بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي سيد ألأنام وحبيب الرحمن سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
أحكامُ الزَّكاةِ وشُروطُها
المبحث الأوَّل: تعريفُ الزَّكاةِ وفضاِئلُها
[/right]
المطلب الأوَّل: تعريفُ الزَّكاة:
الزَّكاة لغةً: الطَّهارةُ، والنَّماءُ
الزَّكاة اصطلاحًا: هي التعبُّدُ لله تعالى، بإخراجِ جُزءٍ واجبٍ شرعًا، في مالٍ معيَّنٍ، لطائفةٍ
أو جهةٍ مخصوصةٍ
المطلب الثاني: فضائلُ الزَّكاة
للزَّكاة ثوابٌ عظيمٌ، وفضائلُ جليلةٌ؛ منها:
1- اقترانُها بالصَّلاةِ في كتابِ الله تعالى؛ فحيثما ورَدَ الأمرُ بالصَّلاةِ اقترن به الأمرُ بالزَّكاة، من ذلك
قولُه تعالى:وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ [البقرة: 110]
2- أنَّها ثالثُ أركانِ الإسلامِ الخمسةِ؛ لِمَا في الحديث: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ ))
3- أنَّها علامةٌ من علاماتِ التقوى، وسببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنَّةِ؛ كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 15-19]
وعن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خمسٌ مَن جاءَ بهنَّ مع إيمانٍ؛ دخل الجنَّةَ: من حافظَ على الصَّلواتِ الخمْسِ: على وضوئِهنَّ وركوعهنَّ وسجودِهنَّ ومواقيتِهنَّ، وصامَ رمضان، وحجَّ البيتَ إنِ استطاعَ إليه سبيلًا، وأعطى الزَّكاةَ طيِّبةً بها نفسُه ))
4- أنَّ المحافظةَ عليها سببٌ من أسبابِ بلوغِ العبدِ منزلةَ الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ؛ فعن عمرِو بن مُرَّة الجُهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه،
قال: ((جاء رجلٌ من قُضاعةَ إِلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إِنِّي شهدْتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّك رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخَمْسَ، وصُمتُ رمضانَ وقمتُه، وآتيتُ الزَّكاةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: مَن مات على هذا كان من الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ ))
5- أنَّ من أدَّاها طيِّبةً بها نفسُه، ذاق طعْمَ الإيمانِ؛ فعن عبدِ اللهِ بنِ مُعاويةَ الغاضريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ثلاثٌ مَن فَعَلَهنَّ فقد طَعِمَ طعْمَ الإيمانِ: مَن عبَدَ الله وحْده، وعلِمَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأعطى زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه، رافدةً عليه كلَّ عامٍ، ولم يُعطِ الهَرِمةَ ولا الدَّرِنةَ ولا المريضةَ ولا الشَّرَطَ اللَّئيمةَ، ولكنْ مِن وسَطِ أموالِكم؛ فإنَّ اللهَ لم يسألْكم خَيرَه ولم يأمُرْكم بشَرِّه ))
المطلب الأوَّل: حُكم الزَّكاة
الزَّكاة فريضةٌ مِنْ فرائض الدِّينِ، وهي الرُّكنُ الثَّالثُ مِن أركانِ الإسلامِ الخمسةِ.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [المزمل: 20]
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ ))
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال لمعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين بعَثه إلى اليمنِ: ((أعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم فتردُّ على فُقرائِهم ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ
المطلب الثاني: حُكْمُ مانعِ الزَّكاة
الفرع الأوَّل: مَن مَنَعَ الزَّكاةَ جاحدًا لوجوبِها
مَن منع الزَّكاة جاحدًا وهو يعلَمُ وجوبَها؛ فقد كفَر
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على كُفْرِ مَن جحد الزَّكاة: ابنُ عَبدِ البَرِّ، والنوويُّ، والزرقانيُّ
ثانيًا: أنَّه أنكَرَ معلومًا من الدِّين بالضَّرورةِ
الفرع الثاني: مَن منَعَ الزَّكاةَ جاهلًا بوُجوبِها
مَن مَنعَ الزَّكاة جاهلًا وجوبَها كحديث العهدِ بالإسلامِ؛ فإنَّه لا يَكْفُر، ولكن يعرَّفُ بحُكْمِها، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكِيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ الكتابِ:
عمومُ قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]
الفرع الثالث: حُكمُ مَن مَنع الزَّكاةَ بُخلًا
مَن مَنَعَ الزَّكاة بُخلًا لا يَكْفُرُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِنْ صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ مِن نارٍ، فأُحْمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما بَرُدَت أُعيدَتْ له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضَى بين العبادِ؛ فيُرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ... ))
وجهُ الدَّلالة:
أنَّه لو كَفَرَ بتَرْكِه للزَّكاةِ لم يكن له سبيلٌ إلى الجنَّة
المطلب الثالث: عُقوبةُ مانِعِ الزَّكاة
الفرع الأوَّل: العُقوبات الأُخرويَّة
وردَتْ عقوباتٌ أخرويَّة خاصَّة في الكتابِ والسُّنةِ لمانِعِ الزَّكاة؛ ترهيبًا من هذا الفعل:
1- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34-35]
2- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن آتاه اللهُ مالًا، فلم يؤَدِّ زكاتَه، مُثِّلَ له ماله شُجاعًا
أقرَعَ، له زبيبتانِ، يُطوِّقه يومَ القيامة، يأخُذُ بلِهْزِمَتَيهِ- يعني شِدْقَيه، ثم يقول: أنا مالُكَ، أنا كَنْزُك. ثم تلا: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180] ))
3- عن أبي هُرَيرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِنْ صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ من نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما برُدَتْ أُعيدَت له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضَى بين العبادِ؛ فيُرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النَّار... الحديث ))
الفرع الثاني: العقوباتُ الدُّنيويَّة
المسألة الأولى: مانِعُ الزَّكاة الذي تحت قَبضةِ الإمام
مَن مَنَعَ الزَّكاةَ وهو في قبضةِ الإمامِ تُؤخَذُ منه قهرًا.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ:
قوله تعالى:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذا الخطابَ وإن كان متوجِّهًا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأخذِ الزَّكاةِ إلَّا أنَّه يقوم مقامَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيه الخلفاءُ والأمراءُ مِن بعدِه
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لمعاذِ بِنِ جبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين بعثَه إلى اليمن: ((...فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذ من أغنيائِهم وتُردُّ على فُقَرائِهم ))
وجه الدَّلالة:
دلَّ الحديثُ على أنَّ الإمامَ هو الذي يتولَّى قبْضَ الزَّكاة وصَرْفَها؛ إمَّا بنَفْسه، وإمَّا بنائِبِه، فمَنِ امتنَعَ منها أُخِذَتْ منه قهرًا
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على أخْذِ الزَّكاةِ مِن مانِعِها قهرًا: ابنُ بطَّال، وابنُ عَبدِ البَرِّ، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ، والصنعانيُّ
المسألة الثانية: هل يُعاقَبُ مانِعُ الزَّكاةِ بأخْذِ زيادةٍ على الواجِبِ؟
اختلف أهلُ العِلم في عقوبةِ مانعِ الزَّكاة؛ بأخذِ زيادةٍ على الواجِبِ منه أو لا، وذلك على قولين:
القول الأوّل:
يؤخَذُ مِن مانِعِ الزَّكاةِ الواجِبُ فقط، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ أكثَرِ أهلِ العِلم
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الزَّكاةَ مُنِعَتْ في زمنِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يُنقَل أنَّ أحدًا أخذَ زيادةً على الواجبِ، أو قال بذلك، مع توفُّرِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم
ثانيًا: أنَّ الزَّكاة عبادةٌ، فلا يجبُ بالامتناعِ منها أخذُ شَطْرِ مالِه، كسائِرِ العباداتِ
ثالثًا: أنَّه لا يُزادُ على أخذِ الحُقوقِ مِن الظَّالمِ كسائِرِ الحقوقِ
القول الثاني:
أنَّ الزَّكاة تؤخَذُ منه، ويعزَّرُ بأخْذِ شَطْرِ مالِه، وهو قولُ الشافعيِّ في القديمِ، وهو قولٌ للحَنابِلَة، وبه قال الأوزاعيُّ وإسحاقُ بنُ راهَوَيه، واختاره ابنُ القيِّمِ، وابنُ عُثيمين، وبه أفتتِ اللَّجنة الدَّائمة
الدَّليل مِنَ السُّنَّة:
عن بَهْزِ بنِ حَكيم، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان يقول: ((في كلِّ سائمةٍ مِنَ الإبل، في كلِّ أربعينَ بنتُ لَبونٍ، لا تُفرَّقُ عَن حِسابِها، مَن أعطاها مُؤتَجِرًا فله أجْرُها، ومَن أباها فإنِّي آخِذُها وشَطْرَ مالِه؛ عَزْمةٌ مِن عَزَماتِ رَبِّنا، لا يحِلُّ لآلِ محمَّدٍ منها شيءٌ ))
المسألة الثالثة: مانِعُ الزَّكاةِ الذي ليس في قبضةِ الإمام
مانعو الزَّكاةِ الذين ليسوا في قبضةِ الإمامِ يُقاتَلون حتى يؤدُّوها.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 5]
وَجهُ الدَّلالة:
أنَّ الآيةَ دَلَّتْ على تَرْكِ قتالِهم وتخلِيةِ سَبيلِهم بثلاثةِ شُروطٍ؛ وهي: الدُّخُولُ في الإسلامِ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وإلَّا جازَ قتالُهم
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لـمَّا تُوفِّيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم واستُخلِفَ أبو بكرٍ، وكَفَر مَن كَفَر مِنَ العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تُقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، عَصَمَ منِّي مالَه ونفسَه إلَّا بحقِّه، وحسابُه على اللهِ؟ قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ، واللهِ لو منعوني عَناقًا كانوا يؤدُّونَها إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها. قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ إجماعَ الصَّحابةِ على قتالِ مانِعِي الزَّكاةِ حتى يؤدُّوها: ابنُ بطَّال، وابنُ عَبدِ البَرِّ، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ
شُروطُ وُجوبِ الزَّكاة
المبحث الأوَّل: الشُّروطُ المتعلِّقةُ بالمزكِّي
المطلب الأوَّل: الإسلام
تجبُ الزَّكاة على المُسلِم، ولا زكاةَ على الكافِرِ الأصليِّ.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الخطابَ في الأمْرِ بالزَّكاة، للمُسلمين، ولأنَّهم هم الذين تُطهِّرُهم الزَّكاةُ وتُزَكِّيهم
ثانيًا من السُّنَّة:
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعَثَ معاذًا إلى اليمنِ فقال: ادْعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ الله، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ قد افتَرَض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأعْلِمْهم بأنَّ الله افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم، وتردُّ في فُقَرائِهم ))
وجه الدَّلالة:
أنَّه جَعَلَ الأمرَ بالزَّكاة بعد طاعَتِهم بالدُّخولِ في الإسلام، وكذلك الضميرُ في قوله: ((أغنيائِهم)) أي: أغنياءِ الذين أطاعوا ودخَلُوا في الإسلامِ، وتردُّ إلى فقرائِهم كذلك
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على وجوبِها على المسلِم: النوويُّ، وابنُ رُشدٍ، ونقل الإجماعَ على أنْ لا زكاةَ على الكافِرِ: ابنُ حزمٍ، وابنُ قُدامةَ
رابعًا: أنَّ الزَّكاة عبادةٌ، ولا تتحقَّقُ مِنَ الكافِرِ
المطلب الثاني: الحريَّة
يُشتَرَط في وجوبِ الزَّكاةِ أن يكونَ صاحِبُ المالِ حرًّا.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلكِ: النوويُّ، وابنُ رُشدٍ
الفرع الأوَّل: حُكْمُ الزَّكاةِ على العبدِ
لا زكاةَ على العبدِ في مالِه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ أكثَرِ أهلِ العِلم، وحُكيَ فيه الإجماعُ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ العبدَ لا مِلْكَ له
ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ تمليكٌ، ومَن لا يملِكُ لا يُمكِنُه أن يملِّكَ غيرَه
الفرع الثاني: حُكم الزَّكاةِ في مال المُكاتَبِ
لا تجب الزَّكاةُ في مال المُكاتَب، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكِيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكي الإجماعُ على ذلك؛ وذلك لأنَّ المُكاتَبَ ليس تامَّ المِلكِ، ولا يزال عبدًا ما بَقِيَ عليه دِرهمٌ
المطلب الثالث: هل يُشتَرَط العقلُ والبلوغُ؟
لا يُشتَرَط العقلُ ولا البلوغُ في وجوبِ الزَّكاة، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ حَزْمٍ
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذا عمومٌ لكُلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، وعاقلٍ ومجنونٍ، وحُرٍّ وعبدٍ؛ لأنهم كلَّهم محتاجونَ إلى طُهْرةِ اللهِ تعالى لهم وتزكِيَتِه إيَّاهم، وكلُّهم مِنَ الذين آمنوا
ثانيًا: من السُّنة
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لمُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه لمَّا بَعَثَه إلى اليمن: ((فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم؛ تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم، وتُرَدُّ في فُقرائِهم ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ قَولَه: ((أغنيائِهم)) يشمل: الصَّغيرَ والمجنونَ، كما شَمِلَهما لفظُ ((فُقرائِهم))
ثالثًا: مِنَ الآثار
عن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ قال: (كانت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنْهَا تَلِيني أنا وأخًا لي يتيمينِ في حِجْرِها، فكانت تُخرِجُ مِن أموالِنا الزَّكاةَ)
رابعًا: أنَّ الزَّكاة تُرادُ لثوابِ المزكِّي ومواساةِ الفقيرِ، والصبيُّ والمجنونُ مِن أهلِ الثَّوابِ، ومِن أهلِ المواساةِ؛ ولهذا يجبُ عليهما نفقةُ الأقارِبِ، ويُعتَق عليهما الأبُ إذا مَلَكاه، فوَجَبَت الزَّكاةُ في مالِهما
خامسًا: قياسًا على كونِ مالهما قابلًا لأداءِ النَّفَقات والغراماتِ
سادسًا: أنَّ الزَّكاةَ حقُّ الفقيرِ في أموالِ الأغنياء، فاستوى في وجوبِ أدائها المكلَّفُ وغيرُ المكلَّفِ
المطلب الثالث: هل يُشتَرَط العقلُ والبلوغُ؟
لا يُشتَرَط العقلُ ولا البلوغُ في وجوبِ الزَّكاة، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ حَزْمٍ
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذا عمومٌ لكُلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، وعاقلٍ ومجنونٍ، وحُرٍّ وعبدٍ؛ لأنهم كلَّهم محتاجونَ إلى طُهْرةِ اللهِ تعالى لهم وتزكِيَتِه إيَّاهم، وكلُّهم مِنَ الذين آمنوا
ثانيًا: من السُّنة
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لمُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه لمَّا بَعَثَه إلى اليمن: ((فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم؛ تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم، وتُرَدُّ في فُقرائِهم ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ قَولَه: ((أغنيائِهم)) يشمل: الصَّغيرَ والمجنونَ، كما شَمِلَهما لفظُ ((فُقرائِهم))
ثالثًا: مِنَ الآثار
عن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ قال: (كانت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنْهَا تَلِيني أنا وأخًا لي يتيمينِ في حِجْرِها، فكانت تُخرِجُ مِن أموالِنا الزَّكاةَ)
رابعًا: أنَّ الزَّكاة تُرادُ لثوابِ المزكِّي ومواساةِ الفقيرِ، والصبيُّ والمجنونُ مِن أهلِ الثَّوابِ، ومِن أهلِ المواساةِ؛ ولهذا يجبُ عليهما نفقةُ الأقارِبِ، ويُعتَق عليهما الأبُ إذا مَلَكاه، فوَجَبَت الزَّكاةُ في مالِهما
خامسًا: قياسًا على كونِ مالهما قابلًا لأداءِ النَّفَقات والغراماتِ
سادسًا: أنَّ الزَّكاةَ حقُّ الفقيرِ في أموالِ الأغنياء، فاستوى في وجوبِ أدائها المكلَّفُ وغيرُ المكلَّفِ
المبحث الثاني: الشُّروطُ المتعلِّقةُ بالمال
المطلب الأوَّل: أن يكون المالُ ممَّا تِجبُ فيه الزَّكاة
تجب الزَّكاةُ في خمسة أموال:
الذَّهب والفضَّة.
المعدِن، والرِّكاز.
عُروض التِّجارة.
الزُّروع والثِّمار.
الأنعام.
وسيأتي تفصيلُ ذلك في الأبوابِ الخاصَّة بزكاةِ هذه الأموالِ.
المطلب الثاني: المِلْكُ التامُّ
الفرع الأوَّل: أنواعُ المِلْكِ
المِلْكُ قِسمانِ:
القسم الأوَّل: المِلْكُ التامُّ:
هو المملوكَ رقبةً ويدًا
وقيل: هو عبارةٌ عمَّا كان بيَدِه ولم يتعلَّقْ به غيرُه؛ يتصرَّفُ فيه على حَسَبِ اختيارِه، وفوائِدُه حاصلةٌ له
ومثاله: عامَّةُ الأملاكِ الواردةِ على الأعيانِ المملوكةِ بالأسبابِ المقتَضِيَة لها؛ مِنْ بَيعٍ وهِبةٍ وإرثٍ، وغيرِ ذلك
القسم الثاني: المِلْكُ النَّاقِصُ: وهو أنواع:
النوع الأوَّل: مِلْكُ الرَّقَبة دون مِلْك اليدِ، أي: مِلْكُ العينِ بدون منفعةٍ؛ مثل مَن أُوصِيَ له بشيءٍ، والمنفعةُ لشخصٍ آخَرَ.
النوع الثاني: مِلْكُ اليدِ دون مِلْكِ الرَّقبة، أي: مِلكُ المنفعةِ بدون مِلْك العينِ؛ مثل من أُوصِيَ له بالمنافِعِ، أو مَن وُقِفَ له منافِعُ الشَّيءِ وثَمَراتُه.
النوع الثالث: مِلْكُ الانتفاعِ المجرَّد، مِثل انتفاعِ المستأجِرِ بالعَينِ المستأجَرَةِ، ومنها مِلْكُ المُستعيرِ
الفرع الثاني: اشتراطُ المِلْك التامِّ في وجوبِ الزَّكاة
يُشتَرَط المِلْكُ التامُّ لمال الزَّكاة عمومًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلم
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
قولُه: ((أموالهم)) فأضافها إلى أصحابِها، ولا يكون ذلك إلَّا إذا كانت مملوكةً لهم مِلكيَّةً تامَّةً.
ثانيًا: أنَّ بَذْلَ الزَّكاةِ فيه تمليكُ المالِ لمستحِقِّه مِنَ الفقراءِ وغيرِهم، فإذا لم يكُنْ صاحِبُ الزَّكاة مالكًا لهذا المالِ مِلكًا تامًّا، فإنَّه لن يستطيعَ تمليكَ غيرِه مِن مُستحقِّي الزَّكاةِ عند بذلها.
الفرع الثَّالث: زكاةُ المالِ غيرِ مقدورِ الانتفاعِ به مع قيامِ أصلِ المِلْك (المالُ الضِّمار)
المسألة الأولى: مِن صُوَرِ المالِ الضِّمارِ
المال المفقود.
المال السَّاقط في البحر.
المال المغصوب.
المال الذي صادَره السُّلطان.
الدَّينُ المجحودُ إذا لم يكُنْ للمالك بيِّنةٌ وحال الحولُ، ثم صار له بيِّنةٌ بأن أقرَّ عند النَّاسِ.
المال المدفون في الصَّحَراء إذا خَفِيَ على المالِك مكانُه
المسألة الثانية: حُكمُ زكاةِ المالِ الضِّمارِ بعد استلامِه
((المالُ الضِّمارُ: هو الغائِبُ الذي لا يُرجى، فإذا رُجِيَ فليس بضِمارٍ؛ مِن أضْمَرْتَ الشَّيءَ، إذا غَيَّبْتَه، فهو فِعالٌ بمعنى فاعلٍ، أو مُفعَل ))
إذا استُلِمَ المالُ الضِّمارُ، فقد اختلفَ أهلُ العِلم في زكاتِه على أقوالٍ، أقواها قولانِ:
القول الأوّل:
لا زكاةَ في المالِ الضِّمارِ إذا عاد إلى صاحِبِه، ويستأنِفُ به حولًا جديدًا من اليومِ الذي قبَضَه فيه، وهذا مذهَبُ أبي حنيفةَ، وروايةٌ عن أحمد، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ تيميَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
عمومُ قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]
وجه الدَّلالةِ:
أنَّ تكليفَ أداءِ زكاةِ ما مضى مِنَ السِّنينَ عن المالِ الضِّمارِ كالمسروق والمغصوب؛ مِنَ الحَرَجِ الذي قد أسقَطَه الله تعالى
ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ وجبت في مقابَلَة الانتفاعِ بالنَّماءِ حقيقةً أو مَظِنَّةً، بدليلِ أنَّها لا تجِبُ إلَّا في مالٍ نامٍ، فلا تجب في العَقارِ ونحوه، وحقيقةُ النَّماءِ ومَظِنَّتُه منتفِيَةٌ ها هنا؛ لعدم القدرةِ على التصرُّفِ
ثالثًا: أنَّ المالَ الضِّمارَ غيرُ منتفَعٍ به في حقِّ المالِك؛ لعدمِ وصولِ يَدِه إليه، والمالُ إذا لم يكُنْ مقدورَ الانتفاعِ به في حقِّ المالِك؛
لا يكونُ المالِك به غنيًّا، ولا زكاةَ على غيرِ الغَنيِّ
رابعًا: أنَّ مِن شروطِ وُجوبِ الزَّكاةِ في المال: المِلْكَ التَّامَّ، وهو غيرُ متحقِّقٍ فيه؛ إذ هو مملوكٌ رقبةً لا يدًا، فقد خرج عن يَدِه وتصرُّفِه، فلم تجِبْ عليه زكاتُه، كالمال الذي في يدِ مُكاتِبِه
القول الثاني:
أنَّه لا يجِبُ على مالكِه تزكيتُه وقتَ قَبضِه إلَّا لعامٍ واحدٍ، وهو مذهب المالكيَّة، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ، واختارَه ابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: أنَّ الزَّكاة تجبُ في العَينِ بأن يتمكَّنَ مِن تنمِيَتِه، ولا تكونَ في يدِ غَيرِه، وهذا مالٌ قد زال عن يَدِه ومُنِعَ عن تنمِيَتِه، فلم تجِبْ عليه لِمَا مضى من السَّنواتِ
ثانيًا: أنَّ المالَ قد نضَّ في يَدِه في طرَفَيِ الحولِ، ولو كانت أحوالًا؛ فإنَّه حصل منها حولٌ واحدٌ نضَّ في طرَفَيه المالُ في يدِ صاحِبِه، ولا اعتبارَ بما بين ذلك؛ لأنَّ الغاصِبَ لو غصَبَه منه يومًا، ثم ردَّه إليه لم يُعتَبَر ذلك في إسقاطِ الزَّكاةِ عنه في ذلك الحولِ، فلو غصَبَه منه ثم حال الحَوْلُ لم تجِبْ عليه فيه زكاةٌ حتى يردَّه إليه، فثبت أنَّ الاعتبارَ بحُصولِ المالِ في يدِ صاحِبِه طَرَفَيِ الحولِ
الفرع الرابع: زكاةُ المالِ الحرام
المسألة الأولى: تعريفُ المالِ الحرامِ
المالُ الحرامُ: هو كلُّ مالٍ حظَر الشَّارِعُ اقتناءَه أو الانتفاعَ به، سواءٌ كان لحُرمَتِه لِذاتِه، بما فيه من ضررٍ أو خَبَثٍ، كالمَيْتَةِ والخَمر، أم لحُرمَتِه لغيره؛ لوقوعِ خللٍ في طريقِ اكتسابِه؛ لأخْذه مِن مالكِه بغير إذنِه كالغصبِ، أو لأخذِه منه بأسلوبٍ لا يقرُّه الشَّرعُ ولو بالرِّضا؛ كالرِّبا والرِّشوةِ
المسألة الثانية: زكاةُ المالِ الحرامِ
المالُ الحرامُ لا تجِبُ فيه زكاةٌ، ولا تَبرأُ ذمَّتُه إلَّا بالتخلُّصِ منه؛ بردِّه إلى صاحِبِه إن عَرَفه، أو التصدُّقِ به عنه إن يَئِسَ مِن مَعرِفَته، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ حزمٍ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ الزَّكاةَ تطهِّرُ المزكِّيَ والمالَ المزكَّى، والمالُ الحرامُ غيرُ قابلٍ للتطهيرِ؛ لأنَّه خَبَثٌ فلا يَطْهُرُ
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: إنِّي سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهورٍ، ولا صَدَقةٌ مِن غُلولٍ ))
وجه الدَّلالة:
أنَّه نصَّ على أنَّه لا زكاةَ في الغُلولِ، والغُلولُ: هو الخيانةُ في المَغنَمِ، والسَّرقةُ مِنَ الغنيمةِ قبل القِسمَةِ
2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمَرَ المؤمنينَ بما أمَرَ به المرسَلينَ، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ثم ذكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبَرَ، يمدُّ يَدَيه إلى السَّماءِ، يا ربِّ! يا ربِّ! ومَطعمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك؟! ))
ثالثًا: أنَّ مَن بِيَدِه مالٌ حرامٌ وجب عليه إخراجُه كلِّه؛ إمَّا ردًّا على المالِك إن عَرَفَه، أو صرفًا إلى الفُقراءِ إن لم يَعرِفِ المالِكَ
رابعًا: أنَّ تمامَ المِلكِ مِن شُروطِ وُجوبِ الزَّكاة، والذي في يَدِه هذا المالُ الحرامُ لا يملِكُه
خامسًا: أنَّ الزَّكاةَ تَمليكٌ، وغيرُ المالِك لا يكونُ منه تمليكٌ
الفرع الخامس: زكاةُ الدَّينِ
المسألة الأولى: زكاةُ الدَّينِ الذي لا يُرجى أداؤُه
لا تجِبُ زكاةُ الدَّينِ الذي لا يُرجى أداؤُه، فإنْ قبَضَه فقد اختلف أهلُ العِلم في زكاته على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوّل:
إذا قبضه استأنَفَ له حولًا جديدًا مِن يومِ قَبضِه، وهذا مذهَبُ الحنفية، وروايةٌ عن أحمد، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ تيميَّة، وابنُ باز، وبه صدَرَ قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ بجُدَّةَ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]
وجه الدَّلالة:
أنَّ في تكليفِ أداءِ الزَّكاةِ للمالِ الذي كان في حُكْمِ الميؤُوسِ منه حَرجًا، وقد أسقَطَه الله تعالى
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (ليس في الدَّينِ زكاةٌ)
ثالثًا: أنَّه لا خلافَ بين الأمَّة في أنَّ صاحِبَ المال إن أحبَّ أن يؤدِّيَ الزَّكاة من نفْسِ المالِ الذي وجَبَت فيه الزَّكاة كان ذلك له، ولم يكلَّفِ الزَّكاةَ مَن سواه، ولَمَّا كان غيرَ قادرٍ على أداءِ الزَّكاةِ مِن نفسِ المالِ؛ سقط عنه ما عجز عنه من ذلك
رابعًا: أنه مالٌ غير نامٍ، فلم تجِبْ زكاتُه، كعُروضِ القُنيَةِ
خامسًا: أنَّه مالٌ لم يكُن مقدورًا على الانتفاعِ به، فأشبَهَ مالَ المُكاتَبِ
القول الثاني:
أنَّه يزكِّيه إذا قبَضَه لعامٍ واحدٍ، وهذا مذهَبُ المالكيَّة، وهو قولُ بعضِ السَّلَفِ، واختاره ابنُ عُثيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ مِن شَرْطِ وجوبِ الزَّكاة: القدرة على الأداءِ، فمتى قدَرَ على الأداءِ زكَّى
ثانيًا: أن الزَّكاة لو وجبتْ فيها في كلِّ عامٍ، ونَماؤُها بيَدِ غيرِه له؛ لأدَّى ذلك إلى أنْ تستهلِكَها الزَّكاةُ؛ ولهذا الوجهِ لم تجِبِ الزَّكاةُ في أموالِ القِنيةِ؛ لأنَّه لو وجب فيها الزَّكاةُ لاستهلَكَتْها، والزَّكاةُ إنما هي على سبيلِ المواساةِ في الأموالِ التي تَمَكَّنَ من تنمِيَتِها، فلا تُفْنِيها الزَّكاةُ في الأغلب
ثالثًا: إنما كان عليه زكاتُها زكاةً واحدةً ولو مكثَتْ عَشْرَ سنينَ؛ لأنَّ الاعتبارَ أن ينِضَّ بيَدِه في طَرَفَيِ الحَوْلِ، وهذه المدَّةُ التي كان المالُ في يَدَيِ المَدينِ لم يَنِضَّ المالُ في يدِ المالِك إلَّا في أوَّلِها وآخِرِها، فصارت بمنزلةِ حَولٍ واحدٍ
المسألة الثانية: زكاةُ الدَّينِ على المَليءِ الباذِل
إذا كان الدَّينُ على مليءٍ باذلٍ؛ فإنَّه تجِبُ زكاتُه على مالِكِه لكلِّ عامٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ منَ الحنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ القاري، قال: (كنتُ على بيتِ المالِ زمنَ عُمَرَ بنِ الخطَّاب، فكان إذا خرج العطاءُ جَمع أموالَ التجَّارِ، ثمَّ حسَبَها شاهِدَها وغائِبَها، ثم أخذ الزَّكاةَ مِن شاهِدِ المالِ على الشَّاهِدِ والغائِبِ)
ثانيًا: أنَّ الدَّينَ على مليءٍ؛ مملوكٌ له يقدِرُ على الانتفاعِ به، وبإمكانِه الوصولُ إليه، فهو بمنزلةِ ما في يَدِه، فلزِمَتْه زكاتُه، كسائِرِ أموالِه
المسألة الثالثة: تأخيرُ إخراجِ زكاةِ الدَّينِ إلى وقتِ القَبضِ
يجوز تأخيرُ إخراجِها إلى أن يقبِضَ دَينَه، وهو مذهَبُ الحنفيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ باز، وابنُ عُثيمين، وبه صدَرَ قرارُ نَدَواتِ قضايا الزَّكاة المعاصرة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنه دَينٌ ثابتٌ في الذمَّة، فلم يلزَمْه الإخراجُ قبل قَبضِه، كما لو كان على مُعسِرٍ
ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ تَجِبُ على طريقِ المواساةِ، وليس مِنَ المواساة أن يُخرِجَ زكاةَ مالٍ لا ينتفِعُ به
ثالثًا: هناك احتمالٌ بأنْ يتلَفَ مالُ مَن عليه الدَّينُ، أو يَعسُرُ، أو يُجحَد نسيانًا أو ظلمًا، فلمَّا كان هذا الاحتمالُ قائمًا؛ رُخِّص له أن يؤخِّرَ إخراجَ الزَّكاة حتى يقبِضَه
تابعونا أحبابنا جزاكم الله خيرا
:
ولا تنسونا من صالح دعائكم
::
التالي : مُضيُّ الحَوْلِ
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الأربعاء أكتوبر 26, 2022 7:00 pm عدل 2 مرات
أمس في 5:34 pm من طرف عبدالله الآحد
» الإيمان بأن الله خلق آدم على صورته كما قال رسول الله بلا كيف ولا تشبيه
السبت مايو 18, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد
» صفات الله الفعلية قديمة النوع حادثة الآجاد أي متجددة الآحاد غير مخلوقة
الجمعة مايو 17, 2024 4:29 pm من طرف عبدالله الآحد
» أهل السنة ليسوا مشبهة وعلامة الجهمية تسميتهم بالمشبهة
الخميس مايو 16, 2024 4:52 pm من طرف عبدالله الآحد
» أقوال علماء السنة في أن القرآن ليس قديما بقدم الله ولا يوصف بمحدث
الثلاثاء مايو 14, 2024 4:57 pm من طرف عبدالله الآحد
» أخطاء فى الحج كيف نتفاداها ؟؟؟
الإثنين مايو 13, 2024 10:55 pm من طرف صادق النور
» أنواع التوحيد عرفت بالاستقراء من القرآن والسنة لهذا تقسيم التوحيد ليس ببدعة بل عليها الدليل وعرفها العلماء
الإثنين مايو 13, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد
» التحذير من إنكار صفات الله سبحانه لأن ذلك كفر
الأحد مايو 12, 2024 4:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» اثبات صفة النزول لله والرد على شبهة
السبت مايو 11, 2024 4:38 pm من طرف عبدالله الآحد
» هل القرآن مدلول كلام الله؟!
الجمعة مايو 10, 2024 4:53 pm من طرف عبدالله الآحد