آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» أقسام صفات الله
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110اليوم في 8:52 pm من طرف عبدالله الآحد

» اثبات أن الله يتكلم بالصوت والحرف وأن القرآن كلامه حقيقة
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110أمس في 4:11 pm من طرف عبدالله الآحد

» أَسْرارُ اَلْمُسَبَّحَةِ اَوْ السُّبْحَةِ وَأَنْواعُها وَأَعْدادُها - - ( ( اَلْجُزْءُ الثَّانِي ))
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110أمس في 3:05 pm من طرف صادق النور

» الرياء شرك أصغر إن كان يسيرا
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110الخميس أبريل 25, 2024 4:39 pm من طرف عبدالله الآحد

» لم يصح تأويل صفة من صفات الله عن أحد من السلف
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110الأربعاء أبريل 24, 2024 5:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» إثبات رؤية الله للمؤمنين في الجنة
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110الثلاثاء أبريل 23, 2024 7:24 am من طرف عبدالله الآحد

» الرد على من زعم أن أهل السنة وافقوا اليهود
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110الثلاثاء أبريل 23, 2024 5:40 am من طرف عبدالله الآحد

» طائِفُهُ الصَّفْوِيِّينَ - - اَلْدوَلهُ الصِّفْوِيهُ
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110الإثنين أبريل 22, 2024 11:18 am من طرف صادق النور

» حكم الرقى والتمائم
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110الأحد أبريل 21, 2024 7:19 am من طرف عبدالله الآحد

» كثرة الأشاعرة ليست دليلا على أنهم على حق في كل شيء
 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooou110السبت أبريل 20, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

 ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 35 عُضو متصل حالياً :: 1 أعضاء, 0 عُضو مُختفي و 34 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

صادق النور


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 9628 مساهمة في هذا المنتدى في 3191 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 288 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو دينا عصام فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


2 مشترك

    ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ - معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية - معركه عين جالوت

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ - معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية - معركه عين جالوت

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أبريل 08, 2023 9:38 am


    معركة بلاط الشهداء

    ولم يكد يمضي على فتح الأندلس سنوات قليلة حتى نجح المسلمون في فتح جنوبي فرنسا واجتياح ولاياتها،
    وكانت تعرف في ذلك الحين بالأرض الكبيرة أو بلاد الغال، وكان بطل هذه الفتوحات هو “السمح بن مالك” والي الأندلس،
    وكان حاكما وافر الخبرة، راجح العقل، نجح في ولايته للأندلس؛ فقبض على زمام الأمور، وقمع الفتن والثورات، وأصلح الإدارة والجيش.

    وفي إحدى غزواته التقى السمح بن مالك بقوات الفرنجة في تولوشة (تولوز)، ونشبت معركة هائلة ثبت فيها المسلمون ثباتا عظيما على قلة عددهم وأبدوا شجاعة نادرة، وفي الوقت الذي تأرجح فيه النصر بين الفريقين سقط السمح بن مالك شهيدًا من فوق جواده في (9 من ذي الحجة 102 هـ = 9 من يونيو 721م)، فاضطربت صفوف الجيش واختل نظامه
    وارتد المسلمون إلى “سبتمانيا” بعد أن فقدوا زهرة جندهم.

    مواصلة الفتح
    وعلى إثر استشهاد السمح بن مالك تولّى عبد الرحمن الغافقي القيادة العامة للجيش وولاية الأندلس، حتى تنظر الخلافة الأموية وترى رأيها، فقضى الغافقي بضعة أشهر في تنظيم أحوال البلاد وإصلاح الأمور

    حتى تولّى “عنبسة بن سحيم الكلبي” ولاية الأندلس في (صفر سنة 103 هـ = أغسطس من 721م)،
    فاستكمل ما بدأه الغافقي من خطط الإصلاح وتنظيم شئون ولايته والاستعداد لمواصلة الفتح، حتى إذا تهيأ له ذلك سار بجيشه في أواخر سنة (105 هـ = 724م) فأتم فتح إقليم سبتمانيا،
    وواصل سيره حتى بلغ مدينة “أوتون” في أعالي نهر الرون، وبسط سلطانه في شرق جنوبي فرنسا،
    وفي أثناء عودته إلى الجنوب داهمته جموع كبيرة من الفرنج، وكان في جمع من جيشه؛ فأصيب في هذه المعركة قبل أن ينجده باقي جيشه، ثم لم يلبث أن تُوفِّي على إثرها في (شعبان 107 هـ = ديسمبر 725م).

    وبعد وفاته توقف الفتح وانشغلت الأندلس بالفتن والثورات، ولم ينجح الولاة الستة الذين تعاقبوا على الأندلس في إعادة الهدوء والنظام إليها والسيطرة على مقاليد الأمور،

    حتى تولى عبد الرحمن الغافقي أمور الأندلس في سنة (112 هـ = 730م). عبد الرحمن الغافقي لم تكن أحوال البلاد جديدة عليه فقد سبق أن تولى أمورها عقب استشهاد السمح بن مالك، وعرف أحوالها وخبر شئونها، ولا تمدنا المصادر التاريخية بشيء كثير عن سيرته الأولى، وجل ما يعرف عنه أنه من التابعين الذين دخلوا الأندلس ومكنته شجاعته وقدراته العسكرية من أن يكون من كبار قادة الأندلس، وجمع إلى قيادته حسن السياسة وتصريف الأمور؛
    ولذا اختاره المسلمون لقيادة الجيش وإمارة الأندلس عقب موقعه “تولوشة”. كان الغافقي حاكما عادلا قديرا على إدارة شئون دولته، وتجمع الروايات التاريخية على كريم صفاته، وتشيد بعدله، فرحبت الأندلس بتعيينه لسابق معرفتها به وبسياسته،
    ولم يكن غريبا أن يحبه الجند لرفقه ولينه، وتتراضى القبائل العربية فتكف عن ثوراتها، ويسود الوئام إدارة الدولة والجيش. غير أن هذا الاستقرار والنظام الذي حل بالأندلس نغصه تحركات من الفرنج والقوط واستعداد لمهاجمة المواقع الإسلامية في الشمال، ولم يكن لمثل الغافقي أن يسكت وهو رجل مجاهد عظيم الإيمان، لا تزال ذكريات هزيمة تولوشة تؤرق نفسه، وينتظر الفرصة السانحة لمحو آثارها، أما وقد جاءت فلا بد أن ينتهزها ويستعد لها أحسن استعداد، فأعلن عزمه على الفتح، وتدفق إليه المجاهدون من كل جهة حتى بلغوا ما بين سبعين ومائة ألف رجل.

    جمع عبد الرحمن جنده في “بنبلونة” شمال الأندلس، وعبر بهم في أوائل سنة (114 هـ = 732م) جبال ألبرت
    ودخل فرنسا (بلاد الغال)، واتجه إلى الجنوب إلى مدينة “آرال” الواقعة على نهر الرون؛ لامتناعها عن دفع الجزية وخروجها عن طاعته، ففتحها بعد معركة هائلة،
    ثم توجه غربا إلى دوقية أقطاينا “أكويتين”، وحقق عليها نصرا حاسما على ضفاف نمهر الدوردوني ومزّق جيشها شر ممزق، واضطر الدوق “أودو” أن يتقهقر بقواته نحو الشمال تاركا عاصمته “بردال” (بوردو) ليدخلها المسلمون فاتحين،

    وأصبحت ولاية أكويتين في قبضة المسلمين تماما، ومضى الغافقي نحو نهر اللوار وتوجه إلى مدينة “تور” ثانية مدائن الدوقية، وفيها كنيسة “سان مارتان”، وكانت ذات شهرة فائقة آنذاك؛ فاقتحم المسلمون المدينة واستولوا عليها.
    ولم يجد الدوق “أودو” بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورها في يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته، وكان من قبل لا يُعنى بتحركات المسلمين في جنوب فرنسا؛ نظرا للخلاف الذي كان بينه وبين أودو دوق أقطانيا استعداد الفرنجة وجد شارل مارتل في طلب نجدته فرصة لبسط نفوذه على أقطانيا التي كانت بيد غريمه،

    ووقف الفتح الإسلامي بعد أن بات يهدده، فتحرك على الفور ولم يدخر جهدا في الاستعداد، فبعث يستقدم الجند من كل مكان فوافته جنود أجلاف أقوياء يحاربون شبه عراة، بالإضافة إلى جنده وكانوا أقوياء لهم خبرة بالحروب والنوازل، وبعد أن أتم شارل مارتل استعداده تحرك بجيشه الجرار الذي يزيد في عدده على جيش المسلمين يهز الأرض هزا، وتردد سهول فرنسا صدى أصوات الجنود وجلباتهم حتى وصل إلى مروج نهر اللوار الجنوبية.

    اللقاء المرتقب
                                                         
    كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتي بواتييه وتور بعد أن استولى على المدينتين،
    وفي ذلك الوقت كان جيش شارل مارتل قد انتهى إلى اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه،
    وحين أراد الغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل استعداده
    فاجأه مارتل بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في الكثرة، فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه وتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيش الغافقي.

    وفي ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يُعرف على وجه الدقة موقع الميدان الذي دارت فيه أحداث المعركة،
    وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعت على مقربة من طريق روماني يصل بين بواتييه وشاتلرو في مكان يبعد نحو عشرين كيلومترا من شمالي شرق بواتييه يسمّى بالبلاط، وهي كلمة تعني في الأندلس القصر أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سميت المعركة في المصادر العربية ببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى في المصادر الأوربية معركة “تور- بواتييه”. ونشب القتال بين الفريقين في (أواخر شعبان 114 هـ = أكتوبر 732م)،

    واستمر تسعة أيام حتى أوائل شهر رمضان، دون أن يحقق أحدهما نصرا حاسما لصالحه. وفي اليوم العاشر نشبت معركة هائلة، وأبدى كلا الفريقين منتهى الشجاعة والجلد والثبات، حتى بدأ الإعياء على الفرنجة ولاحت تباشير النصر للمسلمين،
    ولكن حدث أن اخترقت فرقة من فرسان العدو إلى خلف صفوف المسلمين، حيث معسكر الغنائم، فارتدت فرقة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة لرد الهجوم المباغت وحماية الغنائم، غير أن هذا أدى إلى خلل في النظام، واضطراب صفوف المسلمين، واتساع في الثغرة التي نفذ منها الفرنجة.

    وحاول الغافقي أن يعيد النظام ويمسك بزمام الأمور ويرد الحماس إلى نفوس جنده، لكن الموت لم يسعفه بعد أن أصابه سهم غادر أودى بحياته فسقط شهيدا في الميدان، فازدادت صفوف المسلمين اضطرابا وعم الذعر في الجيش، ولولا بقية من ثبات راسخ وإيمان جياش، ورغبة في النصر لحدثت كارثة كبرى للمسلمين أمام جيش يفوقهم عددا.

    وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهزوا فرصة ظلام الليل وانسحبوا إلى سبتمانيا، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنيمة للعدو. ولما لاح الصباح نهض الفرنجة لمواصلة القتال فلم يجدوا أحدا من المسلمين، ولم يجدوا سوى السكون الذي يطبق على المكان، فتقدموا على حذر نحو الخيام لعل في الأمر خديعة فوجدوها خاوية إلا من الجرحى العاجزين عن الحركة؛ فذبحوهم على الفور، واكتفى شارل مارتل بانسحاب المسلمين، ولم يجرؤ على مطاردتهم، وعاد بجيشه إلى الشمال من حيث أتى. تحليل معركة بلاط الشهداء تضافرت عوامل كثيرة في هذه النتيجة المخزية، منها أن المسلمين قطعوا آلاف الأميال منذ خروجهم من الأندلس،

    وأنهكتهم الحروب المتصلة في فرنسا، وأرهقهم السير والحركة، وطوال هذا المسير لم يصلهم مدد يجدد حيوية الجيش ويعينه على مهمته، فالشقة بعيدة بينهم وبين مركز الخلافة في دمشق، فكانوا في سيرهم في نواحي فرنسا أقرب إلى قصص الأساطير منها إلى حوادث التاريخ، ولم تكن قرطبة عاصمة الأندلس يمكنها معاونة الجيش؛ لأن كثيرًا من العرب الفاتحين تفرقوا في نواحيها. وتبالغ الروايات في قصة الغنائم وحرص المسلمين على حمايتها، فلم تكن الغنائم تشغلهم وهم الذين قطعوا هذه الفيافي لنشر الإسلام وإعلاء كلمته، ولم نألف في حروب المسلمين الحرص عليها وحملها معهم أينما ذهبوا،

    ولو كانوا حريصين عليها لحملوها معهم في أثناء انسحابهم في ظلمة الليل، في الوقت التي تذكر فيه الروايات أن الجيش الإسلامي ترك خيامه منصوبة والغنائم مطروحة في أماكنها.

    نتائج معركة بلاط الشهداء


    كثر الكلام حول معركة بلاط الشهداء ، وأحاطها المؤرخون الأوربيون باهتمام مبالغ، وجعلوها معركة فاصلة، ولا يخفى سر اهتمامهم بها؛ فمعظمهم يعدها إنقاذًا لأوروبا، فيقول “إدوارد جيبون” في كتاب “اضمحلال الإمبراطورية الرومانية” عن هذه المعركة: “إنها أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الفرنسيين من نير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال روما، وشدت بأزر النصرانية”.
    ويقول السير “إدوارد كريزي”: “إن النصر العظيم الذي ناله شارل مارتل على العرب سنة 732م وضع حدا حاسما لفتوح العرب في غرب أوروبا، وأنقذ النصرانية من الإسلام”.
    ويرى فريق آخر من المؤرخين المعتدلين في هذا الانتصار نكبة كبيرة حلت بأوروبا، وحرمتها من المدنية والحضارة،

    فيقول “جوستاف لوبون” في كتابه المعروف “حضارة العرب”، الذي ترجمه “عادل زعيتر” إلى العربية في دقة وبلاغة:
    “لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزا للحضارة والعلم؛

    حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم”.

    وبعد معركة بلاط الشهداء لم تسنح للمسلمين فرصة أخرى لينفذوا إلى قلب أوربا، فقد أصيبوا بتفرقة الكلمة، واشتعال المنازعات،

    في الوقت الذي توحدت قوة النصارى، وبدأت ما يُسمّى بحركة الاسترداد والاستيلاء على ما في يد المسلمين في الأندلس من مدن وقواعد.
    ==================================================
    فتح عمورية
                         

     عمورية كانت أهم مدن الإمبراطورية البيزنطية وهي في غرب آسيا الصغرى (الأناضول حديثًا)
    وعمورية كانت مكان نشأة السلالة العمورية حكمت (205هـ - 253هـ) الموافق لـ(820م – 867م) التي كان منها إمبراطور الروم توفيل بن ميخائيل. وتروي المصادر العربية أن المعتصم جمع قادته وسألهم فقال: «أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها؛ وهي أشرف عندهم من القسطنطينية»  
    فتح عمورية سنة 223هـ/838م، أبرز المعارك بين المسلمين والبيزنطيين في عهد المعتصم بالله،
    وكان سببها اعتداء الإمبراطور البيزنطي تيوفيل بن ميخائيل على بعض الثغور والحصون على حدود الدولة الإسلامية ،
    وحين بلغ المعتصم ما وقع للمسلمين في هذه المدن،
    وصيحة امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم: وامعتصماه، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك،

    وجهز جيشًا ضخمًا أرسله على وجه السرعة لإنقاذ المسلمين، ثم خرج بنفسه على رأس جيش كبير وفتح مدينة عمورية ، وهي من أعظم المدن البيزنطية، واستولى على ما بها من مغانم وأموال كثيرة جدا
    سار المعتصم إلى عمورية في جحافل كثيرة عديدة، وبعث أحد قواده ولقبه الأفشين واسمه حيدر بن كاوس إلى موضع يسمى سروج في جنوب تركيا حاليا، وأعد عدته وجمع جنوده، واختار الأمراء المعروفين بالحرب، فانتهى في سيره إلى نهر اللامس وهو قريب من طرسوس، وذلك في رجب من عام 223 هـ الموافق لمايو من عام 838 م.

    جيش الخلافة الإسلامية وتقسيمه

    قسم المعتصم جيشه إلى فرقتين:

    الأولى بقيادة الأفشين، ووجهتها أنقرة.
    وسار هو بالفرقة الثانية.
       بعث المعتصم أشناس بقسم من الفرقة التي يقودها إلى أنقرة ، «ولكن من طريقٍ آخر» وسار هو في إثره، على أن يلتقي الجميع عند أنقرة.
    معركة آيزن أو دزمون
    ووقعت معركة آيزن أو دزمون في 25 شعبان عام 223 هـ الموافق 22 يوليو 838 م

    ، بين الأفشين وتوفيل بن ميخائيل وهزم فيها الجيش البيزنطي وهرب توفيل إلى القسطنطينية.

    وصلت أنباء الانتصار للمعتصم فواصل السير حتى التقت جميع أقسام الجيش عند أنقرة فدخلوها وكان أهلها قد هربوا منها بعدما سمعوا بهزيمة ملكهم توفيل، و تقوّى المعتصم بما فيها من زاد ومتاع

    السير إلى عمورية
    واصل سيره جنوبًا إلى عمورية و وصلت طلائع الجيش بقيادة أشناس في يوم الخميس 5 رمضان 223 هـ الموافق 1 أغسطس 838 م و وصل المعتصم بعدها بيوم. في هذه الأثناء وصلت إشاعات إلى القسطنطينية بأن توفيل قُتل فعندما رجع إلى القسطنطينية وجد نفسه أمام ثورة فانشغل بها ولم يستطع مساعدة عمورية لكنه أرسل للمعتصم يعتذر له عما حصل لملطية ويبين أن ما حصل كان خلاف أوامره ويعده بأن يعيد الأسرى ويبني المدينة من جديد لكن المعتصم رفض هذا العرض، ولم يكتفي بذلك بل أسر الرسول وجعله يرى عملية الحصار بأم عينه.
    حصار عمورية

    دام حصار عمورية 11 يومًا فقط وكان في هذا الحصن ساهمت في دخول الحصن وهذا ملخص لما ورد في كتب التاريخ الإسلامي الكامل لابن الأثير والبداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الرسل و الملوك للطبري.
    تقسيم الجيش

    قسّم المعتصم الأبراج على قادة جيشه فعين لكل قائد برجا معينًا.
    اكتشاف ثغرة في بناء الحصن

    كان هناك أحد الأسرى المسلمين كان قد تنصر وتزوج منهم، لكن لما رأى المعتصم والجيش الإسلامي رجع إلى الإسلام وخرج إلى الخليفة فأسلم وأعلمه بمكان في السور كان قد هدمه السيل وبني بناء ضعيفا بلا أساس، فنصب المعتصم المجانيق حول عمورية فكان أول موضع انهدم من سورها ذلك الموضع الذي دلهم عليه ذلك الأسير، حاول أهل عمورية سد هذا الثغر بالخشب الغليظ القوي لكن قوة المجانيق و كثرة الرمي هدمت السور فيما بعد.
    طلب النجدة من توفيل

    كتب مناطس نائب البلد إلى توفيل يعلمه بشدة الحصار عليه ويطلب منه النجدة، وبعث ذلك مع رسولين، لكن تمكن الجيش الإسلامي منهما وأسرهما، وكان في هذه الرسالة معلومة مهمة، وهي نية مناطس الخروج فجأة على الجيش العباسي ومقاتلتهم.
    المعتصم يأخذ احتياطاته

    أمر المعتصم عند ذلك بتجديد الحرس والاحتياط من خروج أهل عمورية بغتة وزاد المعتصم في المجانيق والدبابات وغير ذلك من آلات الحرب.
    استخدام جلود الأغنام لتسوية الخندق

    كان المعتصم قد غنم عدد كبير من الأغنام قبل حصار عمورية وكان هناك خندق عميق محيط بعمورية فقرر المعتصم أن يفرق الأغنام بين الجنود وأن يأكل كل رجل رأسا ويجيء بملء جلده ترابا فيطرحه في الخندق، ففعل الناس ذلك فتساوى الخندق بوجه الأرض من كثرة ما طرح فيه من جلود الأغنام، ثم أمر بالتراب فوضع فوق ذلك حتى صار طريقا ممهدا، وأمر بالدبابات أن توضع فوقه.
    سقوط السور

    وبينما الناس في الجسر المردوم، سقط السور الضعيف، لكن كان ضيقًا ولم يكن ما هدم يسع الخيل والرجال إذا دخلوا.
    وقوي الحصار وقد وكَّلَ مناطس بكل برج من أبراج السور الأربعة والأربعين أميرا يحفظه، فضعف ذلك الأمير الذي هدمت ناحيته من السور عن مقاومة ما يلقاه من الحصار، فذهب إلى مناطس فسأله النجدة فامتنع من مساعدته بحجة انشغال الآخرين بمراقبة الأسوار الأخرى، فلما يئس منهم خرج إلى المعتصم ليجتمع به.
    الدخول لعمورية

    ودخل المعتصم وجنده مدينة عمورية في (17 رمضان 223 هـ - 12 أغسطس 838 م)، وتكاثر المسلمون في المدينة وهم يكبرون ويهللون، وتفرَّقت الروم عن أماكنها، فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان، ولم يبقَ في المدينة موضعٌ محصَّنٌ سوى المكان الذي يجلس فيه نائبها مناطس، وهو حصن منيع
    فركب المعتصم فرسه، وجاء حتى وقف بحذاء الحصن، فناداه المنادي: ويحك يا مناطس! هذا أمير المؤمنين واقف تجاهك. فقالوا: ليس بمناطس ههنا مرتين. فرجع الخليفة ونصب السلالم على الحصن، وطلعت الرسل إليه، وقالوا له: ويحك! انزل على حكم أمير المسلمين. فتمنَّع، ثم نزل متقلدًا سيفه، فوضع السيف في عنقه، ثمَّ جيء به حتى أُوقف بين يدي المعتصم، فضربه بالسوط على رأسه، ثمَّ أمر به يمشي إلى مضرب الخليفة مهانًا.
    حرب الكنيسة
    حُشر أهل عمورية في كنيسة لهم هائلة ففتحها الجيش الإسلامي قسرا وقتلوا من فيها بعد ان رفضوا التسليم ورفضوا الاستسلام وأحرقوا عليهم باب الكنيسة فاحترقت ومات جميع من كان فيها.
    القبض على مناطس

    تمكن الجيش الإسلامي من القبض على مناطس ، وسيق أسيرا للمعتصم
    الغنائم
    أخذ المسلمون من عمورية أموالا لا تحد وسبيٌ كثير، وأمر المعتصم بإحراق ما بقي من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب لكي لا يتقوى بها البيزنطيون مرة أخرى، ثم انصرف المعتصم راجعا إلى ناحية طرسوس وكان مكث في عمورية بعد سقوطها 25 يومًاوكان بين تلك الغنائم أبواب حديدية ضخمة للمدينة، نقلها المعتصم في البداية إلى سامراء، حيث تم تثبيتها على مدخل قصره. و من هناك نقلت، إلى الرقة حتى أمر سيف الدولة الحمداني بنقلها إلى باب قنسرين أحد أبواب عاصمته حلب عام 353 هـ الموافق 964 م .
    -------------------------------------------------------
    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وعليكم

    وما زلنا أخبابنا تابعونا
    التالي :- معركه عين جالوت              


    عدل سابقا من قبل sadekalnour في الثلاثاء أبريل 11, 2023 5:15 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود معركه عين جالوت

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أبريل 08, 2023 11:18 pm

     ( 3 )رمضان شهر ألإنتصارات *** إ نتصارات غيرت وجه التاريخ  -  معركه بلاط الشهداء - فتح عمورية  - معركه عين جالوت                                 510

    معركة عين جالوت




    مَعْرَكَةُ عَيْنُ جَالُوت (25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260م)
    هي إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي؛ إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة كتبغا.
    وقعت المعركة بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامي، حيث سقطت الدولة الخورازمية بيد المغول ثم تبعها سقوط بغداد بعد حصار دام أياماً فاستبيحت المدينة وقُتل الخليفة المستعصم بالله فسقطت معه الخلافة العباسية،
    ثم تبع ذلك سقوط جميع مدن الشام وفلسطين وخضعت لهولاكو
    ، كانت مصر في تلك الفترة تئِنُّ من الصراعات الداخلية والتي انتهت باعتلاء سيف الدين قطز عرش مصر سنة 657 هـ / 1259 سلطانا لمماليك مصر.
    قبل معركة عين جالوت،
    لم تتعرض دولة الإسلام لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعبة مثلما تعرضت في القرن السابع الهجري، حين دمرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، وسفكت دماء المسلمين،
    وأتت على معالم الحضارة والمدنية، ولم تستطع قوة إسلامية أن توقف هذا الزحف الكاسح، وانهارت الجيوش الإسلامية وتوالت هزائمها، وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف.
    وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في أن يتطلعوا إلى مواصلة الزحف تجاه الغرب، وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها، ولم تكن الخلافة في وقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي،
    فخرج هولاكو سنة 651 هجرية (1253 ميلادية) على رأس حملة جرارة، تضم 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول، المدربين تدريبا عاليا على فنون القتال والنزال، والمزودين بأسلحة الحرب وأدوات الحصار، تسبقهم شهرتهم المرعبة في القتل وسفك الدماء، ومهارتهم الفائقة في الحرب، وشجاعتهم وقوة بأسهم في ميادين القتال

    كانت بداية تأسيس إمبراطورية المغول سنة 603 هـ / 1206م في منغوليا على يد جنكيز خان، فتمددت حتى بلغت حدودُها كوريا شرقاً إلى حدود الدولة الخوارزمية غرباً، ومن سهول سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً، ثم بدأت بالتوسع غربا حيث سقطت خوارزم سنة 616 هـ / 1219م، فسقطت المدن بيدهم الواحدة تلو الأخرى، حيث سقطت بخارى، ثم سمرقند ثم اجتاحوا إقليم خرسان وخوارزم، وكل ذلك كان في سنةٍ واحدة، وفي سنة 617 هـ / 1220م سقطت أذربيجان وهمدان وتبريز وداغستان والشيشان.
    تولى أوقطاي خان الحكم بعد جنكيز خان فضم إقليم فارس إلى المغول. وفي سنة 649 هـ / 1251م تولى الحكم منكو خان، فعين هولاكو والياً لإقليم فارس. وبعد خمس سنوات بدأ هولاكو في حصار بغداد في شهر محرم 656 هـ / 1258م. لم يدم الحصار شهراً واحداً حتى سقطت بغداد ومعها الخلافة العباسية واستبيحت بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله.

    توجه بعدها هولاكو إلى حصار ميافارقين التي يتحصن فيها الكامل محمد الأيوبي، والتي ما لبثت أن سقطت،
    ثم توجه صوب حلب فأمر الناصر يوسف بتسليمها إليه ولكن الناصر رفض، فدخلها سنة 658 هـ / 1260،
    ثم دخل حماة ودمشق في نفس العام، ولكن مالبث أن رجع هولاكو إقليم فارس ووكل قائده كتبغا إكمال الحملة، حيث تمكن من احتلال جميع مدن فلسطين التي لا تخضع للصليبيين.

    المماليك

    توفي الصالح أيوب في 647 هـ / 1249م وهو خَارج إلى المنصورة لملاقاة لويس التاسع صاحب الحملة الصليبية السابعة.
    فتولى قيادة الجيش كلا من بيبرس وفارس الدين أقطاي حيث تم لهم النصر في معركة المنصورة.
    تولى توران شاه الحكم خلفاً لأبيه، ولكنه قتل بعد أربعة أشهر من توليه الحكم. فحدث فراغ سياسي كبير بعد مقتله، فليس هناك أيوبي مؤهل لقيادة الدولة،
    عندها أعلنت شجرة الدر بالتعاون مع المماليك حاكمةً لمصر، ولكن الرفض عم أرجاء العالم الإسلامي بعد سماعه الخبر، فتزوجت عز الدين أيبك ثم تنازلت له عن الحكم، وأصبح أول سلاطين مماليك مصر،
    استقر بعدها الحكم لأيبك واعترف به الخليفة العباسي المستنصر بالله، ولكن بدأت الصراعات بين المماليك في النشوب، ماأدى أن قتل أيبك زعيمَ المماليك فارسَ الدين أقطاي، فهرب المماليك الآخرين وعلى رأسهم بيبرس من مصر.
    ثم مالبث أن قتلت شجرة الدر زوجها أيبك بعدما علمت انه تزوج من ابنة حاكم الموصل، فسارع سيف الدين قطز ومعه المماليك المعزية و نور الدين علي بن أيبك بإلقاء القبض على شجرة الدر وتسليمها لأم نور الدين والتي أمرت جواريها بقتلها ضرباً بالقباقيب.
    بُويع نور الدين علي بن أيبك البالغ من العمر خمسة عشر سنة حاكماً لمصر، وتولى سيف الدين قطز الوصاية الكاملة عليه،
    أدى صعود طفل سدة الحكم في مصر لحدوث قلاقل وفتن، ولكن قطز استطاع إخمادها على الفور،
    ثم طمع الأمير الأيوبي مغيث الدين بحكم مصر، وسير الجيوش لقتال قطز، ولكن قطز استطاع صد جيشه في سنة 655 هـ / 1257م و 656 هـ / 1258م، وفي ضوء سقوط بغداد في عام 656 هـ / 1258م والمشاكل الداخلية وثورات المماليك وأطماع الأمراء الأيوبيين، لم يجد قطز أي معنى لأن يَبقى طفل على سدة حكم مصر التي لم يعد هناك أمل لصد المغول إلا فيها، واتخذ قراره بعزل الطفل نور الدين علي بن أيبك واعتلاء عرش مصر سنة 657

    قبل المعركة
    كان الوضع في مصر عند اقتراب التتار منها متأزم جداً، فالوضع الداخلي يموج بالاضطرابات والأزمات الشديدة، والفتن الناتجة عن الصراع على كرسي الحكم، وإن كان قطز قد استقر على كرسي الحكم، إلا أن هناك الكثير من الطامعين في الكرسي وهناك الكثير من الحاقدين على قطز شخصياً،
    كما أن الفتنة ما زالت دائرة بين المماليك البحرية الذين كانوا مؤيدين لشجرة الدر وبين المماليك المعزية الذين يؤيدون قطز،
    أما المسرح السياسي الخارجي فكان يحمل مشكلات كبيرة أخرى، وذلك أن العلاقات كانت ممزقة تماماً بين مصر وجيرانها،
    أما الوضع الاقتصادي فلم يكن بأفضل حالاً من الوضع السياسي، فهناك أزمة اقتصادية يمر بها البلد من جراء الحملات الصليبية المتتالية، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، وكذلك الفتن والصراعات على المستوى الداخلي،
    كما أن الناس انشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخلية والخارجية، فتردى الاقتصاد لأبعد درجات التردي.

    ترتيب الوضع الداخلي
    كانت أول خطوة قام بها قطز في إعداده لحرب التتار هي استقرار الوضع الداخلي في مصر،
    وقطع أطماع الآخرين في الكرسي الذي يجلس عليه، وما كان من قطز إلا أن جمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي وقال لهم: «إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطة من شئتم»،
    فهدأ معظم من حضر الاجتماع ورضوا بما قال، ثم قام قطز بالقبض على رؤوس الفتنة الذين حاولوا الخروج على سلطته وحكمه، وبذلك هدأت الأمور نسبيًا في مصر،

    أما الخطوة الثانية التي قام بها قطز فهي إصداره لعفو عام وشامل عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي، كانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز، فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار،
    وكانت المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية جداً ولها خبرة واسعة في الحروب، فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية ستنشيء جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار، وكان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد الظاهر بيبرس إلى مصر وانضمامه إلى قطز، وبهذا توحدت قوى المماليك تحت لواء جيش واحد قائده سيف الدين قطز.
    رسل هولاكو
    بينما كان سيف الدين قطز منشغلاً بإعداد الجيش، جاءته رسالة من هولاكو يحملها أربع رسل من التتار، وفيها:

    من ملك الملوك شرقاً وغرباً الخاقان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك،
    يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أنَا نحن جند الله في أرضه،
    خلقنا من سخطه، وسلطناً على من حل به غضبه، سلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ،
    فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق بمن شكى، قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد،
    فعليكم بالهرب وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص،
    ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال،
    فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام،
    وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان

    (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)،
    فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلِم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم،
    فلا تُهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنّا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة،
    وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل،
    وبغير المذلة ما لملوككم علينا سبيل، فلا تطيلوا الخطاب وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منّا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرازاً،
    وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى.

    كانت الرسالة إعلاناً صريحاً بالحرب أو تسليم مصر للتتار، على إثر هذه الرسالة عقد قطز مجلساً ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء وبدؤوا مناقشة فحوى الرسالة، كان قطز مصمماً على خوض الحرب ورافضاً لمبدأ التسليم،
    ولكن كان هناك تردد من قبل بعض الأمراء في قبول ما رآه قطز، عندها قال قطز مقولته المشهورة: «أنا ألقى التتار بنفسي»،
    ثم قال: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين»،
    وأنهى كلامة بقوله «من للإسلام إن لم نكن نحن»، وقعت كلمات قطز في قلوب الأمراء فأيدوه في قراره، وأعلنوا معه الجهاد في سبيل الله، ثم قرر قطز أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم هولاكو،
    وأن يعلق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة، وذلك بعد أن استشار ركن الدين بيبرس الذي قال: «أرى أن نقتل الرسل الأربعة ونقصد كتبغا قائد المغول متضامنين، فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين».

    الأزمة الاقتصادية
    بعد أن استقر الوضع في مصر، وبعد قتل رسل هولاكو، أصبح قطز يُسَرِّع من عملية تجهيز الجيش، ولكن واجهته مشكلة جديدة هي المشكلة الاقتصادية، فلابد من تجهيز الجيش المصري وإعداد التموين اللازم له،
    وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار،
    وليس هناك من الأموال ما تكفي لتأمين كل ذلك، قام قطز بدعوة مجلسه الاستشاري
    ودعا إليه سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وبدؤا التفكير في إيجاد حل للأزمة الاقتصادية الطاحنة، اقترح قطز أن تفرض ضرائب لدعم الجيش، ولكن هذا القرار يحتاج فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون إلا الزكاة،
    عندها أفتى العز بن عبد السلام وقال: «إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص - وهي حزام الرجل وحزام الدابة- المذَهَّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا».
    بيَّن العز بن عبد السلام بأنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات،
    ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، فإن لم تكفي هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي لتجهيز الجيش ليس أكثر من ذلك،
    قبِل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا أمره، فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئاً في الباطن،
    ولما جمعت هذه الأموال ضربت سكاً ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش، ولكن لم تكفي هذه الأموال في تغطية نفقة الجيش،
    فقرر قطز إقرار ضريبة على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير ديناراً واحداً،
    وأَخذ من أجرة الأملاك شهراً واحداً، وأَخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلاً، وأَخذ من الترك الأهلية ثلث المال،
    وأَخذ من الإيطان والسواقي أجرة شهر واحد، وبلغ جملة ما جمعه من الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار.

    الاستعداد للمعركة
    اجتمع قطز مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، وعبَّر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدلاً من أن ينتظرهم في مصر،
    اعترض أغلب القادة على رأي قطز وفضلوا أن ينتظر قطز التتار حتى يصلوا مصر ليدافع عنها، لأن مصر مملكته أما فلسطين فهي مملكة غيره، وبعد نقاش طويل دار في المجلس العسكري،
    أُقرت خطة سيف الدين قطز لعدة عوامل وهي: أن أمن مصر القومي يبدأ من حدودها الشرقية وليس من داخل البلد نفسه،
    ومن الأفضل عسكرياً أن ينقل سيف الدين قطز المعركة إلى ميدان خصمه لأن هذا سيؤثر نفسياً على نفوس التتار،
    ومن الأفضل عسكرياً كذلك أن يمتلك المسلمين عنصر المفاجأة فيختاروا هم ميعاد المعركة ومكانها،
    عندها بدأ العز بن عبد السلام ومن معه من علماء الأمة بصعود منابر المساجد والحث على الجهاد، وترغيب الناس بالجنة وتزهيدهم في الدنيا، وتعظيم أجر الشهادة في سبيل الله،
    واستمر إعداد الجيش وتجهيزه وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين مدة خمسة أشهر، من شهر ربيع الأول 658 هـ الموافق فبراير 1260م إلى نهاية شهر رجب (يوليو) من السنة نفسها.

    معاهدة عكا

    رسمة من حصار المسلمين لعكا عام 1290م هو ذاته الذي مر منه قطز عام 1260م
    في أثناء تجهيز الجيش قام قطز بجهود حثيثة لتمهيد طريق الجيش للقاء التتار، كانت هناك أجزاء من فلسطين وساحل البحر الأبيض المتوسط محتلة من قبل الإمارات الصليبية، ومنها إمارات عكا وحيفا وصور وصيدا واللاذقية وأنطاكية، وكانت أقوى هذه الإمارات الصليبية هي إمارة عكا في فلسطين، وهذه الإمارة تقع على طريق قطز وجيشه إذا أراد أن يحارب التتار في فلسطين، كان التفكير في أن قتال الصليبيين في عكا سيؤثر سلباً على جيش الإسلام في مصر المتوجه لفلسطين، وفي نفس الوقت لا يستطيع قطز أن يحارب التتار في فلسطين دون الانتهاء من مشكلة الصليبيين في عكا، وجد قطز أن أفضل الحلول هو الإسراع بعقد معاهدة مع الصليبيين في عكا قبل أن يتحالف التتار معهم، قام قطز بإرسال سفارة إلى عكا للتباحث حول إمكانية عقد معاهدة سلام مؤقتة بين المسلمين والصليبيين، كان الهدف من السعي لهذه الاتفاقية هي تحييد جيش الصليبيين من جهه وتأمين ظهر جيش مصر من جهة أخرى، جلس وفد قطز مع الأمراء الصليبيين للتباحث في أمر الهدنة، كان الصليبيون يخافون ألاّ يظفروا من المسلمين بعهد فينقلب عليهم المسلمون، ولذلك تقبلوا فكرة الهدنة بسرعة، بل أن بعض الأمراء الصليبيين عرضوا فكرة التحالف العسكري مع المسلمين لقتال التتار، ولكن هذه الفكرة لم تلقى موافقة الطرفين، فبقية الأمراء الصليبيين يخشون الخروج من عكا بجيشهم فيدخلها المسلمون إذا انتصروا على التتار، كما أن المسلمين كانوا يخشون خيانة الصليبيين أثناء القتال خاصة أن قائد التتار الحالي كتبغا نصراني، لذلك قبِل الطرفان بفكرة الهدنة المؤقتة، وأصر الوفد المسلم على أن تكون هذه الهدنة هدنة مؤقتة تنتهي بانتهاء حرب التتار، ومما اتفق عليه في الهدنة أن أي خيانة يقوم بها الصليبيون فسيترك المسلمون قتال التتار ويتوجهون إلى عكا لتحريرها، وأنه في حال انتصار المسلمين في قتال التتار فسيبيع المسلمون خيول التتار من أهل عكا بأسعار زهيدة، في حين تعهد الصليبيون في عكا بأن يسهموا في إمداد جيش المسلمين بالمؤن والطعام في أثناء وجوده في فلسطين.

    بالرغم من كل الاستعداد العسكري والسياسي والديني والاقتصادي الذي قام به سيف الدين قطز ومعه كبار قادته وأمرائه وعلمائه، وبرغم التحفيز الكبير الذي قام به العلماء وعلى رأسهم العز بن عبد السلام لحث الناس على الجهاد وحمل السلاح في مواجهة التتار، إلاّ أن بعض المسلمين في مصر لم يستوعبوا أن القتال والحرب أصبح أمراً واقعاً ومحتماً، واستطاع عدد من الجنود الفرار من الجيش والاختباء عن أعين المراقبة، واستطاع عدد آخر الخروج والهرب من مصر، فمنهم من هرب إلى الحجاز ومنهم من هرب إلى اليمن، ومنهم من هرب إلى المغرب.

    السير إلى فلسطين
    بدأ جيش المسلمين في مصر بالتجمع في منطقة الصالحية (تقع الآن في محافظة الشرقية)، وهي منطقة صحراوية واسعة تستوعب الفرق العسكرية المختلفة، وكانت سابقاً نقطة انطلاق للجيوش المصرية المتجهة إلى الشرق،
    تجمعت الفرق العسكرية من معسكرات التدريب المنتشرة في القاهرة والمدن المصرية الكبرى، ثم توجه قطز بجيشه إلى سيناء،
    ثم سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط، كان هذا التحرّك في أوائل شعبان 658 هـ / يوليو 1260م،
    كان قطز يتحرك على تعبئة، حيث أنه لا يتحرك إلاّ وقد رتّب جيشه بالترتيب الذي سيقاتل به العدو لو حدث قتال،
    وذلك حتى إذا فاجئه جيش التتار كان مستعداً للقتال، وقد وضع على مقدمة جيشه بيبرس ليكون أول من يصطدم بالتتار،
    لكي يحدث نصراً ولو جزئياً، وذلك ليرفع من معنويات جيش المسلمين الذي يسير خلفه،
    وكان سيف الدين قطز قد سلك في ترتيب جيشه نهجاً جديداً في التخطيط العسكري، حيث كون في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبياً على رأسها بيبرس، وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيراً عن بقية الجيش التي تسير خلفها، وتظهر نفسها في تحركاتها،
    بينما يتخفى بقية الجيش في تحركاته، فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش، فيكون استعدادهم على هذا الأساس، ثم يظهر بعد ذلك قطز على رأس الجيش الأساسي، وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له.

    معركة غزة
    اجتاز بيبرس سيناء في 15 رجب 658 هـ / 26 يوليو 1260م، ودخل فلسطين وتبعه قطز بعد ذلك في سيره، واجتازوا رفح وخان يونس ودير البلح واقتربوا من غزة التي احتلها التتار في اجتياحهم للشام،
    اكتشفت عيون التتار مقدمة الجيش الإسلامي، واعتقدوا أن هذا هو جيش المسلمين كله، ونُقلت الأخبار إلى حامية غزة التترية، وأسرعت الحامية التترية للقاء بيبرس، وجرى بينهما قتال سريع، كان هذا القتال وجيش قطز الرئيسي ما زال يعبر حدود سيناء متوجهاً إلى غزة، ولكن تأخر الجيش الرئيسي لم يؤثر في سير المعركة كثيراً،
    فقد كانت مقدمة الجيش بقيادة الظاهر بيبرس مقدمة قوية وقائدها قائد بارع، والحامية التترية في غزة صغيرة نسبياً، وجيش المغول الرئيسي بقيادة كتبغا على مسافة كبيرة من غزة، حيث يربض في سهل البقاع، فتم اللقاء في غزة بمعزل عن الجيوش الرئيسية للمسلمين والتتار،
    واستطاعت مقدمة جيش المسلمين أن تنتصر في هذه الموقعة الصغيرة، التي قُتل فيها بعض جنود الحامية التترية، وفرّ الباقون في اتجاه الشمال لينقلوا الأخبار إلى كتبغا.
    ----------------------------------------

    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :- إلي عين جالوت

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5188
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود إلي عين جالوت

    مُساهمة من طرف صادق النور الأحد أبريل 09, 2023 12:02 am


    إلي عين جالوت

    بعد معركة غزة توجه الجيش شمالا وبحذاء البحر فمروا بعسقلان ثم يافا ثم مروا بغرب طولكرم، ثم حيفا،
    وواصلوا الاتجاه شمالاً حتى وصلوا عكا التي وقعوا فيها مع الصليبيين معاهدة سلام مؤقتة، عندها قرر قطز أن يعسكر في الحدائق المحيطة بحصن عكا في السهل الواقع إلى الشرق من عكا، فأرسل وفداً من الأمراء المماليك إلى الصليبيين للتأكد من سريان الاتفاقية السابقة، فدخلوا حصن عكا حيث أحسن الأمراء الصليبيون استقبالهم، وأكد الطرفان على ما سبق الاتفاق عليه، وتكررت الزيارات أكثر من مرة، حتى اطمأن الجميع على استقرار الوضع، ثم قرر قطز الرحيل من عكا لاختيار مكان مناسب للقاء التتار.

    عندما بدأ قطز في مغادرة منطقة عكا، أشار عليه أحد الأمراء الذين قاموا بالسفارة بينه وبين الصليبيين، أن عكا الآن في أشد حالات ضعفها، وأنهم مطمئنون إلى المعاهدة معه، وأنهم غير جاهزين للقتال، فلو انقلب عليهم فجأة فسيسقط حصن عكا وتحرر المدينة بعد قرن ونصف من الاحتلال،
    وكان رد قطز: «نحن لا نخون العهود»، ثم اتجه من عكا إلى الجنوب الشرقي منها،
    ليبحث عن مكان يصلح للمعركة مع التتار، في هذه الأثناء كان كتبغا قد وصلته فلول جيشه الهارب من معركة غزة فأخبروه بسقوط غزة، فعقد اجتماعاً مع قادته حضره الأشرف الأيوبي، وحضره أيضاً قاضي القضاة محي الدين محمد بن يحيى المعروف بابن الزّكي، واستشارهم في الأمر وكيف يعمل، منهم من أشار بعدم اللقاء ومراوغة سيف الدين قطز دون خوض معركة حاسمة،
    ريثما يصل مدد من هولاكو ليتقوى به على ملاقاة الجيش المملوكي، ومنهم من أشار بغير ذلك، وتفرقت الآراء،
    واتخذ كتبغا قراره بأن يتوجه بسرعة لملاقاة قطز، تحرك كتبغا من سهل البقاع باتجاه الجنوب حتى دخل فلسطين من شمالها الشرقي غرب الجولان عبر نهر الأردن، ووصل إلى الجليل الشرقي، واكتشفت استطلاعات جيش قطز حركة كتبغا،
    ونقلت له الأخبار بسرعة فغادر عكا في اتجاه الجنوب الشرقي، ثم أسرع باجتياز الناصرة، وتعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل منطقة تعرف باسم سهل عين جالوت التي تقع تقريباً بين مدينة بيسان في الشمال ومدينة نابلس في الجنوب.

    وجد سيف الدين قطز سهل عين جالوت منطقة مناسبة للمعركة مع التتار، فهو سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي منه فهو مفتوح، كما تعلو التلال الأشجار والأحراش، مما يوفر مخبأً مناسباً لجيشه فيسهل عمل الكمائن على جوانبه المنبسطة،
    فرتب جيشه بسرعة فوضع على ناحية السهل الشمالي المقدمة بقيادة بيبرس، وجعلها في مكان ظاهر حتى يغري جيش التتار بالقدوم إليه بينما أخفى بقية الجيش خلف التلال والأحراش،
    كان ترتيب قطز وإعداده لخطة المعركة في 24 رمضان 658 هـ / 2 سبتمبر 1260م، أي قبل يوم واحد من معركة عين جالوت.
    واصل كتبغا مسيره باتجاه جيش المسلمين فمر غرب مدينة بيسان، ثم انحدر جنوباً باتجاه عين جالوت، خلال تلك الفترة وفدت على جيش قطز أعداد كبيرة من متطوعي مدن وقرى فلسطين للانضمام إليه، احتار قطز بهذه الأعداد المتحمسة التي ينقصها التدريب العسكري، فقرر أن يضعهم في نقل العتاد والاهتمام بشؤون الطعام والشراب وإمداد الجنود بالرماح والسهام، ورعاية الخيول
    ونقل الجرحى والمصابين، ووجه الجنود الذين كانوا يقومون بهذه الأعمال إلى الجيش الرئيسي للمشاركة في المعركة،
    وبينما كان قطز يجهز الجيش قبل يوم من المعركة إذ جاء رجل يطلب مقابلة قطز، فقال أنه رسول صارم الدين أيبك (وهو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو عند اجتياح الشام ثم قبل الخدمة في صفوف جيش التتار واشترك معهم في مواقع مختلفة وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت)، نقل الرسول لسيف الدين قطز عدة نقاط وهي:
    أن جيش التتار ليس بقوته المعهودة فقد أخذ هولاكو معه عدداً من القادة والجند وذلك عند ذهابه إلى تبريز، فلم يعد الجيش على الهيئة نفسها التي دخل بها الشام.
    ميمنة جيش التتار أقوى من ميسرتهم، فعلى جيش المسلمين أن يقوي من ميسرتهم التي ستقابل ميمنة التتار.
    أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار بفرقته ومعه صارم الدين أيبك، وأنهم سينهزمون وقت المعركة.
    كانت هذه الأخبار مهمة للمسلمين، ولكن أمراء الحرب في جيش قطز تخوفوا من أن تكون هذه الأخبار خدعة من التتار أو من الأشرف الأيوبي، وقرر قطز الأخذ بهذه الأخبار دون التفريط في الإعداد أو التهاون في الحيطة والحذر.

    المعركة
    صلى جيش المسلمين صلاة الفجر يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما إن أشرقت الشمس حتى أتى جيش التتار لسهل عين جالوت من الشمال،
    ولم يكن في السهل أحد من المسلمين، فقد كانوا يختبؤن خلف التلال، وكانت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس لا تخفي نفسها،
    وكان الهدف من هذه الخطة حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش، وبدأت مقدمة الجيش في النزول من أحد التلال لسهل عين جالوت، وكان هذا النزول نزولا على عدة مراحل،
    كانت أول كتيبة نزلت لمواجهة التتار تلبس ملابس ذات لون أحمر وأبيض بقيادة القائد سنقر الرومي،
    ثم نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء بقيادة القائد بلبان الرشيدي،
    ثم تتابع نزول الكتائب بألوانها المختلفة، في هذا الأثناء كان يقف بجانب كتبغا صارم الدين أيبك،
    وكلما نزلت كتيبة سأل كتبغا صارم الدين: يا صارم رنك من هذا؟ (رنك كلمة فارسية تعني لون وهو يقصد كتيبة من هذه)
    وكان صارم يقول: رنك فلان أحد أمراء المماليك، وبعد أن نزلت مقدمة جيش المسلمين بقيادة الظاهر بيبرس بدأت فرقة عسكرية مملوكية في الظهور على أرض المعركة وانطلقت بقوة تدق طبولها وتنفخ أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية،
    وكانت الجيوش المملوكية تتلقى أوامرها في أرض المعركة بهذه الطريقة التي لا يعرفها أعدائها،
    فكانت هناك ضربات معينة للميمنة وضربات معينة للميسرة وضربات معينة للقلب، وكانت هناك ضربات محددة للتقدم والتأخر، وضربات خاصة لكل خطة عسكرية،
    وبذلك استطاع قطز أن يقود المعركة عن بعد، ووقف الظاهر بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما ترك السهل بكامله خالياً من خلفه.

    نظر كتبغا إلى مقدمة جيش المسلمين فوجد القوة الظاهرة أمامه قوة قليلة جداً، فأراد أن يحسم المعركة لصالحه بأسرع وقت،
    وقرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لقتال مقدمة الجيش (وهذا ما خطط له قطز)،
    أعطى كتبغا إشارة البدء لقواته بالهجوم على المقدمة التي ظن أنها كل الجيش، فتقدمت أعداد هائلة من فرسان التتار باتجاه مقدمة الجيش،
    وقف بيبرس هو وجنوده في أماكنهم حتى اقتربت منهم جموع التتار، عندها أعطى بيبرس لجنوده إشارة بدء القتال،
    فانطلقوا باتجاه جيش التتار، وارتفعت سحب الغبار من المعركة وتعالت أصوات دقات الطبول، واحتدم القتال للحظات، وثبتت مقدمة الجيش في القتال وكانت مكونة من خيرة فرسان المماليك،
    قرر كتبغا استخدام كامل قواته لقتال مقدمة الجيش بعد أن رأى منهم الثبات في القتال، دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف جيش التتار، استمر القتال سجالاً على الرغم من الفجوة العددية الكبيرة بين القوتين،
    ثم دقت الطبول دقات معينة وهي عبارة عن أوامر من قطز إلى بيبرس بسحب التتار إلى داخل سهل عين جالوت،
    بدأ بيبرس على الفور في تنفيذ الأوامر، فأظهر للتتار الانهزام وتراجع بظهره وهو يقاتل،
    وكان التراجع الذي نفذه بيبرس وجنوده تراجعاً سريعاً وذلك حتى لا تهلك مقدمة الجيش،
    عندما رأى كتبغا تراجع المسلمين أمر جنده بتتبعهم والقضاء عليهم، وبدأ جيش التتار في دخول سهل عين جالوت للضغط على الجنود الذين انسحبوا،
    وبعد مدة من الزمن ليست بالقليلة دخل جيش التتار بأكمله داخل سهل عين جالوت، وانسحب الظاهر بيبرس بجنوده إلى الناحية الجنوبية من السهل، ارتكب كتبغا خطأً جسيماً بعدم تركه قوات احتياطية خارج السهل لتؤمن طريق العودة في حال الخسارة ولتمنع التفاف جيش المسلمين حول التتار.

    في هذا الوقت نزل جيش المسلمين الرئيسي من خلف التلال إلى ساحة المعركة، وأسرعت فرقة قوية من المماليك لغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت،
    وبذلك أحاطت قوات جيش المسلمين بالتتار من كل جانب، أيقن عندها القائد كتبغا المكيدة التي انطوت عليه من المسلمين،
    وبدأ صراعاً لا مجال فيه للهرب أو المناورة، وبدأ التتار يقاتلون بكل شجاعة، وظهر تفوق الميمنة في جيش التتار،
    فتراجع المسلمون تحت ضغط بسالة التتار الذين اخترقوا ميسرة المسلمين، وبدأ تساقط الشهداء في جيش المسلمين،
    كان قطز في هذه الأثناء في مكانٍ عالٍ خلف الصفوف يراقب الوضع، ويوجه فرق الجيش لسد الثغرات،
    ولما رأى معاناة ميسرة الجيش دفع بقوة احتياطية لمساندتها، ولكن هذه القوة لم تغير في الأمر شيئاً أمام بسالة وقوة ميمنة التتار،
    ثم دفع بقوة احتياطية أخرى، ولكن الموقف تأزم بشكلٍ أكبر،
    ألقي السلطان بخوذته على الأرض تعبيرا عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت وأطلق صيحته الشهيرة التي تتردد حتى الآن (واإسلاماه واإسلاماه)
    واحتدم القتال في سهل عين جالوت، حيث ألقى قطز بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر وفوجئ الجنود بوجود السلطان المظفر وسطهم يعاني ما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون، هنا التهب حماس الجنود وهانت عليهم جيوش التتار وحملوا عليهم وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة، واشتعل القتال في سهل عين جالوت وعلت الأصوات بالتكبير، ولجأ المسلمون إلى ربهم في هذا اليوم الذي لن ينسى في تاريخ البشر إلى قيام الساعة.

    وقاتل قطز قتالا عجيبا، ثم صوب أحد التتار سهمه نحو قطز فأخطأه، ولكنه أصاب الفرس فمات، فترجل السلطان وظل يقاتل على الأرض، وقاتل ماشيا لا خيل له، وما تردد لحظة، وما نكص على عقبيه، وما حرص على حياته،
    ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشيا فجاء إليه مسرعا، وتنازل له عنه فرسه إلا أن قطز رفض ذلك، وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك!!
    وظل رحمه الله يقاتل ماشيا إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية، وقد لامه بعض الأمراء على ذلك،
    وقالوا له: لم لم تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك وهلك الإسلام بسببك.
    قال السلطان رحمه الله: "أما أنا فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، قد قتل فلان وفلان وفلان، حتى عد خلقا من الملوك، فأقام للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضيع الإسلام".
    وارتد الضغط على التتار، وتقدم أمير من أمراء المماليك واسمه جمال الدين آقوش الشمسي واخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا، ودار بينها قتال فتمكن آقوش من كتبغا وقتله، وبقتله قتلت العزيمة عند جيش التتار، وأصبحوا يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، واستطاعوا فتح ثغرة في المدخل الشمالي، وخرجت أعداد كبيرة منهم باتجاه الشمال، وخرج المسلمون في طلبهم، حتى وصل التتار الفارّون إلى مدينة بيسان،
    وعندما وصل إليهم المسلمون، لم يجد التتار أمامهم إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم ويصطفوا من جديد،
    ودارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان، وقاتل التتار فيها قتالاً شديداً، وبدؤا يضغطون على المسلمين، ودارت الدائرة لهم، عندها كرر قطز ما فعله في عين جالوت وأخذ يصيح بالجند «واإسلاماه... واإسلاماه... واإسلاماه» ثلاثاً، كانت هذه الكلمات دفعة معنوية لجنود جيش المسلمين، وأقبل الجند على القتال وارتفعت راية الإسلام وهوت راية التتار، وبدأ جنود التتار في التساقط، وكانت نتيجة المعركة أن أُبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد.

    كانت معركة عين جالوت المعركة الأولى التي يهزم فيها جيش المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان، وبعد الانتصار الذي حققه قطز وجيشه، أخذ قطز في التفكير في أمر التتار في الشام، فلا تزال هناك حاميات تتارية في دمشق وحمص وحلب وغيرها من مدن الشام، ومع ما أصاب جيش المسلمين من كثرة الشهداء وكثرة الجرحى، وما لقوه من عناء وتعب، قرر سيف الدين قطز السير إلى دمشق لتحريرها من سيطرة التتار، واستغلال فرصة انكسار جيش التتار وهزيمته الساحقة في سهل عين جالوت.

    تحرير دمشق
    أراد سيف الدين قطز أن يستثمر انتصاره على جيش المغول في عين جالوت، في تهيئة انتصار جديد للمسلمين في دمشق على جيش التتار المحتمي فيها، فجيش التتار قتل بأكمله في المعركة، ولم ينقل أحد منهم الخبر إلى دمشق، فأردا قطز أن ينقل خبر النصر الكبير على المغول بنفسه، ليضعف من معنويات الحامية التتارية في دمشق، فيسهل عليه فتحها، قرر قطز أن يرسل رسالة إلى التتار يعلمهم فيها بهزيمة كتبغا وجيشه، وجاء فيها:

    أما النصر الذي شهد الضرب بصحته، والطعن بنصيحته، فهو أن التتار خذلهم الله، استطالوا على الأيام وخاضعوا بلاد الشام واستنجدوا بقبائلهم على الإسلام، وهذه عساكر الإسلام مستوطنة في مواطنها ما تزلزل لمؤمن قدم إلا وقدم إيمانه راسخة ولا تثبت لأحد حجة إلا وكانت الجمعة ناسخة ولا عقدت برجمة ناقوس إلا وحلها الآذان ولا نطق كتاب إلا وأخرسه القرآن.

    ولم تزل أخبار المسلمين تنتقل إلى الكفار، وأخبار الكفار تنتقل إلى المسلمين، إلى أن خلط الصباح فضته بذهب الأصيل، وصار اليوم كأمس ونُسخت آية الليل بسورة الشمس، إلى أن تراءت العين بالعين واضرمت نار الحرب بين الفريقين، فلم تر إلا ضرباً يجعل البرق نضواً ويترك في بطن كل من المشركين شِلْواً، وقتل من المشركين كل جبار عنيد، ذلك بما قدمت أيديهم
    (وما ربك بظلام للعبيد)

    وصلت رسالة سيف الدين قطز إلى دمشق في اليوم السابع والعشرين أو الثامن والعشرين من شهر رمضان،
    وبهذه الرسالة علم المسلمون نبأ الانتصار فقاموا بثورة عارمة داخل دمشق، وأمسكوا بجنود التتار وقتلوا عدداً منهم وأسروا عدداً آخر وفر عدد آخر، وكان السبب الرئيسي لما حدث في دمشق هو انهيار معنويات التتار بعد سماعهم خبر هزيمة كتبغا في عين جالوت، ثم اتجه المسلمون في دمشق بعد أن انتهوا من أمر التتار للانتقام من النصارى الذين كانت لهم مواقف سيئة مع المسلمين أثناء سيطرة التتار على دمشق، وتجاوز بعض المسلمين الأمر إلى حرق الديار والكنائس، وإلى قتل البعض منهم،
    ونشط بعض المتحمسين للظلم الذي حل بالمسلمين وقرروا قتل اليهود الذين يعيشون في دمشق، واستدعى هذا الأمر تدخل العلماء والنهي عن هذا الفعل لأن اليهود لم يشتركوا مع النصارى في إيذاء المسلمين أيام حكم التتار،
    وكادت الفتنة أن تعم دمشق بأكملها، حتى أتى يوم الثلاثين من رمضان، عندما وصل سيف الدين قطز وجيش المسلمين دمشق بعد خمسة أيام من معركة عين جالوت، ودخل جيش المسلمين دمشق واستتب الأمن، وانتهت الفوضى التي عمت دمشق،
    واستقر الوضع بسرعة، وأُمّنَ النصارى واليهود على أموالهم وأرواحهم وممتلكاتهم،
    وقام قطز بعزل ابن الزكي قاضي دمشق الذي عينه التتار، وعيّن مكانه نجم الدين أبو بكر بن صدر الدين بن سني الدولة، الذي بدأ يفصل في القضايا، ويحكم في المخالفات التي وقعت بين المسلمين والنصارى.

    تحرير حمص وحلب
    وفي يوم عيد الفطر أرسل سيف الدين قطز الظاهر بيبرس بمقدمة جيشه لتتبع الفارين من التتار، وتطهير المدن الشامية الأخرى من الحاميات التتارية، فوصل بيبرس إلى حمص، واقتحم معسكرات الحامية التتارية وقضى عليهم وهرب من هرب منهم،
    وأُطلق سراح المسلمين الأسرى الذين كانوا في قبضة التتار، ثم انطلقوا خلف الحاميات التتارية الهاربة، فقتلوا أكثرهم وأسروا الباقين ولم يفلت منهم إلا الشريد، ثم اتجه بيبرس بمقدمة جيشه إلى حلب، ففر منها التتار، واستطاع المسلمون تطهير بلاد الشام بأكملها من التتار في بضعة أسابيع.

    توحيد مصر والشام
    أعلن سيف الدين قطز توحيد مصر والشام تحت دولة واحدة بزعامته، وكانت هذه الوحدة هي الوحدة الأولى بين الإقليمين منذ عشر سنوات، وذلك منذ وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب،
    وخُطِبَ لسيف الدين قطز على المنابر في كل المدن المصرية الشامية والفلسطينية، وبدأ قطز في توزيع الولايات الإسلامية على الأمراء المسلمين، وأرجع بعض الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم، وذلك ليضمن عدم حدوث أي فتنة في بلاد ومدن الشام،
    فأعطى قطز إمارة حمص للأشرف الأيوبي (الذي أرسل صارم الدين أيبك إلى قطز قبل معركة عين جالوت يعلمه ببعض المعلومات السرية)،
    وأعطى إمارة حلب لعلاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ، وأعطى إمارة حماة للأمير المنصور، وعين الأمير المملوكي جمال الدين آقوش الشمسي (قاتل القائد المغولي كتبغا) على الساحل الفلسطيني وغزة،
    أما دمشق فقد عين عليها علم الدين سنجر الحلبي، وفي يوم السادس والعشرين من شهر شوال عام 658 هـ الموافق الرابع من شهر أكتوبر عام 1260م عاد سيف الدين قطز لمصر

    نتائج المعركة

    • كان للانتصار في معركة عين جالوت أثرا كبيرا جداً في روح ومعنويات المسلمين من جهة، وفي طموح المسلمين في تحرير ما بقي من مدن وبلدات العالم الإسلامي التي كانت تقبع تحت احتلالين: الأول الاحتلال المغولي والثاني الاحتلال الصليبي، وتبدد الاعتقاد بمقولة أن التتار لا يمكن أن يُهزموا، وبدأ المماليك في الإعداد لاستعادة هيبة الإسلام بعد غياب دام سنين طويلة.

      كسر شوكة المغول
      استطاع المماليك وقف تمدد المغول العسكري في الشام وفلسطين والأناضول، ولم يتمكن المغول من غزو بلاد الشام لفترة من الزمن،، وكان من أهم نتائج معركة عين جالوت أن هولاكو الذي استقر في تبريز لم يفكر في إعادة احتلال الشام مرةً أخرى، وكان أقصى ما فعله رداً على عين جالوت هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب.

      وكانت هذه المعركة من أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي هي الأولى التي خسر فيها التتار، وبهذه الخسارة الفادحة تم ضم وتوحيد العالم الإسلامي تحت حكم المماليك لأكثر من 270 عاما، فقد كان لمعركة عين جالوت أثر عظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام
      عودة ديار الشام إلى السيادة الإسلامية وكسـر أسطورة المغول في نفوس المسلمين، بعد أن يئست بعض القلوب من النصر على التتار لاستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه ولا عسكرا إلا هزموه.
      إقرار شرعية المماليك في الشام فامتد سلطانهم من نهر الفرات شرقا إلى برقة غربا، ومن حلب شمالا إلى تخوم بلاد النوبة جنوبا، وتحولت الشام إلى ولايات أو نيابات كبرى كلها خاضعة لسلطانهم.
      انتهاء الدولة الأيوبية وخضوع من تبقى منهم للسيادة المملوكية مثل الملك المنصور في حماة وأبنائه من بعده حتى النصف الأول من القرن الثامن الهجري، والأشرف موسى الذي رجع عن تحالفه مع المغول وأقره المماليك على ولاية حمص.
      وقف زحف التمدد المغولي في غرب العالم سواء في شمال أفريقيا والمغرب أو في أوروبا، وهذا ما أقرته بعض المصادر الغربية.
      توطد العلاقات بين المماليك ومغول القفجاق المسلمين في شمال بحر قزوين، وتحالف الفريقين ضد عدوهما المشترك المتمثل في أسرة هولاكو بإيران والعراق.
      أدت هزيمة المغول في عين جالوت إلى فشل سياسة الصليبيين في الشـرق الأدنى القاضية بالتحالف مع المغول ضد المسلمين، وإلى تعجيل زوال الإمارات الصليبية في بلاد الشام في ما بعد. (أيوب، عين جالوت معركة حطمت أسطورة المغول، مدونات الجزيرة،
    2017).
    تأثر التتار بالإسلام

    كانت بداية تأثر التتار بالإسلام من خلال أحد زعماء القبيلة الذهبية التي تعد أكبر قبائل التتار، وهو بركة خان ابن عم هولاكو قائد التتار في الغرب، كان إسلام بركة عام 650 هـ، وتولى زعامة القبيلة الذهبية في عام 652 هـ،
    كانت القبيلة شبه مستقلة عن دولة التتار وتحكم المنطقة التي تقع شمال بحر قزوين والمعرفة باسم القبجاق، وبإسلامه دخلت أعداد كبيرة من القبيلة الذهبية في دين الإسلام، ولما وصلت القبيلة الذهبية نبأ ما حدث في معركة عين جالوت، تزايد أعداد المسلمين في القبيلة حتى أصبحت كلها تقريبا مسلمة، وكان مما جرى في أمرهم أن بركة خان زعيم القبيلة الذهبية تحالف مع الظاهر بيبرس ضد هولاكو.

    مقتل قطز
    كانت نهاية سيف الدين قطز بعد معركة عين جالوت بخمسين يوماً فقط، اتفق المؤرخون على أن قطز قتل وهو في طريق عودته من دمشق إلى القاهرة في منطقة تسمى الصالحية بفلسطين، وكان مقتله على يد القائد المملوكي الظاهر بيبرس،
    واختلف المؤرخون في سبب إقدام بيبرس على قتل السلطان قطز، فابن خلدون في مقدمته يروي أن المماليك البحرية بقيادة بيبرس كانت تتحين الفرصة لقتل قطز لأخذ الثأر لمقتل أميرهم فارس الدين أقطاي، الذي تولى قطز قتله في عهد السلطان عز الدين أيبك، فلما غادر قطز دمشق وقرب من مصر، ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه المماليك وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعاً،
    في حين يقول جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء أن قطز وعد بيبرس بإعطائه إمارة حلب ثم رجع قطز عن وعده،
    فتأثر بيبرس بذلك، ولما رجع قطز إلى مصر كان بيبرس قد أضمر الشر وأسر ذلك في نفسه، ثم اتفق بيبرس وجماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق،
    أما المؤرخ قاسم عبده قاسم فقال أن بيبرس ظن أنه أحق بالعرش من قطز، لا سيما وأنه صاحب دور كبير في هزيمة الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك لويس التاسع قبل عشر سنوات في المنصورة، كما أنه لعب دوراً كبيراً في هزيمة المغول في عين جالوت، وأنه كان أول من ألحق بهم هزيمة عندما دمر طليعة الجيش المغولي، ثم طارد فلوله المنسحبة حتى أعالي بلاد الشام.
    -----------------------------------------------------
    لا تنسونا من اصلح دعائكم بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
    التالي :- حرب العاشر من رمضان 1393 ه أكتوبر 1973 م المجيده

    صادق النور و انهار الجنه يعجبهم هذا الموضوع

    avatar
    انهار الجنه


    عدد المساهمات : 220
    تاريخ التسجيل : 07/03/2010

    محمد عبد الموجود جزاكم الله خيرا

    مُساهمة من طرف انهار الجنه الثلاثاء أبريل 11, 2023 5:07 pm

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم

    صادق النور و انهار الجنه يعجبهم هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 11:00 pm