .
    أمَّا الالتِزامُ ببقيَّةِ الفُروضِ والواجِباتِ فإنَّه يأتي بعد تحقيقِ هذا الأصلِ.

    ففي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ)) النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه إلى اليَمَنِ،  فقال: ادْعُهم إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهم أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهم أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهم تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهم وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهم)) .

    قال الخطَّابيُّ: (في هذا الحديثِ مِن العِلمِ أنَّه رَتَّب واجباتِ الشَّريعةِ؛ فقَدَّم كَلِمةَ التوحيدِ، ثم أتبَعَها فرائِضَ الصَّلاةِ لأوقاتِها) .

    وقال أبو الحارِثِ الصَّائغُ: (سألتُ أبا عبدِ اللهِ أحمدَ بنَ محمَّدِ بنِ حَنبلٍ، قُلتُ: إذا قال الرَّجُلُ: لا إلهَ إلا اللهُ، فهو مؤمِنٌ؟ قال: كذا كان بدءُ الإيمانِ، ثمَّ نزلت الفرائِضُ: الصَّلاةُ، والزكاةُ، وصومُ رمضانَ، وحَجُّ البيتِ) .

    وقال العَينيُّ: (قال شيخُنا زينُ الدين رحمه الله:... لَمَّا كان إرسالُ مُعاذٍ إلى من يُقِرُّ بالإلهِ والنبُوَّاتِ، وهم أهلُ الكتابِ، أمَرَه بأوَّلِ ما يدعوهم إلى توحيدِ الإلهِ والإقرارِ بنبُوَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّهم وإن كانوا يعترفون بإلهيَّةِ اللهِ تعالى، ولكِنْ يجعلون له شَريكًا؛ لدعوةِ النَّصارى أنَّ المسيحَ ابنُ اللهِ تعالى، ودعوةِ اليهودِ أنَّ عُزَيرًا ابنُ اللهِ -سبحانَه عمَّا يَصِفون- وأنَّ محمَّدًا ليس برَسولِ اللهِ أصلًا، أو أنَّه ليس برسولٍ إليهم، على اختلافِ آرائِهم في الضَّلالةِ؛ فكان هذا أوَّلَ واجبٍ يُدْعَونَ إليه) .

    قال ابنُ تَيميَّةَ: (كُلُّ مَن آمَنَ بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إيمانًا راسِخًا، فإنَّ إيمانَه متضَمِّنٌ لتَصديقِه فيما أخبَرَه، وطاعتِه فيما أمَرَه، وإنْ لم يعلَمْ ولم يقصِدْ أنواعَ الأخبارِ والأعمالِ، ثمَّ عِندَ العِلْمِ بالتَّفصيلِ إمَّا أن يصَدِّقَ ويُطيعَ، فيَصيرَ مِنَ الذين آمَنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ، أو يُخالِفَ ذلك، فيَصيرَ إمَّا مُنافِقًا، وإمَّا عاصِيًا فاسِقًا، أو غيرَ ذلك) .
    وقال أيضًا: (فعامَّةُ النَّاسِ إذا أسلَموا بعد كُفْرٍ، أو وُلِدوا على الإسلامِ، والتَزَموا شرائِعَه، وكانوا من أهلِ الطَّاعةِ للهِ ورَسولِه، فهم مُسلِمونَ، ومعهم إيمانٌ مُجمَلٌ، ولكِنْ دُخولُ حقيقةِ الإيمانِ إلى قُلوبِهم إنَّما يَحصُلُ شيئًا فشيئًا إن أعطاهم اللهُ ذلك) .

    وقال الخرشيُّ المالكيُّ: (لا يتقَرَّرُ الإسلامُ إلَّا بالنُّطقِ بالشَّهادَتينِ، والتزامِ أحكامِهما) .

    وقال ابنُ باز: (الشَّهادتانِ هما أصلُ الدِّينِ، وهما أساسُ المِلَّةِ؛ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، ومتى صَدَق فيهما العَبدُ وأدَّى حَقَّهما، فإنَّه يؤدِّي ما أوجَبَ اللهُ مِن الأقوالِ والأعمالِ، وينتهي عمَّا حَرَّم اللهُ مِن القَولِ والعَمَلِ، ويَقِفُ عندَ حُدودِ اللهِ، ومتى فَرَّط في شيءٍ مِن ذلك صار نَقصًا في إيمانِه وتوحيدِه، وضَعفًا في إيمانِه وتوحيدِه) .

    وقال ابنُ عثيمين: (أركانُ الإسلامِ: أُسُسُه التي ينبني عليها، وهي خَمسةٌ مذكورةٌ فيما رواه ابنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسةٍ: على أن يوحَّدَ اللهُ -وفي روايٍة: على خمسٍ-: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصِيامِ رَمَضانَ، والحَجِّ)، فقال رجلٌ: الحَجِّ، وصِيامِ رَمَضانَ، قال: (لا، صيامِ رَمضانَ، والحَجِّ)، هكذا سمعتُه مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
    1- أمَّا شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، فهي: الاعتِقادُ الجازِمُ المعَبَّرُ عنه باللِّسانِ بهذه الشَّهادةِ، كأنَّه بجَزْمِه في ذلك مشاهِدٌ له، وإنَّما جُعِلَت هذه الشَّهادةُ رُكنًا واحِدًا مع تعَدُّدِ المشهودِ به:
    إمَّا: لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُبَلِّغٌ عن اللهِ تعالى، فالشَّهادةُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالعُبوديَّةِ والرِّسالةِ مِن تمامِ شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ.
    وإمَّا: لأنَّ هاتينِ الشَّهادتينِ أساسُ صِحَّةِ الأعمالِ وقَبولِها؛ إذْ لا صِحَّةَ لعَمَلٍ ولا قَبولَ إلَّا بالإخلاصِ للهِ تعالى، والمتابعةِ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبالإخلاصِ لله تتحَقَّقُ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وبالمتابعةِ لرَسولِ اللهِ تتحَقَّقُ شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه.
    ومِن ثَمَراتِ هذه الشَّهادةِ العَظيمةِ: تحريرُ القَلبِ والنَّفسِ مِنَ الرِّقِّ للمخلوقينَ، ومِن الاتِّباعِ لغيرِ المرسَلينَ) .

    : معنى شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ.

    قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] .
    وقال اللهُ سُبحانَه: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65] .
    وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163] .

    قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: لا معبودَ بحَقٍّ تجوزُ عِبادتُه، وتَصلُحُ الألوهةُ له إلَّا اللهُ الذي هذه الصِّفاتُ صِفاتُه، فادعُوه -أيُّها النَّاسُ- مُخلِصينَ له الدِّينَ، مخلِصينَ له الطَّاعةَ، مُفرِدينَ له الأُلوهةَ، لا تُشرِكوا في عِبادتِه شَيئًا سِواه؛ مِن وَثَنٍ وصَنَمٍ، ولا تجعَلوا له نِدًّا ولا عِدْلًا) .
    وقال ابنُ جريرٍ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] : (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فاعلَمْ -يا محمَّدُ- أنَّه لا معبودَ تنبغي أو تَصلُحُ له الألوهةُ، ويجوزُ لك وللخَلْقِ عِبادتُه، إلَّا اللهُ الذي هو خالِقُ الخَلقِ، ومالِكُ كُلِّ شَيءٍ، يَدينُ له بالرُّبوبيَّةِ كُلُّ ما دُونَه) .

    وقال البقاعي في تفسيرِ قَولِه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] : (أي: انتفى انتِفاءً عَظيمًا أن يكونَ مَعبودٌ بحَقٍّ غيرُ المَلِكِ الأعظَمِ؛ فإنَّ هذا العِلْمَ هو أعظَمُ الذِّكرى المُنجِيةِ مِن أهوالِ السَّاعةِ، وإنَّما يكونُ عِلْمًا إذا كان نافِعًا، وإنَّما يكونُ نافِعًا إذا كان مع الإذعانِ والعَمَلِ بما يَقتَضيه، وإلَّا فهو جَهلٌ صِرفٌ) .

    قال ابنُ هُبَيرة: (فإذا قُلتَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد اشتمل نُطقُك هذا على أنَّ ما سِوى اللهِ ليس بإلهٍ، فيلزَمُك إفرادُه سُبحانَه بذلك وَحْدَه... وجملةُ الفائدةِ في ذلك، أن تعلَمَ أنَّ هذه الكَلِمةَ هي مُشتَمِلةٌ على الكُفرِ بالطَّاغوتِ، والإيمانِ باللهِ؛ فإنَّك لَمَّا نَفَيتَ الإلهيَّةَ وأثبَتَّ الإيجابَ لله سُبحانَه، كُنتَ ممَّن كَفَر بالطَّاغوتِ وآمنَ باللهِ) .

    وقال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (كَلِمةُ التَّوحيدِ تدُلُّ على التَّكليفِ بالواجِبِ والحرامِ؛ إذ معناه: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ، والعِبادةُ هي الطَّاعةُ مع غايةِ الذُّلِّ والخُضوعِ) .
    وقال القرافيُّ في صِفةِ الأذانِ وشَهادةِ التوحيدِ: (الإلهُ المعبودُ، وليس المرادُ نَفيَ المعبودِ كيف كان؛ لوجودِ المعبودينَ في الوُجودِ، كالأصنامِ والكواكِبِ، بل ثَمَّ صِفةٌ مُضمَرةٌ تقديرُها: لا معبودَ مُستحِقٌّ للعبادةِ إلَّا اللهُ، ومن لم يُضمِرْ هذه الصِّفةَ لَزِمَه أن يكونَ تَشهُّدُه كَذِبًا) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوحيدُ الذي بعَثَ اللهُ به رُسُلَه هو عِبادةُ اللهِ وَحْدَه لا شَريكَ له، وهو معنى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وذلك يتضَمَّنُ التَّوحيدَ بالقَولِ والاعتقادِ، وبالإرادةِ والقَصْدِ) .

    وقال الزَّركشيُّ: (قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أي: على هذه الصِّيغةِ الخاصَّةِ الجامِعةِ بين النَّفيِ والإثباتِ؛ ليدُلُّ على حَصْرِ الإلهيَّةِ لله تعالى، فإنَّ الجَمعَ بين النَّفيِ والإثباتِ أبلَغُ صِيَغِ الحَصرِ، وقد ثبت العِلمُ الضَّروريُّ بالاكتفاءِ بهذه الكَلِمةِ الشَّريفةِ في إثباتِ التوحيدِ لله تعالى، من غيرِ نَظَرٍ إلى واسِطةٍ بين النَّفيِ والإثباتِ، ولا انضِمامِ لَفظٍ آخَرَ إليه) .

    وقال ابنُ رجبٍ: (قَولُ العَبدِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ يقتضي أنْ لا إلهَ له غيرُ اللهِ، والإلهُ هو الذي يُطاعُ فلا يُعصى؛ هيبةً له وإجلالًا، ومَحَبَّةً وخَوفًا ورَجاءً، وتوكُّلًا عليه، وسُؤالًا منه، ودُعاءً له، ولا يَصلُحُ ذلك كُلُّه إلَّا لله عزَّ وجَلَّ، فمَن أشرَكَ مخلوقًا في شَيءٍ مِن هذه الأمورِ التي هي مِن خَصائِصِ الإلَهيَّةِ كان ذلك قَدْحًا في إخلاصِه في قَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ونَقْصًا في توحيدِه، وكان فيه مِن عُبوديَّةِ المخلوقِ بحَسَبِ ما فيه مِن ذلك، وهذا كُلُّه مِن فُروعِ الشِّرْكِ) .

    وقال السيوطيُّ -في معنى قَولِه تعالى-: (اللَّهُ لَا إِلَهَ أي: لا معبودَ بحَقٍّ في الوجودِ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الدَّائِمُ بِالْبَقَاءِ) .

    وقال ابن حجر الهيتمي في شَرحِ كلامِ النووي: («وأشهَدُ»، أي: أعلَمُ وأبيِّنُ، «أنْ لا إلهَ» لا معبودَ بحَقٍّ في الوجودِ «إلَّا اللهُ الواحِدُ») .

    وقال البهوتي في شَرحِ كلامِ الحجاوي: («وأشهَدُ»، أي: أعلَمُ «أنْ لا إلهَ»، أي: معبودَ بحَقٍّ في الوجودِ «إلَّا اللهُ وَحْدَه») .

    وقال الصَّنعانيُّ: (رأسُ العِبادةِ وأساسُها التَّوحيدُ لله الذي تُفيدُه كَلِمتُه التي إليها دَعَت جميعُ الرُّسُلِ، وهي قَولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، والمرادُ اعتِقادُ معناها والعَمَلُ بمُقتَضاها، لا مجَرَّدُ قَولِها باللِّسانِ.
    ومعناها: إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ والإلَهيَّةِ، والنَّفيُ والبراءةُ مِن كُلِّ مَعبودٍ دُونَه، وقد عَلِمَ الكُفَّارُ هذا المعنى؛ لأنَّهم أهُل اللِّسانِ العَربيِّ، فقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] ) .

    وقال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (معناها: لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ وَحْدَه، و (لا إلهَ) نافيًا جميعَ ما يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ، (إلَّا اللهُ) مُثبِتًا العِبادةَ للهِ وَحْدَه لا شَريكَ له في عبادتِه، كما أنَّه ليس له شَريكٌ في مُلْكِه،
    وتفسيرُها الذي يوضِّحُها قَولُه تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: 26 - 28] ،
    وقولُه تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64] ) .

    وقال محمَّدُ بنُ علي بن غريب: (أهلُ القِبلةِ هم أهلُ الإسلامِ، وهو الاستسلامُ والانقيادُ لله وَحْدَه، وتَرْكُ جميعِ الآلهةِ سِواه، وهذا هو تحقيقُ معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وإخلاصُها له، فمن استسلم وانقاد لله ولغيرِه في معناها، فهو مُشرِكٌ، واللهُ لا يغفِرُ أن يُشرَكَ به؛ فلَفظُ الإسلامِ يتضَمَّنُ الاستسلامَ والانقيادَ، ويتضَمَّنُ الإخلاصَ) .

    وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (معنى "لا إلهَ إلَّا اللهُ"، أي: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا إلهٌ واحدٌ، وهو اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ،
    مع قَولِه تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، فصَحَّ أنَّ معنى الإلهِ هو المعبودُ؛
    ولهذا لَمَّا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكُفَّارِ قُرَيشٍ: ((قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] ،
    وقال قومُ هود: أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [الأعراف: 70] ،
    وهو إنَّما دعاهم إلى لا إلهَ إلَّا اللهُ، فهذا هو معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهو عبادةُ اللهِ وتَرْكُ عبادةِ ما سِواه، وهو الكُفرُ بالطَّاغوتِ، وإيمانٌ باللهِ؛ فتضَمَّنَت هذه الكَلِمةُ العظيمةُ أنَّ ما سوى اللهِ ليس بإلهٍ، وأنَّ إلهيَّةَ ما سِواه أبطَلُ الباطِلِ، وإثباتَها أظلَمُ الظُّلمِ، فلا يستحِقُّ العبادةَ سِواه، كما لا تصلُحُ الإلهيَّةُ لغيرِه) .

    وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ: (فدَلَّت لا إلهَ إلَّا اللهُ على نَفيِ الإلَهيَّةِ عن كُلِّ ما سِوى اللهِ تعالى كائِنًا ما كان، وإثباتِ الإلَهيَّةِ لله وَحْدَه دونَ كُلِّ ما سِواه، وهذا هو التَّوحيدُ الذي دعت إليه الرُّسُلُ، ودَلَّ عليه القُرْآنُ مِن أوَّلِه إلى آخِرِه،
    كما قال تعالى عن الجِنِّ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: 1، 2]،
    فلا إلهَ إلَّا اللهُ لا تنفَعُ إلَّا مَن عَرَف مَدلولَها نفيًا وإثباتًا، واعتَقَد ذلك وقَبِلَه وعَمِلَ به، وأمَّا مَن قالها مِن غيرِ عِلمٍ واعتِقادٍ وعَمَلٍ، فقد تقَدَّمَ في كلامِ العُلَماءِ أنَّ هذا جَهلٌ صِرفٌ، فهي حُجَّةٌ عليه بلا رَيبٍ) .

    وقال المعصومي الخُجَندي: (معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ: لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ؛ لأنَّ الإلهَ هو المعبودُ المطاعُ، فإنَّ الإلهَ هو المألوهُ الذي يستحِقُّ أن يُعبَدَ، وكونُه يستحِقُّ هو بما اتَّصَف من الصِّفاتِ التي تستلزِمُ أن يكونَ هو المحبوبَ غايةَ الحُبِّ، المخضوعَ له غايةَ الخضوعِ، والإلهُ هو المحبوبُ الذي تألهُه القلوبُ بحُبِّها، وتخضَعُ له وتذِلُّ له وتخافُه وترجوه، وتنيبُ إليه في شدائِدِها، وتدعوه في مُهِمَّاتِها، وتتوكَّلُ عليه في مصالحِها، وتلجَأُ إليه، وتطمَئِنُّ بذِكْرِه، وتسكُنُ إلى حُبِّه، وليس ذلك إلَّا لله وَحْدَه) .

    وقال ابنُ باز: (معنى الشَّهادة أن يَشهَدَ بلِسانِه وبقَلْبِه أنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، يَشهَدُ بلِسانِه ويُؤمِنُ بقَلْبِه أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ،
    يعني: لا مَعبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، وأنَّ ما عَبَده النَّاسُ مِن دونِ اللهِ مِن أصنامٍ أو أمواتٍ أو أشجارٍ أو أحجارٍ أو ملائكةٍ أو غيرِهم: كُلُّه باطِلٌ، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج: 62] .
    هذا معنى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ أن تَشهَدَ عن عِلمٍ ويَقينٍ وصِدقٍ أنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، وأنَّ ما عَبَده النَّاسُ مِن دونِ اللهِ كُلُّه باطِلٌ) .

    وقال ابنُ عثيمين: (معنى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ أن يَعتَرِفَ الإنسانُ بلِسانِه وقَلْبِه بأنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ عزَّ وجَلَّ، فكُلُّ ما عُبِدَ مِن دونِ اللهِ فهو باطِلٌ؛
    قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج: 62] ) .

    فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ

    مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ:

    : أنَّها أعظَمُ نِعمةٍ أنعَمَ اللهُ عزَّ وجَلَّ بها على عِبادِه :


    قال اللهُ تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [النحل: 2] ،
    فقَدَّمها اللهُ في سورةِ النَّحلِ -التي تسمَّى سورةَ النِّعَمِ  - على كُلِّ نِعمةٍ أخرى.

    قال السَّمرقنديُّ: (قال تعالى: أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ أي: خَوِّفوا بالقُرْآنِ الكُفَّارَ، وأَعلِموهم أنَّه لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ يعني: أنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له، فوَحِّدوه وأطيعوه) .

    وقال الرَّازيُّ: (يُنَزِّلُ الملائِكةَ على من يَشاءُ مِن عَبيدِه، ويأمُرُ ذلك العَبدَ بأن يُبَلِّغَ إلى سائِرِ الخَلقِ أنَّ إلهَ العالَمِ واحِدٌ، كَلَّفَهم بمعرفةِ التَّوحيدِ والعِبادةِ، وبَيَّن أنَّهم إن فَعَلوا ذلك فازوا بخيرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ، وإنْ تمَرَّدوا وقَعوا في شَرِّ الدُّنيا والآخِرةِ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوحيدُ الذي هو إخلاصُ الدِّينِ للهِ: أصلُ كُلِّ خَيرٍ مِن عِلمٍ نافِعٍ وعَمَلٍ صالحٍ) .

    وقال الطِّيبيُّ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف: 110]  أي: الوَحيُ مَقصورٌ على استِئثارِ اللهِ تعالى بالوَحْدانيَّةِ؛ لأنَّ المقصودَ الأعظَمَ مِنَ الوَحيِ هو التَّوحيدُ، وسائِرُ التَّكاليفِ متفَرِّعٌ عليه، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] ) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (صَلاحُ العالَمِ في أن يكونَ اللهُ وَحْدَه هو المعبودَ، وفَسادُه وهَلاكُه في أن يُعبَدَ معه غَيرُه) .

    وقال السَّعديُّ: (زُبدةُ دَعوةِ الرُّسُلِ كُلِّهم ومَدارُها على قَولِه: أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ أي: على مَعرفةِ اللهِ تعالى، وتوَحُّدِه في صِفاتِ العَظَمةِ التي هي صِفاتُ الأُلوهيَّةِ، وعبادتِه وَحْدَه لا شَريكَ له؛ فهي التي أنزَلَ اللهُ بها كُتُبَه، وأرسَلَ رُسُلَه، وجعَلَ الشَّرائِعَ كُلَّها تدعو إليها، وتحثُّ وتجاهِدُ مَن حارَبَها وقام بضِدِّها) .

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ:

    :  أنَّها أعلى شُعَبِ الإيمانِ :


    عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ -أو بِضعٌ وسِتُّونَ- شُعبةً، فأفضَلُها قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ  )) [594] أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35) واللَّفظُ له. .

    قال الطِّيبيُّ: (أفضَلُ الذِّكرِ: قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهي الكَلِمةُ العُليا، وهي القُطبُ الذي يدورُ عليها رحى الإسلامِ، وهي القاعِدةُ التي بُني عليها أركانُ الدِّينِ، وهي الشُّعْبةُ التي هي أعلى شُعَبِ الإيمانِ، بل هو الكُلُّ، وليس غَيرُه) .
    وقال الصَّنعانيُّ: (هذه الكَلِمةُ الشَّريفةُ هي التي أباح اللهُ الأرواحَ والأنفُسَ والأموالَ وصانها بها، وبَعَث رُسُلهَ أوَّلَهم وآخِرَهم بدُعاءِ الخَلْقِ إليها، كُلُّ رَسولٍ يَقولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] ، وهي أعلى شُعَبِ الإيمانِ) .

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ:

    : أنَّها العَهدُ الذي يتَّخِذُه المُوَحِّدُ عندَ اللهِ :


    قال اللهُ تعالى: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم: 87] .
    أي: ليس للكافرينَ مِن الشَّفاعةِ شَيءٌ يومَ القيامةِ، فلا يَشفَعونَ لأحَدٍ، ولا يستَحِقُّونَ أن يشفَعَ لهم أحدٌ، وأمَّا من كان مُؤمِنًا بالله موحِّدًا ومُطيعًا له؛ فإنَّه يشفعُ لِغَيرِه، وينتَفِعُ بشَفاعةِ غَيرِه له .
    عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما في قَولِه: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم: 87]  قال: (العَهدُ: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويتبَرَّأُ إلى اللهِ مِنَ الحَولِ والقُوَّةِ، ولا يَرجو إلَّا اللهَ) .

    وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا يعني: لا يَشفَعونَ إلَّا لِمَن اتَّخَذ عندَ الرَّحمنِ عَهدًا، فالعَهدُ هو لا إلهَ إلَّا اللهُ. ويُقالُ: لا يَشفَعُ إلَّا من اتَّخَذ عِندَ الرَّحمنِ عَهدًا، يعني: لا يَشفَعُ إلَّا مُؤمِنٌ) .

    وقال ابنُ كثيرٍ في تَفسيرِ العَهدِ: (هو شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، والقيامُ بحَقِّها) .

    وقال الشِّنقيطيُّ: (أي: لا يَملِكُ مِن جميعِهم أحَدٌ الشَّفاعةَ إلَّا مَن اتَّخَذ عند الرَّحمنِ عَهدًا، وهم المؤمِنونَ، والعَهدُ: العَمَلُ الصَّالِحُ، والقَولُ بأنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، وغَيرُه مِن الأقوالِ يَدخُلُ في ذلك، أي: إلَّا المؤمِنونَ فإنَّهم يَشفَعُ بعضُهم في بعضٍ، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه: 109] ،
    وقد بَيَّن تعالى في مواضِعَ أُخَرَ: أنَّ المعبوداتِ التي يَعبُدونَها مِن دونِ اللهِ لا تَملِكُ الشَّفاعةَ، وأنَّ مَن شَهِدَ بالحَقِّ يَملِكُها بإذنِ اللهِ له في ذلك، وهو قَولُه تعالى: وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86] ، أي: لكِنْ مَن شَهِدَ بالحَقِّ يَشفَعُ بإذنِ اللهِ له في ذلك) .

    وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، مَن أسعَدُ النَّاسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ؟ فقال: ((لقد ظَنَنتُ يا أبا هُرَيرةَ ألَّا يَسألَني عن هذا الحديثِ أحَدٌ أوَّلَ مِنك؛ لِما رأيتُ مِن حِرْصِك على الحديثِ؛ أسعَدُ النَّاسِ بشَفاعتي يومَ القيامةِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، خالِصًا مِن قِبَلِ نَفْسِه )) .

    قال ابنُ بطال: (الشَّفاعةُ إنَّما تكونُ في أهلِ الإخلاصِ خاصَّةً، وهم أهلُ التصديقِ بوحدانيَّةِ اللهِ، ورُسُلِه؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (خالصًا من قَلْبِه أو نَفْسِه)) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (في قَولِه في حديثِ أبي هُرَيرةَ: ((أسعَدُ النَّاسِ بشَفاعتي مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) سِرٌّ من أسرارِ التَّوحيدِ، وهو أنَّ الشَّفاعةَ إنَّما تُنالُ بتجريدِ التَّوحيدِ، فمن كان أكمَلَ تَوحيدًا كان أَحرى بالشَّفاعةِ) .

    وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لكُلِّ نَبيٍّ دَعوةٌ مُستجابةٌ، فتعَجَّلَ كُلُّ نَبيٍّ دَعوتَه، وإني اختبَأْتُ دَعوتي شفاعةً لأُمَّتي يومَ القيامةِ، فهي نائِلةٌ -إن شاء اللهُ- من مات من أمَّتي لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا  )) .

    قال ابنُ تَيميَّةَ: (ما يحصُلُ للعَبدِ بالتَّوحيدِ والإخلاصِ مِن شفاعةِ الرَّسولِ وغَيرِها لا يَحصُلُ بغَيرِه مِنَ الأعمالِ وإن كان صالِحًا، كسُؤالِه الوَسيلةَ للرَّسولِ، فكيف بما لم يأمُرْ به من الأعمالِ، بل نهى عنه؟ فذاك لا يَنالُ به خيرًا لا في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ،
    مِثلُ: غُلُوِّ النَّصارى في المسيحِ عليه السَّلامُ؛ فإنَّه يَضُرُّهم ولا ينفَعُهم، ونظيرُ هذا ما في الصَّحيحَينِ عنه
    صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ لكُلِّ نَبيٍّ دَعوةً مُستجابةً، وإنِّي اختَبَأْتُ دَعوتي شفاعةً لأمَّتي يومَ القيامةِ، فهي نائِلةٌ -إن شاء اللهُ- من مات لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا)). وكذلك في أحاديثِ الشَّفاعةِ كُلِّها إنَّما يَشفَعُ في أهلِ التَّوحيدِ، فبحَسَبِ توحيدِ العبدِ للهِ وإخلاصِه دينَه لله يَستَحِقُّ كرامةَ الشَّفاعةِ وغَيرِها. وهو سُبحانَه عَلَّق الوَعدَ والوَعيدَ والثَّوابَ والعِقابَ والحَمدَ والذَّمَّ بالإيمانِ به وتوحيدِه وطاعتِه؛ فمن كان أكمَلَ في ذلك كان أحَقَّ بتولِّي اللهِ له بخَيرِ الدُّنيا والآخِرةِ)

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : أنَّها القَولُ الثَّابتُ :


    قال اللهُ تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم: 27] .
    أي: يثبِّتُ اللهُ المُؤمِنينَ بهذا القَولِ الصَّادقِ الحَقِّ، الذي ثبَتَ في قُلوبِهم، وتمكَّنَ فيها، واطمأنَّتْ إليه نفوسُهم (وهو شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ) يُثَبِّتُهم في حياتِهم الدُّنيا على إيمانِهم باللهِ تعالى، وبرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُسلِّمُهم من الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ، ويُثَبِّتُهم أيضًا في قُبورِهم عندَ سؤالِ الملكَينِ .

    عن طاوس في قَولِه تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قال: (لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَفِي الْآخِرَةِ المَسْألة في القَبرِ) .

    وقال السَّمرقنديُّ: (قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ بلا إلهَ إلَّا اللهُ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني: يثبِّتُهم على ذلك القَولِ عندَ النَّزعِ، وَفِي الْآخِرَةِ يعني: في القَبرِ) .

    وقال البَغَوي: (قَولُه تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ كَلِمةِ التَّوحيدِ، وهي قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني: قَبلَ الموتِ، وَفِي الْآخِرَةِ يعني: في القَبرِ، هذا قَولُ أكثَرِ المفَسِّرينَ) .

    وعن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُسلِمُ إذا سُئِلَ في القبرِ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، فذلك قولُه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)) .

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : أنَّها الكَلِمةُ الطَّيِّبةُ :


    قال اللهُ تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25] .
    أي: ألم تَرَ -يا محمَّدُ- كيف مثَّلَ اللهُ مَثَلًا، وشبَّه شَبَهًا كَلِمةً طَيِّبةً -وهي كَلِمةُ التَّوحيدِ: شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ- كشَجَرةٍ طَيِّبةِ الثَّمرةِ -كالنَّخلةِ- وجُذورُها ثابِتةٌ في الأرضِ، وأغصانها مرتَفِعةٌ نحوَ السَّماءِ،
    فكذلك كَلِمةُ التَّوحيد؛ أصلُها ثابِتٌ وراسِخٌ في قلبِ المؤمِنِ، وفرُوعُها مِن الأعمالِ الصَّالحةِ صاعِدةٌ إلى السَّماءِ، مَرفوعةٌ إلى الرَّبِّ سُبحانَه، تُخرِجُ هذه الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ ثَمَرَها كامِلًا كثيرًا طَيِّبًا في كلِّ وقتٍ وساعةٍ مِن ليلٍ ونهارٍ، وصيفٍ وشِتاءٍ، بمَشيئةِ خالِقِها وأمْرِه وتيسيرِه، وكذلك كَلِمةُ التَّوحيد؛ لا تزالُ تُثمِرُ الأعمالَ الصَّالحةَ للمُؤمِنِ في كُلِّ وَقتٍ، ولا يزالُ يُرفَعُ له عمَلٌ صالِحٌ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، في كلِّ حينٍ .
    وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (كَلِمَةً طَيِّبَةً شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهو المؤمِنُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ ثابِتٌ في قَلبِ المؤمِنِ، وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ يقول: يُرفَعُ بها عَمَلُ المؤمِنِ إلى السَّماءِ) .

    وقال السَّمعانيُّ: (أجمع المفَسِّرون على أنَّ الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ هاهنا: لا إلهَ إلَّا اللهُ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الكَلِمةُ: أصلُ العقيدةِ، فإنَّ الاعتقادَ هو الكَلِمةُ التي يعتَقِدُها المرْءُ، وأطيَبُ الكَلامِ والعقائِدِ: كَلِمةُ التَّوحيدِ، واعتِقادُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ) .
    وقال أيضًا: (هي كَلِمة التَّوحيدِ، والشَّجَرةُ كُلَّما قَوِيَ أصلُها وعَرُق ورَوِيَ، قَوِيَت فُروعُها، وفُروعُها أيضًا إذا اغتَذَت بالمطَرِ والرِّيحِ، أثَّر ذلك في أصلِها) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (شَبَّه سُبحانَه وتعالى الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ بالشَّجَرةِ الطَّيِّبةِ؛ لأنَّ الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ تُثمِرُ العَمَلَ الصَّالِحَ، والشَّجرةُ الطَّيِّبةُ تُثمِرُ الثَّمَرَ النَّافِعَ. وهذا ظاهِرٌ على قَولِ جُمهورِ المُفَسِّرين الذين يقولونَ: الكَلِمةُ الطَّيِّبةُ هي شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فإنَّها تُثمِرُ جَميعَ الأعمالِ الصَّالحةِ الظَّاهرةِ والباطِنةِ، فكُلُّ عَمَلٍ صالحٍ مَرْضِيٍّ لله ثَمَرةُ هذه الكَلِمةِ) .

    وقال السَّعديُّ: (يَقولُ تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً وهي شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وفُروعُها كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهي النَّخلةُ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ في الأرضِ، وَفَرْعُهَا مُنتَشِرٌ فِي السَّمَاءِ، وهي كثيرةُ النَّفعِ دائِمًا) .
    ---------------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
    : أنَّها سَبَبٌ للنَّجاةِ مِنَ النَّارِ :

    -
    تابعونا جزاكم الله خيرا

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ : : أنَّها سَبَبٌ للنَّجاةِ مِنَ النَّارِ :

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 8:48 am

    يتبع ما قبله : -

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : أنَّها سَبَبٌ للنَّجاةِ مِنَ النَّارِ :


    عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمِعَ مُؤَذِّنًا يَقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خرَجْتَ مِنَ النَّارِ )) .
    وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، حرَّم اللهُ عليه النَّارَ )) .
    وعن عِتْبانَ بنِ مالِكٍ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فإنَّ اللهَ قد حرَّم على النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) .
    وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ رديفُه على الرَّحلِ، قال: ((يا مُعاذُ))، قال: لبَّيك رَسولَ اللهِ وسَعْدَيك، قال: ((يا مُعاذُ))، قال: لبَّيك رَسولَ اللهِ وسَعْدَيك، قال: ((يا مُعاذُ))، قال: لبَّيك رَسولَ اللهِ وسَعْدَيك، قال: ((ما مِن عَبدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، إلَّا حَرَّمه اللهُ على النَّارِ ))، قال: يا رسولَ اللهِ، أفلا أخبِرُ بها فيَستَبشِروا؟! قال: ((إذًا يتَّكِلوا))، فأخبَرَ بها معاذٌ عند مَوتِه؛ تأثُّمًا .
    قال ابنُ الجوزي: (فإن قيل: كيف الجَمعُ بيْن قَولِه: ((إنَّ اللهَ حَرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) وبيْن تعذيبِ المُوَحِّدينَ؟ فالجوابُ: أنَّه ذكر في هذا الحديثِ الذي نحن فيه عن الزُّهْريِّ أنَّه قال: نَزَلت بعد ذلك فرائِضُ نرى أنَّ الأمرَ انتهى إليها، وهو جوابٌ لا يَشْفي؛ لأنَّ الصَّلواتِ الخَمسَ فُرِضَت بمكَّةَ قَبلَ هذه القِصَّةِ بمُدَّةٍ، وظاهِرُ الحَديثِ أنَّ مُجَرَّدَ القَولِ يَدفَعُ عذابَ النَّارِ ولو تَرَك الصَّلاةَ،...
    وقد ذكَرْنا عن هذا جوابَينِ: أحَدُهما: أنَّ مَن قالَها مُخلِصًا فإنَّه لا يَترُكُ العَمَلَ بالفرائِضِ؛ إذ إخلاصُ القَولِ حامِلٌ على أداءِ اللَّازِمِ. والثَّاني: أنَّه يَحرُمُ على النَّارِ خُلودُه فيها) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الإخلاصُ ينفي أسبابَ دُخولِ النَّارِ؛ فمَن دَخَل النَّارَ مِن القائِلينَ لا إلهَ إلَّا اللهُ، لم يحقِّقْ إخلاصَها المحَرِّمَ له على النَّارِ، بل كان في قَلْبِه نوعٌ مِنَ الشِّرْكِ الذي أوقَعَه فيما أدخَلَه النَّارَ، والشِّرْكُ في هذه الأمَّةِ أخفى من دَبيبِ النَّمْلِ؛ ولهذا كان العَبدُ مَأمورًا في كُلِّ صَلاةٍ أن يقولَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] . والشَّيطانُ يأمُرُ بالشِّرْكِ، والنَّفسُ تُطيعُه في ذلك، فلا تَزالُ النَّفسُ تَلتَفِتُ إلى غيرِ اللهِ؛ إمَّا خوفًا منه، وإمَّا رجاءً له، فلا يزالُ العَبدُ مُفتَقِرًا إلى تخليصِ تَوحيدِه مِن شوائِبِ الشِّرْكِ) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (ليس التَّوحيدُ مُجَرَّدَ إقرارِ العَبدِ بأنَّه لا خالِقَ إلَّا اللهُ، وأنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ ومَليكُه، كما كان عُبَّادُ الأصنامِ مُقِرِّينَ بذلك، وهم مُشْرِكون، بل التَّوحيدُ يتضَمَّنُ مِن مَحَبَّةِ اللهِ، والخُضوعِ له، والذُّلِّ له، وكَمالِ الانقيادِ لطاعتِه، وإخلاصِ العِبادةِ له، وإرادةِ وَجْهِه الأعلى بجَميعِ الأقوالِ والأعمالِ، والمَنْعِ والعَطاءِ، والحُبِّ والبُغضِ: ما يحولُ بَيْنَ صاحبِه وبَيْنَ الأسبابِ الدَّاعيةِ إلى المعاصي، والإصرارِ عليها، ومن عَرَف هذا عَرَف قَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ حَرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) ، وقَولَه: ((لا يَدخُلُ النَّارَ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) وما جاء من هذا الضَّربِ مِن الأحاديثِ التي أَشكَلَت على كثيرٍ مِنَ النَّاسِ، حتَّى ظَنَّها بَعضُهم منسوخةً، وظَنَّها بَعضُهم قيلت قبل وُرودِ الأوامِرِ والنَّواهي واستقرارِ الشَّرعِ، وحَمَلَها بَعضُهم على نارِ المُشْرِكينَ والكُفَّارِ، وأوَّلَ بَعضُهم الدُّخولَ بالخُلودِ، وقال: المعنى لا يَدخُلُها خالدًا، ونحوَ ذلك من التَّأويلاتِ المُستَكرَهةِ.
    والشَّارِعُ صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه لم يجعَلْ ذلك حاصِلًا بمجَرَّدِ قَولِ اللِّسانِ فقط؛ فإنَّ هذا خِلافُ المعلومِ بالاضطرارِ مِن دينِ الإسلامِ، فإنَّ المنافِقينَ يَقولونَها بألسِنَتِهم، وهم تحت الجاحِدينَ لها في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، فلا بُدَّ مِن قَولِ القَلبِ، وقَولِ اللِّسانِ. وقَولُ القَلبِ يتضَمَّنُ مِن مَعرفتِها، والتَّصديقِ بها، ومَعرفةِ حَقيقةِ ما تضَمَّنَتْه مِنَ النَّفيِ والإثباتِ، ومَعرفةِ حقيقةِ الإلَهيَّةِ المنفِيَّةِ عن غيرِ اللهِ، المختَصَّةِ به، التي يستحيلُ ثُبوتُها لغَيرِه، وقيامِ هذا المعنى بالقَلبِ عِلمًا ومَعرِفةً ويَقينًا وحالًا؛ ما يُوجِبُ تحريمَ قائِلِها على النَّارِ، وكُلُّ قَولٍ رَتَّب الشَّارِعُ ما رَتَّب عليه مِنَ الثَّوابِ، فإنَّما هو القَولُ التَّامُّ
    ) .

    وقال ابنُ رجب: (فأمَّا كَلِمةُ التوحيدِ فإنَّها تهدِمُ الذُّنوبَ وتمحوها محوًا، ولا تُبقي ذنبًا، ولا يسبِقُها عَمَلٌ، وهي تعدِلُ عِتْقَ الرِّقابِ الذي يوجِبُ العِتقَ مِنَ النَّارِ... ومن قالها خالصًا من قَلْبِه حَرَّمه اللهُ على النَّارِ) .

    وقال سُلَيمانُ بنُ عَبدِ اللهِ آل الشَّيخ: (اعلَمْ أنَّه قد وردت أحاديثُ ظاهِرُها أنَّه من أتى بالشَّهادتينِ حُرِّمَ على النَّارِ... وأحسَنُ ما قيل في معناه ما قاله شيخُ الإسلامِ وغَيرُه... وقد ذَكَر معناه غيرُه كابنِ القَيِّمِ، وابنِ رَجَبٍ، والمنذريِّ، والقاضي عِياض، وغَيرِهم. وحاصِلُه: أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ سَبَبٌ لدُخولِ الجنَّةِ، والنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، وُمقتَضٍ لذلك، ولكِنَّ المقتضي لا يَعمَلُ عَمَلَه إلَّا باستجماعِ شُروطِه، وانتِفاءِ مَوانِعِه، فقد يتخَلَّفُ عنه مقتضاه؛ لفواتِ شَرْطٍ مِن شُروطِه، أو لوُجودِ مانِعٍ) .

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : أنَّها سَبَبٌ لدُخولِ الجنَّةِ :


    عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ: لا يَلْقَى اللهَ بهما عَبدٌ غَيرَ شاكٍّ فيهما، إلَّا دخَلَ الجنَّةَ )) .
    وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، وأنَّ عيسى عبدُ اللهِ وابنُ أَمَتِه، وكَلِمَتُه ألقاها إلى مريمَ، ورُوحٌ منه، وأنَّ الجنَّةَ حَقٌّ، وأنَّ النَّارَ حَقٌّ؛ أدخَلَه اللهُ الجنَّةَ على ما كان مِن عَمَلٍ )) .
    وعن عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن مات وهو يَعلَمُ أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ دَخَل الجنَّةَ )) .

    قال عِياض: (كُلُّ من مات على الإيمانِ، وشَهِدَ مُخلِصًا من قَلْبِه بالشَّهادتينِ، فإنَّه يدخُلُ الجنَّةَ) .

    قال ابنُ رَجَبٍ: (قال طائِفةٌ مِنَ العُلَماءِ: إنَّ كَلِمةَ التَّوحيدِ سَبَبٌ مُقتَضٍ لدُخولِ الجنَّةِ، وللنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، لكِنْ له شُروطٌ، وهي الإتيانُ بالفرائِضِ، وموانِعُ، وهي إتيانُ الكبائِرِ. قال الحَسَنُ للفَرزدَقِ: إنَّ لِلَا إلهَ إلَّا اللهُ شُروطًا، فإيَّاكَ وقَذْفَ المُحصَنةِ.
    ورُوِيَ عنه أنَّه قال: هذا العمودُ، فأين الطُّنُبُ؟ يعني: أنَّ كَلِمةَ التَّوحيدِ عُمودُ الفُسطاطِ، ولكِنْ لا يَثبُتُ الفُسطاطُ بدُونِ أطنابِه،
    وهي فِعلُ الواجِباتِ، وتَرْكُ المحَرَّماتِ.


    وقيل للحَسَنِ: إنَّ ناسًا يقولون: من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، دَخَل الجنة، فقال: من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فأدَّى حَقَّها وفَرْضَها، دَخَل الجنَّةَ.

    وقيل لوهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ: أليس لا إلهَ إلَّا اللهُ مِفتاحُ الجنَّةِ؟ قال: بلى، ولكِنْ ما مِن مِفتاحٍ إلَّا وله أسنانٌ، فإنْ جِئتَ بمِفتاحٍ له أسنانٌ، فُتِحَ لك، وإلَّا لم يُفتَحْ لك... فتبيَّنَ بهذا أنَّه لا يَصِحُّ تحقيقُ معنى قَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ إلَّا لِمَن لم يكُنْ في قَلْبِه إصرارٌ على مَحَبَّةِ ما يَكرَهُه اللهُ، ولا على إرادةِ ما لا يُريدُه الله، ومتى كان في القَلبِ شَيءٌ مِن ذلك، كان ذلك نَقصًا في التَّوحيدِ، وهو نوعٌ مِن الشِّرْكِ الخَفِيِّ؛
    ولهذا قال مجاهِدٌ في قَولِه تعالى: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام: 151] قال: لا تُحِبُّوا غَيري) .

    وقال ابنُ رَجَبٍ أيضًا: (أحاديثُ هذا البابِ نوعانِ:
    - أحَدُهما: ما فيه أنَّ من أتى بالشَّهادتينِ دَخَل الجنَّةَ ولم يُحجَبْ عنها، وهذا ظاهِرٌ؛ فإنَّ النَّارَ لا يُخلَّدُ فيها أحدٌ مِن أهلِ التَّوحيدِ الخالِصِ، بل يدخُلُ الجنَّةَ ولا يُحجَبُ عنها إذا طَهُرَ مِن ذُنوبِه بالنَّارِ، وقد يعفو اللهُ عنه فيُدخِلُه الجنَّةَ بلا عِقابٍ...
    - الثَّاني: ما فيه أنَّه يَحرُمُ على النَّارِ، وهذا قد حَمَله بَعضُهم على الخُلودِ فيها، أو على ما يُخلَّدُ فيها أهلُها، وهي ما عدا الدَّركَ الأعلى، فإنَّ الدَّركَ الأعلى يدخُلُه خلقٌ كَثيرٌ مِن عُصاةِ المُوَحِّدينَ بذُنوبِهم، ثمَّ يَخرُجونَ بشَفاعةِ الشَّافِعينَ، وبرَحمةِ أرحَمِ الرَّاحِمينَ... وقالت طائفةٌ مِنَ العُلَماءِ: المرادُ مِن هذه الأحاديثِ أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ سبَبٌ لدُخولِ الجنَّةِ والنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، ومُقتَضٍ لذلك، ولكِنَّ المقتَضي لا يَعمَلُ عَمَلَه إلَّا باستِجماعِ شُروطِه، وانتِفاءِ موانِعِه، فقد يتخَلَّفُ عنه مُقتضاه؛ لفواتِ شَرْطٍ مِن شُروطِه، أو لوُجودِ مانعٍ، وهذا قَولُ الحسَنِ ووَهبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وهو الأظهَرُ) .

    وقال ابنُ رجَبٍ أيضًا: (هذه الكَلِمةُ إذا صدَقَت طَهَّرت القَلبَ مِن كُلِّ ما سوى اللهِ، ومتى بَقِيَ في القَلبِ أثَرٌ سوى اللهِ فمن قِلَّةِ الصِّدقِ في قَولِها؛ مَن صَدَق في قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ لم يُحِبَّ سِواه، ولم يَرْجُ سِواه، ولم يَخْشَ أحدًا إلَّا اللهَ، ولم يتوكَّلْ إلَّا على اللهِ، ولم يَبْقَ له بقيَّةٌ مِن آثارِ نَفْسِه وهَواه، ومع هذا فلا تظُنُّوا أنَّ المحِبَّ مطالَبٌ بالعِصمةِ، وإنَّما هو مطالَبٌ كُلَّما زَلَّ أن يتلافى تلك الوَصْمةَ) .

    قال ابنُ حَجَر: (قال النَّوويُّ بعد أن ذَكَر المتونَ في ذلك: "والاختِلافُ في هذا الحُكمِ مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ بأجمَعِهم أنَّ أهلَ الذُّنوبِ في المشيئةِ، وأنَّ من مات مُوقِنًا بالشَّهادتينِ يَدخُلُ الجنَّةَ، فإن كان تائِبًا أو سليمًا مِن المعاصي دخَلَ الجنَّةَ برَحمةِ اللهِ، وحُرِّم على النَّارِ،
    وإن كان من المخَلِّطينَ بتَضييعِ الأوامِرِ أو بَعْضِها، وارتكابِ النَّواهي أو بَعضِها، ومات عن غيرِ تَوبةٍ؛ فهو في خَطَرِ المشيئةِ،
    وهو بصَدَدِ أن يَمضي عليه الوعيدُ إلَّا أن يشاءَ اللهُ أنْ يعفوَ عنه، فإن شاء أن يُعَذِّبَه فمصيرُه إلى الجنَّةِ بالشَّفاعةِ" انتهى.
    وعلى هذا فتَقييدُ اللَّفظِ الأوَّلُ تقديرُه: وإن زنى وإن سرَقَ دخَلَ الجنَّةَ، لكِنَّه قبل ذلك إن مات مُصِرًّا على المعصيةِ، في مشيئةِ اللهِ، وتقديرُ الثَّاني: حَرَّمه اللهُ على النَّارِ إلَّا أن يشاءَ اللهُ، أو حَرَّمه على نارِ الخُلودِ. والله أعلمُ.

    قال الطِّيبي: قال بعضُ المحَقِّقين: قد يَتِّخِذُ من أمثالِ هذه الأحاديثِ المُبطِلةُ ذريعةً إلى طَرحِ التكاليفِ، وإبطالِ العَمَلِ؛ ظَنًّا أنَّ تَرْكَ الشِّرْكِ كافٍ، وهذا يستلزِمُ طَيَّ بِساطِ الشَّريعةِ، وإبطالَ الحُدودِ،
    وأنَّ الترغيَب في الطَّاعةِ والتَّحذيرَ عن المعصيةِ لا تأثيرَ له، بل يقتضي الانِخلاعَ عن الدِّينِ، والانحِلالَ عن قَيدِ الشَّريعةِ،
    والخُروجَ عن الضَّبطِ، والوُلوجَ في الخَبطِ، وتَرْكَ النَّاسِ سُدًى مُهمَلِينَ، وذلك يُفضي إلى خرابِ الدُّنيا بعد أن يُفضيَ إلى خرابِ الأُخرى، مع أنَّ قَولَه في بعضِ طُرُقِ الحديثِ: ((أن يَعبُدوه)) يتضَمَّنُ جميعَ أنواعِ التَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ، وقَولَه: ((وَلَا يُشْرِكُوا به شيئًا)) يشمَلُ مُسَمَّى الشِّرْكِ الجَلِيِّ والخَفيِّ،
    فلا راحةَ للتمَسُّكِ به في تَرْكِ العَمَلِ؛ لأنَّ الأحاديثَ إذا ثبَتَت وَجَب ضَمُّ بَعضِها إلى بَعضٍ؛ فإنَّها في حُكمِ الحديثِ الواحِدِ؛ فيُحمَلُ مُطلَقُها على مُقَيَّدِها؛ ليحصُلَ العمَلُ بجميعِ ما في مَضمونِه، وباللهِ التَّوفيقُ) .

    وقال أبو الحسَنِ السِّندي: (مَن أعطاه اللهُ تعالى هذه الكَلِماتِ لا إلهَ إلَّا اللهُ عند الموتِ ووفَّقَه لها، لم تمسَّه النَّارُ، بل يدخُلُ الجنَّةَ ابتداءً مع الأبرارِ) .

    وقال ابنُ باز: (قد دَلَّت الأدِلَّةُ الشَّرْعيَّةُ من الكِتابِ والسُّنَّةِ على أنَّ مَن أتى بالتَّوحيدِ ومات عليه، دخَلَ الجنَّةَ ...
    والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ تَدُلُّ على أنَّ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ صادِقًا مُوَحِّدًا، يتضَمَّنُ كَلامُه براءتَه مِنَ الشِّرْكِ، وإيمانَه بأنَّ اللهَ مُستَحِقٌّ العِبادةَ، فإنَّه يدخُلُ الجنَّةَ، ويكونُ من المُسلِمينَ، مع الإيمانِ بشَهادةِ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، والإيمانِ بكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ به ورَسولُه مِمَّا بَلَغَه ذلك الوقت، ثمَّ يُطالَبُ بَعْدَ ذلك بشَرائعِ الإسلامِ) .

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : أنَّها أفضَلُ ما ذُكِرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ به، وأثقَلُ شَيءٍ في مِيزانِ العَبدِ يَومَ القِيامةِ :


    عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَحْدَه لا شَريكَ له، له المُلْكُ وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، في يومٍ مائِةَ مَرَّةٍ، كانت له عَدْلَ عَشرِ رِقابٍ، وكُتِبَت له مائةُ حَسَنةٍ، ومُحِيَت عنه مائةُ سَيِّئةٍ، وكانت له حِرزًا مِنَ الشَّيطانِ يَومَه ذلك حتَّى يمسِيَ، ولم يأتِ أحَدٌ بأفضَلَ مِمَّا جاء به إلَّا أحَدٌ عَمِلَ أكثَرَ مِن ذلك )) .

    وعن أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَمِنَ الحَسَناتِ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟ قال: ((هي أفضَلُ الحَسَناتِ)) .

    وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ نُوحًا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال لابنِه عندَ مَوتِه: آمُرُك بلا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فإنَّ السَّمَواتِ السَّبعَ والأرَضِينَ السَّبعَ لو وُضِعَت في كِفَّةٍ، ووُضِعَت لا إلهَ إلَّا اللهُ في كِفَّةٍ؛ رَجَحَت بهِنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولو أنَّ السَّمَوات السَّبعَ، والأَرَضينَ السَّبعَ كُنَّ حَلْقةً مُبهَمةً، قَصَمْتُهنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ )) .

    وقال سُلَيمانُ آل الشَّيخِ: (قَولُه: ((مالت بهِنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ))، أي: رجَحَت عليهنَّ؛
    وذلك لِما اشتمَلَت عليه من توحيدِ اللهِ الذي هو أفضَلُ الأعمالِ، وأساسُ المِلَّةِ، ورأسُ الدِّينِ، فمن قالها بإخلاصٍ ويقينٍ،
    وعَمِلَ بمُقتضاها ولوازِمِها، واستقام على ذلك؛ فهو من الذين لا خَوفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ،
    كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فَصْلت: 30 - 32] ) .

    وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ سيُخَلِّصُ رجُلًا مِن أُمَّتي على رُؤوسِ الخلائِقِ يومَ القيامةِ، فيَنشُرُ عليه تِسعةً وتِسعينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثلُ مَدِّ البَصَرِ، ثمَّ يَقولُ: أتُنكِرُ مِن هذا شيئًا؟ أظلَمَك كتَبَتي الحافِظونَ؟ فيقولُ: لا يا رَبِّ، فيقولُ: أفلَكَ عُذرٌ؟ فيقولُ: لا يا رَبِّ، فيَقولُ: بلى، إنَّ لك عِندَنا حَسَنةً؛ فإنَّه لا ظُلْمَ عليك اليومَ، فتَخرُجُ بِطاقةٌ فيها: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، فيَقولُ: احضُرْ وَزْنَك، فيَقولُ: يا رَبِّ، ما هذه البِطاقةُ مع هذه السِّجِلَّاتُ؟! فقال: إنَّك لا تُظلَمُ، قال: فتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ في كِفَّةٍ، والبِطاقةُ في كِفَّةٍ، فطاشت السِّجِلَّاتُ، وثَقُلَت البِطاقةُ، فلا يَثقُلُ مع اسمِ اللهِ شَيءٌ )) .

    قال ابنُ تَيميَّةَ: (مَن كَرَّر التَّوبةَ المذكورةَ، والعَودَ للذَّنبِ، لا يُجزَمُ له أنَّه قد دخل في معنى هذا الحديثِ، وأنَّه قد يَعمَلُ بعد ذلك ما شاء، لا يُرجى له أن يكونَ مِن أهلِ الوَعدِ، ولا يُجزَمُ لمعَيَّنٍ بهذا الحُكمِ، كما لا يُجزَمُ في حَقِّ مُعَيَّنٍ بالوعيدِ، كسائِرِ نُصوصِ الوَعدِ والوَعيدِ؛ فإنَّ هذا كقَولِه: من فَعَل كذا دَخَل الجنَّةَ، ومَن فَعَل كذا دخَلَ النَّارَ، لا يُجزَمُ لمعَيَّنٍ، لكِنْ يُرجى للمُحسِنِ، ويخافُ المسيءُ.
    ومِن هذا البابِ حَديثُ البِطاقةِ التي قَدْرُ الكَفِّ فيها التَّوحيدُ، وُضِعَت في الميزانِ فرجَحَت على تلك السِّجِلَّاتِ مِن السَّيِّئاتِ. وليس كُلُّ من تكَلَّم بالشَّهادتينِ كان بهذه المنزِلةِ؛ لأنَّ هذا العَبدَ صاحِبَ البِطاقةِ كان في قَلْبِه مِنَ التَّوحيدِ واليَقينِ والإخلاصِ ما أوجَبَ أنْ عَظُم قَدْرُه حتَّى صار راجِحًا على هذه السَّيِّئاتِ.
    ومِن أجلِ ذلك صار الْمُدُّ مِن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أفضَلَ مِن مِثْلِ جَبَلِ أحُدٍ ذَهَبًا مِن غَيرِهم.
    ومن ذلك حَديثُ البَغِيِّ التي سَقَت كَلْبًا فغُفِرَ لها؛ فلا يُقالُ في كُلِّ بَغِيٍّ سَقَت كَلبًا: غُفِرَ لها؛ لأنَّ هذه البَغِيَّ قد حَصَل لها مِنَ الصِّدقِ والإخلاصِ والرَّحمةِ بخَلْقِ اللهِ ما عادَلَ إثْمَ البَغْيِ، وزاد عليه ما أوجَبَ المغفِرةَ، والمغفِرةُ تحصُلُ بما يحصُلُ في القَلبِ مِنَ الإيمانِ الذي يَعلَمُ اللهُ وَحْدَه مِقدارَه وصِفَتَه.
    وهذا يَفتَحُ بابَ العَمَلِ، ويجتَهِدُ به العبدُ أن يأتيَ بهذه الأعمالِ وأمثالِها مِن مُوجِباتِ الرَّحمةِ وعَزائِمِ المغفِرةِ، ويكونُ مع ذلك بيْن الخَوفِ والرَّجاءِ، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون: 60] ) .

    وقال الطِّيبي: (أفضَلُ الذِّكرِ: قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهي الكَلِمةُ العُلْيا، وهي القُطبُ الذي يدورُ عليها رحى الإسلامِ، وهي القاعِدةُ التي بُنِيَ عليها أركانُ الدِّينِ) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (اعلَمْ أنَّ أشِعَّةَ لا إلهَ إلَّا اللهُ تبدِّدُ مِن ضَبابِ الذُّنوبِ وغُيومِها بقَدْرِ قُوَّةِ ذلك الشُّعاعِ وضَعْفِه، فلها نُورٌ، وتفاوُتُ أهلِها في ذلك النُّورِ قُوَّةً وضَعفًا لا يُحصِيه إلَّا اللهُ تعالى؛ فمِنَ النَّاسِ مَن نُورُ هذه الكَلِمةِ في قَلْبِه كالشَّمسِ، ومِنهم مَن نُورُها في قَلْبِه كالكوكَبِ الدُّرِّيِّ، ومنهم مَن نُورُها في قَلْبِه كالمِشعَلِ العَظيمِ، وآخَرُ كالسِّراجِ المضِيءِ، وآخَرُ كالسِّراجِ الضَّعيفِ؛ ولهذا تَظهَرُ الأنوارُ يومَ القيامةِ بأيمانِهم، وبَيْنَ أيديهم، على هذا المِقدارِ، بحسَبِ ما في قُلوبِهم مِن نُورِ هذه الكَلِمةِ؛ عِلمًا وعَمَلًا، ومَعرِفةً وحالًا.
    وكلَّما عَظُم نُورُ هذه الكَلِمةِ واشتَدَّ، أحرَقَ مِنَ الشُّبُهاتِ والشَّهواتِ بحسَبِ قُوَّتِه وشِدَّتِه، حتَّى إنَّه رُبَّما وَصَل إلى حالٍ لا يُصادِفُ معها شُبهةً ولا شَهوةً ولا ذَنبًا، إلَّا أحرَقَه، وهذا حالُ الصَّادِقِ في توحيدِه، الذي لم يُشرِكْ باللهِ شَيئًا
    ) .

    وقال ابن حجر الهيتمي في شرحِ حديثِ: ((من لَقِيَني بقُرابِ الأرضِ خَطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئًا، لَقِيتُه بمِثْلِها مَغفِرةً )) : (إنَّ الإيمانَ شَرطٌ في مَغفِرةِ ما عدا الشِّركَ؛ لأنَّه الأصلُ الذي ينبني عليه قَبولُ الطَّاعةِ وغُفرانُ المعصيةِ، وأمَّا الشِّركُ فلا أصلَ ينبني عليه ذلك: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] فالسَّبَبُ الأعظَمُ للمَغفرةِ هو التوحيدُ، فمن فَقَده فقد فقَدَها، ومن أتـى به ولو وَحْدَه بأن لم يكُنْ له عَمَلُ خَيرٍ غَيرُه؛ فقد أتى بأعظَمِ أسبابِها، لكِنَّه تحت المشيئةِ، وعلى كُلٍّ فمآلُه إلى الجنَّةِ، وأمَّا من كَمَل توحيدُه وإخلاصُه، وقام بشرائطِه وأحكامِه؛ فإنَّه يُغفَرُ له ما سَلَف من ذنوبِه، ولا يدخُلُ النَّارَ إلَّا لتحِلَّةِ القَسَمِ) .

    وقال سُلَيمانُ بنُ سحمان: (اعلَمْ -رَحِمَك اللهُ- أنَّ كَلِمةَ الإخلاصِ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، هي الكَلِمةُ التي قامت بها الأرضُ والسَّمَواتُ، وفَطَر اللهُ عليها جميعَ المخلوقاتِ، وعليها أُسِّسَت المِلَّةُ، ونُصِبَت القِبلةُ، ولأجْلِها جُرِّدَت سيوفُ الجِهادِ، وبها أمَرَ اللهُ جميعَ العبادِ؛ فهي فطرةُ اللهِ التي فطر النَّاسَ عليها، ومِفتاحُ عبوديَّتِه التي دعا الأُمَمَ على ألسُنِ رُسُلِه إليها، وهي كَلِمةُ الإسلامِ، ومفتاحُ دارِ السَّلامِ، وأساسُ الفَرضِ والسُّنَّةِ) .

    وقال ابنُ باز: (لا إلهَ إلَّا اللهُ، هي أفضَلُ الكلامِ بَعْدَ القُرْآنِ، هي أحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ، وأفضَلُ الكَلامِ، وهي كَلِمةُ الإخلاصِ، وهي أوَّلُ شَيءٍ دَعَت إليه الرُّسُلُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأوَّلُ شَيءٍ دعا إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ قال لقَومِه: ((قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ تُفلحوا )) ، هي كَلِمةُ الإخلاصِ، كَلِمةُ التَّوحيدِ) .

    : مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    أنَّه لا يَحجُبُها شَيءٌ دونَ اللهِ عزَّ وجَلَّ :

    عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما مِنكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُسبِغُ الوُضوءَ، ثمَّ يقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُه، إلَّا فُتِحَت له أبوابُ الجنَّةِ الثَّمانيةُ يَدخُلُ من أيِّها شاء )) .

    قال عبدُ العزيزِ بنُ مَعمَرٍ النَّجْديِّ مُعَلِّقًا على هذا الحديثِ: (هذا فيه الإتيانُ بالشَّهادتينِ المتضَمِّنَتينِ طَهارةَ القَلبِ بَعْدَ الوُضوءِ الذي هو طَهارةُ الظَّاهِرِ؛ لتَتِمَّ له الطَّهارتانِ الظَّاهرةُ والباطِنةُ، وهذا غايةُ الكَمالِ) .
    --------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    : شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :


    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty : مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 9:10 am

    يتبع ما قبله : -

    : مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    قال اللهُ تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18] .

    قال ابنُ جريرٍ: (يعني بذلك جَلَّ ثناؤه: شَهِدَ اللهُ أنَّه لا إلهَ إلَّا هو، وشَهِدَت الملائكةُ، وأولو العِلمِ) .

    وقال ابنُ كثير: (شَهِدَ تعالى -وكفى به شهيدًا، وهو أصدَقُ الشَّاهِدينَ وأعدَلُهم، وأصدَقُ القائلينَ- أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: المتفَرِّدُ بالإلَهيَّةِ لجَميعِ الخلائِقِ، وأنَّ الجَميعَ عَبيدُه وخَلْقُه، والفُقراءُ إليه، وهو الغَنيُّ عمَّا سِواه، كما قال تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء: 166] ، ثمَّ قَرَن شهادةَ ملائكتِه وأولي العِلْم بشهادتِه، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ، وهذه خُصوصيَّةٌ عَظيمةٌ للعُلَماءِ في هذا المقامِ) .
    وشهادةُ اللهِ سُبحانَه لنَفْسِه بالوَحْدانيَّةِ والقيامِ بالقِسْطِ؛ تتضَمَّنُ أربَعَ مَراتِبَ:
    1- عِلمُ اللهِ سُبحانَه بذلك.
    2- تكَلُّمُه به.
    3- إعلامُه وإخبارُه لخَلْقِه به.
    4- أمرُهم وإلزامُهم به .

    : مِن مَراتِبِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : العِلْمُ :


    إنَّ الشَّهادةَ بالحَقِّ تتضَمَّنُ العِلْم قطعًا، وإلَّا كان الشَّاهِدُ شاهِدًا بما لا عِلْمَ له به.
    قال اللهُ تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] .

    قال ابنُ جريرٍ: (إنَّ اللهَ تعالى ذِكْرُه أخبَرَ أنَّه لا يملِكُ الذين يَعبُدُهم المُشْرِكون من دونِ اللهِ الشَّفاعةَ عِندَه لأحَدٍ، إلَّا مَن شَهِدَ بالحَقِّ، وشَهادتُه بالحَقِّ: هو إقرارُه بتوحيدِ اللهِ، يعني بذلك: إلَّا من آمَنَ بالله، وهم يَعلَمونَ حقيقةَ توحيدِه، ولم يَخصُصْ بأنَّ الذي لا يملِكُ مِلكَ الشَّفاعةِ منهم بعضُ من كان يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ، فذلك على جميعِ من كان تَعبُدُ قُرَيشٌ مِن دُونِ اللهِ يومَ نَزَلت هذه الآيةُ، وغَيرُهم، وقد كان فيهم من يَعبُدُ مِن دونِ اللهِ الآلِهةَ، وكان فيهم من يَعبُدُ مِن دُونِه الملائكةَ وغَيرَهم، فجَميعُ أولئك داخِلونَ في قَولِه: ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يدعو قُرَيشٌ وسائِرُ العَرَبِ مِن دونِ اللهِ الشَّفاعةَ عِندَ اللهِ، ثم استثنى جَلَّ ثناؤُه بقَولِه: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86] وهم الذين يَشهَدونَ شَهادةَ الحَقِّ، فيُوحِّدونَ اللهَ، ويُخلِصونَ له الوَحْدانيَّةَ، على عِلمٍ مِنهم ويقينٍ بذلك أنَّهم يَملِكونَ الشَّفاعةَ عِندَه بإذنِه لهم بها، كما قال جَلَّ ثناؤُه: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء: 28] ) .

    وقال الواحدي: (في هذا دليلٌ على أنَّه لا يتحَقَّقُ إيمانٌ وشَهادةٌ حتَّى يكونَ ذلك عن عِلمٍ بالقَلبِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى شَرَطَ مع الشَّهادةِ العِلمَ) .

    وقال البغوي: (أراد بشهادةِ الحَقِّ قَولَ لا إلهَ إلَّا اللهُ كَلِمةَ التَّوحيدِ) .

    وقال ابنُ كثيرٍ: (لكِنْ من شَهِدَ بالحَقِّ على بصيرةٍ وعِلمٍ، فإنَّه تنفَعُ شَفاعتُه عنده بإذنِه له) .

    : مِن مَراتِبِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : التكَلُّمُ :


    من تكَلَّم بشَيءٍ فقد شَهِدَ به وإنْ لم يتلفَّظْ بالشَّهادةِ، أي: وإنْ لم يَقُلْ: أشهَدُ.
    قال اللهُ تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19] ، فجَعَل ذلك منهم شهادةً وإن لم يتلَفَّظوا بلَفظِ الشَّهادةِ، ولم يؤَدُّوها عند غَيرِهم.

    قال السَّمعانيُّ: (ليس الجَعْلُ هاهنا بمعنى الخَلْقِ، إنَّما هو بمعنى الوَصفِ والتَّسميةِ، كما يقولُ القائِلُ: جَعَل فُلانٌ زَيدًا أعلَمَ النَّاسِ، أي: وصَفَه به، وحَكَم له بذلك) .

    وسَمَّى اللهُ تعالى إقرارَ العَبدِ على نَفْسِه شهادةً؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:135] ، فشهادةُ المرءِ على نَفْسِه هي إقرارُه على نَفْسِه .

    قال القُرطبي: (قَولُه تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ) (قَوَّامِينَ) بناءُ مُبالَغةٍ، أي: ليتكَرَّرْ منكم القيامُ بالقِسطِ، وهو العَدلُ في شهادتِكم على أنفُسِكم، وشهادةُ المرءِ على نَفْسِه إقرارُه بالحقوقِ عليها. ثمَّ ذَكَر الوالِدَينِ لوُجوبِ بِرِّهما وعِظَمِ قَدْرِهما، ثمَّ ثَنَّى بالأقربينَ؛ إذْ هم مَظِنَّةُ المودَّةِ والتعَصُّبِ، فكان الأجنبيُّ من النَّاس أحرى أن يقامَ عليه بالقِسْطِ ويُشهَدَ عليه) .

    وقال ابنُ أبي زيدٍ القيرواني: (بابُ ما تنطِقُ به الألسِنَةُ وتعتَقِدُه الأفئدةُ من واجِبِ أمورِ الدِّياناتِ؛ من ذلك: الإيمانُ بالقَلبِ، والنُّطقُ باللِّسانِ؛ أنَّ اللهَ إلهٌ واحِدٌ لا إلهَ غَيرُه) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (أجمع المُسلِمونَ على أنَّ الكافِرَ إذا قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمَّدٌ رَسولُ اللهِ، فقد دخَلَ في الإسلامِ، وشَهِدَ شَهادةَ الحَقِّ، ولم يتوقَّفْ إسلامُه على لَفظِ الشَّهادةِ... وهذا أكثَرُ مِن أن تُذكَرَ شَواهِدُه مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فليس مع من اشتَرَط لفظَ الشَّهادةِ دَليلٌ يُعتَمَدُ عليه، واللهُ أعلَمُ) .

    : مِن مَراتِبِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : الإعلامُ والإخبارُ :


    ومَرتبةُ الإعلامِ والإخبارِ نوعان:
    1- إعلامٌ بالقَولِ.
    2- إعلامٌ بالفِعلِ.
    فشَهادةُ الرَّبِّ عزَّ وجَلَّ تكونُ بقَولِه تارةً، وبفِعْلِه تارةً أُخرى، فتتطابَقُ شَهادةُ القَولِ وشَهادةُ الفِعلِ.
    والقَولُ هو ما أرسَلَ به رُسُلَه، وأنزَلَ به كُتُبَه، وجميعُ الرُّسُلِ قد أخبَرَوا عن الله أنَّه شَهِدَ لنَفْسِه بأنَّه لا إلهَ إلَّا هو.
    وأمَّا بَيانُه وإعلامُه بفِعْلِه فهو ما تضَمَّنَه خَبَرُه تعالى عن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على وَحدانيَّتِه، التي تُعلَمُ دَلالتُها بالعَقلِ والفِطرةِ،

    وهذا أيضًا يُستعمَلُ فيه لَفظُ الشَّهادةِ، كما يُستعمَلُ فيه لفظُ الدَّلالةِ والإرشادِ والبَيانِ، وقد يكونُ البَيانُ بالفِعلِ أظهرَ وأبلَغَ، وقد يُسَمَّى شاهِدُ الحالِ نُطقًا وقَولًا وَكلامًا؛ لقيامِه مَقامَه وأدائِه، ويُسَمَّى هذا شهادةً أيضًا، كما في قَولِه تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة: 17] .

    قال ابنُ القَيِّمِ: (المقصودُ: أنَّ اللهَ سُبحانَه يَشهَدُ بما جَعَل آياتِه المخلوقةَ دالَّةً عليه؛ فإنَّ دَلالتَها إنَّما هي بخَلْقِه وجَعْلِه، ويَشهَدُ بآياتِه القَوليَّةِ الكَلاميَّةِ المطابِقةِ لِما شَهِدَت به آياتُه الخَلْقيَّةُ، فتتطابَقُ شَهادةُ القَولِ وشَهادةُ الفِعلِ،
    كما قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53] ، أي: أنَّ القُرْآنَ حَقٌّ، فأخبَرَ أنَّه يدُلُّ بآياتِه الأُفُقيَّةِ والنَّفسيَّةِ على صِدقِ آياتِه القَوليَّةِ الكَلاميَّةِ، وهذه الشَّهادةُ الفِعليَّةُ قد ذكَرَها غيرُ واحِدٍ مِن أئمَّةِ العَربيَّةِ والتَّفسيرِ؛
    قال ابنُ كَيْسانَ: شَهِدَ اللهُ بتدبيرِه العَجيبِ وأمورِه المُحكَمةِ عِندَ خَلْقِه: أنَّه لا إلهَ إلَّا هو) .
    وهكذا على المُسلمِ أن يَشهَدَ للهِ بالأُلوهيَّةِ، وأنْ يَعبُدَ اللهَ سُبحانَه وَحْدَه؛ فعِبادتُه للهِ وَحْدَه شَهادةٌ منه بتفَرُّدِه بالعِبادةِ دُونَ ما سِواه،
    وأنْ يُخبِرَ النَّاسَ بهذهِ الشَّهادةِ.

    : مِن مَراتِبِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : الأمرُ والإلزامُ :


    الشَّهادةُ تتضمَّنُ الأمرَ والإلزامَ؛ فاللهُ سُبحانَه قد شَهِدَ بوَحدانيَّتِه شَهادةَ مَن حَكَم بذلك، وقضى وأمَرَ وألزَمَ به عِبادَه.
    قال اللهُ تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] .
    وقال اللهُ سُبحانَه: وَقال اللهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ [النحل:51] .
    وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] .

    فإذا شَهِدَ اللهُ أنَّه لا إلهَ إلَّا هو فقد أخبَرَ وبَيَّن وأعَلَم وحَكَم وقضى أنَّ ما سِواه ليس بإلهٍ،
    وأنَّ إلَهيَّةَ ما سِواه أبطَلُ الباطِلِ، وإثباتَها أظلَمُ الظُّلْمِ، فلا يستَحِقُّ العِبادةَ سِواه، وذلك يَستلزِمُ الأمرَ باتخاذِه وَحْدَه إلهًا، والنَّهيَ عن اتخاذِ غَيرِه معه إلهًا .

    قال ابنُ القَيِّمِ: (الأدِلَّةُ قد دَلَّت على أنَّه سُبحانَه وَحْدَه المستَحِقُّ للعِبادةِ، فإذا أخبَرَ أنَّه هو وَحْدَه المستَحِقُّ للعِبادةِ، تضَمَّنَ هذا الإخبارُ: أمْرَ العبادِ وإلزامَهم بأداءِ ما يَستَحِقُّه الرَّبُّ تعالى عليهم، وأنَّ القيامَ بذلك هو خالِصُ حَقِّه عليهم، فإذا شَهِدَ سُبحانَه أنَّه لا إلهَ إلَّا هو، تضَمَّنَت شهادتُه الأمرَ والإلزامَ بتوحيدِه.
    وأيضًا فلَفظُ الحُكمِ والقَضاءِ يُستعمَلُ في الجُمَل ِالخَبَريَّةِ، فيُقالُ للجُملةِ الخَبَريَّةِ قَضيةٌ وحُكمٌ، وقد حَكَم فيها بكَيتَ وكَيتَ؛
    قال تعالى: أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات: 151 - 154] ، فجَعَل هذا الإخبارَ المجَرَّدَ منهم حُكمًا، وقال في موضِعٍ آخَرَ: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم: 35، 36]، لكِنَّ هذا حُكمٌ لا إلزامَ معه، والحُكمُ والقَضاءُ بأنَّه لا إلهَ إلَّا هو: مُتضَمِّنٌ للإلزامِ، واللهُ سُبحانَه أعلَمُ) .
    فمِنْ كَمالِ شَهادةِ المُسلمِ للهِ بالأُلوهيَّةِ أنْ يَدعُوَ النَّاسَ إلى تَوحِيدِ اللهِ سُبْحَانَه، ويَأْمُرَهُم بِعِبادةِ اللهِ وَحْدَه، وأنْ يَنهاهُم عن الشِّركِ باللهِ.
    قال اللهُ سُبْحَانَه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108].

    ------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    : شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
    -
    تابعونا جزاكم الله خيرا

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 9:59 am

    يتبع ما قبله : -

    :
    شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ
    :

    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :
    : العِلْمُ :


    يَجِبُ العِلْمُ بالمعنى المرادِ مِن شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ نَفيًا وإثباتًا.
    قال اللهُ تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] .
    أمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأوجَبَ عليه العِلمَ بأنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ، فلا تجوزُ العِبادةُ إلَّا له وَحدَه دونَ ما سِواه، والعِلمُ لا بُدَّ فيه مِن إقرارِ القَلبِ ومَعرفتِه بمعنى ما طُلِبَ منه عِلمُه، وهو فَرضُ عَينٍ على كُلِّ إنسانٍ،
    لا يَسقُطُ عن أحدٍ كائِنًا مَن كان، والطَّريقُ إلى العِلمِ بأنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ

    يحصُلُ بأمورٍ؛ منها: تدبُّرُ أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، ومنها: العِلمُ بأنَّه تعالَى المنفَرِدُ بالخَلقِ والتَّدبيرِ، فيُعلَمُ بذلك أنَّه المنفَرِدُ بالأُلوهيَّةِ،
    ومنها: العِلمُ بأنَّه المُنفَرِدُ بالنِّعَمِ الظَّاهِرةِ والباطِنةِ، الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ؛ فإنَّ ذلك يُوجِبُ تَعَلُّقَ القَلبِ به ومحبَّتَه، والتَّأَلُّه له وَحدَه لا شريكَ له، وأعظَمُ طريقٍ هو تدَبُّرُ هذا القُرآنِ العظيمِ، والتأمُّلُ في آياتِه؛ فإنَّه البابُ الأعظَمُ إلى العِلمِ بالتَّوحيدِ، ويَحصُلُ به مِن تفاصيلِه وجُمَلِه ما لا يَحصُلُ مِن غَيرِه .

    قال ابنُ جرير: (يقولُ تعالى ذِكرُه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فاعلَمْ -يا محمَّدُ- أنَّه لا مَعبودَ تنبغي أو تَصلُحُ له الأُلوهةُ، ويجوزُ لك وللخَلْقِ عبادتُه، إلَّا اللهُ الذي هو خالِقُ الخَلْقِ، ومالِكُ كُلِّ شَيءٍ، يدينُ له بالرُّبوبيَّةِ كُلُّ ما دُونَه) .

    وقال الشَّوكانيُّ: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أي: إذا عَلِمْتَ أنَّ مَدارَ الخَيرِ هو التَّوحيدُ والطَّاعةُ، ومدارَ الشَّرِّ هو الشِّرْكُ والعَمَلُ بمعاصي الله، فاعلَمْ أنَّه لا إلهَ غَيرُه ولا رَبَّ سِواه) .

    وقال السَّعديُّ: (العِلْمُ لا بُدَّ فيه من إقرارِ القَلبِ ومَعرفتِه بمعنى ما طُلِبَ منه عِلمُه، وتمامُه أن يَعمَلَ بمُقتَضاه.
    وهذا العِلْمُ الذي أمَرَ اللهُ به -وهو العِلْمُ بتوحيدِ اللهِ- فَرضُ عَينٍ على كُلِّ إنسانٍ، لا يَسقُطُ عن أحَدٍ، كائنًا من كان، بل كُلٌّ مُضطَرٌّ إلى ذلك.
    والطَّريقُ إلى العِلْمِ بأنَّه لا إلهَ إلَّا هو أمورٌ:
    أحَدُها بل أعظَمُها: تدَبُّرُ أسمائِه وصِفاتِه، وأفعالِه الدَّالَّةِ على كَمالِه وعَظَمتِه وجَلالتِه؛ فإنَّها تُوجِبُ بَذْلَ الجُهدِ في التَّأَلُّهِ له، والتعَبُّدِ للرَّبِّ الكامِلِ الذي له كُلُّ حَمدٍ ومَجدٍ وجَلالٍ وجَمالٍ.
    الثَّاني: العِلْمُ بأنَّه تعالى المنفَرِدُ بالخَلْقِ والتَّدبيرِ، فيُعلَمُ بذلك أنَّه المنفَرِدُ بالأُلوهيَّةِ.
    الثَّالِثُ: العِلْمُ بأنَّه المنفَرِدُ بالنِّعَمِ الظَّاهرةِ والباطِنةِ، الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ؛ فإنَّ ذلك يُوجِبُ تعَلُّقَ القَلبِ به ومحبَّتَه، والتَّأَلُّهَ له وَحْدَه لا شَريكَ له.
    الرَّابعُ: ما نراه ونَسمَعُه مِن الثَّوابِ لأوليائِه القائِمينَ بتوحيدِه مِن النَّصرِ والنِّعَمِ العاجِلةِ، ومِن عُقوبتِه لأعدائِه المُشْرِكينَ به، فإنَّ هذا داعٍ إلى العِلمِ بأنَّه تعالى وَحْدَه المُستَحِقُّ للعِبادةِ كُلِّها.
    الخامِسُ: مَعرِفةُ أوصافِ الأوثانِ والأندادِ التي عُبِدَت مع اللهِ، واتُّخِذَت آلِهةً، وأنَّها ناقِصةٌ من جميعِ الوُجوهِ، فقيرةٌ بالذَّاتِ، لا تَملِكُ لنَفْسِها ولا لعابِدِيها نَفعًا ولا ضَرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا، ولا يَنصُرونَ مَن عَبَدَهم، ولا يَنفَعونَهم بمِثقالِ ذَرًّةٍ، مِن جَلبِ خَيرٍ أو دَفعِ شَرٍّ؛ فإنَّ العِلْمَ بذلك يُوجِبُ العِلْمَ بأنَّه لا إلهَ إلَّا هو، وبُطلانَ إلَهيَّةِ ما سِواه.
    السَّادِسُ: اتِّفاقُ كُتُبِ اللهِ على ذلك، وتواطُؤُها عليه.
    السَّابعُ: أنَّ خواصَّ الخَلْقِ الذين هم أكمَلُ الخَليقةِ أخلاقًا وعُقولًا ورأيًا وصَوابًا وعِلمًا -وهم الرُّسُلُ والأنبياءُ والعُلَماءُ الرَّبَّانيُّونَ- قد شَهِدوا لله بذلك.
    الثَّامِنُ: ما أقامَه اللهُ مِن الأدِلَّةِ الأُفُقيَّةِ والنَّفسيَّةِ التي تدُلُّ على التَّوحيدِ أعظَمَ دَلالةٍ، وتُنادي عليه بلِسانِ حالِها بما أودَعَها مِن لطائِفِ صَنعتِه، وبديعِ حِكمتِه، وغَرائِبِ خَلْقِه.
    فهذه الطُّرُقُ التي أكثَرَ اللهُ مِن دَعوةِ الخَلْقِ بها إلى أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأبداها في كِتابِه وأعادها، عند تأمُّلِ العَبدِ في بَعْضِها لا بُدَّ أن يكونَ عِندَه يقينٌ وعِلمٌ بذلك، فكيف إذا اجتَمَعَت وتواطأَت واتَّفَقَت، وقامت أدِلَّةُ التَّوحيدِ من كُلِّ جانبٍ، فهناك يَرسَخُ الإيمانُ والعِلْمُ بذلك في قَلبِ العَبدِ، بحيثُ يكونُ كالجِبالِ الرَّواسي، لا تُزلزِلُه الشُّبَهُ والخَيالاتُ، ولا يزدادُ -على تكَرُّرِ الباطِلِ والشُّبَهِ- إلَّا نُمُوًّا وكَمالًا.
    هذا، وإن نظَرْتَ إلى الدَّليلِ العَظيمِ، والأمرِ الكبيرِ -وهو تدَبُّرُ هذا القُرْآنِ العظيمِ، والتأمُّلِ في آياتِه- فإنَّه البابُ الأعظَمُ إلى العِلْمِ بالتَّوحيدِ، ويَحصُلُ به من تفاصيلِه وجُمَلِه ما لا يَحصُلُ في غَيرِه) .

    وعن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من مات وهو يَعلَمُ أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ )) .
    في هذا الحَديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضْلَ العِلْمِ بكَلِمةِ التَّوحيدِ، والمَوتِ على ذلك؛ فيُخْبِرُ أنَّ مَن ماتَ وهو مؤمِنٌ باللهِ، يَعلَمُ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ هو المعبودُ بحَقٍّ وحدَهُ، وأنَّ عِبادةَ غيرِه باطلةٌ، وعَمِلَ بمُقتضى ذلك العِلْمِ- دخَلَ الجنَّةَ في الآخِرةِ برَحْمةِ اللهِ. وضِدُّ العِلْمِ: الجهلُ، وهو الذي أوقَعَ الضُّلَّالَ من هذهِ الأُمَّةِ في مخالفةِ معناها، وتَرْكِ العَمَلِ بمُقتَضاها؛
    فمَنْ جَهِلَ معنى (لا إلَهَ إلَّا اللهُ) لا بُدَّ أنَّه سيَنْقُضُها باعتقادٍ، أو قَوْلٍ، أو عَمَلٍ .

    قال أبو العَبَّاسِ القُرْطبيُّ: (قَولُه: ((من مات وهو يَعلَمُ أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ )) حقيقةُ العِلمِ: هي وضوحُ أمْرٍ ما، وانكِشافُه على غايتِه، بحيثُ لا يبقى له بعد ذلك غايةٌ في الوُضوحِ،
    ولا شَكٌّ في أنَّ من كانت معرفتُه باللهِ تعالى ورسولِه كذلك، كان في أعلى دَرَجاتِ الجنَّةِ، وهذه الحالةُ هي حالةُ النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ، ولا يلزَمُ فيمن لم يكُنْ كذلك ألَّا يَدخُلَ الجنَّةَ؛ فإنَّ من اعتَقَد الحَقَّ وصَدَّق به تصديقًا جازِمًا لا شَكَّ فيه ولا رَيبَ، دَخَل الجنَّةَ،
    كما قَدَّمْناه، وكما دَلَّ عليه قَولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديثِ أبي هُرَيرةَ: ((مَن لَقِيَ اللهَ وهو يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رَسولُ اللهِ غيرَ شاكٍّ فيهما، دَخَل الجنَّةَ )) وكما قال: ((من كان آخِرَ قَولِه: لا إلهَ إلَّا اللهُ، دخَلَ الجنَّةَ )) .
    فحاصِلُ هذين الحديثينِ: أنَّ مَن لَقِيَ اللهَ تعالى وهو موصوفٌ بالحالةِ الأُولى والثَّانيةِ دَخَل الجنَّةَ؛ غيرَ أنَّ هناك فَرقًا بين الدَّرَجَتينِ، كما بيْن الحالتَينِ، كما صَرَّحت به الآياتُ الواضِحاتُ،
    كقَولِه تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11] ) .

    وقال ابنُ هُبَيرةَ: (قَولُه: «شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللُه»، يقتضي أن يكونَ الشَّاهِدُ عالِمًا بأنْ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] ) .
    وقال علي القاري عن كَلِمةِ التوحيدِ: (فيتعَيَّنُ على كُلِّ موقنٍ أن يعتنيَ بشأنهِا مبنًى ومعنًى؛ ليُنقَلَ من إفادةِ مبناها إلى إعادةِ معناها؛ فإنَّها مفتاحُ الجَنَّةِ، وعن النَّارِ بمنزلةِ الجُنَّةِ، للنَّاسِ والجِنَّةِ.
    وقد نَصَّ الأئمَّةُ من ساداتِ الأمَّةِ أنَّه لا بدَّ من فَهمِ معناها المترتِّبِ على عِلمِ مبناها؛ ليخرُجَ عن رِبقةِ التقليدِ، ويدخُلَ في رِفعةِ التحقيقِ والتأييدِ، وقد قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] ) .

    وقال القاري أيضًا: (اعتِقادُ التوحيدِ لا ينفَعُ دونَ النُّطْقِ عندَ القُدرةِ أو عِندَ الطَّلَبِ، ولا النُّطقُ دُونَ الاعتِقادِ بالإجماعِ، بل لا بُدَّ مِنْهما) .

    وقال محمَّدُ بنُ عبد الوهَّاب: (لا يَتِمُّ إسلامُ الإنسانِ حتى يعرِفَ معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ) .

    وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخ: (قَولُه: «من شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ» ؛ أي: من تكَلَّم بها عارفًا لمعناها، عامِلًا بمقتضاها، باطنًا وظاهرًا، فلا بدَّ في الشَّهادتين من العِلمِ واليقينِ والعَمَلِ بمدلولِها،
    كما قال اللهُ تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] ،
    وقَولِه: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86] ، أمَّا النُّطقُ بها من غيرِ معرفةٍ لمعناها ولا يقينٍ ولا عَمَلٍ بما تقتضيه مِن البراءةِ من الشِّركِ، وإخلاصِ القَولِ والعَمَلِ: قَولِ القَلبِ واللِّسانِ، وعَمَلِ القَلبِ والجوارحِ؛ فغيرُ نافعٍ بالإجماعِ) .
    وقال مبارك الميلي الجزائري: (إنَّ مجَرَّدَ النُّطقِ بالشَّهادتينِ لا يَطرُدُ عن ساحةِ القَلبِ شَبَحَ الشِّركِ، ولا سيَّما نُطقِ من لُقِّنَهما تقليدًا عاديًّا خاليًا من فَهمِ معناهما، وإنما اعترف بهما بحُكمِ الوَسَطِ لا باضطرارِ العِلمِ، ولم ينطِقِ المُشركون بالشَّهادتينِ لَمَّا دعاهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّهم عالِمون بمعناهما، ويرون النُّطقَ بهما التزامًا لما يدعو إليه الرَّسولُ، ونبذًا لما يخالف دعوتَه، وقد أصابوا في هذا الرَّأيِ، ثم اختاروا بعد ذلك الرَّأيِ النَّاشئِ عن العِلمِ باللُّغةِ ومعاني الكلامِ التمَسُّكَ بما وجدوا عليه آباءَهم، وقد أخطَؤوا في هذا الاختيارِ، ولو رأوا مجرَّدَ التشَهُّدِ كافيًا في رَفعِ وَصفِ الشِّركِ عنهم مع بقائِهم على عقائِدِهم الباطِلةِ وعوائِدِهم القبيحةِ؛ لأقَرُّوا واسْتَرَاحُوا) .

    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : اليَقينُ :


    يَجِبُ أن يكونَ قائِلُ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُستيقِنًا بمَدلولِها يَقينًا جازِمًا؛ فإنَّ الإيمانَ لا يُغني فيه إلَّا عِلمُ اليَقينِ لا عِلمُ الظَّنِّ.
    قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِّينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات: 15] .
    المؤمِنونَ حقًّا همُ الذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه، ثمَّ لمْ يشُكُّوا في وَحدانيَّةِ اللهِ تعالى، وصِدقِ نُبوَّةِ نَبيِّه، ووُجوبِ طاعتِهما، بل ثَبَتوا على إيمانِهم ولم يَتزلْزَلوا، فشَرَطَ تعالى في الإيمانِ عدَمَ حُصولِ الرَّيبِ؛ لأنَّ الإيمانَ النَّافِعَ هو الجزْمُ اليَقينيُّ بما أمَرَ اللهُ بالإيمانِ به، والذي لا يَعْترِيه شَكٌّ بوجْهٍ مِن الوُجوهِ .

    قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه للأعرابِ الذين قالوا: آمَنَّا ولَمَّا يدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِهم: إنَّما المؤمِنونَ -أيُّها القَومُ- الذين صَدَّقوا اللهَ ورَسولَه، ثمَّ لم يَرْتابوا، يقولُ: ثمَّ لم يَشُكُّوا في وَحْدانيَّةِ اللهِ، ولا في نبُوَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وألزَمَ نَفْسَه طاعةَ اللهِ وطاعةَ رَسولِه، والعَمَلَ بما وَجَب عليه مِن فرائِضِ اللهِ بغَيرِ شَكٍّ منه في وجوبِ ذلك عليه) .

    وقال السَّمعاني: (قَولُه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات: 15] أي: صَدَّقوا ولم يَشُكُّوا) .

    وقال ابنُ كثير: (قَولُه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي: إنَّما المؤمِنونَ الكُمَّلُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا أي: لم يَشُكُّوا ولا تَزَلْزلوا، بل ثَبَتوا على حالٍ واحِدةٍ، وهي التَّصديقُ المحْضُ) .
    وقال الشَّوكاني: (ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا أي: لم يدخُلْ قُلوبَهم شَيءٌ مِنَ الرَّيبِ، ولا خالَطَهم شَكٌّ مِنَ الشُّكوكِ) .
    وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ: لا يَلْقَى اللهَ بهما عَبدٌ غَيرَ شاكٍّ فيهما إلَّا دَخَل الجنَّةَ )) .
    في هذا الحديثِ شَهِدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّوحيدِ للهِ، ولنَفْسِه بالرِّسالةِ، وأنَّه صادِقٌ فيما جاءَ به من عنْدِ مَوْلاه، وأخبَرَ النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ مَن شَهِدَ بهذه الشَّهادةِ ومات عليها، وهو مُتَيَقِّنٌ مِن مَعناها، وعَمِلَ بمقتَضَاها دونَ شكٍّ أو رِيبةٍ، أدخلَهُ اللهُ الجنَّةَ؛ فأهلُ التَّوحيدِ سَيدخُلون الجنَّةَ، ومَن عُذِّب منهم في النَّارِ، فإنَّه لا يُخلَّدُ فيها؛ لِفَضلِ التَّوحيدِ .

    قال ابنُ هُبَيرةَ: (كُلُّ مَن لَقِيَ اللهَ غيرَ شاكٍّ في الكَلِمةِ لم يُحجَبْ عن الجَنَّةِ) .

    وقال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (ظاهِرُ هذا الحَديثِ: أنَّ مَن لَقِيَ اللهَ وهو يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه، دَخَل الجَنَّةَ، ولا يَدخُلُ النَّارَ، وهذا صحيحٌ فيمَن لَقِيَ اللهَ تعالى بريئًا مِنَ الكبائِرِ، فأمَّا من لَقِيَ اللهَ تعالى مُرتَكِبَ كبيرةٍ ولم يَتُبْ منها، فهو في مشيئةِ اللهِ تعالى التي دَلَّ عليها قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48] ) .
    وقال المُظْهِريُّ: (مَن لَقِيَ اللهَ سُبحانَه بالشَّهادتينِ -يعني: بالإسلامِ- مِن غيرِ ترَدُّدٍ وشَكٍّ، فلا يُحجَبُ عن الجَنَّةِ البتَّةَ) .

    وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((اذهَبْ بنعلَيَّ هاتينِ، فمَن لَقِيتَ مِن وراءِ هذا الحائِطِ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُستَيقِنًا بها قَلْبُه، فبَشِّرْه بالجَنَّةِ )) .
    بمعنى: أنْ يسْتَيْقِنَ المُسلِمُ يقينًا جازمًا بمدلولِ كَلِمةِ التَّوحيدِ، وهو أنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ، دونَ تسرُّبِ شَيءٍ من الشُّكوكِ التي يبْذُرُها شياطينُ الجنِّ والإنسِ؛ لأنَّها لا تُقبَلُ مع شَكٍّ ولا ظنٍّ، ولا تردُّدٍ ولا ارتيابٍ، بل يجِبُ أنْ تقومَ على اليَقينِ القاطعِ الجازمِ، وهذا يَصْدُقُ على كُلِّ مَن كان بهذا اليَقينِ في أيِّ عَصرٍ مِنَ العُصورِ .

    قال محمَّدُ بن نصر المرْوَزيُّ: (الشَّاهِدُ بلا إلهَ إلَّا اللهُ، هو المصَدِّقُ المقرُّ بقَلْبِه، يشهَدُ بها لله بقَلْبِه ولسانِه، يبتدئُ بشهادةِ قَلْبِه والإقرارِ به، ثم يُثنِّي بالشَّهادةِ بلسانِه والإقرارِ به) .
    وقال ابنُ حِبَّان البستي: (ذِكرُ البيانِ بأنَّ الجنَّةَ إنما تجِبُ لِمن شهد لله جَلَّ وعلا بالواحدانيَّةِ، وكان ذلك عن يقينٍ من قَلْبِه، لا أنَّ الإقرارَ بالشَّهادةِ يوجِبُ الجنَّةَ للمقِرِّ بها دون أن يقِرَّ بها بالإخلاصِ) .

    قال أبو العَبَّاسِ القرطبي: (اليَقينُ: هو العِلْمُ الرَّاسِخُ في القَلبِ، الثَّابِتُ فيه) .

    وقال علي القاري: (قولُه: (يَشهَدُ)، أي: حالَ كونِه (أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ): ويلزَمُ منه شهادةُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، (مستيقنًا بها)، أي: بمضمون هذه الكَلِمةِ (قَلْبُه)، أي: منشرحًا بها صَدْرُه، غيرَ شاكٍّ ومتردِّدٍ في التوحيدِ والنبُوَّةِ اللذين هما الإيمانُ الإجماليُّ، (فبشِّرْه بالجنَّةِ) معناه: أخبِرْ أنَّ من كان هذه صفتَه فهو من أهلِ الجنَّةِ،
    وإلَّا فأبو هُرَيرةَ لا يعلَمُ استيقانَهم، وفي هذا دلالةٌ ظاهرةٌ لمذهبِ أهلِ الحَقِّ أنَّ اعتقادَ التوحيدِ لا ينفَعُ دونَ النُّطقِ عند القُدرةِ أو عند الطَّلَبِ، ولا النُّطقَ دون الاعتقادِ بالإجماعِ، بل لا بُدَّ منهما) .

    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : القَبولُ :


    قال اللهُ تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين [الصَّافات: 35-37] .
    بيَّن اللهُ تعالى أنَّ المُشرِكينَ إنَّما وقَعوا في عَذابِ الآخِرةِ؛ لأنَّهم كانوا إذا قِيلَ لهم في الدُّنيا: قُولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يتكبَّرونَ عن قَولِ ذلك، ولا يَستَجيبونَ لِمَن دعاهم إليه، ويَقولونَ: أنقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ونَترُكُ عِبادةَ آلهتِنا؛ اتِّباعًا لِقَولِ شاعرٍ مَجنونٍ؟!
    وليس الأمرُ كما يَزعُمونَه مِن أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شاعِرٌ مَجنونٌ، وإنَّما هو نَبيٌّ جاء بالقُرآنِ مِن عندِ اللهِ، وفيه الأمرُ بتوحيدِ اللهِ، وقد صَدَّقَ المُرسَلينَ الذين كانوا قَبلَه، وأخبَروا بمَجيئِه؛ فكانت بعثتُه تَصديقًا لهم، وشَهِدَ هو بنُبوَّتِهم، وأخبَرَ بمِثلِ ما أَخبَروا به مِنَ التَّوحيد وغَيرِه مِن الحَقِّ .
    قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وإنَّ هؤلاء المُشْرِكين باللهِ، الذين وَصَف صِفَتَهم في هذه الآياتِ، كانوا في الدُّنيا إذا قيل لهم: قُولُوا: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ يقولُ: يتعَظَّمونَ عن قِيلِ ذلك ويتكَبَّرونَ) .
    وقال السَّمعانيُّ: (استَكبَروا عن الإقرارِ بالوَحْدانيَّةِ) .
    وقال البَغَويُّ: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ يتكَبَّرونَ عن كَلِمةِ التَّوحيدِ ويَمتَنِعونَ منها) .
    وقال الشِّنقيطيُّ: (المعنى: كذلك نَفعَلُ بالمجرِمينَ لأجْلِ أنَّهم كانوا في داِر الدُّنيا إذا قيلَ لهم: لا إلهَ إلَّا اللهُ يَستَكبِرونَ، أي: يتكَبَّرونَ عن قَبولِها، ولا يَرضَونَ أن يكونوا أتباعًا للرُّسُلِ) .
    وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَثَلُ ما بعَثَني اللهُ به من الهُدى والعِلْمِ كمَثَلِ الغَيثِ الكثيرِ أصابَ أرضًا؛ فكان منها نَقِيَّةٌ قَبِلَت الماءَ فأنبَتَت الكلَأَ والعُشبَ الكثيرَ، وكانت منها أجادِبُ أمسكَت الماءَ، فنَفَع اللهُ بها النَّاسَ، فشَرِبوا وسَقَوا وزَرَعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى إنَّما هي قِيعانٌ، لا تُمسِكُ ماءً، ولا تُنبِتُ كَلأً، فذلك مَثَلُ مَن فَقُهَ في دينِ اللهِ، ونفَعَه ما بعَثَني اللهُ به، فعَلِمَ وعَلَّم، ومَثَلُ مَن لم يَرفَعْ بذلك رأسًا، ولم يَقبَلْ هُدى اللهِ الذي أُرسِلْتُ به )) .
    في هَذا الحَديثِ بيانٌ لفَضْلِ مَن قَبِلَ هُدَى اللهِ تعالَى، فعلِمَ وعَمِلَ وعلَّمَ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَبَّهه بخَيرِ أجزاءِ الأرضِ وأشرفِها وأزكاها، وهي الأرضُ النَّقيَّةُ، وفيه: ذمُّ الإعراضِ عن العِلمِ والعَمَلِ، وعَدمِ قَبولِه .

    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : الانقيادُ :


    قال اللهُ تعالى: وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [لقمان:22] .
    بَيَّنُ اللهُ تعالى أنَّ مَن يُخلِصْ عَمَلَه وقَصْدَه لله وحْدَه، وهو معَ إخلاصِه مُنقادٌ لطاعةِ اللهِ في أمْرِه ونَهْيِه كأنَّه يَراه، ومُتَّبِعٌ لشَريعةِ نبيِّه، ومُحسِنٌ إلى خَلْقِه؛ فقد تَمسَّك بأَوثَقِ رباطٍ يتمسَّكُ به مَن يريدُ الفَوزَ والنَّجاةَ مِنَ الضَّلالِ والعَذابِ، وإلى الله وَحْدَه تَرجِعُ نهايةُ كُلِّ أمرٍ؛ فأمورُ مَن أسلَمَ وَجهَه إلى اللهِ صائِرةٌ إلى اللهِ، ومَوكولةٌ إليه؛ فهو يَنصُرُهم ويُجازيهم إذا قَدِموا عليه جزاءً حَسَنًا وافيًا.
    وقد قيل: إنَّ العُروةَ الوُثقى هي: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن لم يَنْقَدْ إلى طاعةِ الله تعالى لم يكُنْ مُتمَسِّكًا حَقًّا بشَهادةِ التَّوحيدِ .
    عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان: 22] ، قال: (لا إلهَ إلَّا اللهُ) .
    وقال السَّمرقنديُّ: (قَولُه عزَّ وجَلَّ: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ أي: يُخلِصْ دِينَه. ويُقالُ: يُخلِصْ عمَلَه للهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ يعني: مُوَحِّدٌ) .

    وقال البَغَويُّ: (قَولُه تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ أي: للهِ، يعني: يُخلِصْ دينَه للهِ، ويُفَوِّضْ أمْرَه إلى اللهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ في عَمَلِه، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى أي: اعتَصَم بالعَهدِ الأوثَقِ الذي لا يُخافُ انقِطاعُه) .

    وفي حَديثِ جِبريلَ عليه السَّلامُ حينَ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ما الإيمانُ؟ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((الإيمانُ أن تُؤمِنَ باللهِ ))... الحديث .

    قال محمَّدُ بن نَصرٍ المرْوَزي: (قَولُه: ((الإيمانُ أن تؤمِنَ باللهِ)) أن توحِّدَه وتصدِّقَ به بالقَلبِ واللِّسانِ، وتخضَعَ له ولأمْرِه، بإعطاءِ العَزمِ للأداءِ لِما أَمَر، مجانبًا للاستنكافِ والاستكبارِ والمعاندةِ، فإذا فعَلْتَ ذلك لَزِمْتَ محابَّه، واجتَنَبْتَ مَساخِطَه) .
    وقال ابنُ باز: (هذه الكَلِمةُ هي أعظَمُ الكلامِ الذي يتكَلَّمُ به النَّاسُ، وأفضَلُ الكلامِ، وهي قَولٌ وعَمَلٌ، ولا يكفي مجَرَّدُ القَولِ، ولو كان مجَرَّدُ القَولِ يكفي لكان المنافِقونَ مُسلِمينَ؛ لأنَّهم يَقولونَها، وهم مع ذلك كُفَّارٌ، بل في الدَّرْكِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ -نعوذُ باللهِ مِن ذلك -؛ لأنَّهم يقولونَها باللِّسانِ مِن دونِ عَقيدةٍ ولا إيمانٍ، فلا بُدَّ مِن قَولِها بالِّلسانِ مع اعتِقادِ القَلبِ، وإيمانِ القَلبِ بأنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، ولا بُدَّ أيضًا مِن أداءِ حَقِّها بأداءِ الفرائضِ وتَرْكِ المحارِمِ؛ لأنَّ هذا مِن حَقِّ لا إلهَ إلَّا اللهُ،
    كما قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فإنْ قالوها عَصَموا منِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللهِ)) ،
    وفي اللَّفظِ الآخَرِ يَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإنْ فَعَلوا ذلك عَصَموا منِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ عزَّ وجَلَّ )) . متَّفَقٌ على صِحَّتِه.
    فالحاصِلُ أنَّه لا بُدَّ مِن قَولٍ مع يقينٍ، ومع عِلمٍ ومع عَمَلٍ لا مجَرَّدُ القَولِ باللِّسانِ، فاليَهودُ يَقولونَها والمنافِقون يَقولونَها،
    ولكِنْ لا تنفَعُهم لَمَّا لم يأتوا بالعَمَلِ والعقيدةِ، فلا بُدَّ من العَقيدةِ بأنَّه لا معبودَ حَقٌّ إلَّا اللهُ، وأنَّ ما عبده النَّاسُ مِن أصنامٍ وأشجارٍ أو أحجارٍ، أو قُبورٍ أو أنبياءَ أو ملائِكةٍ أو غيرِهم؛ أنَّه باطِلٌ، وأنَّ هذا شِركٌ باللهِ عزَّ وجَلَّ، والعِبادةُ حَقُّ اللهِ وَحْدَه سُبحانَه وتعالى،
    وهذا هو معنى لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فإنَّ مَعناها لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ؛
    قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] ،
    وقال سُبحانَه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] ، وقال عزَّ وجَلَّ: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] ،
    وقال سُبحانَه: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر: 2، 3]... فالخُلاصةُ أنَّه لا بُدَّ مِن الإيمانِ بها قولًا وعَمَلًا مع النُّطقِ، فيَشهَدُ أنَّه لا إلهَ إلَّا اللهُ، عن عِلمٍ ويَقينٍ، وإخلاصٍ وصِدقٍ، ومَحَبَّةٍ لِما دَلَّت عليه من التَّوحيدِ، وانقيادٍ لحَقِّها، وقَبولٍ لذلك، وبراءةٍ وكُفرٍ لِما يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ سُبحانَه) .
    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : الصِّدقُ :


    الصِّدقُ هو أن يُوَاطِئَ القَلبُ اللِّسانَ، فإذا صدَقَ العبدُ في كَلِمةِ التَّوحيدِ، وجعَلَها في حياتِهِ مَنهَجًا وسَبيلًا، وفي سَيْرِه إلى اللهِ دليلًا؛ فهو المَرْضِيُّ الذي لا يَنالُه يَوْمَ القِيامةِ خوفٌ ولا حُزْنٌ.
    قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكرُه للمُؤمِنينَ مُعَرِّفَهم سَبيلَ النَّجاةِ مِن عِقابِه والخَلاصِ مِن أليمِ عَذابِه: يا أيُّها الذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه، اتَّقُوا اللهَ وراقِبوه بأداءِ فَرائِضِه وتجَنُّبِ حُدودِه، وكونوا في الدُّنيا من أهلِ ولايةِ اللهِ وطاعتِه، تكونوا في الآخِرةِ مع الصَّادِقينَ في الجَنَّةِ، يعني: مع مَن صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحَقَّق قَولَه بفِعْلِه، ولم يكُنْ من أهلِ النِّفاقِ فيه، الذين يكَذِّبُ قِيلَهم فِعْلُهم) .

    وقال السَّعديُّ: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ في أقوالِهم وأفعالِهم وأحوالِهم، الذين أقوالُهم صِدقٌ، وأعمالُهم وأحوالُهم لا تكونُ إلَّا صِدقًا، خَلِيَّةً مِن الكَسَلِ والفُتورِ، سالِمةً مِن المقاصِدِ السَّيِّئةِ، مُشتَمِلةً على الإخلاصِ والنيَّةِ الصَّالحةِ؛ فإنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجَنَّةِ، قال اللهُ تعالى: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة: 119] الآية) .

    وقال اللهُ سُبحانَه: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة: 8-10] .

    في هذه الآياتِ الكريماتِ يُبَيِّنُ اللهُ تعالى بعضًا من أحوالِ المنافقينَ الذين يُظهِرونَ الإسلامَ ويُبطِنونَ الكُفرَ؛ فذَكَر أنَّهم يَدَّعون الإيمانَ كَذِبًا؛ إذ يُعلِنونَ ذلك بألسِنَتِهم، بَيْدَ أنَّه قَولٌ مجَرَّدٌ ليس معه إقرارٌ حقيقيٌّ بالإيمانِ في قلوبِهم، يريدونَ بذلك مُخادَعةَ اللهِ تعالى وعبادِه المؤمِنينَ، وهم في الحقيقةِ المَخْدوعونَ بصَنيعِهم دون أن يَشعُروا بذلك، وبَيَّن اللهُ تعالى أنَّ ما في قلوبِهم حقيقةً هو الشَّكُّ، وأخبَرَ أنَّ لهم عذابًا مُؤلِمًا مُوجِعًا بسَبَبِ كَذِبِهم في دَعْوى الإيمانِ، وكان الواجِبُ عليهم التحلِّيَ بالصِّدقِ، والالتزامَ بحقيقةِ الإيمانِ .

    قال السَّعدي: (اعلَمْ أنَّ النِّفاقَ هو: إظهارُ الخَيرِ وإبطانُ الشَّرِّ، ويَدخُلُ في هذا التَّعريفِ النِّفاقُ الاعتقاديُّ، والنِّفاقُ العَمَليُّ، كالذي ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِه: ((آيةُ المنافِقِ ثَلاتٌ: إذا حَدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خان )) ، وفي روايةٍ: ((وإذا خاصَمَ فَجَر )) .
    وأمَّا النِّفاقُ الاعتقاديُّ المخرِجُ عن دائرةِ الإسلامِ فهو الذي وَصَف اللهُ به المنافِقينَ في هذه السُّورةِ وغَيرِها، ولم يكُنِ النِّفاقُ موجودًا قبلَ هِجرةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن مكَّةَ إلى المدينةِ، وبعد أن هاجَرَ، فلمَّا كانت وَقعةُ بَدرٍ، وأظهَرَ اللهُ المؤمِنينَ وأعَزَّهم،
    ذَلَّ مَن في المدينةِ مِمَّن لم يُسلِمْ، فأظهَرَ بعضُهم الإسلامَ؛ خَوفًا ومخادَعةً، ولِتُحْقَنَ دماؤُهم، وتَسلَمَ أموالُهم، فكانوا بين أظهُرِ المُسلِمينَ في الظَّاهِرِ أنَّهم منهم، وفي الحقيقةِ ليسوا منهم.

    فمن لُطفِ اللهِ بالمؤمِنينَ أنْ جَلَّى أحوالَهم، ووَصْفَهم بأوصافٍ يتمَيَّزونَ بها؛ لئلَّا يغتَرَّ بهم المؤمِنونَ، ولِينقَمِعوا أيضًا عن كثيرٍ مِن فُجورِهم، قال تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: 64] ، فوصَفَهم اللهُ بأصلِ النِّفاقِ، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] ؛ فإنَّهم يقولونَ بألسِنَتِهم ما ليس في قُلوبِهم، فأكذَبَهم اللهُ بقَولِه: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ؛ لأنَّ الإيمانَ الحقيقيُّ: ما تواطَأَ عليه القَلبُ واللِّسانُ، وإنَّما هذا مخادَعةٌ لله ولعبادِه المؤمِنينَ) .

    وعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما من أحَدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، صِدْقًا مِن قَلْبِه إلَّا حَرَّمَه اللهُ على النَّارِ )) .
    أكَّدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهمِّيَّةَ الصِّدقِ في قولِ كَلِمةِ التَّوحيدِ حين أخْبَرَ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّه ما مِن أحَدٍ يَقول كَلِمةَ التَّوحيدِ بلِسانِه ويُصَدِّقَ قَلبُه بمعناها ومُقتضاها صِدْقًا منافيًا للكَذِبِ والنِّفاقِ، إلَّا حرَّمَهُ اللهُ على النَّارِ، بمعنى: حرَّمَ عليه الخُلودَ فيها، أمَّا مَن قالَ الشَّهادةَ بلسانِهِ، وأنكَرَ مَدْلولَها بقلبِهِ؛ فإنَّ هذه الشَّهادةَ لا تُنْجِيه، بلْ يَدخُلُ في عِدادِ المنافِقينَ .

    قال الحكيمُ الترمذيُّ: (ثمرةُ هذه الكَلِمةِ لأهلِها، وأهلُها من رعاها حتى قام بوفائِها وصَدَّقَها، ومن لم يَرْعَها فليس من أهلِ لا إلهَ إلَّا اللهُ، إنَّما هم من أهلِ قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ، فأهلُ قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ من كان مرجِعُه إلى القَولِ به والعَمَلِ بهواه، وأهلُ لا إلهَ إلَّا اللهُ من كان مرجِعُه إلى إقامةِ هذا القَولِ وفاءً وصدقًا) .

    وقال أبو منصورٍ البغداديُّ: (إنَّ الرُّكنَ الأوَّلَ من أركانِ الإسلامِ كما ورد به الخَبَرُ: شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ،
    ولهذه الشَّهادةِ شُروطٌ؛ منها: أنَّها لا تُقبَلُ ولا يثابُ عليها صاحِبُها إلا إذا عرف صِحَّتَها، وقالها عن معرفةٍ وتصديقٍ لها بالقلبِ، فأمَّا إذا أطلقها المنافِقُ الذي يعتَقِدُ خلافَها، فإنَّه لا يكونُ عند الله مؤمنًا ولا ناجيًا من عقابِ الآخرةِ، وإنَّما يجري عليه في الظَّاهِرِ حُكمُ الإسلامِ في سُقوطِ الجزيةِ عنه، وفي دَفْنِه في مقابِرِ المسلِمين) .

    وقال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (معنى صِدْقِ القَلْبِ: تَصديقُه الجازِمُ بحيثُ لا يخطُرُ له نَقيضُ ما صَدَّق به، وذلك إمَّا عن بُرهانٍ، فيكونُ عِلمًا، أو عن غَيرِه، فيكونُ اعتِقادًا جَزمًا.
    ويجوزُ: أن يُحَرِّمَ اللهُ من مات على الشَّهادتينِ على النَّارِ مُطلَقًا، ومَن دَخَل النَّارَ مِن أهلِ الشَّهادَتينِ بكَبائِرِه حُرَّمَ على النَّارِ جَميعَه أو بعضَه، كما قال في الحديثِ الآخَرِ: ((فيُحَرِّمُ صُوَرَهم على النَّارِ)) ، وقال: ((حَرَّم اللهُ على النَّارِ أن تأكُلَ أثَرَ السُّجودِ )) ،
    ويجوزُ أن يكونَ معناه: أنَّ اللهَ يُحَرِّمُه على نارِ الكُفَّارِ التي تُنضِجُ جُلودَهم، ثمَّ تُبدَّلُ بعد ذلك؛ كما قال تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء: 56] الآية.

    وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَّا أهلُ النَّارِ الذين هم أهلُها، فإنَّهم لا يموتونَ فيها ولا يَحْيَونَ، ولكِن ناسًا أصابَتْهم النَّارُ بذُنوبِهم، فأماتهم اللهُ إماتةً، حتَّى إذا كانوا فَحْمًا، أذِنَ لهم في الشَّفاعةِ ... )) الحديث) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (أخبر تعالى عن أهلِ البِرِّ، وأثنى عليهم بأحسَنِ أعمالِهم: من الإيمانِ، والإسلامِ، والصَّدَقةِ، والصَّبرِ، بأنَّهم أهُل الصِّدقِ فقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتاب وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177] ، وهذا صريحٌ في أنَّ الصِّدقَ بالأعمالِ الظَّاهرةِ والباطِنةِ، وأنَّ الصِّدقَ هو مَقامُ الإسلامِ والإيمانِ.
    وقَسَّم اللهُ سُبحانَه النَّاسَ إلى صادِقٍ ومُنافِقٍ، فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [الأحزاب: 24] .
    والإيمانُ أساسُهُ الصِّدقُ، والنِّفاقُ أساسُهُ الكَذِبُ، فلا يجتَمِعُ كَذِبٌ وإيمانٌ إلَّا وأحَدُهما محارِبٌ للآخَرِ.

    وأخبَرَ سُبحانَه: أنَّه في يومِ القيامةِ لا يَنفَعُ العَبدَ ويُنَجِّيه مِن عَذابِه إلَّا صِدْقُه؛
    قال تعالى: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة: 119] ،
    وقال تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر: 33] ، فالذي جاء بالصِّدْقِ: هو مَن شَأنُه الصِّدقُ في قَولِه وعَمَلِه وحالِه.
    فالصِّدقُ في هذه الثَّلاثةِ؛ فالصِّدقُ في الأقوالِ: استِواءُ اللِّسانِ على الأقواِل، كاستواءِ السُّنْبُلةِ على ساقِها،
    والصِّدقُ في الأعمالِ: استِواءُ الأفعالِ على الأمرِ والمتابَعةِ، كاستِواءِ الرَّأسِ على الجَسَدِ، والصِّدقُ في الأحوالِ: استِواءُ أعمالِ القَلبِ والجوارِحِ على الإخلاصِ، واستِفراغِ الوُسْعِ،
    وبَذْلِ الطَّاقةِ، فبذلك يكونُ العَبدُ مِن الذين جاؤوا بالصِّدقِ، وبحَسَبِ كَمالِ هذه الأُمورِ فيه وقيامِها به: تكونُ صِدِّيقيَّتُه) .
    ------------------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : الإخلاصُ :

    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ : : الإخلاصُ :

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 7:59 pm

    يتبع ما يلي : -

    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : الإخلاصُ :

    الإخلاصُ هو تصفيةُ العَمَلِ بصَالحِ النِّيَّةِ عن جَميِع شوائِبِ الشِّرْكِ .

    قال اللهُ تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 145-146] .
    إنَّ المُنافِقين في قَعرِ جهنَّمَ وأسفلِ طَبَقاتِها يومَ القيامة؛ جَزاءً على كُفرِهم الغَليظِ، ولنْ تجِدَ لهؤلاء المنافِقينَ -يا محمَّدُ- ناصِرًا يَنصُرُهم مِن اللهِ تعالى، فيُنقِذُهم مِن عَذابِه، ويَدفَعُ عنهم أليمَ عِقابِه،
    إلَّا التَّائبين مِن نِفاقِهم الَّذين رجَعوا للحَقِّ، ونَدِموا على سَيِّئاتِهم، وأصلَحوا أعمالَهم الظَّاهِرةَ والباطِنةَ، فعَمِلوا بما أمَرهم اللهُ تعالى به، وانتَهَوا عمَّا نهاهم عنه، وأصلَحوا ما أفسَدوه، واعتَصَموا برَبِّهم في جَميعِ أمورِهم، والْتَجَؤوا إليه في جَلْبِ مَنافعِهم ودَفْعِ المضارِّ عنهم، وقَصَدوا وجهَ اللهِ تعالى بأعمالِهم الظَّاهرةِ والباطِنةِ، وسَلِمُوا من الرِّياءِ والنِّفاقِ؛
    فهؤلاء المُنافِقونَ بَعْدَ تَوبتِهم وإصلاحِهم واعتِصامِهم باللهِ تعالى وإخلاصِهم له: مع المؤمِنينَ في الدُّنيا والآخِرةِ، يَكونونَ في زُمرتِهم يومَ القيامةِ، ويَدخُلونَ معهم الجنَّةَ، وسوفَ يُعطي اللهُ تعالى المؤمِنينَ ثَوابًا عظيمًا، لا يعلَمُ كُنْهَهُ إلَّا اللهُ عزَّ وجَلَّ؛ ممَّا لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولا خطَرَ على قَلْبِ بشَرٍ .
    قال ابنُ جريرٍ: (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ يقولُ: وأخلَصوا طاعَتَهم وأعمالَهم التي يَعمَلونَها للهِ، فأرادُوه بها، ولم يَعمَلوها رئاءَ النَّاسِ، ولا على شَكٍّ منهم في دينِهم وامتراءٍ منهم في أنَّ اللهَ مُحْصٍ عليهم ما عَمِلوا؛ فيجازي المحسِنَ بإحسانِه، والمُسيءَ بإساءتِه،
    ولكِنَّهم عَمِلوها على يقينٍ منهم في ثوابِ المحسِنِ على إحسانِه، وجَزاءِ المُسيءِ على إساءتِه، أو يتفَضَّلُ عليه رَبُّه فيعفو، متقَرِّبينَ بها إلى اللهِ مُريدينَ بها وَجْهَ اللهِ؛ فذلك معنى إخلاصِهم للهِ دينَهم) .

    وقال السَّمعاني: (شَرْطُ الإخلاصِ بالقَلْبِ؛ لأنَّ الآيةَ في المنافِقينَ، والنِّفاقُ: كُفرُ القَلبِ، فزَوالُه بالإخلاصِ) .

    وقال الشَّوكانيُّ: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا استِثناءٌ مِن المنافِقينَ، أي: إلَّا الذين تابُوا عن النِّفاقِ، وَأَصْلَحُوا ما أفسَدوا من أحوالِهم، وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ أي: جَعَلوه خالِصًا له، غَيرَ مَشوبٍ بطاعةِ غَيرِه) .
    وعن عِتْبانَ بنِ مالِكٍ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فإنَّ اللهَ قد حرَّم على النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) .
    معنى الحديثِ: أنَّ العبدَ إذا قالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بذلكَ وجهَ اللهِ، يَطْلُبُ رِضا اللهِ سُبحانَه، ولم يقُلْهَا لينالَ حظًّا من حظوظِ الدُّنيا، كمَغْنَمٍ، أوِ اتِّقاءَ القَتلِ، أو رياءً وسُمعةً؛ حرَّم اللهُ عليهِ النَّارَ .

    قال البربهاريُّ: (إنَّ شهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ لا تُقبَلُ من صاحبِها إلا بصِدقِ النيَّةِ، وخالِصِ اليقينِ) .

    وقال الخُجَندي: (لا إلهَ إلَّا اللهُ هي كَلِمةُ الإخلاصِ المنافيةُ للشِّركِ، وكَلِمةُ التقوى التي تقي قائِلَها من الشِّركِ باللهِ، ولكِنْ لا تنفَعُ قائِلَها عند اللهِ وفي الدَّارِ الآخِرةِ إلَّا بشُروطٍ:
    الأوَّلُ: العِلمُ بمعناها نفيًا وإثباتًا.
    الثَّاني: اليقينُ، وهو كمالُ العِلمِ بها المنافي للشَّكِّ.
    الثَّالثُ: الإخلاصُ المنافي للشِّركِ. فمن يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولكِنْ لا يفهَمُ معناها ولا يعمَلُ به، فهو كمَثَلِ الحِمارِ يحمِلُ أسفارًا؛... لأنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] )

    : مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ :

    : المَحَبَّةُ :


    فيَجِبُ مَحَبَّةُ هذه الكَلِمةِ وما اقتضَتَه وما دَلَّت عليه، ومَحَبَّةُ أهلِها العامِلينَ بها، الملتَزِمينَ لشُروطِها، وبُغْضُ ما ناقَضَ ذلك.
    قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ [البقرة:165] .

    أخبَرَ اللهُ تعالى أنَّ بَعْضَ النَّاسِ يجعَلون مِن بعضِ الخَلقِ نُظَراءَ لله سُبحانَه، بمساواتِهم له في المحبَّةِ، فيحبُّونهم كما يحبُّون الَله تعالى، وأمَّا المؤمنونَ الموحِّدونَ فهم أشدُّ حبًّا للهِ عزَّ وجَلَّ مِن محبَّةِ أولئك لله تعالى ولأندادِهم.
    وفي هذه الآيةِ دَلالةٌ على أنَّ محبَّةَ اللهِ سُبحانَه مِن العِبادةِ؛ لأنَّ اللهَ جعَل مَن سوَّى غيرَه به فيها مشرِكًا متَّخذًا لله ندًّا؛ فالمحبَّةُ مِن العِبادةِ، بل هي أساسُ العِبادةِ؛ لأنَّ أساسَها مبنيٌّ على الحبِّ والتَّعظيمِ، وكلَّما ازداد إيمانُ العبدِ ازدادتْ محبَّتُه لله؛ وذلك لأنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى رتَّب شدَّةَ المحبَّةِ على الإيمانِ .

    قال ابنُ كثيرٍ: (ذَكَر تعالى حالَ المُشْرِكين به في الدُّنيا، وما لهم في الدَّارِ الآخِرةِ؛ حيثُ جَعَلوا له أندادًا، أي: أمثالًا ونُظَراءَ يَعبُدونَهم معه، ويحِبُّونَهم كحُبِّه، وهو اللهُ لا إلهَ إلَّا هو، ولا ضِدَّ له، ولا نِدَّ له، ولا شَريكَ معه. وفي الصَّحيحينِ عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الذَّنبِ أعظَمُ؟ قال: ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خَلَقَك )) .
    وقَولُه: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ولحُبِّهم لله وتمامِ مَعرفتِهم به، وتوقيرِهم وتوحيدِهم له، لا يُشرِكونَ به شيئًا، بل يَعبُدونَه وَحْدَه ويتوكَّلون عليه، ويَلجَؤونَ في جميعِ أُمورِهم إليه) .

    وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجَد حلاوةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورَسولُه أحَبَّ إليه ممَّا سِواهما... )) الحديث .
    يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُبيِّنُ أهميَّةَ هذه المحبَّةِ، ووُجوبَها لتَحقيقِ الإيمانِ الكامِلِ؛ فيَذكُرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ خِصالٍ، ويُبيِّنُ أنَّ مَن حقَّقَها وقامَ بها، فإنَّه هو الذي يجِدُ حلاوةَ الإيمانِ؛ فأوَّلُها: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سِواهما،
    ومحبَّةُ اللهِ تَنشأُ مِن مَعرفةِ أسمائِه وصِفاتِه، والتَّفكيرِ في مَصنوعاتِه، وما فيها مِن الحِكَمِ والعَجائبِ، وتحصُلُ مِن مُطالَعةِ نِعَمِه على العِبادِ؛ فإنَّ ذلك كلَّه يدُلُّ على كَمالِه وقُدرتِه، وحِكمتِه وعِلمِه ورَحمتِه، ومِن ثَمَّ يَمتلئُ قلْبُ العبدِ حُبًّا وتَعظيمًا للهِ تعالى ولرسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
    وممَّا يدُلُّ على صِدقِ المحبَّةِ مِن العَبدِ لخالقِه سُبحانَه وتعالَى: التزامُ شَريعتِه وطاعتِه، والانتهاءُ عمَّا نهَى عنه، والتزامُ أوامرِه ونَواهيهِ في كُلِّ شيءٍ، ومحبَّةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كذلك. ومِن آثارِ تِلك الحلاوةِ التي يَمنَحُها اللهُ تعالى قلْبَ مَن يُحبُّه: الأُنسُ به سُبحانَه، وانشراحُ الصَّدرِ، وقوَّةُ التحمُّلِ، والثِّقةُ بمَوعودِه، والرِّضا بقدَرِه، وعَظمةُ اللُّجوءِ إليه، والتضرُّعُ بيْن يَديهِ .
    قال محمَّدُ بنُ نصرٍ المروَزيُّ: (مُحالٌ أن يفارِقَ الإيمانُ الحُبَّ، وكان عزيزًا أن يفارِقَ أحَدُهما الآخَرَ، فإذا لم يجُزْ أن يفارِقَ البُغضُ الكُفرَ، فالحُبُّ الإيمانُ لا غيرُه، والبُغضُ من الكُفرِ جزءٌ لا غيرُه) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ عن مَحَبَّةِ اللهِ: (هي المنزِلةُ التي فيها تنافَسَ المتنافِسونَ، وإليها شَخَص العامِلونَ، وإلى عِلْمِها شَمَّر السَّابِقونَ،
    وعليها تَفانى المحبُّون، وبرُوحِ نَسيمِها ترَوَّح العابِدونَ، فهي قوتُ القُلوبِ، وغِذاءُ الأرواحِ، وقُرَّةُ العُيونِ،
    وهي الحياةُ التي من حُرِمَها فهو من جملةِ الأمواتِ، والنورُ الذي من فَقَده فهو في بحارِ الظُّلُماتِ، والشِّفاءُ الذي مَن عُدِمَه حَلَّت بقَلْبِه جميعُ الأسقامِ، واللَّذَّةُ التي من لم يَظفَرْ بها فعَيشُه كُلُّه هُمومٌ وآلامٌ، وهي رُوحُ الإيمانِ والأعمالِ والمقاماتِ والأحوالِ، التي متى خَلَت منها فهي كالجَسَدِ الذي لا رُوحَ فيه، تحمِلُ أثقالَ السَّائِرينَ إلى بلادٍ لم يكونوا إلَّا بشِقِّ الأنفُسِ بالِغِيها، وتوصِلُهم إلى مَنازِلَ لم يكونوا بدُونهِا أبدًا واصِلِيها، وتُبَوِّؤُهم مِن مقاعِدِ الصِّدقِ مَقاماتٍ لم يكونوا لولاها داخِلِيها،
    وهي مطايا القَومِ التي مَسْرَاهم على ظُهورِها دائِمًا إلى الحَبيبِ، وطريقُهم الأقومُ الذي يُبَلِّغُهم إلى منازِلِهم الأُولى من قَريبٍ، تاللهِ لقد ذَهَب أهلُها بشَرَفِ الدُّنيا والآخِرةِ؛ إذ لهم مِن مَعِيَّةِ مَحبوبِهم أوفَرُ نَصيبٍ
    ) .

    وقال ابنُ رَجَبٍ: (من أحَبَّ اللهَ ورَسولَه مَحَبَّةً صادِقةً مِن قَلْبِه، أوجَبَ له ذلك أن يحِبَّ بقَلْبِه ما يحِبُّه اللهُ ورَسولُه، ويَكرَهَ ما يَكرَهُه اللهُ ورَسولُه، ويَرضى ما يرضى اللهُ ورَسولُه، ويَسخَطُ ما يُسخِطُ اللهَ ورَسولَه، وأن يَعمَلَ بجوارِحِه بمُقتَضى هذا الحُبِّ والبُغضِ؛ فإنْ عَمِلَ بجوارِحِه شيئًا يخالِفُ ذلك، فإن ارتكَبَ بَعْضَ ما يَكرَهُه اللهُ ورَسولُه، أو تَرَك بعضَ ما يحِبُّه اللهُ ورَسولُه، مع وجوبِه والقُدرةِ عليه؛ دَلَّ ذلك على نَقصِ محَبَّتِه الواجِبةِ، فعليه أن يتوبَ من ذلك، ويرجِعَ إلى تكميلِ المَحَبَّةِ الواجِبةِ) .

    وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخ: (لا بُدَّ في شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ من سَبعةِ شُروطٍ، لا تنفَعُ قائِلَها إلَّا باجتماِعها؛
    أحدُها: العِلمُ المنافي للجَهلِ. الثَّاني: اليقينُ المنافي للشَّكِّ. الثَّالثُ: القَبولُ المنافي للرَّدِّ. الرَّابعُ: الانقيادُ المنافي للتَّركِ. الخامِسُ: الإخلاصُ المنافي للشِّركِ. السَّادسُ: الصِّدقُ المنافي للكَذِبِ. السَّابعُ: المحبَّةُ المنافيةُ لضِدِّها) .

    وقال السَّعديُّ: (أصلُ التوحيدِ ورُوحُه: إخلاصُ المحبَّةِ للهِ وَحْدَه، وهي أصلُ التألُّهِ والتعَبُّدِ له، بل هي حقيقةُ العبادةِ، ولا يتمُّ التوحيدُ حتى تكمُلَ محبَّةُ العَبدِ لرَبِّه، وتسبِقَ محبَّتُه جميعَ المحابِّ وتَغلِبَها، ويكونَ لها الحُكمُ عليها، بحيث تكونُ سائرُ محابِّ العَبدِ تبعًا لهذه المحبَّةِ التي بها سعادةُ العَبدِ وفلاحُه) .

    وقال المعصومي الخُجَندي: (اعلَمْ أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ هي الكَلِمةُ الفارقةُ بين الكُفرِ والإسلامِ، وهي كَلِمةُ التقوى التي ألزَمَهم: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى، وهي العُروةُ الوثقى، وهي التي جعَلَها إبراهيمُ عليه السَّلامُ كلمةً باقيةً في عَقِبِه لعلَّهم يرجِعونَ، وليس المرادُ قَولَها باللِّسانِ فقط، مع الجَهلِ بمعناها؛ فإنَّ المنافِقين يقولونَها، وهم تحت الكُفَّارِ في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، وهم يصَلُّون ويحُجُّون ويطوفون ويقرؤون القُرآنَ ويتصَدَّقون، ولكِنَّ المرادَ قَولُها مع معرفِتها بالقَلبِ، والإذعانِ بها، ومحبَّتِها، ومحبَّةِ أهلِها، وبُغضِ ما خالفَها، ومُعاداتِه) .

    -----------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    : شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ :

    : معنى شَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ :


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty : شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ : : معنى شَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ :

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 8:42 pm

    يتبع ما قبله : -

    : شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ :

    : معنى شَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ :


    إنَّ الشَّهادةَ بأنَّ محمدًا رَسولُ اللهِ تتضمَّنُ أمرَينِ:

    أوَّلًا: تصديقُه في كُلِّ ما أخبَرَ به.
    ويتعَلَّقُ به أمرانِ:
    أ- إثباتُ نبُوَّتِه وصِدقِه فيما بلَّغَه عن اللهِ:
    ويندَرِجُ تحتَ هذا الإثباتِ والتَّصديقِ عِدَّةُ أُمورٍ؛ منها:
    1- الإيمانُ بعُمومِ رِسالتِه إلى كافَّةِ الثَّقَلينِ إنسِهم وجِنِّهم.
    2- الإيمانُ بكَونِه خاتَمَ النبيِّينَ، ورِسالتِه خاتِمةَ الرِّسالاتِ.
    3- الإيمانُ بكَونِ رِسالتِه ناسِخةً لِما قَبْلَها مِنَ الشَّرائِعِ.
    4- الإيمانُ بأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد بلَّغ الرِّسالةَ وأكمَلَها، وأدَّى الأمانةَ، ونَصَح لأمَّتِه حتَّى تركَهم على البَيضاءِ لَيلُها كنَهارِها.
    5- الإيمانُ بحُقوقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من التَّعظيمِ والمَحَبَّةِ والنُّصرةِ وغيرِ ذلك.
    ب- تصديقُه فيما جاء به، وأنَّ ما جاء به مِن عِنْدِ اللهِ حَقٌّ يَجِبُ اتِّباعُه:
    يَجِبُ تَصديقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جميعِ ما أخبَرَ به عن اللهِ عزَّ وجَلَّ من أنباءِ ما قد سَبَق، وأخبارِ ما سيأتي،
    وفيما أحَلَّ وحرَّم؛ والإيمانُ بأنَّ ذلك كُلَّه مِن عِنْدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] .

    قال عِياضٌ: (إذا تقَرَّر بما قدَّمْناه ثُبوتُ نبُوَّتِه وصِحَّةُ رِسالتِه، وَجَب الإيمانُ به، وتصديقُه فيما أتى به؛
    قال اللهُ تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن: 8] ،
    وقال: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الفتح: 8، 9]،
    وقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158]،
    فالإيمانُ بالنَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واجِبٌ مُتعَيَّنٌ، لا يَتِمُّ إيمانٌ إلَّا به، ولا يَصِحُّ إسلامٌ إلَّا معه) .

    ثانيًا: طاعتُه في كُلِّ ما أمَرَ به واتِّباعُ شَريعتِه.
    ما أحَلَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَجَب إثباتُ حِلِّه، وما حَرَّمه وَجَب إثباتُ حُرمتِه، ويجِبُ طاعتُه في أمْرِه ونَهْيِه.
    قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 31، 32].
    وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] .
    وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] .
    فقَرَن عَدَمَ إيمانِهم باللهِ واليَومِ الآخِرِ بأنَّهم لا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمه اللهُ ورَسولُه، ولا يَدينونَ دِينَ الحَقِّ.
    ويَجِبُ اتِّباعُ شَريعتِه، والالتزامُ بسُنَّتِه، مع الرِّضا بما قَضاه والتَّسليمِ له، والاعتِقادِ الجازِمِ أنَّ طاعتَه هي طاعةٌ للهِ، وأنَّ مَعصيتَه مَعصيةٌ لله.
    قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65] .

    قال محمَّدُ بنُ نَصرٍ المَرْوزيُّ: (من دان بدِينِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلْيَقبَلْ ما أتاه على ما وافق رأيَه أو خالَفَه، ولا يَشُكَّنَّ في شيءٍ مِن قَولِه؛ فإنَّ الشَّكَّ في قَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُفرٌ) .

    وقال عِياضٌ: (أمَّا وُجوبُ طاعتِه: فإذا وَجَب الإيمانُ به وتصديقُه فيما جاء به وَجَبَت طاعتُه؛ لأنَّ ذلك ممَّا أتى به؛ قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال: 20] ، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور: 54] ،
    وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132] ،
    وقال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54] ، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] ،
    وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ،
    وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] ،
    وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء: 64] ،

    فجَعَل تعالى طاعةَ رَسولِه طاعتَه، وقَرَن طاعتَه بطاعتِه، ووَعَد على ذلك بجزيلِ الثَّوابِ، وأوعَدَ على مخالفتِه بسُوءِ العِقابِ، وأوجَبَ امتِثالَ أمْرِه واجتِنابَ نَهْيِه، قال المُفَسِّرون والأئِمَّةُ: طاعةُ الرَّسُولِ في التزامِ سُنَّتِه والتَّسليمِ لِما جاء به، وقالوا: ما أرسَلَ اللهُ مِن رَسولٍ إلَّا فَرَض طاعتَه على من أرسَلَه إليه، وقالوا: مَن يُطِعِ الرَّسُولَ في سُنَّتِه يُطِعِ اللهَ في فرائِضِه) .

    وقال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (معنى شَهادةِ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ: طاعتُه فيما أمَرَ، وتصديقُه فيما أخبَرَ، واجتِنابُ ما عنه نهى وزَجَر، وأنْ لا يُعبَدَ اللهُ إلَّا بما شَرَع) .

    وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ: (شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ تَقتَضي الإيمانَ به، وتصديقَه فيما أخبَرَ، وطاعتَه فيما أمَرَ، والانتِهاءَ عَمَّا عنه نهى وزَجَر، وأن يُعَظَّمَ أمْرُه ونَهْيُه، ولا يُقدَّمَ عليه قَولُ أحَدٍ كائِنًا مَن كان) .

    وقال ابنُ باز: (معنى شَهادةِ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ: أن تَشهَدَ عن عِلمٍ ويَقينٍ وصِدقٍ أنَّ محمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ هو رَسولُ اللهِ حَقًّا إلى جميعِ الثَّقَلينِ؛ جِنِّهم وإنْسِهم، وأنَّه خاتَمُ الأنبياءِ، ليس بَعْدَه نبيٌّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ) .

    وقال ابنُ عثيمين: (مُقتضى هذه الشَّهادةِ أن تُصَدِّقَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما أخبَرَ، وأن تمتَثِلَ أمْرَه فيما أمَرَ، وأن تجتَنِبَ ما عنه نهى وزَجَر، وألَّا تَعبُدَ اللهَ إلَّا بما شَرَع، ومُقتضى هذه الشَّهادةِ أيضًا ألَّا تعتَقِدَ أنَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقًّا في الرُّبوبيَّةِ وتصريفِ الكَونِ، أو حَقًّا في العِبادةِ، بل هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَبدٌ لا يُعبَدُ، ورَسولٌ لا يُكذَّبُ، ولا يَملِكُ لنَفْسِه ولا لغيرِه شَيئًا مِنَ النَّفعِ أو الضُّرِّ إلَّا ما شاء اللهُ)

    : وجوبُ الإيمانِ بنُبُوَّتِه ورِسالتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :

    ورَدَت أدِلَّةٌ عديدةٌ مِن القُرْآنِ والسُّنَّةِ تدُلُّ على وجوبِ الإيمانِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

    أوَّلًا: مِنَ القُرْآنِ:

    لقد أكَّد اللهُ وجوبَ الإيمانِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجعَلَه مُقتَرِنًا بالإيمانِ به سُبحانَه وتعالى في مواضِعَ كَثيرةٍ مِن القُرْآنِ الكريمِ؛ منها:
    1- قَولُه تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158] .

    2- قَولُه سُبحانَه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ *الحجرات: 15*.
    3- قَولُه عزَّ وجَلَّ: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا [الفتح: 13] .
    والإيمانُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو أحَدُ ثلاثةِ حُقوقٍ اقتَرَن بها حَقُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع حَقِّ اللهِ تعالى في القُرْآنِ الكريمِ.

    والحَقُّ الثَّاني هو: طاعتُه.

    قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132] .

    والحَقُّ الثَّالِثُ هو: محبَّتُه.

    قال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24] .

    قال ابنُ باز: (من أراد الدُّخولَ في الإسلامِ والاستِقامةَ عليه والفَوزَ بالجَنَّةِ والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ، وأن يكونَ من أتباعِ محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الموعودين بالجَنَّةِ والكرامةِ؛ فإنَّه لا يَتِمُّ له ذلك إلَّا بتحقيقِ شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ؛ فتحقيقُ الأُولى، وهي "لا إلهَ إلَّا اللهُ" بإفرادِ اللهِ بالعِبادةِ، وتخصيصِه بها، والإيمانِ بكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ به ورَسولُه مِن أمرِ الجَنَّةِ والنَّارِ والكُتُبِ والرُّسُلِ واليَومِ الآخِرِ، والقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه.
    وأمَّا تحقيقُ الثَّانيةِ، وهي "شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ"، فبالإيمانِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه عَبدُ اللهِ ورَسولُه، أرسَلَه اللهُ إلى النَّاسِ كافَّةً؛ إلى الجِنِّ والإنسِ، يدعوهم إلى توحيدِ اللهِ والإيمانِ به،
    واتِّباعِ ما جاء به رَسولُ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، مع الإيمانِ بجميعِ الماضِينَ مِن الرُّسُلِ والأنبياءِ، ثمَّ بَعْدَ ذلك الإيمانِ بشَرائعِ اللهِ التي شَرَعَها لعِبادِه، على يَدِ رَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأخذِ بها والاستِمساكِ بها؛ من صلاةٍ وزكاةٍ، وصَومٍ وحَجٍّ، وجِهادٍ وغَيرِ ذلك) .

    ثانيا: مِنَ السُّنَّةِ:

    وردت في السُّنَّةِ أحاديثُ كثيرةٌ تَدُلُّ على وجوبِ الإيمانِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ منها:

    1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويُؤْمِنُوا بي، وبِما جِئْتُ به، فإذا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأَمْوالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم علَى اللَّهِ )) .

    2- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ؛ يَهُودِيٌّ ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ )) .
    3- وعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بَعَثَنِي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالَ: إنَّكَ تَأتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهم إلى شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هم أطاعُوا لذلكَ فأعْلِمْهم أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هم أطاعُوا لذلكَ فأعْلِمْهم أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهم فَتُرَدُّ في فُقَرائِهم، فإنْ هم أطاعُوا لذلكَ، فإيَّاكَ وكَرائِمَ أمْوالِهم، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللهِ حِجابٌ )) .

    ثالثًا: مِنَ الإجماعِ:

    قال ابنُ تَيميَّةَ: (يَجِبُ على الإنسانِ أن يعلَمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ أرسَلَ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جميعِ الثَّقَلينِ؛ الإنسِ والجِنِّ، وأوجَبَ عليهم الإيمانَ به وبما جاء به، وطاعتَه، وأن يحَلِّلوا ما حَلَّل اللهُ ورَسولُه، ويُحَرِّموا ما حَرَّم اللهُ ورَسولُه،
    وأن يُوجِبوا ما أوجَبَه اللهُ ورَسولُه، ويحِبُّوا ما أحَبَّه اللهُ ورَسولُه، ويَكرَهوا ما كَرِهَه اللهُ ورَسولُه، وأنَّ كُلَّ من قامت عليه الحُجَّةِ برِسالةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الإنسِ والجِنِّ، فلم يؤمِنْ به، استَحَقَّ عِقابَ اللهِ تعالى كما يَستَحِقُّه أمثالُه مِنَ الكافِرينَ الذين بُعِث إليهم الرَّسولُ، وهذا أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه بيْن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ، وأئمَّةِ المُسلِمينَ وسائِرِ طوائِفِ المُسلِمينَ؛ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ وغَيرِهم
    ) .

    : وُجوبُ مَحَبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :


    إنَّ حبَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أعظَمِ واجِباتِ الدِّينِ؛ قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24] .
    أي: قل -يا محمَّدُ- للمُتخَلِّفينَ عن الهِجرةِ إلى دارِ الإسلامِ: إن كان آباؤُكم وأبناؤُكم، وإخوانُكم في النَّسَبِ وزوجاتُكم، وعمومُ أقارِبِكم، وأموالٌ اكتسَبْتُموها، وتَعِبتُم في تَحصيلِها، وتجارةٌ تَخافونَ -إن هاجَرْتُم- عدَمَ بَيعِها ورَواجِها، أو رُخْصَ سِعرِها ونَقصَ أرباحِها، وبيوتٌ تُحِبُّونَ سُكْناها، فلا تُريدونَ تَرْكَها، إن كانت تلك الأشياءُ أحبَّ إليكم مِن اللهِ ورَسولِه، وجهادٍ لإعلاءِ كَلِمتِه تعالى؛ فانتَظِرُوا -أيُّها المُتخَلِّفونَ عن الهِجرةِ والجِهادِ- حتَّى يأتيَكم اللهُ بعُقوبةٍ عاجلةٍ أو آجِلةٍ، واللهُ لا يوفِّقُ للخَيرِ الخارِجينَ عن طاعَتِه إلى مَعصِيَتِه، المُؤْثِرينَ على محبَّةِ الله تعالى شيئًا مِن تلك المذكوراتِ.

    وفي قوله تعالى: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ وعيدٌ على مَن قدَّمَ محبَّةَ شيءٍ على مَحبَّةِ اللهِ ومَحبَّةِ رَسولِه، والوعيدُ لا يقَعُ إلَّا على فَرْضٍ لازمٍ، وحَتمٍ واجِبٍ.
    ووجهُ الاقترانِ بين محبَّةِ اللهِ ومَحبَّةِ رَسولِه، في قَولِه تعالى: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أنَّه لا تتِمُّ محبَّةُ اللهِ إلَّا بمحَبَّةِ ما يُحِبُّه، وكراهةِ ما يكرَهُه، ولا طريقَ إلى مَعرفةِ ما يُحبُّه وما يَكرَهُه تعالى إلَّا مِن جهةِ نبيِّه المُبَلِّغِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يُحبُّه وما يَكرَهُه؛ فصارت مَحبَّةُ اللهِ مُستلزِمةً لِمَحبَّةِ رَسولِه وتَصديقِه ومُتابَعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .

    قال عِياضٌ: (قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا [التوبة: 24] الآية، فكفى بهذا حَضًّا وتنبيهًا ودَلالةً وحُجَّةً على إلزامِ محَبَّتِه، ووجوبِ فَرْضِها، وعِظَمِ خَطَرِها واستِحقاقِه لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ إذ قَرَع تعالى من كان مالُه وأهلُه وولَدُه أحَبَّ إليه مِنَ اللهِ ورَسولِه، وأوعَدَهم بقَولِه تعالى: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، ثمَّ فسَّقهم بتمامِ الآيةِ، وأعلَمَهم أنَّهم ممَّن ضَلَّ، ولم يَهْدِه اللهُ) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (كُلُّ مَحَبَّةٍ وتعظيمٍ للبشَرِ، فإنَّما تجوزُ تَبَعًا لمَحَبَّةِ اللهِ وتَعظيمِه، كمَحَبَّةِ رَسولِه وتعظيمِه؛ فإنَّها من تمامِ مَحَبَّةِ مُرسِلِه وتعظيمِه، فإنَّ أمَّتَه يُحِبُّونَه لحُبِّ الله له، ويُعَظِّمونَه ويُجِلُّونَه لإجلالِ اللهِ له، فهي مَحَبَّةٌ للهِ، من مُوجِباتِ مَحَبَّةِ اللهِ) .

    وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (( ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهما...)) الحديث .
    وقد انقَسَم النَّاسُ في مَحَبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ثلاثةِ أقسامٍ؛ هي:

    1- أهلُ الإفراطِ.
    2- أهلُ التَّفريطِ.
    3- المتوسِّطون بين الإفراطِ والتَّفريطِ.


    وأصحابُ القِسمِ الأوَّلِ: هم الذين بالغوا في مَحَبَّتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بابتِداعِهم أُمورًا لم يَشرَعْها اللهُ ورَسولُه
    ومِن تلك الأُمورِ مُبالغتُهم في مَدْحِه، وإيصالُه إلى أمورٍ لا تنبغي إلَّا للهِ تعالى، وصَرْفُ بعضِ أنواعِ العِبادةِ له، كالدُّعاءِ، والتوَسُّلِ، والحَلِفِ به، والتمَسُّحِ بالحُجرةِ التي فيها قَبْرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وغَيرُ ذلك مِنَ الشِّرْكيَّاتِ أو البِدْعيَّاتِ التي تُفعَلُ بدعوى المَحَبَّةِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهي أمورٌ لم يَشْرَعْها اللهُ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَفعَلْها الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم الذين عُرِفوا بإجلالِهم ومحبَّتِهم لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهي أمورٌ قد حَذَّر الشَّارعُ مِن فِعْلِها، وهذا القِسمُ مِنَ النَّاسِ مِن أعصى الخَلْقِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما حَذَّرَ مِنَ الشِّرْكِ والبِدَعِ.
    ويَجِبُ التَّفريقُ بيْن الُحقوقِ التي يختَصُّ بها اللهُ وَحْدَه، وبينْ الحُقوقِ التي له ولرُسُلِه، والحُقوقِ التي يختَصُّ بها الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد مَيَّز سُبحانَه بيْن ذلك، في مِثْلِ قوَلهِ: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح: 9] ؛ فالتَّعزيرُ والتَّوقيرُ للرَّسولِ، والتَّسبيحُ بُكرةً وأصيلًا لله.
    وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ.
    فالطَّاعةُ للهِ ولرَسولِه، والخَشيةُ والتَّقوى للهِ وَحْدَه .

    قال ابنُ باز: (مَحَبَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليست بالبِدَعِ، ولكِنْ باتِّباعِ طريقِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وامتِثالِ أوامِرِه،
    وتَرْكِ نواهيه، والصَّلاةِ والسَّلامِ عليه عِنْد ذِكْرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في كُلِّ وَقتٍ، أمَّا إحداثُ البِدَعِ فذلك ممَّا يُغضِبُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وممَّا نهى عنه وأنكَرَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو مِمَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجَلَّ. اللهُ سُبحانَه أنكَرَ على أهلِ البِدَعِ؛

    قال سُبحانَه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21] . فالواجِبُ على كُلِّ مُسلِمٍ أن يتَّبِعَ ولا يبتَدِعَ، عليه أن يتَّبِعَ الشَّريعةَ، ويكفي، والحَمدُ لله، أمَّا الابتداعُ فهو شَرٌّ وبلاءٌ؛ فالدِّينُ كامِلٌ بحَمدِ اللهِ، فليس لأحَدٍ أن يُحدِثَ شَيئًا ما شرَعَه اللهُ، لا الاحتِفالُ بالموالِدِ ولا غَيرِها، ومن ذلك البِناءُ على القُبورِ، واتِّخاذُ المساجِدِ عليها، هذه بِدعةٌ ومن وسائِلِ الشِّرْكِ، ومن ذلك تجصيصُها واتِّخاذُ القِبابِ عليها والسُّتورِ، هذا بِدعةٌ أيضًا، ومِن أسبابِ الشِّرْكِ ووَسائِلِه، فالواجِبُ على أهلِ الإسلامِ أن يَحذَروا البِدَعَ، وأن يبتَعِدوا عنها، حتَّى لا يخالِفوا نبيَّهم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وحتَّى يَتَّبِعوه فيما أمَرَ به وفيما نهى عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ) .

    وقال ابنُ عثيمين: (يَجِبُ أن نَعلَمَ أنَّ مَحَبَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتعظيمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا تكونُ بالغُلُوِّ فيه،
    بل مَن غالى بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنَّه لم يُعَظِّمِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الغُلُوِّ فيه، فإذا غالَيَت فيه فقد عَصَيتَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن عصى أحدًا،
    فهل يُقالُ: إنَّه عَظَّمَه؟ إذن يَجِبُ علينا ألَّا نَغْلُوَ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما غلا أهلُ الكِتابِ بأنبيائِهم،
    بل نقولُ: إنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَبدٌ لا يُعبَدُ، ورَسولٌ لا يُكَذَّبُ) .

    وأمَّا أصحابُ القِسمِ الثَّاني: فهم أهلُ التَّفريطِ الذين قَصَّروا في تحقيقِ هذا المَقامِ
    وهم الذين لم يُراعُوا حَقَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وجوبِ تقديمِ محَبَّتِه على مَحَبَّةِ النَّفسِ والأهلِ والمالِ، كما لم يُراعوا ما له من حقوقٍ أُخرى، كتَعزيرِه وتَوقيرِه، وإجلالِه وطاعتِه، واتِّباعِ سُنَّتِه، والصَّلاةِ والسَّلامِ عليه، إلى غيرِ ذلك من الحُقوقِ العَظيمةِ الواجِبةِ له، والسَّبَبُ في ذلك يعودُ إلى أحَدِ الأُمورِ التَّاليةِ أو إليها جميعًا، وهي:
    1- الإعراضُ عن سُنَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن اتِّباعِ شَرْعِه بسَبَبِ المعاصي، وتقديمِ الهوى على اتِّباعِ الهُدى.
    2- الاعتِقادُ بأنَّ مجَرَّدَ التَّصديقِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يكفي في تحقيقِ الإيمانِ، دونَ تحقيقِ المتابَعةِ له.
    3- الجَهلُ بالحُقوقِ الواجِبةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والتي منها محَبَّتُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

    قال الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] الآية. صَرَّح تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ: أنَّ اتِّباعَ نَبيِّه موجِبٌ لمحبَّتِه جَلَّ وعلا ذلك المتَّبِعَ، وذلك يدُلُّ على أنَّ طاعةَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هي عَينُ طاعتِه تعالى،
    وصَرَّح بهذا المدلولِ في قَولِه تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] ،
    وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ...
    يؤخَذُ من هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ عَلامةَ المَحَبَّةِ الصَّادِقةِ للهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هي اتِّباعُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فالذي يخالِفُه ويدَّعي أنَّه يحِبُّه فهو كاذِبٌ مُفتَرٍ؛ إذ لو كان محِبًّا له لأطاعه، ومن المعلومِ عِنْدَ العامَّةِ أنَّ المَحَبَّةَ تَستجلِبُ الطَّاعةَ،
    ومنه قَولُ الشَّاعِرِ: لو كان حُبُّك صادِقًا لأطَعْتَه إنَّ المحِبَّ لِمن يحِبُّ مُطِيعُ) .

    أمَّا أصحابُ القِسمِ الثَّالِثِ: فهم الذين توسَّطوا بيْن الطَّرَفَينِ السَّابِقَينِ؛ أهلِ الإفراطِ وأهلِ التَّفريطِ.

    وهم السَّلَفُ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ، ومن سار على نَهْجِهم، فآمَنوا بوُجوبِ هذه المَحَبَّةِ حُكمًا، وقاموا بمُقتَضاها اعتِقادًا وقَولًا وعَمَلًا، من غيرِ إفراطٍ ولا تفريطٍ، فآمَنوا وصدَّقوا بنُبُوَّتِه ورِسالتِه وما جاء به مِن رَبِّه عزَّ وجَلَّ، وقاموا بحَسَبِ استِطاعتِهم بما يَلزَمُ مِن طاعتِه، والانقيادِ لأمْرِه، والاقتِداءِ بسُنَّتِه، وامتَثَلوا لِما أمَرَ به سُبحانَه وتعالى مِن حُقوقٍ زائِدةٍ على مجَرَّدِ التَّصديقِ بنبوَّتِه، وما يَدخُلُ في لوازِمِ رِسالتِه.
    فمن ذلك: امتِثالُهم لأمْرِه سُبحانَه بالصَّلاةِ عليه والتَّسليمِ.
    قال اللهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] .
    ويَدخُلُ في ذلك مخاطَبتُه بما يَليقُ.
    قال اللهُ سُبحانَه: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] .
    ومن ذلك حُرمةُ التقَدُّمِ بيْن يَدَيه بالكَلامِ حتَّى يَأذَنَ، وحُرمةُ رَفعِ الصَّوتِ فوقَ صَوتِه، وأن يُجهَرَ له بالكلامِ كما يَجهَرُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ.

    قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات: 1-3] .
    ومن محبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تعَلُّمُ سُنَّتِه، ومَعرِفةُ معاني أقوالِه، والاشتِغالُ بمعرفةِ سِيرتِه وشمائِلِه، ودلائِلِ نُبُوَّتِه، بقَصْدِ التأسِّي بما كان عليه مِن كريمِ الخِصالِ، ومحاسِنِ الأفعالِ والأقوالِ، وتعميقِ الإيمانِ بصِدقِ نُبُوَّتِه، وزيادةِ محبَّتِه وتَعظيمِه، وقد اهتَمَّ السَّلَفُ بذلك، فدَوَّنوا المصَنَّفاتِ التي أوضَحَت تلك الجوانِبَ، ككُتُبِ الشَّمائِلِ التي اعتَنَت بذِكرِ صِفاتِه وأحوالِه في عباداتِه، وخُلُقِه، وهَدْيِه، ومُعامَلاتِه؛ مِثلُ: كِتابِ ((الشَّمائل)) للتِّرمذيِّ، وكِتابِ ((الشَّمائل)) لابنِ كثيرٍ، وكُتُبِ الدَّلائِلِ التي اعتَنَت بدلائِلِ نُبُوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ مِثلُ: كِتابِ ((دلائلِ النبُوَّةِ)) لأبي نُعَيم الأصبهانيِّ، وكِتابِ ((دلائِلِ النبُوَّة)) للبيهقيِّ، والكُتُبِ التي تحَدَّثَت عن نشأتِه، وبَعْثتِه، وما حدَثَ له من الأُمورِ قَبلَ الهِجرةِ وبَعْدَها، وشُؤونِ دَعوتِه، وغَزَواتِه، وسَرَاياه، وغيرِ ذلك؛ مِثلُ ((السِّيرة النَّبَوِيَّة)) لابن هشام، ((والسِّيرة النَّبَويَّة)) لابنِ كثيرٍ .
    ---------------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    : وُجوبُ تعزيرِه وتوقيرِه وتعظيمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
    -
    تابعونا جزاكم الله خيرا

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله                                     مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -                    Empty : وُجوبُ تعزيرِه وتوقيرِه وتعظيمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 06, 2023 9:14 pm

    يتبع ما قبله : -

    : وُجوبُ تعزيرِه وتوقيرِه وتعظيمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :

    تعزيرهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يكونُ بنُصرتِه وتأييدِه ومَنْعِه مِن كُلِّ ما يُؤْذيه،
    وتوقيرُه: مُعاملتُه بإجلالٍ وإكرامٍ وتَشريفٍ وتعظيمٍ، وإن كان لفظُ التعظيمِ لم يَرِدْ كما وَرَد لفظُ (التَّعزيرِ) و(التَّوقيرِ) إلَّا أنَّ العُلَماءَ استَعمَلوه في كلامِهم .

    ومن الأدِلَّةِ على وُجوبِ تَعزيرِه وتَوقيرِه وتَعظيمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:

    قَولُ الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 8، 9].
    عن الضَّحَّاكِ في قَولِه: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9] قال: (كُلُّ هذا تعظيمٌ وإجلالٌ) .

    وعن قَتادةَ في قَولِه: وَتُعَزِّرُوهُ [الفتح: 9] قال: (يَنصُروه، وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9] : أي: لِيُعَظِّموه) .

    قال ابنُ جرير: (معنى التعزيرِ في هذا الموضِعِ: التَّقويةُ بالنُّصرةِ والمَعُونةِ، ولا يكونُ ذلك إلَّا بالطَّاعةِ والتَّعظيمِ والإجلالِ) .

    وقال السَّعديُّ: (الحُقوقُ ثَلاثةٌ: حَقٌّ لله تعالى لا يكونُ لأحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وهو عِبادةُ اللهِ والرَّغْبةُ إليه، وتوابِعُ ذلك.
    وقِسمٌ مُختَصٌّ بالرَّسولِ، وهو التَّعزيرُ والتَّوقيرُ والنُّصرةُ.
    وقِسمٌ مُشتَركٌ، وهو الإيمانُ باللهِ ورَسولِه ومحَبَّتُهما وطاعتُهما،
    كما جَمَع اللهُ بيْن هذه الحُقوقِ في قَولِه: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح: 9] فمَنْ أطاع الرَّسُولَ فقد أطاع اللهَ، وله مِنَ الثَّوابِ والخَيرِ ما رُتِّب على طاعةِ اللهِ) .

    وقال اللهُ سُبحانَه: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157] .
    عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما في قَولِه تعالى: وَعَزَّرُوهُ [الأعراف: 157] قال: (حَمَوه ووقَّرَوه) .

    قال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ أي: عَظَّموه ووقَّرُوه، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أي: القُرْآنَ والوَحيَ الذي جاء به مُبلِّغًا إلى النَّاسِ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي: في الدُّنيا والآخِرةِ) .

    إنَّ تعظيمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجلالَه وتوقيرَه: مِن شُعَبِ الإيمانِ العظيمةِ التي تفوقُ مَنزِلةَ المَحَبَّةِ؛ فليس كُلُّ مُحِبٍّ مُعَظِّمًا، فالوالِدُ يحِبُّ وَلَدَه، فيدعوه ذلك إلى تكريمِه لا تعظيمِه، والولَدُ يحِبُّ والِدَه، فيَجمَعُ له بيْن التَّكريمِ والتَّعظيمِ، والسَّيِّدُ قد يحِبُ مماليكَه، ولكِنَّه لا يُعَظِّمُهم، والمماليكُ يُعَظِّمونَ ساداتِهم، وقد يُحِبُّونَهم أو يُبغِضونَهم.
    وحقوقُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجَلُّ وأعظَمُ وأكرَمُ، وألزَمُ وأوجَبُ مِن حُقوقِ السَّاداتِ على مماليكِهم، والآباءِ على أولادِهم؛ فاللهُ تعالى يُنقِذُ به مِنَ النَّارِ في الآخِرةِ، ويَعصِمُ بالإيمانِ به الأرواحَ والأبدانَ والأعراضَ، والأموالَ والأهلِينَ والأولادَ في الدُّنيا،
    وقد توعَّد اللهُ على مَعصيتِه بالنَّارِ، ووَعَد باتِّباعِه الجَنَّةَ، فرُتبتُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عظيمةٌ، ودَرَجتُه عاليةٌ رفيعةٌ؛ فحَقٌّ علينا أن نحِبَّه ونُجِلَّه ونُعَظِّمَه .
    وفي القُرْآنِ الكريمِ آياتٌ كثيرةٌ تؤكِّدُ هذا الحَقَّ، ومن ذلك:

    1- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب: 57] .
    أي: إنَّ الذين يُؤذُونَ اللهَ بالكُفرِ، أو بنِسبةِ الصَّاحِبةِ والوَلَدِ والشَّريكِ إليه، أو وَصْفِه بما لا يليقُ به، أو بالإصرارِ على مَعصيتِه أو بغيرِ ذلك؛ ويؤذونَ رَسولَه مُحمَّدًا بالقَول أو الفِعلِ- أبعَدَهم اللهُ وطرَدَهم مِن رحمتِه في الدُّنيا وفي الآخِرةِ، وأعدَّ لهم عَذابًا يُهينُهم؛ جزاءً لهم على إيذائِهم اللهَ ورَسولَه.
    ففي هذه الآيةِ أنَّ أذيَّةَ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليست كأذيَّةِ غَيرِه؛ فالعَبدُ لا يُؤمِنُ باللهِ حتَّى يُؤْمِنَ برَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن لوازمِ هذا الإيمانِ تعظيمُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا يقتضي ألَّا يكونَ مثلَ غيرِه في المعامَلةِ .
    وفي هذه الآيةِ قَرَن اللهُ تعالى أذاه بأذى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَن آذاه فقد آذى اللهَ تعالى.

    وأيضًا فَرَّق اللهُ تعالى بيْن أذى اللِه ورَسولِه وبين أذى المؤمِنينَ والمؤمِناتِ في الآيةِ التَّاليةِ، فقال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58] ، فجعل على هذا أنَّه قد احتَمَل بهتانًا وإثمًا مبينًا، وجَعَل على أذى اللهِ ورَسولِه اللَّعنةَ في الدُّنيا والآخِرةِ، والعَذابَ المُهِينَ .

    قال ابنُ كثيرٍ: (قال العوفي عنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَولِه: يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 57] : نَزَلت في الذين طَعَنوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تزويجِه صَفِيَّةَ بِنتَ حُيَيِّ بنِ أخطَبَ.
    والظَّاهِرُ أنَّ الآيةَ عامَّةٌ في كُلِّ مَن آذاه بشَيءٍ، ومَن آذاه فقد آذى اللهَ، ومن أطاعه فقد أطاعَ اللهَ) .

    وقال السَّعدي: (لَمَّا أمَرَ تعالى بتعظيمِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والصَّلاةِ والسَّلامِ عليه، نهى عن أذيَّتِه، وتوَعَّدَ عليها، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 57] ،
    وهذا يَشمَلُ كُلَّ أذِيَّةٍ قَوليَّةٍ أو فِعْليَّةٍ؛ مِن سَبٍّ وشَتمٍ، أو تَنقُّصٍ له أو لدِينِه، أو ما يعودُ إليه بالأذى. لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [الأحزاب: 57] أي: أبعَدَهم وطَرَدَهم، ومِن لَعْنِهم في الدُّنيا أنَّه يحَتَّمُ قَتْلُ مَن شَتَم الرَّسولَ وآذاه. وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب: 57] جزاءً له على أذاه؛ أن يُؤذَى بالعذابِ الأليمِ، فأَذِيَّةُ الرَّسولِ ليست كأذِيَّةِ غَيرِه؛ لأنَّه لا يؤمِنُ العَبدُ باللهِ، حتَّى يؤمِنَ برَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وله مِنَ التَّعظيمِ الذي هو من لوازمِ الإيمانِ ما يقتضي ذلك؛ ألَّا يكونَ مِثلَ غَيرِه) .
    2- قال اللهُ سُبحانَه: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] .

    عن الضَّحَّاكِ في قَولِه تعالى: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] قال: (هو كقَولِه: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] ، نهاهم اللهُ أن ينادوه كما ينادي بَعضُهم بعضًا، وأمَرَهم أن يُشَرِّفوه ويُعَظِّموه، ويَدْعوه إذا دَعَوه باسمِ النبُوَّةِ) .
    قال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] أي: لا تقولوا: يا محمَّدُ، يا أبا القاسِمِ، يا ابنَ عَبدِ اللهِ، ولكِنْ قُولُوا: يا أيُّها الرَّسولُ، يا أيُّها النَّبيُّ، يا رَسولَ اللهِ، وادْعُوه على التَّفخيمِ والتَّعظيمِ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (خَصَّ اللهُ نبيَّه في هذه الآيةِ بالمُخاطَبةِ بما يَليقُ به،
    فنهى أن يقولوا: يا محمَّدُ، أو يا أحمَدُ، أو يا أبا القاسِمِ، ولكِنْ يقولوا: يا رَسولَ اللهِ، يا نبيَّ اللهِ، وكيف لا يخاطِبونَه بذلك، واللهُ سُبحانَه أكرَمَه في مُخاطبتِه إيَّاه بما لم يُكرِمْ به أحدًا مِنَ الأنبياءِ، فلم يَدْعُه باسمِه في القُرْآنِ قَطُّ؟) .

    وقال أيضًا: (إذا كنَّا في بابِ العِبارةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علينا أن نُفَرِّقَ بين مخاطبتِه والإخبارِ عنه؛ فإذا خاطَبْناه كان علينا أن نتأدَّبَ بآدابِ اللهِ تعالى... فلا تقولُ: يا محمَّدُ، يا أحمَدُ، كما يدعو بعضُنا بعضًا،
    بل نقولُ: يا رسولَ اللهِ، يا نبيَّ اللهِ...
    وأمَّا إذا كنَّا في مقامِ الإخبارِ عنه، قُلْنا: (أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ)، وقُلْنا: محمَّدٌ رَسولُ اللهِ، وخاتَمُ النبيِّينَ، فنخبِرُ عنه باسمِه، كما أخبَرَ الله سُبحانَه... مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] ... فالفَرقُ بيْن مقامِ المُخاطَبةِ ومَقامِ الإخبارِ فَرقٌ ثابتٌ بالشَّرعِ والعَقلِ) .

    وقال ابنُ كثيرٍ: (قال الضَّحَّاكُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: كانوا يقولونَ: يا محمَّدُ، يا أبا القاسِمِ، فنهاهم اللهُ عزَّ وجَلَّ عن ذلك؛ إعظامًا لنبِيِّه، صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، قال: فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، يا نبيَّ اللهِ. وهكذا قال مجاهِدٌ، وسَعيدُ بنُ جُبَيرٍ.

    وقال قَتادةُ: أمَرَ اللهُ أن يُهابَ نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأن يُبجَّلَ، وأن يُعَظَّم وأن يُسوَّدَ.
    وقال مقاتِلُ بنُ حَيَّانَ، في قَولِه: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] يقول: لا تُسَمُّوه إذا دَعَوتُموه: يا محمَّدُ، ولا تقولوا: يا بنَ عَبدِ اللهِ، ولكِنْ شَرِّفوه فقولوا: يا نبيَّ اللهِ، يا رَسولَ اللهِ.

    وقال مالِكٌ عن زَيدِ بنِ أسلَمَ في قَولِه: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] قال: أمَرَهم اللهُ أن يُشَرِّفوه.
    هذا قَولٌ. وهو الظَّاهِرُ مِنَ السِّياقِ، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا [البقرة: 104] ،
    وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إلى قَولِه: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الحجرات: 2-5] ، فهذا كُلُّه مِن بابِ الأدَبِ في مُخاطَبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والكَلامِ معه وعِندَه كما أُمِروا بتقديمِ الصَّدَقةِ قَبْلَ مُناجاتِه.

    والقَولُ الثَّاني في ذلك أنَّ المعنى في: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] أي: لا تَعتَقِدوا أنَّ دُعاءَه على غَيرِه كدُعاءِ غَيرِه، فإنَّ دُعاءَه مُستجابٌ؛ فاحْذَروا أن يدعوَ عليكم فتَهلِكوا. حكاه ابنُ أبي حاتمٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، والحَسَنِ البَصْريِّ، وعَطِيَّةَ العوفيِّ. واللهُ أعلَمُ) .

    وقال السَّعديُّ: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] أي: لا تَجعَلوا دُعاءَ الرَّسُولِ إيَّاكم ودُعاءَكم للرَّسولِ كدُعاءِ بعضِكم بَعضًا، فإذا دعاكم فأجيبوه وُجوبًا، حتَّى إنَّه تَجِبُ إجابةُ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حالِ الصَّلاةِ، وليس أحَدٌ إذا قال قولًا يَجِبُ على الأُمَّةِ قَبولُ قَولِه والعَمَلُ به، إلَّا الرَّسولُ؛ لعِصْمتِه، وكَونِنا مخاطَبينَ باتِّباعِه،
    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] ، وكذلك لا تَجعَلوا دُعاءَكم للرَّسولِ كدُعاءِ بَعضِكم بَعضًا، فلا تقولوا: يا محمَّدُ، عِنْدَ ندائِكم،
    أو يا محمَّدُ بنَ عَبدِ اللهِ، كما يقولُ ذلك بعضُكم لبعضٍ، بل مِن شَرَفِه وفَضْلِه وتمَيُّزِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن غيرِه؛ أن يُقالَ: يا رَسولَ اللهِ، يا نبيَّ اللهِ) .
    3- قال اللهُ سُبحانَه: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة: 120] .
    أي: ما كان ينبغي للمُسلِمينَ مِن سُكَّانِ المدينةِ النَّبَويَّةِ ومَن حولَهم مِن سُكَّانِ البَوادي أنْ يتخَلَّفوا عن الخُروجِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ تَبوكَ، وما كان ينبغي لهم أن يتَرَفَّعوا بأنفُسِهم عن نَفسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صُحبَتِه في الجِهادِ، ويَرضَوا لأنفُسِهم بالرَّاحةِ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تعَبٍ ومَشقَّةٍ.

    فدَلَّت هذه الآيةُ الكريمةُ على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَولَى بالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهم، كما قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] ، وأنَّ على كلِّ مُسلِمٍ أن يَفدِيَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِنَفسِه، ويُقَدِّمَه عليها .
    قال الحليميُّ: (في هذا أعظَمُ البَيانِ لِمَن عَقَل، وأبيَنُ الدَّلالةِ على وُجوبِ تَعظيمِه وإجلالِه وتَوقيرِه) .

    وقال السَّعديُّ: (النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَولى بالمؤمِنينَ مِن أنفُسِهم؛ فعلى كُلِّ مُسلِمٍ أن يَفدِيَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنَفْسِه، ويُقَدِّمَه عليها، فعَلامةُ تَعظيمِ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومحبَّتِه والإيمانِ التَّامِّ به: ألَّا يتخَلَّفوا عنه) .

    4- قال اللهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] .
    جاءت هذه الآيةُ الكريمةُ عَقِبَ أحكامِ مُعامَلةِ أزواجِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ إيماءً إلى أنَّ تلك الأحكامَ داخِلةٌ في مَقامِ تَعظيمِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأنَّ لأزواجِه مِن ذلك التَّشريفِ حظًّا عظيمًا؛ ولذلك كانتْ صِيغَةُ الصَّلاةِ عليه الَّتي علَّمَها للمُسلمينَ مُشتَمِلةً على ذِكرِ أزواجِه، كما أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا حذَّر المؤمِنينَ مِن كُلِّ ما يُؤذي رَسولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أعقَبَ ذلك بما هو أكبَرُ مِنه، وهو: أن يُصَلُّوا عليه ويُسَلِّموا، وذلك داخِلٌ في إكرامِهم الرَّسُولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فيما بيْنهم وبيْن ربِّهم.

    فأخبَرَ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ عِبادَه بثَنائِه على نَبيِّه في الملأِ الأعلى، وثناءِ مَلائِكتِه عليه ودُعائِهم له، وأمَرَهم أن يدْعُوا اللهَ بأن يصلِّيَ على نبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَرَهم بأن يحيُّوه بتحيَّةِ الإسلامِ فيَقولوا: السَّلامُ عليك -أيُّها النبيُّ- ورحمةُ اللهِ وبركاتُه .
    قال ابنُ كثيرٍ: (المقصودُ مِن هذه الآيةِ: أنَّ اللهَ سُبحانَه أخبَرَ عِبادَه بمنزلةِ عَبدِه ونَبيِّه عِندَه في الملَأِ الأعلى، بأنَّه يُثني عليه عِنْدَ الملائِكةِ المقَرَّبينَ، وأنَّ الملائِكةَ تُصَلِّي عليه، ثمَّ أمَرَ تعالى أهلَ العالَمِ السُّفليِّ بالصَّلاةِ والتَّسليمِ عليه؛ ليَجتَمِعَ الثَّناءُ عليه من أهلِ العالَمينَ؛ العُلويِّ والسُّفليِّ جَميعًا) .

    وقال السَّعديُّ: (هذا فيه تنبيهٌ على كَمالِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورِفعةِ دَرَجتِه، وعُلُوِّ مَنزِلتِه عِنْد اللهِ وعِندَ خَلْقِه،
    ورَفْعِ ذِكْرِه. و إِنَّ اللَّهَ تعالى وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عليه، أي: يُثني اللهُ عليه بيْن الملائكةِ، وفي الملأِ الأعلى؛ لمحبَّتِه تعالى له،
    وتُثني عليه الملائِكةُ المقَرَّبونَ، ويَدْعُونَ له ويتضَرَّعونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] ؛ اقتِداءً باللهِ ومَلائكتِه، وجزاءً له على بَعضِ حُقوقِه عليكم، وتكميلًا لإيمانِكم، وتعظيمًا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَحَبَّةً وإكرامًا، وزيادةً في حَسَناتِكم، وتكفيرًا من سَيِّئاتِكم) .

    وعن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّهم قالوا: يا رَسولُ اللهِ كيف نصَلِّي عليك؟
    فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وأزواجِه وذُرِّيَّتِه، كما صَلَّيتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمَّدٍ وأزواجِه وذُرِّيَّتِه، كما باركْتَ على آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حميدٌ مَجيدٌ)) .

    قال ابنُ أبي يَعْلَى في بيانِ تَعظيمِ اللهِ سُبحانَه لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ووجوبِ تَعظيمِ الأُمَّةِ له: (توعَّد مَن رَفَع صَوْتَه على نبيِّه بذَهابِ عَمَلِه وبُطلانِه، فقال عزَّ وجَلَّ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] ،
    وأدَّبَهم في محاورِة نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخِطابِه، فقال: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63]
    لا تقولوا: يا أحمَدُ، يا محمَّدُ، يا أبا القاسِمِ، أي: قولوا: يا رَسولَ اللهِ، ويا نَبيَّ اللهِ،
    كما قال عزَّ وجَلَّ: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ [الفتح: 9] ،
    فأمَرَهم بتعظيمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما عَظَّمَه وشَرَّفَه في خِطابِه على سائِرِ أنبيائِه، فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67] ،
    وخاطَبَ الأنبياءَ بأسمائِهم: يَا آدَمُ، يَا نُوحُ، يَا إِبْرَاهِيمُ، يَا مُوسَى، يَا عِيسَى.
    وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ، فأقام أمْرَه ونَهْيَه مَقامَ القُرْآنِ ونَهْيِه.
    وجَمَع له بيْن صِفَتَينِ مِن صِفاتِه، فقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] .

    ولم يُقسِمْ لأحَدٍ بالرِّسالةِ إلَّا له، فقال: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يس:1-4] ،
    وقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر: 72] .
    وقال في حَقِّ إبراهيمَ: وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشّعراء: 87] ، فأجابه إلى ذلك،

    وابتدأ به نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن غيرِ سُؤالٍ، فقال: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التحريم: 8] .
    وقال موسى: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه:25] ، فأجابه اللهُ إلى ذلك فقال: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه: 36] ،
    وقال لنبِيِّنا: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: 1] .

    وغَفَر ذَنْبَه مع سَتْرِه، وغَفَر ذَنبِ غَيرِه مع ظُهورِه، فقال: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ [طه: 121، 122]،
    وقال في داودَ: وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ [ص: 24، 25]
    وقال: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ إلى قَولِه: ثُمَّ أنابَ [ص: 34]،
    وقال: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا إلى قَولِه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء: 87، 88]،
    وقال لنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح: 2]،
    ولم يذكُرْ ذلك الذَّنْبَ،
    وقال: وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح: 2، 3] ولم يذكُرِ الوِزْرَ) .

    -------------------------------------------------------------------------------------------
    جزاكم الله خيراً أحبابنا
    -
    لا تنسونا من صالح دعائكم
    -
    أذكرونا دائماً بالخير بارك الله فيكم ونفع بكم وأصلح بالكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

      مواضيع مماثلة

      -
      »  المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم
      » المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالأسماءِ الحُسْنى :قواعِدُ في أسْماءِ اللهِ تعالى :من قواعِدِ أسْماءِ اللهِ أنَّ أسماءَه كُلَّها حُسْنى : أسْماءُ اللهِ الحُسْنى : أدِلَّةُ تفاضُلِ أسْماءِ اللهِ :وجوهُ تفاضُلِ أسماءِ اللهِ :
      »  الشجرة الرمضانية : - خامساً : - قيام الليل أم التراويح - الحثُّ عَلى قِيَامِ اللَّيْلِ -وقتُ قيامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - صِفةُ صَلاةِ القِيامِ - حكم مَن فاتَه قيامُ اللَّيلِ - الفرق بين صلوات قيام الليل والتراويح والتهجد -
      » أحكامُ توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ :: أحكامٌ مُتعَلِّقةٌ بالوَصفِ والتَّسميةِ والإخبارِ عن اللهِ :حُكمُ اشتقاقِ المصدَرِ والفِعلِ والإخبارِ بهما عن اللهِ.: حُكمُ اشتِقاقِ أسماءٍ وصِفاتٍ للهِ مِن أفعالِه المقيَّدةِ.
      » الإيمانُ باللهِ: (توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، والأُلُوهيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ) الإيمانِ بوُجودِ اللهِ تعالى وأقسامِ التَّوحيدِ - توحيدُ الرُّبوبيَّةِ - توحيدُ الأُلوهيَّةِ - توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 3:03 pm