آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» عقيدة السلف الصالح للشيخ المحدث محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري المدني
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110اليوم في 4:19 pm من طرف عبدالله الآحد

» أَسْرارُ اَلْمُسَبَّحَةِ اَوْ السُّبْحَةِ وَأَنْواعُها وَأَعْدادُها - - ( ( الجُزْءُ أَلْأَولٌ ) )
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110أمس في 6:20 pm من طرف صادق النور

» عظمة الله سبحانه وتعالى والتحذير من الاستهزاء بالله والعياذ بالله
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110أمس في 5:54 pm من طرف عبدالله الآحد

» أَسْرارُ اَلْمُسَبَّحَةِ اَوْ السُّبْحَةِ وَأَنْواعُها وَأَعْدادُها - - ( ( اَلْجُزْءُ الثَّانِي ))
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110أمس في 8:06 am من طرف صادق النور

» أقسام صفات الله
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110السبت أبريل 27, 2024 8:52 pm من طرف عبدالله الآحد

» اثبات أن الله يتكلم بالصوت والحرف وأن القرآن كلامه حقيقة
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110الجمعة أبريل 26, 2024 4:11 pm من طرف عبدالله الآحد

» الرياء شرك أصغر إن كان يسيرا
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110الخميس أبريل 25, 2024 4:39 pm من طرف عبدالله الآحد

» لم يصح تأويل صفة من صفات الله عن أحد من السلف
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110الأربعاء أبريل 24, 2024 5:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» إثبات رؤية الله للمؤمنين في الجنة
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110الثلاثاء أبريل 23, 2024 7:24 am من طرف عبدالله الآحد

» الرد على من زعم أن أهل السنة وافقوا اليهود
ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooou110الثلاثاء أبريل 23, 2024 5:40 am من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 38 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 38 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 9635 مساهمة في هذا المنتدى في 3193 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 286 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو عبدالرحمن فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 15, 2022 5:40 pm


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا وحبيبنا ومصطفانا سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
    أحبابنا أنتهيا في الجزء ألأول والثاني والثالث في شرح ألأخلاق المحموده في ألإسلام
    وفي الجزء الرابع بإذن الله نتاول ألأخلاق المذمومه التي نهي عنها ألإسلام

    الأخلاق المذمومه
    الأخلاق المذمونه هي الأخلاق التي نهى الإسلام الإنسان أن يتحلّى بها، وهي عكس الأخلاق المحمودة، والأخلاق المذمومه عادةً ما يكون أصلها ينحصر في حبّ الشهوة بأنواعها، والتي تقود في الغالب إلى الظلم والجور، وفي الجهل الذي يقود إلى الخطأ في الحكم أو التصوّر، لذلك نهى عنها الإسلام تعالوا نتعرف عليها ..

    وأولها :  الإِسَاءة
    معنى الإِسَاءة لغةً:
    الإساءة مصدر أساء الرَّجل إِساءةً: خِلاف أحْسَن، وأساء الشَّيء: أفْسَده، ولم يُحْسِن عَمَله، ويقال: أساء به، وأساء إليه، وأساء عليه، وأساء له ضِد أحسن، معنًى واستعمالًا، وقول سَيِّئ: يَسُوء
    معنى الإِسَاءة اصطلاحًا:
    الإساءة هي: فعل أمر قبيح جار مجرى الشَّرِّ يترتَّب عليه غمٌّ لإنسان في أمور دينه ودنياه، سواء أكان ذلك في بدنه أو نفسه أو فيما يحيط به من مال أو ولد أو قنية
    الفرق بين الإِسَاءة وبعض الصِّفات

    - الفرق بين الإِسَاءة والمضَرَّة:
    أنَّ الإِسَاءة قبيحة، وقد تكون مَضَرَّة حَسَنة إذا قُصِد بها وَجهٌ يَحْسُن، نحو المضَرَّة بالضَّرْب للتَّأديب، وبالكَدِّ للتَّعلُّم والتَّعليم

    - الفرق بين الإِسَاءة والسُّوء:

    أنَّ الإِسَاءة: إنفاق العمر في الباطل، والسُّوء: إنفاق رزقه في المعاصي
    أنَّ الإِسَاءة: فِعْلُ المسيء، والسُّوء: الفعل ممَّا يسوء
    أنَّ الإِسَاءة: اسمٌ للظُّلم، يقال: أَسَاء إليه إذا ظَلَمه، والسُّوء: اسمٌ الضَّرر والغَمِّ، يقال: سَاءَه يسُوؤه، إذا ضَرَّه وغَمَّه، وإن لم يكن ذلك ظُلمًا
    - الفرق بين الإِسَاءة والنِّقْمَة:
    أنَّ النِّـقْمَة قد تكون بحقٍّ، جزاءً على كُفران النِّعمة.
    والإِسَاءة: لا تكون إلَّا قبيحة. ولذا لا يصحُّ وصفه تعالى بالمسيء، وصحَّ وصفه بالمنتقم.
    قال -سبحانه-: وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [آل عمران: 4] ، وقال: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [المائدة: 95]
    ذمُّ الإِسَاءة والنهي عنها في القرآن الكريم

    - قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ [البقرة: 83]
    (وفيه النَّهي عن الإِسَاءة إلى الوالدين.. وللإحسان ضدَّان: الإِسَاءة، وهي أعظم جرمًا، وترك الإحسان بدون إساءة، وهذا محرم)
    - قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون: 96]
    (أي: إذا أَسَاء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإِسَاءة)
    - قال تعالى: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء: 7]
    (أي: فإليها ترجع الإِسَاءة لِمَا يتوجَّه إليها مِن العقاب، فرغَّب في الإحسان، وحذَّر مِن الإِسَاءة)
    - قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35]
    (أي: فإذا أَسَاء إليك مُسِيءٌ مِن الخَلْق -خصوصًا مَن له حقٌّ كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم- إِسَاءةً بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصِلْه، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلَّم فيك -غائبًا أو حاضرًا- فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللَّيِّن. وإن هجرك، وترك خِطَابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السَّلام، فإذا قابلت الإِسَاءة بالإحسان، حصل فائدةٌ عظيمةٌ)
    - قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [فصِّلت:46]
    - قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [الجاثية: 15]
    قال السعدي: (وفي هذا حثٌّ على فعل الخير، وترك الشَّرِّ، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السَّيِّئة)
    ذمُّ الإِسَاءة والنهي عنها في السُّنَّة النَّبويَّة

    - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنَّ النَّبي بعثه إلى قوم، فقال: يا رسول الله، أوصني. قال: ((افشِ السَّلام وابذل الطَّعام... وإذا أَسَأت فأَحْسِن، ولتحسِّن خلقك ما استطعت))

    قال ملا علي القاري: (وإذا أَسَأت فأَحْسِن. وهو يحتمل معنيين، أحدهما: أنَّه إذا فعل معصية، يحدثها توبة، أو طاعة، وإذا أَسَاء إلى شخصٍ، أَحْسَن إليه،   ومنه قوله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ [فصِّلت: 34])
    - عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحسن فيما بقي، غُفِر له ما مضى، ومَن أَسَاء فيما بقي، أُخِذ بما مضى وما بقي ))
    - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليَّة؟ قال: مَن أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومَن أَسَاء في الإسلام أُخِذ بالأوَّل والآخر ))
    قال العيني: (منهم مَن قال: المراد بالإِسَاءة في الإسلام: الارتداد مِن الدِّين)
    وقال المناوي: (فالمراد بالإِسَاءة: الكفر؛ وهو غاية الإِسَاءة)
    - عن أبي بَكْرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا أنبئكم بأكبرِ الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور))، وكان رسول الله متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت!
    وفي الصحيحين عن أنس بنحوه وزاد فيه: ((وقتل النفس)).
    وورد نحوه عند البخاري من حديث الشعبي عن عبدالله بن عمرو، وزاد فيه: ((اليمين الغَموس))،
    قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: ((الذي يقتطع مال امرئٍ مسلم هو فيها كاذب)).
    قال الهيتمي: (فانظر كيف قَرَن الإِسَاءة إليهما وعدم البِرِّ والإحسان إليهما بالإشراك بالله تعالى، وأكَّد ذلك بأمره بمصاحبتهما بالمعروف، وإن كانا يجاهدان الولد على أن يشرك بالله تعالى)

    أقوال السَّلف والعلماء في الإِسَاءة


    - عن الحسن البصري أنَّه كان يقول: (إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإنَّ المنافق جمع إِسَاءةً وأَمْنًا)
    - وقال ابن حزم: (لم أرَ لإبليس أَصْيَد ولا أَقْـبَح ولا أَحْمَق مِن كلمتين ألقاهما على أَلْسِنة دُعَاته:
    إحداهما: اعتذار مَن أَسَاء بأنَّ فلانًا أَسَاء قبله.
    والثَّانية: استسهال الإنسان أن يُسيء اليوم؛ لأنَّه قد أَسَاء أمس، أو أن يُسيء في وجهٍ ما؛ لأنَّه قد أَسَاء في غيره)
    - وقال -أيضًا-: (مَن أَسَاء إلى أهله وجيرانه فهو أَسْقَطُهم، ومَن كَافَأ مَن أَسَاء إليه منهم، فهو مثلهم، ومَن لم يكافئهم بإساءتهم، فهو سيِّدهم وخيرهم وأفضلهم)

    - وقال بعض السَّلف: (ما أحسنتُ إلى أحدٍ، وما أسأتُ إلى أحدٍ، وإنَّما أحسنتُ إلى نفسي، وأسأتُ إلى نفسي)
    - وقال موسى بن جعفر: (مَن لم يجد للإِسَاءة مَضَضًا، لم يكن للإحسان عنده موقع)
    - وعن ميمون قال: (مَن أَسَاء سِرًّا، فليتبْ سِرًّا، ومَن أَسَاء علانيةً، فليتب علانيةً، فإنَّ الله يغفر ولا يُعَيِّر، وإنَّ النَّاس يُعَيِّرون ولا يغفرون)
    - وقيل: (أربعةٌ يُـقْضَى بها على أربعةٍ: السِّعَاية على الدَّناءة، والإِسَاءة على الرَّداءة، والحَلِف على البُخل، والسَّخَف على الجهل)
    - وقيل (مَن رضي لنفسه بالإِسَاءة، شهد على نفسه بالرَّداءة والدَّناءة)
    آثار الإِسَاءة

    1- الإِسَاءة صفة مِن صفات المنافقين.
    عن الحسن البصري، أنَّه كان يقول: (إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإنَّ المنافق جمع إِسَاءة وأَمْنًا)

    2- أنَّ مَن رضي لنفسه بالإِسَاءة، شهد على نفسه بالرَّداءة.
    3- أنَّ الإِسَاءة مِن أسباب قسوة القلب.
    4- أنَّ الإِسَاءة تمنع مِن الشَّفاعة.
    قال أبو الدَّرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ))
    قال ابن القيِّم: (قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ))؛ لأنَّ اللَّعن إساءة، بل مِن أبلغ الإِسَاءة، والشَّفاعة إحسان، فالمسيء في هذه الدَّار باللَّعن، سلبه الله الإحسان في الأخرى بالشَّفاعة، فإنَّ الإنسان إنَّما يحصد ما يزرع، والإِسَاءة مانعة مِن الشَّفاعة التي هي إحسان)
    5- أنَّه كلَّما ازداد الإنسان إساءة ازداد وحشة
    6- أنَّ أخوف النَّاس أشدُّهم إساءة
    7- الإِسَاءة إلى الآخرين تُسَبِّب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع.

    أسباب الوقوع في الإِسَاءة:
    1- مقابلة الإِسَاءة بأشدَّ منها.
    2- قسوة القلب.
    من أسباب الوقوع في إِسَاءة الإنسان على نفسه

    1- اليأس:
    قال ابن القيِّم: (الخوف الموقِع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه، وجهلٌ بها)

    2- سوء الظَّنِّ:
    عن معمر، قال: (تلا الحسن: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصِّلت: 23] فقال: إنَّما عَمِل النَّاس على قَدْر ظنونهم بربِّهم؛ فأمَّا المؤمن فأَحْسَن بالله الظَّنَّ، فأَحْسَن العمل؛ وأمَّا الكافر والمنافق فأساءا الظَّنَّ، فأساءا العمل)
    وقال ابن القيِّم: (وأمَّا المسيء المصرُّ على الكبائر والظُّلم والمخالفات، فإنَّ وحشة المعاصي والظُّلم والحرام تمنعه مِن حُسْن الظَّنِّ
    بربِّه، وهذا موجودٌ في الشَّاهد، فإنَّ العبد الآبق -الخارج عن طاعة سيِّده- لا يُحْسِن الظَّنَّ به، ولا يجامع وحشة الإِسَاءة إحسان الظَّنِّ أبدًا)
    3- طول الأمل:
    عن الحسن: (ما أطال عبدٌ الأمل إلَّا أَسَاء العمل)

    الوسائل المعينة على ترك الإِسَاءة:
    1- الحِلْم:
    قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون: 96]
    قال السعدي: (أي: إذا أَسَاء إليك أعداؤك بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإِسَاءة، مع أنَّه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإنَّ ذلك فَضْلٌ منك على المسيء. ومِن مصالح ذلك: أنَّه تَخِفُّ الإِسَاءة عنك في الحال، وفي المستقبل، وأنَّه أَدْعَى لجلب المسيء إلى الحقِّ، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتَّوبة عمَّا فعل، وليتَّصف العافي بصفة الإحسان،
    ويقهر بذلك عدوَّه الشَّيطان، وليستوجب الثَّواب مِن الرَّبِّ)

    2- الاستغفار:
    عن علي رضي الله عنه قال: (ليس الخير أن يَكْثُر مالك وولدك، ولكن الخير أن يَكْثُر علمك، ويَعْظُم حلمك، وأن تباهي النَّاس بعبادة ربِّك، فإن أَحْسَنت حَمَدت الله، وإن أسأت استغفرت الله)

    3- معرفة أنَّ في ترك الإِسَاءة رجاحة النَّفس، وراحة القلب:
    قال القاضي المهدي: (ولو لم يكن في الصَّفح -وترك الإِسَاءة- خَصْلَةٌ تُحمَد إلَّا رجاحة النَّفس ووَدَاع القلب، لكان الواجب على العاقل أن لا يكدِّر وقته بالدُّخول في أخلاق البهائم...)

    4- حُسْن الظَّنِّ بالله.
    5- قِصَر الأمل.
    6- عدم اليأس.
    بين الإِسَاءة والإحسان

    الإِسَاءة ضدُّ الإحسان، والإحسان واجبٌ، فالإِسَاءة ممنوعةٌ؛ لأنَّ قولك: أَحْسِن إلى فلان، يقوم مقام قولك: لا تسئ إليه،
    وذلك معنى مقتضاه فقط. وأما قولك: لا تسيء إليه، فليس فيه الإحسان إليه. وكذلك إذا قلت: لا تحسن إليه، فليس فيه أن تسيء إليه أصلًا؛ لأنَّ هذا مِن الأضداد التي بينها وسائط، والوسيطة هاهنا التي بين الإِسَاءة والإحسان: المتَاركة.
    وأمَّا إذا قلت: أَسِئ إلى فلان، ففيه رفع الإحسان عنه؛ لأنَّ الضدَّ يدفع الضدَّ، إذا وقع أحدهما بطل الآخر

    الأمثال في الإِسَاءة

    1- أَسَاء سمعًا فأَسَاء إجابة
    2- أَسَاء رعيًا فسقى.
    يُضْرَب مثلًا للرَّجل يُفْسِد الأمر، ثمَّ يريد إصلاحه، فيزيده فسادًا
    3- أَسَاء كارهٌ ما عمل.
    يُضْرَب مثلًا للرَّجل يُكْرَه على الأمر فلا يبالغ فيه
    4- البادئ أظلم.
    يقوله الرَّجل يجازي على الإِسَاءة بمثلها، أي: الذي ابتدأ الإِسَاءة أظلم
    5- لو نُهِيت عن الأولى، لم تَعُد للأخرى.
    يُضْرَب مثلًا للرَّجل يُسيء فيُحْتَمل، فيَضْرَى على الإِسَاءة
    6- جزاء سَنِمَّار.
    يضرب مثلًا لسوء الجزاء، يقال: جزاه جزاء سنمار
    7-  خَيْرَ حالِبَيْك تَنْطَحِين.
    يُضْرَب لمن يكافِئ المحسن بالإِسَاءة
    8- ليس بعد الإسار إلَّا القتل.
    يُضْرب في الإِسَاءة يركبها الرَّجل مِن صاحبه، فيستدلُّ بها على أكثر منها
    -----------------------------------
    أحبابنا ما زلنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    لا تنسونا من صالح دعائكم


    عدل سابقا من قبل sadekalnour في الجمعة يوليو 22, 2022 6:46 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الإسراف والتبذير )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 15, 2022 6:10 pm


    الإسراف والتبذير

    معنى الإسراف لغةً:
    الإسراف: مجاوزة القصد، مصدر من أسرف إسرافًا، والسَّرَف اسم منه، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأصل هذه المادة يدُلُّ على تعدِّي الحدِّ، والإغفال أيضًا للشيء
    معنى الإسراف اصطلاحًا:
    الإسراف: هو صرف الشيء فيما لا ينبغي زائدًا على ما ينبغي
    وقال الراغب: (السرف: تجاوز الحد في كلِّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر)
    وقال الجرجاني: (الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحلُّ له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق)
    معنى التبذير لغةً: !
    التبذير: التفريق، مصدر بذَّر تبذيرًا، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلِّ مضيع لماله، وبذر ماله: أفسده وأنفقه في السرف. وكل ما فرقته وأفسدته، فقد بذرته، والمباذر والمبذِّر: المسرف في النفقة؛ وأصل هذه المادة يدلُّ على نثر الشيء وتَفْرِيقه
    معنى التبذير اصطلاحًا:
    قال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقِّه)
    وقيل: التبذير صرف الشيء فيما لا ينبغي
    وقيل: هو تفريق المال على وجه الإسراف
    الفرق بين الإسراف والتبذير

    الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي.
    بخلاف التبذير؛ فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي
    فبينهما عموم وخصوص إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانًا، وقد ينفرد الأعم وهو الإسراف

    ذم الإسراف والتبذير والنهي عنهما في القرآن الكريم

    - قال تعالى: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا [النساء: 6]
    قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافًا)

    وقال الماوردي: (يعني لا تأخذوها إسرافًا على غير ما أباح الله لكم، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافًا، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف)
    - وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141]
    قال الطبري: (السرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال)

    - وقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]
    (قال السدي: ولا تسرفوا، أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. قال الزجاج: على هذا إذا أعطى الإنسان كلَّ ماله، ولم يوصل إلى عياله شيئًا فقد أسرف)
    وقال الماوردي: (فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا تسرفوا في التحريم، قاله السدي. والثاني: معناه لا تأكلوا حرامًا فإنَّه إسراف، قاله ابن زيد. والثالث: لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع فإنَّه مضرٌّ)
    وقال السعدي: (فإنَّ السرف يبغضه الله، ويضرُّ بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدَّت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما)

    - وقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27]
    قال ابن كثير: (أي: في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته؛ ولهذا قال: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا أي: جحودًا؛ لأنَّه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته)
    وقال القاسمي: (أي: أمثالهم في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي. وهذا غاية المذمة؛ لأن لا شرَّ من الشيطان، أو هم إخوانهم أتباعهم في المصادقة والإطاعة، كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد. والجملة تعليل المنهي عنه عن التبذير، ببيان أنَّه يجعل صاحبه مقرونًا معهم. وقوله: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا من تتمة التعليل. قال أبو السعود: أي: مبالغًا في كفران نعمته تعالى؛ لأنَّ شأنه أن يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي، والإفساد في الأرض، وإضلال الناس، وحملهم على الكفر بالله، وكفران نعمه الفائضة عليهم، وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به. وتخصيص هذا الوصف بالذكر، من بين سائر أوصافه القبيحة؛ للإيذان بأنَّ التبذير، الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها، من باب الكفران، المقابل للشكر الذي هو عبارة عن صرفها إلى ما خلقت هي له. والتعرض لوصف الربوبية؛ للإشعار بكامل عتوِّه فإنَّ كفران نعمة الرب، مع كون الربوبية من أقوى الدواعي إلى شكرها، غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان)

    - وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]
    قال ابن كثير: (أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصرون في حقِّهم فلا يكفونهم،
    بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا،
    كما قال: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [الإسراء: 29] )

    ذم الإسراف والتبذير والنهي عنهما في السنة النبوية

    - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أو مخيلة ))

    قال ابن حجر: (ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلًا ولبسًا وغيرهما، إما لمعنى فيه، وهو مجاوزة الحدِّ، وهو الإسراف؛ وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه، وهو الراجح، ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام، وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة، قال الموفق عبد اللطيف البغدادي: هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة؛ فإنَّ السرف في كلِّ شيء يضرُّ بالجسد، ويضرُّ بالمعيشة؛ فيؤدِّي إلى الإتلاف، ويضرُّ بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضرُّ بالنفس حيث تكسبها العجب، وتضرُّ بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس)
    - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ((أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد، وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك؛ فإنها طهرة تطهِّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حقَّ السائل، والجار، والمسكين. فقال: يا رسول الله، أقلل لي. قال: فآت ذا القربى حقَّه، والمسكين، وابن السبيل، ولا تبذِّر تبذيرًا. فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أدَّيت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا أديتها إلى رسولي، فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدَّلها))
    - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ))
    قال العيني: (قوله: وإضاعة المال هو صرفه في غير ما ينبغي)
    وذكر القاري عن الطِّيبي قوله: (قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي بجميع أقسامه أن تقول: إنَّ الذي يصرف إليه المال، إما أن يكون واجبًا، كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، وهكذا إن كان مندوبًا إليه، وإما أن يكون مباحًا، ولا إشكال إلا في هذا القسم، إذ كثير من الأمور يعدُّه بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك، كتشييد الأبنية وتزيينها، والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تعلم أنَّ قساوة القلب وغلظ الطبع يتولَّد من لبس الرقاق، وأكل الرقاق، وسائر أنواع الارتفاق، ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع وتهلك، وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران، وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه وهو سفيه حقيق بالحجر، وهذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق الذي هو منبع الأخلاق الحميدة، والخلال الجميلة)

    - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: ((كلْ من مال يتيمك غير مسرف، ولا مباذر، ولا متأثِّل ))
    (قال النخعي: لا يلبس الكتان ولا الحلل، ولكن ما يستر العورة، ويأكل ما يسدُّ الجوعة)

    أقوال السلف والعلماء في الإسراف والتبذير

    - قال عمر رضي الله عنه: (كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى)

    - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال: (كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلَّتان: سرف أو مخيلة)

    - وعن عثمان بن الأسود قال: (كنت أطوف مع مجاهد بالبيت فقال: لو أنفق عشرة آلاف درهم في طاعة الله ما كان مسرفًا،
    ولو أنفق درهمًا واحدًا في معصية الله، كان من المسرفين)
    - وقال مالك: (التبذير هو أخذ المال من حقِّه، ووضعه في غير حقِّه، وهو الإسراف)
    - وقال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقِّه، ولا تبذير في عمل الخير)
    - وقال إياس بن معاوية: (الإسراف ما قصر به عن حق الله)
    - وقال القرطبي: (وهو حرام – أي التبذير- لقوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27] ،
    وقوله: إِخْوَانَيعني أنهم في حكمهم، إذ المبذِّر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدًا في النار)
    - وقال ابن عاشور: (قيل في الكلام الذي يصحُّ طردًا وعكسًا: لا خير في السرف، ولا سرف في الخير)

    آثار الإسراف والتبذير


    1- عدم محبة الله للمسرفين والمبذرين:
    قال تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141]
    قال ابن عاشور: (فبيَّن أنَّ الإسراف من الأعمال التي لا يحبُّها، فهو من الأخلاق التي يلزم الانتهاء عنها، ونفي المحبة مختلف المراتب، فيعلم أنَّ نفي المحبة يشتدُّ بمقدار قوة الإسراف، وهذا حكم مجمل، وهو ظاهر في التحريم)

    2- يفضي إلى طلب المال بالكسب الحرام:
    لأنَّ المسرف ربما ضاقت به المعيشة، نتيجة لإسرافه؛ فيلجأ إلى الكسب الحرام،
    قال ابن عاشور: (فوجه عدم محبة الله إياهم أنَّ الإفراط في تناول اللذات والطيبات، والإكثار من بذل المال في تحصيلها، يفضي غالبًا إلى استنزاف الأموال، والشَّره إلى الاستكثار منها، فإذا ضاقت على المسرف أمواله؛ تطلَّب تحصيل المال من وجوه فاسدة، ليخمد بذلك نهمته إلى اللذات، فيكون ذلك دأبه، فربما ضاق عليه ماله، فشقَّ عليه الإقلاع عن معتاده، فعاش في كرب وضيق،
    وربما تَطَلَّب المال من وجوه غير مشروعة، فوقع فيما يؤاخذ عليه في الدنيا أو في الآخرة، ثم إنَّ ذلك قد يعقب عياله خصاصة، وضنك معيشة، وينشأ عن ذلك ملام، وتوبيخ، وخصومات تفضي إلى ما لا يحمد في اختلال نظام العائلة)

    3- الإسراف في الأكل يضرُّ بالبدن:
    قال علي بن الحسين بن واقد: (جمع الله الطبَّ كلَّه في نصف آية فقال: وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ [الأعراف: 31] )
    وقال ابن عاشور: (ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللحوم والدسم؛ لأنَّ ذلك يعود بأضرار على البدن، وتنشأ منه أمراض معضلة.
    وقد قيل: إنَّ هذه الآية جمعت أصول حفظ الصحة من جانب الغذاء، فالنهي عن السرف نهي إرشاد لا نهي تحريم)
    وقال محمد رشيد رضا: (فمن جعل شهوة بطنه أكبر همه فهو من المسرفين، ومن بالغ في الشبع وعرض معدته وأمعاءه للتخم؛ فهو من المسرفين، ومن أنفق في ذلك أكثر من طاقته، وعرض نفسه لذلِّ الدين، أو أكل أموال الناس بالباطل؛ فهو من المسرفين، وما كان المسرف من المتقين)

    4- المسرف والمبذر يشاركه الشيطان في حياته:
    إنَّ الذي يسرف ويبذر معرض لمشاركة الشيطان في مسكنه، ومطعمه، ومشربه، وفراشه،
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان ))
    5- الإسراف والتبذير من صفات إخوان الشياطين:
    قال تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27]
    قال السعدي: (لأنَّ الشيطان لا يدعو إلا إلى كلِّ خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه،
    كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوالَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] )
    6- الإسراف يجرُّ إلى مذمَّات كثيرة:
    قال ابن عاشور: (والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذَّة إلى ملذَّة فلا يقف عند حدٍّ. وقيل عطف على وَآتُواْ حَقَّهُ أي: ولا تسرفوا فيما بقي بعد إتيان حقِّه، فتنفقوا أكثر مما يجب، وهذا لا يكون إلا في الإنفاق والأكل ونحوه)

    7- التعرض للمساءلة والحساب عن مصارف ماله:
    وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ))
    (أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصًا أو رياء وسمعة.
    وعن ماله من أين اكتسبه، أمن حلال أو حرام؟! وفيما أنفقه أفي البرِّ والمعروف أو الإسراف والتبذير؟! وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟!)

    8- الإسراف والتبذير فيه تضييع للمال.
    وهذا مشاهَدٌ محسوس.
    9- الإسراف والتبذير عاقبته وخيمة:
    قال ابن الجوزي: (العاقل يدبر بعقله عيشته في الدنيا، فإن كان فقيرًا؛ اجتهد في كسبٍ وصناعةٍ تكفُّه عن الذُّل للخلق، وقلل العلائق، واستعمل القناعة، فعاش سليمًا من منن الناس عزيزًا بينهم. وإن كان غنيًّا، فينبغي له أن يدبر في نفقته، خوف أن يفتقر،
    فيحتاج إلى الذُّل للخلق، ومن البلية أن يبذر في النفقة، ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنه يتعرض بذلك -إن أكثر- لإصابته بالعين...وينبغي التوسط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، وإنما التدبير حفظ المال، والتوسط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره)

    صور الإسراف ومظاهره


    لا شكَّ أنَّ الإسراف تتعدَّد صوره ومظاهره، وهو يقع في أمور كثيرة كالمأكل، والمشرب، والملبس، والمركب، والمسكن، وغيرها، ومن هذه الصور:
    1- الإسراف على الأنفس بالمعاصي والآثام:
    قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53]
    قال القاسمي: (أي جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر... لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر الإسراف
    إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53] أي لمن تاب وآمن. فإنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ [الزمر: 53-54] أي: توبوا إليه وَأَسْلِمُوا لَهُ أي استسلموا وانقادوا له، وذلك بعبادته وحده وطاعته وحده، بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه)

    2- الإسراف في الأكل، والشبع المفرط:
    وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في تناول الطعام فقال: ((ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس ))
    قال القرطبي: (من الإسراف الأكل بعد الشبع، وكلُّ ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعًا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله)
    3- الإسراف في الوضوء:
    عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: ((ما هذا السرف؟! فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ))
    وقال البخاري: (بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرض الوضوء مرة مرة، وتوضَّأ أيضًا مرتين وثلاثًا، ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم)
    وقال ابن القيم: (وكان- أي النبي صلى الله عليه وسلم- من أيسر الناس صبًّا لماء الوضوء، وكان يحذِّر أمته من الإسراف فيه، وأخبر أنَّه يكون في أمته من يعتدي في الطهور)
    وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((يجزئ من الوضوء مدٌّ، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: قد كان يجزئ من هو خير منك، وأكثر شعرًا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ))

    4- الإسراف في المرافق العامة:
    والإسراف في المرافق العامة مذموم أيضًا كالإسراف في الماء والكهرباء، ويعتبر من إضاعة المال
    قال صلى الله عليه وسلم ((إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال ))
    قال المناوي: (إضاعة المال: هو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنَّه إفساد والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله؛ تعرَّض لما في أيدي الناس)

    أسباب الإسراف والتبذير

    1- الجهل:
    جهل المسرف والمبذر بأحكام الشريعة الإسلامية، فربما لا يعرف أنَّ الإسراف والتبذير منهي عنه فيقع فيه.

    2- التأثر بالبيئة:
    فالإنسان الذي يعيش في بيئة تكثر فيها مظاهر الإسراف والترف، سيتأثر بها، مقلدًا من يعيشون حوله، ومن يختلط بهم.

    3- السعة بعد الضيق:
    (قد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر ذلك أن كثيرًا من الناس قد يعيشون في ضيق، أو حرمان، أو شدة، أو عسر، وهم صابرون محتسبون بل وماضون في طريقهم إلى ربهم، وقد يحدث أن تتغير الموازين، وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط، أو الاعتدال، فينقلب على النقيض تمامًا فيكون الإسراف، أو التبذير)

    4- الغفلة عن الآخرة.
    5- مصاحبة المسرفين والمبذرين:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ))
    فالإسراف والتبذير ربما يكون بسبب (صحبة المسرفين ومخالطتهم ذلك أن الإنسان غالبًا ما يتخلق بأخلاق صاحبه، وخليله، لاسيما إذا طالت هذه الصحبة، وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير. ولعلنا بذلك ندرك السر في تأكيد الإسلام، وتشديده على ضرورة انتقاء الصاحب، أو الخليل)

    الوسائل المعينة على ترك الإسراف والتبذير

    1- الاعتدال في النفقة:

    قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]
    2- البعد عن مجالسة المسرفين والمبذرين:
    ويكون بـ (الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية، والنفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كلَّ حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإنَّ ذلك من شأنه أن يقضي على كلِّ مظاهر السرف، والدعة، والراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين، وفي موكب السائرين)

    3- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
    فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الأسوة والقدوة، وهو الذي يقول كما يروي ذلك أبو هريرة، قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا )) (أَي: كفايتهم من غير إسراف، وهو معنى كفافًا، وقيل: هو سدُّ الرمق)

    4- قراءة سيرة السلف الصالح:
    فالصحابة من سلف هذه الأمة والتابعون لهم بإحسان كانوا ينظرون إلى الدنيا على أنها دار ممرٍّ لا دار مقرٍّ، وأنهم غرباء مسافرون عنها، ولذلك كان عيشهم كفافًا، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب أنَّه دخل على ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما فرأي عنده لحمًا، فقال: (ما هذا اللحم ؟ قال: أشتهيه. قال: وكلما اشتهيت شيئًا أكلته؟ كفي بالمرء سرفًا أن يأكل كلَّ ما اشتهاه).

    ودخل سلمان على أبي بكر، وهو في سكرات الموت، فقال: أوصني. فقال: (إنَّ الله فاتح عليكم الدنيا فلا تأخذنَّ منها إلا بلاغًا)
    5- أن يفكر في عواقب الإسراف والتبذير.
    6- تذكر الموت والدار الآخرة:
    فالمسلم حينما يتذكر الموت وأهوال يوم القيامة والحساب والميزان والجنة والنار، لا شك أن ذلك سيكون خير معين له على تجنب الإسراف وحياة البذخ، وسيتقرب إلى الله بإنفاق ما زاد عن حاجاته في أوجه الخير.

    ما قيل في حسن التدبير وذم التبذير

    قال الثعالبي: (من أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدين، والعرض. ما عالَ مقتصدٌ. أصلحوا أموالكم لنَبْوة الزمان،
    وجفوة السلطان. الإصلاح أحد الكاسبين. لا عيلة على مصلحٍ، ولا مال لأخرق، ولا جود مع تبذير، ولا بخل مع اقتصادٍ.
    التدبير يثمر اليسير، والتبذير يبدد الكثير. حسن التدبير مع الكفاف، أكفى من الكثير مع الإسراف. القصد أسرع تبليغًا إلى الغاية، وتحصيلًا للأمر. إنَّ في إصلاح مالك جمال وجهك، وبقاء عزِّك، وصون عرضك، وسلامة دينك. التقدير نصف الكسب. أفضل القصد عند الجِدَة. عليك من المال بما يعولك ولا تعوله. من لم يُحمد في التقدير، ولم يُذمَّ في التبذير، فهو سديد التدبير)

    وقيل: (حسن التدبير نصف الكسب وسوء التدبير داعية البؤس. الإفلاس سوء التدبير)
    وقيل: (ما وقع تبذير في كثير إلَّا هدمه، ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمره).
    وقيل: (إنَّك إن أعطيت مالك في غير الحقِّ؛ يوشك أن يجيء الحقُّ وليس عندك ما تعطي منه)
    ما قيل في التهكُّم على مبذِّر

    قال الراغب الأصفهاني: (قيل في المثل: خرقاء وجدت صوفًا.
    وقيل: من يطل ذيله ينتطق به.
    وقيل: يطأ فيه.
    ومن وجد دهنًا دهن استه.
    وقيل: عبد خلي في يديه، وعبد ملك عبدًا.
    وكان بعض المتخلفين ورث مالًا فكان يحمل الدنانير ويأتي الشطَّ فيقذف واحدًا واحدًا في الماء، فقيل له في ذلك،
    فقال: يعجبني طليته وصوته.
    وبنى عون العبادي دكانًا وسط داره، وأسرف في الإنفاق عليه إسرافًا متناهيًا فَلِيْمَ في ذلك، فقال: ما أصنع بالدراهم إذًا؟!)

    ما قيل في التوسط في الأمور

    قال تعالى:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء: 29]
    (عليك بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر،
    ولا تكن حلوًا فتسترط، ولا مرًّا فتلفظ....
    عليك بأوساط الأمور فإنَّها نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعبا

    وقال آخر:
    وخير خلائق الأقوام خلقٌ توسط لا احتشام ولا اغتنامًا)
    _________________________________________________________

    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم


    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty ألأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع .. ( الافتراء والبهتان )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 15, 2022 6:41 pm


    الافتراء والبهتان

    معنى الافتراء لغةً:
    الافتراء مصدر افترى يفتري افتراءً: إذا كذب، وفرى كذبًا فريًا: اختلقه. والفرى: جمع فرية وهي الكذبة
    معنى الافتراء اصطلاحًا:
    قال العسكري: (الافتراء:.. الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه)
    وقال الكفوي: (الافتراء: هو العظيم من الكذب، يقال لمن عمل عملًا فبالغ فيه: إنه ليفري الفرى. ومعنى افترى: افتعل واختلق ما لا يصحُّ أن يكون؛ وما لا يصحُّ أن يكون أعمُّ مما لا يجوز أن يقال، وما لا يجوز أن يفعل)
    وقال السيوطي: (الافتراء: اختراع قضية لا أصل لها)
    معنى البهتان لغةً:
    البهتان: الكذب المفترى، من بهت الرجل يبهته بهْتًا، وبهَتًا، وبهتانًا، فهو بهَّات أي: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت.
    والبهيتة: الباطِلُ الذي يُتَحَيَّر من بُطلانه، والكذبُ كالبُهت، وبهتُّ الرجل أبهته بهتًا: إذا قابلته بالكذب، وبهت فلان فلانًا: إذا كذب عليه
    معنى البهتان اصطلاحًا:
    البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب؛ لأنَّه إذا كان عن قصد يكون إفكًا
    وقال أبو هلال العسكري: (البهتان: هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له)
    وقال القرطبي: (البهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء)

    الفرق بين الافتراء والبهتان وبعض الصفات

    الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان

    - يشترك الجميع في عدم مطابقة الخبر للواقع.
    - الكذب: هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك.
    - الكذب: يكون في حق النفس، وحق الغير، والافتراء والبهتان: يكون في حق الغير فقط.
    - الكذب: يحسن في بعض الأحوال، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعلى الزوجة، ولا يحسن الافتراء والبهتان في جميع الأحوال.
    الفرق بين الزور والبهتان:
    - الزور: هو الكذب الذي قد سُوِّي وحُسِّن في الظاهر؛ ليحسب أنه صدق.

    - البهتان: هو مواجهة الإنسان بما لم يحبه وقد بهته

    ذم الافتراء والبهتان والنهي عنهما في القرآن الكريم

    - قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ [العنكبوت: 68]
    قال ابن كثير: (لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذب على الله، فقال: إنَّ الله أوحى إليه شيئًا، ولم يوحَ إليه شيء،
    ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. وهكذا لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذَّب بالحقِّ لما جاءه، فالأول مفترٍ، والثاني مكذِّب؛ ولهذا قال: أليس في جهنم مثوى للكافرين)

    وقال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ومن أظلم أيُّها الناس ممن اختلق على الله كذبًا- فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء- أو كذَّب بالحقِّ لما جاءه)
    - وقال تعالى في من يفتري على الأنبياء: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4]
    وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: إن هذا إلا إفك: أي: كذب، افتراه يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانه عليه قوم آخرون أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين.
    قال الله تعالى: فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا أي: فقد افتروا هم قولًا باطلًا هم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون)
    - وقال سبحانه فيمن ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [ الأحزاب: 58]
    قال ابن كثير: (فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا، وهذا هو البهت البيِّن أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقُّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة، ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم)
    وقال الطبري: (فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا يقول: فقد احتملوا زورًا وكذبًا وفرية شنيعة، وبهتان: أفحش الكذب، وإثمًا مبينًا يقول: وإثمًا يبين لسامعه أنَّه إثم وزور)

    - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة: 12]

    قال السعدي في قوله تعالى: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ (البهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكلِّ حالة، سواء تعلَّقت بهنَّ وأزواجهنَّ، أو سواء تعلَّق ذلك بغيرهم)

    ذم الافتراء والبهتان والنهي عنهما في السنة النبوية

    - عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أعظم الفِرَى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ))

    قال العيني: (قوله: الفرى.. جمع: فرية وهي الكذب والبهت... قوله: أن يدَّعي الرجل، أي: أن ينتسب إلى غير أبيه.
    قوله: أو يُري عينه ما لم ترَ، حاصل المعنى: أن يدَّعي أن عينيه رأتا في المنام شيئًا وما رأتاه،...
    فإن قلت: إنَّ كذبه في المنام لا يزيد على كذبه في اليقظة، فلم زادت عقوبته؟ قلت: لأنَّ الرؤيا جزء من النبوة والنبوة، لا تكون إلا وحيًا، والكاذب في الرؤيا يدَّعي أنَّ الله أراه ما لم يره، وأعطاه جزءًا من النبوة، ولم يعطه، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على غيره. قوله: (أو يقول)... (أو تقَوَّل)... ومعناه: افترى. قوله: (ما لم يقل)... أي: ما لم يقل الرسول. وفي الحديث: تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة)

    - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الناس فرية اثنان: شاعر يهجو القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه ))

    قال المناوي: (... ((أعظم الناس فرية)) -بالكسر- أي: كذبًا، ((اثنان)) أحدهما: ((شاعر يهجو)) من الهجو ((القبيلة)) المسلمة ((بأسرها)) أي كلَّها؛ لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه؛ لأنَّ القبيلة لا تخلو من عبد صالح، فهاجي الكلِّ قد تورَّط في الكذب على التحقيق؛ فلذلك قال: أعظم فرية)
    - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه ))

    قال النووي: (يقال: بهتَه بفتح الهاء مخففة. قلتَ فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان)
    - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه - وكان شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة-: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه-: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه )) فبايعناه على ذلك

    قال البغوي: (معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراءً واختلافًا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات)
    قال ابن الجوزي: (المراد بالبهتان هاهنا أربعة أقوال: أحدها: أنه الزنا، وافتراء المرأة بين يديها ورجليها، وهو ولد الزنا؛ لأنَّه يقع عند الوضع بين يديها ورجليها، فإذا ألحقته بزوجها فذلك البهتان المفترى. وقوله للرجال: ولا يأتون ببهتان يفترونه. يحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون بايع الرجال والنساء، فاجتمع الكلُّ في النهي عن الزنا، وانفرد النساء بصيغة الافتراء بين أيديهنَّ وأرجلهنَّ. والثاني: أن يكون قرأ عليهم الآية، ولم يسقط ما يتعلَّق بالنساء منها. والقول الثاني: أنَّ المراد بالبهتان هاهنا قذف المحصنات والمحصنين، ويدخل في ذلك الكذب على الناس والاغتياب لهم، وإنما ذكرت الأيدي والأرجل؛ لأنَّ معظم أفعال الناس إنما تضاف منهم إلى الأيدي والأرجل، إذ كانت هي العوامل والحوامل، يقولون: لفلان عندي يد. والكناية باليد عن الذات، قاله أبو سليمان الخطابي. والقول الثالث: البهتان هاهنا المشي بالنَّمِيمَة، والسعي بالفساد. والرابع: أنهما السحر)

    أقوال السلف والعلماء في الافتراء والبهتان

    - قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (البهتان: أن تقول ما ليس فيه) أي أخيك

    - وقال عبد الله بن مسعود: (الغيبة أن تذكر من أخيك شيئًا تعلمه منه، فإذا ذكرته بما ليس فيه، فذلك البهتان)

    - وعن مسروق، قال: قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ثلاث من تكلَّم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية.
    قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية... ومن زعم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية.. ومن زعم أنَّه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية... )
    - وقال فضيل: (في آخر الزمان قوم بَّهاتون، عيَّابون، فاحذروهم؛ فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، وهم أشرار،
    لا يرتفع لهم إلى الله عمل)
    - وعن قتادة، قال: (كنا نحدث أن الغيبة: أن تذكر أخاك بما يشينه ويعيبه، وأن تكذب عليه فذلك البهتان)
    - وقال سهل بن عبد الله: (من سلم من الغيبة سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان)

    آثار الافتراء والبهتان


    1- المفتري على الله سبحانه وتعالى أعظم الظالمين والمجرمين:
    قال تعالى: فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [آل عمران: 94]
    وقال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس: 17]
    2- الافتراء والبهتان سمة كلِّ كافر:
    قال تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105]
    3- يؤدِّي للوقوع في الشرك والبدع:
    قال ابن تيمية: (الشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء، ولهذا: كلُّ من كان عن التوحيد والسنة أبعد، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب، كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء، وأعظمهم شركًا، فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم، ولا أبعد عن التوحيد منهم، حتى إنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه، فيعطلونها عن الجماعات والجمعات، ويعمرون المشاهد التي على القبور، التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها)

    4- سبب في الحرمان من الهداية:
    قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:144]
    5- سبب في عدم الفلاح:
    قال تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [الأنعام: 140]
    وقال تعالى: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [يونس: 69 ]

    6- يؤدِّي إلى الذُّل والمهانة:
    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152]

    قال السعدي: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فكلُّ مفترٍ على الله، كاذب على شرعه، متقوِّل عليه ما لم يقل، فإن له نصيبًا من الغضب من الله، والذُّل في الحياة الدنيا)
    7- سبب في وقوع العذاب في الدنيا:
    قال تعالى: قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه: 61]
    8- سبب في شدة سكرات الموت والعذاب الأليم يوم القيامة:
    قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93]

    9- سبب في استحقاق لعنة الله وغضبه:
    قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18]
    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152]

    10- سبب في مناقشة الحساب يوم القيامة:
    قال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت: 13]

    حُكم الافتراء والبهتان

    قال السمرقندي: (ليس شيء من الذنوب أعظم من البهتان، فإنَّ سائر الذنوب يحتاج إلى توبة واحدة، وفي البهتان يحتاج إلى التوبة في ثلاثة مواضع. وقد قرن الله تعالى البهتان بالكفر، فقال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج: 30] )

    وقال النووي (البهت حرام)
    وعدَّ الهيتمي البهت من الكبائر، قال: (الكبيرة الرابعة والخمسون بعد المائتين: البهت، لما في الحديث الصحيح...
    في الغيبة: ((فإن لم يكن فيه فقد بهته )) بل هو أشدُّ من الغيبة؛ إذ هو كذب فيشقُّ على كلِّ أحد، بخلاف الغيبة لا تشقُّ على بعض العقلاء؛ لأنها فيه)

    أنواع الافتراء والبهتان

    1- الافتراء على الله وهو أشد أنواع البهتان وهو نوعان:

    النوع الأول: أن يقول: قال الله كذا، وهو كاذب على الله.

    والنوع الثاني: أن يفسر متعمدًا كلام الله بغير ما أراد الله؛ لأنَّ المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عزَّ وجلَّ.

    2- الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نوعان:

    النوع الأول: بأن يقول: قال رسول الله كذا، ولم يقله، لكن كذب عليه.
    النوع الثاني: تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغير معناه متعمدًا فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

    3- الافتراء على المؤمنين:
    كأن يتقوَّل على أحد من المسلمين ما لم يقله، أو يقذفه بذنب، وهو منه بريء، أو أن يغتابه بما ليس فيه.
    صور الافتراء والبهتان

    للافتراء والبهتان صور عديدة منها:

    1- الافتراء على الله سبحانه وتعالى:
    ومن صوره:
    - التشريع في دين الله من غير مستند شرعي:
    قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [يونس: 59-60]
    - الإفتاء بغير علم:
    قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ [النحل: 116]
    - ادعاء الولاية، والكرامة.
    2- الكذب في الرؤيا:
    عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من أفرى الفرى أن يُري عينه ما لم ترَ ))

    3- الافتراء على الأنبياء والرسل ونسبتهم للكذب على الله سبحانه:
    قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4]

    قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ [المؤمنون: 38] وفي حديث واثلة بن الأسقع،

    يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيه ((أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ))
    4- الافتراء بانتساب الرجل إلى غير أبيه:
    فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أعظم الناس فرية... ورجل انتفى من أبيه وزنَّى أمه ))
    5- هجاء وسبُّ المؤمنين الأبرياء:
    فعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلًا؛ فهجا القبيلة بأسرها ))


    أسباب الوقوع في الافتراء والبهتان

    1- الاختلاف والتفرق والتحزب:

    قال ابن بطة: (إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعلمنا اختلاف الأمم الماضين قبلنا، وأنهم تفرقوا واختلفوا، فتفرقت بهم الطرق، حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله عزَّ وجلَّ، والكذب عليه والتحريف لكتابه، والتعطيل لأحكامه، والتعدي لحدوده...
    قال الله عزَّ وجلَّ: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة: 213] )

    2- التعصب و التقليد الأعمى:

    إن الناظر في القرآن ليرى أنَّ معارضات الكفار لجميع الأنبياء والرسل إنما هي بدافع التعصب لدين الآباء والعادات والتقاليد،
    كما قال تعالى: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ [ص: 7]
    وقال تعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ
    قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ
    [الزخرف: 23- 24]

    3- الكبر والحسد والحقد والكراهية:

    قال ابن بطة: (أعلمنا تعالى أنَّ السبب الذي أخرجهم إلى الفرقة بعد الألفة، والاختلاف بعد الائتلاف، هو شدة الحسد من بعضهم لبعض، وبغي بعضهم على بعض، فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته، وردهم البيان الواضح بعد صحته...
    قال تعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ [الشورى: 14])

    4- كثرة الكلام بلا فائدة:
    قال أبو طالب المكي: (الكلام مفتاح كبائر اللسان، فيه الكذب، والغيبة، والنَّمِيمَة، والبهتان، وفيه شهادة الزور، وفيه قذف المحصن، والافتراء على الله تعالى)

    5- استمراء الكذب والغيبة والنَّمِيمَة.
    قصص في الافتراء والبهتان

    1- قصة حادثة الإفك حيث اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها حتى أنزل الله براءتها في القرآن قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور: 11-16]
    والقصة مشهورة معروفة وهي في الصحيح

    2- عن جابر بن سمرة، قال: (شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنَّه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك لا تحسن تصلي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين وأخفُّ في الأخريين. قال: ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلًا أو رجالًا إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة. قال: أما إذ نشدتنا، فإنَّ سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياء وسمعة، فأطلْ عمره، وأطلْ فقره، وعرِّضه بالفتن. وكان بعد إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك – راوي الأثر عن سمرة -: فأنا رأيته بعد، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنَّه ليتعرَّض للجواري في الطرق يغمزهن)
    3- قال الذهبي: (قال ابن طاهر: سمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان، ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغير، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا وقام إلى خلوته، ودخلوا على السلطان واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسِّم، وأنه يترك في محرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته، إن بعث الآن السلطان يجده، فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة فدخلوا الدار، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، ورجع الغلام بالصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، والسلطان قد اشتدَّ غضبه؛ فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟ قال: فعمَّ يسألني السلطان؟ قال: إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك تعبد هذا، وأنَّك تقول: إنَّ الله على صورته. فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرمًا. وقال لهم: اصدقوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شرَّه عنا، فأمر بهم، ووكل بكلِّ واحد منهم، وصادرهم وأهانهم)

    -------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم



    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty ألأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع .. ( إفشاء السر )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 15, 2022 10:16 pm


    إفشاء السر

    معنى الإفشاء:
    الإفشاء من فَشا الخبر يَفْشو فُشُوًّا وفُشِيًّا، أي: انتشر وذاع، وأفْشاهُ غيره، وتَـفَشَّى الشيء، أي: اتسع، وفشا الشيء: ظهر
    معنى السر لغة:
    السِّرُّ: هو ما يكتم وهو خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا، خلاف أعلنته
    وسارَّه: إذا أوصاه بأن يُسرَّه، وتَسارَّ القومُ. وكنَّي عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إنه يخفى
    معنى السر اصطلاحًا:
    قال الراغب: (السِّرُّ هو الحديث المكتم في النفس)
    وقال الكفوي: (هو ما يسرُّه المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها)
    معنى إفشاء السر اصطلاحًا:
    إفشاء السر هو: تعمد الإفضاء بسرٍّ من شخص ائتمن عليه، في غير الأحوال التي توجب فيها الشريعة الإسلامية الإفضاء، أو تجيزه
    ذم إفشاء السر والنهي عنه في القرآن الكريم

    - قال تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 83]
    قال مقاتل: (أَذَاعُواْ بِهِ: يعني أفشوه)
    وقال الطبري: (أَذَاعُواْ بِهِ: أفشوه وبثُّوه في الناس)
    قال ابن عباس: (قوله أَذَاعُواْ بِهِ، قال: أعلنوه وأفشوه)

    - وقال سبحانه: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم: 3]
    قال القاسمي: (أشار تعالى إلى غضبه لنبيِّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرِّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه)
    قال الطبري: (فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه)

    - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 27-28]
    قال ابن كثير: (كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون)
    قال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين
    ومعنى الآية: (أي ولا تخونوا أماناتكم فيما بين بعضكم وبعض، من المعاملات المالية وغيرها، حتى الشئون الأدبية والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة)
    ذم إفشاء السر والنهي عنه في السنة النبوية
    - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها ))

    قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع؛ فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنَّه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )) وإن كان إليه حاجة أو ترتَّب عليه فائدة؛ بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدَّعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه ))،
    وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أعرستم الليلة )) وقال لجابر: ((الكيس الكيس ))
    وقال المناوي: (ثم ينشر سرَّها: أي يبثُّ ما حقُّه أن يكتم من الجماع، ومقدماته، ولواحقه، فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل)
    - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((إنَّا كنَّا- أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- عنده جميعًا، لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحَّب، قال: مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه. فلما تُوفِّي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ، لما أخبرتني. قالت: أما الآن، فنعم. فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتَّقى الله، واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي، سارَّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة ))
    قال ابن بطال: (وفيه: أنَّه لا ينبغي إفشاء السرِّ إذا كانت فيه مضرة على المسرِّ؛ لأنَّ فاطمة لو أخبرت نساء النبي ذلك الوقت بما أخبرها به النبي من قرب أجله لحزنَّ لذلك حزنًا شديدًا، وكذلك لو أخبرتهنَّ أنها سيدة نساء المؤمنين، لعظم ذلك عليهن، واشتدَّ حزنهنَّ، فلما أمنت ذلك فاطمة بعد موته أخبرت بذلك)
    وقال ابن حجر: (فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة؛ لأنَّ الأصل في السرِّ الكتمان، وإلا فما فائدته)
    - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حين تأيمت حفصة، قال عمر: لقيت أبا بكر فقلت: ((إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها ))

    قال ابن حجر: (وفيه أن من حلف لا يفشي سرَّ فلان، فأفشى فلان سرَّ نفسه، ثم تحدَّث به الحالف لا يحنث؛ لأنَّ صاحب السرِّ هو الذي أفشاه، فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف، وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه، فلقيه رجل فذكر له أنَّ صاحب الحديث حدَّثه بمثل ما حدَّثه به، فأظهر التعجُّب وقال: ما ظننت أنَّه حدَّث بذلك غيري؟! فإنَّ هذا يحنث؛ لأنَّ تحليفه وقع على أنَّه يكتم أنَّه حدَّثه، وقد أفشاه)
    - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتجالس قوم إلا بالأمانة))
    قال المناوي: (أي لا ينبغي إلا ذلك، فلا يحلُّ لأحدهم أن يفشي سرَّ غيره)

    أقوال السلف والعلماء في إفشاء السر


    - (قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لابنه عبد الله رضي الله عنه: يا بني، إن أمير المؤمنين يدنيك -يعني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه- فاحفظ عني ثلاثًا: لا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا يطَّلعنَّ منك على كذبة)

    - وقال معاوية: (ما أفشيت سرِّي إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجدًا، وذكرًا، وسناء، ورفعة. فقيل: ولا ابن العاص. قال: ولا ابن العاص. وكان يقول: ما كنت كاتمه من عدوِّك، فلا تظهر عليه صديقك)
    - ويُروى أيضًا (أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثه؛ فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أُراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟ فقال: لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ.
    قال: فأتيت معاوية فأخبرته، فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ، فإفشاء السرِّ خيانة، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار)
    - و(قال عمرو بن العاص: ما استودعت رجلًا سرًّا فأفشاه فلمته؛ لأني كنت أضيق صدرًا منه حيث استودعته إيَّاه)
    - وقال عبد الملك بن مروان للشعبي، لما دخل عليه: (جنبني خصالًا أربعًا: لا تطريني في وجهي، ولا تجرين علي كذبة، ولا تغتابن عندي أحدًا، ولا تفشين لي سرًّا)
    - وقال الحسن: (إنَّ من الخيانة أن تحدِّث بسرِّ أخيك)
    - وقال أكثم بن صيفيٍّ: (إنَّ سِرَّك من دمك، فانظر أين تريقه)
    - وقال الأعمش: (يضيق صدر أحدهم بسرِّه حتى يحدِّث به، ثم يقول: اكتمه عليَّ)
    - وقال أبو حاتم: (مَن حصَّن بالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر، والحازم يجعل سرَّه في وعاء ويكتمه عن كلِّ مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السرَّ أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه؛ فمن الأوعية مَا يضيق بما يودع، ومنها مَا يتسع لما استودع)

    - وقال بعضهم: (كتمانك سرَّك يُعقبك السلامة، وإفشاؤك سرَّك يُعقبك الندامة، والصبر على كتمان السرِّ أيسر من الندم على إفشائه)
    - وقال الراغب الأصفهاني: (إذاعة السرِّ من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال، والصبيان، والنساء)
    - وعن المدائني قال: (كان يُقال: أصبر الناس الذي لا يفشي سرَّه إلى صديقه؛ مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه)
    - وقال بعضهم: (ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده من اللصوص فيخفيه، ويمكِّن عدوَّه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سرِّ نفسه وسرِّ أخيه؛ ومن عجز عن تقويم أمره، فلا يلومنَّ إلا نفسه إن لم يستقم له)
    - وقال رجل من سلف العلماء: (كان يقال: أملك الناس لنفسه من كتم سرَّه من صديقه وخليله). قال أبو عبيد معلقًا على هذا القول: (أحسب ذلك للنظر في العاقبة، ألا يتغيَّر الذي بينهما يومًا ما فيفشي سرَّه)
    - (وشكا هشام بن عبد الملك ما يجد من فقد الأنيس المأمون على سرِّه، فقال: أكلت الحامض والحلو حتى ما أجد لهما طعمًا، وأتيت النساء حتى ما أبالى امرأة لقيت أم حائطًا، فما بقيت لي لذة إلا وجود أخ؛ أضع بيني وبينه مؤونة التحفُّظ)
    - وقال الماوردي: (وكم مِن إظهار سرٍّ أراق دم صاحبه، ومنع من نيل مطالبه، ولو كتمه كان من سطوته آمنًا، وفي عواقبه سالـمًا، ولنجاح حوائجه راجيًا)
    - وقال أيضًا: (وإظهار الرجل سرَّ غيره أقبح من إظهاره سرَّ نفسه؛ لأنَّه يبوء بإحدى وصمتين: الخيانة إن كان مؤتمنًا، أو النَّمِيمَة إن كان مستودعًا، فأما الضرر فربما استويا فيه وتفاضلا. وكلاهما مذموم، وهو فيهما ملوم)
    - (وقيل لعدي بن حاتم: أي الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ)
    - وقال الجاحظ: (والسرُّ- أبقاك الله- إذا تجاوز صدر صاحبه، وأفلت من لسانه إلى أُذنٍ واحدة، فليس حينئذ بسرٍّ، بل ذاك أولى بالإذاعة، ومفتاح النشر والشهرة. وإنما بينه وبين أن يشيع ويستطير أن يُدفع إلى أُذنٍ ثانية. وهو مع قلة المأمونين عليه، وكرب الكتمان، حريٌّ بالانتقال إليها في طرفة عين)
    - وكان المنصور يقول: (الملك يحتمل كلَّ شيء من أصحابه إلا ثلاثًا: إفشاء السرِّ، والتعرُّض للحرم، والقدح في الملك)
    آثار إفشاء السر

    1- إفشاء السرِّ خيانة للأمانة، ونقض للعهد.
    2- إفشاء السرِّ دليل على لؤم الطبع، وفساد المروءة.
    3- إفشاء السرِّ دليل على قلة الصبر، وضيق الصدر.
    4- إفشاء السرِّ- خاصة عند الغضب- يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه.
    5- إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر.
    6- إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها؛ يجعل كلا منهما بمثابة الشيطان، ويخلُّ بفضيلة الحياء.
    7- إفشاء السرِّ من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
    8- إفشاء السرِّ يفقد الثِّقة بين الإخوان.
    9- في إذاعة السرِّ ما يجلب العار والفضيحة للمفشي عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السرِّ.
    10- إفشاء السرِّ- خاصة ما يتعلق بالميِّت- يعرض صاحبه لعذاب الله.
    صور إفشاء السر المذموم

    1- إفشاء أسرار المسلمين:
    لقد نهى الشارع الكريم عن إفشاء أسرار المسلمين وأمر بسترها وكتمانها، لما في ذلك من حفظ لأعراضهم،
    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة ))

    2- إفشاء أسرار الدولة:
    إذا كان إفشاء أسرار الأفراد مذمومًا، فإفشاء أسرار الدولة أشدُّ ذمًّا، وأعظم جرمًا، ويترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير الذي يزعزع أمن البلد واستقرارها، ويمكن أعداءها منها.
    3- إفشاء الأسرار الزوجية:
    لقد جعل الله سبحانه وتعالى لكلٍّ من الزوجين حقوقًا وواجبات، ومن هذه الحقوق حفظ الأسرار الزوجية، فكلٌّ من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشاءها، ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش.
    وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل منكم رجل أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا. فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدِّث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب، على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه))
    بل بيَّن أن مفشي سرِّ زوجه من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها ))
    قال السفاريني: (يُكره لكلٍّ من الزوجين التحدُّث بما صار بينهما ولو لضرَّتها... لأنَّه من السرِّ، وإفشاء السرِّ حرام)
    وكذلك فكلٌّ من الزوجين مطالب بحفظ باقي الأسرار الأخرى التي تقع في الحياة الزوجية، بل حتى بعد الفراق بطلاق أو غيره،
    لا ينبغي له إفشاء ما كان بينه وبين زوجه من أسرار خاصة لا ينبغي إطلاع الغير عليها.
    (يُروى عن بعض الصالحين أنَّه أراد طلاق امرأة؛ فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلَّقها قيل له: لم طلَّقتها؟ فقال ما لي ولامرأة غيري)
    4- إفشاء وإعلان الذنوب التي يرتكبها:
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه ))

    صور إفشاء السر المحمود

    1- أداء الشهادة عند القاضي:
    (والشهادة في حدِّ ذاتها هي إخبار بالشيء السري الذي يخفى عن القاضي حقيقته، والمراد من أداء الشهادة: إظهار الأسرار لإثبات الحقِّ في مجلس القضاء، وقد نهى الحقُّ عن كتمان الشهادة: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ [البقرة:283]
    وكذلك لا تكون الشهادة إلا بالإخبار القاطع، والإخبار لا يكون قاطعًا إلا بالإخبار التفصيلي، كما هو حاله في الشهادة على الزنا، لابد من ذكر المكان، والزمان، والكيفية، وذكر الفاعل، والمفعول به، وما إلى ذلك حتى تتوفر فيه الشروط المقررة في حدِّ الزنا. وكذلك في الشهادة على السرقة، لابد من ذكر الكيفية، والحرز، والمقدار؛ حتى تثبت بشهادتهم أنَّ المشهود عليه قد فعل الجناية المستحقة للعقوبة)

    2- إفشاء الأسرار إذا أدت إلى المصلحة العامة:
    يحمد إفشاء السر إذا كان في إفشائه مصلحة أو فائدة يعود نفعها على الإسلام والمسلمين، أو فرصة سانحة يمكن أن تنفذ الدعوة من خلالها إلى ميادين الخير.
    وقد أخبرنا الله عن قصة مؤمن آل فرعون الذي أفشى خبر فرعون وقومه إلى موسى حينما كانوا يسعون لقتله، فأفشى ذلك السرَّ لموسى، وكان في ذلك نجاة له من القتل بإذن الله.
    قال تعالى: وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص: 20]
    وهذا رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لما قال: لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون: 8] وسمع بذلك زيد بن أرقم، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قاله ابن سلول

    الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر


    لا يجوز إفشاء السر الواجب كتمانه إلا في أحوال محدودة منها:
    1- انقضاء حالة كتمان السر.
    2- موت صاحب السر – بشرط أن لا يعود عليه بالضرر-.
    3- أن يؤدِّي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الإفشاء.
    4- دفع الخطر.

    الأسباب المعينة على ترك إفشاء السر

    1- إدراك خطورة اللسان.
    2- تذكر عاقبة كشف السر.
    3- تعويد النفس على الصبر.
    4- أن لا نحمل ما لا نطيق من الأسرار.
    5- التزام ضوابط كشف السر.
    6- لا تنس هذه الوصايا:
    - لا تحدث بكل ما سمعت: قال صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع ))

    - لا تبحث عن الأسرار: قال صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))
    - ستر المسلم فضيلة: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ))
    - الأسرار أمانات فلا تخن من ائتمنك.
    - لا تكن أسير سرِّك.
    - احذر كثرة المستودعين، قال الماوردي: (وليحذر كثرة المستودعين لسره، فإن كثرتهم سبب الإذاعة، وطريق الإشاعة لأمرين:
    أحدهما: أن اجتماع هذه الشروط في العدد الكثير مُعْوِز، ولابد إذا كثروا أن يكون فيهم من أخلَّ ببعضها.
    الثاني: أن كل واحد منهم يجد سبيلًا إلى نفي الإذاعة عن نفسه، وإحالة ذلك إلى غيره، فلا يضاف إليه ذنب، ولا يتوجه عليه عتب، وقد قال بعض الحكماء: (كلما كثرت خزان الأسرار ازدادت ضياعًا).

    إفشاء سرِّ الميت

    (قال ابن بطال: الذي عليه أهل العلم أن السرَّ لا يُباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة، وأكثرهم يقول: إنَّه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة.
    قلت -القائل ابن حجر-: الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح، وقد يستحب ذكره، ولو كرهه صاحب السرِّ، كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك، وإلى ما يكره مطلقًا، وقد يحرم، وهو الذي أشار إليه ابن بطال، وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحقٍّ عليه كان يعذر بترك القيام به؛ فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك)

    (ولقد أجاز بعض العلماء إفشاء سرِّ الرجل بعد موته، مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أجلس فاطمة بجواره ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلمَّا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه، فلما تُوفِّي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم. فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني: أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة ))

    إفشاء الغاسل حال الميت

    قال الخطيب الشربيني: (فإن رأى الغاسل من بدن الميت خيرًا كاستنارة وجهه، وطيب رائحته، ذكره ندبًا؛ ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه، والدعاء له، أو غيره كأن رأى سوادًا، أو تغير رائحة، أو انقلاب صورة حرم ذكره؛ لأنه غيبة لمن لا يتأتَّى الاستحلال منه)

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ))

    صفات من يفشي سرَّ نفسه

    قال الماوردي: (وفي الاسترسال بإبداء السرِّ دلائل على ثلاثة أحوال مذمومة:
    إحداها: ضيق الصدر، وقلة الصبر، حتى أنَّه لم يتسع لسرِّ، ولم يقدر على صبر.
    والثانية: الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء. وقد قال بعض الحكماء: انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل،
    ولا جاهلًا فيخون.
    والثالثة: ما ارتكبه من الغدر، واستعمله من الخطر. وقال بعض الحكماء: سرُّك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته)

    ضوابط في إفشاء السر

    قال الماوردي: (واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم. فليختر العاقل لسرِّه أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلًا، وليتحرَّ في اختيار من يأتمنه عليه، ويستودعه إياه. فليس كلُّ من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأنَّ الإنسان قد يذيع سرَّ نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشحُّ باليسير من ماله، حفظًا له وضنًّا به، ولا يرى ما أذاع من سرِّه كبيرًا في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه. فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال. وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛
    لأنَّ أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق)

    أكثر من يذيع السر


    قال الجاحظ: (وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبيانهم، ومَن لهم عليهم اليد والسلطان. فالسرُّ الذي يودعه خليفة في عامل له يلحقه زينه وشينه، أحرى ألا يكتمه. وهذا سبيل كلِّ سرٍّ يستودعه الجلة والعظماء،
    ومن لا تبلغه العقوبة ولا تلحقه اللائمة.
    وقال سليمان بن داود في حكمته: ليكن أصدقاؤك كثيرًا، وصاحب سرِّك واحدًا من ألف)
    أكثر الأمور عرضة لإفشاء السر

    وإفشاء السرِّ إنما يوكَّل بالخبر الرائع، والخطب الجليل، والدفين المغمور، والأشنع الأبلق، مثل سرِّ الأديان لغلبة الهوى عليها، وتضاغن أهلها بالاختلاف والتضاد، والولاية والعداوة. ومثل سرِّ الملوك في كيد أعدائهم ومكنون شهواتهم ومستور تدبيراتهم،
    ثم من يليهم من العظماء والجلة، لنفاسة الملوك على العوام، وأنهم سماء مظلة عليهم، أعينهم إليها سامية، وقلوبهم بها معلقة، ورغباتهم ورهباتهم إليها مصروفة. ثم عداوات الإخوان، فإنما صارت العداوة بعد المودة أشد لاطلاع الصديق على سرِّ صديقه، وإحصائه معايبه، وربما كان في حال الصداقة يجمع عليه السقطات، ويحصي العيوب، ويحتفظ بالرقاع، إرصادًا ليوم النبوة،
    وإعدادًا لحال الصريمة

    وصية في عدم إفشاء السر

    وصية أُمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني لما حان زفافها بعمرو بن حجر ملك كندة،
    وفيها: (فلا تعصينَّ له أمرًا، ولا تفشينَّ له سرًّا، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره)
    حِكم وأمثال في إفشاء السر

    - صدرك أوسع لسرِّك.
    أي: فلا تفشه إلى أحد. ومنه قول أكثم بن صيفي:
    - لا تفش سرَّك إلى أمةٍ، ولا تبل على أكمة.
    - اجعل هذا في وعاءٍ غير سَرِبٍ. يقوله الرجل لأخيه في الأمر يسره إليه.
    وأصله في السقاء السائل، وهو السرب يقول: فلا تبد سري كإبداء السقاء ماءه سائل.
    - سرُّك من دمك. يقال: ربما أفشيته فيكون سبب حتفك

    - الحاج أسمعت. وذلك إذا أفشى السر. أي إنك إذا أسمعت الحجاج فقد أسمعت الخلق
    - وقال دعامة بن يزيد الطائي:
    إذا ما جعلت السِّر عند مضيع فإنَّك ممَّن ضيَّع السِّر أذنب

    - وقيل لعدي بن حاتم: أيُّ الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ

    من أقوال الحكماء والبلغاء

    - قال بعض الأدباء: (من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه)

    - وقال بعض البلغاء: ما أسرَّك؛ ما كتمت سرَّك)
    - وقال بعض الفصحاء: (ما لم تغيبه الأضالع، فهو مكشوف ضائع)
    - وقال المأمون: (ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها: شرب السمِّ للتجربة، وإفشاء السرِّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى)
    - ويروى: (أصبر الناس من لا يفشي سرَّه إلى صديقه مخافة التقلُّب يومًا ما)
    - وقال بعض الحكماء: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلٌّ منكم مفاتيح سرِّه)
    - وقَالَ بعض الحكماء: (من أفشى سرَّه كثر عليه المتآمرون)
    - وقال حكيم لابنه: (يا بني، كن جوادًا بالمال في موضع الحقِّ، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإنَّ أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البرِّ، والبخل بمكتوم السرِّ)
    - قَالَ بعض البلغاء: (إِذا وقفت الرعية على أسرار الملوك؛ هان عليها أمرها)
    - وقال بعض الحكماء: (لا تطلع واحدًا من سرِّك إلا بقدر ما لا تجد فيه بُدًّا من معاونتك)
    - وَفِي منثور الحكم: (من ضَاقَ صَدره اتَّسع لِسَانه)
    ------------------------------------------------------
    ولا زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الانتِقَام )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 15, 2022 10:42 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه في ألإسلام


    الانتِقَام


    معنى الانتِقَام لغةً:
    الانتقام مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، يقال: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء
    معنى الانتِقَام اصطلاحًا:
    الانتقام هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط
    وقال أبو هلال العسكريُّ: (الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب)

    الفرق بين الانتِقَام وبعض الصِّفات

    - الفرق بين الانتِقَام والعقاب:

    أنَّ الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب..
    والعقاب: جزاء على الجُرم بالعذاب، لأنَّ العقاب نقيض الثَّواب، والانتِقَام نقيض الإنعام

    الانتِقَام في القرآن الكريم


    - قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]
    قال السعدي: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي: الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها، وأخبر تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194] ، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق)

    - قال الله تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37]
    قال ابن جرير الطَّبري: (وقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا،
    هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه)
    وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر،
    وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر)

    بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه.
    - قال تعالى:لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة: 28-29]
    فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله.

    الانتِقَام في السُّنَّة النَّبويَّة

    - عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا،
    فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها


    - وعنها رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ)

    قال علي القاري: (... ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أي: ما غاضب أحدًا لنفسه، أي: لأجل حظِّها، ((إلَّا أن يُنْتَهك حُرْمَة الله)) أي: يُرْتَكَب، فينتقم أي: فيعاقب حينئذ لغرض آخر، أي بسبب تلك الحُرْمَة، ثمَّ انتهاك الحُرمة تناولها بما لا يحلُّ. يقال: فلان انتهك محارم الله، أي: فعل ما حرَّم الله فعله عليه)
    قال النَّوويُّ: (قولها: ((إلَّا أن تُنْتَهك حُرْمَة الله)) استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمَة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى ممَّن فعل محرَّمًا أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتَحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى)
    وقال ابن عثيمين: (حديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحدًا -لا خادمًا ولا غيره- بيده، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله، وهذا مِن كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّه لا يضرب أحدًا على شيءٍ مِن حقوقه هو الخاصَّة به؛ لأنَّ له أن يعفو عن حقِّه، وله أن يأخذ بحقِّه. ولكن إذا انتُهِكت محارم الله؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشدَّ ما يكون أخذًا بها؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُقرُّ أحدًا على ما يُغضِب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي مِن أحوال النَّاس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلَّا إذا انتُهِكَت محارم الله، فإنَّه لا يقرُّ أحدًا على ذلك)

    أقوال السَّلف والعلماء في الانتِقَام

    - قال معاوية لابنه -وقد رآه ضرب غلامًا له-: (إيَّاك -يا بُنيَّ- والتَّشفِّي ممَّن لا يمتنع منك، فوالله لقد حالت القُدْرة بين أبيك وبين ذوي تِرَاته، ولهذا قيل: القُدْرة تُذْهِب الحفيظة)
    - وقال المنصور لولده المهديِّ: (لذَّة العفو أطيب مِن لذَّة التَّشفِّي)
    - عن الأصمعي قال: (أُتِي المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتِقَام عدلٌ، و التَّجاوز فضلٌ، ونحن نُعِيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأَوْكَس النَّصيبين دون أن يبلغ أرفع الدَّرجتين. فعفا عنه)
    - وقال ابن تيمية: (وقد يُهجر الرَّجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرَّحمة والإحسان، لا للتَّشفِّي والانتِقَام)
    - وقال ابن القيِّم: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام)
    - وقال -أيضًا-: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة)
    - وقال أعرابي: (أقبح أعمال المقتدرين الانتِقام)
    - وقال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكرام سرعة الانتِقَام، ولا مِن شروط الكَرِم إزالة النِّعم)
    - ويُحْكَى عن عنان بن خريم أنَّه دخل على المنصور، وقد قدَّم بين يديه جماعةً -كانوا قد خرجوا عليه- ليقتلهم،
    فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه لم يجب شُكره،
    ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت، وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك، وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم

    آثار الانتِقَام

    للانتقام آثارٌ سيِّئةٌ تعود على المنتقم نفسه، ومِن هذه الآثار:
    1- أنَّ صاحب هذه الصِّفة لا ينال السِّيادة والشَّرف:
    عن داود بن رشيد قال: قالت حكماء الهند: (لا ظفر مع بغي... ولا سؤدد مع انتقام)
    وعن ابن الكلبيِّ عن أبيه، قال: (كان سلم بن نوفل الدِّيليُّ سيِّد بني كِنَانة، فخرج عليه ذات ليلة رجل مِن قومه، فضربه بالسَّيف، فأُخِذ بعد أيامٍ، فأُتِيَ به سلم بن نوفل، فقال: ما الذي فعلت؟! أما خشيت انتقامي؟! قال: له فلِمَ سوَّدناك إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ، وتعفو عن الجاني، وتَحْلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه في النَّفس والمال. فخلَّى سبيله، فقال فيه الشَّاعر:
    يُسوَّد أقوام وليسوا بقادة بل السَّيِّد المعروف سلم بن نوفل
    2- أنَّ الانتِقَام ليس مِن عادة الكرام:
    قال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكِرَام سرعة الانتِقَام، ولا مِن شروط الكَرَم إزالة النِّعم)
    3- أنَّ المنتقم لا يجب شُكْرُه ولا يُحْمَد ذِكْرُه:
    قال الأبشيهي: (قيل: مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكرُه، ولم يُحمَد في العالمين ذِكْرُه)
    4- أنَّ الانتِقَام يعقبه النَّدامة:
    قال ابن القيِّم: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة)
    5- يُوَلِّد بين النَّاس الأحقاد والضَّغائن.

    حُكم الانتِقَام
    الانتِقَام جائزٌ إذا انتُهِك شيءٌ مِن محارم الله، وأمَّا في غير ذلك العفو والصَّفح أولى وأفضل، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلَّا أن تُنْـتَهَك حُرْمَة الله، فينتقم لله بها ))

    والله سبحانه وتعالى قد أذن لمن اعتُدي عليه أن يردَّ بالمثل على مَن اعتدى عليه، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى [البقرة: 194] ، وقال أيضًا: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشُّورى: 40]، ومع هذا فقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي والتَّغاضي عن خطئه، أفضل مِن الانتِقَام منه، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشُّورى:40]، وهذا فيما يتعلَّق بحقوق العباد مِن ضربٍ وتعدِّي أو تجنِّي ونحو ذلك.
    وأمَّا إن كان الاعتداء حاصلًا في شيء مِن حقوق الله، كالجور في الحكم بين الخصوم، أو الخيانة في الأهل ونحو ذلك، فإنَّ الاعتداء بالمثْل حينئذ لا يجوز.
    فليس لك أن تجور في الحكم، ولا أن تخونه في أهله؛ لأنَّ ذلك اعتداء على حقوق الله وحدوده.
    قال القرطبيُّ في تفسير قوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشُّورى: 40]
    وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا قال العلماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنفٌ يعفون عن الظَّالم،
    فبدأ بذكرهم في وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37] وصنفٌ ينتصرون من ظالمهم. ثمَّ بيَّن حدَّ الانتصار بقوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فينتصر ممَّن ظلمه مِن غير أن يعتدي.
    قال مقاتل وهشام بن حُجَير: هذا في المجروح ينتقم مِن الجارح بالقِصَاص دون غيره مِن سبٍّ أو شتمٍ)
    قال ابن رجب الحنبليُّ: (وأما قوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [الشُّورى: 39]، فليس منافيًا للعفو، فإنَّ الانتصار يكون بإظهار القُدْرة على الانتِقَام، ثمَّ يقع العفو بعد ذلك، فيكون أتمَّ وأكمل)
    قال الأبشيهي: (والذي يجب على العاقل إذا أَمْكَنه الله تعالى أن لا يجعل العقوبة شيمته، وإن كان ولا بدَّ مِن الانتِقَام، فليرفق في انتقامه، إلَّا أن يكون حدًّا مِن حدود الله تعالى)

    أسباب الوقوع في الانتِقَام

    مِن أسباب الوقوع في الانتِقَام:
    1- عدم التَّحلِّي بالحِلْم والصَّبر.
    2- عدم التَّحلِّي بالعفو والصَّفح.
    3- عدم القُدْرَة على كَظْم الغَيْظ.
    4- الغضب، وهو مِن أهمِّ الأسباب المؤدِّية إلى إيقاع الأذى بالشَّخص المنتقم منه، فالإنسان عندما يغضب، تدعوه نفسه إلى البطش والانتِقَام.
    5- العداوة والبغضاء والحقد:
    قال الغزَّالي: (فإنَّ مَن آذاه شخصٌ بسببٍ مِن الأسباب، وخالفه في غرضٍ بوجهٍ مِن الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد، والحقد يقتضي التَّشفِّي والانتِقام، فإن عجز المبْغِض عن أن يتشفَّى بنفسه، أحبَّ أن يتشفَّى منه الزَّمان، وربَّما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوَّه بليَّةٌ فرح بها، وظنَّها مكافأة له مِن جهة الله على بغضه، وأنَّها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛ لأنَّه ضدُّ مراده، وربَّما يخطر له أنَّه لا منزلة له عند الله، حيث لم ينتقم له مِن عدوِّه الذي آذاه، بل أنعم عليه)
    6- تسمية بعض الجهَّال الانتِقَام شجاعةً ورجولةً وعزَّة نفسٍ وكِبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوةً وجهلًا، حتى تميل النَّفس إليه وتستحسنه.
    7- وقوع أذية أو إساءة تدفع إلى الرغبة في الانتقام.
    8- عدم الانتصاف للمظلوم، وردِّ الحقوق لأصحابها.
    الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام

    مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام:
    1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه:
    قال تعالى: أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5] قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم)
    2- العفو والصَّفح:
    الإنسان إذا عفا وأحسن، أورثه ذلك مِن سلامة القلب لإخوانه، ونقائه مِن طلب الانتِقَام وإرادة الشَّرِّ، وحصل له مِن حلاوة العفو ما يزيد لذَّته ومنفعته عاجلًا وآجلًا
    قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة. والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام)
    وعن ابن السَّمَّاك أنَّ رجلًا مِن قريش -عظيم الخطر في سالف الدَّهر- كان يطالب رجلًا بذَحْلٍ، وألحَّ في طلبه، فلمَّا ظفر به،
    قال: لولا أنَّ المقدرة تُذْهِب بالحفيظة لانتقمت منك، ثمَّ عفا عنه
    3- كَظْم الغَيْظ:
    قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133-134]
    قال السعدي: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم)
    4- تجنُّب السُّخرية والاستهزاء بين أفراد المجتمع:
    فشيوع أمثال هذه الأخلاق يبْذُر بذور العداوة والبغضاء بين الناس، ويوَلِّد الرَّغبة في الانتِقَام.
    5- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح:
    أن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه
    6- التَّفكير بأنَّ في الانتِقَام زيادة شرِّ الخصومة:
    فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه.
    7- فراغ القلب مِن الاشتغال به والفِكْر فيه:
    وأن يقصد أن يمحوه مِن باله كلَّما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفِكر فيه
    8- الإقبال على الله والإخلاص له، وذلك في كلِّ وقت وحين.
    9- دفع أسباب الانتِقَام: ومنها الغضب: ولا يأتي إلَّا عند هيجانه، فلا بدَّ مِن معرفة العلاج للغضب عند هيجانه؛ حتى يتسنَّى للمرء التَّخلُّص مِن هذه المعضلة، وقد ذكر الغزَّالي أسباب علاج الغضب، فقال: (وإنَّما يُعَالَج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل، وأمَّا العلم فهو أمور:
    الأوَّل: أن يتفكَّر فيما ورد في فضل كَظْم الغَيْظ والعفو والحِلْم والاحتمال، فيرغب في ثوابه، وتمنعه الرَّغبة في الأجر عن الانتِقَام، وينطفئ عنه غيظه.
    الثَّاني: أن يخوِّف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه، وهل يأمن مِن غضب الله يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى العفو.
    الثَّالث: أن يحذِّر نفسه عاقبة العداوة والانتِقَام، وتشمُّر العدو لمقابلته، والسَّعي في هدم أغراضه، والشَّماتة بمصائبه، وهو لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه بعواقب الغضب في الدُّنيا، إن كان لا يخاف مِن الآخرة.
    الرَّابع: أن يتفكَّر في قُبْح صورته عند الغضب، بأن يتذكَّر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكَّر في قُبْح الغضب في نفسه، ومشابهة صاحبه للكلب الضَّاري والسَّبع العادي، ومشابهة الحليم الهادي التَّارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخيِّر نفسه بين أن يتشبَّه بالكلاب والسِّباع وأراذل النَّاس، وبين أن يتشبَّه بالعلماء والأنبياء في عادتهم؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مُسْكَةٌ مِن عقل.
    الخامس: أن يتفكَّر في السَّبب الذي يدعوه إلى الانتِقَام، ويمنعه مِن كَظْم الغَيْظ، مثل قول الشَّيطان له: إنَّ هذا يحمل منك على العجز والذِّلَّة وتصير حقيرًا في أعين النَّاس. فيقول لنفسه: (ما أعجبك! تأنفين مِن الاحتمال الآن، ولا تأنفين مِن خزي يوم القيامة، ولا تحذرين مِن أن تصغري عند الله والملائكة والنَّبيين). فمهما كَظَم الغَيْظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظِّمه عند الله، فما له وللنَّاس؟!
    السَّادس: أن يستشعر لذَّة العفو، فلو علم النَّاس أنَّ لذَّة العفو خيرٌ مِن لذَّة التَّشفِّي؛ لأنَّ العفو يأتي بالحمد، والتَّشفِّي يأتي بالنَّدم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنَّه لو فعل كلُّ إنسان هذا، وانتقم لنفسه لانحطَّ عالم الإنسان إلى دَرْك السِّباع والوحوش.
    وأمَّا العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم، وإن كنت قائمًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع، ويُستحبُّ أن يتوضأ بالماء البارد؛ فإنَّ الغضب مِن النَّار، والنَّار لا يطفئها إلا الماء
    الحِكَم والأمثال في الانتِقَام

    - أَلْأَم أعمال المقتدرين الانتِقام

    - قولهم: لا قرارَ عَلى زَأرٍ مِن الأَسَد.
    يُضْرَب مثلًا للمتوعِّد القادر على الانتِقَام، وقولٌ مِن قول النَّابغة.
    نُبِّئت أنَّ أبا قابوس أوعدني ولا قرارَ على زأرٍ
    مِن الأَسَد

    - ضَغا مِنِّي وهو ضَغَاء.
    يُضْرَب لمن لا يقدر مِن الانتِقَام إلَّا على صِياح
    - لَم يُشْطِط مَن انتَقَم.
    هذا منتزعٌ مِن قوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ [الشُّورى: 41]
    - العفو أشدُّ أنواع الانتِقَام
    - وقال بعض الحكماء: (إذا ظَلَمْتَ فاحذر الانتِقَام؛ فإنَّ الظُّلم لا يُكسبك خيرًا، إنَّك لا تجد عند أصحاب السُّوء جميلًا)
    - وقال بعضهم: (لا يحملنَّك الحَنَق على اقتراف إثم؛ يشفي غيظك، ويسقم دينك)
    - وقيل: (مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظَه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكره، ولم يُحْمَد في العالمين ذِكْرُه)
    - والعرب تقول: (لا سؤدد مع الانتِقَام)
    ----------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( البخل والشح )

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت يوليو 16, 2022 10:02 am

    ومن ألأخلاق المذمومه

    البخل والشح


    معنى البخل لغةً:
    البُخْلُ ضِدُّ الكَرَمِ والجُودِ، وقد بَخِلَ بكذا: أي ضنَّ بما عنده ولم يجُدْ، ويقال: هو بخيل وباخل، وجمعه بخلاء،
    والبَخَّال: الشَّديد: البُخْل
    معنى البخل اصطلاحًا:
    قال الراغب الأصفهاني: (البُخْلُ: إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه)
    وقال الجرجاني: (البخل هو المنع من مال نفسه)
    وقال ابن حجر: (البخل هو منع ما يطلب مما يقتنى، وشره ما كان طالبه مستحقًّا، ولا سيما إن كان من غير مال المسئول)
    وقال الفيومي: (البخل في الشرع: منع الواجب)
    معنى الشح لغةً:
    الشُّحُّ: البُخْل مَع حِرْصٍ. تقول: شَحَّ يَشُحُّ مِن باب قَـتَل، وفي لُغة مِن بابَيْ ضَرَب وتَعِب، ورجل شحيح وقوم شِحاح وأشِحَّة وأشحاء، وتَشاحَّ القوم: إذا شَحَّ بعضهم على بعض
    معنى الشحِّ اصطلاحًا:
    قال النووي: (الشحُّ: هو البخل بأداء الحقوق، والحرص على ما ليس له)
    وقال الطبري: (الشحُّ: الإفراط في الحرص على الشيء)
    وقال الراغب الأصفهاني: (الشحُّ: بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة)

    الفرق بين البخل والشح
    اختلف أهل العلم في البخل والشح، هل هما مترادفان أم لكلِّ واحد منهما معنى غير معنى الآخر،
    وقد بين الطِّيبي أن الفرق بينهما عسير جدًّا
    وسنعرض هنا بعضًا من أقوال العلماء في الفرق بينهما:
    - يرى ابن مسعود رضي الله عنه: أن البخل هو البخل بما في اليد من مال، أما الشح فهو أن يأكل المرء مال الآخرين بغير حقٍّ، فقد (قال له رجل: إني أخاف أن أكون قد هلكت قال: وما ذاك قال: إني سمعت الله يقول: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] وأنا رجل شحيح، لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: ليس ذاك بالشحِّ، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإنَّ الشحَّ الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا)

    - وفرَّق ابن عمر بين الشحِّ والبخل، فقال: (ليس الشحيح أن يمنع الرجل ماله، ولكنه البخل، وإنه لشرٌّ، إنما الشحُّ أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له)
    - وقيل أنهما مترادفان لهما نفس المعنى
    - (وقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشحُّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك)
    - وقيل: (البخل منع الواجب، والشحُّ منع المستحب) وهؤلاء قالوا: إن منع المستحب لا يمكن أن يكون بخلًا لعدة أمور:
    أحدها: أن الآية دالة على الوعيد الشديد في البخل، والوعيد لا يليق إلا بالواجب.
    وثانيها: أنه تعالى ذم البخل وعابه، ومنع التطوع لا يجوز أن يذمَّ فاعله، وأن يعاب به.

    وثالثها: وهو أنه تعالى لا ينفك عن ترك التفضل؛ لأنه لا نهاية لمقدوراته في التفضل، وكلُّ ما يدخل في الوجود فهو متناه، فيكون لا محالة تاركًا التفضل، فلو كان ترك التفضل بخلًا لزم أن يكون الله تعالى موصوفًا بالبخل لا محالة، تعالى الله عز وجل عنه علوًّا كبيرًا.
    ورابعها: قال عليه الصلاة والسلام: ((وأيُّ داء أدوأ من البخل )) ومعلوم أن تارك التطوع لا يليق به هذا الوصف.
    وخامسها: أنه لو كان تارك التفضل بخيلًا لوجب فيمن يملك المال كلَّه العظيم أن لا يتخلص من البخل إلا بإخراج الكلِّ.
    وسادسها: أنه تعالى قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة: 3] وكلمة من للتبعيض،
    فكان المراد من هذه الآية: الذين ينفقون بعض ما رزقهم الله، ثم إنه تعالى قال في صفتهم: أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5] فوصفهم بالهدى والفلاح، ولو كان تارك التطوع بخيلًا مذمومًا لما صحَّ ذلك. فثبت بهذه الآية أن البخل عبارة عن ترك الواجب
    - وقيل: (البخل هو المنع من مال نفسه، والشحُّ هو بخل الرجل من مال غيره...).
    - وقيل: (البخل هو نفس المنع، والشحُّ الحالة النفسية التي تقتضي ذلك المنع)
    - وقيل: إنَّ الشحَّ هو البخل مع زيادة الحرص، وهو ما رجَّحه القرطبي، فقال: (وقيل: إنَّ الشحَّ هو البخل مع حرص. وهو الصحيح لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: ((اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم )) وهذا يردُّ قول من قال: إنَّ البخل منع الواجب، والشحُّ منع المستحب. إذ لو كان الشحُّ منع المستحب لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، والذمِّ الشديد الذي فيه هلاك الدنيا والآخرة. ويؤيد هذا المعنى ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم أبدًا، ولا يجتمع شحٌّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدًا ))
    - ويرى ابن القيم أنَّ (الفرق بين الشحِّ والبخل: أنَّ الشحَّ هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه، وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشحِّ، والشحُّ يدعو إلى البخل، والشحُّ كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحَّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحَّه ووقي شرَّه، وذلك هو المفلح وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9])

    ذم البخل والشح والنهي عنهما في القرآن الكريم

    1
    - الآيات الواردة في ذم البخل:
    البخل خلق مكروه ذمَّه الله تبارك وتعالى في غير آية من كتابه الكريم، وتوعَّد أصحابه بوعيد شديد، وعقوبات تلحقهم في الدنيا والآخرة، وسنذكر بعضًا من تلك الآيات الكريمة.
    - قال الله تبارك وتعالى:وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180]
    (أي ولا يظنُّ الذين يبخلون، أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرُّهم منه لعباده، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنُّوا به على عباد الله، وظنُّوا أنَّه خير لهم،
    بل هو شرٌّ لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أي: يجعل ما بخلوا به طوقًا في أعناقهم، يعذَّبون به)
    - وقال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 36-37]
    قال ابن تيمية: (قَدْ تُؤُوِّلَتْ في البُخْل بالمال والمنع والبخل بالعلم ونحوه، وهي تَعُمُّ البخل بكلِّ ما ينفع في الدِّين والدُّنيا مِن علم ومال وغير ذلك)
    (والمراد بالبخل في الآية البخل بالإحسان الذي أمر به فيما تقدم، فيشمل البخل بلين الكلام، وإلقاء السلام، والنصح في التعليم،
    وإنقاذ المشرف على التهلكة، وكتمان ما آتاهم الله من فضله يشمل كتمان المال، وكتمان العلم)
    - وقال تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد: 24]
    (أي: يجمعون بين الأمرين الذميمين، اللذين كلٌّ منهما كافٍ في الشرِّ: البخل: وهو منع الحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بذلك، فلم يكفهم بخلهم، حتى أمروا الناس بذلك، وحثوهم على هذا الخلق الذميم، بقولهم وفعلهم، وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم، وتوليهم
    عنها...)
    2- الآيات الواردة في ذم الشح:
    - قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [ النساء: 128 ]
    قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وأُحضرت أنفس النساء الشحَّ على أنصبائهنَّ من أنفس أزواجهنَّ وأموالهم... وقال آخرون: معنى ذلك: وأُحضرت نفس كلِّ واحد من الرجل والمرأة، الشحَّ بحقِّه قبل صاحبه...
    وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: أحضرت أنفس النساء الشحَّ بأنصبائهنَّ من أزواجهنَّ في الأيام والنفقة. والشحُّ: الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع: إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها. فتأويل الكلام: وأُحضرت أنفس النساء أهواءهنَّ، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهنَّ، والشح بذلك على ضرائرهنَّ)
    قال السعدي: (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ أي: (جبلت النفوس على الشحِّ، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحقِّ الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة، وهو بذل الحقِّ الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك. فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهَّلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشحِّ من نفسه، فإنَّه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنَّه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر)
    - وقال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]
    قال الطبري: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شح نفسه فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالمخلدون في الجنة... وأما العلماء فإنهم يرون أنَّ الشحَّ في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حقٍّ)
    قال ابن كثير: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] أي: من سلم من الشحِّ فقد أفلح وأنجح)
    قال السعدي: (من رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعًا منقادًا، منشرحًا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبًا للنفس، تدعو إليه،
    وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه،
    بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته)

    ذم البخل والشح والنهي عنهما في السنة النبوية

    - عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال ))
    يقول ابن القيم تعليقًا على هذا الحديث: (...ثم ذكر الجبن والبخل فإنَّ الإحسان المتوقَّع من العبد إما بماله؛ وإما ببدنه؛ فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه...)
    وقال: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل)
    - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشي أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة مكانها، قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: بإصبعه في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا توسع ))
    قال ابن القيم تعليقًا على هذا الحديث: (لما كان البخيل محبوسًا عن الإحسان، ممنوعًا عن البرِّ والخير، وكان جزاؤه من جنس عمله؛ فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهمِّ والغمِّ والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب، فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه، بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة؛ لزمت كلُّ حلقة من حلقها موضعها، وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو)
    - وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجدُّ بن قيس وإنا لنبخِّله. قال: وأيُّ داء أدوأ من البخل؟! بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح )) قال: وكان على أضيافهم في الجاهلية، قال: وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوَّج
    قال المناوي: (أيُّ عيب أقبح منه؛ لأنَّ من ترك الإنفاق خوف الإملاق لم يصدق الشارع، فهو داء مؤلم لصاحبه في الآخرة، وإن لم يكن مؤلمًا في الدنيا)
    - وعن جابر بن عبد الله، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظلم، فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم ))
    قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (واتقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم).
    قال القاضي: يحتمل أنَّ هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنَّه هلاك الآخرة،
    وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة)
    - وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقَى الشحُّ، وتظهر الفتن،
    ويكثر الهرج )) قالوا: يا رسول الله، أيُّمَ هو؟ قال: ((القتل القتل
    ))
    قال ابن حجر: (أما قوله: ويلقى الشح. فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم؛ حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشحِّ؛ لأنَّه لم يزل موجودًا)
    وقال ابن الجوزي: (قوله: يلقى الشح. على وجهين: أحدهما يلقى من القلوب، يدل عليه قوله: ويفيض المال.
    والثاني: يلقى في القلوب، فيوضع في قلب من لا شحَّ عنده، ويزيد في قلب الشحيح. ووجه هذا أنَّ الحديث خارج مخرج الذمِّ، فوقوع الشحِّ في القلوب مع كثرة المال أبلغ في الذمِّ)

    أقوال السلف والعلماء في البخل والشح

    - قال علي رضي الله عنه: (البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخيُّ بسخائه الجنة)
    - وقال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء؛ لكننا نتصبر)
    - وسئل الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما عن البخل فقال: (هو أن يرى الرجل ما ينفقه تلفًا، وما يمسكه شرفًا)
    - وعَن طاووس قال: (البخل: أن يبخل الإنسان بما في يديه)
    - وقال محمد بن المنكدر: (كان يقال: إذا أراد الله بقوم شرًّا أمَّر الله عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم)
    - وقال أبو حنيفة: (لا أرى أن أُعدِّل بخيلًا؛ لأنَّ البخل يحمله على الاستقصاء؛ فيأخذ فوق حقه خيفة من أن يغبن،
    فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة)
    - وقال بشر بن الحارث: (البخيل لا غيبة له؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنك إذًا لبخيل)) ومدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ((صوَّامة قوَّامة إلا أن فيها بخلًا، قال: فما خيرها إذن؟)))
    - وقال: (النظر إلى البخيل يقسي القلب، ولقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين)
    - وقال: (لا تزوِّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أن يكون بخيلًا)
    - قالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبد العزيز: (أفٍّ للبخيل.. لو كان البخل قميصًا ما لبسته، ولو كان طريقًا ما سلكته)
    - وقال الشعبي: (لا أدري أيهما أبعد غورًا في نار جهنم البخل، أو الكذب)
    - قال حبيش بن مبشر الثقفي الفقيه: (قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، والناس متوافرون فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلًا صالحًا بخيلًا)
    - وقال يحيى بن معاذ: (ما في القلب للأسخياء إلا حبٌّ؛ ولو كانوا فجارًا، وللبخلاء إلا بغض؛ ولو كانوا أبرارًا)
    - وقال ابن المعتز: (أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه)
    - وقال أيضًا: (بشِّرْ مال البخيل بحادث، أو وارث)
    - وقال ابن القيم: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل)
    - وقال الماوردي: (الحرص والشحُّ أصل لكلِّ ذم، وسبب لكلِّ لؤم؛ لأنَّ الشحَّ يمنع من أداء الحقوق، ويبعث على على القطيعة والعقوق)
    آثار البخل

    1- الحرمان من الأجر المترتب على الإنفاق في أبواب الخير.
    2- سبب في ضعف الإيمان واضمحلاله؛ لما فيه من سوء الظنِّ بالله.
    3- كراهية الناس له، فهو مبغوض مكروه حتى من أقرب الناس إليه كزوجته وأبنائه وأقربائه، بل قد يصل بهم الحد إلى أن يدعوا عليه، ويتمنوا موته؛ حتى يستطيعوا التنعم بما حرمهم منه من أموال.
    4- سبب لحرمان الرزق، فكما أن الإنفاق سبب في زيادة الرزق وسعته، فإنَّ البخل والشح سبب في تضييقه.
    5- الوقوع في الإثم بسبب منعه لما يجب عليه من حقوق وواجبات.
    6- حرمان البخيل الشحيح لنفسه ولغيره من لذائذ الدُّنيا المباحة.
    7- ومن ضررهما في الدنيا تعريض مال الغني للضياع والنهب والسرقة والأحقاد، وفي عصرنا وغيره ظهور الحملات الشنيعة على الأغنياء المترفين، وانتشار الأفكار والنظريات المسماة بالاشتراكية التي ظهرت لتقويض أركان الرأسمالية
    8- سبب لكشف عيوب المرء، وإظهارها للخلق.
    قال شمس الدين السفيري: (والسخاء والكرم سبب لستر العيوب، والبخل والشح سبب جالب لكشفها كما أشار إليه بعضهم بقوله:
    ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعًا سخاؤه
    تغطَّ بأثواب السخاء فإنني أرى كلَّ عيب والسخاء غطاؤه)
    9- الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال، والأسواق هي معشش الشياطين
    10- البخل صنو لعدد من الأخلاق السيئة التي يجر بعضها بعضًا، كالجهل والحسد وسوء الظنِّ بالله وغيرها من الأخلاق الرديئة، (ولهذا قيل في حدِّ البخل: جهل مقرون بسوء الظن)
    11- والبخل صفة غير لائقة بأهل الإسلام، بل هي سجية عرف بها اليهود قديمًا وحديثًا،
    قال الشوكاني: (البخل قد لزم اليهود لزوم الظلِّ للشمس، فلا ترى يهوديًّا، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خلق الله)
    12- (البخل محو صفات الإنسانية، وإثبات عادات الحيوانية)
    13- ما ينتظر البخيل والشحيح من عقاب أخروي وطول حساب، خاصة إذا كان بخله قد أداه إلى عدم تأدية ما فرض الله عليه من زكاة، وإنفاق على من تجب نفقتهم عليه.
    14- إفساد العلاقات بين الناس وإعاقة الصلح بينهم:
    قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 128]
    قال السعدي: (اعلم أنَّ كلَّ حكم من الأحكام لا يتمُّ ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبَّه على أنَّه خير، والخير كلُّ عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحثَّ عليه ازداد المؤمن طلبًا له ورغبة فيه.وذكر المانع بقوله: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ أي: جُبلت النفوس على الشحِّ، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحقِّ الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة، وهو بذل الحقِّ الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك. فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنَّه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنَّه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدِّي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر)

    آثار الشح


    1- الشحُّ من صفات المنافقين:
    قال تعالى -في وصف المنافقين-: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [ الأحزاب: 19]
    قال الطبري: (إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشحِّ، ولم يخصص وصفهم من معاني الشحِّ، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به: أشحَّة على المؤمنين بالغنيمة، والخير، والنفقة في سبيل الله على أهل مسكنة المسلمين)

    2- الإنسان الشحيح لا خير فيه ولا عنده:
    قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال ابن كثير: (وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير)
    3- الشحُّ أسوأ صفات الإنسان:
    قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال السعدي: (أشحَّة على الخير: الذي يُراد منهم، وهذا شرُّ ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه، ونصيحته ورأيه)
    4- الشحُّ سبب في الهلاك وفساد المجتمع:
    عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم ))
    5- يوقع الإنسان في كبائر الذنوب:
    ومن ذلك سفك الدماء واستحلال المحارم، كما مرَّ في حديث جابر بن عبد الله السابق.
    6- سبب في الخسران في الدنيا والآخرة:
    قال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]
    قال السعدي: (لعلَّ ذلك -الوقاية من الشحِّ- شامل لكلِّ ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنَّه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة)

    حُكم البخل والشح

    ليس للبخل حكمًا واحدًا ينطبق على جميع صوره وأنواعه، وإنما لكل صورة من صور البخل حكمًا خاصًّا بها، وإن كان البخل في عمومه مذمومًا مكروهًا، يقول ابن تيمية: (والبخل جنس تحته أنواع كبائر وغير كبائر)

    فإن كان المنع بخلًا بواجب فهو محرم شرعًا، بل هو كبيرة من الكبائر توعَّد الله صاحبها بالعقوبة والعذاب،كمن منع الزكاة الواجبة بخلًا بالمال وحرصًا عليه، قال ابن تيمية: (فإنَّ البخل من الكبائر، وهو منع الواجبات: من الزكاة، وصلة الرحم، وقرى الضيف، وترك الإعطاء في النوائب، وترك الإنفاق في سبيل الله)
    أشد درجات البخل:
    قال ابن قدامة المقدسي: (وأشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل. فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين ما يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله عزَّ وجلَّ حيث يشاء)

    صور البخل والشح

    للبخل صور شتى ومظاهر متعددة فمن صوره ما يأتي:
    1- البخل بالمال والمقتنيات:
    وهذا بدوره ينقسم إلى أقسام عدة ذكرها الراغب فقال: (البخل ثلاثة:
    - بخل الإنسان بماله.
    - وبخله بمال غيره على غيره.
    - وبخله على نفسه بمال غيره، وهو أقبح الثلاثة، والباخل بما بيده باخل بمال الله على نفسه وعياله؛
    إذ المال عارية بيد الإنسان مستردة، ولا أحد أجهل ممن لا ينتقذ نفسه وعياله من العذاب الأليم بمال غيره، سيما إذا لم يخف من صاحبه تبعة ولا ملامة، والكفالة الإلهية متكفلة بتعويض المنفق، ففي الخبر: اللهم اجعل لمنفق خلفًا، ولممسك تلفًا، ومن وسَّع وسَّع الله عليه)

    2- البخل بالنفس:
    كمن يبخل بنفسه أن يقدمها في سبيل الله رخيصة، وذلك تعلقًا منه بالدنيا وحرصًا عليها، وكراهية الموت، وهو على عكس من يجود بنفسه لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، قال الشاعر:
    يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود

    ونقل ابن القيم عن بعض الحكماء أنه قال: (إنَّ الإحسان المتوقع من العبد؛ إما بماله، وإما ببدنه، فالبخيل مانع لنفع ماله،
    والجبان مانع لنفع بدنه، المشهور عند الناس أنَّ البخل مستلزم الجبن من غير عكس؛ لأنَّ من بخل بماله فهو بنفسه أبخل،
    والشَّجاعَة تستلزم الكرم من غير عكس؛ لأنَّ من جاد بنفسه فهو بماله أسمح وأجود).
    ثم قال: (وهذا الذي قالوه ليس بلازم أكثره، فإنَّ الشَّجاعة والكرم وأضدادها أخلاق وغرائز، قد تجمع في الرجل، وقد يعطى بعضها دون بعض، وقد شاهد الناس من أهل الإقدام والشَّجاعة والبأس من هو أبخل الناس، وهذا كثيرًا ما يوجد في أمة الترك، يكون أشجع من ليث، وأبخل من كلب، فالرجل قد يسمح بنفسه، ويضنُّ بماله، ولهذا يقاتل عليه حتى يُقتل، فيبدأ بنفسه دونه، فمن الناس من يسمح بنفسه وماله، ومنهم من يبخل بنفسه، ومنهم من يسمح بماله ويبخل بنفسه، وعكسه، والأقسام الأربعة موجودة في الناس)
    3- البخل بالجاه:
    فترى صاحب الجاه والمنصب العلي يبخل بالمنفعة التي سيقدمها لمن يحتاجها، فلا يشفع إن طلبت منه الشفاعة، ولا يصلح إن طلب منه الصلح، ولا يسعى في حاجة الضعيف والمسكين وذي الحاجة.
    4- البخل بالعلم:
    وهو من أسوأ أنواع البخل وأقبحها، بحيث يكتم صاحب العلم علمه عمن يحتاجه، فلا يُعلِّم ولا ينصح ولا يوجِّه،
    قال الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 37]
    قال ابن عباس: (هي في أهل الكتاب يقول: يكتمون، ويأمرون الناس بالكتمان)
    وقال حضرمي: (هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم، وكتموا ذلك).
    وقال سعيد بن جبير: (كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئًا؛ فعيَّرهم الله بذلك، فأنزل الله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وقال: هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء)
    وقال الطبري: (إنَّ بخلهم الذي وصفهم الله به إنما كان بخلًا بالعلم الذي كان الله آتاهموه، فبخلوا بتبيينه للناس، وكتموه دون البخل بالأموال)
    وقال السعدي: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بأقوالهم وأفعالهم وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون، ويسترشد به الجاهلون، فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحقِّ، فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين)
    أسباب الوقوع في البخل والشح

    1- ضعف إيمان البخيل وسوء ظنِّه بالله، فهو يستثقل أمر الإنفاق، ويغفل عن تعويض الله له على ما أنفق، كما أنَّه يغيب عنه أنَّ هذا المال هو مال الله، وأنَّه لم يأتِ إلى الدُّنيا وبيده شيء منه.
    2- الظلم سبب آخر من أسباب البخل، حيث ينتج عنه تعطيل لحقوق الآخرين.
    3- حب المال والتعلق به يورث هذه الصفة الدنيئة، والسجية القبيحة.
    4- الظنُّ بأنَّ البخل نوع من الذكاء والفطنة والتدبير لأمور الدنيا.
    5- الخوف من المستقبل، والهلع من الفقر والحاجة التي يعد بها الشيطان الرجيم.
    6- الخوف على الأبناء؛ فالأبناء مبخلة مجبنة.
    7- النشأة والتربية، فقد ينشأ الشخص بين والدين بخيلين، أو مجتمع يتصف بالبخل؛ فيتشرب هذه الصفة ممن حوله، وتصبح سجية له.
    8- عدم استشعار ما ينتظر البخيل من العقوبة يوم القيامة.
    9- الغفلة عن الأجور المترتبة على الإنفاق، والقيام بالحقوق الواجبة.
    10- طول الأمل، والتشبث بالحياة.

    الوسائل المعينة على ترك البخل والشح

    1- أن يحسن المرء الظنَّ بالله عزَّ وجلَّ، وليعلم أنَّ الله الذي أمره بالإنفاق قد تكفَّل له بالزيادة.
    وقد قيل: (قلة الجود سوء ظنٍّ بالمعبود).
    2- الإكثار من الصدقة، وإن كان ذلك ثقيلًا على من اتصف بهذه الصفة، وبذلك يعتاد على صفة الكرم والإنفاق،
    قال ابن القيم: (فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل، كالحجام يستخرج منك الدم المهلك)

    3- معرفة أن الإيحاء بالفقر والتخويف منه إنما هو وعد شيطاني، وأن وعد الله هو المغفرة للذنوب وزيادة الفضل،
    يقول الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268]
    4- الاستعاذة بالله من البخل، كما كان يفعل أكرم الخلق وأجودهم صلى الله عليه وسلم، حيث كان يستعيذ من البخل
    فيقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر ))
    5- معالجة طول الأمل بالإكثار من ذكر الموت، والنظر في موت الأقران.
    6-التأمُّل في حال البخلاء الذين تعبوا في جمع المال، والحرص عليه ثم تركهم له يتقاسمه الورثة، وربما استخدموه في غير طاعة الله، فكان وبالًا عليهم.
    7- التأمل في الآيات الواردة في ذمِّ البخل، وما أعده الله للمتصفين بهذه الصفة القبيحة.
    8- صرف القلب إلى عبادة المولى تبارك وتعالى، حتى لا ينشغل بعبادة المال والحرص عليه.
    9- معرفة أن المستقبل بيد الله إن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن كنت أحرص الناس.
    10- عدم الخوف على مستقبل الأبناء، والتيقن أنَّ من خلقهم قد خلق أرزاقهم معهم، ولن يضيعهم. فكم من ولد لم يرث من والده مالًا صار أحسن حالًا ممن ورث الأموال الطائلة.
    11- علاج القلب بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذمِّ البخل، ومدح السخاء وما توعد الله به البخيل من العقاب العظيم.
    12- التأمل في أحوال البخلاء، ونفرة الطبع منهم، وبغض الناس لهم، وبقاء الذكر السيئ من بعدهم.

    ترتيب أوصاف البخيل

    يقال: رجل بخيل، ثم مُسُك إذا كان شديد الإمساك لماله،
    ثم لَحِز إذا كان ضيق النفس شديد البخل،
    ثم شحيح إذا كان مع شدة بخله حريصًا،
    ثم فاحش إذا كان متشدِّدًا في بخله،
    ثم حِلِزٌّ إذا كان في نهاية البخل

    من أخبار البخلاء

    - وصية بخيل:
    قال أحد البخلاء وهو يوصي ابنه:
    أي بنيَّ! إنَّ إنفاق القراريط يفتح عليك أبواب الدوانيق، وإنفاق الدوانيق يفتح عليك أبواب الدراهم، وإنفاق الدراهم يفتح عليك أبواب الدنانير. والعشرات تفتح عليك أبواب المئين، والمئون تفتح عليك أبواب الألوف، حتى يأتي ذلك على الفرع والأصل ويطمس على العين والأثر، ويحتمل القليل والكثير

    - وقال المكي: كان لأبي عم يقال له سليمان الكثري سمِّي بذلك لكثرة ماله. وكان يقرِّبني وأنا صبي إلى أن بلغت.
    ولم يهب لي مع ذلك التقريب شيئًا قط. وكان قد جاوز في ذلك حد البخلاء. فدخلت عليه يومًا، وإذا قدَّامه قطع دار صيني لا تسوى قيراطًا؛ فلما نال حاجته منها، مددت يدي لآخذ قطعة، فلما نظر إليَّ قبضت يدي، فقال: لا تنقبض وانبسط واسترسل وليحسن ظنك، فإن حالك عندي على ما تحب، فخذه كله، فهو لك بزوبره، وبحذافيره، وهو لك جميعًا؛ نفسي بذلك سخيَّة. والله يعلم أني مسرور بما وصل إليك من الخير. فتركته بين يده، وقمت من عنده وجعلت وجهي، كما أنا، إلى العراق. فما رأيته وما رآني حتى مات.

    - واشترى رجل من البخلاء دارًا وانتقل إليها، فوقف ببابه سائل فقال له: فتح الله عليك. ثم وقف ثان، فقال له مثل ذلك،
    ثم وقف ثالث، فقال له مثل ذلك، ثم التفت إلى ابنته، فقال لها: ما أكثر السُّؤال في هذا المكان. قالت: يا أبت، ما دمت مستمسكًا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلُّوا
    - وقال دعبل: كنا عند سهل بن هارون، فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع، فقال: ويلك يا غلام آتنا غداءنا، فأتي بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته ثريد قليل، فتأمل الديك فرآه بغير رأس، فقال لغلامه: وأين الرأس؟ فقال: رميته، فقال: والله إني لأكره من يرمي برجله، فكيف برأسه؟ ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد،
    وفيه فرقه الذي يتبرك به، وعينه التي يضرب بها المثل، فيقال: شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم نر عظمًا أهشَّ تحت الأسنان من عظم رأسه، وهبك ظننت أني لا آكله، أما قلت: عنده من يأكله. انظر في أي مكان رميته فأتني به.
    فقال: والله لا أدري أين رميته، فقال: ولكني أنا أعرف أين رميته. رميته في بطنك، الله حسبك

    الأمثال في البخل والشح


    - يقال: أبخل من صبيٍّ ومن كَسع: قالوا: هو رجل بلغ من بخله أنه كوى اسْتَ كلبه حتى لا ينبح، فيدل عليه الضيف

    - ويقال: أبخل من الضَّنِينِ بنائل غيره.
    هذا مأخوذ من قول الشاعر:
    وإن امرأ ضنت يداه على امرئ بنيل يد من غيره لبخيل

    - ويقال: أبخل من ذي مَعْذِرَة: وهذا مأخوذ من قولهم في مثل آخر: المعْذِرة طرف من البخل.
    - ويقال: أبخل من كلب.
    - ويقال: أبخل من مادِرٍ: وهو رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وبلغ من بخله أنه سقى إبله، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه، ومدر الحوض به، فسمِّي مادرًا لذلك، واسمه مخارق
    - ويقال: أبخل من أبي حباحب ومن حباحب: قالوا هو رجل من العرب كان لبخله يوقد نارًا ضعيفة، فإذا أبصرها مستضيء أطفأها
    - ويقال: أَلأم من راضع اللبن: هو رجل من العرب كان يرضع اللبن من حلمة شاته، ولا يحلبها مخافة أن يسمع وقع الحلب في الإناء، فيطلب منه
    - ويقال: ما يَبِضُّ حَجَرُهُ: وهو أدنى ما يكون من السيلان، يضرب للمتناهي في البخل

    البخل والشحُّ في أقوال الحكماء

    - قال بعض الحكماء: (لا تحمل على نفسك همَّ ما لم يأتك، ولا تعدنَّ عدة ليس في يديك وفاؤها، ولا تبخلنَّ بالمال على نفسك،
    فكم جامع لبعل حليلته)

    - قال بعض الحكماء: (من برئ من ثلاث نال ثلاثًا: من برئ من السرف نال العزَّ، ومن برئ من البخل نال الشرف، ومن برئ من الكبر نال الكرامة)
    - قال بعض الحكماء: (البخيل ليس له خليل)
    - وقال آخر: (البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته)
    - وقال آخر: (عجبًا للبخيل المتعجِّل للفقر الذي منه هرب، والمؤخر للسَّعة التي إيَّاها طلب، ولعلَّه يموت بين هربه وطلبه،
    فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنَّك لم ترَ بخيلًا إلا غيره أسعد بماله منه؛
    لأنَّه في الدنيا مهتمٌّ بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدنيا من همِّه، وناج في الآخرة من إثمه)
    ---------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالحدعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( البغض والكراهية )

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت يوليو 16, 2022 10:40 am

    ومن ألأخلاق المذمومه


    البغض والكراهية


    معنى البُغْض:
    البغض ضِدُّ الحُب، من بغَض الشيء بُغضًا: مقته وكرهه، فهو باغض وبغوض، والشيء مبغوض وبغيض، وبَغُضَ الشَّيء بَغاضة، فهو بَغِيض، وأبْغَضته إبغاضًا، فهو مُبْغَض، والاسم البُغْض، وبَغَّضَه الله تعالى للنَّاس فأَبْغَضُوه، والبِغَضَة والبَغْضاء: شِدَّة البُغْض، وتَباغض القوم: أبْغَض بعضهم بعضًا
    والبغض هو نفور النَّفس عن الشَّيء الذي يرغب عنه
    وقال الكفوي: (البُغْضُ: عبارةٌ عن نفرة الطَّبع عن المؤْلِم المتْعِب، فإذا قوي يُسمَّى مَقْتًا)
    معنى الكَراهِية:
    الكراهية خِلاف الرِّضا والمحبَّة، يقال: كَرِهْتُ الشَّيء أَكْرَهُه كَرَاهَةً وكَرَاهِيةً، فهو شيءٌ كَرِيهٌ ومَكْرُوهٌ. والكُرْهُ الاسم.
    ويقال: بل الكُرْهُ: المشَقَّة، والكَرْهُ: أن تُكَلَّف الشَّيء فتعمله كارهًا. ويقال: مِن الكُرْه الكَرَاهِيَة والكَرَاهِيَّة وأكْرَهتُه على كذا: حملته عليه كَرْهًا
    وقال ابن عاشور: (الكُرْه: الكَرَاهِية ونفرة الطَّبع مِن الشَّيء، ومثله الكَرْه على الأصحِّ)

    الفرق بين الكَرَاهَة وبعض الصِّفات

    - الفرق بين الإِبَاء والكَرَاهَة:
    قال أبو هلال العسكري: (إنَّ الإِبَاء هو أن يمتنع، وقد يَكْرَه الشَّيء مَن لا يقدر على إبائه، وقد رأيناهم يقولون للملك: أبيت اللَّعن، ولا يعنون أنَّك تكره اللَّعن؛ لأنَّ اللَّعن يكرهه كلُّ أحدٍ، وإنَّما يريدون أنَّك تمتنع مِن أن تلعن وتشتم؛ لِمَا تأتي مِن جميل الأفعال، وقال الرَّاجز:
    ولو أرادوا ظلمه أبينا أي امتنعنا عليهم أن يظلموا، ولم يَرِدْ أنَّا نَكْرَه ظلمهم إيَّاه؛ لأنَّ ذلك لا مدح فيه،
    وقال الله تعالى: وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ [التَّوبة: 32]، أي: يمتنع مِن ذلك،
    ولو كان الله يأبى المعاصي كما يكرهها، لم تكن معصيةٌ ولا عاصٍ)

    - الفرق بين البُغْض والكَرَاهَة:
    قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين البُغْض والكَراهة أنَّه قد اتَّسع بالبُغْض ما لم يتَّسع بالكَراهَة، فقيل: أُبْغِض زيدًا أي: أُبْغِض إكرامه ونفعه، ولا يقال: أكرهه بهذا المعنى، كما اتَّسع بلفظ المحبَّة، فقيل: أُحِبُّ زيدًا، بمعنى: أحبُّ إكرامه ونفعه، ولا يقال: أريده، في هذا المعنى، ومع هذا فإنَّ الكَرَاهَة تُسْتَعمل فيما لا يُسْتَعمل فيه البُغْض، فيقال: أَكْرَه هذا الطَّعام. ولا يقال: أَبْغُضه، كما تقول: أُحِبُّه. والمراد أنِّي أكره أكله، كما أنَّ المراد بقولك: أريد هذا الطَّعام، أنَّك تريد أكله أو شراءه)
    - الفرق بين الكَراهَة ونُفُور الطَّبع:
    قال أبو هلال: (إنَّ الكَرَاهَة ضدُّ الإرادة، ونُفُور الطَّبع ضدُّ الشَّهوة، وقد يريد الإنسان شرب الدَّواء المرِّ مع نُفُور طبعه منه،
    ولو كان نُفُور الطَّبع كراهةً، لَمَا اجتمع مع الإرادة، وقد تُسْتَعمل الكَراهَة في موضع نُفُور الطَّبع مجازًا، وتُسمَّى الأمراض والأسقام: مكاره؛ وذلك لكثرة ما يَكْرَه الإنسان ما يَنْفِر طبعه منه)
    ذم البُغْض والكَرَاهِية والنهي عنهما في القرآن الكريم

    - قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة: 91]
    قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم؛ إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصدكم عن ذكر الله)

    ذم البُغْض والكَرَاهِية والنهي عنهما في السُّنَّة النَّبويَّة

    - عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا ))

    قال السعدي: (فعلى المؤمنين أن يكونوا متحابِّين، متصافِّين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعهم لمصالحهم الكليَّة التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبَّر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحدٌ منهم أحدًا)
    - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إذا فُتِحَت عليكم فارس والرُّوم، أيُّ قوم أنتم؟ قال عبد الرَّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثمَّ تتحاسدون، ثمَّ تتدابرون، ثمَّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمَّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ))

    - عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم ))
    قال ملا علي القاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دبَّ...أي: نقل وسَرَى ومَشَى بخِفْيَة. إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد. أي: في الباطن. والبَغْضَاء. أي: العداوة في الظَّاهر... وسُمِّيا داءً؛ لأنَّهما داء القلب. هي. أي: البَغْضاء، وهو أقرب مبنًى ومعنًى، أو كلُّ واحدة منهما. الحالقة. أي: القاطعة للمحبَّة والألفة والصِّلة والجمعيَّة. والخصلة الأولى هي المؤدِّية إلى الثَّانية، ولذا قُدِّمت.
    لا أقول: تحلق الشَّعر. أي: تقطع ظاهر البدن، فإنَّه أمرٌ سهل. ولكن تحلق الدِّين. وضرره عظيم في الدُّنيا والآخرة. قال الطِّيـبيُّ: أي: البَغْضاء تُذْهِب بالدِّين كالموسى تُذْهِب بالشَّعر، وضمير المؤنَّث راجعٌ إلى البَغْضَاء)
    - وعن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((سيصيب أمَّتي داء الأمم، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحن في الدُّنيا، والتَّباغض، والتَّحاسد حتى يكون البغي ثمَّ الهرج))
    قال المناوي شارحًا هذا الحديث: (... ((الأَشَر)) أي: كُفر النِّعمة. ((والبَطَر)): الطُّغيان عند النِّعمة، وشدَّة المرَح والفرح، وطول الغنى. ((والتَّكاثر)) مع جمع المال. ((والتَّشاحن)) أي: التَّعادي والتَّحاقد. ((في الدُّنيا والتَّباغض والتَّحاسد)) أي: تمنِّي زوال نعمة الغير. ((حتى يكون البغي)) أي: مجاوزة الحدِّ، وهو تحذيرٌ شديدٌ مِن التَّنافس في الدُّنيا؛ لأنَّها أساس الآفات،
    ورأس الخطيئات، وأصل الفتن، وعنه تنشأ الشُّرور)
    أقوال السَّلف والعلماء في الكَراهَة
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أَحْبِب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما،
    عسى أن يكون حبيبك يومًا ما)
    - وقال بعض الصَّحابة: (مَن أراد فضل العابدين، فليصلح بين النَّاس، ولا يوقع بينهم العداوة والبَغْضاء)
    - وقال أبو حاتم: (حاجة المرء إلى النَّاس مع محبَّتهم إيَّاه خيرٌ مِن غناه عنهم مع بغضهم إيَّاه، والسَّبب الدَّاعي إلى صدِّ محبَّتهم له هو التَّضايق في الأخلاق وسوء الخُلُق؛ لأنَّ مَن ضاق خُلُقه سَئِمَه أهله وجيرانه، واستثقله إخوانه، فحينئذٍ تمنَّوا الخلاص منه، ودعوا بالهلاك عليه)
    - وقال: (الواجب على النَّاس كافةً: مجانبة الإفكار في السَّبب الذي يؤدِّي إلى البَغْضَاء والمشاحنة بين النَّاس، والسَّعي فيما يفرِّق جمعهم، ويُشتِّت شملهم)
    - وقال ابن القيِّم: (البُغْض والكَرَاهَة أصل كلِّ ترك ومبدؤه)
    - وقال الغزَّالي: (اعلم أنَّ الأُلفة ثمرة حسن الخُلُق، والتَّفرُّق ثمرة سوء الخُلُق، فحُسْن الخُلُق يُوجِب التَّحابَّ والتَّآلف والتَّوافق. وسوء الخُلُق يثمر التَّباغض والتَّحاسد والتَّدابر، ومهما كان المثْمِر محمودًا كانت الثَّمرة محمودة)
    - وكان يقال: (أقبح الأشياء بالسُّلطان اللَّجَاج، وبالحكماء الضَّجر، وبالفقهاء سَخَافة الدِّين، وبالعلماء إفراط الحِرْص، وبالمقاتِلة الجُبْن، وبالأغنياء البخل، وبالفقراء الكِبْر، وبالشَّباب الكسل، وبالشُّيوخ المزاح، وبجماعة النَّاس التَّباغض والحسد)
    آثار البُغْض والكَرَاهِية

    1- سببٌ في الوقوع في الافتراء والبهتان على النَّاس، والتَّحامل عليهم عند الخصومة.
    2- يتولَّد عنه الحقد الشَّديد للمَبْغُوض.
    3- يتسبَّب في انتشار بعض الأمراض الاجتماعيَّة الخطيرة، التي تفتك بالمجتمع وتهدِّد لُحْمَته وتماسكه، كانتشار الإشاعات المغرضة، والتَّحاسد والتَّنافس غير المحمود.
    4- سببٌ في فقدان الأمن والأمان في المجتمع؛ فإذا سادت الكَرَاهِية والبَغْضَاء، أحسَّ الفرد أنه يعيش في غابة بين وحوش يتربَّصون به، ويتحيَّنون الفرص لأذيَّته، فيعيش في قلقٍ دائمٍ لا ينتهي.
    5- يتسبب في فقدان الحبِّ في المجتمع الواحد، بل في العائلة الواحدة.
    6- بسببه تضيع الثِّقة بين أفراد المجتمع، فلا تكاد تجد أحدًا يثق في أحدٍ.
    7- انتفاء العدل في المجتمع المتَبَاغِض، ولهذا قيل للعادل: هو الذي إذا غضب لم يُدْخِله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يُخْرِجه رضاه عن الحقِّ.
    8- البُغْض يتسبَّب إلى سوء الخُلُق، يقول الماورديُّ: (البُغْض الذي تنفر منه النَّفس فتُحْدِث نفورًا على المبْغَض، فيؤول إلى سوء خُلُق يخصُّه دون غيره)
    أقسام البَغْضاء والكَراهِية

    تنقسم البَغْضَاء إلى قسمين:
    الأوَّل: منهيٌّ عنه، محرَّمٌ مذموم.
    الثَّاني: مأمورٌ به، مُثابٌ صاحبه، ومِن صوره:
    1- بُغْضُ وكَرَاهِية الباطل:
    فإنَّ حُبَّ الحقِّ وبُغْضَ وكَرَاهِيةَ الباطل فضيلةٌ خُلقيَّة، فعن عائشة: ((أنَّها أخبرته أنَّها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلمَّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكَراهِية، فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله؛ ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قالت: اشتريتها لتقعد عليها وتَوَسَّدَها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أصحاب هذه الصُّور يوم القيامة يعذَّبون، يقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم. وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ البيت الذي فيه الصُّور لا تدخله الملائكة ))
    2- بُغْضُ وكَرَاهِية الكُفَّار والفُسَّاق:
    قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[الممتحنة: 4]،
    قال ابن عاشور: (والبَغْضَاء: نُفْرَة النَّفس والكَراهِية، وقد تُطْلَق إحداهما في موضع الأخرى إذا افترقتا، فذِكْرُهما معًا هنا مقصودٌ به حصول الحالتين في أنفسهم: حالة المعاملة بالعُدْوَان، وحالة النُّفْرَة والكَراهِية، أي نُسِيء معاملتكم، ونُضْمِر لكم الكَراهِية حتى تؤمنوا بالله وحده دون إشراك)
    أسباب الوقوع في البُغْض والكَرَاهِية

    1- الغيبة والنَّمِيمَة مِن الأسباب الرَّئيسة للكَرَاهِية والبَغْضَاء والتَّشاحن.
    قال بعض الحكماء: (النَّمِيمَة تهدي إلى القلوب البَغْضَاء، ومَن واجهك فقد شتمك، ومَن نقل إليك فقد نقل عنك، والسَّاعي بالنَّمِيمَة كاذبٌ لمن يسعى إليه، وخائن لمن يسعى به)
    2- الكذب والغِشُّ؛ فإنَّه يترك أثر الكَرَاهِية بين الغاشِّ والمغشوش.
    3- قسوة القلب والغِلظَة والفَظَاظَة: فهذه الأخلاق تنفِّر بين القلوب، وتشيع الكَرَاهِية والبَغْضَاء.
    قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]
    4- التَّجسُّس: فالتَّجسُّس سبيل إلى الكَرَاهَة والبُغْض بين النَّاس. قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذَّى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة)
    5- الغيرة: قال ابن القيِّم: (إنَّ الغيرة تتضمَّن البُغْض والكَرَاهَة)
    6- عدم العدل عمومًا سببٌ مِن أسباب البغض، فعدم العدل بين الزَّوجات يولِّد الحقد والكَراهِية بين الزَّوجات، وبين الزَّوج وزوجاته، وعدم العدل بين الأبناء يولِّد الشَّحناء والبَغْضاء، وتسود بينهم روح الكَرَاهِية.
    7- التَّعدِّي على حقوق الإنسان بأي نوعٍ مِن أنواع التَّعدِّي.
    8- الاستئثار بالمنافع، وعدم إعطائها لمن يستحقُّها.
    9- الجدال والمراء: حيث يورِث البَغْضَاء والكَرَاهِية.
    10- الخيانة وعدم الأمانة.
    11- الكِبْر سببٌ مِن أسباب البُغْض، فالمتكبِّر يبغض النَّاس ويبغضونه.
    12- الحسد مِن أهمِّ وأقوى الأسباب التي تُثِير البُغْض بين النَّاس، لذا قال الشَّاعر:
    ليس للحاسد إلَّا ما حسد وله البَغْضَاء مِن كلِّ أحد
    وأرى الوحدة خيرًا للفتى مِن جليس السُّوء فانهض إن قعد

    13- كثرة العتاب واللوم، ومن أمثال العرب: (كثرة العتاب توجب البَغْضاء)

    الوسائل المعينة على تجنُّب البُغْض والكَرَاهِية

    1- الإحسان:
    وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصِّلت:34]
    2- الإنصاف: فبالإنصاف تُنْـتَزَع صفات الحقد والكَرَاهِية، لتحلَّ محلَّها صفات الاحترام والحبِّ والتَّنافس في الخيرات.
    3- المعاتبة دون إكثار: فالمعاتبة تنقِّي النُّفوس مِن الشَّرِّ والكَرَاهِية، وتزيد المحبَّة والألفة، إذا كانت برفق ولين، دون جدال، مع حسن انتقاء الألفاظ، وبعد عن اللوم الشديد والتجريح.
    4- الصَّبر.
    5- البعد عن كلِّ ما مِن شأنه أن يكدِّر الصَّفو، ويشحن النُّفوس بالكَرَاهِية: كالجدال، والشَّتم والغيبة والنَّمِيمَة والحسد، وغيرها مِن الأدواء والأمراض.
    6- الإتيان بالوسائل التي توطِّد العلاقات، وترسِّخ الصِّلات، وتحبِّب المؤمنين إلى بعضهم: كإفشاء السَّلام، والتَّهادي بين النَّاس، والتَّعاون والتَّكافل وغيرها.
    قال أبو حاتم البستي: (الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السَّلام على العام... والسَّلام ممَّا يذهب إفشاؤه بالمكْتَنِّ مِن الشَّحناء، وما في الخَلِد مِن البَغْضَاء، ويقطع الهجران ويصافي الإخوان)
    7- البعد عن التَّنافس المذموم على الدُّنيا الفانية؛ فإنَّه مِن أكبر أسباب البَغْضاء والكَراهِية.
    الأمثال في البُغْض والكَراهِية

    - شاهد البُغْض اللَّحْظُ
    - وقالوا: الحَاجَةُ مع المحَبَّة خَيْر مِن الغِنَى مع البِغْضَة
    - وقالوا: الكبر قائد البُغْضِ
    - وجاء في المثل: كثرة العتاب توجب البَغْضاء
    - وجاء -أيضًا-: إذا أبغضك جارك، حوِّل باب دارك
    - وقيل لبعضهم: ما التَّواضع؟ قال: أخلاق المجد واكتساب الوُدِّ. فقيل ما الكِبْر؟ قال: اكتساب البُغْض
    - ويقولون: هو أزرق العين. يُضْرَب في الاستشهاد على البغض
    ===========================================
    ومن ألأخلاق المذمومه  
               
      التجسس

    معنى التجسس لغةً:
    مأخوذ من الجَسِّ: وهو جَسُّ الخبر، ومعناه: بحث عنه وفحص، وتَجَسَّسْتُ فلانًا ومن فلان: بحثت عنه، والتَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرِّ، والجاسُوسُ: العين يَتَجَسَّسُ الأخبار ثم يأتي بها، وهو صاحب سِرِّ الشَّر، والناموسُ صاحب سرِّ الخير
    معنى التجسس اصطلاحًا:
    التجسس: البحث عن العورات والمعايب، وكشف ما ستره الناس

    الفرق بين التجسس والتحسس
    قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين التحسس والتجسس: التحسس - بالحاء المهملة -: طلب الشيء بالحاسة، والتجسس - بالجيم - مثله. وفي الحديث: ((لا تحسسوا، ولا تجسسوا ))
    قيل: معناهما واحد، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر:
    متى أدن منه ينأ عني ويبعد
    وقيل: التجسس -بالجيم- البحث عن عورات النساء، -وبالحاء- الاستماع لحديث القوم، ويروى أن ابن عباس سئل عن الفرق بينهما فقال: (لا يبعد أحدهما عن الآخر: التحسس في الخير، والتجسس في الشر)
    قلت: ويؤيده قوله تعالى حكاية عن يعقوب: يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ [يوسف: 87] - بالحاء - على القراءة المشهورة، فإنَّه كان متوقِّعًا لأن يأتيه الخبر بسلامة يوسف. وقوله سبحانه: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] - بالجيم - فإنَّ المنهي عنه البحث عن معائب الناس وأسرارهم التي لا يرضون بإفشائها، واطلاع الغير عليها)
    وقال بعضهم: (التحسس بالحاء أن تستمع الأخبار بنفسك، وبالجيم أن تتفحَّص عنها بغيرك)
    وقال الترمذي الحكيم: (التحسُّس- يعني بالحاء- هو طلب أخباره والفتش عنه؛ شفقة ونصحًا واحتياطًا؛ فتطيب نفسه لطيب أخباره، وحسن حاله، أو ليرفده إن كان في أمره خلل بنصح واحتياط ومعونة، والتجسس أن تفتش عن أخبار مغطية مكروهة أن تعلم بها، فتستخرجها بفتشك لهتك الستور، والكشف عن العورات والمساوئ)
    وقال ابن حبيب: (بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك، وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء)
    ذم التجسس والنهي عنه في القرآن الكريم

    - نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدلُّ على حرمة هذا الفعل المشين، والخصلة المذمومة، فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12]
    قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير قوله: وَلا تَجَسَّسُوا يقول: (ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره...).
    ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن)

    وقال البغوي: (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم؛ حتى لا يظهر على ما ستره الله منها)
    - ومن ذلك قول الله تعالى:وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا[الأحزاب: 58]
    وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس، والبحث عن سوءاتهم، والتجسس عليهم، وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم.
    قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذى به المتجَسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله)
    - وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47]
    قال مجاهد: (معناه وفيكم محبون لهم، يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس)
    وقال القرطبي: ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي: عيون لهم، ينقلون إليهم الأخبار منكم)
    ذم التجسس والنهي عنه في السنة النبوية

    لقد شدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه، وبيَّن أنَّه مفسد للأخوة، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات، وسبيل إلى إفساد الناس:
    - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا
    - وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ))
    قوله: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه)) (فيه تنبيه على أنَّ غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن. ((ولا تتبعوا عوراتهم)) أي: لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم... ((يتبع الله عورته)) ذكره على سبيل المشاكلة، أي: يكشف عيوبه، وهذا في الآخرة. وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه. يفضحه. أي: يكشف مساويه. ((في بيته)) أي: ولو كان في بيته مخفيًّا من الناس)
    - وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم )) فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها)
    - وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم ))
    قال المناوي: (أي ولوا عن الناس، ولا تتبعوا أحوالهم، ولا تبحثوا عن عوراتهم... ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها؛ أوقعتهم في الفساد، أو قاربت أن تفسدهم؛ لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة، أو لحصول تهمة لا أصل لها، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم، وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يُراد إزالتها، والحاصل أنَّ الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن، والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم)
    - وعن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة )
    - وعن جبير بن نفير وكثير بن مرة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم
    قال ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة فى الناس أفسدهم ))
    يقول المناوي: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة. أي: طلب الريبة، أي: التهمة في الناس بنية فضائحهم. أفسدهم. وما أمهلهم، وجاهرهم بسوء الظن فيها، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظنَّ بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حثُّ الإمام على التغافل، وعدم تتبع العورات، فإنَّ بذلك يقوم النظام، ويحصل الانتظام، والإنسان قلَّ ما يسلم من عيبه، فلو عاملهم بكلِّ ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع، واتسع المجال، بل يستر عيوبهم، ويتغافل، ويصفح، ولا يتبع عوراتهم، ولا يتجسس عليهم)
    أقوال السلف والعلماء في التجسس
    - عن ابن عباس في قوله: ولا تجسسوا قال: (نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن)
    - و(أتي ابن مسعود رضي الله عنه فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا. فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به )
    - وقال مجاهد في قوله: وَلا تَجَسَّسُوا قال: (خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما ستر الله)
    - وقال قتادة في تفسيرها: (هل تدرون ما التجسس أو التجسيس؟! هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سرِّه)
    - وقال ابن زيد في تفسيرها أيضًا: قال: (حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه، حتى أعرف حقٌّ هو، أم باطل؟ قال: فسماه الله تجسسًا، قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب)
    - وقال الحسن: (لا تسأل عن عمل أخيك الحسن والسيئ، فإنَّه من التجسس)
    - وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل مباينة العوام في الأخلاق والأفعال، بلزوم ترك التجسس عن عيوب الناس؛ لأنَّ من بحث عن مكنون غيره بحث عن مكنون نفسه، وربما طمَّ مكنونه على ما بحث من مكنون غيره، وكيف يستحسن مسلم ثلب مسلم بالشيء الذي هو فيه)
    - وقال أيضًا: (التجسس من شعب النفاق، كما أنَّ حسن الظن من شعب الإيمان)
    - وقال: (الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه، ولم يتعب قلبه)
    أقسام التجسس وحُكم كلِّ قسم
    الأصل في التجسس أنَّه محرم شرعًا، منهيٌّ عنه، غير أنَّ هناك بعض الصور قد تقتضي المصلحة جوازها.
    وعليه فيمكننا أن نقسم التجسس إلى قسمين:
    تجسس ممنوع:
    (ويُقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم، والكشف عن معائبهم؛ بدافع الفضول وإشباع غريزة حبِّ الاستطلاع، دون أن يكون له غرض مباح؛ من جلب منفعة راجحة، أو دفع مفسدة متوقعة، سواء أكان ذلك بالتطلُّع، أو التنصت والاستماع)
    وهذا النوع من أنواع التجسس هو الذي نصَّت الأدلة الواضحة على تحريمه، ولم يبح إلا في حالات خاصة، فـ(إنَّ الأصل في المسلم الطهارة، والعفة، والبراءة، والسلامة من كلِّ شيء مشين، ولذا كان الأصل في الإسلام النهي عن التجسس بجميع صوره وأشكاله، سواء كان تجسس الفرد على الفرد، أو الفرد على الدولة، أو الدولة على الدولة؛ لأنَّ التجسس انتهاك لحرمة المسلم، وكشف ستره، وقد يسبب الحقد والبغض بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلًا)
    تجسس مشروع:
    وأما النوع الثاني من أنواع التجسس، وهو التجسس المشروع، فـيراد به كلُّ تجسس يهدف إلى مصلحة الدولة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها، أو تطهيره المجتمعات من أهل الشرِّ والفساد، وملاحقتهم والتضييق عليهم.
    وهذا القسم من أقسام التجسس يتفاوت حكمه التكليفي من الوجوب إلى الإباحة، حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة، فهناك ما هو تجسس واجب: (وهو ما يكون طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك، أو القضاء على الفساد الظاهر؛ كاستدراك فوات حرمة من حرمات الله... ووجه وجوبه أنَّ ذلك من ضمن وسيلة النهي عن المنكر) وهناك ما هو تجسس مباح، وهو ما عدا ذلك من الصور التي استثناها الشرع من التحريم، ولا تصل إلى درجة الوجوب، كالتجسس على الأعداء لمعرفة عددهم وعتادهم وغيرها
    آثار التجسس الممنوع
    1- أن التجسس مظهر من مظاهر سوء الظنِّ، وأثر من آثاره، فهو متولِّد عن صفة مذمومة سيئة نهى عنها الدين الحنيف.
    وذلك (لأنَّ الظنَّ يبعث عليه حين تدعو الظانَّ نفسه إلى تحقيق ما ظنَّه سرًّا، فيسلك طريق التجسس)
    2- والتجسس صورة من صور ضعف الإيمان، وضعف التدين، وقلة المراقبة، هذا على الجانب الديني؛ أما الأخلاقي والسلوكي، فهو يدلُّ على دناءة النفس وخسَّتها، وضعف همَّتها، وانشغالها بالتافه من الأمور عن معاليها وغاياتها.
    3- وهو سبيل إلى قطع الصلات، وتقويض العلاقات، وظهور العداء بين الأحبة، وبثِّ الفرقة بين الإخوان، (فقد يرى المتجسس مِن المتجسس عليه ما يسوءه، فتنشأ عنه العداوة والحقد. ويدخل صدره الحرج والتخوف؛ بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة، وذلك من نكد العيش)
    4- وبالتجسس تنهار القدوات، وتصغر في الأعين القامات، وعندها تهون الذنوب وتحقَّر السيئات، وتفسير ذلك أنَّ المتجسس عليه إذا كان في منزل القدوة؛ واطلع منه على أمر سيئ، أو ذنب، أو معصية فإنَّه لا شكَّ سيقلُّ قدره، وستتلاشى مكانته، ولن يقبل منه نصحًا ولا توجيهًا، بل ربما تهون المعصية التي عملها على المتجسس فيعملها؛ بحجة أن ليس أحسن حالًا من فلان القدوة الذي تلبس بها.
    5- والتجسس يؤدي إلى فساد الحياة؛ فتصبح مليئة بالشكوك والتخوفات، فلا يأمن الإنسان على خصوصياته من أن تنكشف أو تظهر للناس، بل يعيش المرء في حالة من الشك الذي لا ينتهي، وهذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه قال: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم ))
    6- والتجسس يؤدي إلى الكراهية، ويدفع إلى الانتقام، فإذا علم شخص ما أن فلان يتجسس عليه، ويريد أن يهتك ستره، ويفضح أمره سعى هو من جانبه إلى التجسس عليه، وفضحه وهكذا.
    يقول ابن عاشور: فـ (إن اطلع المتجسس عليه على تجسس الآخر ساءه؛ فنشأ في نفسه كره له، وانثلمت الأخوة...، ثم يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه)
    7- كما أنَّه سبيل إلى إشاعة الفاحشة بين المسلمين، وانتشار السوء بينهم، وذلك بما يحصل من نشر لما استتر من الفضائح، وإظهار لما خفي من السوءات.
    8- وهو دليل بين واضح على سوء الطوية، وعن نفاق يعشش في القلب، وأنَّ صاحبه بعيد عن الإيمان وإن ادعاه، مجانب للتقوى وإن تزيا بلباسها، لذا كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذه صفته بقوله: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه... ))
    9- أن صاحبه متوعَّد بالفضيحة وكشف العورة حتى ولو كان في قعر داره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنَّه من اتبع عوراتهم يتَبَّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ))
    10- ويكفي التجسس سوءًا أن صاحبه يعرض نفسه لغضب الله، واستحقاق العذاب الأليم، هذا في الآخرة، أما في الدنيا فيبقى مكروهًا مبغوضًا من الناس؛ فهو دائمًا في محل ريبة، لا يأنسون به، ولا يرتاحون بحضوره.
    صور التجسس
    صور التجسس الممنوع:
    - التجسس على بيوت المسلمين والاطلاع على عوراتهم (بالاستماع من وراء الأبواب، أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها، أو باستئذان لغرض كاذب، كشرب الماء والمقصود غير ذلك... وكل ذلك لا يجوز في شرع الإسلام)
    - ومن صوره أيضًا اقتحام البيوت، والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية، ولا شك أنَّ هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله.
    - ومن صور التجسس الممنوع التقصي والبحث عن معاصٍ وسيئات اقترفت في الماضي، والتجسس على أصحابها لمعرفتها.
    قال السفاريني: (ويحرم تجسيس على ما يفسق به في الزمن الماضي، أو الفسق الماضي مثل أن يشرب الخمر في الزمن الذي مضى، وتبحث عنه أنت بعد مدة لأن ذلك إشاعة للمنكر بما لا فائدة فيه، ولا عود على الإسلام، وإنما هو عيب ونقص، فينبغي كفه ونسيانه دون إذاعته وإعلانه، وإنما يحرم التجسس عن ذلك إن لم يجدد العود عليه، والإتيان به ثانيًا. فإن عاوده فلا حرمة إذن.
    قال في الرعاية: ويحرم التعرض لمنكر فُعِل خفية على الأشهر، أو ماض، أو بعيد، وقيل يجهل فاعله ومحله. وقال أيضًا: لا إنكار فيما مضى وفات إلا في العقائد أو الآراء)
    - ومن صور التجسس الممنوع استماع المرء إلى حديث قوم، وهم له كارهون، فقد تُوُعِّدَ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيصبُّ في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة )
    (ومن هذا الحديث يُعلم أنَّ الاستماع لحديث الآخرين بغير رضاهم وإذنهم هو من التجسس المحرم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر منه، وكفى بترتيب العقوبة المذكورة في الحديث على من يفعل هذا دليلًا على حرمته)
    ويدخل في هذه الصورة من صور التجسس التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم، وهو (يتضمن معنى تسمع حديث قوم أو التجسس عليهم، فيكون حكم المسألة هو حكم التجسس... أو يكون حكمه حكم التسمع إلى حديث قوم وهم كارهون؛ لأنَّ العادة أنَّ الناس لا يريدون أن يطلع على مكالمتهم أحد، والذي يتنصت على هواتف الناس بهذا المعنى يدخل تحت الوعيد)
    - ومن صور التجسس الممنوع التجسس على الكافر المسالم، خاصة إذا لم يظهر منه ما يدعو للريبة، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8]
    - ومن أبشع صور التجسس وأقبحها التجسس على المسلمين لصالح أعداء الدين (فإذا كان التجسس للوقوف على عورات الأفراد ومعائبهم أمًرا محرمًا، فإنَّ التجسس على الأمة الإسلامية لحساب أعدائها أشدُّ حرمة، وأعظم خطرًا وضررًا على البلاد، والعباد، وخيانة لله ورسوله وللأمة، وقد تحدَّث الفقهاء رحمهم الله تعالى على عقوبة من يقوم بهذا العمل الخطير، الذي يُعرِّض الأمة الإسلامية بأكملها لأضرار فادحة، قد يستمرُّ أثرها لأمد بعيد، محطمًا كافة النواحي السياسية والاقتصادية، والاجتماعية للدولة الإسلامية)
    قال عبد القادر العاني: (ومن أكبر الكبائر وأفظعها التجسس على المسلمين، وإفشاء أسرارهم الحربية إلى أعدائهم، أو إلى من يوصل إليهم)
    (وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظنِّ، فهو مقيَّد بالتجسس الذي هو إثم، أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة؛ صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضرَّ بهم...)
    صور التجسس المشروع:
    - من صور التجسس المشروع التجسس على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أنَّ التجسس والتنصت على الكفار في الحرب مشروع وجائز لمعرفة عددهم، وعتادهم، وما يخطِّطون له، ويدبِّرون من المكائد للمسلمين، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام، وتحت نظره ومعرفته)
    (فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبُّع أخبارهم، والاطِّلاع على مخططاتهم التي يعدُّونها للقضاء على الأمة الإسلامية، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر مشروع، بل قد يكون واجبًا في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين، وقد دلَّ على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة:
    فمن الكتاب: عموم قول الله تعالى:وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60]
    فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء، ومن أسباب القوة التخطيط السليم، واليقظة والحذر، والتأهب الدائم؛ لإحباط مخططات الأعداء، ولا شكَّ أنَّ ذلك لا يتمُّ إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم، ورصد تحركاتهم، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، فدلَّت الآية على مشروعية التجسس على الأعداء بكلِّ وسيلة شريفة، وطريقة نبيلة).
    ومن السنة أحاديث كثيرة، منها:
    - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريًّا، وإنَّ حواريَّ الزبير ))
    - وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلَّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إنَّ قريشًا جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادُّوك عن البيت، ومانعوك. فقال: أشيروا أيها الناس عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عزَّ وجلَّ قد قطع عينًا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين. قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجَّه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله ))
    (فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء، وكشف مخططاتهم، وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنَّه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصًا منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقَّتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء)
    - ومن صور التجسس المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب، وقد عدَّه بعض الفقهاء من التجسس المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد، أو على الأمَّة بأسرها، وغلب على الظنِّ وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظنِّ أنَّه يتربص بآخر ليقتله، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجبًا إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس.
    قال الرملي: (وليس لأحد البحث والتجسس، واقتحام الدور بالظنون، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة، كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كقتل وزنى، وإلا فلا)
    وذكر القاضي أبو يعلى جوازه في حالة ما إذا كان في تركه انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث، حذرًا من فوات ما لا يُستدرك، من انتهاك المحارم، وارتكاب المحظورات
    - ومن صور التجسس المشروع تفقد الوالي لأحوال رعيته لمعرفة المظلومين والمحتاجين، وتأمين احتياجاتهم؛ إذ هم أمانة في عنق الوالي
    ومن أمثلة ذلك:
    - ما روي عن أسلم رضي الله عنه قال: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار، فقال: يا أسلم، هاهنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم. فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها، وقدر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء. قالت: وعليك السلام.قال: أدنو؟ قالت: ادن أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع. فقال: وأي شيء على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر. فبكى عمر، ورجع يهرول إلى دار الدقيق، فأخرج عدلًا من دقيق، وجراب شحم، وقال: يا أسلم، احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ فحمله على ظهره، وانطلقنا إلى المرأة فألقي عن ظهره، وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر، والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: آتيني بصحفة. فأتي بها فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا - والمرأة تدعو له، وهي لا تعرفه - فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصلهم بنفقة وانصرف، ثم أقبل عليَّ فقال: يا أسلم، الجوع الذي أسهرهم، وأبكاهم
    - وقدم المدينة رفقة من تجار، فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة؟ قال: نعم! فباتا يحرسانهم ويصليان، فسمع عمر بكاء صبي فتوجَّه نحوه، فقال لأمه: اتَّق الله تعالى وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمِّه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي، فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنَّك أمُّ سوء، ما لي أرى ابنك لا يقرُّ منذ الليلة من البكاء؟! فقالت: يا عبد الله، إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم. قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام. فلما صلى الصبح، وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء. قال: بؤسًا لعمر. كم قتل من أولاد المسلمين. ثم أمر مناديه فنادى، لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق
    أسباب التجسس الممنوع

    للتجسس الممنوع عدة دوافع يمكننا أن نذكر منها ما يلي:
    - الفضول المحض: قد يكون الدافع إلى التجسس وتتبع عورات الناس هو الفضول المحض، وحبَّ الاستطلاع، ومعرفة ما خفي واستتر.
    - قصد الإيذاء والفضيحة: فيتجسس على الشخص لكي يؤذيه، أو يفضحه؛ لغرض في نفسه، قد يكون دافعه الحسد، أو الكراهية، أو غير ذلك من الأمور.
    - سوء الظنِّ: فالتجسس كما أسلفنا هو أثر من آثار سوء الظنِّ، فإذا ظنَّ شخص بشخص سوءًا دفعه ذلك إلى التحقُّق من ظنِّه، فيعمد إلى التجسس وتتبع العورات.
    - الانتقام والمعاملة بالمثل: وذلك إذا علم المتجسس عليه أن شخص ما يتتبع عورته، ويتجسس على خصوصياته، فعند ذلك يدفعه الانتقام إلى التجسس والبحث والتقصي، وخاصة إذا تسبب المتجسس في أذيته وفضحه.
    - أن يكون مدفوعًا من جهة ما للتجسس، نظير تحصيل مال أو غيره.
    الوسائل المعينة على ترك التجسس

    1- أن يراقب الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، ويخشى أليم عقابه، وقوة انتقامه، فإن في ذلك زاجرًا له عن هذه الخلة القبيحة.
    2- أن يترك الإنسان فضوله، وحبه للتفتيش، والاستطلاع على الآخرين، وذلك بأن يشغل نفسه بما يهمه في دنياه وأخراه، ويعلق نفسه بمعالي الأمور، ويبعدها عن سفاسفها، ويعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
    3- أن ينمي في نفسه الحرص على وحدة المسلمين وترابطهم، والخوف من تفككهم، وتقطع الأواصر بينهم، فإن هذا يجعله يبتعد عن كل ما يكون سببًا في تهديد هذه الوحدة والترابط، سواء كان ذلك السبب هو التجسس، أو غيره من الأخلاق السيئة.
    4- أن يتدبر النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وآثار السلف التي تحذر من هذه الصفة فإن في ذلك رادع قوي وعلاج ناجع.
    5- أن يعرف أن ما يفعله هو أذية للمسلمين، وأن أذيتهم لا تجوز شرعًا.
    6- أن يخشى المتجسس من الفضيحة التي توعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتتبعون عورات الناس،
    وأن الله سيفضحهم ولو في قعر دورهم.

    -------------------------------------------------------
    ما زلنا أحبابنا تابعونا  ------ ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( التَّعْسِير )

    مُساهمة من طرف صادق النور الأحد يوليو 17, 2022 10:19 am

    ومن ألأخلاق المذمومه
    التَّعْسِير

    معنى التَّعْسِير لغةً:
    العُسْر: نقيض اليُسْر. والعُسْرة والإعسار: قِلَّة ذات اليَد، وأصل هذه المادة يدلُّ على صُعوبةٍ وشِدَّة. يقال: عسُر الأمر عسرًا وعَسارة، فهو عسير. أي: صعب شديد، وعسِر الأمر وتعسَّر واستعسر، وعسِر الرجل: قلَّ سماحه في الأمور. وعسَرتُ الغريم أعسُره طلبت منه الدين على عُسره، وأعسرته كذلك
    معنى التَّعْسِير اصطلاحًا:
    أن يشدِّد الإنسان على نفسه أو غيره في أمر الدِّين بالزِّيادة على المشروع، أو في أمر الدُّنيا بترك الأَيْسَر ما لم يكن إثمًا

    ذَمُّ التَّعْسِير والنَّهي عنه مِن القرآن الكريم

    - قال تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطَّلاق: 6]
    تضمنت هذه الآية (معاتبة للأمِّ على المعَاسَرة، كما تقول -لمن تستقضيه حاجةً فيتوانى-: سيقضيها غيرك. تريد أن تبقى غير
    مقضيَّة فأنت مَلُومٌ،
    قال سعدي المفتي: ولا يخلو عن معاتبة الأب -أيضًا-؛ حيث أسقط في الجواب عن حيِّز شرف الخطاب مع الإشارة إلى أنَّه إن ضُويِقَت الأمُّ في الأجر، فامتنعت مِن الإرضاع لذلك، فلا بدَّ مِن إرضاع امرأة أخرى، وهي -أيضًا- تطلب الأجر في الأغلب
    الأكثر، والأُمُّ أشفق وأحنُّ، فهي به أولى، وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشَّرط والجزاء)

    - وقال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 280]
    قال ابن كثير: (قوله: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ : يأمر تعالى بالصَّبر على المعسر الذي لا يجد وفاءً، فقال: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ أي: لا كما كان أهل الجاهليَّة يقول أحدهم لمدِينه إذا حلَّ عليه الدَّين: إمَّا أن تقضي وإمَّا أن تُرْبِي. ثمَّ يندب إلى الوضع عنه، ويَعِدُ على ذلك الخير والثَّواب الجزيل، فقال: وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أي: وأن تتركوا رأس المال بالكليِّة وتضعوه عن المدِين)

    ذَمُّ التَّعْسِير والنَّهي عنه في السُّنَّة النَّبويَّة

    - عن عبد الله بن أبي قتادة، أنَّ أبا قتادة، طلب غريمًا له، فتوارى عنه ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله؟ قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفِّس عن معسر، أو يضع عنه ))

    (أي: ليؤخر مطالبة الدين عن المدين المعسر. وقيل: معناه يفرج عنه، أو يضع عنه، أي: يحط عنه، وهذا مقتبس من مشكاة قوله
    تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ)
    قال القاري: (فلينفِّس -بتشديد الفاء المكسورة- أي: فليؤخِّر مطالبته عن مُعْسِر، أي: إلى مدَّة يجد مالًا فيها، أو يضع -بالجزم- أي: يحطُّ ويترك عنه -أي عن المعْسِر- كلَّه أو بعضه. فائدة الفرض أفضل مِن النَّفل بسبعين درجة إلَّا في مسائل. الأَوْلَى إبراء المعْسِر
    مندوب وهو أفضل من إنظاره)
    - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم: ((لا تشدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم،
    فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامع والدِّيار؛ رهبانيَّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم
    ))
    قال ابن تيمية: (ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة على المشروع.
    والتشديد: تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب، ولا مستحب: بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم،
    ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه، في الطيبات؛ وعلل ذلك بأنَّ الذين شددوا على أنفسهم من النصارى، شدَّد الله عليهم لذلك،
    حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة)
    وقال ابن القيِّم: (نهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن التَّشديد في الدِّين، وذلك بالزِّيادة على المشروع، وأخبر أنَّ تشديد العبد على نفسه هو السَّبب لتشديد الله عليه، إمَّا بالقَدَر، وإمَّا بالشَّرع، فالتَّشديد بالشَّرع: كما يشدِّد على نفسه بالنَّذر الثَّقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقَدَر: كفعل أهل الوسواس؛ فإنَّهم شدَّدوا على أنفسهم، فشدَّد عليهم القَدَر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم)
    - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ))
    قال ابن تيمية معلقًا على هذا الحديث: (والأحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أنَّ سنته التي هي الاقتصاد: في العبادة، وفي ترك الشهوات؛ خير من رهبانية النصارى، التي هي: ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلو في العبادات صومًا وصلاة)
    وقال ابن حجر: (قوله: إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنَّه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لأنَّ المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه)
    - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أنظر معسِرًا، أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظلِّه ))
    قال الطَّحاوي: (الإِعسار قد يكون على العدم الذي لا يُوصَل معه إلى شيء، وقد يكون على القِلَّة التي يُوَصل معها، ما إذا أخذ ممَّن عليه الدَّين فَدَحَه وكَشَفَه، وأضرَّ به، والعُسْرَة تجمعهما جميعًا، غير أنَّهما يختلفان فيها، فيكون أحدهما بها مُعْدَمًا، ولا يكون الآخر منهما بها مُعْدَمًا، وكلُّ مُعْدَمٍ مُعْسِر، وليس كلُّ مُعْسِرٍ مُعْدَمًا، فقد يحتمل أن يكون المعْسِر المقصود بما في هذه الآثار إليه هو المعْسِر الذي يجد ما إن أُخِذ منه فَدَحه، وكَشَفه، وأضرَّ به، فمَن أَنْظَر مَن هذه حاله بما له عليه، فقد آثره على نفسه، واستحقَّ ما للمُؤثِرين على أنفسهم، وكان مِن أهل الوَعْد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار)
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي -صلَّى الله عليه وآله وسلِّم- قال: ((مَن نفَّس عن مؤمن كربةً مِن كرب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كربةً مِن كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ، يسَّر الله عليه في الدُّنيا والآخرة. ومَن ستر مسلمًا، ستره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنَّة،
    وما اجتمع قومٌ في بيت مِن بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلَّا نزلت عليهم السَّكينة، وغشيتهم الرَّحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومَن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه
    ))
    قال ابن رجب: (هذا -أيضًا- يدلُّ على أنَّ الإعسار قد يحصل في الآخرة، وقد وصف الله يوم القيامة بأنَّه يوم عسير، وأنَّه على الكافرين غير يسير، فدلَّ على أنَّه يسير على غيرهم، وقال: وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان: 26]
    والتَّيسير على المعْسِر في الدُّنيا مِن جهة المال يكون بأحد أمرين:
    إمَّا بإنظاره إلى الميْسَرة، وذلك واجب، كما قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280] ، وتارة بالوضع عنه إن كان غريمًا، وإلَّا فبإعطائه ما يزول به إعساره، وكلاهما له فضل عظيم)
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كان تاجر يُدَاين النَّاس، فإذا رأى مُعْسِرًا، قال لصبيانه: تجاوزوا عنه، لعلَّ الله أن يتجاوز عنَّا، فتجاوز الله عنه ))
    قال النَّووي: (والتَّجاوز والتَّجوُّز معناهما المسَامَحة في الاقتضاء والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير،
    كما قال: وأتجوَّز في السِّكة. وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعْسِر والوضع عنه، إمَّا كلَّ الدَّين، وإمَّا بعضه مِن كثيرٍ أو قليلٍ، وفضل المسَامَحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفى مِن مُوسِر أو مُعْسِر، وفضل الوضع مِن الدَّين، وأنَّه لا يحتقر شيء مِن أفعال الخير، فلعلَّه سبب السَّعادة والرَّحمة. وفيه جواز توكيل العبيد، والإذن لهم في التَّصرُّف)
    - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا ))
    قال النَّووي: (جمع في هذه الألفاظ بين الشَّيء وضدِّه؛ لأنَّه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على مَن يسَّر مرَّةً أو مرَّات، وعَسَّر في معظم الحالات، فإذا قال: ((ولا تعسِّروا)) انتفى التَّعْسِير في جميع الأحوال مِن جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في: ((يسِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا )) لأنَّهما قد يتطاوعان في وقت، ويختلفان في وقت، وقد يتطاوعان في شيء، ويختلفان في شيء.
    وفي هذا الحديث الأمر بالتَّبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنَّهي عن التَّنْفِير بذكر التَّخويف، وأنواع الوعيد محضة مِن غير ضمِّها إلى التَّبشير. وفيه تأليف مَن قَرُب إسلامه، وترك التَّشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ مِن الصِّبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلُّهم يُتَلطَّف بهم، ويُدرَجون في أنواع الطَّاعة قليلًا قليلًا، وقد كانت أمور الإسلام في التَّكليف على التَّدريج، فمتى يسَّر على الدَّاخل في الطَّاعة -أو المريد للدُّخول فيها- سَهُلَت عليه، وكانت عاقبته -غالبًا- التَّزايد منها، ومتى عَسُرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دَخَل أوشك أن لا يدوم، أو لا يَسْتَحْلِيَها. وفيه أمر الوُلَاة بالرِّفق، واتِّفاق المتشاركين في ولاية ونحوها، وهذا مِن المهمَّات؛ فإنَّ غالب المصالح لا يتمُّ إلَّا بالاتِّفاق، ومتى حصل الاختلاف فات. وفيه وصيَّة الإمام الوُلَاة، وإن كانوا أهل فضل وصلاح، كمعاذ وأبي موسى؛ فإنَّ الذِّكرى تنفع المؤمنين)
    - وعن أبي هريرة قال: ((قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سجلًا مِن ماء، أو ذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين ))
    قال العيني: (فيه مراعاة التَّيسير على الجاهل، والتَّألف للقلوب)
    وأولى الناس بالتيسير الداعية إلى الله؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك المفتي عليه أن يراعي التيسير ورفع الحرج عن الناس.
    يقول ابن العربي (إذا جاء السَّائل عن مسألة، فوجدتم له مَخْلَصًا فيها، فلا تسألوه عن شيء، وإن لم تجدوا له مَخْلصًا فحينئذ اسألوه عن تصرُّف أحواله وأقواله ونيَّته، عسى أن يكون له مَخْلصًا)
    أقوال السَّلف والعلماء في التَّعْسِير
    - عن عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه قال: ((آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدَّرداء، فزار سلمان أبا الدَّرداء، فرأى أمَّ الدَّرداء متبذِّلةً، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدَّرداء ليس له حاجة في الدُّنيا. فجاء أبو الدَّرداء، فصنع له طعامًا،
    فقال: كُلْ. قال: فإنِّي صائمٌ. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. قال: فأكل، فلمَّا كان اللَّيل ذهب أبو الدَّرداء يقوم، قال: نَمْ. فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نَمْ. فلمَّا كان مِن آخر اللَّيل قال سلمان: قُم الآن. فصلَّيا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان
    ))

    - كان أبو موسى يشدِّد في البول، ويبول في قارورة، ويقول: إنَّ بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدِهم بولٌ، قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: ((لوددت أنَّ صاحبكم لا يشدِّد هذا التَّشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سُبَاطَة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم، فبال، فانتبذت منه، فأشار إليِّ فجئت، فقمت عند عقبه حتى فرغ ))
    - قال عبد الملك بن عبد العزيز لأبيه -وقد دخل في القائلة-: (يا أبت، على ما تقيل وقد تداركت عليك المظالم، لعلَّ الموت يدركك في منامك، وأنت لم تقضِ دأب نفسك ممَّا ورد عليك! قال: فشدَّد عليه، قال: فلمَّا كان اليوم الثَّاني فعل به مثل ذلك،
    قال عمر: يا بنيَّ، إنَّ نفسي مطيَّتي، وإن لم أرفق بها لم تبلِّغني، يا بنيَّ، لو شاء الله عزَّ وجلَّ أن ينزِّل القرآن جملةً واحدةً لفعل، نزَّل الآية بعد الآية حتى إبطاء ذلك في قلوبهم، يا بنيَّ، إنِّي لم أجد الحَقْحَقة تردُّ إلى خيرٍ
    )
    - عن الحسن قال: (إنَّ هذا الدِّين دينٌ واصب، وإنَّه مَن لا يصبر عليه يدعه، وإنَّ الحقَّ ثقيل، وإنَّ الإنسان ضعيف،
    وكان يقال: ليأخذ أحدكم مِن العمل ما يطيق، فإنَّه لا يدري ما قَدْرُ أجله، وإنَّ العبد إذا ركب بنفسه العنف، وكلَّف نفسه ما لا يطيق، أوشك أن يسيب ذلك كلَّه، حتى لعلَّه لا يقيم الفريضة، وإذا ركب بنفسه التَّيسير والتَّخفيف، وكلَّف نفسه ما تطيق كان أكيس أو قال: كان أكثر العاملين، وأمنعها مِن هذا العدو وكان يقال: شرُّ السَّير الحَقْحَقة
    )
    - وقال الضَّحاك: (مَن كان ذا عُسْرَةٍ فنظرة إلى مَيْسَرة، وكذلك كلُّ دَيْنٍ على المسلم، فلا يحلُّ لمسلم له دَيْن على أخيه -يعلم منه عُسْرَة- أن يسجنه، ولا يطلبه حتى ييسِّره الله عليه)
    - وقال عمر بن عبد العزيز: (مَن لم يكن له إلَّا مَسْكن، فهو والله مُعْسِر ممَّن أمر الله بإنظاره)
    - وقال ابن القيِّم: (لـمَّا ذكر شيئًا مِن مكائد الشَّيطان، قال بعض السَّلف: ما أمر الله تعالى بأمرٍ إلَّا وللشَّيطان فيه نزغتان،
    إمَّا إلى تفريط وتقصير، وإمَّا إلى مجاوزةٍ وغلوٍّ، ولا يبالي بأيِّها ظَفَر، وقد اقتطع أكثر النَّاس -إلَّا القليل- في هذين الواديين: وادي التَّقصير، ووادي المجاوزة والتَّعدِّي. والقليل منهم الثَّابت على الصِّراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
    )
    - وقال ابن حجر: (لا يتعمَّق أحدٌ في الأعمال الدِّينيَّة، ويترك الرِّفق إلَّا عجز وانقطع، فيُغْلَب)
    - وقال العيني: (التشديد، وهو تحمل المشقة الزائدة في العبادة، وذلك لمخافة الفتور والإملال، ولئلا ينقطع المرء عنها، فيكون كأنه رجع فيما بذله من نفسه وتطوع به)
    آثار التَّعْسِير

    1- من أكبر المضار وأولاها بالذكر هي أنَّ من كانت صفته التعسير يعتبر مخالفًا لأمر الله، بعيدًا عن شرعه، فالله تبارك وتعالى قد أمر بالتيسير على العباد، والتسهيل في التعامل معهم.
    2- قد يدفع به إلى تصرفات غير لائقة، قد تضره في دينه أو دنياه، فقد يفعل المعسر أعمالًا محرمة، وأفعالًا مشينة، والداعي هو التعسير، فقد يضطره إلى السرقة أو النصب أو الاحتيال، بغرض فك عسرته، ودفع الحرج عنه.
    3- زرع بذور البغض والكراهية في الصدور، فتظهر في واقع الناس، فيتحول المجتمع إلى مجتمع يتصف بالنفرة والتجافي، يكره بعضه بعضًا، ويحقد بعضه على بعض، فالتعسير نازع لأواصر المحبَّة، قاطع لحبالها، فكم من معسر بتعسيره فارق أصحابه وأحبابه، بل إخوانه وأهله، والعكس بالعكس، فما يسر ميسر إلا صار تيسيره رحمًا بينه وبين من يسر في معاملتهم.
    4- التعسير يقتل فضيلة الرفق بين الناس، أو يضعفها.
    5- يسبب الانقطاع عن أعمال الخير، فالمشدد على نفسه لا يبلغ ما يرجوه، بل يقع عادةً فتور بعد تعسيره، يجعله يمتنع مِن العبادة بالكليَّة، فالتشديد فى العبادة يسبب الفتور والملل.

    صور التَّعْسِير
    للتَّعْسِير صورٌ كثيرةٌ، أهمُّها ما يلي:
    1- التَّعْسِير على المدِين عند تأخُّره عن قضاء الدَّين -لعدم مقدرته- وعدم إنظاره، ويخرج مِن هذه الصُّورة: أن يكون المدِين قادرًا على الإعطاء، ومع ذلك يمتنع عن دفع دَيْنِه، فيجوز للدَّائن عندئذ شكايته لولي الأمر-أو مَن ينوب عنه- لأخذ ماله عَنْوَة،
    لذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مَطْل الغنيِّ ظُلْمٌ ))
    2- التَّعْسِير في النَّفقة، وهي تضييق الرَّجل على أهله في النفقة، ولها حالتان:
    أولًا: إذا كان هذا بغير اختياره فلا شيء عليه، كما قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ
    لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا
    [الطَّلاق: 7]
    ثانيًا: إذا كان هذا باختياره -مع مقدرته على الإنفاق عليهم بما يسدُّ حاجتهم- فيحرم عليه،
    كما قال تعالى: وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [الطَّلاق: 6]
    3- التَّعْسِير مع الأجير: بعدم إعطائه حقَّه كاملًا، أو ببخسه.
    4- التَّعْسِير على مَن أراد النِّكاح بالمغالاة في مهور النِّكاح، بل واشتراط بعض الشُّروط الخارجة عن المهر: كحجز قاعة لإقامة العرس، وغيره ممَّا يدفع الشَّباب للعزوف عن النِّكاح.
    5- التَّعْسِير على الفقير والمحتاج.
    6- تَعْسِير ولاة الأمور على الرَّعية: بعدم تلبية حاجاتهم، أو وضع العوائق الكثيرة للحصول على تلك الحاجيات.
    7- استعمال الشدة في الدَّعوة والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف لا يكون إلَّا بالمعروف، والنَّهي عن المنكر يكون غير منكر.
    8- تَعْسِير المرء على نفسه: فربما يترك الأخذ بالرخصة، فيقع في حرج ومشقة، معسِّرًا على نفسه، مع أنَّ الله سبحانه يحب أن تُؤتَى رخصه، وقد رفع عنا الحرج، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]
    أسباب الوقوع في التَّعْسِير

    1- مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بالتيسير.
    2- لا يلجأ للتعسير وتعقيد الأمور إلا من كان في خلقه التواء، وفي طبعه كزازة وفي تربيته نقص وخلل
    3 – حب الدنيا، والتعلق بالمال، دون النظر إلى الغير أو مراعاتهم، أو تقدير ظروفهم.
    4- الجهل بعواقبه الدنيوية والأخروية، والجهل بما يجنيه التيسير من مكاسب وفوائد.
    5- ضعف الإيمان، وقلة الدين، والبعد عن مواطن الخير.
    6 – مجالسة من يتخلقون به، فمن جالس جانس، وصاحب الأخلاق الرديئة يعدي كما يعدي الأجرب.
    7- سوء التربية، فمن تربى في مجتمع يسوده التشديد في الأمور، والتعسير، فسينشأ على هذا الخلق ويعتاده.
    8- تزيين الشَّيطان له.
    9- ضعف أواصر المحبَّة والألفة بين المسلمين.
    10- قلَّة المربِّين والموجِّهين المخلصين.
    الوسائل المعينة على ترك التَّعْسِير

    1- أن يطلع المرء على المكاسب التي سيجنيها الميسر، في الأجلين القريب والبعيد، كما يطلع على المضار التي قد يتسبب فيها بتعسيره وتشديده.
    2- تربية الأبناء على التيسير في الأمور، والسهولة في المعاملة، وإنظار المعسرين، وبهذا ينشئ الناشئ على هذا الخلق، ومن ثم يصبح سجية له، وطبعًا.
    3- البعد عمن جعل هذه الخلق ديدنه، ومجافاته وهجره، وفي هذا فائدة للطرفين، فالأول سلمت له أخلاقه، فلم تصبه لوثة من الأخلاق الرديئة، والثاني ربما يرتدع ويعرف أن ما هو واقع فيه من التعسير والتشدد أمر مذموم.
    4- تقوية الإيمان سبب لترك جميع الأخلاق السيئة، فمن قوي إيمانه اتصف بما هو أهل له من أخلاق المؤمنين، وترك ما يخالفها.
    5- الاقتصاد في العبادة، وفي الحديث: ((عليكم من الأعمال ما تطيقون ))
    6- أن يعامل المرء غيره بما يحبُّ أن يعاملوه به، فهو لا يرضى أن يعسِّر أحدٌ عليه في أي جانب مِن جوانب حياته،
    فعليه أن يعامل النَّاس بذلك.
    7- أن التَّعْسِير على النَّاس -خاصَّة في أمر النِّكاح- قد يحملهم على نيل شهواتهم في الحرام بعدما حُرِمُوها في الحلال.
    8- أنَّ مِن معالم الجود والكَرَم أن يدفع المرء ماله لأجل نفع غيره مِن غير أن ينتظر منهم جزاءً أو شكورًا، فكيف بمن يعطي ويعلم أنَّه سيأخذ ماله؛ لكن مَدِينُه أُعْسِر، فهو أولى بإنظاره، بل أولى أن يضع عنه مِن دَيْنِه إن لم يُسْقِط عنه المال.

    التفريق بين طلب الأكمل في العبادة والتنطع فيها
    عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء مِن الدُّلجة
    قال ابن المنِير: (في هذا الحديث عَلَمٌ مِن أعلام النُّبوَّة؛ فقد رأينا ورأى النَّاس قبلنا أنَّ كلَّ متنطِّعٍ في الدِّين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنَّه مِن الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدِّي إلى الملَال أو المبالغة في التَّطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلِّي اللَّيل كلَّه، ويُغَالِب النَّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللَّيل، فنام عن صلاة الصُّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشَّمس فخرج وقت الفريضة)
    =========================================

    ومن ألأخلاق المذمومه ... ---
    التقليد
    ---
    التقليد لغةً:
    التقليد: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة، ويأتي بمعنى الإلزام، والتناوب وأصل هذه المادة يدل على تعليق شيء وليه به
    التقليد اصطلاحًا:
    قال ابن تيمية: التقليد هو قبول القول بغير دليل
    وقال الجرجاني: (عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا للحقيقة فيه، من غير نظر وتأمل في الدليل)
    الفرق بين التقليد وبين الاتباع والعلم والتنحيت
    - الفرق بين التقليد والاتباع:
    كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك- فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح.
    وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ
    - الفرق بين العلم والتقليد:
    أنَّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة.
    والتقليد قبول الأمر ممن لا يُؤمن عليه الغلط بلا حجة
    - الفرق بين التقليد والتنحيت:
    أن التنحيت هو الاعتقاد الذي يعتدُّ به الإنسان من غير أن يرجحه على خلافه، أو يخطر بباله أنه بخلاف ما اعتقده، وهو مفارق للتقليد ما يُقلَّد فيه الغير، والتنحيت لا يُقلَّد فيه أحد
    ذمُّ التقليد والتبعية والنهي عنهما في القرآن الكريم
    - قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة: 170-171]
    قال السعدي: (أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله -ممَّا تقدَّم وصفه- رغبوا عن ذلك،
    وقالوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا، فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس،
    وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة -لردِّ الحقِّ- واهيةٌ، فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا،
    واتَّبعه إن كان مُنصفًا.
    ثمَّ قال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة: 171]
    لـمَّا بيَّن تعالى عدم انقيادهم لِمَا جاءت به الرُّسل، وردَّهم لذلك بالتَّقليد، عُلِم مِن ذلك أنَّهم غير قابلين للحقِّ، ولا مستجيبين له، بل كان معلومًا لكلِّ أحدٍ أنَّهم لن يزُولُوا عن عنادهم، أخبر تعالى أنَّ مَثَلَهم عند دعاء الدَّاعي لهم إلى الإيمان، كمَثَل البهائم التي ينعِق لها راعيها، وليس لها علمٌ بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرَّد الصَّوت الذي تقوم به عليهم الحجَّة، ولكنَّهم لا يفقهونه فقهًا ينفعهم، فلهذا كانوا صمًّا لا يسمعون الحقَّ سماع فهمٍ وقبول، عُمْيًا لا ينظرون نظر اعتبار، بُكْمًا فلا ينطقون بما فيه خيرٌ لهم

    وقال القرطبي: (قال علماؤنا: وقوَّة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التَّقليد، ونظيرها: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا [المائدة: 104] الآية)
    - وقال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة: 104]
    أي: إذا دُعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرَّمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد مِن الطَّرائق والمسالك، قال الله تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتَّبعونهم والحالة هذه؟! لا يتَّبعهم إلَّا مَن هو أجهل منهم، وأضلُّ سبيلًا
    - وقال -سبحانه-: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ [يونس: 78]
    أي: أجئتنا لتصدَّنا عمَّا وجدنا عليه آباءنا مِن الشِّرك وعبادة غير الله، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له؟! فجعلوا قول آبائهم الضَّالين حُجَّةً، يردُّون بها الحقَّ الذي جاءهم به موسى -عليه السَّلام-
    - وقوله تعالى: قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 53]
    - وقال: قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [الشُّعراء: 74]
    قال ابن كثير: (لم يكن لهم حُجَّة سوى صنيع آبائهم الضُّلَّال)
    وقال: (يعني: اعترفوا بأنَّ أصنامهم لا تفعل شيئًا مِن ذلك، وإنَّما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يُهرَعون)
    وقال ابن عبد البر بعدما سرد الآيات التي فيها ذم التقليد كقوله تعالى:
    - إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة: 166-167] -
    وقوله: إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ []الأنبياء: 52-53[. ]
    وقوله: إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب: 67]
    قال: (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قُلِّد رجل فكفر، وقُلِّد آخر فأذنب، وقُلِّد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كلُّ واحد ملومًا على التقليد بغير حجة؛ لأنَّ كلَّ ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا، وإن اختلفت الآثام فيه)
    ذمُّ التقليد والتبعية والنهي عنهما في السُّنَّة النَّبويَّة
    - عن عدي بن حاتم: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال لي: يا عدي بن حاتم، ألق هذا الوثن من عنقك. وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ [التوبة: 31] قال: قلت: يا رسول الله، إنا لم نتخذهم أربابًا، قال: بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرموه عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟ فقلت: بلى، قال: تلك عبادتهم ))
    أقوال السَّلف والعلماء في التقليد والتبعية
    - عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه كان يقول: (اغْدُ عالما أو متعلِّمًا، ولا تَغْد إمَّعة فيما بين ذلك )
    - وعنه -أيضًا- قال: (أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر ؛ وإن كنتم لا بدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛
    فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة)
    - وعنه -أيضًا- قال: (لا يكون أحدكم إمَّعة، قالوا: وما الإمَّعة يا أبا عبد الرَّحمن؟ قال: يقول: إنَّما أنا مع النَّاس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلُّوا ضللت، ألَا ليوطِّن أحدكم نفسه على إن كفر النَّاس، أن لا يكفر )
    - وعنه -أيضًا- قال: (لا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قالوا: وما الإمَّعة؟ قال: يجري مع كلِّ ريح)
    - وقال الخلَّال: وأخبرني حرب بن إسماعيل الكِرْماني، قال: (قلت لإسحاق -يعني ابن راهوية- ما معنى قوله: (لا يكون أحدكم إمَّعة)؟ قال: يقول: إن ضلَّ النَّاس ضللت، وإن اهتدوا اهتديت)
    - قال عبد الله بن مسعود: (ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر، ولا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع النَّاس؛ إنَّه لا أسوة في الشَّرِّ)
    - وفي رواية: (إذا وقع النَّاس في الفتنة فقل: لا أسوة لي بالشَّرِّ)
    - وعن الفضيل بن عياض قال: (اتَّبع طريق الهدى، ولا يضرُّك قلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغتـرَّ بكثرة الهالكين)
    - و(عن كُمَيْل بن زياد أنَّ عليًّا رضي الله عنه قال: يا كُمَيل: إنَّ هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير، والنَّاس ثلاثة: فعالم ربَّانيٌّ، ومتعلِّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.. إلى أن قال: أُفٍّ لحامل حقٍّ لا بصيرة له، ينقدح الشَّكُّ في قلبه بأول عارض مِن شبهة، لا يدري أين الحقُّ، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، مشغوفٌ بما لا يدري حقيقته، فهو فتنةٌ لمن فُتن به)
    - وعن ابن مسعود أنه قال : ( كنا ندعو الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام، فيهذب معه بآخر، وهو فيكم المحقب دينه الرجال الذي يمنح دينه غيره، فيما ينتفع به ذلك الغير في دنياه، ويبقى إثمه عليه)
    - وقال ابن القيم: (وكانوا يسمون – أي: الصحابة والتابعون- المقلد الإمعة ومحقب دينه، كما قال ابن مسعود: الإمعة الذي يحقب دينه الرجال، وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح)
    آثار التقليد والتبعية
    1- التفرق والميل عن سبيل الله:
    قال تعالى: وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]
    2- الخذلان وفقدان النصير:
    قال تعالى:وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة: 120]
    3- التلاعن بين الأتباع والمتبوعين:
    قال تعالى: قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [الأعراف: 38-39]
    4- التبرؤ والحسرة:
    قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 165-167]
    5- العذاب المهين والاستقبال المشين في جهنم:
    قال تعالى:هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ [ص: 55-60]
    6- التخاصم والتلاوم:
    قال تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [الصافات: 27-34]
    7- التقليد يعمي عن إدراك الحقائق
    8- المقلد يقبل الكلام بغير حجة سواء كان خيرًا أو شرًّا.
    حُكم التقليد
    يتحدد حكم من قلد غيره، وصار إمعة له بحسب ما يتابع غيره عليه، إن كان كفرًا كان تقليده له كفرًا-
    إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع- وإن كان بدعة صار فعله بدعة، وإن كان فسقًا كان فعله فسقًا وهكذا.
    ويخرج مِن هذا الحكم ما يلي:
    1- متابعة النَّبي صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله تعالى بمتابعته ولا يعدُّ هذا من التقليد.
    2- تقليد العامِّي للعلماء فيما يحتاج إليه مِن أمور دينه؛ لأنَّه لا يستطيع البحث ومعرفة الحكم بدليله
    3- اتِّباع الإجماع وموافقة الجماعة؛ ولذلك قلنا فيمن يُوصف بالإمَّعة هو الذي يقلِّد غيره تقليدًا مجرَّدًا عن الشَّرع والعقل

    صور التقليد والتبعية
    1- الذي يقلِّد غيره في أصل عقيدته، كما فعل قوم إبراهيم وغيرهم:
    قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة: 104]
    2- الذي يقلِّد غيره في أخلاقه ولو ساءت، كما ذكر الله تعالى عن أهل الجاهلية في قوله: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28]
    3- الإمَّعة في فروع الدِّين، ومِن ذلك: التَّعصُّب المذهبي:
    كالذي يقلِّد غيره في العبادات حتى لو أخطأ وظهر له الدَّليل على خطئه، كما في التَّعصُّب المذهبي.
    4- التَّشبُّه بالكفَّار في عاداتهم وتقاليدهم، وهذا واضح في تقليد كثير مِن المسلمين لغيرهم في كثير مِن العادات والتَّقاليد، حتى حقَّقوا في ذلك وصف الإمَّعة، إليك بعض الأمثلة:
    عيد الأمِّ، عيد شمِّ النَّسيم، عيد الحبِّ... وغيرها. فكلُّ ذلك مِن العادات التي غالبًا ما يُسأل عنها فاعلوها، فيقولون: هكذا يفعل النَّاس!! وقد سُئل محمَّد بن صالح العثيمين السُّؤال التَّالي: (انتشر في الآونة الأخيرة الاحتفال بعيد الحبِّ -خاصة بين الطَّالبات- وهو عيد مِن أعياد النَّصارى، ويكون الزيُّ كاملًا باللَّون الأحمر -الملْبَس والحذاء-، ويتبادلن الزُّهور الحمراء، نأمل مِن فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور، والله يحفظكم ويرعاكم؟. فأجاب: الاحتفال بعيد الحبِّ لا يجوز؛ لوجوه:
    الأوَّل: أنَّه عيدٌ بدعيٌّ لا أساس له في الشَّريعة.
    الثَّاني: أنَّه يدعو إلى العشق والغرام.
    الثَّالث: أنَّه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التَّافهة المخالفة لهدي السَّلف الصَّالح -رضي الله عنهم-.
    فلا يحلُّ أن يحدث في هذا اليوم شيء مِن شعائر العيد، سواءً كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التَّهادي، أو غير ذلك. وعلى المسلم أن يكون عزيزًا بدينه، وأن لا يكون إمَّعة يتبع كلَّ ناعق
    )

    5- التَّبعيَّة السِّياسية، مثل ما يطالب به الكثيرون اليوم مِن جعل الدَّولة مدنيَّةً على غرار مدنيَّة الغرب التي تعني إقصاء الدِّين.
    6- الإمَّعة في الصَّحافة والإعلام، بنشر كلِّ ما يقال بدون تثبُّت وتروٍّ، ويا ليتهم يعقلون قوله تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النَّساء: 83]
    7- ذو الوجهين نوع مِن الإمَّعة:
    قال الغزالي: (وقد اتَّفقوا على أنَّ ملاقاة الاثنين بوجهين نفاق، وللنِّفاق علامات كثيرة وهذه مِن جملتها)
    8- مُسَايرة الواقع:
    ومِن صور الإمَّعة: فتنة مُسَايرة الواقع؛ فهي كثيرة ومتنوعة اليوم بين المسلمين، وهي تترواح بين الفتنة وارتكاب الكبائر أو الصَّغائر، أو التَّرخُّص في الدِّين، وتتبُّع زلَّات العلماء؛ لتسويغ المخالفات الشَّرعية النَّاجمة عن مسايرة الرَّكب، وصعوبة الخروج عن المألوف، واتِّباع النَّاس إن أحسنوا أو أساؤوا. ومَن هذه حاله يَنطَبق عليه وصف الإمَّعة
    أسباب الوقوع في التقليد والتبعية
    1- تربية الأبناء على التَّبعيَّة لغيرهم في كلِّ شيء، وعدم مشاركتهم في شيء.
    2- فقدان الثِّقة بالنَّفس.
    3- الجهل.
    4- الغلوُّ في الأشخاص.
    5- اتباع الهوى والشبهات.
    6- تعظيم ما كان عليه الآباء.
    7- التَّقليد الأعمى وعدم البحث عن الدَّليل.
    الوسائل المعينة على ترك التقليد والتبعية
    1- الاعتبار بمصارع القرون الأولى:
    قال تعالى: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت: 40]
    2- اتباع القدوة الحسنة:
    قال تعالى: أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90]
    3- إظهار الصورة المنفرة للمقلدين:
    قال سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179]
    4- الشعور بالمسؤولية الفردية:
    فإن المقلد على غير هدى يتحمل تبعة تقليده، ولا يدفع المتبوعين عنه شيئًا، قال تعالى: مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء: 15]
    5- التربية على الاستقلالية والتحري، والبحث عن الدليل.
    من هو الإمعة؟
    الإمَّعةُ والإِمَّعُ -بكسر الهمزة وتشديد الميم-: الذي لا رأْي له ولا عَزْم، فهو يتابع كلَّ أَحدٍ على رأْيِه، ولا يثْبُت على شيء، والهاء فيه للمبالغة، ولا نظير له إِلَّا رجل إِمَّرٌ وهو: الأَحمق. قال الأَزهري: وكذلك الإِمَّرةُ وهو الذي يوافق كلَّ إنسان على ما يُريده
    وقال الزَّمخشري: (الإمَّعة: الذي يَتْبَع كلَّ ناعقٍ، ويقول لكلِّ أحدٍ: أنا معك؛ لأنَّه لا رَأْي له يرجع إليه)
    وقال ابن الأثير: (الإمَّعة: الذي لا رأي له، فهو يتابع كلَّ أحد على رأيه، وقيل: هو الذي يقول لكلِّ أحدٍ: أنا معك)
    -----------------------------------
    وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا زز ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( التَّنْفِير )

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين يوليو 18, 2022 12:12 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه
    التَّنْفِير


    معنى التَّنْفِير لغةً:
    مادة (نفر) أصلها يدلُّ على تجافٍ وتباعدٍ، ومِن ذلك نَفَر الحيوان وغيره، بمعنى تجافيه وتباعده عن مكانه، ونَفَرَ يَنْفِر نُفُورًا
    ونِفارًا: إِذا فَرَّ وذهب، والنَّفْر: التَّفرُّق، ونَفَرَ الظَّبْيُ وغيره نَفْرًا ونَفَرانًا: شَرَدَ
    [color=#003366]معنى التَّنْفِير اصطلاحًا:
    التَّنْفِير: هو أن تَلْقَى النَّاس أو تعاملهم بالغِلْظَة والشِّدَّة ونحو ذلك؛ ممَّا يحمل على النُّفور مِن الإسلام والدِّين

    ذَمُّ التَّنْفِير والنَّهي عنه في السنة النبوية
    - عن أبي مسعود الأنصاري قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنِّي والله لأتأخَّر عن صلاة الغداة مِن أجل فلان ممَّا يطيل بنا فيها، قال: فما رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قطُّ أشدَّ غضبًا في موعظة منه يومئذ، ثمَّ قال: يا أيُّها النَّاس، إنَّ منكم مُنَفِّرِين؛ فأيُّكم ما صلَّى بالنَّاس فليوجز، فإنَّ فيهم الكبير والضَّعيف وذا الحاجة ))

    (مُنَفِّرين: يعني يُنَفِّرُون النَّاس عن دين الله) فلقد (جاءت هذه الشَّريعة السَّمحة، باليُسر والسُّهولة، ونَفْي العَنَت والحَرَج.
    ولهذا فإنَّ الصَّلاة -التي هي أجلُّ الطَّاعات- أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الإمام التَّخفيف فيها، لتتيسَّر وتَسْهُل على المأمومين، فيخرجوا منها وهم لها راغبون. ولأنَّ في المأمومين مَن لا يطيق التَّطويل، إمَّا لعجزه أو مرضه أو حاجته، فإن كان المصلِّي منفردًا فليطوِّل ما شاء؛ لأنَّه لا يضرُّ أحدًا بذلك.
    ومِن كراهته صلى الله عليه وسلم للتَّطويل، الذي يضرُّ النَّاس أو يعوقهم عن أعمالهم، أنَّه لما جاءه رجل وأخبره أنَّه يتأخَّر عن صلاة الصُّبح مع الجماعة، مِن أجل الإمام الذي يصلِّي بهم، فيطيل الصَّلاة، غضب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا،
    وقال: إنَّ منكم مَن يُنَفِّر النَّاس عن طاعة الله، ويكرِّه إليهم الصَّلاة ويثقِّلها عليهم، فأيُّكم أمَّ النَّاس فليوجز، فإنَّ منهم العاجزين وذوي الحاجات)
    - عن أبي موسى الأشعري أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذًا إلى اليمن فقال: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا ))
    قال ابن حجر: (قال الطِّيبيُّ: هو معنى الثَّاني، مِن باب المقابلة المعنويَّة؛ لأنَّ الحقيقيَّة أن يقال: بشِّرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفِّرا، فجمع بينهما ليعمَّ البِشَارة والنِّذارة والتَّأنيس والتَّنْفِير. قلت: ويظهر لي أنَّ النُّكتة في الإتيان بلفظ البِشَارة -وهو الأصل- وبلفظ التَّنْفِير -وهو اللَّازم- وأتى بالذي بعده -على العكس- للإشارة إلى أنَّ الإنذار لا يُنْفَى مطلقًا، بخلاف التَّنْفِير: فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار، وهو التَّنْفِير، فكأنَّه قيل: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير)
    - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا ))
    قال النَّووي: (جمع في هذه الألفاظ بين الشَّيء وضدِّه؛ لأنَّه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على مَن يسَّر مرَّةً أو مرَّات وعسَّر في معظم الحالات، فإذا قال: ((ولا تعسِّروا)) انتفى التَّعْسِير في جميع الأحوال مِن جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في ((يسِّرا ولا تنفِّرا وتطاوعا ولا تختلفا))؛ لأنَّهما قد يتطاوعان في وقتٍ، ويختلفان في وقتٍ، وقد يتطاوعان في شيء، ويختلفان في شيء. وفي هذا الحديث الأمر بالتَّبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنَّهي عن التَّنْفِير بذكر التَّخويف، وأنواع الوعيد محضةً، مِن غير ضمِّها إلى التَّبشير، وفيه تأليف مَن قَرُب إسلامه، وترك التَّشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ مِن الصِّبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلُّهم يُتَلطَّف بهم، ويُدْرَجون في أنواع الطَّاعة قليلًا قليلًا. وقد كانت أمور الإسلام في التَّكليف على التَّدريج؛ فمتى يسَّر على الدَّاخل في الطَّاعة -أو المريد للدُّخول فيها- سَهُلَت عليه، وكانت عاقبته -غالبًا- التَّزايد منها، ومتى عَسُرَت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم أو لا يَسْتَحْلِيَها)
    آثار التَّنْفِير
    1- الانفلات من التدين والانتكاس، بل قد يصل الحال -مع ضعف الإيمان- إلى ترك الدِّين بكلِّيته.
    2- هجران العامَّة لمجالس الذِّكر والخير.
    3- قنوط النَّاس مِن رحمة الله -تبارك وتعالى- ويأسهم مِن نوال مغفرته.
    4- يلحق المنَفِّر وِزْر كلِّ مَن حمله تنفيره للتَّحول مِن الحقِّ إلى الباطل.
    5- الميل إلى أصحاب المذاهب الباطلة، والمناهج المنحرفة بحجَّة أنَّهم هم أهل التَّيسير في الدِّين، فتراهم يقبلون على المتصوِّفة ومَن حذا حذوهم مِن المتساهلين؛ لأنَّ أصحاب الحقِّ لم يحسنوا دعوتهم، وترغيبهم في أمور الدِّين الصَّحيح النَّقي.
    صور التَّنْفِير

    هناك صور عدَّة مِن صور التَّنْفِير، نذكر هنا طرفًا منها، وهي كالتَّالي:
    1- تعامل الداعية مع الناس بأسلوب فيه نوع من الشدة، والغلظة والجفوة وافتقاد الرفق واللين.
    وهذا السلوك يجعل الناس ينفرون مِن دعوته، ولا يستجيبون لتعاليمه، وهذا تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا ))

    ولا شك (أنَّ الغلوَّ مخالفٌ للفطرة البشريَّة، لا يمكن تحمُّله والالتقاء معه، وسلوك الغُلَاة مِن الغلظة والجفوة، وأسلوبهم مِن التَّشدُّد والتَّعْسِير. كلُّ ذلك ينفِّر النَّاس مِن الاستجابة للدَّعوة، ويصدُّهم عنها...)
    2- الأخذ بالعزيمة والحمل على الأخذ بها، والإعراض عن الرخص التي شرع الله الأخذ بها مما يوقع الناس في المشقة، مع أنَّ الله -تبارك وتعالى- يحبُّ أن تُؤتى رُخَصه كما يحبُّ أن تُؤتى عزائمه.
    3- تقنيط النَّاس مِن رحمة الله -تبارك وتعالى-، وتيئيسهم مِن التَّوبة، وازدراء المذنبين ونبذهم، وربَّما وصل الحال للاعتداء عليهم بالشَّتم والأذيَّة البدنيَّة، وكلُّ هذا مِن صور التَّنْفِير التي نهى عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
    فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رجلًا على عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُلَقَّب حمارًا،
    وكان يُضْحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشَّراب، فأُتِي به يومًا، فأَمَر به فجُلِد، فقال رجل مِن القوم: اللَّهمَّ الْعَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به؟ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلَّا أنَّه يحبُّ الله ورسوله )) وفي حديث آخر ((أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بسكران، فأَمَر بضربه، فمنَّا مَن يضربه بيده، ومنَّا مَن يضربه بنعله، ومنَّا مَن يضربه بثوبه، فلمَّا انصرف، قال رجلٌ: ما له؟! أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا عون الشَّيطان على أخيكم ))
    (فقد علَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نهيه عن لعن شارب الخمر بأنَّ ذلك اللَّعن سيكون عونًا للشَّيطان على المسلم، فربَّما ازداد نفورًا؛ فإنَّ العقوبة تُقَدَّر بقَدْرِ الجُرْم، فربَّما ازدادت فأدَّت إلى أثرٍ عكسيٍ)
    4- تغليب الترهيب على الترغيب في الدعوة إلى الله.
    5- القسوة عند الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وعدم التَّروي والتَّمهُّل فيه.
    6- تنفير الأئمَّة للنَّاس مِن الصَّلاة بإطالتها، مخالفين بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف.
    7- التَّنْفِير في التَّعليم، وذلك إمَّا بالزَّجر والسَّبِّ والضَّرب للمتعلم، بما يدفعه للعزوف عن تعلُّم العلم.
    8- مخاطبة النَّاس بما لا يتحمَّلونه: كالاختلافات بين الفقهاء، وأقوال المتكلِّمين في المعتقدات، وغيرها مِن الأمور التي قد لا يستوعبها البعض، أو يفهمونها على غير فهمها الصَّحيح.
    9- مخالفة العلم للعمل والقول للفعل: قال حكيم: (أفسد الناس جاهل ناسك وعالم فاجر؛ هذا يدعو الناس إلى جهله بنسكه، وهذا يُنفِّر الناس عن علمه بفسقه)
    أسباب الوقوع في التَّنْفِير

    1- الجهل بأصول الشَّريعة ومبادئ الدَّعوة إلى الله -تبارك وتعالى-.
    2- عدم الإلمام بفقه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
    3- عدم مراعاة أحوال النَّاس، واختلاف طبائعهم.
    4- اغترار المنَفِّر بفعله، وظنُّه أنَّ ما يفعله هو الصَّواب بعينه.
    5- التَّقليد للخطأ مِن أعظم آفات التَّـنْفِير.
    6- كثرة المواعظ والنُّصح، فهذا يدفع المرء إلى النُّفرة مِن النَّاصح بسبب الملَل والسَّآمة.
    7- سوء الخُلُق، وجفاء الطَّبع مِن أعظم أسباب التَّـنـْفِير.
    الوسائل المعينة على ترك التَّنْفِير
    1- التَّأسِّي بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وتأليفه لقلوب النَّاس.
    2- أن يستشعر الدَّاعية حاجة النَّاس إلى الدَّاعية البصير، الهيِّن اللَّيِّن، الذي يقرِّبهم مِن الله ويحبِّبهم إليه.
    3- خوف الدَّاعية مِن أن يكون سببًا في ضلال النَّاس، وإبعادهم عن الدِّين بسب تعامله الفظ الغَلِيظ، وأنَّ ذلك قد يعرِّضه لعقاب الله -تبارك وتعالى- وانتقامه.
    4- أن يُلِمَّ الدُّعاة بفقه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فيقوموا بهذا الواجب على بصيرة وعلم.
    ==============================================
    ومن ألأخلاق المذمومه

    الجبن

    معنى الجبن لغةً:
    الجبن ضِدُّ الشَّجاعَة، تقول: جَبَنَ يَجْبُن وجَبُنَ جُبْنًا وجُبُنًا وجَبانةً، وأَجْبَنَه وجده جَبانًا أو حَسِبه إياه، والجبان من الرِّجالِ هو ضعيف القلب، الهَيوب للأشياء لا يُقْدِم عليها
    معنى الجبن اصطلاحًا:
    هي هيئة حاصلة للقوة الغضبية؛ بها يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما لا ينبغي
    وقال ابن مسكويه هو: (الخوف مما لا ينبغي أن يخاف منه)
    وقيل: (هو الجزع عند المخاوف، والإحجام عما تحذر عاقبته، أو لا تؤمن مغبته)
    ذم الجبن في القرآن الكريم
    لم يرد ذكر لفظ الجبن صراحة في القرآن الكريم، ولكن كما قال ابن تيمية: (ما في القرآن من الحضِّ على الجهاد والترغيب فيه،
    وذمِّ الناكلين عنه والتاركين له كلُّه ذمٌّ للجبن)

    - قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 15-16]
    قال الشوكاني: (نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم، وقد دبَّ بعضهم إلى بعض للقتال، فظاهر هذه الآية العموم لكل
    المؤمنين في كل زمن، وعلى كلِّ حال، إلا حالة التحرف والتحيز)
    - ووصف الله سبحانه المنافقين بأنهم جبناء وأنهم لا يصمدون أمام الحروب والمعارك فقال: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً [الأحزاب:19-20]
    قوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ (بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نظر المغشي عليه مِنَ الْمَوْتِ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون،
    من القتال.
    فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ أي: خاطبوكم، وتكلموا معكم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة.
    وحين تسمعهم، تظنهم أهل الشَّجَاعَة والإقدام، أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ الذي يراد منهم، وهذا شرُّ ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أُمر
    به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله)
    - ووصفهم أيضًا بقوله: وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا [الأحزاب:13]
    ثم بيَّن الله سبحانه وتعالى بأنَّ ما يفرون منه سيأتيهم لا محالة، فقال: قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً[الأحزاب:16]
    - وقال أيضًا في حقِّهم: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4]
    وقال ابن تيمية: (قد بين الله في كتابه: أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 15-16]
    فأخبر أنَّ الذين يخافون العدوَّ خوفًا منعهم من الجهاد منافقون فقال: وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة:56-57] )

    ذم الجبن في السنة النبوية
    - عن جبير بن مطعم رضي الله عنه ((أنَّه بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الناس مقفله من حنين، فعلِقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا ))
    - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي طلحة: ((التمس لي غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر. فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين... ))
    - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شرُّ ما في رجل شحٌّ هالع، وجبن خالع ))
    قال ابن القيم في شرحه للحديث: (هنا أمران: أمر لفظي، وأمر معنوي، فأما اللفظي: فإنَّه وصف الشحَّ بكونه هالعًا، والهالع صاحبه، وأكثر ما يسمى هلوعًا، ولا يقال: هالع له. فإنه لا يتعدى، وفيه وجهان:
    أحدهما: أنه على النسب، كقولهم: ليل نائم، وشرٌّ قائم، ونهار صائم، ويوم عاصف. كلُّه عند سيبويه على النسب أي ذو كذا.
    والثاني: أنَّ اللفظة غيرت عن بابها؛ للازدواج مع خالع، وله نظائر.
    وأما المعنوي: فإنَّ الشحَّ و الجبن أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحُّه هالعًا، أي ملقٍ له في الهلع، وجبنه خالعًا أي: قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة، ولا شجاعة، ولا نفع بماله، ولا ببدنه، كما يقال: لا طعنة ولا جفنة، ولا يطرد ولا يشرد، بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع)
    - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أنسابكم هذه ليست بسِبابٍ على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طَفُّ الصاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح، حَسْبُ الرجل أن يكون فاحشًا بذيًّا بخيلًا جبانًا))
    قال المناوي: (أي: يكفيه من الشرِّ والحرمان من الخير، والبعد من منازل الأخيار، ومقامات الأبرار كونه متصفًا بذلك، أو ببعضه)
    - وعن يعلى العامري رضي الله عنه قال: ((جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فضمَّهما إليه،
    وقال: إنَّ الولد مبخلة مجبنة ))
    (أي: سبب لبخل الأب وجبنه، ويحمل أبويه على البخل، وكذلك على الجبن، فإنَّه يتقاعد من الغزوات والسرايا بسبب حبِّ الأولاد، ويمسك ماله لهم)
    أقوال السلف والعلماء في الجبن
    - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرُّ عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشهيد من احتسب نفسه
    على الله)
    - وقالت عائشة رضي الله عنها: (إنَّ لله خلقًا، قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقت معها، فأفٍّ للجبناء، أفٍّ للجبناء)
    - وقال خالد بن الوليد: (حضرت كذا وكذا زحفًا في الجاهلية والإسلام، وما في جسدي موضع إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة
    بسيف، وها أنا ذا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء)
    - وقال ابن تيمية: (فإنَّ الجميع يتمادحون بالشَّجاعَة والكرم، حتى إنَّ ذلك عامة ما يمدح به الشعراء ممدوحيهم في شعرهم،
    وكذلك يتذامُّون بالبخل والجبن)
    - وقال ابن القيم: (والجبن والبخل قرينان؛ لأنهما عدم النفع بالمال والبدن، وهما من أسباب الألم؛ لأنَّ الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذوذات عظيمة، لا تنال إلا بالبذل والشَّجَاعَة، والبخل يحول بينه دونها أيضًا، فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام)

    - وقال أيضًا: (فإنَّ الإحسان المتوقَّع من العبد إما بماله وإما ببدنه، فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه،
    المشهور عند الناس أنَّ البخل مستلزم الجبن من غير عكس؛ لأنَّ من بخل بماله فهو بنفسه أبخل)
    - (وقيل كتب زياد إلى ابن عباس: أن صف لي الشَّجاعَة والجبن والجود والبخل، فكتب إليه: كتبت تسألني عن طبائع ركبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أنَّ الشجاع يقاتل عمَّن لا يعرفه، والجبان يفرُّ عن عرسه، وأنَّ الجواد يعطي من لا يلزمه،
    وأنَّ البخيل يمسك عن نفسه،
    - وقالوا: (الجبن غريزة كالشَّجَاعَة يضعها الله فيمن شاء من خلقه)
    - وقال المتنبي:
    يرى الجبناء أنَّ الجبن حزم وتلك خديعة الطبع اللئيم
    - وقالوا: (حدُّ الجبن الضنُّ بالحياة، والحرص على النجاة)
    - وقال هانئ الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال: (يا بني بكر، هالك معذور، خير من ناجٍ فرور، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الثغر في ثغور النحور خير منه في الأعجاز والظهور، يا بني بكر، قاتلوا، فما من المنايا بدٌّ، الجبان مبغَض حتى لأمِّه، والشجاع محبَّب حتى لعدوه)

    آثار الجبن
    1- (إهانة النفس، وسوء العيش، وطمع طبقات الأنذال وغيرهم.
    2- قلة الثبات والصبر، في المواطن التي يجب فيها الثبات.
    3- أنَّه سبب للكسل، ومحبة الراحة؛ اللذين هما سببا كلِّ رذيلة.
    4 - الاستحذاء لكلِّ أحد، والرضى بكلِّ رذيلة وضيم.
    5- الدخول تحت كلِّ فضيحة في النفس والأهل والمال.
    6- سماع كلِّ قبيحة فاحشة من الشتم والقذف، واحتمال كلِّ ظلم من كلِّ معامل، وقلة الأنفة مما يأنف منه الناس)
    7- الجبان يسيء الظنَّ بالله.
    8- أن ما يوجبه الجبن من الفرار في الجهاد في سبيل الله هو من الكبائر الموجبة للنار.

    علاج الجبن

    الجبن له أسباب تؤدي إليه، ويلزم في علاجه إزالة هذه الأسباب، ونسوق فيما يلي بعض هذه الأسباب وكيفية علاجها:
    هذه الأسباب (إما جهل فيزول بالتجربة، وإما ضعف فيزول بارتكاب الفعل المخوف مرة بعد أخرى، حتى يصير ذلك له عادة وطبعًا،... فالمبتدئ في المناظرة، والإمامة، والخطابة، والوعظ،... قد تجبن نفسه، ويخور طبعه، ويتلجلج لسانه،
    وما ذاك إلا لضعف قلبه، ومواجهة ما لم يتعوده، فإذا تكرر ذلك منه مرات، فارقه الضعف، وصار الإقدام على ذلك الفعل
    ضروريًّا، غير قابل للزوال،... واعلم أنَّ قوة النفس والعزم الجازم بالظفر سبب للظفر،
    كما قال علي رضي الله عنه لما قيل له: كيف كنت تصرع الأبطال؟ قال: كنت ألقي الرجل فأقدِّر أني أقتله، ويقدِّر هو أيضًا أني أقتله، فأكون أنا ونفسه عونًا عليه.
    ومن وصايا بعضهم: أشعروا قلوبكم في الحرب الجرأة؛ فإنها سبب الظفر.
    ومن كلام القدماء: من تهيب عدوه، فقد جهز إلى نفسه جيشًا)

    وقال ابن مسكويه في وسائل علاج الجبن: (وذلك بأن توقظ النفس التي تمرض هذا المرض –مرض الجبن - بالهزِّ والتحريك.
    فإنَّ الإنسان لا يخلو من القوة الغضبية رأسًا؛ حتى تجلب إليه من مكان آخر، ولكنها تكون ناقصة عن الواجب،
    فهي بمنزلة النار الخامدة التي فيها بقية لقبول الترويح والنفخ، فهي تتحرَّك لا محالة إذا حُرِّكت بما يلائمها، وتبعث ما في طبيعتها
    من التوقُّد والتلهُّب.
    وقد حُكي عن بعض المتفلسفين أنَّه كان يتعمَّد مواطن الخوف، فيقف فيها، ويحمل نفسه على المخاطرات العظيمة بالتعرُّض لها، ويركب البحر عند اضطرابه وهيجانه؛ ليعود نفسه الثبات في المخاوف، ويحرِّك منها القوة التي تسكن عند الحاجة إلى حركتها، ويخرجها عن رذيلة الكسل ولواحقه، ولا يكره لمثل صاحب هذا المرض بعض المراء، والتعرُّض للملاحاة وخصومة من يأمن غائلته؛ حتى يقرب من الفضيلة التي هي وسط بين الرذيلتين، أعني الشَّجَاعَة التي هي صحة النفس المطلوبة،
    فإذا وجدها وأحسَّ بها من نفسه كفَّ ووقف، ولم يتجاوزها حذرًا من الوقوع في الجانب الآخر)

    من أخبار الجبناء وأقوالهم وأشعارهم

    - قال أبو الفرج الأصفهاني: (كان أبو حية النميري، وهو الهيثم بن الربيع بن زرارة جبانًا بخيلًا كذَّابًا، قال ابن قتيبة: وكان له سيف يسميه لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، قال: وكان أجبن الناس، قال: فحدَّثني جار له، قال: دخل ليلة إلى بيته كلب فظنَّه لصًّا، فأشرفت عليه، وقد انتضى سيفه، وهو واقف في وسط الدار يقول: أيها المغترُّ بنا، المجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خيرٌ قليل، وسيفٌ صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسًا إليك لا تقم لها، وما قيس؟! تملأ والله الفضاء خيلًا ورجلًا، سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها.
    فبينا هو كذلك، إذا الكلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبًا، وكفانا حربًا)

    وذكر النويري في كتابه ((نهاية الأرب)) نبذة من أخبارهم وأقوالهم وأشعارهم فقال:
    - (لِيمَ بعض الجبناء على جبنه، فقال: أول الحرب شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
    - وقال آخر: الحرب مقتلة للعباد، مذهبة للطارف والتلاد.
    - وقيل لجبان: لم لا تقاتل ؟ فقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.
    - وقالوا: الحياة أفضل من الموت، والفرار في وقته ظفر.
    - وقالوا: الشجاع ملقى، والجبان موقى.
    - وقالوا: الفرار في وقته، خير من الثبات في غير وقته.
    - وقالوا: السلم أزكى للمال، وأبقى لأنفس الرجال.
    - وقيل لأعرابي: ألا تعرف القتال ؟! فإنَّ الله قد أمرك به. فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية، فكيف أمضي إليه ركضًا،
    - (وقيل لأعرابي: ألا تغزو العدوَّ؟ قال: وكيف يكونون لي عدوًّا، وما أعرفهم ولا يعرفوني؟!)
    - وقال أبو دلامة: (كنت مع مروان أيام الضحاك الحروري، فخرج فارس منهم فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله،
    ثم ثان فقتله، ثم ثالث فقتله، فانقبض الناس عنه، وجعل يدنو ويهدر كالفحل المغتلم. فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟ قال: فلما سمعت عشرة آلاف هانت عليَّ الدنيا، وسخوت بنفسي في سبيل عشرة آلاف، وبرزت إليه، فإذا عليه فرو قد أصابه المطر فارمعلَّ، ثم أصابته الشمس فاقفعلَّ، وله عينان تتقدان كأنهما جمرتان. فلما رآني فهم الذي أخرجني، فأقبل نحوي وهو يرتجز ويقول:
    وخارج أخرجه حبُّ الطمع
    فرَّ من الموت وفي الموت وقع
    من كان ينوي أهله فلا رجع
    فلما رأيته قنَّعت رأسي، وولَّيت هاربًا، ومروان يقول: من هذا الفاضح؟ لا يفتكم، فدخلت في غمار الناس)
    - (وحُكي أنَّ عمرو بن معد يكرب مرَّ بحيٍّ من أحياء العرب، وإذا هو بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا صاحبها في وهدة من الأرض يقضي حاجته، فقال له عمرو: خذ حذرك؛ فإني قاتلك لا محالة. فالتفت إليه، وقال له: من أنت؟ قال: أبو ثور عمرو بن معد يكرب. قال: أنا أبو الحارث، ولكن ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك، وأنا في وهدة، فأعطني عهدك أن لا تقتلني حتى أركب فرسي، وآخذ حذري، فأعطاه عهدًا على ذلك، فخرج من الوهدة التي كان فيها، وجلس محتبيًا بحمائل سيفه، فقال له عمرو ما هذا الجلوس؟! قال: ما أنا براكب فرسي، ولا مقاتلك، فإن كنت نكثت العهد؛ فأنت أعلم ما يلقى الناكث، فتركه ومضى،
    وقال: هذا أجبن من رأيت)
    - ومن الفرارين: (أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فرَّ يوم مرداء هجر من أبي فديك، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فجلس يومًا بالبصرة، فقال: سرت على فرسي المهرجان من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام.
    فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير، فلو ركبت النيروز لسرت إليها في يوم واحد. فلما دخل عليه أهل البصرة؛ لم يروا كيف يكلمونه، ولا ما يلقونه من القول، أيهنئونه أم يعزونه، حتى دخل عليه عبد الله بن الأهتم، فاستشرف الناس له،
    وقالوا: ما عسى أن يقال للمنهزم؟ فسلَّم ثم قال: مرحبًا بالصابر المخذول، الذي خذله قومه، الحمد لله الذي نظر لنا عليك،
    ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، ولكن علم الله تعالى حاجة أهل الإسلام إليك؛ فأبقاك لهم بخذلان من معك لك. فقال أمية بن عبد الله: ما وجدت أحدًا أخبرني عن نفسي غيرك)

    الأمثال في الجبن
    من أمثالهم في الجبن: (إنَّ الجبان حتفه من فوقه.
    أي: أنَّ حذره وجبنه ليس بدافع عنه المنية إذا نزل به قدر الله. قال أبو عبيد: وهذا شبيه المعنى بالذي يحدث به عن خالد بن الوليد، فإنه قال عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنذا أموت حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. قال أبو عبيد: يقول: فما لهم يجبنون عن القتال، ولم أمت أنا به، إنما أموت بأجلي. ومنه الشعر الذي تمثل به سعد بن معاذ يوم الخندق:
    لبث قليلًا يلحق الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
    وكذلك قول الأعشى:
    أبالموت خشتني عباد وإنما رأيت منايا الناس يسعى دليلها)

    - (في المثل: فلان أجْبَنُ من المنزوف ضَرِطًا، وأجبن من المنزوف خَضْفًا:
    يقال: أن رجلًا فزع فضرط حتى مات.
    وقال اللحياني: هو رجل كان يدعي الشَّجَاعَة، فلما رأى الخيل جعل يفعل حتى مات، هكذا قال يفعل يعني يضرط.
    وقال ابن بري: هو رجل كان إذا نُبِّه لشرب الصبوح، قال: هلا نبهتني لخيل قد أغارت؟ فقيل له يومًا على جهة الاختبار:
    هذه نواصي الخيل. فما زال يقول: الخيل الخيل. ويضرط حتى مات)
    - (ومن أمثالهم في عيب الجبان قولهم: كلُّ أزب نفور.
    المثل لزهير بن جذيمة العبسي، وذلك أنَّ خالد بن جعفر بن كلاب كان يطلبه بذحلٍ، فكان زهير يومًا في إبل له يهنوها، ومعه أخوه أسيد بن جذيمة فرأى أسيد خالد بن جعفر قد أقبل ومعه أصحابه، فأخبر زهيرًا بمكانهم، فقال له زهير: كأنَّ أزب نفور،
    وإنما قال له هذا لأنَّ أسيدًا كان أشعر، فقال: إنما يكون نفار الأزب من الإبل لكثرة شعره، يكون ذلك على عينيه،
    فكلما رآه ظنَّ أنَّه شخص يطلبه، فينفر من أجله)
    - (وقولهم: عصا الجبان أطول.
    قال أبو عبيد: وأحسبه إنما يفعل هذا؛ لأنَّه مِن فشله يرى أنَّ طولها أشد ترهيبًا لعدوه من قصرها)
    ----------------------------------------------------------------
    -وما زلنا أحبابنا نتابع ألأخلاق المذمومه التي نهي عنها ألإسلام تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الجدل والمراء )

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين يوليو 18, 2022 12:58 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه

    الجدل والمراء


    معنى الجدل لغةً:
    الجدل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وجادله أي: خاصمه، مجادلة وجدالًا. والجدل: مقابلة الحجة بالحجة؛ والمجادلة: المناظرة والمخاصمة، والجدالُ: الخصومة؛ سمي بذلك لشدته
    معنى الجدل اصطلاحًا:
    قال الراغب: (الجِدَال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة)
    وقال الجرجاني: (الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله: بحجة، أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه)
    وقال أيضًا: (الجدال: هو عبارة عن مراء يتعلَّق بإظهار المذاهب وتقريرها)
    معنى المراء لغةً:
    المراء: الجدال. والتماري والمماراة: المجادلة على مذهب الشكِّ والريبة، ويقال للمناظرة: مماراة، وماريته أماريه مماراة ومراء: جادلته
    معنى المراء اصطلاحًا:
    المراء: هو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع
    وقال الجرجاني: (المراء: طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير)
    وقال الهروي عن المراء: هو (أن يستخرج الرجل من مناظره كلامًا ومعاني الخصومة وغيرها)
    الفرق بين الجدال والمراء والحجاج
    - الفرق بين الجدال والحجاج:
    الفرق بينهما أن المطلوب بالحجاج: هو ظهور الحجة.
    والمطلوب بالجدال: الرجوع عن المذهب
    - الفرق بين الجدال والمراء:
    قيل: هما بمعنى.
    غير أن المراء مذموم، لأنه مخاصمة في الحقِّ بعد ظهوره، وليس كذلك الجدال
    ولا يكون المراء إلا اعتراضًا، بخلاف الجدال، فإنَّه يكون ابتداء واعتراضًا
    - الفرق بين الجدل والمناظرة والمحاورة:
    الجدل يُراد منه إلزام الخصم ومغالبته.
    أما المناظرة: فهي تردد الكلام بين شخصين، يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله، وإبطال قول صاحبه، مع رغبة كلٍّ منهما في ظهور الحق.
    والمحاورة: هي المراجعة في الكلام، ومنه التحاور أي التجاوب، وهي ضرب من الأدب الرفيع، وأسلوب من أساليبه، وقد ورد لفظ الجدل والمحاورة في موضع واحد من سورة المجادلة في قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة: 1] وقريب من ذلك المناقشة والمباحثة
    ذم الجدال والمراء والنهي عنهما في القرآن الكريم

    - قال الله تعالى: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]
    وعن ابن مسعود في قوله: وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ قال: (أن تماري صاحبك حتى تغضبه)
    وعن ابن عباس: (الجدال: المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك)
    وعن ابن عمر: (الجدال المراء والسباب والخصومات)
    وقال السدي: (قد استقام أمر الحجِّ فلا تجادلوا فيه)
    وقال الطبري: (اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدًا. ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه)
    - وقال جلَّ شأنه: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204]
    قال العيني: (أي: شديد الجدال، والخصومة، والعداوة للمسلمين)
    قال مقاتل: (يقول جدلًا بالباطل)
    وقال الطبري: أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك
    - وقال جلَّ في علاه: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4]
    (قال سهل: في القرآن آيتان ما أشدَّهما على من يجادل في القرآن، وهما قوله تعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] أي: يماري في آيات الله، ويخاصم بهوى نفسه، وطبع جبلة عقله، قال تعالى: وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197] ، أي: لا مراء في الحج. والثانية: قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176] )
    - وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [الحج: 8]
    قال الزجاج: (فالمعنى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم متكبرًا)
    وقال البيضاوي: (ومن الناس من يجادل في الله في توحيده وصفاته)
    وقال الشوكاني: (ومعنى اللفظ: ومن الناس فريق يجادل في الله، فيدخل في ذلك كلُّ مجادل في ذات الله، أو صفاته، أو شرائعه الواضحة)
    وقال السعدي: (ومن الناس طائفة وفرقة سلكوا طريق الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحقَّ، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال أنهم في غاية الجهل، ما عندهم من العلم شيء)
    - وقال جل شأنه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46]
    (قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لا ينبغي أن يجادل من آمن منهم، لعلهم أن يحدثوا شيئًا في كتاب الله لا تعلمه أنت، قال: لا تجادلوا، لا ينبغي أن تجادل منهم)
    وقال السعدي: (ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحقِّ وتحسينه، وردٍّ عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحبِّ العلو، بل يكون القصد بيان الحقِّ وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله؛ لأن المقصود منها ضائع)
    - وقال تعالى: هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [آل عمران: 66]
    قال الطبري: (يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ها أنتم: هؤلاء القوم الذين خاصمتم وجادلتم فيما لكم به علم من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم، وأتتكم به رسل الله من عنده، وفي غير ذلك مما أوتيتموه، وثبتت عندكم صحته، فلم تحاجُّون؟ يقول: فلم تجادلون وتخاصمون فيما ليس لكم به علم)
    قال الشوكاني: (وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحقِّ)
    وقال السعدي: (وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأنَّ من تكلَّم بذلك فهو متكلِّم في أمر لا يمكَّن منه، ولا يسمح له فيه)
    ذم الجدال والمراء والنهي عنهما في السنة النبوية

    - فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل.
    ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58] ))

    قال القاري: (والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال، وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلب المعجزة منه عنادًا أو جحودًا، وقيل: مقابلة الحجة بالحجة، وقيل: المراد هنا العناد، والمراء في القرآن ضربُ بعضه ببعض؛ لترويج مذاهبهم، وآراء مشايخهم، من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق، وذلك محرم، لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحقِّ فإنه فرض كفاية)
    وقال المناوي: (أي الجدال المؤدي إلى مراء ووقوع في شك، أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعًا، إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم، ولا يقضى فيه بضرس قاطع، وليس فيه اتباع للبرهان، ولا تأول على النصفة، بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حقٍّ وباطل)
    وقال البيضاوي: (المراد بهذا الجدل العناد، والمراء، والتعصب)
    - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم ))
    قال الصنعاني: (أي: الشديد المراء، أي الذي يحجُّ صاحبه)
    وقال المهلب: (لما كان اللدد حاملًا على المطل بالحقوق، والتعريج بها عن وجوهها، والليِّ بها عن مستحقيها، وظلم أهلها؛ استحقَّ فاعل ذلك بغضة الله وأليم عقابه)
    وقال النووي: (والألدُّ: شديد الخصومة، مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه؛ لأنَّه كلما احتجَّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حقٍّ، أو إثبات باطل)
    - وعن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المراء في القرآن كفر ))
    قال البيضاوي: (المراد بالمراء فيه التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن؛ ليدفع بعضه ببعض فيطرق إليه قدحًا وطعنًا)
    وقال المناوي: (المراد الخوض فيه بأنه محدث أو قديم، والمجادلة في الآي المتشابهة المؤدِّي ذلك إلى الجحود والفتن، وإراقة الدماء؛ فسمَّاه باسم ما يخاف عاقبته، وهو قريب من قول القاضي: أراد بالمراء التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن؛ ليدفع بعضه ببعض، فيتطرَّق إليه قدح وطعن، ومن حقِّ الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات، والجمع بين المختلفات ما أمكنه)
    - وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ))
    قال السندي: (ومن ترك المراء: أي الجدال خوفًا من أن يقع صاحبه في اللجاج الموقع في الباطل)


    أقوال السلف والعلماء في الجدال والمراء

    - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لا تمارِ أخاك؛ فإنَّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تُؤمَن غائلته
    - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (من استحقاق حقيقة الإيمان ترك المراء، والمرء صادق)
    - وقال أبو الدرداء: (كفى بك إثمًا أن لا تزال مماريًا)
    - وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء، وهو يعلم أنَّه صادق، ويترك الكذب في المزاحة)
    - ورُوي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال: (إذا أحببت أخًا فلا تماره)
    - وقال مالك بن أنس: (المراء يقسِّي القلوب، ويُورث الضغائن)
    - وقال أيضًا: (كلما جاء رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد عليه السلام لجدله)
    - وقال أيضًا: (ليس هذا الجدل من الدين بشيء)
    - وقال ابن أبي ليلى: (لا تمار أخاك؛ فإنَّه لا يأتي بخير)
    - وقال أيضًا: (لا أُماري أخي إما أن أغضبه، وإما أكذبه)
    - وقال بلال بن سعد: (إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه فقد تمت خسارته)
    - وقال الشافعي: (المراء في العلم يقسي القلوب، ويورث الضغائن)
    - وقال مسلم بن يسار: (إيَّاكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته)
    - وقال عبدوس بن مالك العطار: (سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع- وكلُّ بدعة فهي ضلالة- وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين... إلى أن قال: لا تخاصم أحدًا ولا تناظره، ولا تتعلم الجدال؛ فإنَّ الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه، لا يكون صاحبه -إن أصاب بكلامه السنة- من أهل السنة حتى يدع الجدال)
    - وقال محمد بن الحسين: (من صفة الجاهل: الجدل، والمراء، والمغالبة)
    - وعن الحسن قال: (ما رأينا فقيهًا يماري)
    - وعنه أيضًا: (المؤمن يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قُبلت حمد الله، وإن رُدَّت حمد الله)
    - وعن زياد بن حدير قال: (قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟! قال: قلت: لا. قال: يهدمه زلَّة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين)
    - وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (ما ماريت أخي أبدًا؛ لأني إن ماريته إمَّا أن أكذبه، وإمَّا أن أغضبه)
    - وقال عبد الله بن الحسن: (المراء رائد الغضب، فأخزى الله عقلًا يأتيك بالغضب)
    - وقال الأصمعي: (سمعت أعرابيًّا يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلَّت كرامته، ومن أكثر من شيء عُرف به)
    - وقال عمر بن عبد العزيز: (قد أفلح من عُصم من المراء والغضب والطمع)
    - وقال الأوزاعي: (إذا أراد الله بقوم شرًّا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل)
    آثار الجدال والمراء
    1- الجدال والمراء غير المحمود من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
    2- قد يؤدي الجدال الباطل إلى تكفير الآخرين أو تفسيقهم.
    3- يدعو إلى التشفي من الآخرين.
    4- يذكي العداوة، ويورث الشقاق بين أفراد المجتمع.
    5- يقود صاحبه إلى الكذب.
    6- يؤدي إلى التطاول والتراشق بالألسنة.
    7- يؤدي بالمجادل إلى إنكار الحق ورده.
    أقسام الجدال

    ينقسم الجدال إلى قسمين:
    1- الجدال المحمود:
    وهو الذي يكون الغرض منه تقرير الحقِّ، وإظهاره بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه، وقد جاءت نصوص تأمر بهذا النوع من الجدال، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الجدال في قوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] وقال جلَّ في علاه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: 46]
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم ))
    وقد حصل هذا النوع من الجدال بين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبين الخوارج زمن علي بن أبي طالب بأمر علي، فأقام عليهم الحجة وأفحمهم، فرجع عن هذه البدعة خلق كثير وكذلك مجادلة أحمد بن حنبل للمعتزلة، ومجادلات ابن تيمية لأهل البدع.
    2- الجدال المذموم:
    هو الجدال الذي يكون غرضه تقرير الباطل بعد ظهور الحقِّ، وطلب المال والجاه، وقد جاءت الكثير من النصوص والآثار التي حذَّرت من هذا النوع من الجدال ونهت عنه، ومن هذه النصوص:
    قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ [الحج: 3]
    وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [الحج: 8]
    وقوله سبحانه: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر: 4]
    وقال صلى الله عليه وسلم: ((المراء في القرآن كفر ))
    وقال ابن عثيمين: (المجادلة والمناظرة نوعان:
    النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء، ويجاري العلماء، ويريد أن ينتصر قوله؛ فهذه مذمومة.
    النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه؛ فهذه محمودة مأمور بها)
    وقال الكرماني: (الجدال: هو الخصام، ومنه قبيح وحسن وأحسن؛ فما كان للفرائض فهو أحسن، وما كان للمستحبات فهو حسن، وما كان لغير ذلك فهو قبيح)
    آداب الجدال المحمود
    هناك جملة من الآداب ينبغي لمن أراد الجدال أن يتحلَّى بها، ومنها:
    1- النية الصادقة في نصرة الحق، والدعوة إلى دين الله تعالى، وترك الرياء والسمعة، أو طلب الجاه والرفعة.
    2- العلم الصحيح المستفاد من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح.
    3- رد الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله.
    4- تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.
    5- التحلي بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال؛ من القول المهذب، واحترام الآخرين، وعدم الطعن في الأشخاص، أو لمزهم والاستهزاء بهم.
    6- أن تكون غايتك إظهار الحق، وإقناع الناس به، مع الابتعاد عن الباطل أو تلبيسه على الناس.
    7- تقديم الأهم فالأهم من الحجج، والبينات، والأدلة المفحمة للخصم، بقصد الإقناع وإظهار وجه الصواب.
    8- مجانبة إطالة الكلام، وغرابة الألفاظ، أو خروجها عن صلب الموضوع.
    9- عدم الالتزام في أثناء المناظرة بضدِّ الدعوى التي تحاول إثباتها وإلا فشلت.
    10- عدم التعارض بين الأدلة، أو التناقض في البينات والحجج.
    11- عدم الطعن في أدلة الخصم إلا ضمن الأمور المبنية على المنهج الصحيح.
    12- إعلان التسليم بالقضايا المتفق عليها، وقبول نتائج المناظرة.
    13- الامتناع عن المجادلة إذا كانت تؤدي إلى فتنة وفساد، أو ضرر يلحق بالدعوة.
    14- أهمية مراعاة الظروف المحيطة بالمناظرة من حيث الأشخاص، والموضوع، والزمان، والمكان.

    نماذج من الجدال المحمود في القرآن الكريم

    1- مجادلة نوح عليه السلام قومه في دعوتهم إلى عبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ [هود: 25-33]
    2- مجادلة إبراهيم لأبيه وقومه لإثبات الحق، وإظهار بطلان الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وأنها لا تضرُّ ولا تنفع، قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام: 74-83]
    3- المجادلة والمناظرة التي دارت بين إبراهيم عليه السلام والنمرود حينما ادعى النمرود الربوبية، والتي انتصر فيها إبراهيم الخليل على عدو الله نمرود، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 258]
    4- المجادلة والمناظرة التي دارت بين شعيب وقومه عندما دعاهم لعبادة الله وحده، والابتعاد عن الكفر، وعدم تطفيف المكيال والميزان، وأكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ [هود: 84-93]
    نماذج من الجدال المحمود في السنة النبوية

    والأمثلة من السنة على الجدال المحمود كثيرة، ونذكر منها على سبيل المثال:

    1- المجادلة التي دارت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين أبي بكر رضي الله عنه،
    في صلح الحديبية: فعن شقيق بن سلمة قال: ((قام سهلُ بنُ حنيفٍ يومَ صفِّينَ فقال: أيها الناسُ! اتهموا أنفسكم. لقد كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الحديبيةِ. ولو نرى قتالًا لقاتلنا. وذلك في الصلحِ الذي كان بين رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وبين المشركين. فجاء عمرُ بنُ الخطابِ. فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ! ألسنا على حقٍّ وهم على باطلٍ؟
    قال (بلى) قال: أليس قتلانا في الجنةِ وقتلاهم في النارِ؟ قال (بلى) قال: ففيمَ نُعطي الدنيَّةَ في ديننا ، ونرجعُ ولما يحكم اللهُ بيننا وبينهم؟ فقال (يا ابنَ الخطابِ! إني رسولُ اللهِ. ولن يُضيِّعني اللهُ أبدًا) قال: فانطلق عمرُ فلم يصبر متغيِّظًا.
    فأتى أبا بكرٍ فقال: يا أبا بكرٍ! ألسنا على حقٍّ وهم على باطلٍ؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنةِ وقتلاهم في النارِ؟
    قال: بلى. قال: فعلام نُعطي الدنيَّةَ في ديننا ، ونرجعُ ولما يحكمُ اللهُ بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابنَ الخطابِ! إنَّهُ رسولُ اللهِ ولن يُضيِّعَه اللهُ أبدًا. قال: فنزل القرآنُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالفتحِ. فأرسل إلى عمرَ فأقرأَه إياهُ.
    فقال: يا رسولَ اللهِ! أو فتحٌ هوَ؟ قال (نعم) فطابت نفسُه ورجع
    .))

    2- الجدال الذي دار بين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وبين النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب.
    قال ابن كثير: قال ابن إسحاق: ((فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرابطًا، وأقام المشركون يحاصرونه بضعًا وعشرين ليلة قريبًا من شهر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل. فلما اشتدَّ على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم...
    إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة
    فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك، واستشارهما فيه.
    فقالا: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بدَّ لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟
    فقال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كلِّ جانب،
    فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرًى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزَّنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا
    ))
    3- مجادلة ابن عباس للخوارج، فعن عبد الله بن عباس، قال: (لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم. قال: إني أخافهم عليك قلت: كلا، فلبست، وترجلت، ودخلت عليهم في دار نصف النهار، وهم يأكلون فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، فما جاء بك؟ قلت لهم: أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين، والأنصار، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم،
    وليس فيكم منهم أحد، لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه قالوا: ثلاث قلت: ما هن؟ قال: أما إحداهن، فإنه حكم الرجال في أمر الله
    وقال الله: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [الأنعام: 57] ما شأن الرجال والحكم؟ قلت: هذه واحدة.
    قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل، ولم يسب، ولم يغنم، إن كانوا كفارًا لقد حل سباهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سباهم ولا قتالهم،
    قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ وذكر كلمة معناها قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين. قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا. قلت: لهم أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم قلت: أما قولكم: حكم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه أرأيت قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [المائدة: 95] وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى، هذا أفضل وفي المرأة وزوجها: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا [النساء: 35] فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ خرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قلت:
    وأما قولكم: قاتل ولم يَسْبِ، ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟
    فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6] فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، أفخرجت من هذه؟
    قالوا: نعم، وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امح يا علي اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي، واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة، أخرجت من هذه؟
    قالوا: نعم، فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقُتِلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار)

    حِكم وأمثالٌ في الجدال والمراء

    - دع المراء لقلَّة خَيره
    - المراء لؤم
    - دع المراء، وإن كنت محقًّا
    - من ترك المراء سلمت له المروءة

    من أقوال الحكماء في الجدال والمراء

    - يقال: (لا تمارِ حكيمًا ولا سفيهًا؛ فإنَّ الحكيم يغلبك، والسفيه يؤذيك)
    - قال محمد بن الحسين: (وعند الحكماء: أنَّ المراء أكثره يغيِّر قلوب الإخوان، ويُورث التفرقة بعد الألفة، والوحشة بعد الأنس)
    وصايا ونصائح في التحذير من الجدال والمراء:
    - قال لقمان: (يا بنيَّ، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يصاحب الصالح يغنم)
    - وقال أيضًا: (لا تمارينَّ حكيمًا، ولا تجادلنَّ لجوجًا، ولا تعاشرنَّ ظلومًا، ولا تصاحبنَّ متَّهمًا)
    - وقال أيضًا: (يا بني، من قصر في الخصومة خصم، ومن بالغ فيها أثم، فقل الحق ولو على نفسك، فلا تبال من غضب)
    - وعن يونس قال: كتب إليَّ ميمون بن مهران: (إيَّاك والخصومة والجدال في الدين، ولا تجادلنَّ عالـمًا ولا جاهلًا. أما العالم فإنَّه يخزن عنك علمه، ولا يبالي ما صنعت، وأما الجاهل فإنه يخشن بصدرك، ولا يطيعك)
    وقال مسعر بن كدام يُوصي ابنه كدامًا:
    إني منحتك يا كدام نصيحتي فاسمع لقول أب عليك شفيقِ
    أما المزاحة والمراء فدعهما خلقان لا أرضاهما لصديقِ
    إني بلوتهما فلم أحمدهما لمجاور جارًا ولا لرفيقِ
    والجهل يزري
    بالفتى في قومه وعروقه
    في الناس أي عروقِ؟
    ----------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty ألأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع ( الجَزَع )

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين يوليو 18, 2022 11:33 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه الي يبغضها ألإسلام

    الجَزَع

    معنى الجَزَع لغةً:
    الجَزَع، بالتَّحريك: نقيض الصَّبر. وقد جَزِع يَجْزَع جَزَعًا فهو جازِع، فإذا كَثُر منه الجَزَع، فهو جَزُوع.
    والجَزُوع: ضدُّ الصَّبور على الشَّرِّ. وأَجْزَعه غيره
    معنى الجَزَع اصطلاحًا:
    قال أبو هلال: (الجَزَع: إظهار ما يلحق المصَاب مِن المضَض والغَمِّ)
    وقال الرَّاغب: (والجَزَع هو: حُزْن يَصْرِف الإنسان عمَّا هو بصدده، ويَقْطَعه عنه)
    وقال ابن فارس: (هو انقطاع المنَّة عن حَمْل ما نزل)
    الفرق بين الجَزَع وبعض الصِّفات
    - الفرق بين الجَزَع والفَزَع:
    قال الرَّاغب: (الفَزَع والجَزَع أخوان، لكن الفَزَع ما يعتري الإنسان مِن الشَّيء المخِيف،
    والجَزَع ممَّا يعتري مِن الشَّيء المؤلم، والفَزَع لفظ عام، سواء كان عارضًا عن أمارة ودلالة، أو حاصلًا لا عن ذلك)

    - الفرق بين الجَزَع ورِقَّة القلب:
    قال ابن القيِّم: (والفرق بين رِقَّة القلب والجَزَع: أنَّ الجَزَع ضعفٌ في النَّفس، وخوفٌ في القلب، يمدُّه شدَّة الطَّمع والحرص، ويتولَّد مِن ضعف الإيمان بالقَدَر... فمتى عَلِم أنَّ المقَدَّر كائنٌ- ولا بدَّ- كان الجَزَع عناءً محضًا ومصيبة ثانية. أمَّا رِقَّة القلب فإنَّها مِن الرَّحمة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَقَّ النَّاس قلبًا، وأبعدهم مِن الجَزَع، فرِقَّة القلب رأفةٌ ورحمةٌ، وجَزَعُه مرضٌ وضعفٌ، فالجَزَع حال قلبٍ مريضٍ بالدُّنيا، قد غشيه دخان النَّفس الأمَّارة، فأخذ بأنفاسه، وضيَّق عليه مسالك الآخرة، وصار في سجن الهوى والنَّفس، وهو سجنٌ ضيِّق الأرجاء، مظلم المسلك، فانحصار القلب وضيقه يجعله يَجْزَع مِن أدنى ما يصيبه ولا يحتمله،
    فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ مِن محبَّة الله وإجلاله، رَقَّ وصارت فيه الرَّأفة والرَّحمة، فتراه رحيمًا رقيق القلب بكلِّ ذي قُرْبَى ومسلم، يرحم النَّملة في جحرها، والطَّير في وَكْرِه، فضلًا عن بني جنسه، فهذا أقرب القلوب مِن الله تعالى)
    ذَمُّ الجَزَع والنَّهي عنه في القرآن الكريم

    قال تعالى: أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [إبراهيم: 21.]
    قال ابن عاشور: (وجملة أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مِن كلام الذين استكبروا. وهي مستأنفة تُبين عن سؤالٍ مِن الضُّعفاء، يستفتون المستكبرين: أيصبرون أم يجزعون، تطلُّبًا للخلاص مِن العذاب، فأرادوا تأييسهم مِن ذلك، يقولون: لا يفيدنا جَزَعٌ ولا صَبْرٌ، فلا نجاة مِن العذاب. فضمير المتكلِّم المشارك شامل للمتكلِّمين والمجابين، جمعوا أنفسهم إتمامًا للاعتذار عن توريطهم)

    - وقال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ [المعارج: 19-22]
    قال السعدي: (فيَجْزَع إن أصابه فقرٌ أو مرضٌ، أو ذهابُ محبوبٍ له، مِن مالٍ أو أهلٍ أو ولدٍ، ولا يستعمل في ذلك الصَّبر والرِّضا
    بما قضى الله)
    - وقال تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18]
    قال ابن القيِّم: (لا جَزَعَ فيه)
    - وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا [يونس: 12]
    قال ابن كثير عند هذه الآية: (يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسَّه الضُرُّ،
    وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ [فصلت: 51] أي: كثير، وهما في معنى واحد، وذلك لأنَّه إذا أصابته شدَّةٌ قَلِقَ لها، وجَزِع منها، وأكثرَ الدُّعاء عند ذلك، فدعا الله في كَشْفِها ورَفْعِها عنه...)
    ذَمُّ الجَزَع والنَّهي عنه في السُّنَّة النَّبويَّة
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهطٍ سريَّة عينًا.. قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين. فتركوه، فركع ركعتين، ثمَّ قال: لولا أن تظنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لطوَّلتها، اللَّهمَّ أحصهم عددًا )
    - عن عمرو بن تغلب: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمال أو سبي، فقسَّمه، فأعطى رجالًا وترك رجالًا، فبلغه أنَّ الذين ترك عَتَبُوا، فحمد الله ثمَّ أثنى عليه، ثمَّ قال: أما بعد، فوالله إنِّي لأعطي الرَّجل، وأدع الرَّجل، والذي أدع أحبُّ إليَّ مِن الذي أعطي، ولكن أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم مِن الجَزَع والهلع، وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم مِن الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب. فوالله ما أحبُّ أنَّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النَّعم )
    (أي: من شدة الألم والضجر الذي يصيب نفوسهم لو لم يعطوا من الغنيمة، فأعطيهم تأليفًا لقلوبهم، وتطييبًا لنفوسهم)
    - عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جُرْح، فجَزِعَ، فأخذ سكِّينًا، فحَزَّ بها يده، فمَا رَقَأ، الدَّم حتى مات، قال الله تعالى: بَادَرَني عبدي بنفسه، حرَّمت عليه الجنَّة ))
    قال العيني: (قوله: ((فجَزِع))، أي: لم يصبر على الألم)
    - عن محمود بن لبيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحبَّ الله قومًا ابتلاهم، فمَن صبر فله الصَّبر،
    ومَن جَزِع فله الجَزَع
    ))
    ومعنى الحديث: (من يرد الله به خيرا أوصل إليه مصيبة؛ ليطهره به من الذنوب، وليرفع درجته)
    أقوال السَّلف والعلماء في الجَزَع

    - (قال محمد بن كعب القرظي: الجَزَع: القول السَّيِّئ، والظَّنُّ السَّيِّئ)
    - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأشعث بن قيس: (إنَّك إن صبرت؛ جرى عليك القلم وأنت مأجورٌ، وإن جَزِعت؛ جرى عليك القلم وأنت مأزورٌ)
    - وعن الحسن، قال: (لما حضرت سلمان الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الله وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما أبكي جَزَعًا على الدُّنيا، ولكن عهد إلينا عهدًا فتركنا عهده، عهد إلينا أن يكون بلغة أحدنا مِن الدُّنيا كزاد الرَّاكب. فلمَّا مات نظر فيما ترك، فإذا قيمته ثلاثون درهمًا)
    - و(قال رجل مِن الحكماء: إنَّما الجَزَع والإشفاق قبل وقوع الأمر، فإذا وقع فالرِّضا والتَّسليم)
    - وقال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير: (ليس الجَزَع أن تدمع العين، ويحزن القلب، ولكن الجَزَع: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ)
    - (وسئل القاسم بن محمد عن الجَزَع، فقال: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ)
    - و(قال بعض الحكماء: إن كنت تجزع على ما فات مِن يدك، فاجزع على ما لا يصل إليك)
    - و(قال ابن السَّماك: المصيبة واحدة، فإن جَزِع صاحبها فهما اثنتان. يعني فقد المصاب، وفقد الثَّواب)
    - و(قال منصور بن عمار: مَن جَزِع مِن مصائب الدُّنيا، تحوَّلت مصيبته في دينه)
    - وقال الماوردي: (إنَّ مَن خاف الله عزَّ وجلَّ صبر على طاعته، ومَن جزع مِن عقابه وقف عند أوامره)
    - وقال الجاحظ: (وهذا الخُلُق – أي الجَزَع - مُرَكَّب مِن الخُرْق والجُبْن، وهو مستقبح إذا لم يكن مجديًا ولا مفيدًا)
    - وقال ابن حزم: (إنَّ إظهار الجَزَع عند حلول المصائب مذمومٌ؛ لأنَّه عجَز مُظْهِرُه عن مِلك نفسه، فأظهر أمرًا لا فائدة فيه،
    بل هو مذموم في الشَّريعة، وقاطع عمَّا يلزم مِن الأعمال وعن التَّأهُّب لما يتوقَّع حلوله ممَّا لعلَّه أشنع مِن الأمر الواقع الذي عنه حدث الجَزَع.. فلمَّا كان إظهار الجَزَع مذمومًا، كان ضدُّه محمودًا، وهو إظهار الصَّبر؛ لأنَّه ملك النَّفس، واطِّراحٌ لما لا فائدة فيه، وإقبال على ما يَعُودُ ويُنْتَفَع به في الحال وفي المسْتَأنف. وأمَّا استبطان الصَّبر فمذمومٌ؛ لأنَّه ضعفٌ في الحسِّ، وقسوةٌ في النَّفس وقلَّةُ رحمة. وهذه أخلاق سوء، لا تكون إلَّا في أهل الشَّرِّ وخبث الطَّبيعة، وفي النُّفوس السَّبُعيَّة الرَّديئة. فلمَّا كان ذلك نتيجة ما ذكرنا، كان ضدُّه محمودًا، وهو استبطان الجَزَع؛ لما في ذلك مِن الرَّحمة والرِّقة والشَّفقة والفهم لقَدْر الرزيَّة. فصحَّ بهذا أنَّ الاعتدال هو أن يكون المرء جَزُوعَ النَّفس صَبُور الجسد، بمعنى أن لا يظهر في وجهه ولا في جوارحه شيء مِن دلائل الجَزَع)
    آثار الجَزَع

    1 - الدُّعاء على النَّفس
    2 - يورث الحسرة، وبقاء النَّدامة:
    (قيل للأحنف: إنَّك لصبورٌ على الجَزَع! فقال: الجَزَع شرُّ الحالين؛ يباعد المطلوب، ويورث الحسرة، ويُبقي على صاحبه النَّدم)
    3 - ليس مع الجَزَع فائدة:
    (كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا عزَّى عن ميت، قال لوليه: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجَزَع فائدة)
    4 - فوات الأجر، وتضاعف المصيبة:
    قال ابن القيِّم: (الجَزَع لا يفيد إلَّا فوات الأَجر وتضاعف المصيبة)
    5 - الجَزَع يورث السَّقم:
    قال الفضيل بن عياض: (إنَّ الجَزَع يورث السَّقم، وبالسَّقم يكون الموت، وبالبُرْء تكون الحياة)
    6 - زيادة البلاء.
    7 - سوء الظن بالله، وعدم الثقة به سبحانه.
    8- انتفاء كمال الإيمان.
    9 -عدم الرضا بالمقدور، وعجزه عن فعل المأمور.
    10- استحقاق العذاب في الآخرة.
    11- قلق النفس واضطرابها.
    12- الجَزِع يشقى به جلساؤه، ويمله أقرباؤه
    أقسام الجَزَع

    الجَزَع على قسمين:
    1 - الجَزَع في الخطايا.
    2 - الجَزَع في المصائب.
    وفي ذلك يقول سعيد بن جبير عندما سئل عن الجَزَع: (الجَزَع على نحوين: أحدهما في الخطايا، أن يجزع الرَّجل إليها،
    والآخر في المصائب، فأمَّا جزع المصيبة: فهو ألَّا يحتسبها العبد عند الله، ولا يرجو ثوابها، ويرى أنَّه سوءٌ أصابه، فذلك الجَزَع، ويفعل ذلك وهو متجلِّدٌ لا يبين منه إلَّا الصَّبر)
    صور الجَزَع

    1- تمنِّي الموت.
    2- ضرب الخدود.
    3- شقُّ الثَّياب.
    4- نشر الشُّعور.
    5- الدُّعاء بالويل والثُّبور.
    أسباب الوقوع في الجَزَع

    1- تذكُّر المصَاب حتى لا يتناساه، وتصوُّره حتى لا يَعْزُب عنه
    ، ولا يجد مِن التِّذكار سَلْوَة، ولا يخلط مع التَّصور تعزية، وقد قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: لا تستفزُّوا الدُّموع بالتَّذكُّر
    2- الأسف وشدَّة الحسرة، فلا يرى مِن مصابه خلفًا، ولا يجد لمفقوده بدلًا؛ فيزداد بالأسف وَلَهًا، وبالحسرة هلعًا. ولذلك قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد: 23?لشَّكوى، وبثُّ الجَزَع، فقد قيل في قوله تعالى:[color=#006600] فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً [المعارج: 5] إنَّه الصَّبر الذي لا شكوى فيه، ولا بثٌّ
    4- اليأس مِن جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبرٌ، ولا يتَّسع لهما صدرٌ.
    وقد قيل: المصيبة بالصَّبر أعظم المصيبتين. وقال ابن الرُّومي:
    اصبري أيتها النَّفـ ـس فإنَّ الصَّبر أحجى
    ربَّما خاب رجاء وأتى ما ليس يُرجَى
    5- أن يغرى بملاحظة مَن حِيطَت سلامته، وحرست نعمته، حتى الْتَحَف بالأمن والدَّعة ، واستمتع بالثَّروة والسَّعة، ويرى أنَّه قد خُصَّ مِن بينهم بالرَّزيَّة بعد أن كان مساويًا، وأفرد بالحادثة بعد أن كان مكافيًا، فلا يستطيع صبرًا على بلوى، ولا يلزم شكرًا على نعمى. ولو قابل بهذه النَّظرة ملاحظة مَن شاركه في الرَّزيَّة، وساواه في الحادثة لتكافأ الأمران، فهان عليه الصَّبر وحان منه الفرج
    6- ضعف الإيمان: قال القاسمي: (الجَزَع واليأس مِن الفرج عند مسِّ شرٍّ قُضِى عليه... ممَّا ينافي عقد الإيمان)
    قال ابن القيِّم: (وإذا اطمأنَّ إلى حكمه الكوني: عَلِمَ أنَّه لن يصيبه إلَّا ما كتب الله له، وأنَّه ما يشاء كان، وما لم يشأ لم يكن. فلا وجه للجَزَع والقلق إلَّا ضعف اليقين والإيمان. فإنَّ المحذور والمخوف: إن لم يُقَدَّر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قُدِّر فلا سبيل إلى صرفه بعد أن أُبْرِم تقديره. فلا جَزَع حينئذ لا ممَّا قُدِّر ولا ممَّا لم يُقَدَّر)
    7- عدم الاستعانة بالله في المصيبة.
    8- عدم النَّظر إلى مَن هم أشدُّ منه مصيبة وغمًّا وألـمًا.
    9– العَجْز: قال ابن القيِّم: (الجَزَع قرين العَجْز وشقيقه... فلو سُئِل الجَزَع: مَن أبوك؟ لقال: العَجْز)
    10- ترك الرِّضا بما يوجب القضاء.
    11- عدم توطين النَّفس على وقوع المكروه:
    قال أبو حاتم: (السَّبب المؤدِّي إلى إظهار الجَزَع عند فِرَاق المتواخين هو: ترك الرِّضا بما يوجب القضاء، ثمَّ ورود الشَّيء على مُضْمَر الحشا بعدما انطوى عليه قديمًا، فمَن وطَّن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضدِّ الجميل عليها مِن صحبته، وتأمَّل ورود المكروه منه على غفلته، لا يُظْهِر الجَزَع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق إلَّا بمقدار ما يوجب العِلْمُ إظهاره)
    الوسائل المعينة على ترك الجَزَع

    1- قوَّة الإيمان:
    فعن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن،
    إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له
    ))
    2- ذكر الله:
    فذِكْرُ الله يعين على الثَّبات في الشَّدائد، قال تعالى: وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال: 45]
    ذكر القرطبيُّ أقوالًا للعلماء في معنى هذه الآية، منها: (اذكروا الله عند جَزَع قلوبكم، فإنَّ ذِكْرَه يعين على الثَّبات في الشَّدائد)
    3- الثبات والصبر على ما نزل به مِن مكروه:
    قال ابن القيِّم: (وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه، وردَّه خاسئًا، وأرضى ربَّه، وسرَّ صديقه، وساء عدوَّه، وحمل عن إخوانه، وعزَّاهم هو قبل أن يعزُّوه، فهذا هو الثَّبات والكمال الأعظم، لا لَطْمُ الخدود، وشقُّ الجيوب، والدُّعاء بالويل والثُّبور ، والسُّخط على المقدور)
    4- توقُّع حدوث المصَاب:
    قال أبو حاتم: (... فمَن وطَّن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضدِّ الجميل عليها مِن صحبته، وتأمَّل ورود المكروه منه على غفلته، لا يُظْهِر الجَزَع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق إلَّا بمقدار ما يوجب العِلْم إظهاره)
    وحُكِي عن بعض الصَّالحين أنَّ ابنًا له مات، فلم يُرَ به جَزَعٌ، فقيل له في ذلك، فقال: (هذا أمرٌ كنَّا نتوقَّعه، فلمَّا وقع لم ننكره)
    5- معرفة أنَّ المقدور لا حيلة في دفعه:
    قال ابن القيِّم: (أنَّ المقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يُقَدَّر لا حيلة في تحصيله)
    6- العلم بأنَّ الجَزَع يُشمِتُ الأعداء.
    7- العلم بأنَّ الجَزَع يَسُوء الأصدقاء.
    8- العلم بأنَّ الجَزَع يُغْضِب الله.
    9- العلم بأنَّ الجَزَع يَسرُّ الشَّيطان.
    10- العلم بأنَّ الجَزَع يُحْبِط الأجر.
    11- العلم بأنَّ الجَزَع يُضْعِف النَّفس
    النَّهي عن تمنِّي الموت جزعًا

    حين يعلم المؤمن أنَّ صبره على المصائب والآلام مكفِّرٌ لسيِّئاته، ورافعٌ لدرجاته، ويُسجَّل له مع كلِّ شعورٍ بألم أجرٌ عند الله تعالى، يناله ثواب عظيم وكرامة عنده في دار الجزاء، يرى أنَّه في خيرٍ عظيمٍ، وفضلٍ جسيمٍ مِن الله تعالى، ويرى أنَّ تمنِّيه الموت تخلُّصًا مِن المصائب هروبٌ مِن الحياة، وفرارٌ مِن مسؤوليَّة الابتلاء، وخروجٌ مِن سوق تجارة رابحة أضعافًا مضاعفة، لذلك فهو لا يتمنَّى الموت ليتخلَّص مِن مصائبه وآلامه، ويلاحظ المؤمن أنَّ طول أجله فرصةٌ له؛ ليزيد مِن حسناته إن كان مِن المحسنين، وليتوب ويصلح مِن حاله إن كان مِن المسيئين، لكلِّ ذلك نهى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا عن تمنِّي الموت... روى البخاريُّ ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنَّى أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدَّ فاعلًا فليقل: اللَّهمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ))

    وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ الأفضل للمؤمن أن لا يتدخَّل في طلب الموت مِن ربِّه مطلقًا، وأن يترك أمر الأجل لمقادير الله في خلقه،
    ولحكمته في عباده.
    ولذلك لم يَدْعُ خبَّاب بن الأرَتِّ على نفسه بالموت، مع أنَّه وصل إلى حالة رأى فيها أنَّ الموت أحبُّ له مِن الحياة.
    روى البخاريُّ عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده، وقد اكتوى سبع كيَّات، فقال: ((إنَّ أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدُّنيا، وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب. ثمَّ قال: ولولا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه
    وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ))
    وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب: أي أصبنا مِن المال ما لا نجد له موضعًا نضعه فيه، أن نبني به ونعمِّر بيوتًا وبساتين.
    وقد حدَّث خباب نفسه بالموت ولم يطلبه، مخافة أن تنقص الدُّنيا والأموال التي زادت عنده مِن منزلته عن أصحابه الذين سبقوا إلى ربِّهم، قبل أن تُفْتَح الدُّنيا على المسلمين.
    وهذه التَّربية الإسلاميَّة مِن شأنها أن ترفع معنويَّات المسلمين في الحياة، وتشدُّ عزائمهم، وتنفي السَّأم والضَّجر عن نفوسهم وقلوبهم، وتضع بينهم وبين الطَّريق التي تنحدر بكثير مِن النَّاس إلى الانتحار سدًّا منيعًا.
    أمَّا من ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، وكفر بالمفاهيم الإسلاميَّة العظيمة، تولَّد في نفسه السَّأم والضَّجر مِن الحياة عند أوَّل ضرٍّ يمسُّه، ومع تتابع أحداث الضَّجر مرةً بعد مرةٍ، تتكثَّف في نفسه ضغوطٌ قاتلةٌ، لا تجد لها منفذًا تتنفَّس منه؛ لأنَّ المتَنَفَّس الوحيد لا يأتي إلَّا عن طريق الإيمان بالله، واليوم الآخر، والرِّضى عن الله فيما تجري به مقاديره، مراقبة الأجر العظيم الذي أعدَّه الله للصَّابرين. وبعد تكثُّف ضغوط الضَّجر والسَّأم مِن الحياة دون أن تجد متنفَّسًا سليمًا، تحَدْثُ حالة الانفجار النَّفسي، وهذا الانفجار ينتهي به إلى الانتحار أو إلى الجنون، أو إلى الجريمة البشعة، أو إلى إدمان المسكرات والمخدِّرات، وفي كلِّ ذلك شرٌّ مستطيرٌ،
    وبلاءٌ كبيرٌ.
    أمَّا المؤمنون فهم مِن هذا البلاء بعافية والحمد لله، وبلاد المسلمين هي أسلم البلاد وأنقاها مِن جرثومة هذا الوباء، وذلك بسرِّ الوقاية العجيبة التي يصنعها الإيمان، وتغذيها عناصر التَّربية الإسلاميَّة.
    وقد أصيب بعض أبناء المسلمين في هذا العصر بأمراض أهل الكفر، لـمَّا تسرَّب إليهم داء الكفر بالله وبمقاديره وحكمته، والكفر باليوم الآخر وما فيه مِن جزاء بالثَّواب أو بالعقاب.
    ===========================================
    ومن ألأخلاق المذمومه
    الجَفَاء

    معنى الجَفَاء لغةً:
    الجفاء: خلاف البر ونقيض الصلة، وأيضًا غلظ الطبع، يقال: جفاه. إذا بعد عنه، وأجفاه: إذا أبعده، وجفوت الرجل أجفوه: أعرضت عنه أو طردته، وهو مأخوذ من جفاء السيل، وهو ما نفاه السيل، وقد يكون مع بغض، وجفا الثوب يجفو: إذا غلظ فهو جاف، ومنه جفاء البدو وهو غلظتهم
    معنى الجَفَاء اصطلاحًا:
    الجَفاء: هو الغِلَظ في العِشْرَة، والخُرْق في المعاملة، وترك الرِّفق في الأمور
    قال المباركفوري: (الجَفَاء: غِلَظ الطَّبع)
    وقال العيني: (الجَفَاء هو: الغِلَظ في الطَّبع لقلَّة مخالطة النَّاس)
    ذَمُّ الجَفَاء والنَّهي عنه في السنة النبوية
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الحياء مِن الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبَذَاء مِن الجَفَاء، والجَفَاء في النَّار ))
    ففي هذا الحديث بيَّن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنَّ الإيمان والحياء مترابطان متلازمان، وهما معًا يقودان صاحبهما إلى الجنَّة، وفي المقابل فإنَّ البَذَاء - وهو فُحْش القول، والسَّيِّئ منه– متلازم مع الجَفَاء، فهو صِنْوَه الذي لا يفارقه، وهما يسوقان صاحبهما إلى النَّار.
    قال ملا علي القاري: (... ((والبَذَاء)) -بفتح الباء- خلاف الحياء، والنَّاشئ منه الفُحْش في القول، والسُّوء في الخُلُق. مِن الجَفَاء: وهو خلاف البِرِّ الصَّادر منه الوفاء. ((والجَفَاء)) أي: أهله التَّاركون للوفاء، الثَّابتون على غلاظة الطَّبع وقساوة القلب. في النَّار. إمَّا مدَّة أو أبدًا؛ لأنَّه في مقابل الإيمان الكامل أو مطلقه، فصاحبه إمَّا مِن أهل الكفران أو الكفر)
    - وعن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سكن البادية جَفَا، ومَن اتَّبع الصَّيد غفل، ومَن أتى السُّلطان افتُتِن ))
    في هذا الحديث يبيِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا مِن أسباب الجَفَاء والغِلْظَة في الطَّبع والمعاملة، وهذا السَّبب هو السُّكنى في البادية والعيش فيها، لما في ذلك مِن بعدٍ عن النَّاس، والبعد عن معاشرتهم التي تولِّد الرِّقة في القلب، والعطف في المعاملة، وكذلك لأنها تؤدي إلى البعد عن مواطن العلم ومجالس الذِّكر.
    فالإنسان يكتسب مِن أخلاق غيره بالمعاشرة، وتتروَّض نفسه بحسب مَن حولها، وكلَّما اقترب الإنسان مِن أهل الحاضرة، كلَّما كان أرقَّ أخلاقًا وألطف طبعًا، وأحسن معاملة لمن حوله، والعكس بالعكس، قال السيوطي: (... ((مَن سكن البادية جَفَا)) أي: غَلُظ طبعه، وصار جافيًا بعد لطف الأخلاق؛ لفقد مَن يروِّضه ويؤدِّبه)
    وقال المباركفوري: (وهو الغالب على سكَّان البوادي؛ لبعدهم عن أهل العلم، وقلَّة اختلاطهم بالنَّاس، فصارت طباعهم كطباع الوحوش...)
    وقال المناوي: (قال ابن تيمية: فيه أنَّ سُكنى الحاضرة يقتضي مِن كمال الإنسان في رِقَّة القلب وغيرها ما لا تقتضيه سُكنى البادية، فهذا الأصل موجب كون جنس الحاضرة أفضل مِن جنس البادية، وقد يتخلَّف المقتضي لمانع)
    - وعن أبي مسعود: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمان هاهنا- وأشار بيده إلى اليمن- والجَفاء وغِلَظ القلوب في الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قَرْن الشَّيطان في ربيعة ومضر ))
    وفي هذا الحديث يحدِّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجَفَاء وأين يكون، وهو في معنى الحديث الذي سبقه في أنَّ الجَفاء يَكْثُر في أهل البوادي، الذين يتَّبعون الإبل في مراعيها، فيبعدون عن مراكز المدن والحضر؛ فتقسو قلوبهم، وتجفو طباعهم.
    قال ملا علي القاري: (... ((والجَفاء)) -بالمدِّ- ضدُّ الوفاء... والأظهر أنَّ المراد به هاهنا غِلَظ الألسنة، بقرينة قوله: ((وغِلَظ القلوب في الفدَّادين أهل الوبر)) بيان للفدَّادين، ويُرَاد بأهل الوبر: الأعراب أو سكَّان الصَّحاري، وإنَّما ذمَّهم؛ لبعدهم عن المدن والقرى، الموجب لقلَّة العلم الحاصل به حسن الأخلاق لهم، وسائر علوم الشَّريعة...)
    وقال المناوي: (ويحتمل أنَّ المراد بالجَفاء أنَّ القلب لا يميل لموعظة، ولا يخشع لتذكرة، والمراد بالغِلَظ: أنَّها لا تفهم المراد، ولا تعقل المعنى)
    أقوال السَّلف والعلماء في الجَفَاء

    - قال مالك بن أنس: (ما قلَّت الآثار في قوم إلَّا كَثُرَت فيهم الأهواء، وإذا قلَّت العلماء ظهر في النَّاس الجَفَاء)
    - وقال سفيان الثوري: (إيَّاك ومجالسة أهل الجَفَاء، ولا تصحب إلَّا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلَّا تقيٌّ، ولا تصاحب الفاجر ولا تجالسه)
    - عن طاوس قال: (مِن السُّنَّة أن يُوقَّر أربعة: العالم، وذو الشَّيبة، والسُّلطان، والوالد، ومِن الجَفَاء أن يدعو الرَّجل والده باسمه)
    - وعن سعيد بن جبير قال: (أربعة تُـعَدُّ مِن الجَفاء: دخول الرَّجل المسجد يصلِّي في مؤخَّره، ويدع أن يتقدَّم في مقدَّمه؛ ويمرُّ الرَّجل بين يدي الرَّجل وهو يصلِّي؛ ومسح الرَّجل جبهته قبل أن يقضي صلاته؛ ومؤاكلة الرَّجل مع غير أهل دينه)
    - وعن يحيى بن أيُّوب قال: (كنَّا عند شريك بن عبد الله يومًا فظهر مِن أصحاب الحديث جفاء، فانتهر بعضهم، فقال له رجل.
    يا أبا عبد الله، لو رفقت! فوضع شريك يده على ركبة الشَّيخ وقال: النُّبل عون على الدين)
    - وعن محمَّد بن إسحاق السَّرَّاج، قال: كتب إليَّ ابن أبي الدُّنيا مِن بغداد: يا أخي! عزيزٌ عليَّ جفاء مثلك،
    وما أنت إلَّا كما قيل:
    أتجفو خليلًا لم يخنك مودَّةً عزيز علينا أن نراك كذالكا

    - وقال يحيى بن معاذ: (حقيقة المحبَّة لا يزيدها البرُّ، ولا ينقصها الجَفاء)

    آثار الجَفاء

    1- التَّنافر بين النَّاس.
    2- تقطُّع أواصر المودَّة والمحبَّة، خاصَّة مع الأهل والأقرباء.
    3- كثرة حدوث المشكلات.
    4- الحرمان من معونة الناس عند نزول الشدائد
    5- الجافي متوعَّد بالعقوبة الأخرويَّة بالعذاب في النَّار.
    6- تفكك الأسر، وكثرة حدوث المشكلات الزوجية والطلاق.
    7- فقدان الصَّديق.

    صور الجَفَاء

    1- جفاء الإنسان ربَّه: وهو مولاه والمطَّلع عليه، ويحدِّثنا ابن القيِّم عن هذا النَّوع مِن أنواع الجَفاء، فيقول: أمَّا قوله: (والصَّبر عن الله جَفَاء) فلا جَفَاء أعظم ممَّن صبر عن معبوده وإلهه ومولاه، الذي لا مولى له سواه، ولا حياة له ولا صلاح ولا نعيم إلَّا بمحبَّته والقرب منه، وإيثار مرضاته على كلِّ شيء، فأيُّ جفاء أعظم مِن الصَّبر عنه)
    وقال بعض الحكماء: لا تجف ربَّك... أما الجَفَاء بربِّك: فأن تشتغل بخدمة غيره مِن المخلوقين
    2- جفاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن ذلك: أنَّه لا يصلِّي عليه إذا ذُكِر عنده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رَغِم أَنْف رَجُل ذُكِرْت عنده فلَمْ يُصَلِّ عليَّ )
    3- جفاء الوالدين، بالتَّأفُّف وغِلَظ القول لهما، أو قطعهما ونحوه: وهذا مِن أعظم الجَفَاء وأشدِّه، بل هو العقوق بعينه، إذ كيف يجفو المرء مَن كانا سببًا في وجوده، ومَن تعبا على تربيته، وبَذَلا جهدهما مِن أجل راحته.
    بل عدَّ السَّلف مناداة الرَّجل لوالده باسمه مجردًا مِن الجَفَاء، قال طاوس: (مِن الجَفَاء أن يدعو الرَّجل والده باسمه) فكيف بمن يعاملهما بما هو أشدُّ مِن ذلك سوءًا.
    4- ومِن صور الجَفَاء المتفشِّية في المجتمع: جفاء الرَّجل زوجته وأبنائه، وذلك مِن أعظم أسباب الفراق وتفكُّك الأُسر، فتجده إذا دخل بيته تغيَّرت صورته، وعلا صوته، فنهر هذا، وضرب ذاك، وربَّما يكون ذلك بدون سبب أو مبرِّر، فيتحوَّل البيت مِن سكن إلى حجيم، ومِن طمأنينة إلى قلق وإزعاج، وكلُّ ذلك بسبب جفاء الرَّجل وقسوة طبعة.
    يقول ابن سعدي: (وكذلك رحمة الأطفال الصِّغار، والرِّقَّة عليهم، وإدخال السُّرور عليهم مِن الرَّحمة، وأمَّا عدم المبالاة بهم، وعدم الرِّقَّة عليهم، فمِن الجَفَاء والغِلْظَة والقسوة، كما قال بعض جُفاة الأعراب حين رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقبِّلون أولادهم الصِّغار، فقال ذلك الأعرابي: إنَّ لي عشرة مِن الولد ما قبَّلت واحدًا منهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَوَ أَمْلِك لك شيئًا أن نزع الله مِن قلبك الرَّحمة؟ )))
    وقال ابن عثيمين: (أمَّا ما يفعله بعض النَّاس مِن الجَفَاء والغِلْظَة بالنِّسبة للصِّبيان، فتجده لا يمكِّن صبيَّه مِن أن يحضر على مجلسه، ولا أن يمكِّن صبيَّه مِن أن يطلب منه شيئًا، وإذا رآه عند الرِّجال انتهره، فهذا خلاف السُّنَّة، وخلاف الرَّحمة)
    5- ومِن الصُّور كذلك: جفاء الصَّديق لأي سببٍ كائن مِن الأسباب، فربَّما يجفو صديقه كِبْرًا وتيهًا، وربَّما يجفوه لمشكلة لا تحتمل الجَفاء، وربَّما لوِشَايَة سمعها عنه، أو خبر نَمَى إليه أو غير ذلك.
    6- ومِن الجَفاء كذلك: الجَفاء الشَّديد مع النَّاس في معاملتهم والحديث معهم. فمِن النَّاس مَن يظنُّ أنَّه لا يُفْهِم حتى يعلي صوته، ويقطِّب جبينه فتراه غليظًا وقحًا فظًّا فجًّا، يخشاه النَّاس، ويتجنَّبونه مخافة لسانه السَّليط، وطبعه القاسي.
    والأدهى مِن ذلك والأَمَرُّ: جفوة المنتسبين إلى الدِّين عمومًا، والدُّعاة إلى الله خصوصًا، فإنَّ بعضهم يظنُّ أنَّ هذه الجفوة مِن الدِّين، وأنَّها تكسو الدَّاعية وقارًا، وتعطيه هيبة، وقد أخطأ، بل إنَّ لها أثرًا سيئًا وتأتي بخلاف المقصود، فهي تنفِّر النَّاس عن دين الله، وتصدُّهم عن معرفته، وتباعدهم عن سبيله، ويكون هو ذاته سببًا في ذلك، لذا امتنَّ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن جعله رقيق الطَّبع، طيِّب القلب، ولم يجعله فظًّا ولا غليظًا،
    قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]
    7 - ومِن صور الجَفاء: جفاء طلَّاب العلم، سواء كان الجفاء بين طلبة العلم أو جفاء المعلم أو الشيخ لهم، وهذا على خلاف الأخلاق المطلوبة مِن الشَّيخ والمعلِّم، والتي حكاها الآجريُّ بقوله: (فأمَّا أخلاقه مع مجالسيه: فصبورٌ على مَن كان ذهنه بطيئًا عن الفهم حتى يَفْهَم عنه، صبورٌ على جفاء مَن جهل عليه حتى يردَّه بحلمٍ، يؤدِّب جلساءه بأحسن ما يكون مِن الأدب، لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما ينطق به مِن العِلْم. فإن تخطَّى أحدهم إلى خُلقٍ لا يحسن بأهل العلم، لم يَجْبَهْهُ في وجهه على جِهة التَّبكيت له. ولكن يقول: لا يَحْسُن بأهل العلم والأدب كذا وكذا، وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا عن كذا وكذا.
    فيكون الفاعل لخُلُقٍ لا يحسن، قد عَلِمَ أنَّه المراد بهذا، فيبادر برفقه به، إن سأله منهم سائلٌ عمَّا لا يعنيه ردَّه عنه، وأمره أن يسأل عمَّا يعنيه، فإذا علم أنَّهم فقراء إلى علمٍ قد غفلوا عنه أبداه إليهم، وأعلمهم شدَّة فقرهم إليه، لا يعنِّف السائل بالتَّوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره فيضع مِن قدره، ولكن يبسطه في المسألة ليجبره فيها، قد علم بغيته عمَّا يعنيه، ويحثُّه على طلب علم الواجبات: مِن علم أداء فرائضه واجتناب محارمه. يقبل على مَن يَعْلَم أنَّه محتاجٌ إلى علم ما يسأل عنه، ويترك مَن يعلم أنه يريد الجدل والمراء، يقرِّب عليهم ما يخافون بُعْدَه بالحكمة والموعظة الحسنة. يسكت عن الجاهل حِلمًا، وينشر الحكمة نُصحًا، فهذه أخلاقه لأهل مجلسه وما شاكل هذه الأخلاق)
    أمَّا الجفاء بينهم فقد يحصل بين طلَّاب العلم مِن الجفوة ما يصل إلى حدٍّ لا يُحْمَد، وقد يكون سببه التَّنافس المذموم، الذي قد يصل بهم إلى درجة التَّقاطع والتَّهاجر، والحديث في بعضهم البعض، وقد يكون سببه حسد بعضهم لبعض، والله المستعان.
    8 - جفاء مَن أحسنوا إليك، وأعانوك عند حاجتك.
    أسباب الوقوع في الجَفَاء

    1- ضعف الإيمان وقلَّة العلم، لذا كان أهل البداوة أكثر النَّاس جفاءً، وأغلظهم طبعًا وأقساهم قلوبًا، وأضعفهم إيمانًا.
    2- تزيين الشَّيطان.
    3- الحسد قد يولِّد الجَفَاء بين المتحاسدين، ويوسِّع النُّفْرَة بينهما؛ لأنَّه (إذا شاع الحسد بين النَّاس، وحسد بعضهم بعضًا زال الخير عنهم، وحلَّ الجَفَاء، واشتعلت نار الفتنة، وعمَّتهم المصيبة والمحنة)
    4- البعد عن المنهج الصَّحيح في معاملة الآخرين.
    5- ترك النُّصح والتَّوجيه لمن اتَّصف بهذه الصِّفة، والمعاتبة بالحسنى حتى يرعوي، وقديمًا قال بعض الحكماء: العتاب علامة الوفاء، وسلاح الأكفاء، وحاصد الجَفَاء وقال أبو حاتم البستي: (إنَّ مِن أعظم الجَفَاء ترك العتاب)
    5- أثر البيئة والتنشئة في الصغر على نمو هذه الصفة.
    7- الكِبْر.
    8- مقابلة الجَفَاء بالجَفَاء، فإنَّ بعض النَّاس قد يكون هيِّـنًا ليِّـنًا، رقيق الطَّبع غير جافٍ، إلَّا أنَّ جفاء الجفاة قد يحوِّله إلى جافٍ مِن باب المقابلة بالمثل
    الوسائل المعينة على ترك الجَفَا

    1- التَّزوُّد بالإيمان، والتَّضلُّع مِن العلم النَّافع، فإنَّهما كفيلان بترقيق الطَّبع، وتحسين الخُلُق.
    2- الاقتداء بسيِّد الخَلْق أجمعين صلى الله عليه وسلم في كيفيَّة معاملته للنَّاس وحرصه عليهم، ورِفْقِه بهم.
    3- الاختلاط بالنَّاس والصَّبر على أذاهم سببٌ آخر لترك هذا الخُلُق، وكلَّما بعد الإنسان عن النَّاس وتجمُّعاتهم، كلَّما غَلُظ طبعه، وقسى قلبه، وساء خُلُقه، لعدم وجود مَن يعاشره، ويتعلَّم منه ويصبر عليه، كما هو الحال في أهل البادية.
    4- التَّناصح بين الإخوان، والعتاب بينهم بالحسنى؛ كفيلٌ بأن يهذِّب الطِّباع، ويُذْهِب الجَفَاء،
    5- أن يعلم مَن ابتُلِي بهذا الخُلُق أنَّه قد يعرِّض نفسه للعقوبة والعذاب إن داوم على سوء الخُلُق، وقسوة القلب.
    6- أن يعلم أنَّه قد يخسر كلَّ أصدقائه وأحبابه.
    7- أن يعلم أنَّه متَّصف ببعض صفات الجبَّارين، الذين يبغضهم الله -تبارك وتعالى-.
    8- أن يعلم أنَّه بقسوته وجفائه قد يظلم مَن حوله، فيأثم، وربَّما يدعو عليه المظلومون، فلا تُخْطِئُه تلك الدَّعوات، فيخسر دنياه وآخرته.
    9- أن يصبر على جفاء الإخوان ولا يقابلهم بالمثل، فإنَّه مأجور مثاب على صبره، وقد يكون صبره هذا سببًا لتركهم الجَفَاء وبعدهم عنه، وهو مِن جانب آخر أسلم له، قال أبو حاتم البستي: (العاقل يتفقَّد ترك الجَفاء مع الإخوان، ويراعي محوها إن بدت منه، ولا يجب أن يستضعف الجفوة اليسيرة؛ لأنَّ مَن استصغر الصَّغير يوشك أن يجمع إليه صغيرًا، فإذا الصَّغير كبير، بل يبلغ مجهوده في محوها) وقال -أيضًا-: (ولأن يصبر المرء على حرارة الجَفاء ومرارتها أولى مِن الانتقام ممَّا يستجلب عليه بما هو أحرُّ وأمرُّ ممَّا مضى؛ لأنَّ مِن الكلام ما هو أشدُّ مِن الحجر، وأنفذ مِن الإبر، وأمرُّ مِن الصَّبر،

    وليعلم هذا الفاضل أنَّ أفضل طريقة يختبر فيها حسن خلقه؛ هي الصَّبر على جفاء الجفاة، واحتمال الأذى. قال الغزَّالي: (وأولى ما يُمْتَحن به حسن الخُلُق: الصَّبر على الأذى، واحتمال الجَفاء)
    وعليه أن يتَّهم نفسه إذا رأى جفاءً مِن إخوانه، فربَّما كان هذا الجَفاء بسبب ذنب ارتكبه، أو خطيئة أتى بها. قال بكر بن عبد الله المزنيُّ: (وإن رأيت إخوانك مِن المسلمين يكرمونك، ويعظِّمونك، ويصلونك، فقل أنت: هذا فضل أخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضًا، فقل: هذا ذنب أحدثته)
    الصَّبر على الجَفَاء
    قال ابن حزم الأندلسي: (الصَّبر على الجَفَاء ينقسم ثلاثة أقسام:
    1- فصبر عمَّن يقدر عليك، ولا تقدر عليه.
    2- وصبر عمَّن تقدر عليه، ولا يقدر عليك.
    3- وصبر عمَّن لا تقدر عليه، ولا يقدر عليك.
    فالأوَّل ذلٌّ ومهانة، وليس مِن الفضائل، والرأي لمن خشي ما هو أشدُّ ممَّا يصبر عليه المتاركة والمباعدة. والثَّاني فضلٌ وبِرٌّ، وهو الحِلْم على الحقيقة، وهو الذي يوصف به الفضلاء، والثَّالث ينقسم قسمين:
    1- إمَّا أن يكون الجَفَاء ممَّن لم يقع منه إلَّا على سبيل الغلط، ويعلم قبح ما أتى به، ويندم عليه، فالصَّبر عليه فضل وفرض، وهو حِلْم على الحقيقة.
    2- وأمَّا مَن كان لا يدري مقدار نفسه، ويظنُّ أنَّ لها حقًّا يستطيل به، فلا يندم على ما سلف منه، فالصَّبر عليه ذلٌّ للصَّابر، وإفساد للمصبور عليه؛ لأنَّه يزيد استشراءً، والمقارضة
    له سخف، والصَّواب إعلامه بأنَّه كان ممكنًا أن ينتصر منه، وإنَّه إنَّما ترك ذلك استرذالًا له فقط، وصيانة عن مراجعته، ولا يُزاد على ذلك، وأمَّا جفاء السِّفْلة فليس جزاؤه إلَّا النَّكال وحده)
    ----------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا مع شرح ألخلاق المذمومه التي يبغضها ألإسلام .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الحسد)

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء يوليو 19, 2022 9:52 am

    ومن ألأخلاق المذمومه الي نهي عنها ألإسلام
    الـحـسد


    معنى الحسد لغةً:
    الحسد مصدره حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه، حَسَدًا وحُسودًا وحَسادَةً، وحَسَّدَه: تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته، أو يسلبهما،
    وحَسَدَهُ الشيءَ وعليه
    معنى الحسد اصطلاحًا:
    وقال الجرجاني: (الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد)
    وقال الكفوي: (الحسد: اختلاف القلب على الناس؛ لكثرة الأموال والأملاك)
    وعرفه الطاهر بن عاشور فقال: (الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛
    لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد)
    الفرق بين الحسد وبعض الصفات
    - الفرق بين الحسد والغبطة:
    قال ابن منظور: (الغبط أن يرى المغبوط في حال حسنة، فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه، وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له، وأما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود، وأن يزول عنه ما هو فيه)
    وقال الرازي: (إذا أنعم الله على أخيك بنعمة؛ فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة)
    وقد تسمى الغبطة حسدًا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها )) وقد فسر النووي الحسد في الحديث فقال: (هو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها)
    - الفرق بين الحسد والمنافسة والمسابقة:
    قال ابن القيم: (للحسد حدٌّ، وهو المنافسة في طلب الكمال، والأنفة أن يتقدَّم عليه نظيره، فمتى تعدَّى ذلك صار بغيًا وظلمًا يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود، ويحرص على إيذائه)
    وقال الغزالي: (والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة، والذي يدلُّ على إباحة المنافسة قوله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26]، وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [الحديد: 21]، وإنما المسابقة عند خوف الفوت؛ وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما، إذ يجزع كلُّ واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها)
    وبيَّن الغزالي سبب المنافسة فأرجعها إلى: (إرادة مساواته، واللحوق به في النعمة، وليس فيها كراهة النعمة، وكان تحت هذه النعمة أمران: أحدهما: راحة المنعم عليه، والآخر: ظهور نقصانه عن غيره وتخلفه عنه، وهو يكره أحد الوجهين، وهو تخلُّف نفسه، ويحب مساواته له. ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات)
    وقد تنافس الصحابة في الخير، وبذلوا أسباب الكمال؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا ))
    ولكن المنافسة في أمور الدنيا تجر غالبًا إلى الوقوع في الحسد والأخلاق الذميمة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله،
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؛ تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون
    ))
    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم ))
    وقد نبَّه على ذلك الرازي فقال: (لكن هاهنا دقيقة؛ وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان: أحدهما: أن يحصل له مثل ما حصل للغير. والثاني: أن يزول عن الغير ما لم يحصل له. فإذا حصل اليأس عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفكُّ عن شهوة الطريق الآخر، فهاهنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة تلك الفضيلة عن ذلك الشخص لأزالها، فهو صاحب الحسد المذموم، وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير؛ فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك)
    - الفرق بين الحسد والعين:
    العين نظر باستحسان قد يشوبه شيء من الحسد، ويكون الناظر خبيث الطبع
    (يشتركان في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق.
    فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس.
    والعائن: لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله)
    قال ابن القيم: (العاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء؛ فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه؛ فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته، والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضًا،
    ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد، أو حيوان، أو زرع، أو مال)
    وقال أيضًا: ((العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد...وأنه أعم فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنًا))
    ذم الحسد والنهي عنه في القرآن الكريم
    - قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق]
    قال الرازي: (كما أنَّ الشيطان هو النهاية في الأشخاص المذمومة، ولهذا السبب ختم الله مجامع الشرور الإنسانية بالحسد،
    وهو قوله: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَكما ختم مجامع الخبائث الشيطانية بالوسوسة)
    وقال الحسين بن الفضل: (إنَّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسُّ الطبائع)
    وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109]
    قال ابن عثيمين: (والآية تدلُّ على تحريم الحسد؛ لأنَّ مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة... والحاسد لا يزداد بحسده إلا نارًا تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهًا لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنَّه يكره أن ينعم الله على هذا المحسود، ثم إنَّ الحاسد أو الحسود مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلًا فيها؛ لأنَّه لابدَّ أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة)
    وقال الثعالبي: (وقيل: إنَّ هذه الآية تابعةٌ في المعنى لما تقدَّم من نَهْيِ اللهِ عزَّ وجلَّ عن متابعة أقوال اليهود في: رَاعِنَا [البقرة: 104] وغيره، وأنهم لا يودُّون أن ينزل على المؤمنين خيرٌ، ويودُّون أن يردوهم كفارًا من بعد ما تبيَّن لهم الحق، وهو نبوءة محمَّد صلَّى الله عليه وسلم)
    (وقال: حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ليبين أنَّ حسدهم لم يكن عن شبهة دينية، أو غيرة على حقٍّ يعتقدونه، وإنما هو خبث النفوس، وفساد الأخلاق، والجمود على الباطل، وإن ظهر لصاحبه الحق)
    - وقال سبحانه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء: 54]
    قال القرطبي: (وهذا هو الحسد بعينه الذي ذمَّه الله تعالى)
    وقال أبو السعود: (مفيدة للانتقال من توبيخهم بما سبق إلى توبيخهم بالحسد الذي هو شرُّ الرذائل وأقبحها؛ لاسيما على ما هم بمعزل من استحقاقه)
    - وقال عزَّ مِن قائل: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء: 32]
    قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (والحسد مذموم، وصاحبه مغموم، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب... ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل)
    وقال الزجاج: (قيل: لا ينبغي أن يتمنى الرجل مال غيره ومنزل غيره، فإِن ذلك هو الحسد)
    ذم الحسد والنهي عنه في السنة النبوية

    - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا
    ، وكونوا عباد الله إخوانًا
    ))
    قال ابن بطال: (وفيه: النهي عن الحسد على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض، وأمرهم أن يسألوه من فضله)
    وقال الباجي: (أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسده عليه، فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة، فذلك الحسد)
    قال القاري: قال: (إياكم والحسد. أي: في مال أو جاه دنيوي؛ فإنَّه مذموم، بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي.
    فإن الحسد أي: باعتبار ما ينتج في حقِّ المحسود من ارتكاب السيئات. يأكل الحسنات: أي يفني ويذهب طاعات الحاسد.
    كما تأكل النار الحطب. لأنَّ الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه، فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود،
    فيزيد المحسود نعمة على نعمة، والحاسد حسرة على حسرة، فهو كما قال تعالى: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحج:11] )
    وقال المناوي: (فإنَّ الحسد يأكل الحسنات. أي: يذهبها، ويحرقها، ويمحو أثرها. كما تأكل النار الحطب.
    أي: اليابس؛ لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود، وشتمه، وقد يتلف ماله، أو يسعى في سفك دمه، وكل ذلك مظالم يقتصُّ منها في الآخرة، ويذهب في عوض ذلك حسنات، فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أنَّ المعاصي تحبط الطاعات)
    وقال العظيم آبادي: (إياكم والحسد. أي: احذروا الحسد في مال أو جاه دنيوي؛ فإنَّه مذموم، بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي.فإن الحسد يأكل الحسنات. أي: يفني ويذهب طاعات الحاسد)
    - وعن قيس، قال: سمعت عبد الله بن مسعود، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ))
    قال النووي: (قال العلماء الحسد قسمان: حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين، وما في معناهما. قوله صلى الله عليه وسلم: آناء الليل والنهار. أي ساعاته)
    قال ابن الجوزي: (وقد ذم الحسد على الإطلاق لما ينتجه ويوجبه... وأنَّ المراد بالحديث نفي الحسد فحسب، فقوله: لا حسد. كلام تام، وهو نفي في معنى النهي. وقوله: إلا في اثنتين. استثناء ليس من الجنس)
    أقوال السلف والعلماء في الحسد
    - قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: (كلُّ الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها)
    - وقال ابن سيرين: (ما حسدت أحدًا على شيء من أمر الدنيا؛ لأنَّه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على الدنيا،
    وهي حقيرة في الجنة؟! وإن كان من أهل النار، فكيف أحسده على أمر الدنيا، وهو يصير إلى النار؟!)
    - وقال الحسن البصري: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم من حاسد، نفس دائم، وحزن لازم، وغمٌّ لا ينفد)
    - وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل مجانبة الحسد على الأحوال كلِّها، فإنَّ أهون خصال الحسد هو ترك الرضا بالقضاء،
    وإرادة ضد ما حكم الله جل وعلا لعباده، ثم انطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم، والحاسد لا تهدأ روحه،
    ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة عن أخيه، وهيهات أن يساعد القضاء ما للحساد في الأحشاء)
    وقال كذلك: (الحسد من أخلاق اللئام، وتركه من أفعال الكرام، ولكلِّ حريق مطفئ، ونار الحسد لا تطفأ)
    - وقال أبو الليث السمرقندي: (يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: أولاها: غمٌّ لا ينقطع. الثانية: مصيبة لا يُؤجر عليها. الثالثة: مذمَّة لا يُحمد عليها. الرابعة: سخط الرب. الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق)
    - وقال الجاحظ: (ومتى رأيت حاسدًا يصوب إليك رأيًا إن كنت مصيبًا، أو يرشدك إلى صواب إن كنت مخطئًا، أو أفصح لك بالخير في غيبته عنك، أو قصر من غيبته لك؟ فهو الكلب الكَلِب، والنمر النَّمِر، والسمُّ القَشِب، والفحل القَطِم، والسيل العَرِم إن ملك قتل وسبى، وإن مُلِك عصى وبغى. حياتك موته، وموتك عرسه وسروره. يصدِّق عليك كلَّ شاهد زور، ويكذِّب فيك كلَّ عدل مرضي. لا يحب من الناس إلا من يبغضك، ولا يبغض إلا من يحبك. عدوك بطانة وصديقك علانية...أحسن ما تكون عنده حالًا أقل ما تكون مالًا، وأكثر ما تكون عيالًا، وأعظم ما تكون ضلالًا. وأفرح ما يكون بك أقرب ما تكون بالمصيبة عهدًا، وأبعد ما تكون من الناس حمدًا، فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الموتى، ومخالطة الزَّمنى، والاجتنان بالجدران، ومصر المصران، وأكل القردان، أهون من معاشرته والاتصال بحبله)
    - وقال الجرجاني: (كم من فضيلة لو لم تستترها المحاسد لم تبرح في الصدور كامنة، ومنقبة لو لم تزعجها المنافسة لبقيت على حالها ساكنة! لكنها برزت فتناولتها ألسن الحسد تجلوها، وهي تظن أنها تمحوها، وتشهرها وهي تحاول أن تسترها؛ حتى عثر بها من يعرف حقها، واهتدى إليها من هو أولى بها، فظهرت على لسانه في أحسن معرض، واكتست من فضله أزين ملبس؛ فعادت بعد الخمول نابهة، وبعد الذبول ناضرة، وتمكنت من برِّ والدها فنوَّهت بذكره، وقدرت على قضاء حقِّ صاحبها، فرفعت من قدره
    وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة: 216] )
    - وقال ابن المعتز: (الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، ويبخل بما لا يملكه، ويطلب ما لا يجده)
    - وقال ابن حزم: (إنَّ ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد كلَّ من أحسن إليهم، إذا رأوه في أعلى من أحوالهم)
    - وقال الخطاب بن نمير السعدي: (الحاسد مجنون؛ لأنَّه يحسد الحسن والقبيح)
    آثار الحسد
    الحسد مذموم مرذول، أجمل الماوردي مذمته في قوله: (ولو لم يكن من ذمِّ الحسد إلا أنَّه خلق دنيء، يتوجَّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصُّ بالمخالط والمصاحب، لكانت النزاهة عنه كرمًا، والسلامة منه مغنمًا، فكيف وهو بالنفس مضرٌّ، وعلى الهمِّ مصرٌّ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدو، ولا إضرار بمحسود)
    ثم ذكر للحسد أربع مساوئ فقال:
    1- حسرات الحسد وسقام الجسد، ثم لا يجد لحسرته انتهاء، ولا يؤمل لسقامه شفاء، قال ابن المعتز: الحسد داء الجسد.
    2- انخفاض المنزلة وانحطاط المرتبة؛ لانحراف الناس عنه، ونفورهم منه، وقد قيل في منثور الحكم: الحسود لا يسود.
    3- مقت الناس له، حتى لا يجد فيهم محبًّا، وعداوتهم له، حتى لا يرى فيهم وليًّا، فيصير بالعداوة مأثورًا، وبالمقت مزجورًا.
    4- إسخاط الله تعالى في معارضته، واجتناء الأوزار في مخالفته، إذ ليس يرى قضاء الله عدلًا، ولا لنعمه من الناس أهلًا
    وقال الجاحظ: (الحسد -أبقاك الله- داء ينهك الجسد، ويفسد الودَّ، علاجه عسر، وصاحبه ضجر، وهو باب غامض، وأمر متعذر، فما ظهر منه فلا يداوى، وما بطن منه فمداويه في عناء)
    ثم قال: (ولو لم يدخل- رحمك الله- على الحاسد بعد تراكم الهموم على قلبه، واستمكان الحزن في جوفه، وكثرة مضضه ، ووسواس ضميره، وتنغيص عمره، وكدر نفسه، ونكد لذاذة معاشه، إلا استصغاره لنعمة الله عنده، وسخطه على سيده بما أفاد الله عبده، وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه، وألا يرزق أحدًا سواه، لكان عند ذوي العقول مرحومًا، وكان عندهم في القياس مظلومًا)
    5- يؤدي إلى المقاطعة، والهجر، والبغضاء، والشحناء.
    6- يؤدي إلى الغيبة، والنميمة.
    7- يؤدي إلى الظلم، والعدوان.
    8- يؤدي إلى السرقة، والقتل
    أقسام الحسد
    قسم العلماء الحسد إلى عدد من الأنواع، ومنهم ابن القيم الذي قسمه إلى ثلاثة أنواع:
    1- حسد يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما؛ لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئًا من ذلك، ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله.
    2- تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله؛ من جهله، أو فقره، أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله، أو قلة دينه.
    3- حسد الغبطة؛ وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود، من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة
    وقسمه الغزالي إلى أربعة أنواع:
    1- أن يحب زوال النعمة عنه، وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث.
    2- أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في دار حسنة، أو امرأة جميلة، أو ولاية نافذة، أو سعة نالها غيره، وهو يحبُّ أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه.
    3- أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما.
    4- أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه، وهذا هو المعفو عنه إن كان في الدنيا،
    والمندوب إليه إن كان في الدين
    أسباب الوقوع في الحسد
    للحسد أسباب كثيرة تجعل النفس المريضة تقع في حبائل تلك الخصلة الذميمة، وقد أحسن الجرجاني إجمالها
    فقال: (التفاضل -أطال الله بقاءك- داعية التنافس؛ والتنافس سبب التحاسد؛ وأهل النقص رجلان: رجل أتاه التقصير من قبله،
    وقعد به عن الكمال اختياره، فهو يساهم الفضلاء بطبعه، ويحنو على الفضل بقدر سهمه. وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته،
    ومؤثلًا في تركيب فطرته، فاستشعر اليأس من زواله، وقصرت به الهمة عن انتقاله؛ فلجأ إلى حسد الأفاضل، واستغاث بانتقاص الأماثل؛ يرى أنَّ أبلغ الأمور في جبر نقيصته، وستر ما كشفه العجز عن عورته، اجتذابهم إلى مشاركته، ووسمهم بمثل سمته
    وفصل الغزالي أسباب التحاسد في سبعة أمور هي:
    1– (العداوة والبغضاء: وهذا أشد أسباب الحسد، فإنَّ مَن آذاه شخص بسبب من الأسباب، وخالفه في غرض بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد. والحقد يقتضي التشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفَّى بنفسه أحبَّ أن يتشفَّى منه الزمان، وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها، وظنَّها مكافأة له من جهة الله على بغضه وأنها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛ لأنَّه ضدُّ مراده، وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله؛ حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه، بل أنعم عليه.
    2- التعزز: وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية، أو علمًا، أو مالًا خاف أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق تكبره، ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه ، وتفاخره عليه، وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره، فإنَّه قد رضي بمساواته مثلًا، ولكن لا يرضى بالترفع عليه.
    3- الكبر: وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه، ويستصغره، ويستخدمه، ويتوقَّع منه الانقياد له، والمتابعة في أغراضه، فإذا نال نعمة خاف ألا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته، أو ربما يتشوَّف إلى مساواته، أو إلى أن يرتفع عليه، فيعود متكبرًا بعد أن كان متكبرًا عليه.
    4- التعجب: فيجزع الحاسد من أن يتفضل عليه من هو مثله في الخلقة، لا عن قصد تكبر، وطلب رياسة، وتقدم عداوة، أو سبب آخر من سائر الأسباب.
    5- الخوف من فوت المقاصد: وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فإن كان واحد يحسد صاحبه في كلِّ نعمة تكون عونًا له في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين؛ للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال.
    6- حب الرياسة وطلب الجاه: وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فنٍّ من الفنون، إذا غلب عليه حب الثناء، واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر، وفريد العصر في فنه، وأنه لا نظير له، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك، وأحبَّ موته، أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة؛ من شجاعة، أو علم، أو عبادة، أو صناعة، أو جمال، أو ثروة، أو غير ذلك مما يتفرد هو به، ويفرح بسبب تفرده.
    7- خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى: فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال، إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه؛ يشقُّ ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس، وإدبارهم، وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته. وهذا السبب معالجته شديدة؛ لأنَّ الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة، يتصور زوالها فيطمع في إزالتها، وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض، فتعسر إزالته)

    الوسائل المعينة على ترك الحسد

    ذكر العلماء وسائل للحاسد الذي يريد النجاة من مغبة هذا الخلق الذميم، ويودُّ الخلاص من آفته التي أقضَّت
    مضجعه، ومن تلك الوسائل:
    1- قطع النظر عن الناس، وتعليق قلبه بالله سبحانه وتعالى، وسؤاله من فضله.
    2- المنافسة في الأعمال الصالحة لا في أمور الدنيا.
    3-التربية منذ الطفولة على حب الخير للناس.
    4- أن يدرب نفسه على قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، والدعاء بالبركة، إذا أعجبه شيء.
    5- الدعاء للمحسود بالزيادة من فضل الله تعالى، إذا وجد في نفسه شيئًا من الحسد المذموم.
    6- الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لحكمه، فهو الذي يعطي النعم ويسلبها،
    قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:32]
    7- التفكر في نتائج الحسد، والنظر في عواقبه الوخيمة عليه وعلى من حوله؛ فهو يتألم بحسده ويتنغص في نفسه، فيبقى مغمومًا، محرومًا، متشعب القلب، ضيق الصدر، قد نزل به ما يشتهيه الأعداء له، ويشتهيه لأعدائه،
    قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]
    8– أن يحذر نفور الناس منه، وبعدهم عنه، وبغضهم له؛ لأنَّ الحسد يظهر في أعمال الجوارح،
    قال تعالى: بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: 118] ، فيخاف عداوتهم له وملامتهم إياه، فيتألفهم بمعالجة نفسه، وسلامة صدره.
    9– أن يعمل بنقيض ما يأمره به الحسد؛ فإن حمله الحسد على القدح في محسوده، كلَّف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له، والاعتذار إليه، وإن بعثه على كفِّ الإنعام عليه، ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه.
    10- أن يصرف شهوة قلبه في مرضاة الله تعالى: فقد جعل الله في الطاعة والحلال ما يملأ القلب بالخير، وما من صفة من الصفات إلا وجعل لها مصرفًا ومحلًّا ينفذها فيه، فجعل لصفة الحسد مصرفًا وهو المنافسة في فعل الخير، والغبطة عليه، والمسابقة إليه، وجعل لصفة الكبر التي تؤدي للحسد مصرفًا، هو التكبر على أعداء الله تعالى وإهانتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يختال بين الصفين في الحرب: ((إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن)) ، وجعل لقوة الحرص مصرفًا وهو الحرص على ما ينفع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك ))
    الوسائل المعينة على دفع شر الحاسد عن المحسود

    ذكر ابن القيم عشرة أسباب تدفع شر الحاسد عن المحسود
    :
    1- التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به، والله تعالى سميع لاستعاذته، عليم بما يستعيذ منه،
    قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق]
    2- تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه؛ فمن اتَّقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران: 120]،
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك )) فمن حفظ الله، حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه، ومن كان الله حافظه وأمامه، فممن يخاف؟!
    3- الصبر على عدوه، وألا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله، ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه، كان بغيه جندًا وقوة للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه
    وهو لا يشعر، فبغيه سهام يرميها من نفسه، وقد قال تعالى: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج: 60] ، فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقَّه أولًا، فكيف بمن لم يستوفِ شيئًا من حقِّه؟!
    4- التوكل على الله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فإنَّ الله حسبه أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضرُّه إلا أذى لا بد منه، كالحرِّ والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له؛ وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.
    5- فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، ولا يجعل قلبه معمورًا بالفكر في حاسده، والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام منه، فهذا التفكير مما لا يتسع له إلا قلب خراب، لم تسكن فيه محبة الله، وإجلاله وطلب مرضاته، وهذا العلاج من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.

    6- الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئًا فشيئًا، حتى يقهرها، ويغمرها، ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره، وهواجسه، وأمانيه كلها في محابِّ الرب، والتقرب إليه، وتملقه، وترضيه، واستعطافه، وذكره.
    7- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإنَّ الله تعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى: 30] وقال لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165] فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره.
    8- الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنَّ لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين وشرِّ الحاسد، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملًا فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة.
    9- إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرًّا وبغيًا وحسدًا، ازددت إليه إحسانًا، وله نصيحة،
    وعليه شفقة، وهذا من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله،
    قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 34 – 36]
    واعلم أنَّ لك ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفو عنها، ويغفرها لك، ويهبها لك. ومع هذا ينعم الله عليك، ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمِّله، فإذا كنت ترجو هذا من ربِّك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم؛ ليعاملك الله هذه المعاملة؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل.
    10- تجريد التوحيد والانتقال بالفكر إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأنَّ الحسد لا يضرُّ ولا ينفع إلا بإذنه، فهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه، قال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس: 107] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك ))
    وقال الجاحظ: (فإذا أحسست -رحمك الله- من صديقك بالحسد، فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنَّه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصن سرَّك منه تسلم من شرِّه وعوائق ضرِّه، وإياك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنك خدع ملقه، وبيان ذلقه، فإنَّ ذلك من حبائل نفاقه)
    حسد إبليس
    خلق الله جل وعلا آدم عليه السلام وشرَّفه وكرَّمه، وأمر الملائكة بالسجود له، ولكن إبليس تكبر وبغى، وحسده على هذه المنزلة؛ قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: 11-12]
    قال قتادة: (حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه من الكرامة، وقال: أنا ناريٌّ وهذا طينيٌّ)
    وقال ابن عطية: (أول ما عصي الله بالحسد، وظهر ذلك من إبليس)
    ومن شدة حسد إبليس أنه لما تبين مقت الله له وغضبه عليه، أراد أن يغوي بني آدم ليشاركوه المقت والغضب،
    وقد ذكر الله حال إبليس هذا، قال تعالى: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16-17]
    قال ابن القيم: (الحاسد شبيه بإبليس، وهو في الحقيقة من أتباعه؛ لأنَّه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس، وزوال نعم الله عنهم، كما أنَّ إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسدًا، فالحاسد من جند إبليس)
    حسد قابيل لأخيه هابيل

    قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 27- 30]
    (فإن آدم - عليه السلام - لما بعث إلى أولاده، كانوا مسلمين مطيعين، ولم يحدث بينهم اختلاف في الدين، إلى أن قتل قابيل هابيل؛
    بسبب الحسد والبغي)
    حسد إخوة يوسف
    قال تعالى: لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [يوسف: 7- 9]
    قال الماوردي: (كان يعقوب قد كلف بهما؛ لموت أمهما، وزاد في المراعاة لهما، فذلك سبب حسدهم لهما، وكان شديد الحبِّ ليوسف، فكان الحسد له أكثر، ثم رأى الرؤيا فصار الحسد له أشد)
    حسد اليهود والنصارى
    بيَّن الله تعالى أنَّ أهل الكتاب الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم حسدوه على ما آتاه الله من فضله، حتى إنهم زعموا أنَّ كفار مكة أهدى من المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء 51- 54] ومع كفرهم فإنهم يودون لو يرتد المسلمون عن دينهم حسدًا وحقدًا، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109] قال ابن كثير: (يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم، وفضل نبيهم)
    حسد كفار قريش

    أكرم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ولكن كفار قريش حسدوه على هذا الفضل، وظنوا أنَّ النبوة مبنية على مقاييسهم الدنيوية المختلة، وقد ذكر الله تعالى ذلك عنهم ووبخهم على سوء فهمهم، قال تعالى: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 31- 32]
    قال النسفي: (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ [القصص: 69] تضمر صُدُورُهُمْ من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده، وما يعلنون من مطاعنهم فيه، وقولهم: هلا اختير عليه غيره في النبوة)
    حسد المنافقين

    المنافقون يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والعداوة، وتكاد قلوبهم تشقق حسدًا وغيظًا وحقدًا، قال تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 120] قال ابن كثير: (وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد، وكثروا وعز أنصارهم؛ ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب، أو أديل عليهم الأعداء لما لله تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم أحد، فرح المنافقون بذلك)
    وقال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ [محمد: 29] قال ابن كثير: (أيعتقد المنافقون أنَّ الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين، بل سيوضح أمرهم، ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة، فبيَّن فيها فضائحهم، وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة، والأضغان: جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد، والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره)
    علامات الحاسد
    قال الجاحظ: (وما لقيت حاسدًا قط إلا تبين لك مكنونه بتغير لونه، وتخوُّص عينه، وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك، والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك)
    وصف البلغاء والحكماء للحسد

    قد أكثر الكتاب والبلغاء والحكماء من وصف الحسد والتحذير منه، وما ذاك إلا لشديد قبحه ودناءته؛ ومن ذلك:
    قال بعض الحكماء: (ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر، من الحسد، وذلك أنَّ الحاسد معاند لحكم الله، باغٍ على عباده،
    عاتٍ على ربه، يعتدُّ نعم الله نقمًا، ومزيده غيرًا، وعدل قضائه حيفًا، للناس حال وله حال، ليس يهدأ ولا ينام جشعه،
    ولا ينفعه عيشه، محتقر لنعم الله عليه، متسخط ما جرت به أقداره، لا يبرد غليله، ولا تؤمن غوائله ؛ إن سالمته وَتَرك،
    وإن واصلته قطعك، وإن صرمته سبقك
    )
    وسئل بعض الحكماء: أي أعدائك لا تحبُّ أن يعود لك صديقًا؟ قال: (الحاسد الذي لا يرده إلى مودتي إلا زوال نعمتي)
    وقيل: (من صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة)
    وقيل: (ليس من الحسد سرور)
    وقيل: (من علامات الحاسد أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة إذا نزلت)
    وقيل: (الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت)
    وقيل: (الحاسد يعمى عن محاسن الصبح)
    وقيل: (الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمة حسود)
    -------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا نتابع ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الحقد )

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء يوليو 19, 2022 10:21 am

    ومن ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام

    الـحـقـد
    معني الحقد لغةً:
    الحِقْدُ: الضِغْن، وهو إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها، والجمع أَحْقادٌ وحُقود وحقائد. وتقول: حَقَدَ عليه يَحْقِد حِقْدًا،
    وحَقِد عليه بالكسر حَقَدًا لغةً. وأَحْقَدَهُ غيره صيره حاقدًا. ورجل حَقود
    معنى الحقد اصطلاحًا:
    هو إضمار الشر للجاني إذا لم يتمكن من الانتقام منه، فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة
    وقال الجرجاني: الحقد هو (سوء الظنِّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة)

    - الفرق بين الموجدة والحقد

    ذكر ابن القيم فروقًا بين الموجدة والحقد فقال: (أن الوجد: الإحساس بالمؤلم، والعلم به، وتحرك النفس في رفعه؛ فهو كمال.
    وأما الحقد فهو إضمار الشرِّ، وتوقعه كلَّ وقت فيمن وجدت عليه، فلا يزايل القلب أثره.
    وفرق آخر: وهو أن الموجدة لما ينالك منه، والحقد لما يناله منك، فالموجدة وجد ما نالك من أذاه، والحقد توقع وجود ما يناله من المقابلة، فالموجدة سريعة الزوال، والحقد بطيء الزوال، والحقد يجيء مع ضيق القلب، واستيلاء ظلمة النفس، ودخانها عليه، بخلاف الموجدة فإنها تكون مع قوته، وصلابته، وقوة نوره، وإحساسه)
    ذم الحقد في القرآن الكريم

    - قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 204-205]
    - وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف: 43]
    - وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47-48]
    قال الطبري: (وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ
    وعداوة، كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة)
    وقال القرطبي: (ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة؛ نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج والغل: الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال)
    وقال السعدي: (وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودًا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانًا متحابين، وأخلاء متصافين... ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه)
    (ولما كانت الجنة دار سعادة ونعيم عام وشامل كان لا بد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقد وغل، ومن كل علة خلقية تسبب لهم آلامًا وأكدارًا، وقد وصف الله أهل دار النعيم يوم القيامة بأنهم مبرؤون من كلِّ غلٍّ، وما كان من غلٍّ في صدورهم في الدنيا، فإن الله ينزعه منها متى دخلوا الجنة)
    ذم الحقد في السنة النبوية
    - عن جابر رضي الله عنه قال: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه،
    ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا
    )) قال المنذري: الضغائن: هي الأحقاد
    - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعارَّ –تقلَّب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي رواية البزار- سمى الرجل المبهم سعدًا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي؛ إلا أني لم أبت ضاغنًا على مسلم.
    أو كلمة نحوها
    ))
    - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد
    أقوال السلف والعلماء في الحقد
    - قال: عثمان رضي الله عنه: (ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله- عز وجل- على صفحات وجهه وفلتات لسانه)
    - وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: (دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا)
    - وقال ابن حجر الهيتمي: (الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب)
    - وقال أبو حاتم: (الحقد أصل الشرِّ، ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتًا مرًّا مذاقه، نماؤه الغيظ، وثمرته الندم)
    و(كان يقال: الحقد داء دوي. ويقال: من كثر حقده، دوي قلبه. ويقال: الحقد مفتاح كلِّ شرٍّ. ويقال: حلَّ عقد الحقد، ينتظم لك عقد الود. ويقال: الحقود والحسود لا يسودان)
    آثار الحقد

    إنَّ الحقد حمل ثقيل يتعب حامله، يحمله الجاهل في صدره فيشقي به نفسه، ويفسد به فكره، ويشغل به باله، ويقض به مضجعه، ويكثر به همه وغمه، إنه كحمل من أحمال الشوك الملتهب الحار، المحشو بصخور ثقيلة محمية تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور، ويظل الجاهل الأحمق يحمل هذا الحمل الخبيث مهما حل أو ارتحل، حتى يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه
    ومن آثاره:
    1- أنه (يثمر الحسد، وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه؛ فتغتم بنعمة إن أصابها، وتسر بمصيبة إن نزلت به.
    2- الشماتة بما أصابه من البلاء.
    3- الهجران والمقاطعة.
    4- الإعراض عنه استصغارًا له.
    5- التكلم فيه بما لا يحل من كذب، وغيبة، وإفشاء سر، وهتك ستر، وغيره.
    6- محاكاته استهزاء به، وسخرية منه.
    7- إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه.
    8- منعه من حقه من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة)
    9- الحقد من مظاهر دنو الهمة، فهو لا يصدر من النبلاء، ولا يليق بالعقلاء
    10- الحقد ينبت سوء الظن، وتتبع العورات، والهمز واللمز، والغيبة والنَّمِيمَة.
    11- ومن مضار الحقد أيضًا أنه يقتضي التشفي والانتقام.
    12- جحد الحق وعدم اتباعه.
    حُكم الحقد
    ذكر العلماء أنَّ الحقد من الكبائر وأورد ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من الكبائر الغضب بالباطل والحقد والحسد،
    وذكر سبب جمعه لهذه الكبائر الثلاث بقوله: (لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، وذم كل يستلزم ذم الآخر، لأن ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل وأصله وبالعكس)
    ما يباح من الحقد
    لا يجوز أن يحقد المسلم على أخيه المسلم، أما الحقد على اليهودي الذي يقتل المسلمين في فلسطين، والنصراني الحاقد، والشيوعي الملحد، والهندوسي الذين يحرق مساجد المسلمين ويقتلهم، فالحقد في حقهم محمود مطلوب،
    قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15]
    ولا يزول حقد المسلم على الكافر إلا أن يسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص
    ، فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعونَّ إلى المال فلا يقبله أحد
    ))
    (قال الأشرف: إنما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ؛ لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة، وهي الإسلام، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان)
    أسباب الحقد


    1- المماراة والمنافسة:
    قال الغزالي: (وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمنافسة، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال ثم بالأبدان)

    2- كثرة المزاح:
    المزاح الذي يخرج عن حدِّه يغرس الحقد في القلوب، قال الأبشيهي: (المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والود)
    3- الخصومة:
    قال النووي: (والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءة الآخر، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه)
    4- الكراهية الشديدة.
    5- الرغبة في الانتقام، وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد
    6- إذا فات الشخص ما يتمناه لنفسه وحصل لغيره:
    فـ(المسلم يجب أن يكون أوسع فكرة، وأكرم عاطفة، فينظر إلى الأمور من خلال الصالح العام، لا من خلال شهواته الخاصة.
    وجمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف أخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارًا!!
    وقديمًا رأى إبليس أن الحظوة التي يتشهاها قد ذهبت إلى آدم، فآل ألا يترك أحدًا يستمتع بها بعد ما حرمها. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16-17]
    هذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم. وقد أهاب الإسلام بالناس أن يبتعدوا عن هذا المنكر، وأن يسلكوا في الحياة نهجًا أرقى وأهدأ)
    وسائل علاج الحقد

    1- الدعاء:
    المسلم يدعو الله أن يجعل قلبه طاهرًا نقيًّا من الحقد والغل قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10]
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: ((رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدي لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا،
    لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني،
    واسلل سخيمة قلبي
    ))
    والسخيمة هي الحقْدُ في النفسِ
    2- سلامة الصدر:
    وسلامة الصدر تكون بعدم الحقد والغل والبغضاء، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((دبَّ إليكم داء الأُمم قبلكم:... البغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم ))
    3- تقوية رابط الأخوة الإيمانية:
    إن الأخوة الإيمانية والغل لا يجتمعان في قلب واحد، إن عاطفة المؤمن نحو إخوانه المؤمنين تتدفق بالمحبة، فكيف يجد الغل إلى هذه العاطفة الكريمة سبيلًا؟! إنهما أمران لا يجتمعان
    قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 8-9]
    4- التواضع:
    لا شك أنَّ تواضع المسلم لأخيه المسلم يدفع بالأغلال والأحقاد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
    ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد ))
    وقال أبو حاتم: (التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد)
    5- ملء القلب بالمحبة وإرادة الخير للآخرين.
    6- اعتذار المرء لأخيه:
    قال أبو حاتم: (الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصدَّ... فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي التعجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة)
    7- تقديم الهدية:
    قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))
    (وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحث عليه خلفاؤهم الأولياء، تؤلف القلوب، وتنفي سخائم الصدور)
    8- ترك الغضب الذي هو سبب للأحقاد:
    الغضب يعتبر من الأسباب التي تؤدي إلى الحقد، فإذا اختلف شخص مع آخر في أمر ما غضب عليه، ثم الغضب يتحول إلى الحقد وإرادة الانتقام.
    وقد قال صلى الله عليه وسلم: للرجل الذي أمره أن يوصيه: ((لا تغضب فردد مرارًا، قال: لا تغضب ))
    9- الإخلاص والمناصحة ولزوم الجماعة:
    فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم ))
    قال ابن تيمية: (ويغل: بالفتح هو المشهور ويقال: غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد)
    وقال ابن القيم: (أي: لايحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفى الغل والغش، وهو فساد القلب وسخايمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش)
    سلامة القلب من الأحقاد

    القلب السليم سبب من أسباب النجاة يوم القيامة؛ قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 87-89] ، والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والنفاق، ومن الغلِّ والحقد والحسد.
    ووصف الله عزَّ وجلَّ أهل الجنة بسلامة القلب فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47] ، و(ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرَّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر))

    (وإذا رأى أذى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه، ويغفر ذنبه... وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة،
    راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، فإنَّ فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم!..والإسلام يحارب الأحقاد ويقتل جرثومتها في المهد، ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع من الصداقات المتبادلة، أو المعاملات العادلة، وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل في أعماق النفس فلا يخرج منه، بل يظل يموج في جوانبها، كما يموج البركان المكتوم، وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم، يتلمسون متنفسًا له في وجوه من يقع معهم، فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا، وآذوا وأفسدوا)
    نماذج في سلامة القلب من الحقد

    النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الأخلاق الحسنة، ومنها سلامة الصدر من الحقد والضغائن، وقد ذكر ابن القيم سلامة الصَّدر، من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فقال: (ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها)

    وهكذا كان أصحاب رسول لله قلوبهم سليمة من الأحقاد والضغائن، ومن تلك النماذج ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: ((كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر فسلم، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟! مرتين، فما أُوذي بعدها ))
    وعن عائذ بن عمرو، ((أنَّ أبا سفيان، أتى على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي ))
    وقد تأسى العلماء الربانيون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتخلقوا بأخلاقه، فأصبحت قلوبهم سليمة لا تحمل حقدًا على أحد، حتى على من آذاهم، ومن هؤلاء ابن تيمية يقول ابن القيم: (وما رأيت أحدًا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسُرُّوا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه)
    أحوال المحقود

    قال الغزالي: (للمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة:
    أحدها: أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو نقصان، وهو العدل.
    الثاني: أن يحسن إليه بالعفو والصلة، وذلك هو الفضل.
    الثالث: أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل، والثاني هو اختيار الصديقين، والأول هو منتهى درجات الصالحين)

    الألفاظ المترادفة للحقد

    هناك ألفاظ عديدة وردت بمعنى الحقد بمعناه الاصطلاحي، فيقال مثلًا: (في صدره: حقد، وضغن، وضغينة، وإحنة، ودمنة، وغل، وغمر، ووغر، ووغم، وحزازة، وطائلة، وغائلة، وحسيفة، وحسيكة، وسخيمة)
    حِكم وأمثال في الحقد

    - أحقد من جمل.
    العرب تصف البعير بالحقد، وغلظة الكبد
    - ظاهر العتاب خير من باطن الحقد
    - ويقال: ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش، الحقد والحسد وسوء الخلق

    ------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابي .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الخُبْث )

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء يوليو 19, 2022 5:52 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام

    الخُبْث



    معنى الخُبْث لغةً:
    أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الطَّــيِّب، يقال: خبيثٌ، أي ليس بطيِّب، وخَبُثَ الشَّيء يَخْبُث خَبَاثة وخُبْثًا: صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، فهو خَبِيث وبه خُبْثٌ وخَبَاثة، وأَخْبَث فهو مُخْبِث إذا صار ذا خُبْث وشَرٍّ، والمخْبِث الذي يعلِّم النَّاس الخُبْث
    معنى الخُبْث اصطلاحًا:
    الخُبْث: هو إضمار الشَّرِّ للغير، وإظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات
    وقال الكفوي: (الخُبْث هو ما يُكره رداءةً وخسَّةً، محسوسًا كان أو معقولًا، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبح في الفعال)
    ذَمُّ الخُبْث والنهي عنه في القرآن الكريم

    - قال تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: 26]
    قال قتادة في تفسير هذه الآية: (الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والعمل)
    وقال مجاهد: (القول السيئ للخبيثين من الرجال والنساء، والقول الحسن للطيبين من الرجال والنساء)
    وقيل في الخبيثات للخبيثين ثلاثة أوجه:
    الأول: الخبيثات من الكلام من الخبيثين من الرجال، عن ابن عباس ومجاهد والحسن.
    والثاني: الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال.
    والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال)
    - قوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأعراف: 157]
    قال ابن عباس: (هو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله)
    - قوله تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران: 179]
    قال الطبري: (يعني بقوله: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ما كان الله ليدع المؤمنين عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، يعنى بذلك: حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ وهو المنافق المستسر للكفر مِنَ الطَّيِّبِ، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، بالمحن والاختبار، كما ميز بينهم يوم أحد عند لقاء العدو عند خروجهم إليهم)
    -      قوله تعالى: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 100]
    قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا)
    ذَمُّ الخُبْث والنهي عنه في السُّنَّة النَّبويَّة
    - قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى ))
    قال ابن القيم: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الخبث؛ لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه،
    وإن كان بمعناه تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح من الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال)
    - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ، انحلت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطًا طيب النفس
    قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا خبيث النفس لم يصب خيرًا
    ))
    قال ابن حجر: ( قوله: ((خبيث النفس)) أي: رديء النفس غير طيبها أي مهمومًا، وقد تستعمل في كسل النفس، وفي الصحيح ((لا يقولن أحدكم خبثت نفسي)) كأنه كره اللفظ، والمراد بالخطاب المسلمون)
    - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((..وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت،
    حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح،
    ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة،
    إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له
    ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا. ثم قرأ: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31] فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة ))
    قال الملا الهروي : ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة )) أي: خبيثة الخصال غير مرضية
    الأعمال)
    أقوال السلف والعلماء في الخُبْث

    - قال أبو الدَّرداء: (ما لكم عباد الله لا تحابُّون وأنتم إخوانٌ على الدِّين، ما فرَّق بين أهوائكم إلَّا خُبْث سرائركم، ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم، ما هذا إلَّا مِن قلَّة الإيمان في صدوركم، ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرِّها، كما توقنون بأمر الدُّنيا، لكنتم للآخرة أطْلَب، فبئس القوم أنتم إلَّا قليلًا منكم، ما حقَّقتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ، فنبرأ منكم)
    - وقال ابن جماعة الكِنَاني: (لا يصحُّ العلم -الذي هو عبادة القلب- إلَّا بطهارته عن خُبْث الصِّفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها)
    - وقيل: (مَن طابت نفسه طاب عمله، ومَن خَبُثَت نفسه، خَبُثَ عمله)
    - وقيل: (آفة الملوك سوء السِّيرة، وآفة الوزراء خُبْث السَّريرة، وآفة الجُنْد مفارقة القادة).
    - وقيل -أيضًا-: (أربعة لا يثبت معها مُلْكٌ: غِشُّ الوزير، وسوء التَّدبير، وخُبْث النِّيَّة، وظُلْم الرَّعيَّة).
    - وقالوا: (سوء الخُلُق يدلُّ على خُبْث الطَّبع ولُؤْم العنصر، ويكاد سيِّئ الخُلُق أن يُعَدَّ مِن البهائم)
    - وقال منصور بن الحسين الرَّازي: (مَن كَرُم مَحْتده ، حَسُن مَشْهَده. ومَن خَبُث عنصره، ساء محضره. ومَن خان هان، ومَن أدمن قَرْعَ الباب وَلَجَ)
    - وقال ابن القيم: (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث)
    - وقال أيضاً: (إن الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا يعرفان به، فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب،
    ولا يأتي إلا طيبًا، ولا يصدر منه إلا طيبًا، ولا يلابس إلا طيبًا، والشقي الخبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثًا، ولا يصدر منه إلا الخبيث، فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه، والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه)
    - وممَّا قيل: (إذا كان الخليلُ كريمَ الأخلاق، حَسَن السِّيرة، طاهر السَّريرة، فبه في محاسن الشِّيم يُقْتَدَى، وبنجم رُشْدِه في طُرُق المكارم يُهْتَدَى، وإذا كان سيِّئ الأعمال، خَبِيث الأقوال، كان المعتبط به كذلك)
    - وقال ابن الأعرابى: (وأصل الخبث فى كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من المِلَلْ فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار)
    آثار الخُبْث
    1- الخُبْث سببٌ لبذاءة اللِّسان والفُحْش:
    إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزَّالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ)
    2- الخُبْث سببٌ للحسد:
    قال المناوي: (سبب الحسد خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه)
    3- خَبِيث النَّفس لا يحبُّ الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
    (وأمَّا خُبْث النَّفس وشُحُّها على عباد الله، فإنَّك تجد مِن النَّاس مَن لا يشتغل برئاسة ولا تَكَبُّر، وإذا وُصِف عنده حُسْن حال عبدٍ مِن عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شَقَّ عليه ذلك، وإذا وُصِف له اضطراب أمور النَّاس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويَبْخَل بنعمة الله على عباده، كأنَّهم يأخذون ذلك مِن ملكه وخزانته‏.‏
    وقد قال بعض العلماء‏:‏ البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته)
    4 - الخُبْث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع.
    قال أبو طالب المكي: (مع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة)
    5 - خبيث النَّفس غير مرتاح البال، فهو مهمومٌ مغمومٌ دائمًا.
    6 - الخَبِيث منشغل بتتبُّع عورات النَّاس وأخطائهم.
    7- الخبيث لا يدخل الجنة.
    قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32]
    وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا. - قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ-. قَالَ: وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا ))
    قال ابن القيم:
    (فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقى الله طاهرًا من نجاساته دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر فى الدنيا فإن كانت نجاسته عينية، كالكافر،لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة)
    الوسائل المعينة على التَّخلُّص مِن خُبْث النَّفس

    هل يستطيع أن يغيِّر خَبِيث النَّفس طبعه؟
    يرى المناويُّ أنَّ مَن تمحَّضت
    فيه مادَّة الخُبْث لا مطمع في تبدُّله، فيقول: (يقال: إذا حُدِّثت أنَّ جبلًا زال عن مكانه فصدِّق، وإذا حُدِّثت أنَّ رجلًا زال عن خُلُقِه فلا تصدِّق؛ وذلك لأنَّ مَن تمحَّضت فيه مادَّة الخُبْث، فقد طُبِع على الخُلُق المذموم، الذي لا مطمع في تبدُّله، ومَن تمحَّضت فيه مادَّة الطِّيب، فقد طُبِع على الخُلُق الحسن المحمود، الذي لا مطمع في تبدُّله. قال الشَّريف السَّمهودي: وقد جرَّبت مصداقه الآن، فكم أظهر الواحد منهم التَّوبة عن أخلاقٍ ذميمةٍ بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها، ثمَّ نكص على عقبيه، راجعًا لما كان عليه؛ لاقتضاء خبثهم المستحكم، وعظيم بغضهم لأهل الخير.
    ولكن مَن اجتهد وجاهد نفسه على التَّخلُّق بالأخلاق الفاضلة، يستطيع أن يعوِّد نفسه عليها؛ وعليه أن يأخذ بالأسباب والوسائل التي تعين على التَّخلُّص مِن هذا الخُلُق، وهي كثيرة، ومِن هذه الوسائل:
    1 - الدُّعاء بأن يرفع الله منه هذا الخُلُق السَّيِّئ:
    والدُّعاء مِن أقوى الأسباب المعينة للتَّخلُّص مِن هذه الصِّفة المذمومة.
    2 - الرَّغبة في الأجر والثَّواب الذي يحصل بسبب سلامة الصَّدر:
    وقد جاء الحديث في فضل سلامة الصدر ونقاء الطوية، من كون صاحبها من أهل الجنة.
    3 - أن يجاهد نفسه على أن يكون نقيَّ القلب:
    عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أيُّ النَّاس أفضل؟ قال: ((كلُّ مَخْمُوم القلب صدوق اللِّسان، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْمُوم القلب؟ قال: هو التَّقيُّ، النَّقيُّ، لا إثم فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ ))
    4 - التَّربية منذ الصِّغر على حبِّ الخير للنَّاس.
    5 - مصاحبة أهل الخير وذوي الأخلاق الفاضلة.
    6- ذكر الله والحفاظ على الطاعات:
    عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ))
    7- معرفة أن دخول الجنة متعلق بطهارة النفس وصفائها من الخبث:
    وأنه لن يدخل الجنة من دنست نفسه بهذه الصفة، وأن من أصابته لوثة خبث وضع في النار؛ حتى يطهر ويصفو ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
    قال ابن تيمية: (فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث شيء، فإن ذلك موجب للفساد، أو غير ممكن.
    بل إذا كان في النفس خبث طهرت وهذبت، حتى تصلح لسكنى الجنة)
    8- اجتناب الخبيث في المطعم والمشرب والدواء:
    ومن ذلك  ما جاء عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِىِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ))
    ونهى عن الدواء الخبيث. (ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان)
    أقسام الناس من حيث الطيب والخبث
    قال ابن القيم: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب،
    دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض)
    ما قيل في أوصاف خَبِيث الطَّوِيَّة
    يوصف مَن كانت طويَّته خَبِيثة بقولهم: (قلب فلانٍ نَغْل، وصدره دَغلٌ، طويَّةٌ مَعْلولَةٌ،... صفوه رَنَقٌ، وبِرُّه لَمَقٌ، وودُّه مُزَأبقٌ، خَبِيث النِّيَّة، واكدُ الطَّويَّة، موجود عند الرَّخاء، مفقود عند البلاء، يَبثُّ حَبائل الزُّور، وينصب أشراك الغرور، يدَّعي ضروب الباطل، ويتحلَّى بما هو عاطِلٌ، يُبدي وجه المطابق الموافق، ويخفي نَظَرَ المسَارق المنافق، ضمير قلبه خَبِيث، ويمينه حِنْث، وعهده نَكْث)
    وممَّا قيل -أيضًا- في مَن يتَّصف بهذه الصِّفة الذَّميمة قولهم: (فلانٌ عُصارةُ لُؤْمٍ، في قرَارة خُبْثٍ، أَلأَمُ مُهْجَةٍ، في أخسِّ جُثةٍ، خَبيثُ الطعَمَةِ، حديث النِّعمة، هو كالكَمأةِ ، لا أصلٌ ثابِتٌ، ولا فرعٌ نابِتٌ.
    فلانٌ خبيثُ المركب، لئيم المنْسَب، يكادُ مِن لؤمه يُعْدي مَن يتسمَّى باسمه، أو يجلس إلى جَنْبِه، قَدْ أُرضع بلبان اللُّؤم، ورُبِّي في حِجر الشَّرِّ، وفُطِم عن ثدي الخير، ونشأ في عَرْصَة الخُبْث، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
    فلانٌ قصير الشِّبر ، صغير القَدر، قاصر القَدر، ضيِّق الصَّدرِ
    )
    ===================================================

    ومن ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام

    الخِدَاع
    معنى الخِدَاع لغةً:
    أصل هذه المادة يدل على إخفاء الشيء، فالخَدْعُ: إِظْهَارُ خِلَافَ مَا تُخْفيه، يقال: خَدَعَهُ يَخْدَعُهُ خَدْعًا وخِداعًا أي: خَتَلَه، وأراد به المكروه مِن حيث لا يعلم. والاسم الخَدِيعَةُ، وقيل: الاسم هو الخداع، وقيل غير ذلك
    معنى الخِدَاع اصطلاحًا:
    قال الرَّاغب: (الخِدَاع: إنزال الغير عمَّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه)
    وقال البقاعي: (الخِدَاع: إظهار خيرٍ يُتَوَّسل به إلى إبطان شرٍّ، يؤول إليه أمر ذلك الخير المظْهَر)
    وقال ابن القيِّم: (والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخَاِدع)
    الفرق بين الخِدَاع وبعض الصِّفات

    - الفرق بين الخِدَاع والغُرُور:
    أنَّ الغُرُور إيهامٌ يحمل الإنسان على فعل ما يضرُّه، مثل أن يرى السَّراب فيحسبه ماءً فيضيِّع ماءه، فيهلك عَطَشًا، وتضييع الماء فِعْلٌ أدَّاه إليه غرور السَّراب إيَّاه، وكذلك غَرَّ إبليسُ آدم، ففعل آدم الأكل الضَّار له. والخِدَاع: أن يستر عنه وجه الصَّواب، فيوقعه في مكروه، وأصله مِن قولهم: خَدَع الضَّبُّ، إذا توارى في جحره. وخَدَعَه في الشِّراء أو البيع، إذا أظهر له خِلَاف ما أبطن، فضرَّه في ماله. وقال علي بن عيسى: الغُرُور: إيهام حال السُّرور فيما الأمر بخلافه في المعلوم، وليس كلُّ إيهامٍ غُرُورًا؛ لأنَّه يوهمه مَخُوفًا ليحذر منه، فلا يكون، قد غَرَّه. والاغْتَرَار: تَرْكُ الحزم فيما يمكن أن يتوثَّق فيه، فلا عُذرَ في ركوبه، ويقال في الغُرُور: غَرَّه، فضيَّع ماله وأهلك نفسه. والغُرُور قد يُسمَّى خِدَاعًا، والخِدَاع يُسمَّى غُرُورًا على التَّوسُّع، والأصل ما قلناه، وأصل الغُرُور الغَفْلَة
    - الفرق بين الخِدَاع والكَيْد:
    أنَّ الخِدَاع هو: إظهار ما يُــبْطَن خلافه، أراد اجتلاب نفعٍ أو دفع ضرٍّ، ولا يقتضي أن يكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ وفِكرٍ؛ أَلَا ترى أنَّه يقال: خَدَعَه في البيع، إذا غشَّه مِن جَشَعٍ، وأوهمه الإنصاف، وإن كان ذلك بديهة مِن غير فِكْرٍ ونَظَرٍ، والكَيْد لا يكون إلَّا بعد تدبُّرٍ وفِكْرٍ ونَظَرٍ؛ ولهذا قال أهل العربيَّة: الكَيْد: التَّدبير على العدو، وإرادة إهلاكه. وسُمِّيت الحيل -التي يفعلها أصحاب الحروب بقصد إهلاك أعدائهم- مكايد؛ لأنَّها تكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ. ويجيء الكَيْد بمعنى الإرادة، وقوله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76] ، أي أردنا، ودلَّ على ذلك بقوله: إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف: 76] ، وإن شاء الله بمعنى المشيئة، ويجوز أن يقال: الكَيْد: الحيلة التي تُقرِّب وقوع المقصود به مِن المكروه، وهو مِن قولهم: كاد يفعل كذا، أي: قَرُب، إلَّا أنَّه قيل: هذا يَكَاد، وفي الأولى يَكِيد؛ للتَّصرُّف في الكلام، والتَّفرقة بين المعنيين. ويجوز أن يقال: إنَّ الفرق بين الخِدَاع والكَيْد، أنَّ الكَيْد: اسم لفعل المكروه بالغير قهرًا، تقول: كايَدِني فلان، أي: ضرَّني قهرًا، والخَدِيعَة: اسم لفعل المكروه بالغير مِن غير قهرٍ، بل بأن يريد بأنَّه ينفعه، ومنه الخَدِيعَة في المعاملة، وسمَّى الله تعالى قصد أصحاب الفيل مكَّة كيدًا في قوله تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل: 2]؛ وذلك أنَّه كان على وجه القَهْر
    - الفرق بين الخِدَاع والمكر:
    قال الرَّاغب: (المكر والخَدِيعَة متقاربان، وهما اسمان لكلِّ فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره،
    وذلك ضربان: أحدهما مذمومٌ، وهو الأشهر عند النَّاس والأكثر، وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخْدُوع،...
    والثَّاني: بعكسه، وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجْرَار المخْدُوع والممكور به إلى مصلحة بهما، كما يفعل بالصَّبي إذا امتنع مِن فعل خير. وقد قال بعض الحكماء: المكْر والخَدِيعَة يُحْتَاج إليهما في هذا العالم؛ وذلك أنَّ السَّفيه يميل إلى الباطل، ولا يميل إلى الحقِّ، ولا يقبله لمنافاته لطبعه، فيحتاج أن يُخْدَع عن باطله بزخارف مموَّهة، كخَدِيعَة الصَّبي عن الثَّدي عند الفطام)
    ذَمُّ الخِدَاع والنهي عنه في القران الكريم
    الخِدَاع مِن خُلُق المنافقين، وهو متأصِّل فيهم، فهم يخادعون الله ويخادعون المؤمنين، ويخادعون أنفسهم،
    قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9]
    قال الشوكاني: (والمراد مِن مخادعتهم لله: أنَّهم صنعوا معه صُنْع المخادعين، وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يُخْدَع.
    وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل، فكونهم يخادعون الله والذين آمنوا، يفيد أنَّ الله سبحانه والذين آمنوا يخادعونهم.
    والمراد بالمخادعة مِن الله: أنَّه لـمَّا أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنَّهم ليسوا منه في شيء، فكأنَّه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر، مُشَاكَلة لما وقع منهم بما وقع منه.
    والمراد بمخادعة المؤمنين لهم: هو أنَّهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به مِن أحكام الإسلام ظاهرًا، وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم، كما أنَّ المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر.
    والمراد بقوله تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم [البقرة: 9] ، الإشعار بأنَّهم لـمَّا خادعوا مَن لا يُخْدَع كانوا مخادعين أنفسهم، لأنَّ الخِداع إنَّما يكون مع مَن لا يَعْرِف البواطن. وأمَّا مَن عَرف البواطن: فمَن دخل معه في الخِدَاع، فإنَّما يَخْدَع نفسه وما يشعر بذلك)
    - وقوله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النِّساء: 142]
    قال السعدي: (يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه، مِن قبيح الصِّفات وشنائع السِّمات، وأنَّ طريقتهم مخادعة الله تعالى، أي: بما أظهروه مِن الإيمان وأبطنوه مِن الكفران، ظنُّوا أنَّه يروج على الله، ولا يعلمه، ولا يبديه لعباده، والحال أنَّ الله خادعهم، فمجرَّد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها، خداعٌ لأنفسهم. وأيُّ خِدَاعٍ أعظم ممَّن يسعى سعيًا يعود عليه بالهوان والذُّل والحرمان؟)
    -وقال تعالى مخاطبًا نبيَّه: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62]
    قال ابن عاشور: (لـمَّا كان طلب السِّلم والهدنة مِن العدوِّ قد يكون خَدِيعَة حربيَّة، ليُغْرُوا المسلمين بالمصالحة، ثمَّ يأخذوهم على غِرَّة، أيقظ الله رسوله لهذا الاحتمال، فأمره بأن يأخذ الأعداء على ظاهر حالهم، ويحملهم على الصِّدق؛ لأنَّه الخُلُق الإسلامي، وشأن أهل المروءة، ولا تكون الخَدِيعة بمثل نَكْثِ العهد، فإذا بَعَث العدوَّ كفرُهم على ارتكاب مثل هذا التَّسَفُّل، فإنَّ الله تكفَّل -للوفيِّ بعهده- أن يقيه شرَّ خيانة الخائنين. وهذا الأصل، وهو أخذ النَّاس بظواهرهم)
    ذَمُّ الخِدَاع والنهي عنه في السُّنَّة النَّبويَّة
    - عن عبد الله بن عمر، أنَّ رجلًا ذكر للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يُخْدَع في البيوع، فقال: ((إذا بايعت فقل: لا خِلابة ))
    قال النَّوويُّ: (معنى لا خِلَابة: لا خَدِيعَة، أي: لا تحلُّ لك خَدِيعتي، أو لا يلزمني خديعتك)
    أقوال السَّلف والعلماء في الخِدَاع
    - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان لأبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه غلام يُخْرِج له الخَراج، وكان أبو بكر يأكل مِن خَرَاجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنت لإنسان في الجاهليَّة، وما أُحْسِن الكهانة، إلَّا أَنِّي خدعته، فلقيني، فأعطاني لذلك هذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه
    - وكان ابن عمر يقول: (مَن خدعنا بالله انخدعنا له)
    -وقال أيوب: (يخادعون الله كأنَّما يخادعون آدميًّا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون عليَّ)
    - وقال ابن أبي أوفى: (النَّاجش آكل ربًا خائن، وهو خِدَاع باطلٌ لا يحلُّ)
    - وقال البخاري: (باب النَّهي عن تلقِّي الـركبان، وأنَّ بيعه مردودٌ؛ لأنَّ صاحبه عاص آثم إذا كان به عالـمًا، وهو خِدَاعٌ في البيع، والخِدَاع لا يجوز)
    - قال الماوردي: (إنَّ مَن قال ما لا يفعل فقد مَكَر، ومَن أمر بما لا يأتمر فقد خَدَع، ومَن أسرَّ غير ما يُظْهِر فقد نافق. وقد رُوي عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((المكْرُ والخَدِيعَة وصاحباهما في النَّار )) على أنَّ أمره بما لا يأتمر مطَّرح، وإنكاره ما لا ينكره مِن نفسه مُسْتَقْبَح
    آثار الخِدَاع

    الخِدَاع له آثارٌ وأضرارٌ تعود على المخَادِع نفسه، وعلى المجتمع الذي مِن حوله، ومِن هذه المضَار:
    1- أنَّ الخِدَاع دليلٌ على ضعف إيمان صاحبه.
    2- الخِدَاع سببٌ مِن أسباب الفُرْقَة بين المسلمين.
    3- أنَّه طريق موصل للنَّار.
    4- أنَّه صفة مِن صفات المنافقين.
    5- يتسبَّب في أكل أموال النَّاس بالباطل.
    6- يولِّد ضعف الثِّقة بين أفراد المجتمع.
    7- المخَادِع يكون منبوذًا عند النَّاس.
    8- الخِدَاع يولِّد الشَّحناء والبغضاء بين النَّاس.
    9- أنَّ الخِدَاع يترتَّب عليه نقض المواثيق والعهود بين النَّاس.

    حُكْمُ الخِدَاع

    عده بعض أهل العلم -ومنهم ابن حجر الهيتمي- مِن الكبائر، ويقصدون بذلك النَّوع المذموم منه، قال ابن حجر الهيتمي: (عُدَّ هذا كبيرةٌ، صرَّح به بعضهم، وهو ظاهرٌ مِن أحاديث الغشِّ... إذ كون المكْر والخَدِيعَة في النَّار ليس المراد بهما إلَّا أنَّ صاحبهما فيها، وهذا وعيد شديد)
    وقال ابن تيمية: (فإذا كان الله تعالى قد حرَّم الخِلَابة وهي الخَدِيعَة، فمعلومٌ أنَّه لا فَرْق بين الخِلَابة في البيع وفي غيره؛ لأنَّ الحديث إن عمَّ ذلك لفظًا ومعنًى فلا كلام، إن كان إنَّما قصد به الخِلَابة في البيع، فالخِلَابة في سائر العقود والأقوال وفي الأفعال بمنزلة الخِلَابة في البيع، ليس بينهما فَرْقٌ مؤثر في اعتبار الشَّارع، وهذا القياس في معنى الأصل، بل الخِلَابة في غير البيع قد تكون أعظم، فيكون مِن باب التَّشبيه وقياس الأولى)
    لكن استُثْنِي مِن الخِدَاع إذا كان لمصلحة شرعيَّة كالحرب، والإصلاح بين النَّاس، فعن جابر بن عبد الله قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الحرب خَدْعَة ))
    قال النَّووي: (واتَّفق العلماء على جواز خِدَاع الكفَّار في الحرب، وكيف أمكن الخِدَاع، إلَّا أن يكون فيه نقض عهدٍ أو أمانٍ فلا يحلُّ، وقد صحَّ في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء، أحدها: في الحرب؛ قال الطَّبري: إنَّما يجوز مِن الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب، فإنَّه لا يحلُّ. هذا كلامه، والظَّاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التَّعريض أفضل) وقد استخدم الصَّحابة الخِدَاع في الحرب في مواقف عديدة.

    أقسام الخِدَاع

    ينقسم الخِدَاع إلى قسمين: خِدَاع محمودٌ، وخِدَاع مذمومٌ،
    يقول ابن القيِّم: الخِدَاع (ينقسم إلى محمود ومذموم، فإن كان بحقٍّ فهو محمود، وإن كان بباطل فهو مذموم.
    ومِن النَّوع المحمود: قوله -صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم-: ((الحرب خَدْعَة ))
    وقوله في الحديث الذي رواه التِّرمذي وغيره: ((كلُّ الكذب يُكْتَب على ابن آدم، إلَّا ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب بين اثنين ليصلح بينهما، ورجل كذب في خَدْعَة حرب ))
    ومِن النَّوع المذموم: قوله في حديث عياض بن حمار، الذي رواه مسلم في صحيحه: ((أهل النَّار خمسة، ذكر منهم رجلًا لا يصبح ولا يمسي إلَّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك )) ،
    وقوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9] وقوله تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ [الأنفال: 62]
    ومِن النَّوع المحمود: خِدَاع كعب بن الأشرف وأبي رافع ، عدوَّي رسول الله -صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم- حتى قُتِلا،
    وقتل خالد بن سفيان الهذلي.
    ومِن أحسن ذلك: خَدِيعَة معبد بن أبى معبد الخزاعي لأبي سفيان وعسكر المشركين حين همُّوا بالرُّجوع ليستأصلوا المسلمين،
    وردَّهم مِن فورهم.
    ومِن ذلك: خَدِيعَة نعيم بن مسعود الأشجعي ليهود بني قريظة، ولكفَّار قريش والأحزاب، حتى ألقى الخُلْف بينهم، وكان سبب تفرُّقهم ورجوعهم. ونظائر ذلك كثيرة)
    صور الخِدَاع
    1- خِدَاع المنافقين بإظهارهم للإسلام وإبطانهم للكفر:
    قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9]
    2- الخِدَاع في المعاملات الماليَّة، كالبيع والشِّراء:
    وذلك بأن يُخَادع النَّاس، ويتحصَّل على الأمول بطُرُقٍ محرَّمةٍ، إمَّا عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السِّلعة، أو البخس في ثمنها، أو التَّطفيف
    في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرَّديء، أو النجش وغيرها مِن الطُّرق المحرَّمة.
    3- خِدَاع الرَّعيَّة للرَّاعي:
    خِدَاع الرَّعيَّة للرَّاعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له إنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا، وغير ذلك.
    4- خِدَاع الرَّاعي للرَّعيَّة:
    ويُقْصَد بالرَّاعي؛ الرَّئيس، أو الحاكم، والمدير، والرَّجل في أهله، وغيرهم ممَّن لهم الرِّعاية على غيرهم، ويكون الخِدَاع في حقِّهم بظلمهم، وعدم إعطائهم ما يستحقُّونه، وعدم النُّصح لهم.
    5- خِداع المرَائين بالأعمال:
    فهم يشابهون المنافقين في عملهم لأجل النَّاس.
    6- خِداع العمَّال:
    بعدم إعطائهم أجرهم المتَّفق عليه، أو تكليفهم مِن الأعمال فوق طاقتهم.
    7- خداع المتسولين والشحَّاذين:
    بعض المتسولين يخدعون من يسألونه المال بحيث يظهرون بمظهر المرضى، والمعتوهين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وهم ليسوا كذلك، ليستجلبوا عطف الناس عليهم، ويأخذوا أموالهم بلا وجه حق.
    8- خداع النفس لصاحبها.
    قد تخدع النفس الأمارة بالسوء صاحبها إذا هو همَّ بالخير، فتقعده وتثبطه.
    9- الخداع بالمدح والإطراء لشخص ما، ووصفه بالصفات الحميدة، وهو ليس كذلك
    الوسائل المعينة على ترك الخِدَاع

    1- التَّربية على الأخلاق الفاضلة، والالتزام بأحكام الشَّرع الحنيف.
    2- الثِّقة بالله واستشعار مراقبته.
    3- القناعة بما رُزِق.
    4- مجالسة الرُّفقة الصَّالحة.
    5- معاقبة مَن يُخَادِع؛ لرَدْعِه عن ذلك.
    6- العلم بالحكم الشَّرعي بأنَّ الخِدَاع منهيٌّ عنه.
    7- تعليم النَّاس حقيقة الخِدَاع وتبيين صوره ليحذروه.
    8- النَّظر للعواقب الوخيمة للمُخَادِع في الدُّنيا والآخرة.
    --------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا في ذكر ألأخلاق المذمومه في ألإسلام وشرحها .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الخِذْلَان )

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس يوليو 21, 2022 7:15 am

    ومن ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام

    الخِذْلَان



    معنى الخِذْلَان لغةً:
    الخِذلان مصدر خَذَل يَخْذُل خَذْلًا وخِذْلَانًا، وهو تركك نُصْرة أخيك وعَوْنَه، والخَاذِل: ضدُّ النَّاصر، وخِذْلَان الله تعالى للعبد:
    ألَّا يعصمه مِن السَّيِّئة، فيقع فيها، والتَّخْذِيل: حَمْل الرَّجل على خِذْلَان صاحبه، وتَثْبِيطُه عن نُصْرَته، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرْك الشَّيء والقُعود عنه
    معنى الخِذْلَان اصطلاحًا:
    قال الرَّاغب: (الخِذْلَان: ترك مَن يُظنُّ به أن ينصرَ نصرَتَه)
    وقال النَّوويُّ: (قال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر)
    وقال الشوكانيُّ: (الخِذْلَان: ترك العون)، وقال -أيضًا-: (الخَذْل: ترك الإغاثة)
    ذمُّ الخِذْلَان والنهي عنه في القرآن الكريم

    - قال تعالى: لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً [الإسراء: 22]
    قال ابن كثير: (مَّخْذُولاً لأنَّ الرَّبَّ تعالى لا ينصرك، بل يَكِلُك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا؛ لأنَّ مالك
    الضرِّ والنَّفع هو الله وحده لا شريك له)
    - قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]
    قال أبو حيان الأندلسيُّ: وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء قيل: بالتَّوفيق والعِرْفَان، وتُذِلُّ بالخِذْلَان)
    - قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشَّمس: 7-10]
    (قال ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إيَّاها للتَّقوى، وخِذْلَانه إيَّاها للفجور)
    قال الغزَّالي: (فمهما وقع العبد في ذنب، فصار الذَّنب نقدًا، والتَّوبة نسيئة، كان هذا مِن علامات الخِذْلَان)
    - قال تعالى: كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ [القيامة: 20-21]
    قال الغزَّالي: (فعبَّر عن المخذولين بقوله تعالى: كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ)
    - قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً [الفرقان: 27-29]
    قال ابن كثير: (يخذله عن الحقِّ، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه)
    ذمُّ الخِذْلَان والنهي عنه في السُّنَّة النبوية
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره
    قال النَّوويُّ: (وأمَّا: لا يَخْذُله. فقال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ)
    - وعن معاوية بن قرَّة رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال مِن أمَّتي أمَّة قائمة بأمر الله،
    لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك
    ))
    قال ملا علي القاري: (... ((مَن خَذَلهم)) أي: مَن ترك عونهم ونصرهم، بل ضرَّ نفسه، وظلم عليها بإساءتها)
    - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا)) قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالـمًا؟ قال: ((تأخذ فوق يديه ))
    أقوال السَّلف والعلماء في الخِذْلَان

    - عن أنس أنَّ أبا طلحة قال: (غشينا ونحن في مصافِّنا يوم أحد، حدَّث أنَّه كان فيمن غشيه النُّعاس يومئذ، قال: فجعل سيفي يسقط مِن يدي وآخذه، ويسقط مِن يدي وآخذه، والطَّائفة الأخرى -المنافقون- ليس لهم همٌّ إلَّا أنفسهم، أجبن قوم، وأرغبه وأخذله للحقِّ )
    - قيل لمحمد بن كعب القرظي: ما علامة الخِذْلَان ؟ قال: (أن يستقبح الرَّجل ما كان عنده حسنًا، ويستحسن ما كان عنده قبيحًا)
    - وقال علي بن عبيدة: (العقل والهوى ضدَّان فمؤيِّد العقل التَّوفيق، وقرين الهوى الخِذْلَان، والنَّفس بينهما، فأيهما ظفر كانت في
    حيِّزه)
    - وقال قتيبة بن مسلم: (ومَن تبجَّح بالانفراد، وفَخَر بالاستبداد كان مِن الظَّفر بعيدًا، ومِن الخِذْلَان قريبًا)
    - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنَّى: (مرَّ قيس بن زهير ببلاد غطفان، فرأى ثروةً وعددًا، فكَرِه ذلك، فقيل له: أيسوؤك ما يسرُّ النَّاس؟ قال: إنَّك لا تدري أنَّ مع النِّعمة والثَّروة التَّحاسد والتَّخاذل، وأنَّ مع القلَّة التَّحاشد والتَّناصر)
    - وقال الماوردي: (قال بعض البلغاء: المخْذُول مَن كانت له إلى اللِّئام حاجة)
    - وقال الزمخشري: (الخِذْلان مسامرة الأماني، والتَّوفيق رفض التَّواني)
    - وقال جعفر: (استجلاب النَّصر في شيء واحد، وهو الذِّلة والافتقار والعجز... وحلول الخِذْلَان بشيء واحد وهو العُجب)

    آثار الخِذْلَان
    ومِن آثار ومَضَار الخِذْلَان على الفرد والمجتمع:
    1- انتشار عدوى الأنانيَّة وحبِّ الذَّات.
    2- إيثار الرَّاحة، وتقديم المصلحة الخاصَّة على المصلحة العامَّة.
    3- انعدام الشَّهامة ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب.
    4- انقطاع عُرَى الأخوَّة بين المسلمين.
    5- الخِذْلَان مِن أسباب الهزيمة.
    6- الخِذْلَان عار يقع على صاحبه.
    حُكم الخِذْلَان
    خِذْلَان المسلم لأخيه المسلم حرامٌ شرعًا، وذلك مثل أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البَطْش به، فلا يدفعه، أو يراه وهو يرتكب مخالفة شرعيَّة ولا ينهاه، وقد عدَّه ابن حجر الهيتمي من الكبائر
    قال المناوي: (خِذْلَان المؤمن حرامٌ شديد التَّحريم دنيويًّا كان مثل: أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البطش به، فلا يدفعه، أو أخرويًّا: كأن يَقْدِر على نُصْحِه مِن غيِّه -بنحو وعظٍ-، فيترك)
    لكن ينبغي تقييد وجوب نصرته وتحريم خذلانه بما إذا لم يكن هناك عذر شرعي، قال النَّوويُّ: (قال العلماء: الخِذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ)
    صور الخِذْلَان

    ومِن صور الخِذْلَان:
    1- خِذْلان المظلوم:
    وقد عدَّها الهيتمي مِن الكبائر، وقال: (الكبيرة السَّادسة والسَّابعة والثَّامنة والتَّاسعة والأربعون والخمسون بعد الثَّلاثمائة: ظُلْم السَّلاطين والأمراء والقضاة وغيرهم مسلمًا أو ذِمِّيًّا بنحو أكل مال أو ضرب أو شتم أو غير ذلك، وخِذلان المظلوم مع القُدْرَة على نصرته، والدُّخول على الظَّلَمة مع الرِّضا بظلمهم وإعانتهم على الظُّلم والسِّعَاية إليهم بباطل)
    2- الخِذْلَان في الجهاد:
    خِذْلَان المسلمين في الجهاد وعدم نصرتهم صفة مِن صفات المنافقين، قال الله تعالى فيهم: وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران: 167-168]
    وروى الطَّبريُّ بإسناده مرسلًا قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: حين خرج إلى أحدٍ في ألف رجل مِن أصحابه، حتى إذا كانوا بالشَّوط -بين أحدٍ والمدينة- انخذل عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث النَّاس، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني،
    والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيُّها النَّاس؟ فرجع بمن اتَّبعه مِن النَّاس مِن قومه مِن أهل النِّفاق وأهل الرِّيَب،
    واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكِّركم الله أن تخذلوا نبيَّكم وقومكم عندما حضر مِن عدوِّهم. فقالوا: لو نعلم أنَّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنَّا لا نرى أن يكون قتال. فلمَّا استعصوا عليه، وأبوا إلَّا الانصراف عنهم،
    قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ))
    أسباب الوقوع في الخِذْلَان


    للوقوع في الخِذْلَان أسباب كثيرة منها:
    1- البعد عن خِلَال الإيمان.
    2- الاستعانة بغير الله.
    3- طاعة الكافرين والمنافقين: قال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب: 48]
    4- مفارقة الإخوان: قال الماورديُّ: (قالت الحكماء: مَن لم يرغب بثلاث بُلِيَ بستٍّ: مَن لم يرغب في الإخوان بُلِيَ بالعداوة والخِذْلَان..)

    5- الركون إلى الظَّالمين: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود: 113]
    6- التَّكالب على الدُّنيا وكراهية الموت، والإغراق في اللَّهو وطلب الرَّاحة.
    7- العُجْبُ: فالعُجْبُ طريقٌ إلى خِذْلَان المرء، بحيث يَكِل الله العبد إلى نفسه فلا ينصره، وقد قال -جلَّ وعلا-: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة: 25]
    8- الجبن وسوء الرَّأي: قال ابن القيِّم: (وصحَّة الرَّأي لقاح الشَّجَاعَة، فإذا اجتمعا كان النَّصر والظَّفر، وإن قعدا فالخِذْلَان والخيبة)
    9- عدم الرِّضا بالقضاء والقدر: قال الماورديُّ: (معاند القَدَر مَخْذُولٌ)
    10- ضعف رابطة الإيمان.
    11- قطع الأرحام: قال الماورديُّ: (تعاطف الأرحام، وحميَّة القرابة يبعثان على التَّناصر والألفة، ويمنعان من التَّخاذل والفُرْقة)
    12- التَّعلُّق بغير الله: قال ابن القيِّم: (فأعظم النَّاس خِذْلَانًا مَن تعلَّق بغير الله، فإنَّ ما فاته مِن مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم ممَّا حصل له ممَّن تعلَّق به، وهو معرَّضٌ للزَّوال والفوات. ومثل المتعلِّق بغير الله، كمثل المستظلِّ مِن الحرِّ والبرد ببيت العنكبوت، وأوهن البيوت)
    13- القرب مِن السِّفْلَة واطِّراح ذوي الأحساب والمروءات: قال الأبشيهيُّ: (مَن قرَّب السِّفْلَة واطَّرح ذوي الأحساب والمروءات استحقَّ الخِذْلَان)
    14- الافتراق والاختلاف في الدِّين، قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46]
    الحِكَم والأمثال في الخِذْلَان
    - إنَّ مع الكثرة تَخَاذلًا ومع القلَّة تماسكًا.
    يعني في كثرة الجيش وقلَّته
    - مِن كِلاَ جَنْبَيْك لا لبَّيك.
    ويُرْوى (جانبيك) وهما سواء، يُضْرَب للمَخْذُول
    - مَن فاز بفلان فاز بالسَّهم الأخيب.
    لمِن يَخْذُل في وقت الحاجة
    =============================================

    ومن اشد ألخلاق المذمومه التي نهي عنها ألإسلام

    الخيانة
    معنى الخيانة لغةً:
    الخيانة نقيض الأمانة، من خانه خَوْنًا وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو خائن وخائنة وخؤون وخَوَّان والجمع خانة وخَوَنَةً وخُوَّان، ويقال: خُنْتُ فلانًا، وخنت أمانة فلان
    معنى الخيانة اصطلاحًا:
    قال الراغب: (الخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر) (والأظهر أنها شاملة لجميع التكاليف الشرعية)
    وقيل: هي (الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم، وتملك ما يستودع، ومجاحدة مودعه)
    وقال ابن عاشور: (وحقيقة الخيانة عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة)

    الفرق بين الخيانة وبعض الصفات

    - الفرق بين الخيانة والسرقة:
    قال ابن قتيبة: (لا يكاد الناس يفرقون بين الخائن والسارق.
    والخائن الذي ائتمن فأخذ، قال النمر بن تولب:
    وإن بني ربيعة بعد وهب كراعي البيت يحفظه فخانا!
    والسارق من سرقك سرًّا بأي وجه كان، يقال: كلُّ خائن سارق، وليس كل سارق خائنًا)
    - الفرق بين الخيانة والنفاق:
    (الخيانة والنفاق واحد، إلا أنَّ الخيانة تُقال اعتبارًا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارًا بالدين)
    ذم الخيانة والنهي عنها في القرآن الكريم

    - قال الفيروزآبادي عن ورود هذه الصفة في القرآن: (قد وردت في القرآن على خمسة أَوجه:
    الأَوّل: في الدِّين والدِّيانة وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ [الأنفال: 27]
    الثاني: في المال والنِّعمة وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105]
    الثالث: في الشرع والسنَّة وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ [الأنفال: 71] أي: إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة.
    الرّابع: الخيانة بمعنى الزِّنى وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] أي: الزَّانين.
    الخامس: بمعنى نَقْض العهد والبيعة وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً [الأنفال: 58] أي: نقض عهد)

    ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياقات، فمنها قوله تعالى:
    إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38]
    قال ابن كثير: (وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها)
    وقال سبحانه: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58] (يقول تعالى ذكره: وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنَّك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد)
    - وقال عزَّ مِن قائل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 105-108]
    قال السعدي: (قوله: وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تخاصم عن من عرفت خيانته، من مدعٍ ما ليس له، أو منكر حقًّا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية)
    - وقال عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10]
    قال ابن كثير في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا (أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أنَّ ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلًا ونهارًا، يؤاكلانهما، ويضاجعانهما، ويعاشرانهما أشدَّ العشرة والاختلاط فَخَانَتَاهُمَا أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجدِ ذلك كلُّه شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا؛ ولهذا قال: فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أي: لكفرهما، وَقِيلَ أي: للمرأتين: ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإنَّ نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء)
    - وقال سبحانه: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51-52]
    قال السعدي في قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ (يحتمل أنَّ مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يجرِ مني إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أنَّ المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني. وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ فإنَّ كلَّ خائن، لا بدَّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره)
    ذم الخيانة والنهي عنها في السنة النبوية
    - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ))
    قال ابن عثيمين في قوله: ((إذا اؤتمن خان)): (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه)
    - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنَّه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة )
    - وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))- قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَن ))
    قال النووي في معنى الجمع في قوله: يخونون ولا يؤتمنون. (أنهم يخونون خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بمقيد مرة واحدة، فإنه ويصدق عليه أنه خان الأمانة في بعض المواطن)
    - وعن جابر رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوَّنهم، أو يلتمس عثراتهم ))
    قال ابن بطال: (فبين النبي عليه السلام، بهذا اللفظ المعنى الذي من أجله نهى عن أن يطرق أهله ليلًا. فإن قيل: وكيف يكون طروقه أهله ليلًا سببًا لتخونهم؟ قيل: معنى ذلك، والله أعلم، أن طروقه إياهم ليلًا هو وقت خلوة، وانقطاع مراقبة الناس بعضهم بعضًا، فكان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنَّه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة، حين توخَّى وقت غرَّتهم وغفلتهم. ومعنى الحديث النهي عن التجسس على أهله، ولا تحمله غيرته على تهمتها، إذا لم يأنس منها إلا الخير)
    أقوال السلف والعلماء في الخيانة:
    - عن أنس بن مالك قال: (إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة)
    - (وكان شريح يقضي في المضارب بقضائين: كان ربما قال للمضارب: بينتك على مصيبة تعذر بها. وربما قال لصاحب المال: بينتك أن أمينك خائن، وإلا فيمينه بالله ما خانك)
    - وعن خالد الربعي قال: كان يقال: (إنَّ من أجدر الأعمال أن لا تؤخِّر عقوبته، أو يعجل عقوبته، الأمانة تُخان، والرحم تُقطع، والإحسان يُكفر)
    - وعن مجاهد، قال: (المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة)
    - وعن ميمون بن مهران قال: (ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته وفِّ بعهده مسلمًا كان أو كافرًا، فإنما العهد لله عزَّ وجلَّ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها، مسلمًا كان أو كافرًا ومن ائتمنك على أمانة فأدِّها إليه مسلمًا كان أو كافرًا).
    - وقال الفضيل بن عياض: (أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد، وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض - صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين)
    - وذكر أعرابي رجلًا خائنًا فقال: (إنَّ الناس يأكلون أماناتهم لقمًا، وإن فلانًا يحسوها حسوًا)
    - وقال الماوردي: (وأما الاستسرار بالخيانة فضعة؛ لأنَّه بذُلِّ الخيانة مهين، ولقلة الثقة به مستكين. وقد قيل في منثور الحكم: من يخن يهن. وقال خالد الربعي: قرأت في بعض الكتب السالفة: أن مما تعجل عقوبته ولا تؤخر: الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبغي على الناس.
    ولو لم يكن من ذم الخيانة إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة، لكفاه زاجرًا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته، لعلم أنَّ ذلك من أربح بضائع جاهه، وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العزِّ، ويقابل عليه من الإعظام)
    - وقال أيضًا: (والداعي إلى الخيانة شيئان: المهانة وقلة الأمانة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته)
    - وقال العارف المحاسبي: (ثلاثة عزيزة أو معدومة: حسن وجه مع صيانة، وحسن خلق مع ديانة، وحسن إخاء مع أمانة)
    - وقال حكيم: (لو علم مضيع الأمانة، ما في النكث والخيانة، لقصر عنهما عنانه.
    - وقالوا: من خان مان ، ومن مان هان، وتبرأ من الإحسان)
    - وقال ابن حزم: (الخيانة في الحرم أشدُّ من الخيانة في الدماء، العرض أعزُّ على الكريم من المال، ينبغي للكريم أن يصون جسمه بماله، ويصون نفسه بجسمه، ويصون عرضه بنفسه، ويصون دينه بعرضه، ولا يصون بدينه شيئًا)
    آثار الخيانة

    1- تسخط الله عزَّ وجلَّ على العبد.
    2- داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده من إنسانيته، وجعله وحشًا يهيم وراء ملذاته.
    3- من علامات النفاق.
    4- طريق موصل إلى العار في الدنيا، والنار في الآخرة.
    5- أسوأ ما يبطن الإنسان.
    6- انتشار الخيانة في المجتمع من علامات اضمحلاله.
    7- انتشار الغلول والرشوة والمطل والغش؛ لأنها كلها من الخيانة.
    8- فقدان الثقة بين أفراد المجتمع.
    9- تفكك أواصر المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع.
    10- أنها تسبب المهانة والذُّل لصاحبها.
    حُكم الخيانة
    ذهب عدد من العلماء إلى أن الخيانة من الكبائر، كالذهبي وابن حجر الهيتمي
    قال الذهبي: (قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27] ،
    قال الواحدي: نزلت هذه الآية في أبي لبابة، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لما حاصرهم،
    وكان أهله وولده فيهم، فقالوا: يا أبا لبابة، ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه - أي أنه الذبح فلا تفعلوا - فكانت تلك منه خيانة لله ورسوله، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله ورسوله.
    وقوله: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ عطف على النهي، أي: ولا تخونوا أماناتكم،
    قال ابن عباس: الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد يعني الفرائض يقول: لا تنقضوها،
    قال الكلبي: أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما. وأما خيانة الأمانة: فكلُّ واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه إن شاء خانها،
    وإن شاء أدَّاها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى، وقوله: وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ أنها أمانة من غير شبهة، وقال تعالى: وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] ، أي: لا يرشد كيد من خان أمانته، يعني أنَّه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية،
    وقال عليه الصلاة والسلام: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ))) ثم سرد الذهبي الأحاديث التي تحث على الأمانة، وتنهى عن الخيانة.
    صور الخيانة

    الخيانة من صفات المنافقين البارزة، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة لم يضيعها أو يدعها تفوت؛ جريًا وراء المغنم، وأصل الخون النقص، كما أنَّ أصل الوفاء التمام، واستعماله ضد الأمانة؛ لأنَّ الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة بقدر ما يعظم قدر الأمانة، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72] ، وقد نهى الله تعالى عن الخيانة بأصنافها، وأنواعها
    وصورها كالتالي:
    1- خيانة الله ورسوله:
    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 28]
    قال ابن حجر الهيتمي: (وقوله عزَّ وجلَّ: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ عطف على النهي، أي: ولا تخونوا أماناتكم.
    قال ابن عباس: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها العباد
    أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما.
    وأما خيانة الأمانات فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به، فهو سبحانه مُوقفه بين يديه، ليس بينه وبينه ترجمان، وسائله عن ذلك هل حفظ أمانة الله فيه أو ضيعها؟ فليستعد الإنسان بماذا يجيب الله تعالى به إذا سأله عن ذلك، فإنه لا مساغ للجحد ولا للإنكار في ذلك اليوم، وليتأمل قوله تعالى: وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] أي: لا يرشد كيد من خان أمانته، بل يحرمه هدايته في الدنيا، ويفضحه على رءوس الأشهاد في العقبى، فالخيانة قبيحة في كلِّ شيء)
    2- خيانة النفس:
    وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله، ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فعن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ [البقرة: 187] وقوله تعالى: تختانون من الاختيان، وهو أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب
    3- خيانة الناس وهي أنواع:
    - الخيانة في الأموال: وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان، ومن ذلك مال الوديعة، قال ابن عثيمين في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اؤتمن خان)) قال: (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه، فمثلًا إذا أعطي وديعة، وقيل له: خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك، يكون فيها يستعملها لنفسه، أو يتركها فلا يحفظها في مكانها، أو يُظْفِرُ بها من يتسلَّط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة فيها))

    - إفشاء السر: وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يُؤتمن عليه الإنسان، إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى،
    مثل: إظهار الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة أهل العدل، وصيانة مصلحة الأمة.
    ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهمُّ غير صاحبها، مثل عورات البيوت، وأسرار العائلات، والأزواج.. فليتقِ الله من يطَّلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن؛ لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح.
    كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يُذاع، وكذلك من يقومون بغسل الموتى، وتكفينهم، ودفنهم، فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم، وأن يحفظوا ما علموا سرًّا
    (وقال الحسن: إنَّ مِن الخيانة أن تحدث بسرِّ أخيك.
    ويُروى أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟! فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته. فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ)
    - الخيانة في النصيحة: ومن صور خيانة الناس كذلك الخيانة في النصيحة، كمن يزكِّي فاسقًا، أو يخفي مالًا مسروقًا، أو يؤوي مجرمًا، أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم
    - الخيانة الزوجية: وهي من أبشع صور الخيانة: خيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك..
    - الخيانة في الولايات: كأن يكون الإنسان وليًّا على يتيم؛ على ماله وحضانته وتربيته، فيهمل ماله، ولا يقوم بالواجب، أو يأكل ماله وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10]
    - ومن صور الخيانة أيضًا: عدم القيام بواجب التربية في الأهل والأولاد، وقد ائتمنه الله عليهم
    قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
    الخيانة من صفات اليهود
    (وصف الله اليهود إلا قليلًا منهم بأنهم أهل خيانة، فقال تعالى لرسوله: وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ [المائدة: 13]
    فهذه الآية تدلُّ على أنَّ الخيانة من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس.
    فمن خيانتهم محاولتهم اغتيال الرسول، وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.
    ومن خيانتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد وأمان)
    في أي شيء كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط؟
    قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10]
    فخيانة امرأة نوح وامرأة لوط لم تكن في العرض وإنما كانت في الدين. قال ابن كثير: (وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإنَّ نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء) فـ(هذه الآية الكريمة مثل ضربه الله لمخالطة الكافر للمسلم، وأنَّ الكافر لا ينفعه مخالطة المسلم، ما دام أنَّه لم يدخل في الإسلام، فإنَّه في يوم القيامة يكون في النار، ولا تنفعه معاشرته للمسلم ومخالطته للمسلم، وإن توثقت الصداقة والعلاقة؛ لأنَّه ليس بمسلم. أما الخيانة التي حصلت من امرأة نوح وامرأة لوط فهي خيانة الملة؛ لأنَّ امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين، فخانتاهما في الدين، حيث لم تدخلا في دين زوجيهما، فهذا يعتبر خيانة، وليس خيانة عرض؛ لأن فرش الأنبياء معصومة عليهم الصلاة والسلام، لا يمكن أن يتزوج نبي بامرأة خائنة في عرضها؛ لأنهم معصومون عليهم الصلاة والسلام من ذلك، وفرشهم معصومة. فالمراد هنا بالخيانة خيانة الدين. وقيل: إنَّ خيانتهما أنَّ امرأة نوح كانت تخبر الكفار بأسرار نوح عليه الصلاة والسلام، تصفه بأنَّه مجنون، وخيانة امرأة لوط أنها كانت تدلُّ قومها على أضياف لوط؛ ليفعلوا بهم الفاحشة. فهما خائنتان للأمانة التي بينهما وبين زوجيهما من ناحية حفظ السرِّ، وعدم الدلالة على ما عندهما من الأسرار ومن الأضياف وغير ذلك، فهذا هو نوع الخيانة الواقع. والحاصل: أنَّ هذه الخيانة ليست خيانة في العرض، بل هي إما في الدين، وإما خيانة في عدم حفظ الأسرار)
    ---------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الذُّل )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 22, 2022 7:54 am

    ومن ألأخلاق المذمومه في ألإسلام

    الـذُّ ل



    تعريف الذُّل لغةً:
    الذُّل: نقيض العزِّ، وأصل هذه المادة يدلُّ على الخُضوع، والاستكانة، واللِّين، يقال: ذلَّ يذِلُّ ذُلًّا وذِلَّة وذَلالة ومَذلَّة، إذا ضَعُف وهان، فهو ذليل بيِّن الذُّل والمذلة من قوم أذلاء وأذلة وذلال. والذُّل: الخسة. وتذلل له: أي: خضع
    تعريف الذُّل اصطلاحًا:
    قال ابن عاشور: (الذلة: خضوع في النفس، واستكانة من جراء العجز عن الدفع)
    وقال العسكري: (الذلة الضعف عن المقاومة)
    [size=24] الفرق بين الذُّل وبعض الصفات

    - الفرق بين الذُّل و الضعة:

    الذُّل: بسبب خارجي عن الإنسان بأن يقهره غيره.
    الضعة: إنما هي بفعل المرء بنفسه، وقد يسمَّى ذليلًا؛ لأنه يستحق الذُّل
    - الفرق بين الذُّل و الصَّغار:
    (الصغار هو الاعتراف بالذُّل والإقرار به، وإظهار صغر، وخلافه الكبر وهو إظهار عظم الشأن، وفي القرآن سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ [الأنعام: 124] وذلك أنَّ العصاة بالآخرة مقرون بالذلِّ، معترفون به، ويجوز أن يكون ذليل لا يعترف بالذلِّ)
    - الفرق بين الذُّل والخزي:
    (الخزي ذلٌّ مع افتضاح، وقيل: هو الانقماع لقبح الفعل، والخزاية الاستحياء؛ لأنه انقماع عن الشيء لما فيه من العيب،
    قال ابن درستويه: الخزي الإقامة على السوء خزي يخزى خزيًا، وإذا استحيا من سوء فعله أو فعل به قيل خزي يخزى خزاية؛ لأنهما في معنى واحد، وليس ذلك بشيء؛ لأنَّ الإقامة على السوء والاستحياء من السوء ليسا بمعنى واحد)
    - الفرق بين الخضوع والذل:
    الخضوع (هو التطامن، والتطأطؤ، ولا يقتضي أن يكون معه خوف.. والخاضع المطأطئ رأسه وعنقه.. وقد يجوز أن يخضع الإنسان تكلفًا من غير أن يعتقد أن المخضوع له فوقه. الخضوع في البدن والإقرار بالاستجداء.
    الذُّل الانقياد كرهًا، ونقيضه العزُّ وهو الإباء والامتناع، والانقياد على كره، وفاعله ذليل والذُّل والانقياد طوعًا، وفاعله ذلول)
    - الفرق بين التذلل والذُّل:
    (التذلل فعل الموصوف به، وهو إدخال النفس في الذلِّ، كالتحلم إدخال النفس في الحلم، والذليل الفعول به الذُّل من قبل غيره في الحقيقة، وإن كان من جهة اللفظ فاعلًا، ولهذا يمدح الرجل بأنه متذلل، ولا يمدح بأنه ذليل؛ لأن تذلـله لغيره اعترافه له والاعتراف حسن، ويقال العلماء متذللون لله تعالى، ولا يقال أذلاء له سبحانه)
    - الفرق بين الإذلال والإهانة:
    الإذلال:
    إذلال الرجل للرجل أن يجعله منقادًا على الكره، أو في حكم المنقاد.
    الإذلال لا يكون إلا من الأعلى للأدنى.
    نقيض الإذلال الإعزاز
    الإهانة:
    الهوان مأخوذ من تهوين القدر، وأن يجعل هذا المرء صغير الأمر لا يبالى به.
    والاستهانة تكون من النظير للنظير.
    نقيض الإهانة الإكرام
    ذم الذُّل والنهي عنه في القرآن الكريم

    - قال تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة: 61]
    قال ابن كثير: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي: وضعت عليهم وألزموا بها شرعًا وقدرًا، أي: لا يزالون مستذلين، من وجدهم استذلهم وأهانهم، وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون.. وقال الضحاك: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ قال: الذل... وقال الحسن: أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين. ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم
    الجزية)
    - وقال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26 ]
    قال الشوكاني: (قوله: وَتُذِلُّ مَن تَشَاء أي: في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما)
    وقال أبو حيان الأندلسي: (وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء قيل: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين دخلوا مكة في اثني عشر ألفًا ظاهرين عليها، وأذل أبا جهل وصناديد قريش حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب. وقيل: بالتوفيق والعرفان، وتذل بالخذلان. وقال عطاء: المهاجرين والأنصار وتذل فارس والروم. وقيل: بالطاعة وتذل بالمعصية. وقيل: بالظفر والغنيمة وتذل بالقتل والجزية. وقيل: بالإخلاص وتذل بالرياء. وقيل بالغنى وتذل بالفقر. وقيل: بالجنة والرؤية وتذل بالحجاب والنار،
    قاله الحسن بن الفضل. وقيل: بقهر النفس وتذل باتباع الخزي، قاله الوراق. وقيل: بقهر الشيطان وتذل بقهر الشيطان إياه،
    قاله الكتاني. وقيل: بالقناعة والرضا وتذل بالحرص والطمع، وينبغي حمل هذه الأقاويل على التمثيل؛ لأنه لا مخصص في الآية،
    بل الذي يقع به العزُّ والذُّلُّ مسكوت عنه)
    - وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152 ]
    قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ، بتعجيل الله لهم ذلك وذلة وهي الهوان؛ لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم في الحياة الدنيا، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة)
    وقال ابن عاشور: (معنى: نيل الذلة إياهم أنهم يصيرون مغلوبين لمن يغلبهم، فقد يكون ذلك بتسليط العدو عليهم، أو بسلب الشَّجاعَة من نفوسهم. بحيث يكونون خائفين العدو، ولو لم يسلط عليهم، أو ذلة الاغتراب إذ حرمهم الله ملك الأرض المقدسة فكانوا بلا وطن طول حياتهم حتى انقرض ذلك الجيل كله، وهذه الذلة عقوبة دنيوية قد لا تمحوها التوبة، فإن التوبة إنما تقتضي العفو عن عقاب التكليف، ولا تقتضي ترك المؤاخذة بمصائب الدنيا، لأن العقوبات الدنيوية مسببات تنشأ عن أسبابها، فلا يلزم أن ترفعها التوبة إلا
    بعناية إلهية خاصة)
    - وقال تعالى: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34]
    قال الشوكاني: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي: أهانوا أشرافها، وحطوا مراتبهم، فصاروا عند ذلك أذلة، وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتمَّ لهم الملك، وتستحكم لهم الوطأة، وتتقرر لهم في قلوبهم المهابة)
    وقال القاسمي: (معنى قولها: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أي عنوة وقهرًا، أَفْسَدُوهَا أي أخربوها، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً أي بالقهر، والغلبة، والقتل، والأسر، ونهب الأموال، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)
    - وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]
    قال الطبري: (ولم يكن له ولي من الذُّل يقول: ولم يكن له حليف حالفه من الذُّل الذي به، لأنَّ من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره، فذليل مهين، ولا يكون من كان ذليلًا مهينًا يحتاج إلى ناصر إلهًا يطاع)
    قال ابن كثير: (ولم يكن له ولي من الذُّل أي: ليس بذليل فيحتاج أن يكون له ولي أو وزير أو مشير، بل هو تعالى شأنه خالق
    الأشياء وحده لا شريك له، ومقدرها ومدبرها بمشيئته وحده لا شريك له،
    قال مجاهد في قوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ: لم يحالف أحدًا، ولا يبتغي نصر أحد، وكبره تكبيرًا أي: عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا)
    وقال القاسمي: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّأي ناصر من الذُّل ومانع له منه، لاعتزازه به. أو لم يوال أحدًا من أجل مذلة به، ليدفعها بموالاته)
    وقال ابن عطية: (قيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذُّل وعلى جهة الانتصار، إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالحي عباده)
    ذم الذُّل والنهي عنه في السنة النبوية
    - عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة الباهلي قال -ورأى سكة وشيئًا من آلة الحرث-: فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل )
    قال ابن بطال: (قال المهلب: معنى هذا الحديث - والله أعلم - الحض على معالي الأحوال، وطلب الرزق من أشرف الصناعات
    لما خشي النبي على أمته من الاشتغال بالحرث، وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله؛ لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها، فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة، والوقوع بذلك تحت أيدي السلاطين وركاب الخيل. ألا ترى أن عمر قال: تمعددوا واخشوشنوا ، واقطعوا الركب، وثبوا على الخيل وثبًا لا يغلبكم عليها رعاة الإبل. أي دعوا التملك والتدلك بالنعمة، وخذوا أخشن العيش؛ لتتعلموا الصبر فيه، فأمرهم بملازمة الخيل والتدريب عليها والفروسية؛ لئلا تملكهم الرعاة الذين شأنهم خشونة العيش، ورياضة أبدانهم بالوثوب على الخيل، وقد رأينا عاقبة وصيته فى عصرنا هذا، بميلنا إلى الراحة والنعمة. قال المؤلف: فمن لزم الحرث وغلب عليه، وضيع ما هو أشرف منه، لزمه الذُّل كما قال عليه السلام، ويلزمه الجفاء فى خلقه لمخالطته من هو كذلك.... فمن شأن ملازمة هذه المهن توليد ما ذكر من هذه الصفات،
    ومن الذُّل الذى يلزم من اشتغل بالحرث ما ينوبه من المؤنة بخراج الأرضين)
    وفي الحديث: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يعزُّ الله به الإسلام، وذلًّا يذلُّ الله به الكفر))
    وكان تميم الداري، يقول: (قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصغار والجزية).
    قال المباركفوري: (وذل. بضم الذال. ذليل. أي: أو يذله الله بها – كلمة الإسلام - حيث أباها بذل سبي أو قتال حتى ينقادون لها طوعًا أو كرهًا، أو يذعن لها ببذل الجزية، والحديث مقتبس من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33] ، ثم فسر العزَّ والذُّلَّ بقوله إما يعزهم الله
    أو يذلهم (فيدينون لها) بفتح الياء أي: فيطيعون وينقادون لها، من دان الناس أي: ذلوا وأطاعوا)
    وقال الألباني: (مما لا شكَّ فيه أنَّ تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان)
    آثار الذل

    1- ضعف النفس وهوانها.
    2- الاستضعاف من الآخرين، والاحتقار، والاستهانة بالذليل.
    3- لحوق الخزي والعار بالإنسان الذليل والأمة الذليلة.
    4- ضياع الحقوق.
    5- تغلب الأعداء والهزيمة.
    6- ضعف الإرادة والتخلف عن الرقي والريادة.
    أقسام الذل

    ينقسم الذُّل إلى محمود ومذموم:
    الذُّل المذموم:
    وهو التذلل لغير الله على وجه الهوان والضعف والصغار والانكسار والذلة.
    الذُّل المحمود:
    قال الراغب الأصفهاني: (الذُّل متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود، نحو قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة: 54]
    - ويشمل الذُّل المحمود:
    1- الذُّل لله سبحانه وتعالى:
    وهذا الذُّل عنوان العز والشرف والنصر في الدنيا والآخرة.
    قال عمر بن عبد العزيز: (لا يتقي الله عبد حتى يجد طعم الذل)
    وقال الذهبي: (من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب مع غاية الذُّل هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين، فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه في خالص حقه)
    2- الذُّل للمؤمنين:
    وهو بمعنى التراحم والتواضع والعطف، وليس بمعنى التذلل والانكسار على وجه الضعف والخور.
    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54]
    قال ابن القيم: (لما كان الذُّل منهم ذلَّ رحمة وعطف وشفقة وإخبات عدَّاه بأداة على تضمينًا لمعاني هذه الأفعال. فإنَّه لم يرد به ذلَّ الهوان الذي صاحبه ذليل. وإنما هو ذلُّ اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول)
    وقال الطبري: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، أرقَّاء عليهم، رحماء بهم... ويعني بقوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، أشداء عليهم، غُلَظاء بهم)
    وقال ابن كثير: (قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه)
    3- الذُّل للوالدين:
    قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24]
    قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلًا رحمة منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا)
    وقال السعدي: (تواضع لهما ذلًّا لهما ورحمة واحتسابًا للأجر؛ لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد)
    أسباب الوقوع في الذلِّ المذموم

    1- الإشراك بالله تعالى والابتداع في الدين:
    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152]
    قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ، بتعجيل الله لهم ذلك وَذِلَّةٌ وهي الهوان، لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم في الحياة الدنيا، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة)
    وقال الشاطبي: (كلُّ من ابتدع في دين الله، فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي عزُّه وجبروته، فهم في أنفسهم أذلاء. وأيضًا فإنَّ الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين، ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك، استخفى ببدعته، وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التقية)
    2- محاربة الله ورسوله ومخالفة أمرهما:
    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة: 20]
    قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله، يعني: الذين هم في حدٍّ والشرع في حدٍّ، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية، أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة)
    وقال الشوكاني: (أولئك في الأذلين أي: أولئك المحادون لله ورسوله، المتصفون بتلك الصفات المتقدمة، من جملة من أذلَّه الله من الأمم السابقة واللاحقة؛ لأنهم لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذُّل بهذا المكان. قال عطاء: يريد الذُّل في الدنيا والخزي في الآخرة)
    3- النفاق والاعتزاز بغير الله سبحانه وتعالى:
    قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]
    قال الكلاباذي: (قال الله عز وجل لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فكان الأذل هو الأعز عند نفسه بكثرة أتباعه وكثرة أنصاره..،
    فالذلة هي التعزز بمن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا يملك موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فهو كما قال الله عز وجل:
    ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73] ، فلا أذلَّ ممن ردَّ إلى نفسه الأمَّارة بالسوء، وانفرد في متابعة هواه، وظلمة رأيه، وانقطع عمن له العزة، فإنَّ العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين.. فيجوز أن يكون الذلة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منها متابعة الهوى في دين الله عز وجل، والتعزز بما دون الله تعالى)
    4- استمراء المعاصي وتسويف التوبة:
    قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران: 112]
    قال أبو حيان الأندلسي: (لما ذكر تعالى حلول العقوبة بهم من ضرب الذلة والمسكنة، والمباءة بالغضب، بيَّن علة ذلك، فبدأ بأعظم الأسباب في ذلك، وهو كفرهم بآيات الله. ثم ثنَّى بما يتلو ذلك في العظم، وهو قتل الأنبياء، ثم أعقب ذلك بما يكون من المعاصي، وما يتعدَّى من الظلم)
    وقال الحسن البصري: (أما والله، لئن تدقدقت بهم الهماليج ووطئت الرحال أعقابهم، إنَّ ذل المعاصي لفي قلوبهم، ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله)
    5- الكبر والأنفة عن قبول الحق:
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذُّل من كلِّ مكان ))
    قال ابن القيم: (من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفًا ورجاءً والتجاءً واستعانةً، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه)
    6- اتباع الهوى:
    قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23]
    (قال ابن تيمية: من قهره هواه ذلَّ وهان، وهلك وباد) وقال ابن القيم: (لكلِّ عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذُّل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به في قلبه)
    وقال ابن القيم أيضًا: (تجد في المتبع لهواه - من ذلِّ النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه... وقد جعل الله سبحانه العزَّ قرين طاعته، والذُّل قرين معصيته)
    7- مفارقة جماعة المسلمين:
    قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115]
    قال الكلاباذي: (فمن...خالف أولياء الله عز وجل باتباعه غير سبيلهم، فهو الوحيد العزيز، الشريد، الطريد، الحقير، الذليل، النذر، القليل، جليس الشيطان، وبغيض الرحمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة، فإنَّ الذئب يأخذ الشاة...)
    8- ترك الجهاد وحب الدنيا وكراهية الموت:
    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلًّا لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم ))
    قال ابن رجب: (من أعظم ما حصل به الذُّل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله، فمن سلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم عز، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذلَّ...
    ورأى النبي صلى الله عليه وسلم سكة الحرث فقال: ((ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذلُّ )) فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته، واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة،
    حصل له من الذل، فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة؟!)
    وقال الحسن البصري: (قد رأينا أقوامًا آثروا عاجلتهم على عاقبتهم فذلوا وهلكوا وافتضحوا) وقال الحسن: (ما أعزَّ أحد الدرهم إلا أذله الله)
    9- البخل وشيوع الربا وأكل أموال الناس بالباطل:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلًّا لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم ))
    10- إيذاء الصالحين واحتقارهم:
    قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13]
    وقال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32 ]
    قال المناوي: (فينبغي للإنسان أن لا يحتقر أحدًا، فربما كان المحتقر أطهر قلبًا، وأزكى عملًا، وأخلص نية، فإن احتقار عباد الله يورث الخسران، ويورث الذُّل والهوان)
    11- سؤال الناس والتطلع لما في أيديهم:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه،
    خير له من أن يسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه
    ))
    قال ابن حجر: (فيه الحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها، وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال، ومن ذل الرد إذا لم يعط)
    وقال ابن مفلح: (أولى الناس بحفظ المال، وتنمية اليسير منه، والقناعة بقليله توفيرًا لحفظ الدين والجاه، والسلامة من مننِ العوامِ الأراذلِ -العالم الذي فيه دين، وله أنفة من الذل)
    12- موالاة الكافرين:
    قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [النساء:139]
    13- التحزب والتفرق وتنافر القلوب:
    جاءت نصوص عديدة في الشريعة تحذر من التحزب والتفرق، لما لذلك من أثر سلبي من ضعف قوة المسلمين، وذهاب عزهم ولحوق الذُّل والمهانة بهم.
    قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103]
    وقال تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران 105]
    وقال تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46]
    الوسائل المعينة على دفع الذل واجتنابه
    1- الإيمان بالله والمداومة على العمل الصالح:
    قال الله تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس: 26]
    قال ابن كثير: (يخبر تعالى أنَّ لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة..
    وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ أي: قتام وسواد في عرصات المحشر، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة، وَلاَ ذِلَّةٌ أي: هوان وصغار، أي: لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر، بل هم كما قال تعالى في حقهم: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان: 11] أي: نضرة في وجوههم، وسرورًا في قلوبهم)

    2- الاعتزاز بالله، والتمسك بدينه، وتطبيق شريعته:
    قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنا كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)
    وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر- وفيه -: ((إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت ))
    قال بدر الدين العيني: (قوله: ((من واليت)) فاعل ((لا يذل)) أي: من واليته بمعنى: لا يذل من كنت له ولنا حافظًا وناصرًا)
    قال قتادة: (قوله: وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] ،
    كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًّا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات رُدِّيَ في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًّا وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عزَّ وجلَّ بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحلَّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإنَّ ربكم منعم يحبُّ الشاكرين، وإنَّ أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك)
    3- الدعاء بارتفاع الذُّل وحصول العز:
    عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أَظْلِم أو أُظْلَم ))
    (قال الطِّيبي: - قوله - والذلة أي من أن أكون ذليلًا في أعين الناس؛ بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية، أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة)
    4- موالاة الله ورسوله وصالح المؤمنين:
    قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]
    فالعزة لله سبحانه ولرسوله وللمؤمنين، ومن والاهم وسار على هداهم ينتفي عنه ذل الدنيا والآخرة، ويحصل له عز الدنيا والآخرة.
    5- طاعة الله ورسوله:
    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [ النساء: 59]
    (لو أطاعوه -الرسول- لما أصابهم ما لحقهم من الذُّل والهوان بالفشل والهزيمة في الحرب تارة؛ والقتل والأسر تارة أخرى، وبالعجز المبين عن أن يقفوا في سبيل دعوته، ويمنعوا انتشارها في أقطار المعمورة، ويحولوا دون دخول الناس في دين الله أفواجًا، وما كان عنادهم ولا مجادلتهم عن يقين يعتقدونه، ولا شبه لم يجل الشك عنها، ولكن تكبرًا وعتوًا؛ مخافة أن تزول عنهم مناصب توارثوها، ومظاهر تخيلوا أن العز والمجد في المحافظة عليها)
    6- مخالفة هوى النفس:
    قال ابن تيمية: (من قهر هواه عز وساد) و قال ابن القيم: (من كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده ،كانت نهايته العز والشرف والغنى، والجاه عند الله وعند الناس، قال أبو علي الدقاق: من ملك شهوته في حال شبيبته أعزه الله تعالى في حال كهولته)
    7- القناعة والزهد في الدنيا:
    وهما سبب الخير في الدنيا والآخرة، فالحرص على الدنيا وتحصيل أكثر ما يستطاع منها؛ يفقد الإنسان الورع، فلا يبالي أخذها بعزة نفس أو ذلها، من حلال أو حرام.
    8- الاعتصام بحبل الله، ونبذ الخلافات:
    قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103]
    وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا، وشبك أصابعه )) ففي الاتحاد عزة وقوة، وفي التفرق ذل وضعف.
    9- الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية للعز والقوة:
    قال الله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60]
    أقوال في الذل


    - قال الحسن البصري: (لقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذلَّه)
    - وكان أحمد يدعو: (اللهم أعزَّنا بالطاعة، ولا تذلَّنا بالمعصية)
    - وقال الحكيم: (من اعتزَّ بمخلوق ذلَّ)
    الذُّل في أمثال العرب:
    - كان جملًا فاستنوق. أي صار ناقة.
    - ذُلٌّ؛ لو أجد ناصرًا:
    أصله أن الحارث بن أبي شمر الغساني، سأل أنس بن أبي الحجير عن بعض الأمر، فأخبره؛ فلطمه الحارث، فقال أنس: ذل لو أجد ناصرًا. فلطمه ثانية، فقال: لو نهيت الأولى لم تلطم الثانية
    - كان حمارًا فاستأتن:
    أي صار أتانًا بعد أن كان حمارًا. يضرب للرجل يهون بعد العز

    -----------------------------------------------
    -وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا .. ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( السخرية والاستهزاء )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 22, 2022 7:57 am


    ومن ألأخلاق المذمومه في ألإسلام
    .......
    --- السخرية والاستهزاء

    معنى السخرية لغةً:
    يقال: سَخِرَ منه وبه سَخْرًا وسَخَرًا ومَسْخَرًا وسُخْرًا بالضم وسُخْرَةً وسِخْرِيًّا وسُخْرِيًّا وسُخْرِيَّة: هزئ به، والاسم السخرية والسُّخري ويكسر
    معنى السخرية اصطلاحًا:
    معنى السخرية الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء
    معنى الاستهزاء لغةً:
    الاستهزاء مصدر قولهم: استهزأ يستهزأ، يقال: هَزَأ منه وهَزِأ به، يَهْزَأُ هُزْءًا بِالضم، وهُزُءًا بِضَمَّتَيْنِ، وهُزُوءًا بالضم والمدِّ، ومَهْزُأَةً على مَفْعُلَة بضم العين، أي: سَخِر منه
    معنى الاستهزاء اصطلاحًا:
    الاستهزاء هو: ارتياد الهزء من غير أن يسبق منه فعل يستهزأ به من أجله
    وقال ابن تيمية: (الاستهزاء هو: السخرية؛ وهو حمل الأقوال والأفعال على الهزل واللعب لا على الجد والحقيقة، فالذي يسخر بالناس هو الذي يذم صفاتهم وأفعالهم ذمًّا يخرجها عن درجة الاعتبار، كما سخروا بالمطوِّعين من المؤمنين في الصدقات)
    الفرق بين الاستهزاء والسخرية وبعض الصفات

    - الفرق بين الاستهزاء والسخرية:
    (أن الإنسان يستهزأ به من غير أن يسبق منه فعل يستهزأ به من أجله.
    والسخر: يدل على فعل يسبق من المسخور منه، والعبارة من اللفظين تدل عن صحة ما قلناه، وذلك أنك تقول: استهزأت به. فتعدى الفعل منك بالباء، والباء للإلصاق كأنك ألصقت به استهزاء من غير أن يدل على شيء وقع الاستهزاء من أجله، وتقول: سخرت منه. فيقتضي ذلك من وقع السخر من أجله، كما تقول: تعجبت منه. فيدل ذلك على فعل وقع التعجب من أجله)
    - الفرق بين السخرية واللعب:
    (أن في السخرية: خديعة واستنقاصًا لمن يسخر به، ولا يكون إلا بذي حياة.
    وأما اللعب: فقد يكون بجماد، ولذلك أسند سبحانه السخرية إلى الكفار بالنسبة إلى الأنبياء كقوله سبحانه: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ [هود: 38] )
    - الفرق بين المزاح والاستهزاء:
    (أن المزاح لا يقتضي تحقير من يمازحه ولا اعتقاد ذلك، ألا ترى أن التابع يمازح المتبوع من الرؤساء والملوك ولا يقتضي ذلك تحقيرهم، ولا اعتقاد تحقيرهم، ولكن يقتضي الاستئناس بهم، والاستهزاء: يقتضي تحقير المستهزأ به واعتقاد تحقيره)
    ذمُّ السخرية والاستهزاء والنهي عنهما في القرآن الكريم

    - قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11]
    قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم،... فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرًا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛... وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون... وقوله: وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها)
    وقال ابن جرير: (إنَّ الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحلُّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك)
    - وقال سبحانه: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة: 1-4]
    (وَيْلٌ أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا همَّ له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك) (ولقد سجل القرآن الكريم عاقبة الساخرين والمستهزئين من المؤمنين، وأخبر بانعكاس الوضعية يوم القيامة بصورة يصبح الساخرون موضع سخرية واستهزاء من طرف عباده المستضعفين في هذه الدنيا، قال الحق سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين: 29-34])
    - وقوله: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56]
    قال ابن كثير: (قوله: وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أي: إنما كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزئ غير موقن مصدق)
    ذمُّ السخرية والاستهزاء والنهي عنهما في السنة النبوية
    - عن عائشة، قالت: ((حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فقال: ما يسرني أني حكيت رجلًا وأن لي كذا وكذا، قالت: فقلت: يا رسول الله، إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني قصيرة، فقال: لقد مزجت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج)) وفي لفظ لأبي داود: ((فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيت له إنسانًا. فقال: ما أحب أني حكيت إنسانًا وأنَّ لي كذا وكذا ))
    (قوله: ((وقالت بيدها)) أي أشارت بها (تعني قصيرة)، أي تريد عائشة كونها قصيرة، وفي المشكاة قلت: للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة ((لقد مزجت بكلمة)) أي أعمالك ((لو مزج)) بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على تقدير تجسيدها،
    وكونها مائعة (لمزج) بصيغة المجهول أيضًا والمعنى تغير وصار مغلوبًا.
    وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته.
    قال القاضي: المزج الخلط والتغيير بضم غيره إليه)
    وقوله ((ما أحب أني حكيت إنسانًا)): (أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصًا له يقال حكاه وحاكاه، قال الطِّيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح ((وأن لي كذا وكذا)) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئًا كثيرًا منها بسبب ذلك، فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة،
    قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجًا أو مطاطيًا رأسه، أو غير ذلك من الهيئات)
    - وعن أم هانئ رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: 29] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق، ويخذفونهم))
    قال المباركفوري: (اختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه، فقيل: كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب،
    وقيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة، وقيل:كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضًا، وقيل: كانوا يلعبون بالحمام، وقيل: كانوا يناقرون بين الديكة، ويناطحون بين الكباش؛ وقيل: يبزق بعضهم على بعض، ويلعبون بالنرد والشطرنج، ويلبسون المصبغات)
    - و كان ابن مسعود رضي الله عنه يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه،
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد))
    - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه ))
    قوله: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) (يعني يكفي المؤمن من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شرٌّ عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا؛ لكان كافيًا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته، ولا في ثيابه، ولا في كلامه، ولا في خلقه، ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم، فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره، وكذلك حديث ابن مسعود وحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما كلاهما يدل على تحريم احتقار المسلم، وأنه لا يحل له)
    أقوال السلف والعلماء في السخرية والاستهزاء

    - عن عبد الله بن مسعود قال: (لو سخرت من كلب، لخشيت أن أكون كلبًا، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغًا؛ ليس في عمل آخرة ولا دنيا)
    - وقال أبو موسى الأشعري: (لو رأيت رجلًا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها)
    - وعن الأسود، قال: كنا عند عائشة فسقط فسطاط على إنسان فضحكوا، فقالت عائشة: لا سخر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة ))
    - وقال إبراهيم النخعي: (إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله)
    - وقال عمرو بن شرحبيل: (لو رأيت رجلًا يرضع عنزًا فسخرت منه، خشيت أن أكون مثله)
    - وقال يحيي بن معاذ: (ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه)
    - وقال القرطبي: (من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق)
    - وقال السفاريني: (إن كل من افتخر على إخوانه واحتقر أحدًا من أقرانه وأخدانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين، فقد باء بالإثم والوزر المبين)
    - وقال ابن حجر الهيتمي: (لا تحتقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيرًا منك، وأفضل وأقرب)
    آثار السخرية

    1- أنَّ السخرية والاستهزاء تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة، والتواد، والتراحم.
    2- تبذر بذور العداوة والبغضاء، وتورث الأحقاد والأضغان.
    3- تولد الرغبة بالانتقام.
    4- أنَّ ضرر استهزائهم بالمؤمنين راجع إليهم.
    5- حصول الهوان والحقارة للمستهزئ.
    6- المستهزئ يعرض نفسه لغضب الله، وعذابه.
    7- ضياع الحسنات يوم القيامة.
    8- تولد الشعور بالانتقام.
    9- السخرية نذير شؤم للساخرين، فقد كان الغرق عاقبة قوم نوح الذين كفروا بالله وسخروا من نوح.
    10- السخرية تفقد الساخر الوقار، وتسقط عنه المروءة.
    11- الساخر يظلم نفسه بتحقير من وقره الله عز وجل، واستصغار من عظمه الله.
    12- السخرية تميت القلب، وتورثه الغفلة؛ حتى إذا كان يوم القيامة ندم الساخر على ما قدمت يداه، ولات ساعة مندم أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56]
    13- السخرية من سمات الكفار والمنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم.
    14- الساخر متعرض للعقوبة في الدار العاجلة أيضًا، بأن يحدث له مثل ما حدث للمسخور منه.
    15- بعد الناس عن المستهزئ لخوفهم منه، وعدم سلامتهم منه.
    16- يصرف عن قبول الحق، واستماع النصح.
    حُكم الاستهزاء
    حكم الاستهزاء بالله وآياته ورسوله:
    حكم الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يخرج صاحبه من الملة، قال تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ
    لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
    [التوبة: 64-66]
    قال ابن تيمية: (وهذا نصٌّ في أنَّ الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر)
    ويقول الفخر الرازي في تفسيره: (إنَّ الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان)
    ويقول السعدي: (إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة)
    حكم الاستهزاء بالمؤمنين:
    الاستهزاء بالمؤمنين له حالتان:
    الحالة الأولى: الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين بخَلقهم أو خُلقهم، وهو محرم بالإجماع،
    قال ابن حجر الهيتمي: (وقد قام الإجماع على تحريم ذلك)
    الحالة الثانية: الاستهزاء بالمؤمنين بسبب تمسكهم بالإسلام، وهذا يراعى فيه أمران:
    الأمر الأول: أن يكون المستهزئ جاهلًا بأن ما يستهزئ به من الشريعة الإسلامية.
    الأمر الثاني: أن لا يقصد المستهزئ باستهزائه ما يقوم به المسلم من الطاعات.
    فإذا انتفى هذان الأمران، وقصد الاستهزاء بالمسلم بسبب تمسكه بالدين فهذا حكمه الردة عن الإسلام.
    وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة ما يلي: (سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة، والاستهزاء بالمتمسك بهما نظرًا لما تمسك به، كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة -هذا كفر إذا صدر من مكلف، وينبغي أن يبين له أن هذا كفر، فإن أصر بعد العلم فهو كافر، قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ [التوبة: 65] لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66] )
    وسئل ابن عثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله، ويستهزئ بهم؟
    فأجاب بقوله: (هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله، المنفذين لأوامر الله، فيهم نوع نفاق؛ لأنَّ الله قال عن المنافقين:
    الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79] ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة، فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأنَّ الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنهم على خطر عظيم)
    أما سخرية الإنسان ممن يَسخر منه فجائزة، وهذا من العدل؛ لأنه يقابل السخرية بمثلها، ومع ذلك فتركها أولى،
    قال الله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النحل: 126]
    وقال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى : 40]
    وذكر الله عن نوح وقومه: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود: 38] فقابل نوح عليه السلام والمؤمنون معه سخرية الكفار منهم بسخرية.
    وقد أخبرنا الله عز وجل أنَّه يسخر من المنافقين، مقابلة لسخريتهم ومجازاة عليها، فقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79]
    قال ابن تيمية: (لفظ المكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله... زعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلمًا له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلًا، كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76] فكاد له كما كادت إخوته لما قال له أبوه: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5] وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا [الطارق: 15] وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 16] وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 50] فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل: 51] وقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79] )
    صور السخرية والاستهزاء

    1- السخرية:
    (إن السخرية تنافي ما يوجبه الحق، وهي ظلم قبيح من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على كرامته، وإيذاء لنفسه وقلبه، ومن آثارها أنها تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم، وتبذر بذور العداوة والبغضاء، وتولد الرغبة بالانتقام،
    ثم أعمال الانتقام، ما استطاع المظلوم بها إلى ذلك سبيلًا)
    قال ابن عباس في قوله تعالى: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا [الكهف: 49] (الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك بحالة الاستهزاء)
    قال ابن النحاس: (واعلم أنَّ معنى السخرية والاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقايص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك؛ كأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته، أو قبح في صورته ونحو ذلك)
    2- الهمز واللمز:
    وقد نهى الله عز وجل عن الهمز واللمز في كتابه، وتوعد من يفعل ذلك، قال ابن تيمية: (اللمز: هو العيب والطعن، ومنه قوله تعالى: وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: 58] أي يعيبك ويطعن عليك،
    وقوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: 79] وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات: 11] أي لا يلمز بعضكم بعضًا كقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور: 12] . والهمز: العيب والطعن بشدة وعنف، ومنه همز الأرض بعقبه، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر)و(اللمز هو أن يعيب الإنسان أخاه في وجهه بكلام ولو خفي، ورب لمز خفي هو أشد من طعن صريح، وأعمق جرحًا في داخل النفس، لأن فيه بالإضافة إلى الطعن والتجريح بالعيب معنى استغباء الملموز واستغفاله، فكأن اللامز يشعر الذين في المجلس أن الملموز غبي لا يتنبه إلى الطعن الذي يوجه ضده في رمز الكلام.
    واللمز قبيحة اجتماعية تورث الأحقاد والأضغان، وتقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وهو ظلم من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على حقه عليه)
    قال سبحانه: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات: 11] (فجعل اللامز أخاه لامزًا نفسه؛ لأنَّ المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير)
    وقال أبو السعود في تفسيره: (فإنَّ مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور، والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبًا، بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب، فلا يجترئ أحد على استحقار أحد، فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند الله تعالى، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى، والاستهانة بمن عظمه الله تعالى)
    الفرق بين الهمز واللمز:
    (قال المبرد: الهمز هو أن يهمز الإنسان بقول قبيح من حيث لا يسمع، أو يحثه ويوسده على أمر قبيح أي يغريه به،
    واللمز أجهر من الهمز، وفي القرآن هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون: 97] ولم يقل لمزات؛ لأنَّ مكايدة الشيطان خفية، قال: المشهور عند الناس أنَّ اللمز العيب سرًّا، والهمز العيب بكسر العين،
    وقال قتادة: يلمزك في الصدقات يطعن عليك، وهو دال على صحة القول الأول.
    الفرق بين الهُمزة واللُّمزة:
    قيل هما بمعنى. وقيل بينهما فرق.
    فإن الهمزة: الذي يعكس بظهر الغيب.
    واللمزة: الذي يعكس في وجهك.
    وقيل: الهمزة: الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه.
    واللمزة: الذي يكثر عيبه على جليسه، ويشير برأسه، ويومئ بعينه)
    وقيل: (الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم،
    واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه، قاله ابن زيد.أن الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه، قاله سفيان الثوري)
    3- التنابز بالألقاب:
    (اللقب: هو ما يدعى به الشخص من لفظ غير اسمه وغير كنيته، وهو قسمان: قبيح، وهو ما يكرهه الشخص لكونه تقصيرًا به وذمًّا ؛ وحسن، وهو بخلاف ذلك، كالصديق لأبي بكر، والفاروق لعمر، وأسد الله لحمزة، رضي الله تعالى عنهم)
    قال ابن عباس: (التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف)
    ثم إن التنابز بالألقاب التي هي (مما يؤذي الناس، إذ يحمل معنى التحقير والإهانة، نهى الله عنه، وجعله من المحرمات، وجعله من الفسوق والظلم، وربما يصل التنابز بالألقاب إلى مستوى الشتيمة، كالنبز بالحمار، والثور، والكلب، ونحو ذلك.
    ومن شأن التنابز بالألقاب أنه يقطع أواصر الأخوة الإيمانية، ويفسد المودات، ويولد العداوات والأحقاد، وربما يوصل إلى التقاتل مع ثورات الغضب، وهيجان الحماقات)
    ويستثنى من النهي بالتنابز بالألقاب؛ الألقاب الحسنة كالصديق، والفاروق وغيرها، وكذلك التي هي للشهرة كالأعمش وغيرها.
    قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات: 11]: (من لقب أخاه وسخر به فهو فاسق، والسخرية الاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص يوم يضحك منه، وقد يكون بالمحاكاة بالفعل، أو القول، أو الإشارة، أو الإيماء، أو الضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته، أو قبيح صورته)
    وقال الخازن: (قال بعض العلماء: المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادى به أو يفيد ذمًّا له، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك فلا بأس بها، إذا لم يكرهها المدعو بها، وأما الألقاب التي تكسب حمدًا ومدحًا تكون حقًّا وصدقًا فلا يكره، كما قيل لأبي بكر: عتيق، ولعمر: الفاروق، ولعثمان: ذو النورين، ولعلي: أبو تراب، ولخالد سيف الله، ونحو ذلك)
    4- التعيير والتهكم:
    معنى التعيير (أن يريد الإنسان ذم رجل، وتنقصه وإظهار عيبه؛ لينفر الناس عنه؛ إما محبة لإيذائه أو لعداوته؛ أو مخافة من مزاحمته على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب...)
    وقال الكفوي في معنى التهكم: (هو ما كان ظاهره جدًّا وباطنه هزلًا، والهزل الذي يراد به الجد بالعكس، ولا تخلو ألفاظ التهكم من لفظة من اللفظ الدال على نوع من أنواع الذم، أو لفظة من معناها الهجو)
    وعن المعرور بن سويد قال: ((لقيت أبا ذر بالربذة، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلًا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ))
    أسباب السخرية والاستهزاء

    أسباب السخرية ودوافعها كثيرة منها:
    1- الكبر الذي يلازمه بطر الحق وغمط الناس.
    2- الرغبة بتحطيم مكانة الآخرين.
    3- التسلية والضحك على حساب آلام الآخرين.
    4- الاستهانة بأقوال الآخرين وأعمالهم، أو خلقتهم، أو طبائعهم، أو أسرهم، أو أنسابهم، إلى غير ذلك.
    5- الفراغ وحب إضحاك الآخرين.

    ------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( السَّفَه والحمق )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 22, 2022 8:23 am

    ومن ألأخلاق المذمومه التي يبغضها ألأسلام

    السَّفَه والحمق


    معني السَّفَه لغةً:
    السَّفَه: خِفَّة الحِلْمِ أو نَقِيضُه أو الجَهْلُ، والسَّفَهُ نَقْصٌ في العَقل وأصله الخِفَّة، من سفه سفهًا من باب تعب، وسفه بالضم سفاهة وسَفاهًا، أي: صار سَفِيهًا، فهو سفيه، والأنثى سفيهة، والجمع سفهاء. وسفه الحق جهله، وسَفِهه تسفيهًا: نسبه إلى السَّفَه
    معنى السَّفَه اصطلاحًا:
    السَّفَه: نقيض الحِلْم وهو سرعة الغضب، والطَّيش مِن يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسَّرف في العقوبة، وإظهار الجزع مِن أدنى ضررٍ، والسَّبُّ الفاحش
    وقال الجرجاني: (السَّفَه: عبارة عن خِفَّة تعرض للإنسان مِن الفرح والغضب، فتحمله على العمل بخلاف طور العقل، وموجب الشَّرع)
    وقال ابن القيِّم: (السَّفَه غاية الجهل، وهو مركَّبٌ مِن عدم العلم بما يُصْلِح معاشه ومعاده، وإرادته بخلافه)
    معنى الحُمْق لغةً:
    الحُمْق قلَّة العقل وفَسَادٌ فِيه. وقد حَمُق الرَّجل -بالضَّم- حماقةً فهو أَحْمَق. وحَمِق -أيضًا بالكسر- يَحْمُق حُمْقًا، فهو حَمِق. وامرأة حَمْقاء، وقوم ونسوة حُمْق وحَمْقَى وحَماقى
    معنى الحُمْق اصطلاحًا:
    قال ابن الأثير: (حقيقة الحُمْق: وضع الشَّيء في غير موضعه مع العلم بقُبْحه)
    وقال النَّوويُّ: (حقيقة الأَحْمَق: مَن يعمل ما يضرُّه مع علمه بقُبْحه)
    الفرق بين السَّفَه والحُمْق وبعض الصِّفات

    - الفرق بين الحُمْق والجهل:
    في الفرق بين الحُمْق والجهل وجهان: أحدهما أنَّ الأَحْمَق هو الذي يتصوَّر الممتنع بصورة الممكن، والجاهل هو الذي لا يعرف الممتنع مِن الممكن.
    والوجه الثَّاني: أنَّ الأَحْمَق هو الذي يعرف الصَّواب ولا يعمل به، والجاهل هو الذي لا يعرف الصَّواب، ولو عرفه لعمل به

    - الفرق بين الحَمَاقَة والرَّقَاعَة:
    الرَّقَاعَة: حُمْقٌ مع رِفْعَةٍ وعلوِّ رتبة، ولا يقال للأحْمَق إذا كان وضيعًا رَقِيعًا، وإنَّما يقال ذلك للأحْمَق إذا كان سيِّدًا أو رئيسًا أو ذا مال وجاه
    - الفرق بين السَّفَه والطَّيش:
    السَّفَه: نقيض الحكمة، ويستعار في الكلام القبيح، فيقال: سَفِه عليه إذا أسمعه القبيح، ويقال للجاهل: سَفِيهٌ.
    والطَّيش: خِفَّةٌ معها خطأ في الفعل، وهو مِن قولك: طاش السَّهم. إذا خَفَّ فمضى فوق الهدف، فشُبِّه به الخفيف المفارق لصَواب الفِعْل
    - الفرق بين السَّفَه والشَّتم:
    الشَّتم: يكون حسنًا، وذلك إذا كان المشتوم يستحقُّ الشَّتم.
    والسَّفَه: لا يكون إلَّا قبيحًا، وجاء عن السَّلف في تفسير قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ [البقرة: 18] ، إنَّ الله وصفهم بذلك على وجه الشَّتم، ولم يقل على وجه السَّفَه لما قلناه
    - الفرق بين الأَحْمَق والمائِق:
    المائِق: هو السَّريع البكاء، القليل الحزم والثَّبات، والماقَة: البكاء. وفي المثل: أنا يَئِق وصاحبي مَئِق فكيف نتَّفق. وقال بعضهم: المائِق: السَّيِّئ الخُلُق، وحكى ابن الأنباري أنَّ قولهم: أَحْمَق مائق، بمنزلة: عطشان نطشان وجائع نائع
    - الفرق بين الحُمْق والجنون:
    الحُمْق والتَّغفيل: هو الغَلَط في الوسيلة والطَّريق إلى المطلوب، مع صحَّة المقصود، بخلاف الجنون.
    أمَّا الجنون: فإنَّه عبارة عن الخَلل في الوسيلة والمقصود جميعًا، فالأَحْمَق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطَّريق فاسد، ورويَّته في الطَّريق الوصَّال إلى الغرض غير صحيحة، والمجنون أصل إشارته فاسد، فهو يختار ما لا يُخْتَار
    - الفرق بين السَّفَه والعَبَث:
    العَبَث: هو ما يخلو عن الفائدة، والسَّفَه: ما لا يخلو عنها، ويلزم منه المضرَّة، والسَّفَه أقبح مِن العَبَث، كما أنَّ الظُّلم أقبح مِن الجهل. قال بدر الدِّين الكردي: العَبَث هو الفعل الذي فيه غرض لكن ليس بشرعيٍّ، والسَّفَه ما لا غرض فيه أصلًا
    ذَمُّ السَّفَه والحُمْق والنهي عنهما في القرآن الكريم

    - قال تعالى: فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة: 282]
    قال الشَّافعي: (السَّفيه: المبَذِّر المفسد لماله أو في دينه)
    - قال تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النِّساء: 5]
    قال البغوي: (والسَّفيه الذي لا يجوز لوليِّه أن يؤتيه ماله هو المستحِقُّ للحَجْرِ عليه، وهو أن يكون مبذِّرًا في ماله، أو مفسدًا في دينه)
    - قال تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 140]
    (ثمَّ بيَّن خسرانهم وسَفَاهة عقولهم، فقال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 140] ، أي: خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم، وصار وصْفُهم -بعد العقول الرَّزينة- السَّفَه المرْدِي، والضَّلال)
    ذَمُّ السَّفَه والحُمْق والنهي عنهما في السُّنَّة النَّبويَّة
    - عن جابر بن عبد الله: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله مِن إمارة السُّفَهاء. قال: وما إمارة السُّفَهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنُّون بسنَّتي، فمَن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منِّي ولست منهم، ولا يردوا على حوضي، ومَن لم يصدِّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم،
    فأولئك منِّي وأنا منهم، وسيردوا على حوضي..

    (إمارة السُّفَهاء، وهو فعلهم المستفاد منه مِن الظُّلم والكذب وما يؤدِّي إليه جهلهم وطيشهم)
    قال المناوي: (إمارة السُّفَهاء -بكسر الهمزة-. أي: ولايتهم على الرِّقاب؛ لما يحدث منهم مِن العنف والطَّيش والخِفَّة، جمع سَفِيهٍ، وهو ناقص العقل، والسَّفَه)
    - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصَّالح والجليس السُّوء، كمثل صاحب المسك وكِير الحدَّاد، لا يعدمك مِن صاحب المسك إمَّا تشتريه أو تجد ريحه، وكِير الحدَّاد يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة ))
    قال أبو حاتم: (والواجب على العاقل ترك صحبة الأَحْمَق، ومجانبة معاشرة النَّوكى، كما يجب عليه لزوم صحبة العاقل الأريب، وعشرة الفَطِن اللَّبيب؛ لأنَّ العاقل -وإن لم يصبك الحظُّ مِن عقله- أصابك مِن الاعتبار به، والأَحْمَق إن لم يَعْدِك حُمْقُه تدنَّستَ بعِشْرَته)
    - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج في آخر الزَّمان أقوامٌ أحداث الأسنان، سُفَهَاء الأحلام، يقولون مِن خير قول البريَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة ))
    قال ملا علي القاري: (أي: ضعفاء العقول، والسَّفَهُ -في الأصل-: الخِفَّة والطَّيش، وسَفِه فلان رأيه: إذا كان مضطربًا لا استقامة فيه، والأحْلَام: العقول، واحدها حِلْم، بالكسر)
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّها ستأتي على النَّاس سنونٌ خَدَّاعَة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصَّادق، ويُؤْتَمَن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّويبضة. قيل: وما الرُّويبضة؟ قال: السَّفيه يتكلَّم في أمر العامَّة ))
    قال ابن رجب: (ومضمون ما ذُكِر مِن أشراط السَّاعة في هذا الحديث يرجع إلى أنَّ الأمور تُوَسَّد إلى غير أهلها)
    أقوال السَّلف والعلماء في السَّفَه والحُمْق
    - عن مجاهد قال: (كنت عند ابن عبَّاس، فجاءه رجل، فقال: إنَّه طلَّق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننت أنَّه سيردُّها إليه، فقال: ينطلق أحدكم فيركب الأُحْمُوقة
    ، ثمَّ يقول: يا ابن عبَّاس! يا ابن عبَّاس، إنَّ الله قال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]، وإنَّك لم تتَّق الله، فلا أجد لك مخرجًا، عصيت ربَّك، وبانت منك امرأتك )
    - وعن أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر، قال: (طلَّق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ليراجعها. قلت: تُحْتَسب؟ قال: فمه. وعن قتادة، عن يونس بن جبير، عن ابن عمر، قال: مُرْهُ فليراجعها. قلت: تُحْتَسب؟ قال: أرأيت إن عجز واستَحْمَقَ؟
    - وعن يسير بن عمرو -وكان قد أدرك الصَّحابة- قال: (اهجر الأَحْمَقَ؛ فليس للأَحْمَق خيرٌ مِن هجرانه)
    عن أبي جعفر الخطمي أنَّ جدَّه عمير بن حبيب -وكان قد بايع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوصى بنيه، قال لهم: (أي بني! إيَّاكم ومخالطة السُّفَهاء؛ فإنَّ مجالستهم داء، وإنَّه مَن يَحْلم عن السَّفيه، يُسَرَّ بحلمه، ومَن يُجِبه يندم)
    - وعن وهب بن منبِّه قال: (الأَحْمَق كالثَّوب الخَلق: إن رفأته مِن جانبٍ انخرق مِن جانبٍ آخر، مثل الفَخَّار المكسور، لا يُرَقَّع ولا يُشعب ولا يُعاد طينًا)
    - وسأل سليمان بن عبد الملك أبا حازم: مَن أَحْمَقُ النَّاس؟ قال أبو حازم: (مَن حطَّ في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره)
    - وكان شريح يقول: (لئن أزاول الأَحْمَق أحبُّ إليَّ مِن أن أزاول نصف الأَحْمَق، قيل: يا أبا أميَّة ومَن نصف الأَحْمَق؟
    قال: الأَحْمَق المتعاقل)
    - وقال الحسن: (هجر الأَحْمَق قُرْبةً)
    - وقال العاملي: (السُّكوت عن الأَحْمَق جوابه)
    - وقال يحيى بن خالد البرمكي: (السَّفيه إذا تنسَّك تعاظم)
    - وأوصى المنذر بن ماء السَّماء ابنه النُّعمان بن المنذر، فقال: (آمرك بما أمرني به أبي، وأنهاك عمَّا نهاني عنه: آمرك بالشُّح في عِرْضك، والانخِدَاع في مالك، وأنهاك عن ملاحاة الرِّجال وسيَّما الملوك، وعن ممازحة السُّفَهاء..)
    - وقال ابن الجوزي: (السَّفَه نباح الإنسان)
    آثار الحُمْق

    1- الأَحْمَق مُبْغَضٌ في النَّاس.
    2- الأَحْمَق غير مَرْضِيِّ العمل، ولا محمود الأمر عند الله، وعند الصَّالحين
    3- الحَمْقى عباداتهم عادات
    4- الحُمْق داءٌ لا شِفاء له
    5- الأحمق كاسد العقل والرأي، لا يحسن شيئًا.
    6- سرعة الانفعال والتدخل في شئون الناس.
    7- الخفة وسرعة الجواب من غير روية.
    8- الأحمق عدو نفسه لما يسبب لنفسه من الضرر
    9- السَّفَه والحُمْق دليلٌ على سوء الخُلُق.
    10- السَّفَه والحُمْق مِن خوارم المروءة.
    11- السَّفِيه يقع في الغيبة وأعراض النَّاس.
    12- السَّفِيه بذيء اللِّسان.
    أقسام السَّفَه
    السَّفَه ينقسم إلى قسمين:
    1- سفه في الأمور الدُّنيويَّة، وهو التَّصرُّف في الأموال بالتَّبذير والإسراف، قال الله تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ [النِّساء: 5]
    2- سفه في الدِّين، قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء [البقرة: 13] ، وقوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا [البقرة: 142] والمراد بالسُّفَهاء هنا الكفَّار والمنافقين.

    مِن علامات السَّفيه والأحمق

    من علامات السفيه:
    1- الشُّح.
    2- سوء الخُلُق.
    3- كثرة طلب الحوائج إلى النَّاس
    4- إنفاق المال على وجه التَّبذير وفيما لا ينبغي.
    5- الفُحْش وبذاءة اللِّسان.
    مِن علامات الأَحْمَق:
    1- التَّخلُّق بالعجلة، والخِفَّة، والجفاء، والغُرُور، والفجور.
    2- التَّخَلُّق بالجهل، والتَّواني، والخيانة، والظُّلم، والضَّياع.
    3- التَّخَلُّق بالتَّفريط، والغفلة.
    4- التَّخَلُّق بالسُّرور، والخيلاء، والفجر، والمكر.
    5- إذا استغنى بَطِر، وإن افتقر قَنَط، وإن فرح أَشَر.
    6- إن قال فَحُش، وإن سأل ألحَّ.
    7- إن قال لم يُحْسِن، وإن قيل له لم يَفْقَه.
    8- إن ضحك نَهِق، وإن بكى خار
    9- يغضب مِن غير شيءٍ، ويعطي في غير حقٍّ.
    10- يتكلَّم مِن غير منفعة، ويفشي السِّرَّ.
    11- لا يفرِّق بين عدوِّه وصديقه.
    12- يتكلَّم ما يخطر على قلبه.
    13- يتوهَّم أنَّه أعقل النَّاس
    14- لا يتثبَّت، ويُفْرِط في الضَّحك.
    15- الوقيعة في الأخيار.
    16- الاختلاط بالأشرار
    17- إذا أعرضت عنه اغتمَّ، وإن أقبلت عليه اغترَّ.
    18- إن حَلُمت عنه جَهِل عليك، وإن جَهَلْتَ عليه حَلُم عنك.
    19- إن أسأت إليه أحسن إليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك.
    20- إذا ظلمته انتصفت منه، ويظلمك إذا أنصفته
    21- سرعة الجواب، وكثرة الالتفاف، والثِّقة بكلِّ أحد
    مِن شيم الأَحْمَق:
    قال أبو حاتم: (ومِن شيم الأَحْمَق: العجلة، والخِفَّة، والعجز، والفجور، والجهل، والمقت، والوَهَن، والمهابة، والتَّعَرض، والتَّحاسد، والظُّلم، والخيانة، والغفلة، والسَّهو، والغيِّ، والفُحْش، والفخر، والخيلاء، والعدوان، والبغضاء)
    مِن أعظم أمارات الحُمْق:
    قال أبو حاتم: (وإنَّ مِن أعظم أمارات الحُمْق في الأَحْمَق لسانه؛ فإنَّه يكون قلبه في طرف لسانه، ما خطر على قلبه نَطَق به لسانه. والأَحْمَق يتكلَّم في ساعة بكلام يعجز عنه سحبان وائل، ويتكلَّم في السَّاعة الأخرى بكلام لا يعجز عنه باقل، والعاقل يجب عليه مجانبة مَن هذا نعته ومخالطة مَن هذه صفته؛ فإنَّهم يجترئون على مَن عاشرهم)

    مُعَاشَرة الأَحْمَق


    قال أبو حاتم: (مَثَلُ الأَحْمَق إن صَحِبته عنَّاك، وإن اعتزلته شتمك، وإن أعطاك مَنَّ عليك، وإن أعطيته كفرك، وإن أسرَّ إليك اتَّهمك، وإن أسررت إليه خانك، وإن كان فوقك حَقِرَك، وإن كان دونك غمزك)

    وقال محمد بن إسحاق الواسطي:
    لي صديق يرى حقوقي عليه نافلات وحقَّه كان فرضًا
    لو قطَّعت الجبال طولًا إليه ثمَّ مِن بعد طولها سرت عرضًا
    لرأى ما صنعت غير كبير واشتهى أن أزيد في الأرض أرضًا

    وقال الماوردي: (والأَحْمَق ضالٌّ مُضِلٌّ، إن أُونِس تَكَبَّر، وإن أُوحِش تَكَدَّر، وإن استُنْطِق تَخَلَّف، وإن تُرِك تكلَّف. مجالسته مِهْنَة، ومعاتبته مِحْنَة، ومحاورته تَعَرُّ، وموالاته تَضُرُّ، ومقاربته عَمَى، ومقارنته شَقَا)
    قيل: (أربعة تصعب معاشرتهم: النَّديم المعَرْبِد، والجليس الأَحْمَق، والمغنِّي التَّائه، والسِّفْلَة إذا تقرَّأ)
    وعن أبي وائل، أنَّ عمر قال: (ما يمنعكم إذا رأيتم السَّفِيه يَخْرِق أعراض النَّاس أن تُعْربُوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه. قال: ذاك أدنى أن لا تكونوا شهداء)
    الحُمْق أظلم الظُّلمات:
    قال أبو حاتم: (أظلم الظُّلمات الحُمْق، كما أنَّ أنفذ البصائر العقل، فإذا امتُحِن المرء بعِشْرَة الأَحْمَق كان الواجب عليه اللُّزوم لأخلاق نفسه، والمباينة لأخلاقه مع الإكثار مِن الحمد لله على ما وهب له مِن الانتباه لـمَّا حُرِمَ غيره التَّوفِيق له... والعاقل يجب عليه مجانبة مَن هذا نعته)
    الحِكَم والأمثال في السَّفَه والحُمْق

    - عدوُّ الرَّجل حُمْقُه، وصديقه عقله
    - معاداة العاقل خيرٌ مِن مصادقة الأَحْمَق
    - أَحْمَق بَلَغ.
    يقال لمن يبلغ حاجته مع حُمْقِه
    - أَحْمَق مِن الممْهُورة إحدى خَدَمَتَيْهَا.
    وذلك أنَّ رجلًا كانت له امرأة حمقاء، فطلبت مهرها منه، فنزع إحدى خلخاليها مِن رجلها -وهما الخَدَمَتَان- ودفعه إليها، وقال: هذا مهرك فرضيت به
    - علامة العيِّ السَّفَه
    - إنّما الأَحْمَق كالثَّوب الخَلق
    - سفيه لم يجد مُسَافِهًا:
    هذا المثل يروى عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، قاله لعمرو بن الزبير حين شتمه عمرو
    - عَرَفَ حُمَيْقٌ جَمَلَهُ.
    يُضْرَب في الإفراط في مؤانسة النَّاس، ويقال: معناه عَرَف قَدْرَه، ويقال: يُضْرب لمن يَسْتَضعِف إنسانًا ويُولَع به، فلا يزال يؤذيه ويظلمه
    - أكْثَر مِن الحَمْقَى فأُورِد الماءَ.
    يُضْرَب لمن اتَّخذ ناصرًا سفيهًا
    - قال وهب: (مكتوب في الحكمة: قصر السَّفَه النَّصب، وقصر الحِلْم الرَّاحة، وقصر الصَّبر الظَّفر، وقصر الشَّيء وقصاراه غايته وثمرته)
    - (قال بعض الحكماء: آخِ مَن شئت، واجتنب ثلاثة: الأَحْمَق: فإنَّه يريد أن ينفعك فيضرَّك. والمملوك: فإنَّه أوثق ما تكون به لطول الصُّحبة وتأكُّدها يخذلك، والكذَّاب: فإنَّه يجني عليك آمن ما كنت فيه مِن حيث لا تشعر)
    - وقال العاملي: (قال بعض الحكماء: غضب الأَحْمَق في قوله، وغضب العاقل في فعله)
    - وقال -أيضًا-: (مِن كلامهم: عداوة العاقل أقلُّ ضررًا مِن صداقة الأَحْمَق)
    - وقال -أيضًا-: (لا يجد الأَحْمَق لذَّة الحكمة، كما لا يلتذُّ بالورد صاحب الزَّكْمَة)
    - وقيل لبعض الحكماء: ما كمال الحُمْق؟ قال: (طلب منازل الأخيار بأعمال الأشرار، وبغض أهل الحقِّ، ومحبَّة أهل الباطل)
    - وقال العتبي سمعت أعرابيًّا يقول: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء أسَرُّ منه بلين العيش مع السُّفَهاء

    من أخبار الحمقى


    هذه بعض أخبار الحمقى ذكرناها لثلاث فوائد:
    (الأول: أن العاقل إذا سمع أخبارهم عرف قدر ما وهب له مما حرموه، فحثه ذلك على الشكر.
    والثاني: أن ذكر المغفلين يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة إذا كان ذلك داخلًا تحت الكسب وعامله فيه الرياضة، وأما إذا كانت الغفلة مجبولةً في الطباع، فإنها لا تكاد تقبل التغيير.
    والثالث: أن يروح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظًا يوم القسمة، فإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحنظلة: ((ساعة وساعة ))
    - عن أبي عثمان المازني أنه قال: قدم أعرابي على بعض أقاربه بالبصرة، فدفعوا له ثوبًا ليقطع منه قميصًا، فدفع الثوب إلى الخياط فقدر عليه ثم خرق منه، قال: لم خرقت ثوبي؟ قال: لا يجوز خياطته إلا بتخريقه، وكان مع الأعرابي هراوة من أرزن فشج بها الخياط، فرمى بالثوب وهرب، فتبعه الأعرابي وأنشد يقول:
    ما إن رأيت ولا سمعت بمثله فيما مضى من سالف الأحقاب
    من فعل علج جئته ليخيط لي ثوبًا فخرقه كفعل مصاب
    فعلوته بهراوةٍ كانت معي فسعى وأدبر هاربًا للباب
    أيشق ثوبي ثم يقعد آمنًا كلا ومنزل سورة الأحزاب

    - وكان رجل من الأعراب يعمل في معمل للذهب فلم يصب شيئًا، فأنشأ يقول: الرجز:
    يا رب قدر لي في حماسي
    وفي طلاب الرزق بالتماس
    صفراء تجلو كسل النعاس
    فضربته عقرب صفراء، سهرته طول الليلة وجعل يقول: يا رب، الذنب لي إذ لم أبين لك ما أريده، اللهم لك الحمد والشكر،
    فقيل له: ما تصنع أما سمعت قول الله تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7] فوثب جزعًا وقال: لا شكرًا، لا شكرًا
    - تذاكر قوم قيام الليل وعندهم أعرابي، فقالوا له: أتقوم بالليل؟ قال: إي والله. قال: فما تصنع؟ قال: أبول وأرجع أنام
    - وعن أبي العيناء قال: كان المدني في الصف من وراء الإمام، فذكر الإمام شيئًا فقطع الصلاة، وقدم المدني ليؤمهم، فوقف طويلًا، فلما أعيا الناس سبحوا له، وهو لا يتحرك فنحوه وقدموا غيره، فعاتبوه فقال: ظننته يقول لي: احفظ مكاني حتى أجيء
    - من أخبار هبنقة واسمه يزيد بن ثروان، من حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال: أخشى أن أضل نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به. فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال: يا أخي أنت أنا، فمن أنا؟
    - وأضل بعيرًا فجعل ينادي: من وجده فهو له. فقيل له: فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان؟
    - واختصمت طفاوة وبنو راسب في رجل ادعى كل فريق أنه في عرافتهم، فقال هبنقة: حكمه أن يلقى في الماء، فإن طفا فهو من طفاوة، وإن رسب فهو من راسب. فقال الرجل: إن كان الحكم هذا فقد زهدت في الديوان
    - ومنهم عجل بن لجيم، من حمقه أنه قيل له: ما سميت فرسك؟ فقام إليه ففقأ إحدى عينيه وقال: سميته الأعور.
    قال العنزي:
    رمتني بنو عجلٍ بداء أبيهم وأي امرىءٍ في الناس أحمق من عجل
    ألبس أبوهم عار عين جواده فصارت به الأمثال تضرب بالجهل

    - وعن الأصمعي أنه قال: حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس، وتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس
    --------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا نتابع ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام .. تابعونا

    ولا تنسونا من صالحدعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( سوء الظن )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 22, 2022 2:30 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه التي يبغضها ألإسلام

    سوء الظن


    معنى السوء لغةً:
    أصل هذه المادة يدلُّ القبح، يقال: ساء الشيء: إذا قَـبُح. والسُّوء: الاسم الجامع للآفات والداء، والسُّوءُ أيضًا بمعنى الفُجور والمنكر، ويقال: ساءه يسوءه سوءًا وسواء: فعل به ما يكره، نقيض سرَّه. والاسم: السوء بالضم. وسؤت الرجل سواية ومساية، يخففان،
    أي ساءه ما رآه مني. وسؤت به ظنًّا، وأسأت به الظن. ويقال: أسأت به وإليه وعليه وله
    معنى الظنِّ لغةً:
    ظنَّ الشَّيء ظنًّا: علمه بغير يقين، وقد تأتي بمعنى اليقين. و: فلانًا. و: به: اتهمه. والظِّنة: التهمة. والظَّنين: المتهم الذي تظن به التهمة، ومصدره الظنة، والجمع الظنن. ورجل ظنين: متهم من قوم أظناء
    معنى سوء الظن اصطلاحًا:
    قال الماوردي: (سوء الظن: هو عدم الثقة بمن هو لها أهل)
    وقال ابن القيم: (سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على اللسان والجوارح)
    وقال ابن كثير: سوء الظن (هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله)
    الفرق بين سوء الظن وبعض الصفات
    - الفرق بين سوء الظن والاحتراز:
    قال ابن القيم: (الفرق بين الاحتراز وسوء الظن:
    أن المحترز يكون مع التأهب والاستعداد، وأخذ الأسباب التي بها ينجو من المكروه، فالمحترز كالمتسلح المتطوع الذي قد تأهب للقاء عدوه، وأعد له عدته؛ فهمُّه في تهيئة أسباب النجاة ومحاربة عدوه، قد أشغلته عن سوء الظنِّ به، وكلما ساء به الظنُّ أخذ في أنواع العدة والتأهب، بمنزلة رجل قد خرج بماله ومركوبه مسافرًا، فهو يحترز بجهده من كلِّ قاطع للطريق، وكلِّ مكان يتوقع منه الشرَّ.
    وأما سوء الظن فهو امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على لسانه وجوارحه، فهم معه أبدًا في الهمز واللمز والطعن والعيب والبغض، ببغضهم ويبغضونه، ويلعنهم ويلعنونه، ويحذرهم ويحذرون منه، فالأول يخالطهم ويحترز منهم، والثاني يتجنبهم ويلحقه أذاهم، الأول داخل فيهم بالنصيحة والإحسان مع الاحتراز، والثاني خارج منهم مع الغش والدغل والبغض)
    - الفرق بين الفراسة وسوء الظن:
    قال أبو طالب المكي: (الفرق بين الفراسة وسوء الظن: أنَّ الفراسة ما توسمته من أخيك بدليل يظهر لك، أو شاهد يبدو منه،
    أو علامة تشهدها فيه، فتتفرس من ذلك فيه ولا تنطق به إنْ كان سوءًا، ولا تظهره ولا تحكم عليه ولا تقطع به فتأثم.
    وسوء الظن ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال فيك، تعرفها من نفسك فتحمل حال أخيك عليها وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظن والإثم)
    ذم سوء الظن والنهي عنه في القرآن الكريم

    - قال تعالى في ذم سوء الظن بالله تعالى وعاقبة من فعل ذلك: ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 154]
    قال ابن القيم: (فُسِّر هذا الظنُّ الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأنَّ أمره سيضمحل، وأنه يسلمه للقتل،
    وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره، ولا حكمة له فيه، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله، ويظهره على الدين كله. وإنما كان هذا ظن السوء، وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل، وظن غير الحق،
    لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيب وسوء، بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهيه، وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون، فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالًا لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله)
    - وقال سبحانه في عاقبة من ظن به السوء: وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 22- 23]
    قال أبو حيان الأندلسي: (هذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الإله)
    قال السعدي: (وَلَكِن ظَنَنتُمْ بإقدامكم على المعاصي أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ الظن السيئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله.
    أَرْدَاكُمْ أي: أهلككم فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم،
    فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم، في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة)
    - ثم أوضح سبحانه صورة هذا الهلاك والخسران بقوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6]
    قال ابن القيم: (توعد الله سبحانه الظانين به ظنَّ السوء بما لم يتوعد به غيرهم،
    كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6])
    وقال الشوكاني في قوله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ أي: يعذبهم في الدنيا بما يصل إليهم من الهموم والغموم بسبب ما يشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام، وقهر المخالفين له، وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر، وفي الآخرة بعذاب جهنم.. عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم، حائق بهم، والمعنى: أن العذاب والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم... وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرًا)
    - وقال سبحانه في ذم سوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12]
    قال ابن كثير: (قال تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثير منه احتياطًا)
    وقال السعدي: (نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فــ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته
    المأمور بخلاف ذلك منه)
    ذم سوء الظن والنهي عنه في السنة النبوية

    - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث ))
    قال الصنعاني: (المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظنَّ)) سوء الظنِّ به تعالى، وبكلِّ من ظاهره العدالة من المسلمين وقوله: ((فإن الظن أكذب الحديث)) سماه حديثًا؛ لأنَّه حديث النفس، وإنما كان الظنُّ أكذب الحديث؛ لأنَّ الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره. وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء، فيخفى على السامع كونه كاذبًا بحسب الغالب، فكان أكذب الحديث، والحديث وارد في حقِّ من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور)
    وقال الملا علي القاري ((إياكم والظن)) أي: احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين، قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: 36] ، قال القاضي: التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع، أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه.. أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار، ويؤيده قوله: ((فإنَّ الظنَّ)) في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثًّا على الاجتناب أكذب الحديث)
    - وعن صفية بنت حيي قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا أو قال: شيئًا ))
    قال النووي: (الحديث فيه فوائد، منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، ومراعاته لمصالحهم، وصيانة قلوبهم وجوارحهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا؛ فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان فى قلوبهما فيهلكا؛ فإنَّ ظنَّ السوء بالأنبياء كفر بالإجماع، والكبائر غير جائزة عليهم، وفيه أنَّ من ظنَّ شيئًا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر.. وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان، وطلب السلامة، والاعتذار بالأعذار الصحيحة، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق، وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظنَّ السوء)
    - وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم ))
    قال المناوي: (... ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة)) أي: طلب الريبة، أي: التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم، وجاهرهم بسوء الظن فيها، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل، وعدم تتبع العورات؛ فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام، والإنسان قل ما يسلم من عيبه،
    فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع، واتسع المجال، بل يستر عيوبهم، ويتغافل ويصفح،
    ولا يتبع عوراتهم، ولا يتجسس عليهم)
    أقوال السلف والعلماء في سوء الظن
    - قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله، ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم - وعنه أيضًا: (ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن)
    - وقال ابن عباس: (إنَّ الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنَّ به ظنَّ السوء)
    - وقال ابن مسعود: (الأمانة خير من الخاتم، والخاتم خير من ظنِّ السوء)
    - وقال سلمان الفارسي: (إني لأعد غراف قدري مخافة الظن)
    - وقال ابن عطية: (كان أبو العالية يختم على بقية طعامه؛ مخافة سوء الظن بخادمه)
    - وقال القاضي عياض: (ظن السوء بالأنبياء كفر)
    - وقال الغزالي: (سوء الظن غيبة بالقلب)
    - وقال الخطابي: (الظن منشأ أكثر الكذب)
    - وقال إسماعيل بن أمية: (ثلاث لا يعجزن ابن آدم: الطيرة وسوء الظن والحسد. قال: فينجيك من الطيرة ألا تعمل بها، وينجيك من سوء الظن ألا تتكلم به، وينجيك من الحسد ألا تبغي أخاك سوءًا)
    - وقال الحارث المحاسبي: (احم القلب عن سوء الظن بحسن التأويل)
    آثار سوء الظن

    1- سبب للوقوع في الشرك والبدعة والضلال:
    سوء الظن بالله سبب في الوقوع في الشرك، قال ابن القيم: (الشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله تعالى.. لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين ، ولهذا قال إبراهيم إمام الحنفاء لخصمائه من المشركين:
    أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 86-87] )
    قال المقريزي: (اعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلالهم راجعًا إلى شيئين: أحدهما:.. الظن بالله ظن السوء)
    2- أنها صفة كل مُبطل ومبتدع :
    قال تعالى: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 23]
    قال ابن القيم: (كلُّ مبطل وكافر ومبتدع مقهور مستذل، فهو يظن بربه هذا الظن وأنه أولى بالنصر والظفر والعلو من خصومه، فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ،
    وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه. ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره،
    ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنًا كمون النار في الزناد)
    3- سبب في استحقاق لعنة الله وغضبه:
    قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6]
    قال ابن القيم: (توعَّد الله سبحانه الظانين به ظنَّ السوء بما لم يتوعد به غيرهم
    ، كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6])
    4- يورث الإنسان الأخلاق السيئة:
    سوء الظن يورث الإنسان الأخلاق السيئة كالجبن والبخل والشح والحقد والحسد والتباغض
    قال ابن عباس: (الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل)
    وقال ابن القيم: (الشحُّ فهو خلق ذميم يتولد من سوء الظن، وضعف النفس، ويمده وعد الشيطان)
    وقال المهلب: (التباغض والتحاسد أصلهما سوء الظنِّ، وذلك أن المباغض والمحاسد يتأول أفعال من يبغضه ويحسده على أسوأ التأويل)
    5 - من أساء الظن أساء العمل:
    قال الطبري -بسنده إلى الحسن-: (تلا الحسن: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصلت: 23] فقال: إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم؛ فأما المؤمن فأحسن بالله الظن، فأحسن العمل، وأما الكافر والمنافق، فأساءا الظن فأساءا العمل)
    6- سبب في وجود الأحقاد والعداوة:
    فإن الظن السيئ (يزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوة، ويمزق وشائج المحبة، ويزرع العداء والبغضاء والشحناء)
    قال ابن القيم: (أما سوء الظن فهو امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس، حتى يطفح على لسانه وجوارحه فهم معه أبدًا في الهمز واللمز والطعن والعيب والبغض، يبغضهم ويبغضونه ويلعنهم ويلعنونه ويحذرهم ويحذرون منه... ويلحقه أذاهم..خارج منهم مع الغش والدغل والبغض)
    7- يؤدي إلى تتبع عورات المسلمين:
    قال الغزالي: (من ثمرات سوء الظن التجسس، فإنَّ القلب لا يقنع بالظنِّ، ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وهو أيضًا منهي عنه، قال الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] فالغيبة وسوء الظن والتجسس منهي عنه في آية واحدة، ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله، فيتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر؛ حتى ينكشف له ما لو كان مستورًا عنه كان أسلم لقلبه ودينه)
    8- سبب للمشكلات العائلية:
    فـ(من أسباب المشاكل العائلية سوء الظن من أحدهما وغضبه قبل التذكر والتثبت؛ فيقع النزاع وربما حصل فراق، ثم تبين الأمر خلاف الظن)
    وقال ابن القيم: (الغيرة مذمومة منها غيرة يحمل عليها سوء الظن، فيؤذى بها المحب محبوبه، ويغري عليه قلبه بالغضب،
    وهذه الغيرة يكرهها الله إذا كانت في غير ريبة، ومنها غيرة تحمله على عقوبة المحبوب بأكثر مما يستحقه
    )
    9- إضعاف الثقة بين المؤمنين
    10- من مداخل الشيطان الموقعة في كبائر الذنوب:
    قال الغزالي: (من عظيم حيل الشيطان.. سوء الظن بالمسلمين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12]، فمن يحكم بشرٍّ على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة، فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه، أو يتوانى في إكرامه، وينظر إليه بعين الاحتقار، ويرى نفسه خيرًا منه، وكلُّ ذلك من المهلكات)
    11- سبب في مرض القلب، وعلامة على خبث الباطن:
    قال الغزالي : مهما رأيت إنسانًا يسيء الظن بالناس طالبًا للعيوب، فاعلم أنه خبيث الباطن وأنَّ ذلك خبثه يترشح منه، وإنما رأى غيره من حيث هو، فإن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العيوب، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق)
    12- يسبب عدم الثقة بالآخرين:
    قال الزمخشري: (قيل لعالم: من أسوأ الناس حالًا؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنَّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله)
    أقسام سوء الظن وحُكم كلِّ قسم منها

    الحكم على سوء الظن يشمل قسمين: سوء ظن الذي يؤاخذ به صاحبه،
    وسوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه.
    القسم الأول: سوء الظن الذي يؤاخذ به صاحبه:
    وضابط هذا النوع: هو كل ظن ليس عليه دليل صحيح معتبر شرعًا، استقر في النفس، وصدقه صاحبه، واستمر عليه، وتكلم به، وسعى في التحقق منه
    وهو أنواع ولكل نوع حكم خاص وهو كالتالي:
    1- سوء الظن المحرم: ويشمل سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمؤمنين.
    فسوء الظن بالله تعالى من أعظم الذنوب: قال ابن القيم: (أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به) وقال الماوردي: (سوء الظن هو عدم الثقة بمن هو لها أهل، فإن كان بالخالق كان شكًّا يؤول إلى ضلال)
    أما سوء الظن بالمؤمنين: ويشمل سوء الظن بالأنبياء وهو كفر،
    قال النووي: (ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع)، وسوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين، وقد عدَّ الهيثمي سوء الظنِّ بالمسلم الذي ظاهره العدالة من الكبائر
    2- سوء الظن الجائز: ويشمل: سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب، والمجاهرة بالمعاصي، وسوء الظن بالكافر، قال ابن عثيمين: (يحرم سوء الظن بمسلم، أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهل لذلك، وأما من عرف بالفسوق والفجور، فلا حرج أن نسيء الظن به؛ لأنه أهل لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورات الناس، ويبحث عنها؛ لأنَّه قد يكون متجسسًا بهذا العمل)
    3- سوء الظنِّ المستحب: وهو ما كان بين الإنسان وعدوه، قال أبو حاتم البستي في سوء الظن المستحب (كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه، مكره، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره؛ لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه)
    4- سوء الظن الواجب: وهو ما احتيج لتحقيق مصلحة شرعية، كجرح الشهود ورواة الحديث

    حُكم سوء الظن بالنفس

    سوء الظن بالنفس اختلف فيه العلماء، فمنهم من رأى الاستحباب. قال ابن القيم: (أما سوء الظن بالنفس فإنما احتاج إليه؛ لأنَّ حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، ويلبس عليه، فيرى المساوئ محاسن، والعيوب كمالًا، فإنَّ المحبَّ يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك.
    ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه)
    وضابط سوء الظن بالنفس (هو اتهام النفس، فلا يتهم ربه، وإنما يتهم الإنسان نفسه بالتقصير، ويعاملها بالاتهام ليدفع عنها الغرور والعجب، دون أن يخرجه ذلك إلى حدِّ سوء الظنِّ بالله، أو اليأس من رحمته؛ لأنَّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فلا ييأس الإنسان من روح الله، ولا يقنط من رحمته، لكن ليجتهد في الطاعات، ومع ذلك يتهم نفسه وعمله، ولا يدري أقبل عمله أم لم يقبل؟ مع ثقته في أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع عمل عامل من المؤمنين أبدًا)

    ومنهم من رأى الكراهة؛ قال الماوردي: (منهم من كرهه لما فيه من اتهام طاعتها، وردِّ مناصحتها. فإنَّ النفس وإن كان لها مكر يردي، فلها نصح يهدي. فلما كان حسن الظن بها يعمي عن مساوئها، كان سوء الظن بها يعمي عن محاسنها. ومن عمي عن محاسن نفسه كان كمن عمي عن مساوئها، فلم ينف عنها قبيحًا، ولم يهد إليها حسنًا. وقال الأحنف بن قيس: من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم)
    - ومنهم من قال بالموازنة بين سوء الظن وحسن الظن. ينبغي على المرء أن - (يكون في التهمة لنفسه معتدلًا، وفي حسن الظن بها مقتصدًا، فإنه إن تجاوز مقدار الحقَّ في التهمة لنفسه ظلمها؛ فأودعها ذلة المظلومين، وإن تجاوز الحق في مقدار حسن الظن بها آمنها؛ فأودعها تهاون الآمنين. ولكل ذلك مقدار من الشغل، ولكل شغل مقدار من الوهن، ولكل وهن مقدار من الجهل)
    القسم الثاني: سوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه:
    وضابطه: هو الخواطر الطارئة غير المستقرة التي يجاهدها صاحبها، ولا يسعى للتحقق منها.
    قال النووي: (الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    ((إنَّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل ))
    قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرًا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه... وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه،
    وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حرامًا، ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه، وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره)

    أسباب الوقوع في سوء الظن

    1- الجهل وسوء القصد والفهم:
    فالجهل من الأسباب التي تؤدي إلى سوء الظنِّ بسبب عدم فهم حقيقة (ما يرى وما يقرأ ومرمى ذلك، وعدم إدراك حكم الشرع الدقيق في هذه المواقف خصوصًا إذا كانت المواقف غريبة، تحتاج إلى فقه دقيق، ونظر بعيد، يجعل صاحبه يبادر إلى سوء الظن، والاتهام بالعيب، والانتقاص من القدر، فانظر إلى ذي الخويصرة الجهول، لماذا أساء الظنَّ بالرسول واتهمه بعدم الإخلاص،
    فقال: اعدل يا محمد، فما عدلت، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، لقد دفعه إلى الظن السيئ والفعل القبيح جهله وسطحية فهمه،
    وقلة فقهه لمقاصد الشريعة ومصالح الدين الشرعية
    )
    2- اتباع الهوى وتعميم الأحكام على الناس:
    قال الغزالي: (المسلم يستحق بإسلامه عليك أن لا تسيء الظنَّ به، فإن أسأت الظنَّ به في عينه؛ لأنك رأيت فسادًا من غيره،
    فقد جنيت عليه، وأثمت به في الحال.. ويدلُّ عليه أنا نعلم أنَّ الصحابة رضي الله عنهم في غزواتهم وأسفارهم كانوا ينزلون في القرى، ولا يردون القرى، ويدخلون البلاد، ولا يحترزون من الأسواق، وكان الحرام أيضًا موجودًا في زمانهم،
    وما نقل عنهم سؤال إلا عن ريبة، إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه، بل سأل في أول قدومه إلى المدينة عما يحمل إليه أصدقة أم هدية؟! لأنَّ قرينة الحال تدل، وهو دخول المهاجرين المدينة وهم فقراء، فغلب على الظن أن ما يحمل إليهم بطريق الصدقة)
    3- مصاحبة أهل الفسق والفجور:
    قال أبو حاتم البستي: (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبًا، فكما أنَّ صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشرَّ)
    4- التواجد في مواطن التهم والريب:
    من أسباب إساءة الناس الظنِّ بالمرء تواجده في أماكن الريب والفجور،
    ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (من أقام نفسه مقام التهم فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ)
    5- الحقد والحسد على المظنون به:
    قال أبو طالب المكي: (سوء الظنِّ ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال فيك، تعرفها من نفسك؛ فتحمل حال أخيك عليها وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظن والإثم)
    6- الإسراف في الغيرة:
    ((إنَّ من الغيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله، فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والغيرة التي يكرهها الله الغيرة في غير ريبة ))
    قال الغزالي: (لأنَّ ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه فإنَّ بعض الظنِّ إثم.
    وقال علي رضي الله عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك، فتُرمى بالسوء من أجلك)

    الوسائل المعينة على ترك سوء الظن

    1- الاستعاذة بالله والتوقف عن الاسترسال في الظنون:
    إذا كان سوء الظن الوارد متعلق بالله سبحانه وتعالى فمما ورد في علاج ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ))
    2- معرفة أسماء الله وصفاته:
    قال ابن القيم: (أكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظنَّ السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء)
    3- سوء الظن بالنفس واتهامها بالتقصير:
    قال ابن القيم: (ليظنَّ – العبد - السوء بنفسه التي هي مأوى كلِّ سوء، ومنبع كلِّ شرٍّ، المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كلِّ سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كلِّ وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك، كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلُّها حسنى)
    4 - المداومة على محاسبة النفس والاستغفار:
    قال ابن القيم: (فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السوء)
    5- ترك التحقق من الظنون السيئة:
    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12]
    6- أن يتأول ما ظاهره السوء وأن يجد له مخرجًا:
    قال عمر بن الخطاب: (لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظنَّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا)
    وقال ابن عباس رضي الله عنه: (ما بلغني عن أخٍ مكروه قطُّ إلا أنزلته إِحدى ثلاث منازل: إن كان فوقي عرفت له قدره،
    وإن كان نظيري تفضلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به. هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرض الله واسعة
    )
    7- عدم مصاحبة من ابتلي بإساءة الظن:
    قال أبو حاتم البستي: (الواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبًا، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشرَّ)
    8- البعد عن مواطن التهم والريب:
    عن صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا، أو قال: شيئًا ))
    قال ابن بطال: (في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنها صفية)) السنة الحسنة لأمته، أن يتمثلوا فعله ذلك في البعد عن التهم ومواقف الريب)
    وقال الغزالي: (حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول: مثلي لا يظنُّ به إلا الخير؛ إعجابًا منه بنفسه،
    فإنَّ أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة، بل بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم...
    فيجب الاحتراز عن ظنِّ السوء، وعن تهمة الأشرار، فإنَّ الأشرار لا يظنون بالناس كلِّهم إلا الشرَّ)
    وقال أيضًا: -ينبغي على المرء– (أن يتقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن، ولألسنتهم عن الغيبة،
    فإنهم إذا عصوا الله بذكره وكان هو السبب فيه كان شريكًا،

    قال الله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108] ،
    وقال صلى الله عليه وسلم: ((كيف ترون من يسبُّ أبويه؟! فقالوا: وهل من أحد يسب أبويه؟!
    فقال: نعم، يسبُّ أبوي غيره فيسبون أبويه
    ).))
    ---------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا -- تابعونا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5191
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ألأخلاق في ألإسلام .( الجزء الرابع ) ألأخلاق المذمومه  Empty الأخلاق في نظر ألإسلام .. الجزء الرابع . ( الشَّمَاتَة )

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة يوليو 22, 2022 3:09 pm

    ومن ألأخلاق المذمومه الي يمقتها ألإسلام

    الشَّمَاتَة  

    معنى الشَّمَاتَة
    أصل هذه الكلمة يدلُّ على فَرَح عَدُوٍّ بِبَلِيَّة تُصِيب مَنْ يُعَادِيه، يقال: شَمِتَ العَدُوُّ كفَرِحَ وزْنًا ومعْنًى، يَشْمَتُ شَماتَةً وشماتًا،
    وشَمِتَ الرَّجُلُ: إِذا فَرِحَ ببَلِيَّةِ العَدُوِّ، وباتَ فلانٌ بلَيْلَة الشَّوامِت، أي بلَيْلَةٍ تُشْمِتُ الشَّوامتَ
    فالشَّمَاتَة: هي الفَرَح ببليِّة مَن تعاديه ويعاديك
    وقال أبو حامد الغزَّالى: (الشَّمَاتَة: الفَرَح بالشَّرِّ الواصل إلى غير المستَحِق، ممَّن يعرفه الشَّامت)
    وقيل: الشَّمَاتَة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد

    ذَمُّ الشَّمَاتَة في القرآن الكريم


    - قال تعالى: قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف: 150]
    أي: فلا تفعل بي ما هو أمنيَّتهم مِن الاستهانة بي والإساءة إليَّ، وقُرِئ: ((فلا يَشْمَت بي الأعداء))، على نهي الأعداء عن الشَّمَاتَة. والمراد أن لا يحلَّ به ما يَشْمَتون به لأجله
    - وقال تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا [آل عمران:120]
    وهذا الفَرَح شماتة، والحسد والشَّمَاتَة متلازمان
    - قال تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران: 12] لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنم




    ذَمُّ الشَّمَاتَة في السُّنَّة النَّبويَّة
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، ومِن شَمَاتَة الأعداء، ومِن جهد البلاء )) قال عمرو في حديثه: قال سفيان: أشكُّ أنِّي زدت واحدة منها
    قال النَّوويُّ: (شماتة الأعداء: هي فَرَح العدوِّ ببليَّةٍ تنزل بعدوِّه، يقال منه: شَمِت بكسر الميم، وشَمَت بفتحها)
    (وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى.
    وقال ابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته)
    وقال المناويُّ: (إنَّما حَسُنَ الدَّعاء بدفع شَمَاتَة الأعداء؛ لأنَّ مَن له صِيْتٌ عند النَّاس وتأمل، وَجَدَ نفسه بينهم كبَهْلَوان يمشي على حبلٍ عالٍ بقُبْقَاب، وجميع الأقران والحُسَّاد واقفون ينتظرون متى يَــزْلَق فيَشْمَتُون به، ومِن أشقِّ ما على الزَّالق أن يُغْلَب عليه رعاية مقامه عند الخَلْق؛ فإنَّه يذوب قهرًا، بخلاف مَن يراعي الحقَّ؛ فإنَّ الأذى يَخِفُّ عليه، ولو أَظْهَروا كلُّهم الشَّمَاتَة)
    أقوال السَّلف والعلماء في الشَّمَاتَة
    - قال ابن الكلبي: لـمَّا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، شَمَتَت به نساء كِنْدة وحضرموت، وخَضَّبن أيديهن،
    وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم:
    أبلغ أبا بكر إذا ما جئته أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام
    أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام
    فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارم كالبرق أَوْمَض من متون غمام
    - وعن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده، فقال له عليٌّ: أعائدًا جئت أم شامتًا؟ قال: لا، بل عائدًا. قال: فقال له عليٌّ: إن كنت جئت عائدًا، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا عاد الرَّجل أخاه المسلم، مشى في خِرَافة الجنَّة حتى يجلس، فإن جلس غمرته الرَّحمة، فإن كان غُدْوَة صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي،
    وإن كان مساءً صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح
    ))
    - وعن عمر بن عبد العزيز: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت)
    - وقال آخر: (عِبْتُ شخصًا قد ذهب بعض أسنانه، فذهبت أسناني، ونظرت إلى امرأة لا تحلُّ لي، فنظر زوجتي مَن لا أريد)
    - وقال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال ابن الجوزي: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة)

    آثار الشَّمَاتَة

    1- الشَّمَاتَة بالتَّعيير بالذَّنب أعظم مِن مُرْتَكِب الذَّنب:
    يقول ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته؛ لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب، وأنَّ أخاك باء به، ولعلَّ كسرته بذنبه، وما أحدث له مِن الذِّلَّة والخضوع والإزراء على نفسه، والتَّخلُّص مِن مرض الدَّعوى والكِبْر والعُجْب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرَّأس، خاشع الطَّرف، منكسر القلب أنفع له،
    وخيرٌ مِن صولة طاعتك، وتكثُّرك بها، والاعتداد بها، والمنَّة على الله وخَلْقِه بها، فما أقرب هذا العاصي مِن رحمة الله،
    وما أقرب هذا المدِل مِن مقت الله، فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلَّا هو، ولا يطالعها إلَّا أهل البصائر، فيعرفون منها بقَدْرِ ما تناله معارف البَشَر)
    2- الشَّامت قد تنعكس المصيبة عليه:
    يقول إبراهيم النخعي: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله).
    فالفَرَح بمصيبة العدوِّ مذمومٌ جدًّا؛ لكونه سببًا لانعكاس المصيبة عليه بابتلاء مَن شَمَت، وعافية مَن شَمَت عليه، أو لأنَّه ارتكاب المنهيِّ عنه، خصوصًا إذا حملها -أي: تلك المصيبة- على كرامة نفسه، يعني:
    يقول الحاقد: إنَّ مصيبة عدوِّي إنَّما هي مِن كرامتي، أو على إجابة دعائه، كأن يقول: ما ابتُلِي به عدوِّي مِن هذه المصيبة،
    إنَّما هو بإجابة دعوتي عليه؛ لأنَّه حينئذ عُجْبٌ وتزكية نفسٍ وغُرورٌ، بل يجب على الحاقد أن يخاف مِن مصيبة عدوِّه أن تكون مكرًا مِن الله تعالى له، واستدراجًا للحاقد، حيث ابتلى عدوَّه وعافاه، ويجب على الحاقد أن يَحْزَن على احتمال كونه مَكْر الله تعالى ، و يجب -أيضًا- أن يدعو الله بإزالة بلائه -أي: العدو- ويدعو بأن يُخْلِفه الله تعالى خيرًا ممَّا فات مِن النِّعم بتلك المصيبة.
    في الوجوب هذا نظرٌ، إلَّا أن يُرَاد بالوجوب معنى مجازي، ثمَّ إنَّ هذا الدُّعاء سبب لخلاص الحاقد مِن تلك المصيبة،
    كما قال الله تعالى: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا [النِّساء: 85]
    3- الشَّمَاتَة لها تأثيرٌ سلبيٌّ على الفرد والمجتمع؛ تربِّي الحقد والحسد والعداوة.
    وهذا أمرٌ معلوم مشهود.
    4- الشماتة تؤدي إلى قساوة القلب.
    حُكْم الشَّمَاتَة
    لا يجوز الشَّمَاتَة بالمسلم؛ لكنها في حق الكفار المحاربين والمنافقين تجوز، قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15]
    قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم)
    أسباب الوقوع في الشَّمَاتَة
    1- الابتعاد عن منهج الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
    2- ضعف الإيمان.
    3- حبُّ التَّشفِّي النَّاس.
    4-  حبُّ الدُّنيا والتَّعلُّق بها، ونسيان الآخرة.
    5- تعاظم العداوة المفضية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه
    6- الحقد والكراهية:
    فإنَّ خُلُق الشَّمَاتَة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته
    معنى تَشْمِيت العاطس وعلاقته بالشَّمَاتَة
    بيَّن ابن القيِّم علَّة الحمد بعد العطاس، ومعنى تَشْمِيت العاطس، وأنَّ الدُّعاء للعاطس بالرَّحمة تَشْمِيتًا له لما في ضمنه مِن شَمَاتَتِه بعدوِّه، فقال: (ولـمَّا كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه، التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عَسِرة، شُرِع له حمدُ الله على هذه النِّعمة، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزَّلزَلة، التي هي للبدن كزَلزَلة
    الأرض لها،
    ولهذا يقال: سمَّته وشمَّته بالسِّين والشِّين، فقيل: هما بمعنى واحد، قاله أبو عبيدة وغيره. قال: وكلُّ داعٍ بخير فهو مشمِّت ومسمِّت. وقيل: بالمهملة دعاء له بحسن السَّمت، وبعوده إلى حالته مِن السُّكون والدَّعة، فإنَّ العطاس يُحْدِث في الأعضاء حركة وانزعاجًا. وبالمعجمة دعاء له بأن يصرف الله عنه ما يُشَمِّت به أعداءه، فشَمَّته إذا أزال عنه الشَّمَاتَة، كقَرَّد البعير: إذا أزال قُـرَاده عنه،
    وقيل: هو دعاء له بثباته على قوائمه في طاعة الله، مأخوذٌ مِن الشَّوامت وهي القوائم. وقيل: هو تشميت له بالشَّيطان لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس، وما حصل له به مِن محابِّ الله؛ فإنَّ الله يحبُّه، فإذا ذَكَر العبدُ الله وحمده، ساء ذلك الشَّيطان مِن وجوه، منها: نَفْسُ العطاس الذي يحبُّه الله، وحمد الله عليه، ودعاء المسلمين له بالرَّحمة، ودعاؤه لهم بالهداية وإصلاح البال،
    وذلك كلُّه غائظٌ للشَّيطان، مُحْزِنٌ له، فتَشْمِيت المؤمن بغيظ عدوِّه وحُزْنِه وكآبته، فسُمِّي الدُّعاء له بالرَّحمة تَشْمِيتًا له، لما في ضمنه مِن شماتته بعدوِّه، وهذا معنى لطيف إذا تنبَّه له العاطس والمشمِّت انتفعا به، وعظمت عندهما منفعة نعمة العطاس في البدن والقلب، وتبيَّن السِّرُّ في محبَّة الله له، فلله الحمد الذي هو أهله، كما ينبغي لكريم وجهه، وعزِّ جلاله)
    ========================================
    ومن ألأخلاق المذمومه التي يمقتها ألإسلام  ---   الطَّمع  ---
    معنى الطَّمع لغةً:
    طَمِعَ طَمَعًا وطماعة وطماعية مخفف، فهو طامِعٌ، وإنه لطَمِعٌ: حريص، والطمَّاع: الكثير الطَّمع.
    والطَّمع: الأمل والرجاء، وأكثر ما يُسْتَعمل فيما يقرب حُصُوله. ويتعدى بالهمزة فيقال: أطمعته. وأصل هذه المادة يدُلُّ على رجاء في القلب قويٍّ للشَّيء
    معنى الطَّمع اصطلاحًا:
    قال الرَّاغب: (نزوع النَّفس إلى الشَّيء شهوةً له وقال المناوي: (الطَّمع تعلُّق البال بالشَّيء من غير تقدُّم سبب له)
    وقال العضد: (الطَّمع ذلٌّ ينشأ من الحرص، والبطالة، والجهل بحكمة الباري)
    الفرق بين الطَّمع وبعض الصفات  
    - الفرق بين الحرص والطَّمع:

    قيل: الحرص أشد الطَّمع، وعليه جرى قوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ [البقرة: 75]
    لأنَّ الخطاب فيه للمؤمنين، وقوله سبحانه: إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ [النحل: 37] ، فإنَّ الخطاب فيه مقصور على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أنَّ رغبته صلى الله عليه وآله في إسلامهم، وهدايتهم، كان أشدَّ وأكثر من رغبة المؤمنين، المشاركين له في الخطاب الأول في ذلك
    - الفرق بين الأمل والطَّمع:
    قيل: أكثر ما يستعمل الأمل فيما يستبعد حصوله، فإنَّ من عزم على سفر إلى بلد بعيد يقول: (أملت الوصول إليه)
    ولا يقول: (طمعت) إلا إذا قرب منه، فإن الطَّمع لا يكون إلا فيما قرب حصوله. وقد يكون الأمل بمعنى الطَّمع
    - الفرق بين الرَّجاء والطَّمع:
    أنَّ الرَّجاء: هو الظَّنُّ بوقوع الخير الذي يعتري صاحبه الشَّك فيه، إلا أنَّ ظنَّه فيه أغلب، وليس هو من قبيل العلم،
    والشاهد أنه لا يقال: أرجو أن يدخل النبي الجنَّة. لكون ذلك متيقنًا. ويقال: أرجو أن يدخل الجنَّة إذا لم يعلم ذلك.
    والرَّجاء: الأمل في الخير، والخشية والخوف في الشرِّ، لأنَّهما يكونان مع الشك في المرجو والمخوف، ولا يكون الرَّجاء إلا عن سبب يدعو إليه؛ من كرم المرجو أو ما به إليه، ويتعدى بنفسه تقول: رجوت زيدًا، والمراد رجوت الخير من زيد، لأنَّ الرَّجاء لا يتعدى إلى أعيان الرجال.
    والطَّمع: ما يكون من غير سبب يدعو إليه، فإذا طمعت في الشيء فكأنَّك حدَّثت نفسك به، من غير أن يكون هناك سبب يدعو إليه، ولهذا ذُمَّ الطَّمع ولم يُذَّم الرَّجاء، والطَّمع يتعدى إلى المفعول بحرف فتقول: طمعت فيه، كما تقول: فرقت منه، وحذرت منه، واسم الفاعل طمع مثل: حذر، وفرق، ودئب؛ إذا جعلته كالنسبة، وإذا بنيته على الفعل قلت: طامع
    - الفرق بين الطَّمع والرَّجاء والأمل:
    الطَّمع يقارب الرجاء، والأمل، لكن الطَّمع أكثر ما يقال، فيما يقتضيه الهوى.
    والأمل والرجاء قد يكونان فيما يقتضيه الفكر والرويَّة.
    ولهذا أكثرُ ذمِّ الحكماء للطَّمع، حتى قيل الطَّمع طبع، والطَّمع يدنس الثياب، ويفرق الإهاب
    ذم الطَّمع في القرآن الكريم
    - قال تعالى: وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة: 41]
    قال السُّدِّي: (لا تأخذوا طمَعًا قليلًا وتكتُموا اسمَ الله، وذلك الثمن هو الطَّمع)- عن قتادة، قال: (أنبأكم الله بمكانهم من الطَّمع)
    - وقال جل في علاه: وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ص: 24]
    (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: بسائق الطَّمع والحرص، وحب التكاثر بالأموال التي تميل بذويها إلى الباطل إن لم يتولَّهم الله بلطفه)
    ذم الطَّمع في السنة النبوية
    - عن كعب بن مالك الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها، من حرص المرء على المال، والشرف لدينه ))
    قال ابن رجب في شرحه للحديث السابق: (فهذا مثل عظيم جدًّا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين يأتيا في الغنم، وقد غاب عنها رعاؤها ليلًا، فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها.
    ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين- والحالة هذه- إلا قليل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرص المرء على المال والشرف: إفساده لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم؛ بل إما أن يكون مساويا وإما أكثر، يشير إلى أنه لا يسلم من دين المسلم مع حرصه على المال والشرف في الدنيا إلا القليل، كما أنه لا يسلم من الغنم مع إفساد الذئبين المذكورين فيها إلا القليل.  فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا)
    وقال القاري: (والمعنى أنَّ حرص المرء عليهما أكثر فسادًا لدينه المشبه بالغنم، لضعفه بجنب حرصه من إفساد الذئبين للغنم)
    وقال المناوي: (فمقصود الحديث أنَّ الحرص على المال والشرف أكثر إفسادًا للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لأنَّ ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه، ويأخذ به إلى ما يضره، وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعًا)
    - وعن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقول: ((قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك ))
    قال القاري: (قال الطيبي: الإشراف الاطلاع على شيء والتعرض له، والمقصود منه الطَّمع، أي: والحال أنك غير طامع له. ((ولا سائل فخذه)) أي: فاقبله وتصدق به، إن لم تكن محتاجًا. ((وما لا)) أي: وما لا يكون كذلك بأن لا يجيئك هنالك إلا بتطلع إليه واستشراف عليه. ((فلا تتبعه نفسك)) من الإتباع بالتخفيف، أي: فلا تجعل نفسك تابعة له ولا توصل المشقة إليها في طلبه)
    - وعن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال: فقرأ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة: 1]، قال: فقرأ فيها: ولو أنَّ ابن آدم سأل واديًا من مال فأعطيه، لسأل ثانيًا، ولو سأل ثانيًا فأعطيه، لسأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذلك الدِّين القيِّم عند الله الحنيفية، غير المشركة، ولا اليهودية، ولا النصرانية، ومن يفعل خيرًا، فلن يكفره ))
    قال ابن بطَّال: (وأشار صلى الله عليه وسلم بهذا المثل، إلى ذمِّ الحرص على الدنيا، والشره على الازدياد منها؛ ولذلك آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا، والقناعة، والكفاف، فرارًا من التعرض لما لا يعلم كيف النجاة من شرِّ فتنته، واستعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من شرِّ فتنة الغنى، وقد علم كلُّ مؤمن أنَّ الله تعالى قد أعاذه من شرِّ كلِّ فتنة، وإنما دعاؤه بذلك صلى الله عليه وسلم تواضعًا لله، وتعليمًا لأمته، وحضًّا لهم على إيثار الزهد في الدنيا)
    - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غزا في سبيل الله، ولم ينوِ إلا عقالًا، فله ما نوى ))
    قال الطيبي: (هو مبالغة في قطع الطَّمع عن الغنيمة، بل ينبغي أن يكون خالصًا لله تعالى، غير مشوب بأغراض دنيوية)
    - وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلِّ ذي قرب ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين فيكم تبع، لا يبغون أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب. والشنظير: الفحاش ))
    قال القاري: (... ((والخائن الذي لا يخفى له طمع- وإن دقَّ- إلا خانه)): هو إغراق في وصف الطَّمع، والخيانة تابعة له، والمعنى أنه لا يتعدَّى عن الطَّمع، ولو احتاج إلى الخيانة، ولهذا قال الحسن البصري: الطَّمع فساد الدين والورع صلاحه)
    - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم ))
    قال ابن عثيمين: (ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((واتقوا الشحَّ)) يعني الطَّمع في حقوق الغير. اتقوه: أي احذروا منه، واجتنبوه)
    أقوال السلف والعلماء في الطَّمع

    - قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (تعلمن أنَّ الطَّمع فقر، وأنَّ اليأس غنى)
    - وقال عليٌّ رضي الله عنه: (أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع)
    - وقال أيضًا: (ما الخمر صرفًا بأذهب لعقول الرِّجال من الطَّمع)
    - وقال أيضًا: (الطامع في وثاق الذلِّ)
    - وعنه أيضًا: (الطَّمع رقٌّ مؤبد)
    - وقال أيضًا: (إياك أن ترجف بك مطايا الطَّمع، فتوردك مناهل الهلكة)
    - وقال ابن عباس: (قلوب الجهال تستفزها الأطماع، وترتهن بالمنى، وتستغلق)
    - واجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال له كعب: (يا ابن سلام: مَن أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطَّمع، وشره النَّفس، وطلب الحوائج إلى النَّاس)
    - وقال الحسن البصري: (صلاح الدين الورع، وفساده الطَّمع)
    - (واجتمع الفضيل وسفيان وابن كريمة اليربوعي فتواصوا، فافترقوا وهم مجمعون على أنَّ أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الطَّمع)
    - وقال وهب بن منبه: (الكفر أربعة أركان: فركن منه الغضب، وركن منه الشهوة، وركن منه الخوف، وركن منه الطَّمع)
    - وقال الورَّاق: (لو قيل للطَّمع: من أبوك؟ قال: الشَّك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذلِّ. ولو قيل: ما غايتك؟ قال: الحرمان)
    - وقال المأمون: (صدق والله أبو العتاهية، ما عرفت من رجل قطُّ حرصًا، ولا طمعًا، فرأيت فيه مصطنعًا)
    - (وقال الحرالي: والطَّمع تعلُّق البال بالشيء، من غير تقدم سبب له، فينبغي للعالم أن لا يشين علمه وتعليمه بالطَّمع،ولو ممن يعلمه، بنحو مال، أو خدمة، وإن قلَّ، ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لم يهدها)
    - وقال أيضًا: (الطَّمع يشرب القلب الحرص، ويختم عليه بطابع حبِّ الدنيا، وحبُّ الدنيا مفتاح كلِّ شرٍّ، وسبب إحباط كلِّ خير)
    - وقال ابن خبيق الأنطاكي: (من أراد أن يعيش حرًّا أيَّام حياته فلا يسكن الطَّمع قلبه)
    - وقال بكر بن عبد الله: (لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون نقي الطَّمع، نقي الغضب)
    - وقال هزَّال القريعي: (مفتاح الحرص الطَّمع، ومفتاح الاستغناء الغنى عن الناس، واليأس مما في أيديهم)
    ---    آثار الطَّمع  ---  

    1- الانشغال الدائم والتعب الذي لا ينقطع.
    2- يؤدي إلى غياب فضيلة البذل والتضحية والإيثار بين أفراد المجتمع.
    3- دليل على سوء الظن بالله.
    4- دليل على ضعف الثقة بالله، وقلَّة الإيمان.
    5- طريق موصل إلى النار.
    6- يجعل صاحبه حقيرًا في عيون الآخرين.
    7- يُذِلُّ أعناق الرجال.
    8- يُشعر النفس بفقر دائم، مهما كثر المال.
    9- يُعمي الإنسان عن الطريق المستقيم.
    10- يعود على صاحبه بالخسران في الدنيا والآخرة.
    11- يمحق البركة.
    12- ينشر العداوة، والكراهية، وعدم الثقة بين أفراد المتجمع.
    13- ينشر الفوضى في المجتمع، ويزعزع أمنه.
    14- ينقص من قدر الفرد، ولا يزيد في رزقه.
    15- يؤدِّي إلى الظلم، والاضطهاد، إذا كان الطامع من أصحاب النفوذ.
    16- يؤدِّي إلى الغش والكذب.
    17- يؤدِّي إلى زيادة الأسعار، واحتكار البضائع، مما يلحق الضرر بالمجتمع.
    18- يؤدِّي بالفرد إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي.
    ---   أنواع الطَّمع ---

    والطَّمع نوعان هما:
    1- الطَّمع المحمود، وذلك مثل:
    الطَّمع في طلب مغفرة الله للإنسان. .. الطَّمع في دخول الجنة...الطَّمع في كرم الله.
    2- الطَّمع المذموم، وذلك مثل: الطَّمع في طلب الدنيا وجمع المال.
    الطَّمع في سلطة أو منصب. . .الطَّمع في المأكل والمشرب والملذات.
    الوسائل المعينة على ترك الطَّمع  

    1- الاهتمام بتهذيب النفس.
    2- التَّأمُّل في العواقب الوخيمة التي تنتج عن الطَّمع.
    3- التَّأمُّل في نعم الله الكثيرة والمختلفة، وشكره عليها.
    4- التَّحلِّي بالورع عند الميل إلى الطَّمع.
    5- التَّسليم لقضاء الله وقدره.
    6- الطَّمع في الجنة وما عند الله من نعيم في الدار الآخرة.
    7- اللجوء إلى الله، والاستعانة به، في الابتعاد عن الطَّمع.
    8- مجاهدة النفس، وتعويدها على القناعة، والتعفف.
    9- مطالعة سير السلف، وأحوال الصالحين.
    10- العلم بأنَّ الإنسان لن يأخذ من رزقه أكثر مما كُتِب له مهما حرص.
    11- أنْ يعلم بأنَّ الدنيا دنيئة وحقيرة.
    12- معرفة أن القناعة طمأنينة للقلب وراحة للنفس.
    13- نشر العلم بين أفراد المجتمع، والقضاء على الجهل.
    14- النظر إلى من هو أدنى في أمور الدنيا؛ كالفقراء، والمبتلين، والمرضى.
    15- اليقين بأن الإنسان لن يموت حتى يستكمل رزقه.
    16- تذكر الموت والدار الآخرة.
    17- مجالسة ومصاحبة القَنوع.
    18- إخراج الزَّكاة، والصَّدقة، والإنفاق في وجوه الخير.
    وصية في التحذير من الطَّمع:
    - قال سعد بن أبي وقاص لابنه: (يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم يكن له قناعة لم يغنه مال)
    - عن سعيد بن عمارة أنه قال لابنه: (أظهر اليأس فإنه غنى، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر)
    ما قيل في الطَّمع

    - وقال بعض العارفين: (الطَّمع طمعان: طمع يوجب الذُّل لله، وهو إظهار الافتقار، وغايته العجز والانكسار، وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية، وطمع يوجب الذُّل في الدارين، أي: وهو المراد هنا، وهو رأس حب الدنيا، وحب الدنيا رأس كلِّ خطيئة، والخطيئة ذلٌّ وخزي، وحقيقة الطَّمع: أن تعلِّق همتك، وقلبك، وأملك، بما ليس عندك، فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود، وألقي فيها بذر الطَّمع بسقت أغصانها بالذُّل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت وأضللت)
    - وقال بعضهم: (من أراد أن يعيش حرًّا أيَّام حياته فلا يسكن قلبه الطَّمع)
    - وأراد رجل أن يقبل يد هشام بن عبد الملك فقال: (لا تفعل، فإنما يفعله من العرب الطَّمع، ومن العجم الطبع)
    - وقال بعضهم: (الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه)
    - وكان يقال: (حين خلق الله آدم عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص، والطَّمع، والحسد. فهي تجري في أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه)
    - وقيل: (الطَّمع ثلاثة أحرف كلها مجوَّفة، فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبدًا)
    أشعب والطَّمع

    - قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد
    - وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، امرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلًا من قتٍّ، فوثبت إليها فطاحت، فاندق عنقها.
    - قال أشعب أيضًا: ما رأيت أطمع مني إلا كلبًا تبعني على مضغ العلك فرسخًا
    - قال المدائني: (كان سالم بن عبد الله يستخف أشعب، ويمازحه، ويضحك منه كثيرًا، ويحسن إليه. فقال له ذات يوم: أخبرني عن طمعك يا أشعب. فقال: نعم، قلت لصبيان مجتمعين: إن سالـمًا قد فتح باب صدقة عمر، فامضوا إليه حتى يطعمكم تمرًا، فمضوا. فلما غابوا عن بصري، وقع في نفسي أنَّ الذي قلت لهم حق، فتبعتهم.
    - وقال أيضًا: مرَّ أشعب برجل يعمل زِبيلًا، فقال له: أحب أن توسعه، قال: لمَ ذاك؟ قال: لعل الذي يشتريه منك يهدي إليَّ فيه شيئًا.- وقال بعض الرواة: قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما تناجى اثنان قط إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء.
    - وقال أيضًا: تعلَّق أشعب بأستار الكعبة، وسأل الله أن يخرج الحرص من قلبه. فلما انصرف، مرَّ بمجالس قريش، فسألهم، فما أعطاه أحد منهم شيئًا. فرجع إلى أمه فقالت له: يا بني كيف جئتني خائبًا. فقال: إني سألت الله أن يخرج الحرص من قلبي،
    فقالت: ارجع يا بني، فاستقله ذاك. قال أشعب: فرجعت، فتعلقت بأستار الكعبة وقلت: يا رب، كنت سألتك أن تخرج الطَّمع من قلبي، فأقلني. ثم مررت بمجالس قريش فسألتهم فأعطوني. ووهب لي رجل غلامًا، فجئت إلى أمي بحمار موقر من كلِّ شيء، وبغلام، فقالت لي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت من أن أقول: وهب لي، فتموت فرحًا، فقلت: غينٌ. فقالت: وما غينٌ؟ قلت: لامٌ. قالت: وما لامٌ؟ قلت: ألفٌ. قالت: وما ألفٌ؟ قلت: ميمٌ. قالت: وما ميمٌ؟ قلت: وُهِب لي غُلامٌ. فغشي عليها من الفرح، ولو لم أقطِّع الحروف لماتت)- ويقال: كان ثلاثة نفر في العرب في عصر واحد: أحدهم آية في السخاء، وهو حاتم الطائي، والثاني آية في البخل وهو أبو حباحب، والثالث آية في الطَّمع وهو أشعب، كان طمَّاعًا، وكان من طمعه إذا رأى عروسًا تزفُّ إلى موضع جعل يكنس باب داره لكي تدخل داره، وكان إذا رأى إنسانًا يحكُّ عنقه، فيظنُّ أنه ينزع القميص ليدفعه إليه
    من مرادفات الطمع:
    من مرادفات الطمع: الحرص، والجشع، والشَّره، والرتع
    ------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا ...  تابعونا جزاكم الله خيرا  ... ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 6:30 pm