آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» الله أول بصفاته لم يزل ولا يزال متصفا بها سبحانه وتعالى
فرقه الماتريدية Ooou110أمس في 5:34 pm من طرف عبدالله الآحد

» الإيمان بأن الله خلق آدم على صورته كما قال رسول الله بلا كيف ولا تشبيه
فرقه الماتريدية Ooou110السبت مايو 18, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد

» صفات الله الفعلية قديمة النوع حادثة الآجاد أي متجددة الآحاد غير مخلوقة
فرقه الماتريدية Ooou110الجمعة مايو 17, 2024 4:29 pm من طرف عبدالله الآحد

» أهل السنة ليسوا مشبهة وعلامة الجهمية تسميتهم بالمشبهة
فرقه الماتريدية Ooou110الخميس مايو 16, 2024 4:52 pm من طرف عبدالله الآحد

» أقوال علماء السنة في أن القرآن ليس قديما بقدم الله ولا يوصف بمحدث
فرقه الماتريدية Ooou110الثلاثاء مايو 14, 2024 4:57 pm من طرف عبدالله الآحد

» أخطاء فى الحج كيف نتفاداها ؟؟؟
فرقه الماتريدية Ooou110الإثنين مايو 13, 2024 10:55 pm من طرف صادق النور

» أنواع التوحيد عرفت بالاستقراء من القرآن والسنة لهذا تقسيم التوحيد ليس ببدعة بل عليها الدليل وعرفها العلماء
فرقه الماتريدية Ooou110الإثنين مايو 13, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد

» التحذير من إنكار صفات الله سبحانه لأن ذلك كفر
فرقه الماتريدية Ooou110الأحد مايو 12, 2024 4:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» اثبات صفة النزول لله والرد على شبهة
فرقه الماتريدية Ooou110السبت مايو 11, 2024 4:38 pm من طرف عبدالله الآحد

» هل القرآن مدلول كلام الله؟!
فرقه الماتريدية Ooou110الجمعة مايو 10, 2024 4:53 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

فرقه الماتريدية Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 12 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 12 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 9691 مساهمة في هذا المنتدى في 3213 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 286 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو عبدالرحمن فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع

لا يوجد مستخدم

    فرقه الماتريدية

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:18 pm



    الماتريدية: فرقة كلامية (بدعية)، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية.

    المؤسس

    هو الإمام أبو منصور، محمد بن محمد بن محمود بن محمد، الماتريدي السمرقندي الحنفي. المتكلم الملقب بإمام الهدى وعلم الهدى إمام المتكلمين مصحح عقائد المسلمين قدوة أهل السنة ورافع أعلام السنة والجماعة... أما تاريخ ميلاد الإمام أبي منصور الماتريدي فلم يذكره أحد فيما أعلم ....ولم أظفر على تاريخ ميلاد الماتريدي لا من خلال ترجمته ولا من خلال تراجم شيوخه بدقة غير أن شيخين للماتريدي وجدت لهما تاريخ وفاتهما:
    الأول محمد بن مقاتل الرازي فقد توفي سنة 248هـ
    والثاني نصير بن يحيى البلخي وهو توفي سنة 268هـ فبالنظر إلى تاريخ وفاة شيخه الأول يكون عمر الماتريدي عشر سنوات حين وفاة شيخه هذا لأن الماتريدي لم يكن على طريقة المحدثين حتى يبكر للسماع فإن صح هذا التقريب يكن ميلاد الماتريدي سنة 238هـ والله أعلم وحول هذا التقريب تدور آراء الباحثين المعاصرين لكن كون الرازي هذا شيخا للماتريدي غير ثابت فالأولى في ميلاده 258هـ .
    وأما وفاته فاتفق المترجمون للماتريدي - فيما أعلم - أنه توفي سنة (333هـ) .
    إلا ما وقع عند حاجي خليفة في موضع من أنه توفي سنة (332هـ) .
    مع أنه قد وقع عنده في مواضع أنه توفي سنة (333هـ) موافقا لبقية المؤرخين. وقد شذ الكوثري عن الجماعة بدون برهان كعادته فادعى أنه توفي سنة (332هـ). ووقع عند عبد العزيز الفريهاري الهندي أنه توفي سنة (335هـ).
    قلت: هذا إما وهم من الفريهاري نفسه، أو خطأ مطبعي، لأنه قول شاذ بدون برهان.
    وذكر بعض المعاصرين من الماتريدية: أن طاش كبرى زاده قال في (طبقات الفقهاء) : " وقيل: سنة (336هـ)
    قلت: راجعت (طبقات الفقهاء) و(مفتاح السعادة) لطاش كبرى زاده ففيهما ما يوافق الجماعة.
    الحاصل: أن الصحيح هو أن الماتريدي توفي سنة (333هـ) أما بقية الأقوال، فلا اعتبار لها.
    وقد تلقى علوم الفقه الحنفي والكلام على أحد كبار علماء ذلك العصر وهو نصر بن يحيى البلخي المتوفى سنة 368 هـ، وغيره من كبار علماء الأحناف، كأبي نصر العياض وأبي بكر أحمد الجوزجاني وأبي سليمان الجوزجاني، حتى أصبح من كبار علماء الأحناف وقد تتلمذ عليه بعض المشاهير في علم الكلام.
    لقد كان لأبي منصور مناظرات ومجادلات عديدة مع المعتزلة في الأمور التي خالفهم فيها، وقد اتحد في الهدف مع الأشعري في محاربة المعتزلة وكان معاصرا له، وأما في العقائد فكان على اتفاق مع ما قرره أبو حنيفة في الجملة، مع مخالفته في أمور وله مؤلفات كثيرة في مختلف الفنون، منها: (بيان وهم المعتزلة تأويلات أهل السنة) - (الدرر في أصول الدين) - (الرد على تهذيب الكعبي في الجدل ) - (عقيدة الماتريدية) - (كتاب التوحيد وإثبات الصفات ) - (كتاب الجدل) - (مأخذ الشرائع في أصول الفقه) - (المقالات).
    وكان يلقب فيما وراء النهر بإمام السنة وبإمام الهدى ، وقد وقف في وجه المعتزلة الذين كانوا فيما وراء النهر إلا أنه كان قريبا منهم في النظر إلى العقل، ولم يغل فيه غلوهم، بل اعتبره مصدراً آخر إضافة إلى المصدر الأساسي وهو النقل، مع تقدم النقل على العقل عند الخلاف بينهما (5) إلا أنه يعتبر معرفة الله واجبة بالعقل قبل ورود السمع وإن الله يعاقبه على عدم هذه المعرفة. (7)
    وقال عبد الله المرائي في كتاب (الفتح المبين) في طبقات الأصوليين: "كان أبو منصور قوي الحجة، فحما في الخصومة، دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين.." . وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه (رجال الفكر والدعوة) "جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة" بل كان يرجِّحه على أبي الحسن الأشعري في كتاب (تاريخ الدعوة والعزيمة)

    للماتريدي مؤلفات كثيرة ويمكن تقسيم ما تم الوقوف عليه من أسماء مؤلفاته حسب موضوعاتها إلى ثلاثة أقسام :
    الأول: التفسير: للماتريدي تفسير من التفاسير الوسيطة يعرف باسم (تأويلات أهل السنة) أو (تأويلات القرآن) ذكره عامة من ترجموا له وهو معروف ومشهور عند الماتريدية ولا يوازيه عندهم أي تفسير آخر لا قبله ولا بعده وقد وصل إلينا الكتاب كاملًا ونسخه الخطية كثيرة .....وذكر صاحب (كشف الظنون) كتابا آخر باسم (تأويلات الماتريدية في بيان أصول السنة وأصول التوحيد) وقال في وصفه : وهي ما أخذ منه أصحابه المبرزون تلقفًا ولهذا كان أسهل تناولًا من كتبه جمعه الشيخ الإمام علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي وهذا الكتاب موجود منه الجزء الأول فقط في مكتبة خدابخش برقم (294) وقد رجع إليه الدكتور أيوب علي وذكر أن الكتاب ما هو إلا شرح لتفسير الماتريدي والشارح هو علاء الدين أبو بكر السمرقندي.
    الثاني: علم الكلام
    1- كتاب (التوحيد): يعد كتاب (التوحيد) للماتريدي من أهم مؤلفاته الكلامية وذلك لأنه قد قرر فيه نظرياته الكلامية وبين فيه معتقده في أهم المسائل الاعتقادية فلذلك صار كتاب (التوحيد) المرجع الأساسي في معرفة عقيدة الماتريدية وكل من جاء بعد الماتريدي من الماتريدية اعتمدوا عليه ولم يأتوا بجديد يذكر وكتاب (التوحيد) أيضا من أقدم المراجع الكلامية التي فيها ذكر آراء الفرق الإسلامية وخاصة المعتزلة وكذلك آراء الفرق غير الإسلامية وكتاب (التوحيد) أيضًا من أول الكتب الكلامية التي صدرت بالكلام في نظرية المعرفة والكتاب صعب تناوله فيه كثير من العبارات الغامضة والمعاني المبهمة والألفاظ المغلقة فلهذا قال أبو اليسر البزدودي إن في كتاب (التوحيد) الذي صنفه الشيخ أبو منصور قليل انغلاق وتطويل وفي ترتيبه نوع تعسير.
    2- شرح (الفقه الأكبر): من المؤلفات المنسوبة لأبي منصور الماتريدي كتاب (شرح الفقه الأكبر) وهذا الكتاب في نسبته للماتريدي نظر إذ إنه لا يوجد في المصادر التي ترجمت للماتريدي ولا في المصادر التي تهتم بكتب المؤلفين أي إشارة إلى أن الماتريدي قد (شرح الفقه الأكبر) وقد نفى نسبة الكتاب إلى أبي منصور الماتريدي المستشرق الهولندي وينسنك في كتابه (عقيدة المسلمين) وذكر أنه قد رجع إلى عدة نسخ مخطوطة ولم يجد فيها التصريح بنسبته إلى الماتريدي كما أن الكوثري ذكر في مقدمته لكتاب (العالم والمتعلم) أن عدة نسخ مخطوطة بدار الكتب المصرية فيها التصريح بنسبة الكتاب إلى أبي الليث السمرقندي، ومما يؤكد عدم صحة نسبة الكتاب إلى الماتريدي أنه قد ورد في الكتاب نقد لأقوال الأشاعرة في عدة مواضع ومعلوم أن المذهب لم يشتهر كمذهب إلا بعد وفاة الأشعري بفترة زمنية ليست بالقصيرة والماتريدي كان معاصرا للأشعري بل إن وفاتهما متقاربة ولعل الصواب كما ذكر الكوثري وأبو زهرة وغيرهما أن الكتاب لأبي الليث السمرقندي، ومما يؤكد هذا أنه ورد في نص الكتاب عبارة قال الفقيه أبو الليث....
    3- (رسالة في العقيدة) ذكر هذه الرسالة البغدادي في (هدية العارفين) وفؤاد سزكين في (تاريخ التراث) وللسبكي شرح لهذه الرسالة بعنوان (السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور) وشكك السبكي في نسبة هذه الرسالة إلى الماتريدي وأشار إلى أنها لبعض تلاميذ الماتريدي ومما يؤكد عدم صحة نسبة الرسالة إلى الماتريدي هو ورود ذكر الأشعرية في نصها بالإضافة إلى أن بقية من ترجم للماتريدي لم يذكروا هذه الرسالة ضمن مؤلفاته.
    4- (رسالة في الإيمان) ذكرها أبو المعين النسفي في (التمهيد)
    5- (المقالات) يعد كتاب (المقالات) للماتريدي من أقدم كتب المقالات وذلك لتقدم مؤلفه ولكن الكتاب مفقود ولم يعثر على أي نسخة له.
    6- (بيان وهم المعتزلة)
    7- (رد تهذيب الجدل)
    8- (رد وعيد الفساق)
    9- (رد أوائل الأدلة)
    10- (رد الأصول الخمسة) لأبي محمد الباهلي
    11- (الرد على القرامطة)
    12- (رد الإمامة) وهو رد على بعض الروافض
    الثالث: أصول الفقه
    للماتريدي كتابان في أصول الفقه الأول مأخذ الشرائع والثاني الجدل ذكرهما عامة الذين ترجموا له وقال علاء الدين البخاري مبينًا قدر هذين الكتابين وتصانيف أصحابنا (في أصول الفقه) قسمان قسم وقع في غاية الإحكام والإتقان لصدوره ممن جمع الأصول والفروع مثل (مأخذ الشرائع) وكتاب (الجدل) للماتريدي ونحوهما وقسم وقع في نهاية التحقيق في المعاني وحسن الترتيب لصدوره ممن تصدى لاستخراج الفروع من ظواهر المسموع غير أنهم لما لم يتمهروا دقائق الأصول وقضايا العقول أفضى رأيهم إلى رأي المخالفين في بعض الفصول ثم هجر القسم الأول إما لتوحش الألفاظ والمعاني وإما لقصور الهمم والتواني. وهذان الكتابان لم يعثر على أي نسخة منهما وهما في عداد المفقودات

    أولًا: شيوخه
    1- محمد بن مقاتل الرازي قال الذهبي في (ميزان الاعتدال) محمد بن مقاتل الرازي لا المروزي حدث عن وكيع وطبقته تكلم فيه ولم يترك... مات سنة ثمان وأربعين ومائتين... وله تصانيف منها المدعي والمدعى عليه.
    2- أبو نصر العياضي هو أحمد بن العباس بن الحسين بن جبلة بن غالب بن نوفل بن عياض بن يحيى بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري السمرقندي أبو نصر العياضي، ذكره الإدريسي في (تاريخ سمرقند) وقال كان من أهل العلم والجهاد ولا أعلم له رواية ولا حديثًا فأذكره، أسره الكفار فقتلوه صبرا في بلاد الترك في أيام نصر بن أحمد بن إسماعيل بن أسد بن سامان ....وذكر عن أبي القاس الحكيم السمرقندي أنه قال ما أتى الفقيه أبا نصر العياضي أحدًا من أهل البدع والأهواء وأولي الجدل والمراء في الدين بآية من القرآن يحتج بها عليه لمذهبه إلا تلقاه مبتدئًا بما يفحمه ويقطعه وأن رياسة العلماء والدرس كانا إليه وهو من أبناء عشرين سنة وأنه لما استشهد خلف أربعين رجلا من أصحابه كانوا من أقران الشيخ أبي منصور الماتريدي. وذكر النسفي والناصري أن له كتابا في مسألة الصفات.
    3- أبو بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني ......وكان الجوزجاني من الجامعين بين علم الأصول وعلم الفروع وكان في أنواع العلوم في الدرجة العالية وله كتاب (الفرق والتمييز) وكتاب (التوبة) وغيرهما.
    4- نصير بن يحيى البلخي.....وقيل نصر ...كان بارعا في الفقه الحنفي والكلام توفي سنة 268هـ (1)

    ثانيًا: تلاميذه
    1- أبو القاسم الحكيم السمرقندي هو أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن زيد القاضي الحكيم السمرقندي ... أخذ الفقه والكلام عن الماتريدي ويعد من أشهر تلاميذ الماتريدي... وذكر أبو المعين أنه توفي سنة 335هـ والذي عليه بقية من ترجموا له أنه مات في محرم يوم عاشوراء سنة اثنين وأربعين وثلاثمائة بسمرقند ... ومن آثار أبي القاسم الحكيم السمرقندي (الرد على أصحاب الهوى) وهو المسمى (بالسواد الأعظم) ويعد من أهم المتون عند الماتريدية... ومن آثار أبي القاسم السمرقندي رسالة صغيرة في الإيمان.
    2- علي الرستغفني هو أبو الحسن علي بن سعيد الرستغفني نسبة إلى رستغفن وهي قرية من قرى سمرقند وقد وصف الرستغفني من ترجم له بأنه من كبار مشايخ سمرقند ومن أصحاب الماتريدي الكبار وله ذكر في الفقه والأصول في كتب الحنفية ووقع خلاف بينه وبين الماتريدي في مسألة المجتهد إذا أخطأ في إصابة الحق . عند الماتريدي يكون مخطئا في الاجتهاد وعند أبي الحسن الرستغفني يكون مصيبا في الاجتهاد على كل حال أصاب الحق أو لم يصب . ومن آثاره (إرشاد المهتدي) و(الزوائد والفوائد في أنواع العلوم) و(الأسئلة والأجوبة) و(بيان السنة والجماعة).
    3- أبو محمد عبد الكريم البزدوي هو أبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى الفقيه البزدوي ... تفقه على أبي منصور الماتريدي وسمع وحدث وقد برع في الفقه خاصة...قال القرشي ذكر في تاريخ نسف أنه مات سنة تسعين وثلاثمائة في رمضان.
    4- أبو أحمد العياضي هو أبو أحمد بن أبي نصر أحمد بن العباس العياضي ، وهو ابن أبي نصر العياضي شيخ الماتريدي.
    5- أبو عبد الرحمن بن أبي الليث البخاري أخذ عن أبي منصور الماتريدي الكلام والفقه وهو صاحب أبي القاسم الحكيم السمرقندي.

    1- لا يرى الماتريدي مسوغًا للتقليد، بل ذمه وأورد الأدلة العقلية والشرعية على فساده وعلى وجوب النظر والاستدلال.
    2- يذهب في نظرية المعرفة إلى لزوم النظر والاستدلال، وأنه لا سبيل إلى العلم إلا بالنظر، وهو قريب من آراء المعتزلة والفلاسفة في هذا، ثم يذكر أدلة كثيرة على وجود الله، مستخدمًا أدلة المعتزلة والفلاسفة في حدوث الأجسام وأنها دليل على وجود الله.
    3- يوافق في الاعتقاد في أسماء الله السلف، ويرى أن أسماء الله توقيفية، فلا نطلق على الله أي اسم إلا ما جاء به السمع، إلا أنه يؤخذ على الماتريدية أنهم لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله وبين باب التسمية فأدخلوا في أسمائه ما ليس منها كالصانع والقديم والشيء، والسلف يخالفونهم في هذا وقد عطل الماتريدية كثير من أسماء الله تعالى وأولوها.
    4- يرى أن المؤمنين يرون ربهم والكفار لا يرونه، ويخالف الأشعري هنا في أن الماتريدي يرى أن الأدلة على إمكان رؤية الله تعالى عقلًا غير ممكنة، بينما يستدل عليها أبو الحسن الأشعري بالعقل، إلا أنهم خالفوا السلف فنفوا المقابلة والجهة مطلقًا، وذلك بسبب نفيهم عن الله علو الذات كما أن إثباتهم للرؤية ونفي الجهة والمقابلة فيه تناقض فإن الله تعالى يرى في جهة العلو.
    5- هو أقرب ما يكون إلى السلف في سائر الصفات، فهو يثبت الاستواء على العرش وبقية الصفات دون تأويل لها ولا تشبيه، أي في الصفات التي تثبت عند الماتريدية بالعقل لكنهم يؤولون ما عداها، كما أنهم يعتقدون أن صفات الله لا هي هو ولا غيره وهو تناقض منهم.
    6- في القضاء والقدر هو وسط بين الجبر والاختيار، فالإنسان فاعل مختار على الحقيقة لما يفعله ومكتسب له وهو خلق لله، حيث يخلق للإنسان عندما يريد الفعل قدرة يتم بها، ومن هنا يستحق الإنسان المدح أو الذم على هذا القصد، وهذه القدرة يقسمها إلى قسمين:
    قدرة ممكنة: وهى ما يسميها: لسلامة الآلات وصحة الأسباب.
    وقدرة ميسرة، زائدة على القدرة الممكنة: وهى التي يقدر الإنسان بها على الفعل المكلف به مع يسر، تفضلا من الله تعالى.
    يقول الماتريدي بخلق أفعال العباد، وهو يفرق بين تقدير المعاصي والشرور والقضاء بها وبين فعل المعاصي، فالأول من الله والثاني من العبد بقدرته واختياره وقصده. ويمنع أبو منصور من إضافة الشر إلى الله فلا يقال: رب في الأوراث والخبائث ولو أنه خالق كل شيء، وهذا الشق الأخير معروف عن السلف، أما تقسيمه القدرة وجعل العبد فاعلا باختياره وقصده وقدرته من وجه، ولو كان الله هو الفاعل من وجه آخر، فيه حيد عن مذهب السلف في ذلك، ونسبة الماتريدية الفعل إلى العبد يقصدون به أن الله لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره فيصبح ذلك العمل كسبًا له يجازي به حسب اختياره له وإرادته المستقلة له.
    في مسائل الإيمان: لا يقول بالمنزلة بين المنزلتين، ولا يقول بخروج مرتكب الكبيرة عن الإسلام. ويرى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، دون الإقرار باللسان، ومن هنا يفترق الماتريدي عن السلف. وعنده لا يجوز الاستثناء في الإيمان، لأن الاستثناء يستعمل في موضع الشكوك والظنون. وهو كفر، وأهل السنة قالوا بجواز الاستثناء في الإيمان لأنه يقع على الأعمال لا على أصل الإيمان أو الشك في وجود الإيمان.

    نتحدث الآن عن تطورهم الذي مر بالأدوار المهمة التاريخية التي تدل على نشاطهم البالغ المتواصل لنشر العقيدة الكلامية الماتريدية . ليعرف بهذه الدراسة تطور الماتريدية والأدوار التي مرت عليها. وتكون هذه الدراسة بمثابة تاريخ إجمالي للماتريدية ويتم كل ذلك بتوفيق الله تعالى ومشيئته سبحانه.
    فأقول: لقد مرت بالماتريدية أدوار أهمها ما يلي:
    أ‌- دور تأسيسي (258 - 333هـ) وهو دور أبي منصور الماتريدي إمام الماتريدية ويمتاز هذا الدور بأنه دور النشأة والتأسيس كما يمتاز بشدة النطاح بين الماتريدي وبين المعتزلة كما يظهر من تأليفات الماتريدي فيما سبق ومن خلال نصوص الماتريدي ضد المعتزلة في كتبه.
    ب‌- دور تكويني (333 - 400هـ) وهو دور تلامذة الماتريدي ومن تأثر به بعده وتلامذة تلامذته، ويمتاز هذا الدور بأنه تكونت فيه فرقة كلامية ماتريدية وظهرت على وجه الأرض كما يمتاز بوجود تلامذة الماتريدي الذين نشروا أفكار شيخهم وإمامهم والدفاع عنه، وقد ذكرنا نبذة عن تلامذة الماتريدي وتأليفاتهم الكلامية في الفصل الأول.
    ج - دور بزدوي (400 - 500هـ) وهذا الدور تمديد لسابقه بالنشر والتأليف، ومن أهم شخصيات هذا الدور " أبو اليسر البزدوي (493هـ) أخو " فخر الإسلام " (482هـ).
    د- دور نسفي (500 - 700هـ) وهذا الدور كاسمه نسف العقيدة السلفية في الصفات نسفًا أكثر من سابقه وامتاز بكثرة التأليف، وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية.
    ومن أهم أعيان هذا الدور أبو المعين النسفي (508هـ)، ونجم الدين عمر النسفي (537هـ)، وحافظ الدين عبد الله النسفي (710هـ) وهو أكبر أدوار العقيدة الماتريدية السابقة.
    هـ - و في بداية هذا الدور دور آخر: وهو دور صابوني يمتاز بكثرة المناظرات بين الماتريدية ، وبين الأشعرية. وأهم شخص في هذا الدور هو أبو محمد نور الدين أحمد بن محمد الصابوني (580هـ). (6)
    وقد اعتمد الصابوني في دراسته لأصول الدين على كتاب (تبصرة الأدلة) لأبي المعين النسفي كما ورد ذلك عنه فيما ذكره الرازي في مناظرته له قال الرازي قال لي (أي: الصابوني) يا أيها الرجل إني كنت قد رأيت كتاب (تبصرة الأدلة) لأبي معين النسفي واعتقدت أنه لا مزيد على ذلك الكتاب في التحقيق والتدقيق...ذكر القرشي أن له (البداية في أصول الدين) و(المغني في أصول الدين) وذكر ابن قطلوبغا وصاحب (الطبقات السنية) وحاجي خليفة أن له (الهداية في علم الكلام) وأنه اختصره في كتاب سماه (البداية) وذكر البغدادي (المختصر) بعنوان (بداية مختصر الهداية) وذكر حاجي خليفة أن له كتابًا بعنوان (الكفاية في الهداية) واختصره في كتاب سماه (العمدة) وذكر البغدادي أن (الكفاية) شرح (للهداية) (7)
    و- دور عثماني: نسبة إلى الدولة العثمانية (700 - 1300هـ).
    وهذا الدور جمع الأدوار الماتريدية الكثيرة.
    ومنها دور صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود (؟ - 747هـ).
    ومنها دور التفتازاني (712 - 792هـ) .
    ومنها دور الجرجاني (740 - 816هـ) .
    ومنها دور الكمال ابن الهمام (790 - 861هـ) . (Cool
    وهو محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي الأصل السكندري القاهري الحنفي من مؤلفات ابن الهمام (فتح القدير) في الفقه، وهو شرح (الهداية) ولم يتمه وصل فيه إلى أثناء الوكالة... وله (التحرير في أصول الفقه)... وله أيضا (المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة) .... وقد طبع الكتاب عدة مرات ويعد كتاب (المسايرة) من المراجع المهمة في معرفة عقيدة الماتريدية ومعرفة المسائل الوفاقية والخلافية بين الأشاعرة والماتريدية (9)
    وغيرها من الأدوار التي تتصل بالدولة العثمانية.
    وهذه الأدوار كلها ترجع إلى أم الأدوار ألا وهو الدور العثماني الذي يعد أهم الأدوار الماتريدية حيث بلغ هذا الدور إلى أوج الكمال حيث يستظل هذا الدور بظل الدولة العثمانية ويتمتع بخيراتها، لأن الدولة العثمانية كانت دولة حنفية الفروع ماتريدية العقيدة. فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية وكان جل القضاة، والمفتين وخطباء الجوامع، ورؤساء المدارس حنفية الفروع ماتريدية العقيدة، هذا من ناحية.
    ومن ناحية أخرى كثرت في هذا الدور تأليف أنواع الكتب الكلامية من المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي، والحواشي على الحواشي، والتنكيتات، كما كان بين الماتريدية والأشعرية ائتلاف كأنهما فرقة واحدة صعب التمييز بينهما.
    و في هذا الدور انتشرت العقيدة الماتريدية في شرق الأرض وغربها في هندها، وتركها، وفارسها، ورومها، وعربها، وعجمها.
    ز- دور ديوبندي (1283هـ - إلى ما شاء الله) نسبة إلى جامعة ديوبند التي أسسها الشيخ محمد قاسم النانوتوي إمام الديوبندية (1297هـ) سنة (1283هـ).
    ويمتاز هذا الدور بكثرة التأليف في علم الحديث من شروح وغيرها، والديوبندية أئمة في العلوم النقلية، والعقلية كما هم في قمة من الزهد، والتأله، وهم خدموا الإسلام وحاربوا الشرك والبدع إلى حد كبير غير أنهم حرفوا الأحاديث إلى مذهبهم الحنفي الفقهي، والكلامي الماتريدي كما يتضح من كتبهم وهم في غاية من التعصب للمذهب الحنفي والتقليد الأعمى حتى جعلوا كثيرا من الأحاديث حنفية بالتأويلات الباطلة.
    كما أنهم ناصبوا العداء لـ (أهل السنة) الذين يسميهم المغرضون باسم (الوهابية) ، فيسبونهم أشنع السباب، وينبزونهم بأبشع الألقاب.
    ومن ميزات هذا الدور البارز أيضا أنهم ديوبندية كما هم حنفية الفروع ماتريدية العقيدة كذلك هم متصوفة محضة، وعند كثير منهم بدع قبورية كما يشهد عليهم كتابهم (المهند على المفند) لـ (الشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمة الديوبندية ، وهو أهم كتب الديوبندية في العقيدة وعليه توقيعات لكبار علمائهم ...
    بل في كبار أئمة الديوبندية من ساير الكوثري في شتائم أئمة الإسلام - كالبنوري الديوبندي فله مقدمة خطيرة مسمومة فتاكة أبعد غورا في الضلال والإضلال، و فيها ما لا يخطر بالبال من إجلال الكوثري، وشتائم أئمة الإسلام .
    وللديوبندية شعبتان مهمتان: شعبة التعليم والتدريس، وشعبة التبليغ والتربية وهي المعروفة بـ (جماعة التبليغ) لها حسنات عملية كثيرة.
    ولهذه الجماعة لون آخر في دورهم من أدوار الماتريدية يبثون أفكارهم الصوفية وأنظارهم العقدية الماتريدية بطرق خفية تدريجية حتى اغتر بهم كثير من أصحاب العقيدة السلفية ولكن لابد للحقيقة أن تظهر.
    وقد ألف الشيخ أرشد القادري البريلوي أحد كتاب " البريلوية " كتابا بعنوان (الزلزلة) ذكر فيه نصوصا صريحة لكبار علماء الديوبند تتضمن البدع القبورية والخرافات بل الشركيات الصريحة وحاكمهم محاكمة دقيقة.
    وقد اعترف بذلك الشيخ عامر العثماني مدير مجلة " التجلي " " بديوبند " أحد كبار كتاب الديوبندية وصرح أن كل بلاء وبدعة وخرافة دخلت على الديوبندية إنما دخلت من أبواب التصوف (1) .
    ح- دور بريلوي (1272هـ - إلى ما شاء الله) : نسبة إلى زعيمهم: أحمد رضا خان الأفغاني الحنفي الماتريدي الصوفي القبوري الملقب بعبد المصطفى (1340هـ) .
    ويمتاز هذا الدور بالإشراك الصريح، وعبادة القبور فهي فرقة وثنية محضة.
    كما يمتاز بشدة العداوة مع الديوبندية وتكفيرهم فضلا عن تكفير (أهل السنة) الذين يسميهم المغرضون بـ (الوهابية) .
    ط- دور كوثري (1296هـ - إلى ما شاء الله) : منسوب إلى الشيخ محمد زاهد الكوثري الجركسي الحنفي الماتريدي عدو السلفية (1371هـ) .
    ويمتاز هذا الدور بشدة العداء لأهل السنة والطعن في أئمة الإسلام ولعنهم وجعلهم وثنية مشركين كفارا عبدة الأوثان، والأصنام، مجسمة مشبهة.
    وجعل كتب السلف ككتب (التوحيد)، و(السنة)، و(الإبانة)، و(الشريعة)، و(الصفات)، و(العلو)، وغيرها في شرح عقيدة أئمة السنة - كتب وثنية، وكتب كفر، وكتب شرك، وكتب تجسيم، وتشبيه.
    كما يمتاز هذا الدور بالدعوة إلى الإشراك وعبادة القبور، وجواز بناء المساجد والقبب عليها تحت ستار التوسل.
    وكتب الكوثري (1296 - 1371هـ) شاهدة لما ذكرنا، وقد حاول الكوثري أن يحيي دولة الجهم، والمريسي، وابن أبي دؤاد كما حاول أن يحيي دول القبورية.
    ي- دور فنجفيري (من 1370هـ) وينسب هذا الدور إلى زعيم الجماعة الفنجفيرية: شيخ القرآن محمد طاهر بن آصف الحنفي الماتريدي الديوبندي النقشبندي (1407هـ) رحمه الله.
    واسم هذه الجماعة: " جماعة إشاعة التوحيد والسنة " وهي فرع لـ (الديوبندية) ، (النقشبندية الصوفية) .
    وهي جماعة لها دور كبير ونشاط طيب في نشر ترجمة القرآن الكريم ، والقضاء على الإشراك والبدع القبورية وإحياء كثير من السنن في مناطق بشاور ومردان، والقبائل الحرة وغيرها في باكستان وكثير من المناطق في أفغانستان ولهم مساع جميلة يشكرون عليها غير أنهم ماتريدية في باب الصفات، ولهم مدارس خاصة يدرسون فيها كتب الماتريدية ، وهم حنفية متعصبة في الفقهيات لهم عداء شديد لأهل الحديث في تلك المناطق، حتى لا يتحاشون الكذب الصريح، والافتراء القبيح إلا من شاء الله منهم.
    وقد بلغ بهم التقليد إلى تحريف الأحاديث؛ فقد قال شيخهم:
    إن المراد من أحاديث رفع اليدين، رفعهما عن السرة والركبة (2) .
    ويزعم زعيمهم الشيخ محمد طاهر المذكور في حق أهل الحديث المعاصرين لهم: أنهم إخوان القاديانيين (3) الأصاغر (4) .
    ولكونه صوفيا نقشبنديا أوصى تلاميذه بأن يكونوا علماء صوفية بلا ترجيح طرق بعضهم على بعض، ولا إنكار على المغلوبين من الصوفية ولا على المؤولين في السماع وغيره.
    ولأجل ماتريديتهم يثنون على الماتريدي بأنه " إمام الهدى " و " إمام أهل السنة " و على " تأويلاته".
    ويجعلون السلف مفوضة ويعدون المؤولة في أهل السنة.
    هذه بعض الأدوار المهمة للماتريدية بمثابة تاريخ إجمالي للماتريدية .
    و فيما يلي نتحدث إن شاء الله عن أسباب انتشار الماتريدية وبسط سلطانهم.
    أ‌- دور ندوي:
    المدرسة الندوية الهندية لا تختلف عن المدرسة الديوبندية ، الفنجفيرية.
    في كونها ماتريدية وعلى غير الطريقة السلفية.
    وذلك أن إمام الندوية الشيخ أبا الحسن الندوي - مع تظاهره بالسلفية - قد بالغ في الثناء على الماتريدي وطريقته وكتبه ورجحه على الأشعري (5) .
    فقد أبان الندوي عن حقيقة سلفيته بإكباره وإجلاله لماتريديته.
    وما كل مخضوب البنان بثينة[وما كل مصقول الحديد يمانيا. (10) ]
    الخلاصة:
    يمكن إجمالها في أربع مراحل رئيسية كالتالي:
    · مرحلة التأسيس: (000ـ333هـ) والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة وصاحب هذه المرحلة: أبو منصور الماتريدي.....عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.
    ـ توفي عام 333هـ ودفن بسمرقند، وله مؤلفات كثيرة: في أصول الفقه والتفسير. ومن أشهرها: (تأويلات أهل السنة) أو (تأويلات القرآن) وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات، فأوَّلها تأويلات جهمية. و من أشهر كتبه في علم الكلام كتاب (التوحيد) وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية، ويقصد بالتوحيد: توحيد الخالقية والربوبية، وشيء من توحيد الأسماء والصفات، ولكن على طريقة الجهمية بتعطيل كثير من الصفات بحجة التنزيه ونفي التشبيه؛ مخالفاً طريقة السلف الصالح. كما ينسب إليه شرح كتاب (الفقه الأكبر) للإمام أبي حنيفة، وله في الردود على المعتزلة (رد الأصول الخمسة) وأيضاً في الرد على الروافض (رد كتاب الإمامة) لبعض الروافض، وفي الرد على القرامطة (الرد على فروع القرامطة).
    · مرحلة التكوين: ( 333ـ500هـ ): وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها. ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة: أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ)، عرف بأبي القاسم الحكيم لكثرة حكمه ومواعظه، وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي (390هـ).
    · ثم تلى ذلك مرحلة أخرى تُعتبر امتداداً للمرحلة السابقة. ومن أهم وأبرز شخصياتها:
    ـ أبو اليسر البزدوي (421ـ493هـ): هو محمد بن محمد بن الحسين بن عبدالكريم، والبزدوي نسبة إلى بزدوة ويقال بزدة، ولقب بالقاضي الصدر، وهو شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير علي البزدوي، ولد عام (421هـ).
    ـ تلقى العلم على يد أبيه، الذي أخذه عن جده عبد الكريم تلميذ أبي منصور الماتريدي، قرأ كتب الفلاسفة أمثال الكندي، وغيره، وكذلك كتب المعتزلة أمثال الجبائي، والكعبي، والنّظام، وغيرهم، وقال فيها: "لا يجوز إمساك تلك الكتب والنظر فيها؛ لكي لا تحدث الشكوك، وتوهن الاعتقاد"، ولا يرى نسبة الممسك إلى البدعة. كما اطلع على كتب الأشعري، وتعمق فيها، وقال بجواز النظر فيها بعد معرفة أوجه الخطأ فيها، كما اطلع على كتابي (التأويلات)، و(التوحيد) للماتريدي فوجد في كتاب (التوحيد) قليل انغلاق وتطويل، وفي ترتيبه نوع تعسير، فعمد إلى إعادة ترتيبه وتبسيطه مع ذكر بعض الإضافات عليه في كتاب (أصول الدين).
    ـ أخذ عن الشيخ أبو اليسر البزدوي جمٌّ غفير من التلاميذ؛ ومن أشهرهم: ولده القاضي أبو المعاني أحمد، ونجم الدين عمر بن محمد النسفي صاحب (العقائد النسفية)، وغيرهما.
    ـ توفي في بخارى في التاسع من رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.
    · مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية: (500ـ700هـ): وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم أعيان هذه المرحلة:
    ـ أبو المعين النسفي (438ـ508هـ): وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، والنسفي نسبة إلى نسف وهي مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، والمكحولي نسبة إلى جده الأكبر، ولكن نسبته إلى بلده غلبت نسبته إلى جده، وله ألقاب عدة أشهرها: سيف الحق والدين.
    ـ ويعد من أشهر علماء الماتريدية، إلا أن من ترجم له لم يذكر أحداً من شيوخه، أو كيفية تلقيه العلم، يقول الدكتور فتح الله خليف: "ويعتبر الإمام ! أبو المعين النسفي من أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه (تبصرة الأدلة)، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب (التوحيد) للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه (التمهيد)، وله أيضاً كتاب (بحر الكلام)، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية".
    ـ توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ثمانٍ وخمسمائة، وله سبعون سنة.
    ـ نجم الدين عمر النسفي (462ـ537هـ): هو أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل … بن لقمان الحنفي النسفي السمرقندي، وله ألقاب عدة أشهرها: نجم الدين، ولد في نسف سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة.
    ـ كان من المكثرين من الشيوخ، فقد بلغ عدد شيوخه خمسمائة رجلاً ومن أشهرهم: أبو اليسر البزدوي، وعبد الله بن علي بن عيسى النسفي. وأخذ عنه خلقٌ كثير، وله مؤلفات بلغت المائة، منها: (مجمع العلوم)، (التيسير في تفسير القرآن)، (النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري) وكتاب العقائد المشهورة بـ(العقائد النسفية) ، والذي يعد من أهم المتون في العقيدة الماتريدية وهو عبارة عن مختصر (لتبصرة الأدلة) لأبي المعين النسفي قال فيه السمعاني في ترجمة له: "كان إماماً فاضلاً متقناً، صنَّف في كل نوع من التفسير والحديث.. فلما وافيت سمرقند استعرت عدة كتب من تصانيفه، فرأيت فيها أوهاماً كثيرة خارجة عن الحد، فعرفت أنه كان ممن أحب الحديث، ولم يرزق فهمه".
    ـ توفي بسمرقند ليلة الخميس ثاني عشر من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
    · مرحلة التوسع والانتشار: (700ـ1300هـ): وتعد من أهم مراحل الماتريدية حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في: شرق الأرض، وغربها، وبلاد العرب، والعجم، والهند، والترك، وفارس، والروم.
    وبرز فيها أمثال: الكمال بن الهمام صاحب (المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة) ، والذي ما زال يدرَّس في بعض الجامعات الإسلامية. وفي هذا الدور كثرت فيها تأليف الكتب الكلامية من: المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي على الشروح.
    وهناك مدراس مازالت تتبنى الدعوة للماتريدية في شبه القارة الهندية وتتمثل في:
    ـ مدرسة ديوبند و الندوية (1283هـ ـ …) وفيها كثر الاهتمام بالتأليف في علم الحديث وشروحه، فالديوبندية أئمة في العلوم النقلية والعقلية؛ إلا أنهم متصوفة محضة، وعند كثير منهم بدعٌ قبورية، كما يشهد عليهم كتابهم (المهنَّد على المفنَّد) لـ الشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمتهم، وهو من أهم كتب الديوبندية في العقيدة، ولا تختلف عنها المدرسة الندوية في كونها ماتريدية العقيدة.
    ـ مدرسة البريلوي (1272هـ ـ…) نسبة إلى زعيمهم أحمد رضا خان الأفغاني الحنفي الماتريدي الصوفي الملقب بعبد المصطفى (1340هـ) وفي هذا الدور يظهر الإشراك الصريح، والدعوة إلى عبادة القبور، وشدة العداوة للديوبندية، وتكفيرهم فضلاً عن تكفير أهل السنة.
    ـ مدرسة الكوثري ( 1296هـ ـ …) و تنسب إلى الشيخ محمد زاهد الكوثري الجركسي الحنفي الماتريدي (1371هـ) ويظهر فيها شدة الطعن في أئمة الإسلام ولعنهم، وجعلهم مجسمة ومشبهة، وجعل كتب السلف ككتب: (التوحيد)، (الإبانة)، (الشريعة)، و(الصفات)، و(العلو)، وغيرها من كتب أئمة السنة، كتب وثنيةٍ وتجسيمٍ وتشبيهٍ، كما يظهر فيها أيضاً شدة الدعوة إلى البدع الشركية وللتصوف من تعظيم القبور والمقبورين تحت ستار التوسل. انظر تعليقات الكوثري على كتاب (الأسماء والصفات) للبيهقي، وكتاب (مقالات الكوثري).

    تابعونا جزاكم الله خيرا
    *****************
    لا تنسونا من صالح دعائكم


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:20 pm


    انتشرت الماتريدية في بقاع الأرض شرقها، وغربها لأسباب أهمها ما يلي:
    1- السبب الرئيس، بل أهم الأسباب، اعتناق السلاطين والملوك للمذهب الحنفي، فبسبب ذلك انتشر المذهب الحنفي في شرق الأرض وغربها، وعربها، وعجمها، وفارسها ورومها، وبانتشار الحنفية ونفوذ سلطانهم انتشرت الماتريدية ، لأن الماتريدية كانوا يمثلون المذهب الحنفي، وهذه حقيقة اعترف بها الحنفية الماتريدية .
    2- ومن المعروف في التاريخ عبر القرون أن أية دولة إذا كانت تميل إلى فرقة ما تسهل وتوفر لعلمائها مناصب القضاء، والإفتاء والرئاسة والخطابة والتأليف، والتدريس؛ فيجدون أسبابا كثيرة وطرقا ميسورة لبسط سلطانهم على القلوب والأبدان، ونفوذ تأثيرهم على الشعوب والأوطان وتشجعهم الدولة أيضا بإنشاء المدارس والجوامع، وبذلك تنشر أفكارهم ويزداد نشاطهم.
    قال الشاه ولي الله الدهلوي (1176هـ) في بيان سبب انتشار الحنفية:
    " فأي مذهب كان أصحابه مشهورين، وسد إليهم القضاء، والإفتاء، واشتهرت تصانيفهم في الناس، ودرسوا درسا ظاهرا، انتشر في أقطار الأرض ، ولم يزل ينتشر كل حين، وأي مذهب كان أصحابه خاملين، ولم يولوا القضاء، والإفتاء، ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين "
    وقد صرح العلامة عبد الحي اللكنوي أن سبب شيوع مذهب الحنفية تولية الإمام أبي يوسف قضاء القضاة زمن هارون الرشيد (1) .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
    " وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر، والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل دولة المهدي (محمد بن المنصور 168هـ) والرشيد (هارون بن محمد المهدي 193هـ) ونحوهما ممن كان يعظم الإسلام والإيمان ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين كان أهل السنة في تلك الأيام أكثر وأقوى، وأهل البدع أقل، وأذل . . ؛
    ولكن كانت البدع في القرون الثلاثة الفاضلة مقموعة، وكانت الشريعة أعز وأظهر، وكان القيام بجهاد أعداء الدين من الكافرين والمنافقين أعظم.
    و في دولة أبي العباس المأمون (218هـ) ظهر (الخرمية) (2) ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل (يعني الفلاسفة) المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين، وأرسل ملوك المشركين من الهند ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة . . فتولد من ذلك محنة الجهمية، حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات، والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام وغيره ما جرى مما يطول وصفه إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ [ البقرة:156].
    وكان في أيام المتوكل (جعفر بن محمد المعتصم 247هـ) قد عز الإسلام حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم. . " . إلى آخر ذلك الكلام المهم في مقارنة الملوك والدول ومعاملتهم مع الإسلام وأهله والسنة وأهلها.
    الحاصل: أن مناصرة الملوك والسلاطين والأمراء لمذهب ما وتشجيعهم لعلمائه من أهم أسباب انتشاره، كما يقال: " الناس على دين ملوكهم " ، وهذا واقع غالبا، وهذا من الأسباب الرئيسة لنشر العقيدة الأشعرية في البلاد الشامية، والمغربية أيضا .
    قال أبو عذبة: " و في بلاد الهند على كثرتها، وسعتها، وبلاد الروم على كثرتها وسعتها - مع كونهم بأسرهم حنفية - عقائد الماتريدية " (3) .
    وهكذا انتشرت الماتريدية وعقائدهم في بلاد ما وراء النهر، والترك، والأفغان، والهند، والصين وما والاها.
    وقوى هذا السبب لنشر العقيدة الماتريدية في الهند وما جاورها، أن العلماء والمشائخ الذين وردوا الهند في عهود الملوك المسلمين - كان جلهم من علماء ما وراء النهر الذي كان معظم اعتمادهم على كتب المتأخرين من فقهاء الحنفية وكان عنايتهم بكتب السنة تحلة للقسم وكانوا مولعين بخرافات اليونان فأصبح مسلموا الهند يتسكعون في ظلمات علوم اليونان.
    وافتخر الكوثري افتخارا عظيما بكثرة الحنفية في بقاع الأرض قائلاً:
    " . . . فالحنفية في السند لا تقل عن خمسة وسبعين مليونا، و في الصين عن خمسين مليونا، وفي بلاد الروس ، والقوقاس ، والقزان وبخارى ، وسيبريا، وما والاها عن خمسين مليونا أيضا ، و في بلاد الرومان، والعرب ، ودربوسنا ، وهرسك، والألبان، والبلغار ، واليونان ، والبلاد العثمانية القديمة في القارات الثلاث، يعني آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، عن خمسين مليونا أيضا ، سوى من بلاد الأفغان، وبلاد الحبشة ، ومصر ، وطرابلس الغرب ، وتونس ، وأفريقيا الجنوبية، وغيرها. . " .
    قلت: نستدل بكلام الكوثري هذا - مع مجازفته - على كثرة الماتريدية وانتشارهم على البسيطة تبعا لانتشار الحنفية: ولكن عدد الماتريدية أقل من الحنفية؛ لأن في الحنفية جهمية أولى، ومعتزلة، وزيدية، وكرامية، واتحادية، وحلولية، والمتفلسفة، ونذرا قليلا من السلفية، كما أن النساء، والعوام وأصحاب الحرف من الفلاحين وغيرهم ليسوا من الماتريدية في شيء وإن هم انتسبوا إلى الماتريدية ظاهرا؛ فمن في هؤلاء من يزعم أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه، ولا فوق ولا تحت؟ ومن فيهم من يقول: إن كلام الله كلام نفسي لا بحرف ولا بصوت وأن هذا القرآن العربي مخلوق ليس كلام الله بل هو دال على كلام الله؟
    ومن فيهم من يقول: إن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله بل سمع صوتا مخلوقا في الشجرة إلى آخر تلك الحماقات الكلامية الماتريدية ؟ .
    فهؤلاء كلهم في الحقيقة على الفطرة فلا يصح ظن الظان أن الماتريدية والأشعرية تمثل أهل السنة وأنهم الكثرة الكاثرة والجمهور وأنهم السواد الأعظم (4) .
    بل الحقيقة أن الفريقين من الماتريدية والأشعرية قلة قليلة والذي اشتهر خلافه فهو خلاف الواقع والحقائق الملموسة.
    2- مدارس الماتريدية ، ونشاطهم الدراسي والتدريسي:
    لمدارس الماتريدية دور عظيم في نشر عقيدتهم، وأنا لا أخوض في تفصيل تلك المدارس لأن هذا يحتاج إلى بحث مستقل بل القصد ههنا التنبيه على أن المدارس لها دور في نشر عقيدة هؤلاء، و على سبيل المثال نذكر جامعة ديوبند فإنها أكبر جامعة للماتريدية في القارة الهندية ودورها في نشر العقيدة الماتريدية مما لا يخفى على أحد بطبيعة الحال وهكذا مدارس الحنفية الماتريدية في تاريخ أفغانستان، و في تاريخ الدولة العثمانية فإنها خدمت الحنفية و الماتريدية في آن واحد، فكانت هذه المدارس حقولا ومزارع لغرس البذور الماتريدية وتربيتهم ثم تخرجهم وانتشارهم في بقاع الأرض حيث يواصلون مساعيهم لنشر ما تعلموه وما رسخ في أذهانهم من العقيدة الماتريدية على ظنهم أنها عقيدة أهل السنة يجب الدفاع عنها ونشرها.
    ولذلك لا تجد في جميع مدارس الحنفية الماتريدية عبر القرون كتابا واحدا من كتب السلف في العقيدة يكون في منهجهم الدراسي بل نرى بعكس ذلك كتب علم الكلام والمنطق يهتمون بها درسا وتدريسا، وهذا أمر جعلهم متعمقين في العقيدة الكلامية الماتريدية كما جعلهم بعيدين عن الكتاب والسنة والعقيدة السلفية السنية في آن واحد حتى الفنجفيرية.
    3- نشاط الماتريدية في ميدان التأليف:
    للماتريدية نشاط بالغ وسعي متواصل في ميدان التصنيف في علم الكلام، وانتشرت هذه الكتب في مشارق الأرض ومغاربها وبانتشارها ودرسها وتدريسها انتشرت العقيدة الماتريدية وبسطت سلطانها على قلوب المشائخ والطلاب... المهم أن نذكر الآن أن تراث الماتريدية وعكوف الناس عليه سبب عظيم لنشر عقائدها.
    ونضرب لذلك مثالًا واحدًا على لسان أحد الماتريدية المعاصرة.
    يقول الدكتور أبو الخير محمد أيوب علي البنغلاديشي الماتريدي: " وندرك أثر الماتريدي، ونجاح طريقته ورضاء أهل السنة بها؛ .
    حين نرى (الفقه الأكبر) لـ (أبي حنيفة)، و (العقيدة) لـ (النسفي) ، و (المسايرة) لـ (ابن الهمام) تدرس في هذه الأيام في الجامعات الدينية، وكلياتها، والمعاهد الدينية ومنها الأزهر و في كثير من البلاد الإسلامية، وقد أدرك الأزهر ضرورة دراسة المدرسة الماتريدية ، والتعريف بأبي منصور الماتريدي فأدرج في منهج الدراسة في كليتي الشريعة، وأصول الدين دراسة هذه المدرسة دراسة علمية وتاريخية " (5) .
    ويقول: " ثم إن مذهب الأشعري، وإن كان له أكبر أثر على عقيدة جمهور المسلمين ، وكان قد تغلب على الماتريدية في الأيام الماضية، فإن الماتريدية قد أصبحت اليوم - كما يبدو لنا - أكثر منه تأثيراً على جماعة علماء أهل السنة " .
    4- أمور أخرى تكون بمجموعها سببًا قويًا لانتشارهم وانخداع الناس بهم:
    وهي ما يلي:
    أ- تظاهرهم بمظهر أهل السنة بل دعواهم: أنهم، والأشعرية هم يمثلون أهل السنة.
    ب- اتهامهم لأهل السنة المحضة وأصحاب الحديث بالتجسيم والتشبيه ونحو ذلك.
    ج- انتسابهم إلى السلف ولاسيما إلى الأئمة: " أبي حنيفة " و " الشافعي " و " الأشعري " .
    د- كثرة الحق الذي عندهم بالنسبة للباطل الذي عند غيرهم من أهل البدع.
    هـ - ردهم على الفرق الباطلة كالجهمية الأولى والمعتزلة والخوارج والروافض وغيرهم.
    و- ضعف أنوار الآثار السلفية وعجز كثير من أهل السنة المحضة وأهل الحديث " .

    ___________
    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:22 pm


    إن مصدر الماتريدية في التلقي هو العقل وقد صرح بهذا الماتريدي في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات) فهو يقول أصل ما يعرف به الدين وجهان : أحدهما السمع والآخر العقل أما السمع فما لا يخلو بشر من انتحاله مذهبا يعتمد عليه ويدعوه غيره إليه ...فلزم طلب أصل يجمعهم عليه لغاية ما احتمل وسعهم الوقوف عليه على أن الأحق في ذلك إذ علم بحاجة كل ممن يشاهد وضرورة كل من المعاين أن لهم مدبرا عالما بأحوالهم وبما عليه بقاؤهم وأنه جبلهم على الحاجات لا يدعهم وما هم عليه من الجهل وغلبة الأهواء مع ما لهم من الحاجة في معرفة ما به معاشهم وبقاؤهم دون أن يقيم لهم من يدلهم على ذلك ويعرفهم ذلك ولابد من أن يجعل له دليلا وبرهانا يعلمون خصوصه بالذي خصه به من الإمامة لهم وأحوجهم إليه فيما عليه أمرهم فيكون في ذلك ...أنه هو الذي جعله المفزع لهم والمعتمد" (1) .
    وقال أيضا: " إنا وجدنا الناس مختلفي المذاهب في النحل في الدين متفقين على اختلافهم في الدين على كلمة واحدة: أن الذي هو عليه حق والذي عليه غيره باطل على اتفاق جملتهم من أن كلا منهم له سلف يقلد فثبت أن التقليد ليس مما يعذر صاحبه لإصابة مثله ضده على أنه ليس فيه سوى كثرة العدد اللهم إلا أن يكون لأحد ممن ينتهي القول إليه حجة عقل يعلم بها صدقه فيما يدعي وبرهان يقهر المنصفين على إصابته الحق فمن إليه - أي إلى العقل - مرجعه في الدين بما يوجب تحقيقه عنه فهو المحق..." (2) .
    وقال في موضع آخر : " والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع ...." (3) .
    وقال أيضا: " إن العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلا بالاستدلال" (4) . أي: بالمعرفة الاستدلالية القائمة على النظر العقلي".
    وقال في تفسيره لقوله تعالى : لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] "قوله تعالى :لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] حقيقة الحجة لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل فلا يكون وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة... " (5) .
    والماتريدية لا تقول بالقدرة المطلقة للعقل إذ إن العقل عندهم يدرك ظواهر الأشياء ولا يدرك ماهيتها وحقائقها يقول الماتريدي موضحا هذا : " إن العقول أنشئت متناهية تقصر عن الإحاطة بكلية الأشياء والأفهام متقاصرة عن بلوغ غاية الأمر...." (6) وهم بذلك يحاولون أن يصلوا إلى غايتهم وهي محاولة التوسط بين العقل والنقل وهذا دفعهم إلى تقسيم العقائد إلى إلهيات ونبوات يستقل العقل بإثباتها وإلى سمعيات لا يستقل العقل بإثباتها ولا تدرك إلا بالسمع (7) .
    قال صاحب (نثر اللآلئ) : " قد صرح غير واحد من علماء الحنفية بأن العقل حجة من حجج الله تعالى ويجب الاستدلال به قبل ورود الشرع وعليه فيكون إرسال الرسل وإنزال الكتب تتمة للدين من بيان ما لا تهتدي العقول إليه من أنواع العبادات والحدود وأمر البعث والجزاء فإن ذلك مما يشكل مع العقل وحده لا لنفس معرفة الخالق فإنها تنال ببداية (أي ببداهة) العقول" (Cool .
    وهذا المنهج الذي تحاول به الماتريدية التوسط بين العقل والنقل قائم أساسا على فكرة باطلة وهي أن نصوص الوحي متعارضة مع أحكام العقل ، وهذا التعارض المزعوم إنما هو في الواقع مسلك الفلاسفة في الأصل الذين لا يثبتون النبوات ولا يرون أن إرسال الرسل وما جاءوا به حقائق ثابتة فمصدرهم في الاستدلال على إثبات الأمور هو العقل وما أثبته العقل فهو الثابت وما نفاه هو المنفي .
    فلما اعتمد المتكلمون من المعتزلة ومن نحا نحوهم كالماتريدية والأشاعرة هذا الأصل وقرروا أن العقل هو الميزان الصحيح وأن أحكامه يقينية أقحموا العقل في مجالات ليست من مجال بحثه فخرج العقل بأحكام باطلة وفاسدة وهي بزعمهم أنها يقينية ثم أرادوا أن يجمعوا بين هذه الأحكام ونصوص الوحي فتولد لديهم تعارض بين الأحكام العقلية التي توصلوا إليها وبين نصوص الوحي فأرادوا أن يتخلصوا من هذا التعارض فوضعوا قانونا يسمى بقانون التأويل الذي حاصله أنه يجب تقديم العقل على النقل وتأويل النقل حتى يتفق مع العقل أو تفويضه.
    وأصل شبهتهم في تقديمهم للعقل على النقل وجعله مصدر التلقي هو اعتقادهم أن السمع لا يعرف ولا يثبت إلا من طريق العقل .
    قال صاحب (المسامرة) : إن الشرع إنما يثبت بالعقل فإن ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ وإنما ثبتت هذه الدلالة بالعقل فلو أتى الشرع مما يكذب العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل معا ...." (9) .
    وقد أجاب عن هذه الشبهة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا تهافتها وعدم صحتها بقوله : " من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلا للسمع ودليلا على صحته فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
    وليس كل العلوم العقلية يعلم بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بل ذلك يعلم بما يعلم به أن الله تعالى أرسله مثل إثبات الصانع وتصديقه للرسول بالآيات وأمثال ذلك .
    وإذا كان كذلك لم تكن جميع المعقولات أصلا للنقل لا بمعنى توقف العلم بالسمع عليها ولا بمعنى الدلالة على صحته ولا بغير ذلك لا سيما عند كثير من متكلمة الإثبات أو أكثرهم ....الذين يقولون العلم بصدق الرسول عند ظهور المعجزات التي مجرى تصديق الرسول علم ضروري فحينئذ ما يتوقف العلم بصدق الرسول من العلم العقلي سهل يسير مع أن العلم بصدق الرسول له طرق كثيرة متنوعة...
    وحينئذ فإذا كان المعارض للسمع من المعقولات ما لا يتوقف العلم بصحة السمع عليه لم يكن يقدح فيه قدحا في أصل السمع وهذا بين واضح وليس القدح في بعض العقليات قدحا في جميعها كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحا في جميعها ولا يلزم من صحة بعض العقليات صحة جميعها كما لا يلزم من صحة السمعيات صحة جميعها .
    وحينئذ فلا يلزم من صحة المعقولات التي تبني عليها معرفتنا بالسمع صحة غيرها من المعقولات ولا من فساد هذه فساد تلك فضلا عن صحة العقليات المناقضة للسمع فكيف يقال إنه يلزم من صحة المعقولات التي هي ملازمة للسمع صحة المعقولات المناقضة للسمع ؟" (10) .
    ويقال لهم أيضا: "لو قدر تعارض الشرع والعقل لوجب تقديم الشرع لأن العقل قد صدق الشرع ومن ضرورة تصديقه له قبول خبره والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ولا العلم بصدق الشرع موقوف على كل ما يخبر العقل ومعلوم أن هذا المسلك إذا سلك أصح من مسلكهم كما قال بعض أهل الإيمان يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه .
    وقال آخر: العقل سلطان ولى الرسول ثم عزل نفسه . ولأن العقل دل على أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر ولأن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة ولأن العقل يغلط كما يغلط الحس وأكثر من غلطه بكثير فإذا كان حكم الحس أقوى من أقوى الأحكام ويعرض فيه من الغلط ما يعرض فما الظن بالعقل؟" (11) .
    قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله : " اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والعقول تبع ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم ولبطل معنى الأمر والنهي ولقال من شاء ما شاء ولو كان الدين بني على المعقول وجب أن لا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا أشياء حتى يعقلوا .
    ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله عز وجل وما تعبد الناس (باعتقاده) وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم ونقلوه عن سلفهم إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر عذاب القبر وسؤال الملكين والحوض والميزان والصراط وصفات النار وتخليد الفريقين فيهما أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها فإذا سمعنا شيئًا من أمور الدين وعقلناه وفهمناه فلله الحمد في ذلك والشكر ومنه التوفيق وما لم يمكنا إدراكه وفهمه ولم تبلغه عقولنا آمنا به وصدقنا واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته وقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [ الإسراء:85] وقال تعالى : وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [البقرة:255] " (12) .
    ثم قال رحمه الله : " وإنمَّا علينا أن نقبل ما عقلناه إيمانًا وتصديقًا وما لم نعقله قبلناه تسليمًا واستسلامًا وهذا معنى قول القائل من أهل السنة : إن الإسلام قنطرة لا تعبر إلا بالتسليم " (13) . (20)
    فمصدر تلقي العقيدة في هذه الأبواب هو العقل عندهم والنقل تابع له أما مباحث المعاد فجعلوها سمعية وكذا مباحث النبوات، ويعبرون عن السمعيات بالشرعيات أيضاً.
    وعرفوا الشرعيات بأنها أمور يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها، وأما العقليات فهي ما ليس كذلك (14) .
    فمصدر العقيدة عندهم في هذه الأبواب هو النقل، والعقل تابع له (15) .
    وقد جعل بعضهم مباحث النبوات من قبيل العقليات (16) .
    فأنت ترى أنهم جعلوا العقل حاكماً فيما يسمونه "العقليات" وجعلوا النقل عاطلاً؛ أما ما يسمونه "السمعيات" فقد جعلوا النقل حاكماً فيه والعقل عاطلاً مع أن من مذهب أهل السنة أنه لا منافاة بين العقل السليم الصريح والنقل الصحيح أصلاً (17) ، فالنقل هو الذي يعتمد عليه، والعقل معاضد للنقل ومعاون له... وليس أصلاً من أصول العقيدة يستقل فيه العقل أو يهدر فيه (18) .
    ولهذا احتج الله تعالى على منكري المعاد بحجج عقلية قطعية في مواضع من كتابه؛ فدل هذا على أن العقل لا يهدر حتى في أمر المعاد بل العقل الصحيح يدل على المعاد أيضاً.
    الحاصل: أن الماتريدية لما قسموا أصول الدين إلى "عقليات" و"سمعيات" بنوا على ذلك موقفهم الفاسد من النقل في باب ما يسمونه "العقليات" فأي نقل خالف عقولهم في "العقليات" إن كان من أخبار الآحاد ردوه، أو أوّلوه؛ وإن كان من المتواترات حرفوه بشتى التأويلات الفاسدة، وأما ما يتعلق بالمعاد فلا يؤولونه.
    يقول متكلم الماتريدية الهندية، الشيخ عبدالعزيز الفريهاري في صدد إثبات نعيم القبر وعذابه، وسؤال منكر ونكير:
    "ثابت كل من هذه الأمور بالدلائل السمعية أي المسموعة من الشارع، وهي الآيات والأحاديث، لأنها أمور ممكنة، غير مستحيلة أخبر بها الصادق، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقد تقرر أن الأمر الممكن الذي أخبر به الشارع يجب الإيمان به من غير تأويل، وأما الأمر المحال (يعني علو الله تعالى واستوائه ووجهه، ويديه وغيرها من الصفات) فالنص الوارد مؤول مصروف عن الظاهر؛ كالنصوص الموهمة لإثبات جسمية، أو جهة لله تعالى، نحو قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:
    فإنها مؤولة بالقدرة، وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فإن الاستواء مؤول بالعظمة التامة، والقدرة القاهرة"

    _________________
    تابعونا

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:23 pm



    من الأصول المنهجية لدى الماتريدية في تقرير العقيدة عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في باب العقائد فلا يحتجون إلا بالقرآن أو المتواتر من الأحاديث ولا يثبتون العقيدة بالقرآن أو الحديث إلا إذا كان النص قطعي الدلالة ومعنى قطعي الدلالة عندهم أنه لا يحتمل التأويل أي أنها مقبولة عقلًا خالية من التعارض مع العقل (1) .
    وقالوا بأن أحاديث الآحاد تفيد الظن ولا تفيد العلم اليقيني وذلك لعروض الشبهة في كونها خبر الرسول لعدم الأمن من وضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
    وقالوا يؤخذ بها في الأحكام الشرعية وذلك حيطة في الأمر وأخذًا بالحزم وأن المتواتر لا يوجد في كل حادثة فلو رد خبر الواحد تعطلت الأحكام (3) . وقد نص على عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد الماتريدي في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات) وذكر أن خبر الآحاد لا يوجب العلم لأنه لا يبلغ مرتبة الخبر المتواتر في إيجاب العلم والشهادة ولكنه يجب العمل به واستدل على وجوب العمل بخبر الواحد بأمر الله لمن يصلح للتفقه في الدين بالتخلف عن الجهاد لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم (4) .
    ونص على ذلك أيضا الناصري في (النور اللامع) حيث قال: "خبر الآحاد يوجب العمل ولا يوجب العلم ..." (5) .
    وقال في موضع آخر: " ولا تبنى العقائد على أخبار الآحاد لأنها لا توجب العلم يقينا ..." (6) .
    ونص على ذلك أيضا أبو البركات النسفي في المنار (7) وابن الهمام في التحرير (Cool وابن عبد الشكور في مسلم الثبوت (9) وملا على القاري في شرح نخبة الفكر (10) وغيرهم.
    والماتريدية في الحقيقة لا يحتجون بأحاديث الآحاد الصحيحة في الأحكام الشرعية العملية مطلقا بل حتى يكون الحديث مقبولا لديهم يجب أن يكون موافقا لقواعدهم وأصولهم التي قرروها وقد صرح به غير واحد منهم قال أبو زيد الدبوسي في (تأسيس النظر) : " الأصل عند أصحابنا أن خبر الآحاد متى ورد مخالفًا لنفس الأصول مثل ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أوجب الوضوء من مس الذكر لم يقبل أصحابنا هذا الخبر لأنه ورد مخالفا للأصول ..." (11) .
    وقال أبو الحسن الكرخي في رسالته في بيان أصول الحنفية والتي ذكر أمثلتها وشواهدها عمر النسفي صاحب (العقائد) : " الأصل أنه يفرق بين العلم إذا ثبت ظاهرًا وبينه إذا ثبت يقينًا".
    قال عمر النسفي معلقًا على هذا الأصل :" من مسائله أن ما علم يقينًا يجب العمل به واعتقاده وما ثبت ظاهرًا وجب العمل به ولم يجب اعتقاده" (12) .
    وقال أبو الحسن الكرخي : " إن كل خبر يجيء بخلاف قول أصحابنا فإنه يحمل على النسخ أو على أنه معارض بمثله ثم صار إلى دليل آخر أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يحمل على التوفيق وإنمَّا يفعل ذلك على حسب قيام الدليل فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه وإن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه ".
    ثم قال: " الأصل أن الحديث إذا ورد عن الصحابي مخالفًا لقول أصحابنا فإن كان لا يصح في الأصل كفينا مؤنة جوابه وإن كان صحيحا في مورده فقد سبق ذكر أقسامه إلا أن أحسن الوجوه وأبعدها عن الشبه أنه إذا ورد الحديث عن الصحابي في غير موضع الإجماع أن يحمل على التأويل أو المعارضة بينه وبين صحابي مثله" (13) .
    وقول الماتريدية ومن وافقهم بعدم حجية أحاديث الآحاد في العقائد قول لا أصل له بل هو مبتدع محدث فتقسيم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى متواتر وآحاد تقسيم لم يكن معروفا في عصر الصحابة والتابعين كما أن القول بأن خبر الواحد لا يفيد العلم قول ابتدعته القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأحاديث ورفضها لأنها حجة عليهم (14) فإن أشهر من عرف عنه اشتراط العدد في صحة الحديث هو إبراهيم بن إسماعيل بن علية (218 هـ) وهو كما قال الذهبي : " جهمي هالك كان يناظر في خلق القرآن " (15) .
    وقد نص الإمام الشافعي رحمه الله على إجماع المسلمين على حجية خبر الواحد في الرسالة حيث قال: " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي " (16) . وقال بعد أن نص على حجية خبر الواحد: " ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل" (17) .
    والقول بحجية خبر الواحد في العقائد والأحكام هو مذهب الإمام مالك رحمه الله كما ذكره عنه محمد بن أحمد المعروف بابن خويزمنداد (18) .وهو أيضا قول الإمام أحمد رحمه الله قال المروذي رحمه الله : "قلت لأبي عبد الله : ههنا اثنان يقولان إن الخبر يوجب عملًا ولا يوجب علمًا فعابه وقال لا أدري ما هذا..." (19) .
    ولا يعرف عن أبي حنيفة رحمه الله أنَّه قال بعدم إفادة خبر الواحد العلم أو أنَّه فرق في قبوله بين العقائد والأعمال بل الذي ورد عنه قبول الأحاديث بدون تفريق فقد روي عنه أنه قال :"إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نحد عنه إلى غيره وأخذنا به" (20) وهذا هو مذهب أصحاب أبي حنيفة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره (21) . وهو أيضًا مذهب السلف وجمهور المحدثين والأصوليين كما نص على هذا غير واحد من العلماء.
    وقول الماتريدية ومن شاكلهم بأن أحاديث الآحاد لا تفيد العلم لاحتمال الكذب والخطأ والشبهة في كونها خبر الرسول مرده إلى جهلهم بعلم الحديث وأهله فإنَّه كما يرجع في معرفة الفقه للفقهاء وفي معرفة اللغة لأهل اللغة وكذا في كل صنعة وفن فإنه ينبغي الرجوع في معرفة الحديث لأهل الحديث الذين أفنوا أعمارهم وأموالهم في حفظ الحديث وصيانته ودراسته وتدريسه.
    قال أبو الحسن العامري الفيلسوف: "وليس يشك أن أصحاب الحديث هم المعنيون بمعرفة التواريخ العائدة بالمنافع والمضار وهم العارفون لرجال السلف بأنسابهم وأماكنهم ومقادير أعمارهم ومن اختلف إليهم وأخذ العلم عنهم بل هم المتحققون لما يصح من الأحاديث الدينية وما يسقم ويقوى منها ويضعف بل هم المتجشمون للحل والترحال في أقاصي البلدان وأدانيها ليأخذوا عن الثقات سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هم المجتهدون أن يصيروا نقاد الآثار وجهابذة الأخبار فيعرفوا الموقوف منها والمرفوع والمسند والمرسل ... وأن يصونوا صناعتهم صيانة لو رام أحد أن يفتعل حديثًا مزورًا أو يغير إسنادًا أو يحرف متنًا أو يروج فيها ما روج في الأخبار الأدبية كالفتوح والسير والأسمار والوقائع للحقه من جماعتهم أعنف النكير.
    وإذا كان هذا سعيهم وعليه مدار أمرهم فمن الواجب أن نعتقد لهم فيما أكدوا من العناية أعظم الحق وأوفر الشكر وأتم الإحماد وأبلغ التقريظ " (22) .
    بل إن أهل الحديث، كما يقول ابن القيم "من أعظم الناس صدقًا وأمانةً وديانةً وأوفرهم عقولًا وأشدهم تحفظًا وتحريًا للصدق ومجانبة للكذب وإن أحدًا منهم لا يحابي في ذلك أباه ولا ابنه ولا شيخه ولا صديقه وأنَّهم حرروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريرًا لم يبلغه أحد سواهم لا من الناقلين عن الأنبياء ولا من غير الأنبياء وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال وأعظم، وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ، حتى انتهى الأمر إلى من أثنى الله عليهم أحسن الثناء وأخبر برضاه عنهم واختياره لهم واتخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة ومن تأمل ذلك أفاده علمًا ضروريًا بما ينقلونه عن نبيهم أعظم من كل علم ينقله كل طائفة عن صاحبه وهذا أمر وجداني عندهم لا يمكنهم جحده بل هو بمنزلة ما تحسونه من الألم واللذة والحب والبغض حتى أنهم يشهدون بذلك ويحلفون عليه ويباهلون من خالفهم عليه.
    وقول هؤلاء القادحين في أخباره وسنته يجوز أن يكون رواة هذه الأخبار كاذبين أو غالطين بمنزلة قول أعدائه يجوز أن يكون الذي جاء به شيطان كاذب وكل أحد يعلم أن أهل الحديث أصدق أهل الطوائف كما قال عبد الله بن المبارك: وجدت الدين لأهل الحديث، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة، والحيل لأهل الرأي...وإذا كان أهل الحديث عالمين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الأخبار وحدث بها في الأماكن والأوقات المتعددة وعلمهم بذلك ضروريا لم يكن قول من لا عناية له بالسنة والحديث أن هذه أخبار آحاد لا تفيد العلم مقبولا..." (23) .
    ومما يدل لحجية الآحاد مطلقًا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الفرقة الناجية قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)) (24) فلا بد من معرفة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لمن أراد أن يكون من الفرقة الناجية وهذا لا يمكن إلا من طريق معرفة الأحاديث والآثار وأهل الحديث هم فرسان هذا الميدان وأبطاله وقد أبى الله تعالى كما يقول أبو المظفر السمعاني " أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفا عن سلف وقرنا عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا طريق لمعرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا من هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث " (25) .
    ومما يدل أيضا على أن أحاديث الآحاد توجب العلم كما أنها توجب العمل عمل النبي صلى الله عليه وسلم حيث اقتصر بخبر الواحد في إيجاب العلم فقد كان يبعث الآحاد من الصحابة إلى الملوك والرؤساء والأقطار يدعونهم إلى الإسلام وهذا مما لا بد فيه من العلم بمعنى الاعتقاد الجازم الذي لا يبقى معه شك ولا شبهة (26) .
    وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الرسالة) جملة الأحاديث والآثار التي دلت على ذلك (27) ، فعلى هذا فإن القول بأن خبر الواحد لا يفيد العلم يفضي إلى الطعن في عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أيضا خرق إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام وموافقة للجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج (28) نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والعمل القبيح (34)
    أما أخبار الآحاد: وهو النوع الثاني من النصوص - فموقفهم منها مركب من مقدمات ثلاث:
    الأولى: أنها ظنية لا تفيد اليقين (29) .
    الثانية: أنها لا تثبت بها العقيدة (30) .
    قال التفتازاني فيلسوف الماتريدية، والفنجفيرية وغيرهم من الماتريدية واللفظ للأول: "إن خبر الواحد على تقدير اشتماله على جميع الشرائط المذكورة في أصول الفقه لا يفيد إلا الظن، ولا عبرة بالظن في باب الاعتقاديات..." (31) .
    وقال الملا علي القاري (1014هـ): "فإن الآحاد لا تفيد الاعتماد في الاعتقاد" (32) قلت: وارتكبت هذه الطامة الفنجفيرية أيضاً (33) .
    الثالثة: أنها إن وردت في مخالفة العقل، فإن كانت نصاً لا تحتمل التأويل ردت وإن كانت ظاهرة فظاهرها غير مراد. (35)
    ___________
    تابعونا

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:24 pm



    ذهبت الماتريدية كغيرها من الفرق الكلامية إلى القول بأن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث ، قال ابن الهمام : " المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث ..." (1) . وقد نص على هذا غير واحد من أئمتهم وعلمائهم وهو أصل منهجي يعتمدون عليه في تقرير العقيدة وأصول الفقه (2) .
    فهم يقسمون الألفاظ الدالة على معانيها إلى حقيقة ومجاز ويقصدون بالحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له وبالمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فالمجاز عندهم هو قسيم الحقيقة أي بمعنى الشيء المقابل للحقيقة والمجاز بهذا الاصطلاح كان له دور كبير في عقيدة الماتريدية ومن قبلها المعتزلة حيث اعتمدوا عليه في تأويلهم للنصوص والذي دفعهم لهذا هو اعتقادهم بأن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه لذلك نجدهم يستدلون على قولهم بالمجاز بقوله تعالى: اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [ البقرة:15] ونحوها من الآيات ويقولون بأن الاستهزاء حقيقة لا يتصور منه تعالى فهو مجاز عن الجزاء المشابه له .
    قال البياضي في (إشارات المرام) : " لما لم يكن حمل تلك النصوص على معانيها الحقيقية من الجوارح الجسمانية والتحيز والانفعالات النفسانية لمنع البراهين القطعية ولم يجز إبطال الأصل لعدم درك حقيقة الوصف بلا كيفية تحمل على المجاز من الصفات بلا كيفية ...." (3) .
    وقال أيضا : " وإنما قالوا بالمجاز نفيا لوهم التجسيم والتشبيه..." (4) .
    والقول بالمجاز على اصطلاحهم قول مبتدع محدث لا أصل له فأئمة اللغة المتقدمون كالخليل بن أحمد وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء لم يتكلموا فيه ولا يوجد فيما وصل إلينا من كتبهم وكلامهم أدنى إشارة إلى هذا الاصطلاح أو حتى إلى تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز .
    كما لا يوجد هذا التقسيم عند أئمة الفقهاء والأصوليين فالشافعي رحمه الله أول من تكلم في علم الأصول وقد وصل إلينا أهم كتبه في هذا العلم وهو (الرسالة) ولا يوجد في كتابه هذا أدنى إشارة إلى هذا التقسيم لا من قريب ولا من بعيد وكذلك الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الكبير لم يتكلم فيه بلفظ الحقيقة والمجاز كما أنه لم ينقل هذا التقسيم عن أي واحد من الأئمة كمالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وغيرهم (5) .
    وأما قول الإمام أحمد رحمه الله في كتابه (الرد على الجهمية): "أما قوله تعالى : إِنَّا مَعَكْمْ فهذا في مجاز اللغة ..." (6) . فإنه لم يقصد به المجاز الذي هو قسيم الحقيقة إنما قصد به أنه مما يجوز في اللغة والدليل على هذا قوله رحمه الله بعد كلامه هذا : " وأما قوله : قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [ طـه:46] فهو جائز في اللغة يقول الرجل الواحد للرجل سأجري عليك رزقك أو سأفعل بك خيرا" (7) . فمن يقول إن الإمام أحمد قال بالمجاز وبالتأويل بناء على ذلك فقد أخطأ ونسب إلى الإمام ما لم يقله والمطلع على مذهب الإمام أحمد وأصحابه المتقدمين يعرف خطأ من يقول بهذا (Cool .
    وما ذكره أبو عبيد في كتابه (مجاز القرآن) كذلك لم يقصد به المجاز الذي اصطلح عليه المتكلمون بل الذي قصده هو ما يجوز أن يعبر به عن الآية في اللغة فهو يستخدم المجاز بمعنى التفسير فهو يقول في قوله ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [ الأنعام:46] مجازه يعرضون وهكذا فكتابه إذا ما هو إلا تفسير لغريب القرآن.
    وعلى هذا فمن قال بأن الأئمة أو أهل اللغة المتقدمين قد نصوا على أن اللفظ ينقسم إلى حقيقة ومجاز قد افترى عليهم وتكلم بغير علم .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "من قال من الأصوليين ...إنه يعرف الحقيقة من المجاز بطرق منها نص أهل اللغة على ذلك بأن يقولوا هذا حقيقة وهذا مجاز فقد تكلم بلا علم فإنه ظن أن أهل اللغة قالوا هذا ولم يقل ذلك أحد من أهل اللغة ولا من سلف الأمة وعلمائها ..." (9) .
    فالقول بالمجاز الذي هو قسيم الحقيقة قول محدث وقد حدث بعد القرون المفضلة وكان منشؤه من جهة المعتزلة كما نص على هذا شيخ الإسلام وتلميذه الإمام ابن القيم قال شيخ الإسلام بعد كلامه السابق: "وإنما هذا اصطلاح حادث والغالب أنه كان من جهة المعتزلة ونحوهم من المتكلمين ..." (10) .
    وقال ابن القيم : " وإذا علم أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ليس تقسيما شرعيا ولا عقليا ولا لغويا فهو اصطلاح محض وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص وكان منشؤه من جهة المعتزلة والجهمية ومن سلك طريقهم من المتكلمين...." (11) .
    ولعل أول من عرف عنه القول بالمجاز هو الجاحظ كما يشير إلى ذلك الشريف الرضى في كتابه (تلخيص البيان في مجازات القرآن) (12) كما نجد الجاحظ يستخدم المجاز بمعنى الشيء المقابل للحقيقة في عدة مواضع من كتابه (الحيوان) بل إن ابن جني يرى أن أكثر اللغة مجاز وهذا في غاية الفساد ومما يبين عدم صحة القول بالمجاز أصل وضع اللغة فالعرب كما يقول الإمام الشاطبي: " إنما عنايتها بالمعاني وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد والمعنى هو المقصود ولا أيضا كل المعاني فإن المعنى الإفرادي قد لا يعبأ به إذا كان المعنى التركيبي مفهوما دونه ... ولهذا أصل في الشريعة صحيح نبه عليه قوله تعالى : لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] إلى آخر الآية فلو كان فهم اللفظ الإفرادي يتوقف عليه فهم التركيبي لم يكن تكلفا بل هو مضطر إليه ...
    فإذا كان الأمر هكذا فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب لأنه المقصود والمراد وعليه يبنى الخطاب ابتداء " (13) .
    والقول بالمجاز يصح كما يقول شيخ الإسلام " لو علم أن الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان ثم بعد ذلك استعملت فيها فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال وهذا إنما يصح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية فيدعي أن قوما من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا وهذا بكذا ويجعل هذا عاما في جميع اللغات وهذا القول لا نعرف أحدا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي ...
    والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني ... فالمولود إذا ظهر منه التمييز سمع أبويه أو من يربيه ينطق باللفظ ويشير إلى المعنى أي أراد المتكلم به ذلك المعنى ثم هذا يسمع لفظا بعد لفظ حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم ..." (14) .
    ومما يدل على فساد القول بالمجاز قول القائلين به " أن كل مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقا في نفس الأمر فتقول لمن قال رأيت أسدا يرمي ليس هو بأسد وإنما هو رجل شجاع فيلزم على القول بأن في القرآن مجازا أن في القرآن ما يجوز نفيه.
    ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهدت في الخارج صحته وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم.
    وعن طريق القول بالمجاز توصل المعطلون لنفي ذلك فقالوا لا يد ولا استواء ولا نزول ونحو ذلك في كثير من آيات الصفات لأن هذه الصفات لم ترد حقائقها بل هي عندهم مجازات فاليد مستعملة عندهم في النعمة أو القدرة والاستواء في الاستيلاء والنزول نزول أمره ونحو ذلك فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول بالمجاز" (15) .
    وأما زعمهم أن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه فلا ريب في بطلانه إذ إنه من المعلوم لكل مسلم أن " كل ما أخبر به الله يستحيل أن يلزم عليه باطل ... ولا يخفى على أحد أن الذي يقول إن الاستواء على العرش يلزمه مشابهة الحوادث أن إلزامه هذا اعتراض صريح على من أخبر بالاستواء وهو الله عز وجل .
    فليعلم مدعي لزوم الباطل لظاهر آيات الصفات أن اعتراضه على ربه ومن ظن أن ظواهر آيات الصفات دالة على اتصافه تعالى بصفات تشبه صفات الخلق فهو جاهل مفتر بل ظاهرها اتصافه بتلك الصفات المنزهة عن مشابهة صفات الحوادث.
    ومن أوضح الأدلة على أن آيات الصفات لم يرد بها شيء من المعاني التي يحملها عليه المتأولون أنها لو كان يراد بها ذلك لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانه لأنه لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه كما تقرر في الأصول ولا سيما في العقائد" (16) .
    ورحم الله الإمام ابن حزم إذ يقول : " كيف يظن به عليه السلام أن يخبر عن ربه خبرا يكلفنا فهمه وهو بخلاف ما يفهم ويعقل ويشاهد ويحس ما ينسب هذا إليه صلى الله عليه وسلم إلا ملحد في الدين كائد" (17) .
    فالقول بالمجاز على اصطلاح هؤلاء في القرآن أو الحديث أو اللغة قول مبتدع محدث لا أصل له لا في اللغة ولا في الشرع والقوم قالوا به ليتخذوه مطية لتعطيل النصوص عما دلت عليه من المعاني .
    والذين يقولون من أهل السنة بجواز وقوع المجاز في القرآن أو الحديث أو اللغة من الأصوليين واللغويين وغيرهم لم يدركوا حقيقة المسألة وأصل نشأتها وبعدها العقدي وهم في قولهم هذا مخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة موافقون لمنهج المتكلمة من المعتزلة وغيرهم .

    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:25 pm



    ذهبت الماتريدية إلى أن معرفة الله تجب بالعقل قبل ورود السمع وأن الإنسان يتحمل مسؤولية هذه المعرفة قبل بعثة الأنبياء والرسل ولا يكون معذورا بتركها بل يعاقب على تركه لها وقد صرح بذلك غير واحد من علمائهم صرح به الماتريدي في تفسيره لقوله تعالى لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] حيث ذكر أن حقيقة الحجة إنما هي في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها الرسل أما معرفة الله فإن سبيل لزومها العقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة (1) .
    وذكر غير واحد من الماتريدية أن الماتريدي أوجب معرفة الله تعالى بالعقل على الصبي العاقل (2) .
    وقال أبو المعين النسفي: " من لم يبلغه الوحي وهو عاقل ولم يعرف ربه هل يكون معذورا أم لا ؟
    عندنا لا يكون معذورا ويجب عليه أن يستدل بأن للعالم صانعا ..." (3) .
    وقال الأوشي في منظومته :
    وما عذر لذي عقل بجهل بخلاق الأسافل والأعالي (4)

    وقال صاحب (نظم الفرائد): "ذهب جمهور مشايخ الحنفية إلى أنه تعالى لو لم يبعث إلى الناس رسولا لوجب عليهم بعقولهم معرفة وجوده تعالى ووحدته واتصافه بما يليق ...." (5) .
    والحق والصواب في هذه المسألة أن وجوب معرفة الله تعالى ثابت بالعقل والسمع " والقرآن على هذا يدل فإنه يذكر الأدلة والبراهين العقلية على التوحيد ويبين حسنه وقبح الشرك عقلا وفطرة ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك ولهذا ضرب الله سبحانه الأمثال وهي الأدلة العقلية وخاطب العباد بذلك خطاب من استقر في عقولهم وفطرهم حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك وذمه والقرآن مملوء بالبراهين العقلية الدالة على ذلك كقوله : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر:29] وقوله : ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [ النحل:75] وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ الحـج:73-74] إلى أضعاف ذلك من براهين التوحيد العقلية التي أرشد إليها القرآن ونبه عليها.
    ولكن ههنا أمر آخر وهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع كما دل عليه قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [ الإسراء:15] وقوله: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ [ الملك:8-9] وقوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] وهذا في القرآن كثير يخبر أن الحجة إنما قامت عليهم بكتابه ورسوله كما نبههم بما في عقولهم وفطرهم من حسن التوحيد والشكر وقبح الشرك والكفر" (6) .
    فمعرفة الله تعالى إذا واجبة بالعقل والسمع " فالعقل يوجبه بمعنى اقتضائه لفعله وذمه على تركه وتقبيحه لضده والسمع يوجبه بهذا المعنى ويزيد إثبات العقاب على تركه والإخبار عن مقت الرب تعالى لتاركه وبغضه له" (7) .
    فثبوت الحجة إذا وترتب العقاب على ذلك لا يكون إلا بعد ورود السمع وهذا هو الذي قد دل عليه الكتاب والعقل الصحيح، كما تقدم بيانه.
    فظهر بهذا أن قول الماتريدية وهو قول المعتزلة من قبل أن معرفة الله واجبة بالعقل قبل ورود السمع وأن العبد يعاقب على تركها قول باطل ظاهر البطلان لمعارضته نص الكتاب وصريح العقل.
    وحقيقة قول الماتريدية هذا أن إرسال الرسل وعدم إرسالهم سواء. وهذا قول تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا [ مريم:90] ولا يقول له من في قلبه ذرة إيمان فكيف ترضى الماتريدية بذلك. (Cool


    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:26 pm



    ومن القواعد والأسس المنهجية التي يقوم عليها منهج الماتريدية في تقرير العقيدة القول بالتحسين والتقبيح العقليين فقد ذهبت الماتريدية إلى أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها فقد ذهبت الماتريديةإلى أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها كما قالت المعتزلة من قبل إلا أنهم خالفوهم في المسائل المبنية على القول بالتحسين والتقبيح العقليين كالقول بوجوب الصلاح والأصلح ونحو ذلك .
    واختلفت الماتريدية فيما بينها في الجزم بحكم الله في الفعل بمجرد إدراك العقل للحسن والقبح فيه فجمهور الماتريدية وعلى رأسهم الماتريدي يذهبون إلى أن حكم الله يجزم به في بعض الأفعال دون بعض قبل ورود السمع كالإلهيات والنبوات وأما السمعيات والشرائع فلا تدرك إلا بالسمع .
    وأما أئمة بخارى فذهبوا إلى أن العقل لا يقضي بما أدركه من حسن الفعل وقبحه بحكم الله تعالى فيه إلا بعد ورود الشرع.
    قال ابن الهمام: " قالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح للفعل على الوجه الذي قالته المعتزلة ثم اتفقوا على نفي ما بنته المعتزلة على إثبات الحسن والقبح للفعل من القول بوجوب الأصلح ... ووجوب الرزق والثواب على الطاعة والعوض في إيلام الأطفال والبهائم ...
    واختلفوا هل يعلم باعتبار العلم بثبوتهما في فعل حكم الله في ذلك الفعل تكليفا، فقال الأستاذ أبو منصور وعامة مشايخ سمرقند نعم وجوب الإيمان بالله وتعظيمه وحرمة نسبة ما هو شنيع إليه وتصديق النبي عليه السلام وهو معنى شكر المنعم...
    وقال أئمة بخارى منهم لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة ...إذ لا يمتنع أن لا يأمر الباري بالإيمان ولا يثيب عليه وإن كان حسنا ولا ينهى سبحانه عن الكفر ولا يعاقب عليه وإن كان قبيحا والحاصل أن لا يمتنع عدم التكليف عقلا إذ لا يحتاج سبحانه إلى الطاعة ...ولا يتضرر بالمعصية..." (1) .
    وقول الماتريدية بالتحسين والتقبيح العقليين راجع إلى أن العقل عندهم هو أصل المعرفة فلذلك كان أصلا للسمع وكان مقدما عليه عند التعارض فيتفقون في هذا مع المعتزلة ويقابلهم الأشاعرة فإنهم ينفون الحسن والقبح العقليين ويجعلون حسن الأشياء وقبحها راجعا إلى الشرع لا إلى صفات قائمة بالأعيان والأفعال فهذان المذهبان على طرفي نقيض والحق وسط بينهما . (4)
    وخلاصة القول أن الماتريدية يوافقون المعتزلة في إثبات الحسن والقبح الذاتيين للأفعال وأن العقل يدرك الحسن والقبح في بعض الأفعال فيدرك القبح المناسب لترتب حكم الله تعالى بالمنع من الفعل على وجه ينتهض معه الإتيان بذلك الفعل سببا للعقاب ويدرك الحسن المناسب لترتب حكمه تعالى فيه بالإيجاب والثواب على فعله والعقاب على تركه.
    إلا أن أئمة بخارى- وإن أثبتوا الحسن والقبح العقليين- متفقون مع الأشاعرة في أنه لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة.
    كما أن جميع الماتريدية يخالفون المعتزلة في وجوب الصلاح واللطف وغيرها من الأمور التي أوجبها المعتزلة على الله تفريعا على قولهم بالحسن والقبح العقليين. (5)
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الناس في مسألة التحسين والتقبيح على ثلاثة أقوال طرفان ووسط :
    الطرف الأول: قول من يقول بالحسن والقبح ويجعل ذلك صفات ذاتية للفعل لازمة له ولا يجعل الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات لا سببا لشيء من الصفات فهذا قول المعتزلة وهو ضعيف .
    وأما الطرف الآخر في مسألة التحسين والتقبيح فهو قول من يقول إن الأفعال لم تشتمل على صفات هي أحكام ولا على صفات هي علل للأحكام بل القادر أمر بأحد المتماثلين دون الآخر لمحض لا لحكمة ولا لرعاية مصلحة في الخلق والأمر ...
    وهذا القول ولوازمه هو أيضا قول ضعيف مخالف للكتاب والسنة ولإجماع السلف والفقهاء مع مخالفته أيضا للمعقول الصريح" ثم قال: "وقد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع:
    أحدها: أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم والظلم يشتمل على فسادهم فهذا النوع هو حسن وقبيح وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبا في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح فإنهم قالوا إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسولا وهذا خلاف النص قال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] والنصوص الدالة على أن الله لا يعذب إلا الرسالة كثيرة ترد على من قال من أهل التحسين والتقبيح أن الخلق يعذبون في الأرض بدون رسول أرسل إليهم.
    النوع الثاني: أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسنا وإذا نهى عن شيء صار قبيحا واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.
    النوع الثالث: أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن العبد هل يطيعه أم يعصيه ولا يكون المراد فعل المأمور به كما أمر إبراهيم بذبح ابنه فلما أسلما وتله للجبين حصل المقصود ففداه بالذبح وكذلك حديث أبرص وأقرع وأعمى لما بعث إليهم من سألهم الصدقة فلما أجاب الأعمى "قال الملك: أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم فرضي عنك وسخط على صاحبيك" (2) .
    فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان وأن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة وهو الصواب " (3) .
    فإطلاق القول في مسألة التحسين والتقبيح بأنهما عقليان أو شرعيان غير صحيح والحق والصواب في المسألة هو التفصيل كما بينه ووضحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه المتقدم. (6)


    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:28 pm

    ذهب جمهور المحققين من الماتريدية - وعلى رأسهم الماتريدي- إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط وذهب بعضهم إلى أنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان (1) .
    وغاية ما استدلوا به على صحة قولهم هو :
    1- أن الإيمان في اللغة هو التصديق وهو باق على معناه اللغوي لم ينقل إلى غيره واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [ يوسف:17]
    2- أن الكفر ضد الإيمان والكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان بالقلب فكذا ما يضادهما.
    3- أن الله قد فرق بين الإيمان والأعمال وذلك بما ورد في كثير من الآيات من عطف الأعمال على الإيمان والعطف يقتضي المغايرة .
    4- أن الله خاطب المؤمنين بالإيمان قبل فرض الأعمال فدل ذلك على عدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
    قال أبو المعين النسفي : " الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق فكل من صدق غيره فيما يخبره يسمى في اللغة مؤمنا به ومؤمنا له قال الله تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ" أي بمصدق لنا ثم إن اللغوي وهو التصديق بالقلب هو حقيقة الإيمان الواجب على العبد حقا لله تعالى وهو أن يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الله تعالى فمن أتى بهذا التصديق فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى ...فمن جعله لغير التصديق فقد صرف الاسم عن المفهوم في اللغة إلى غير المفهوم وفي تجويز ذلك إبطال اللسان وتعطيل اللغة ورفع طريق الوصول إلى اللوازم الشرعية والدلائل السمعية يحققه أن ضد الإيمان هو الكفر والكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان بالقلب فكذا ما يضادهما إذ لا تضاد يتحقق عند تغاير المحلين والذي يدل عليه أن الله تعالى فرق بين الإيمان وبين كل عبادة بالاسم المعطوف عليه ما فرق بين العبادات بالأسماء المعطوفة المفعولة لها على ما قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ [ التوبة:18]
    فقد عطف إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على الإيمان ولا شك في ثبوت المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يحققه أن الله تعالى خاطب باسم الإيمان ثم أوجب الأعمال على العباد على ما قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] وهذا دليل التغاير وقصر اسم الإيمان على التصديق .
    وبالوقوف على هذا يثبت بطلان قول من جعل الأعمال إيمانا وهو قول فقهاء الحديث وأكثر متكلميهم" (2) .
    والجواب عما ذكروه هو كما يلي:
    أولا قولهم: إن الإيمان في اللغة هو التصديق وهو باق على معناه لم ينقل إلى غيره ...
    والجواب عن ذلك من وجوه:
    1- يقال لهم: "مما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم ولهذا قال الفقهاء الأسماء ثلاثة أنواع : نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة والزكاة ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض ولفظ المعروف في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [ النساء:19] ونحو ذلك...
    فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك قد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله وكذلك لفظ الخمر وغيرها... فلو أراد أحد أن يفسرها بغير ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه...." (3) .
    ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد باسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر " بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شاف كاف بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من مقام الإيمان" (4) .
    2- القول بالترادف بين الإيمان والتصديق غير صحيح بدليل " أنه يقال للمخبر إذا صدق صدقه ولا يقال آمنه ولا آمن به بل يقال آمن له كما قال تعالى فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26] "وقال" فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ [ يونس:83] ففرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام فالأول يقال للمخبر به والثاني للمخبر ولا يرد كونه يجوز أن يقال ما أنت بمصدق لنا لأن دخول اللام لتقوية العامل كما إذا تقدم المعمول أو كان العامل اسم فاعل أو مصدرا على ما عرف في موضعه"
    كما أن " الفرق بينهما ثابت في المعنى فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة صدقت كما يقال له كذبت فمن قال السماء فوقنا قيل له صدقت وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب فيقال لمن قال طلعت الشمس صدقناه ولا يقال آمنا له فإن أصل معنى الأمن والائتمان إنما يكون في الخبر عن الغائب فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر" (5) .
    3- وعلى فرض صحة القول بالترادف بين الإيمان والتصديق فإن القول بأن التصديق لا يكون إلا بالقلب أو بالقلب واللسان عنه جوابان:
    " أحدهما المنع بل الأفعال تسمى تصديقا كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((العينان تزنيان وزناهما النظر والأذن تزني وزناها الاستماع واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والقلب يتمنى ذلك ويشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (6) وكذلك قال أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف. قال الجوهري : والصديق مثال الفسيق الدائم التصديق ويكون الذي يصدق قوله بالعمل. وقال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال... .
    الثاني: أنه إذا كان أصله التصديق فهو تصديق مخصوص كما أن الصلاة دعاء مخصوص والحج قصد مخصوص والصيام إمساك مخصوص وهذا التصديق له لوازم صارت لوازمه داخلة في مسماه عند الإطلاق فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم ويبقى النزاع لفظيا هل الإيمان دال على العمل بالتضمن أو اللزوم " (7) .
    ثانيا قولهم إن الكفر ضد الإيمان والكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان بالقلب فكذا ما يضادهما .
    يقال لهم: " إن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب كلفظ التصديق فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال صدقت أو كذبت ويقال صدقناه أو كذبناه ولا يقال لكل مخبر آمنا له أو كذبنا له ولا يقال أنت مؤمن له أو مكذب له بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر يقال هو مؤمن أو كافر والكفر لا يختص بالتكذيب بل لو قال أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك لكان كفره أعظم فلو كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعا بلا تكذيب فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة وموالاة وانقياد لا يكفي مجرد التصديق ....فيجب أن يكون كل مؤمن مسلما منقادا للأمر وهذا هو العمل " (Cool .
    ثالثا: استدلالهم بالآيات الوارد فيها عطف العمل على الإيمان وقولهم إن العطف يقتضي المغايرة.
    يقال لهم: إن الإيمان يرد في النصوص مطلق عن العمل ويرد مقرونا بالعمل فأما إذا ورد مطلقا فإنه يكون مستلزما للأعمال إذ لا يمكن تصور وجود إيمان القلب مع انتفاء جميع الأعمال وذلك كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15] وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )) وقوله صلى الله عليه وسلم Sad( من غشنا فليس منا)).
    وأما إذا عطف العمل على الإيمان فإن العطف هنا لا يقتضي المغايرة بل هو من باب عطف الخاص على العام أو الجزء على الكل وذلك كقولة تعالى حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [ البقرة:238] وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [ البقرة:98]. ومن هذا الباب قوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ونحوها من الآيات والله تعالى عطف العمل على الإيمان حتى لا يظن أحد أنه يكتفى بإيمان القلب فقط بل لابد معه من العمل الصالح (9) .
    رابعا: قولهم بأن الله خاطب المؤمنين بالإيمان قبل فرض العمل فدل ذلك على عدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
    فيقال لهم :" إن قلتم إنهم خوطبوا به قبل أن تجب تلك الأعمال فقبل وجوبها لم تكن من الإيمان وكانوا مؤمنين الإيمان الواجب عليهم قبل أن يفرض عليهم ما خوطبوا بفرضه فلما نزل إن لم يقروا بوجوبه لم يكونوا مؤمنين ولهذا قال تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [ آل عمران:97] ولهذا لم يجئ ذكر الحج في أكثر الأحاديث التي فيها ذكر الإسلام والإيمان ...وذلك لأن الحج آخر ما فرض من الخمس فكان قبل فرضه لا يدخل في الإيمان والإسلام فلما فرض أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان إذا أفرد وأدخله في الإسلام إذا قرن بالإيمان وإذا أفرد" (10) .
    وبهذا يتبين لنا تهافت قولهم وتساقط استدلالاتهم وأن ما ذهبوا إليه خلاف الحق والصواب.


    تابعونا
    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:29 pm



    زيادة الإيمان ونقصانه

    هذه المسألة مبنية على التي قبلها فإن الماتريدية لما قالت بأن الإيمان هو التصديق وأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان قالوا بعدم زيادة الإيمان ونقصانه وبنوا ذلك على أن التصديق لا يتصور فيه الزيادة والنقص .
    قال الحكيم السمرقندي : "وينبغي أن يعلم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص لأن من يرى الزيادة والنقصان في الإيمان فهو مبتدع والزيادة والنقصان إنما تكون في الأفعال لا في الإيمان ... ولم يقل أحد من العلماء والصالحين إن الإيمان يزيد وينقص" (1) .
    وقال أبو المعين النسفي: " وإذا ثبت أن الإيمان هو التصديق وهو لا يتزايد في نفسه دل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فلا زيادة له بانضمام الطاعات إليه ولا نقصان له بارتكاب المعاصي إذ التصديق في الحالين على ما كان قبلهما " (2) . وإذا تبين لنا مما تقدم بطلان قول الماتريدية في حقيقة الإيمان فإنه تلقائيا يسقط قولهم بنفي زيادة الإيمان ونقصانه وإضافة لهذا فإن زيادة الإيمان ونقصانه ثابتة بنص الكتاب والسنة والإجماع....... وأما احتجاجهم على نفي زيادة الإيمان ونقصانه بأن التصديق القلبي لا يقبل الزيادة ولا النقصان فهو باطل نقلا وعقلا فقد دل النقل على أن الإيمان القلبي يتفاوت كما في حديث الخروج من النار... كما لا يشك عاقل في أن المؤمنين يتفاوتون في التقوى تفاوتا عظيما وأعظم أسباب ذلك تفاوتهم في التصديق القلبي .
    قال الإمام النووي رحمه الله: فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ويتزلزل إيمانهم بعارض بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك فهذا مما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس ولهذا قال البخاري في (صحيحه) قال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم من أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل. والله أعلم (3) .
    وقد صرح الإيجي في (المواقف) بأن التصديق يقبل الزيادة والنقصان فقال: "والحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بوجهين:
    الأول: القوة والضعف. قولكم: الواجب اليقين والتفاوت لاحتمال النقيض. قلنا لا نسلم أن التفاوت لذلك ثم ذلك يقتضي أن يكون إيمان النبي وآحاد الأمة سواء وأنه باطل إجماعا..
    الثاني التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالإجمال والنصوص دالة على قبوله لهما" (4) .
    فلا ريب أن القول الحق في المسألة هو أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي كما هو مذهب سلف الأمة (5)



    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:31 pm



    مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية

    الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان ولا يصح الإيمان إلا به قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [ القمر:49] وقال تعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [ الأحزاب:38] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمر رضي الله عنه عندما سأله جبريل عن الإيمان : ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) (1) .
    والإيمان بالقدر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق فأول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه جفت الأقلام وطويت الصحف كما قال سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [ الحـج:70]
    وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ولا يكون في ملكه إلا ما يريد وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال سبحانه: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [ التكوير:28-29] " (2) .
    فالإيمان بالقدر إذا يشتمل على أربع مراتب لا يكون العبد مؤمنا بالقدر حتى يؤمن بها وهي:
    1- علم الله القديم وأنه قد علم أعمال العباد قبل أن يعملوها.
    2- كتابة ذلك في اللوح المحفوظ.
    3- مشيئة الله العامة وقدرته الشاملة.
    4- إيجاد الله لكل المخلوقات وأنه الخالق وما سواه مخلوق.
    وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو القول الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان (3) .
    والماتريدية تثبت هذه المراتب: العلم والكتابة وعموم المشيئة والخلق وما وقع منهم من انحراف في القضاء والقدر إنما هو فيما يتعلق بأفعال العباد كما سيأتي بيانه وفي الحقيقة أن هذه المراتب الأربع ليست بواضحة في كلام الماتريدية كوضوحها في كلام أهل السنة فهم عندما يعرفون القضاء والقدر ينصون على العلم والخلق أما المشيئة فيذكرونها في بحثهم لمسألة الإرادة وأما الكتابة فقل أن يذكروها .
    وفيما يلي بعض النقول عنهم توضح ما ذكر :
    قال الماتريدي: " القضاء في حقيقته الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به وأحق أن يقطع عليه فرجع مرة إلى خلق الأشياء لأنه تحقيق كونها على ما هي عليه وعلى الأولى بكل شيء أن يكون على ما خلق إذ الذي خلق الخلق هو الحكيم العليم والحكمة هي إصابة الحقيقة لكل شيء ووضعه موضعه قال الله تعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [ فصلت:12] وعلى ذلك يجوز وصف أفعال الخلق أن قضى بهن أي خلقهن وحكم...".
    ثم قال: " وأما القدر فهو على وجهين: أحدهما الحد الذي عليه يخرج الشيء وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر من حسن أو قبح وعلى مثل هذا قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [ القمر:49] والثاني بيان ما عليه يقع كل شيء من زمان ومكان وحق وباطل وما له من الثواب والعقاب ...." (4) .
    وقال أيضا: " الحمد لله .... الذي فطر الخلق بقدرته وصرفهم بحكمته على سابق علم ومشيئة ...أنشأ الأشياء كيف شاء لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [ الأنبياء:23] " (5)
    وذكر أبو المعين النسفي في تعريف القضاء والقدر كلاما نحو كلام الماتريدي (6) . وأما بالنسبة للمشيئة فقال: " وإذا ثبت أن الله تعالى هو الذي يتولى تخليق أفعال العباد خيرها وشرها طاعتها ومعصيتها والله تعالى مختار في تخليق ما يخلق غير مضطر فيه ولا اختيار بدون الإرادة ثبت أن ما وجد من أفعال العباد كلها بإرادة الله تعالى وما لم يوجد منها لم يكن بإرادة الله تعالى إذ لم يخلقه ثم حاصل المذهب أن كل حادث حدث بإرادة الله تعالى على أي وصف كان...." (7) .
    وقال الناصري: ".... إنما أوجبوا الاعتقاد بسبق علم الله تعالى بكل كائن من خلقه قبل كونهم لأنه تعالى هو القديم الكامل وما سواه محدث وثبوت العلم من صفات الكمال فيستحيل عليه الجهل لما فيه من التعري عن الكمال وإنما قرنوا التخليق بالعلم لأن العلم بالمخلوق من شرط التخليق ..." (Cool .
    وقال أيضا : " وأما قولهم : وكل شيء يجري بقدرته ومشيئته . فإنما قالوا ذلك لما قامت عليه الأدلة القاطعة على أن كل حادث حدث فهو بإرادة الله تعالى وتخليقه وتكوينه خيرا كان أو شرا حسنا كان أو قبيحا جوهرا كان أو عرضا وهو مذهب أهل السنة والجماعة ( يعني الماتريدية)" (9) .
    وقال مبينا إثبات الكتابة : " .... وقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ جميع ما يكون وجميع ما تفعل العباد قبل خلقهم ..." (10) .
    وقال صاحب (مميزات مذهب الماتريدية) مشيرا إلى ثبوت مراتب القضاء والقدر عندهم : " ... وكون أفعال العباد بعلم الله تعالى وإرادته وتقديره وكتبه في اللوح لا يستلزم كون صدورها من العباد بالجبر ..." (11) .
    فالماتريدية إذ تثبت مراتب القضاء والقدر الأربع العلم والكتابة والمشيئة والخلق فلذا يعدون من مثبتة القدر. (12)


    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:32 pm


    مذهب الماتريدية في أفعال العباد

    قالت الماتريدية: إن أفعال العباد مخلوقة لله كما تقدم الإشارة إلى ذلك وأن الله تعالى خلقها كلها خيرا كانت أو شرا واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة نقلية وعقلية .
    قال الماتريدي: " ثم الدليل عندنا من طريق القرآن على لزوم القول بخلق الأفعال قوله : وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فلو لم يكن جل ثناؤه خالقا لما يجهر ويخفى لم يكن ليحتج به على علمه ....وأيضا أن الله تعالى قال: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [ يونس:22] وقال في موضع آخر وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [ سبأ:18] أخبر أن تقدير السير والتسير فعله وبه كان السير..." (1)
    وقال: " وأيضا القول بالمتعارف في الخلق أن لا خالق غير الله ولا رب سواه ولو جعلنا حدث الأفعال وخروجها من العدم إلى الوجود ثم فناءها بعد الوجود ثم خروجها على تقدير من أربابها لجعلنا لها وصف الخلق الذي به صار الخلق خلقا وفي ذلك لزوم القول بخالق سواه..." (2) .
    وقال البزدوي: " قال أهل السنة والجماعة: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ومفعولة والله تعالى موجدها ومحدثها ومنشؤها... وجه قول أهل السنة والجماعة قول الله تعالى: اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [ الرعد:16] والفعل شيء فيكون الله تعالى خالقه وقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ الصافات:96] أي الذي تعملون فجعل أفعالنا مخلوقاته كأنفسنا...والدليل المعقول في المسألة أن أفعال العبد لا يستحيل دخولها تحت قدرة الله تعالى فإنها تدخل تحت قدرة الله تعالى كما في المعلومات كلها فيما يدخل تحت علم العباد لا يستحيل دخوله تحت علم الله تعالى فإذا لم يستحل دخولها تحت قدرة الله تعالى فالله تعالى غير متناهي القدرة فيدخل تحت قدرته... وإذا دخل تحت قدرة الله تعالى يكون الله موجده كما في الأجسام" (3) .
    وقال أبو المعين النسفي: " وقال أهل الحق : للخلق أفعال بها صاروا عصاة ومطيعين وهي مخلوقة لله تعالى ... وأهل الحق يتعلقون بقوله تعالى: اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [ الرعد:16] والآية خارجة مخرج التمدح ولا تمدح بما يساويه فيه غيره وفي إخراج فعل غيره عن تخليقه إزالة التمدح لأنه يصير في التقدير كأنه قال: خالق كل شيء وهو فعله أو خالق كل شيء ليس بفعل لغيره..... وهذا باطل.... وبقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] أي: وعملكم ... والمعقول لنا أن إثبات قدرة التخليق للعبد محال لأن من شرط قدرة التخليق ثبوت العلم للخالق بالمخلوق قبل الوجود بدليل قوله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [ الملك:14] وكذا بداهه العقول واعتراف الخصوم باشتراط العلم يدلان على هذا ثم الخلق لا علم لهم بكيفية الاختراع والإخراج من العدم إلى الوجود... فدل أن الفعل وجد بإيجاد الله تعالى" (4) .
    وقول الماتريدية بأن الله تعالى خالق أفعال العباد خيرها وشرها هو القول الحق الذي دل عليه السمع والعقل وهو قول أهل السنة والجماعة وسلف الأمة لكن بالنسبة لعلاقة العباد بأفعالهم فقد حاولت الماتريدية التوسط بين قول المعتزلة وقول الجبرية فقالوا أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي كسب من العباد .
    قال الماتريدي "إن حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ولله من طريق الخلق" (5) .
    وقال أبو المعين النسفي : " وعندنا فعل العبد هو مخلوق الله تعالى ومفعوله والله تعالى هو الذي يتولى إيجاده وإخراجه من العدم إلى الوجود والعبد اكتسبه وباشره ...." (6) .
    وقال الناصري: " وأما قولهم : وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد . ومعنى قولهم : خلق الله تعالى أي مخلوقة لله تعالى وهي كسب من العباد " (7) .
    وقال صاحب (مميزات مذهب الماتريدية): فمذهب أهل الحق أن الله تعالى خالق لأفعال العبد كلها وهو كاسب في أفعال الاختيار" (Cool .
    وقد اختلفت عباراتهم في بيان معنى الكسب (9) وحاصل كلامهم أن المؤثر في أصل الفعل قدرة الله تعالى والمؤثر في صفة الفعل قدرة العبد وتأثير العبد هذا هو الكسب عندهم .
    يوضح هذا البياضي بقوله: "أصل الفعل بقدرة الله والاتصاف بكونه طاعة أو معصية بقدرة العبد وهو مذهب جمهور الماتريدية" (10) وهم يقصدون بهذا أن الله تعالى لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره وقد نصوا على ذلك .
    قال أبو المعين النسفي : " وما يخترعه (أي الله تعالى) فيه (أي في العبد) باختيار العبد ذلك وله عليه قدرة فأثر تعلق قدرته به كونه فعلا له فيكون الله تعالى مخترعا فعل العبد باختياره لولا اختيار العبد وقصده اكتسابه لما خلقه الله تعالى فعلا له ..." (11) .
    وقال صدر الشريعة في (التوضيح) : " جرت عادته تعالى أنا متى قصدنا الحركة الاختيارية قصدا جازما من غير اضطرار إلى القصد يخلق الله عقيبه الحالة المذكورة الاختيارية وإن لم نقصد لم يخلق ..." (12) .
    وحقيقة قول الماتريدية هذا أن للعباد إرادة غير مخلوقة وهي مبدأ الفعل فالعباد على مذهبهم يتصرفون بمبادئ أفعالهم باستقلال تام كما يشاؤون وخلق الله تعالى لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم غير المخلوقة وقولهم هذا قريب من قول المعتزلة .
    ولا شك أن قول الماتريدية هذا باطل لأن الله تعالى خالق كل شيء " ومعاذ الله والله أكبر وأجل وأعظم أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له ولا داخل تحت قدرته ومشيئته فما قدر الله حق قدره من زعم ذلك ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظيمه بل العبد جسمه وروحه وصفاته وأفعاله ودواعيه وكل ذرة فيه مخلوق لله خلقا تصرف به في عبده ... فهو عبد مخلوق من كل وجه وبكل اعتبار وفقره إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته وقلبه بيد خالقه وبين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء فيجعله مريدا لما شاء وقوعه منه كارها لما لم يشأ وقوعه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... " (13) .
    وهذا لا يعني أن العبد مجبور لا اختيار له بل إن الله تعالى خلقه على "نشأة وصفة يتمكن بها من إحداث إرادته وأفعاله وتلك النشأة بمشيئة الله وقدرته وتكوينه فهو الذي خلقه وكونه كذلك وهو لم يجعل نفسه كذلك بل خالقه وباريه جعله محدثا لإرادته وأفعاله وبذلك أمره ونهاه وأقام عليه حجته وعرضه للثواب والعقاب فأمره بما هو متمكن من إحداثه ونهاه عما هو متمكن من تركه ورتب ثوابه وعقابه على هذه الأفعال والتروك التي مكنه منها وأقدره عليها وناطها به وفطر خلقه على مدحه وذمه عليها مؤمنهم وكافرهم المقر بالشرائع منهم والجاحد لها فكان مريدا شائيا بمشيئة الله له ولولا مشيئة الله أن يكون شائيا لكان أعجز وأضعف من أن يجعل نفسه شائيا فالرب سبحانه أعطاه مشيئة وقدرة وإرادة وعرفه ما ينفعه وما يضره وأمره أن يجري مشيئته وإرادته وقدرته في الطريق التي يصل بها إلى غاية صلاحه...." (14) .
    فأفعال العباد إذا هي أفعالهم حقيقة ومفعولة للرب تعالى إذ إن الفعل غير المفعول فالعبد فعل فعله حقيقة " والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته وسر المسألة أن العبد فاعل منفعل ... فربه هو الذي جعله فاعلا بقدرته ومشيئته وأقدره على الفعل وأحدث له المشيئة التي يفعل بها" (15) (16)


    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:35 pm



    الرد على الماتريدية في عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة

    إن موقف الماتريدية من أخبار الآحاد مركبٌ من المقدمات الثلاث - كما سبق-:
    1- أخبار الآحاد ظنية لا تفيد اليقين.
    2- لا يحتج بها في باب الاعتقاد، وتصلح للعمليات.
    3- إن وردت في مخالفة العقل؛ فإن كانت نصاً ترد، وإلا يفوض مرادها أو تؤول إلى ما يوافق العقل.
    ونحن نعارض الماتريدية في جميع هذه المقدمات معارضة علمية على وجه البصيرة بتوفيق الله تعالى فنقول:
    أولاً: القول بعدم الاحتجاج بأخبار الآحاد في العقيدة قولٌ مبتدع مخالفٌ لطريقة السلف المتوارثة ولاسيما منهج الإمام أبي حنيفة وأصحابه الأوائل.
    ثانيا: أحاديث الصفات ليست أخبار الآحاد، بل هي من قبيل المشهورات والمتواترات فلا يصح زعمكم أنها ظنية.
    ثالثا: أحاديث الصفات ليست أخبار الآحاد مجردة بل هي موافقة لكتاب الله والعقل الصريح والفطرة السليمة في الدلالة على صفات الله تعالى فلا يصح قولكم: إنها ظنية.
    ورابعاً: القول بظنية أخبار الآحاد، هكذا مطلق العنان - لا يصح لأن أخبار الآحاد المحتفة بقرائن الصحة - بجميع أنواعها - مفيدةٌ للعلم اليقيني فهي كالمشهورات والمتواترات كل ذلك باعترافكم.
    وخامساً: لو سلمنا مقدماتكم - على سبيل فرض المحال - لنقولُ: إن المراد من العمل أعم من عمل الجوارح، فيشمل عمل القلب، فصح الاحتجاج بخبر الواحد في باب العقيدة حتى باعترافكم أيضاً.
    الوجه الأول:
    أن القول بأن أخبار الآحاد ظنية لا تصلح لإثبات العقيدة والفرق بين أبواب العقيدة، وبين أبواب الأحكام وأن أخبار الآحاد تصلح للأحكام دون العقائد - قول مبتدع في الإسلام ابتدعه طوائف الجهمية من المتكلمين ثم دب إلى بعض الأصوليين والفقهاء.
    وأنه مخالف لما أجمع عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة هذا الدين. حيث يحصل لهم العلم من تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة التي رويت من طريق الثقات الأثبات، ولو سلمنا أنها لا تفيد العلم اليقيني - كما هو زعم المتكلمين - لا نسلم هذه التفرقة: من أن أخبار الآحاد تصلح لإثبات الأحكام العملية ولا تصلح للمباحث العقدية العلمية. لأن هذه التفرقة هي خلاف ما أجمع عليه السلف بل هذه التفرقة أصل من أصول الضلال.
    1- قال إمام عصره المجمع على إمامته أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني (489هـ) جد صاحب الأنساب:
    قولهم: إن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم - رأي سمعت به المبتدعة في رد الأخبار.
    إذ أن الخبر إذا صح ورواه الثقات والأئمة، وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم، وهذا قول عامة أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة. وأما هذا القول المبتدع فقول القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأخبار. وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول، ولو أنصف أهل الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد قد يوجب العلم.
    ثم ذكر الإمام السمعاني أدلة قاطعة على ذلك وبين بالحجج الدامغة أن منهج النقد عند المحدثين منهج متين رصين، لا يغادر للظنين طنيناً بل يورث يقيناً (1) .
    2- وقال ابن القيم على سبيل التسليم: "إن هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب حاصل منها ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها.
    فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر؟ بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر؟ وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميّات كما تحتج بها في الطلبيات العمليّات، ولا سيما أن الأحكام العملية، تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه، ورضيه ديناً، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته.
    ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله، وأسمائه وصفاته. فأين سلف المفرّقين بين البابين؟.
    نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله، ورسوله وأصحابه، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب، والسنة وأقوال الصحابة ويحيلون على آراء المتكلمين، وقواعد المتكلفين، فهم الذين يعرف عنهم هذا التفريق بين الأمرين...؛
    وهذا التقسيم أصل من أصول ضلال القوم. فإنهم فرّقوا بين ما سموه أصولاً وما سموه فروعاً، وسلبوا الفروع حكم الله المعين فيها،...، وجعلوا ما سموه أصولاً من أخطأ فيه عندهم فهو كافرٌ أو فاسق، وادعو بالإجماع على هذا التفريق" (2) .
    3- وقال الإمام ابن القيم أيضاً: ونحن نشهد بالله ولله شهادةً على البت والقطع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: خبرك خبر واحدٍ لا يفيد العلم حتى يتواتر؛ ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من أهل الإسلام بعدهم يشك فيما أخبر به أبو بكر الصديق، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي ولا عبدالله بن مسعود، ولا غيرهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة رضي الله عنه، مع تفرده بكثير من الحديث ولم يقل أحد منهم يوماً واحداً من الدهر: خبرك هذا خبر واحد لا يفيد العلم.
    وكان حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجل في صدورهم من أن يقابل بذلك، وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصفات تلقاه بالقبول، واعتقد تلك الصفة على القطع واليقين، كما اعتقدوا رؤية الرب وتكليمه ونداءه يوم القيامة لعباده بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة وضحكه، وفرحه، وإمساك سماواته بإصبع من أصابع يده، وإثبات القدم له سبحانه وتعالى.
    ومن سمع هذه الأحاديث ممن حدث بها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة "رضي الله عنهم" اعتقد ثبوت مقتضاها بمجرد سماعها من العدل الصادق ولم يرتب فيها قط. إلى أن قال ابن القيم: حتى إن الصحابة ربما يَتَثَّبتونَ في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر؛ أما أحاديث الصفات فلم يطلب أحد منهم الاستظهار فيها البتة، بل كانوا أعظم مبادرةً إلى قبولها وتصديقها والجزم بمقتضاها، ومن له أدنى إلمام بالسنة والالتفات إليها - يعلم ذلك دون شك، ولولا وضوح الأمر في ذلك كالشمس في رابعة النهار لذكرنا أكثر من مائة موضع.
    فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة، وإجماع التابعين، وإجماع أئمة الإسلام؛ ووافقوا به المعتزلة، والجهمية، والرافضة، والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة، وتبعهم بعض الأصوليين، والفقهاء، وإلا فلا يعرف لهم سلف في الأئمة بذلك بل صرح الأئمة بخلاف قولهم.
    ثم أفاض الإمام ابن القيم في نقل إجماع الأئمة على ذلك ولاسيما الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الإمام أبي حنيفة، وغيرهم (3) .
    4- وقد ذكر ابن عبدالبر الإجماع على قبول خبر الواحد في العقائد وله كلام قيم في بيان منهج السلف في العقيدة ولاسيما في الصفات فارجع إليه (4) .
    الوجه الثاني:
    أن نعارض الماتريدية بمنهج الإمام أبي حنيفة وأصحاب الأوائل في مصدر تلقي العقيدة فإن منهجهم في تلقي العقيدة أنهم يأخذون العقيدة عن كتاب الله تعالى والسنة الصحيحة بما فيها أخبار الآحاد، كما يستخدم الإمام دليل الفطرة الصحيحة السليمة أيضاً. فلا يوجد في منهج الإمام وأصحابه شيء مما زعمه هؤلاء المتكلمون: من أن ظواهر النصوص أدلة لفظية ظنية أو أخبار الآحاد ظنية لا تثبت بها العقيدة، بل نجد عندهم خلاف ما عند هؤلاء المتكلمين.
    إذاً فهم خارجون جهاراً على أئمتهم مخالفون لمنهجهم في تلقي العقيدة.
    وأنهم مبتدعون في تفريقهم حول أخبار الآحاد: من أنها تفيد العمل ولا تفيد العلم ومخالفون لإمامهم في آنٍ واحدٍ فليسوا أهل السنة.
    وها هي نماذج من نصوص الإمام أبي حنيفة وبعض كبار أصحابه.
    1- قال الإمام أبو حنيفة:
    "من قال: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر. وكذا من قال: إنه على العرش ولا أدري العرش في السماء أو في الأرض؟.
    والله يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء وعليه ما روي في الحديث، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: وجب علّي عتق رقبة مؤمنة أفتجزئ هذه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمؤمنة أنتِ فقالت: نعم فقال: أين الله فأشارت إلى السماء، فقال: (أعتقها فإنها مؤمنة)) (5) .
    قلت: أيها المسلم! هذا نص أبي حنيفة بشهادة الحنفية الماتريدية جميعاً وعلى آخرهم الكوثري فقد ترى أن الإمام استدل في أكبر مسألة، وأوضحها في العقيدة - وهي العلو لله تعالى واستوائه على عرشه- بدليل الفطرة، وحديث الجارية اللذين تلاعب بهما المتكلمون وعلى رأسهم الكوثري أنواع التلاعب، ولم يكتف الإمام بإثبات علو الله تعالى بل كفّر من أنكر ذلك أو شك فيه، وفي ذلك عبرة للمتكلمين عامة وللماتريدية خاصة.
    ولا شك أن حديث الجارية خبر الواحد وإن قيل بتواتره.
    2- وقال الإمام محمد بن الحسن رحمه الله:
    "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على أن الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير، ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج عما كان عليه النبي"؛ وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول الجهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه قد وصفه بصفة لا شيء (6) .
    تفكر أيها المسلم: في كلام هذا الإمام، فإنه مشتمل على الأمور الثلاثة على الأقل:
    الأول: الإجماع على إثبات الصفات لله التي جاء بها الكتاب والأحاديث المروية عن طريق الثقات.
    الثاني: الإجماع على إثبات الصفات بالأحاديث بدون تقييد كونها متواترةً أو مشهورةً أو أخبار الآحاد بعد أن كانت صحيحةً مرويةً عن الثقات.
    الثالث: الإجماع على الإيمان بصفات الله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تفسير الجهمية وتأويلهم الذي هو عين التحريف والتعطيل المؤدي إلى كون الله تعالى موصوفاً بصفة لا شيء لأن نفي علو الله والقول بأنه لا فوق ولا تحت ولا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا ومنفصل عنه صفة معدوم بل ممتنع كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
    "هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها" (7) .
    فهذا نص صريح في إثبات الصفات بالأحاديث التي رويت عن الثقات بدون قيد التواتر فيصح الأخذ في باب العقيدة بالسنة بعد أن كانت صحيحة مروية عن طريق الثقات وهذا هو منهج السلف الصالح، ولاسيما أئمة الحنفية وفي ذلك عبرة للماتريدية أيما عبرة.
    4- وقال الإمام الطحاوي فيما ذكره عن الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، الإمامين أبي يوسف، ومحمد رحمهم الله في أحاديث الرؤية:
    "وكل ما جاء من ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو ما قال: ومعناه، على ما أراد الله تعالى، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا" (Cool .
    5- وقال: "وجميع ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشرع والبيان كله حق" (9) .
    فهذا النص كما ترى ينادي بأندى الصوت أن الحديث بعد ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستدل به على إثبات العقيدة من دون قيد التواتر والشهرة فثبت ثبوتاً واضحاً كفلق الصبح بل كالشمس في رابعة النهار أن منهج الماتريدية كغيرهم من المتكلمين منهج مبتدع مخالف لمنهج السلف، عامة ولاسيما الإمام أبي حنيفة وأصحابه الأوائل.
    فوا عجباً للحنفية الماتريدية حيث يتهالكون في تقليد الإمام أبي حنيفة رحمه الله في المسائل الفقهية، ولو كانت مخالفةً للكتاب والسنة الصحيحة المحكمة الصريحة مع نهي الإمام أبي حنيفة رحمه الله وغيره من الأئمة عن مثل هذا التقليد الأعمى حتى باعتراف الحنفية (10) وينبذون أصول هذا الإمام ومنهجه ومنهج أصحابه الأئمة الأوائل في باب العقيدة وراءهم ظهريا، وفي ذلك عبرة، فهل من معتبر؟
    فلو كانوا حنفية كاملة على تعبير العلامة عبدالحي اللكنوي، لما نبذوا منهج الإمام وأصحابه الأوائل هكذا بالمرة.
    مع أن أبواب الاعتقاد أهم من الأحكام فخروجهم على الإمام أبي حنيفة في الأصول وتشبثهم بأقواله في الفروع، ولو كانت مخالفة للأحاديث الصحيحة من عجب العجاب!.
    6- هذا، وللإمام ابن أبي العز الحنفي كلام مهم في شرح قول الطحاوية فارجع إليه (11) .
    الوجه الثالث:
    أن عامة أحاديث الصفات ليست أخبار آحادٍ - كما يزعم من لم يجمع طرفها ولم يعش معها، لأن أحاديث الصفات إما متواترة لفظاً ومعنى، أو معنى فقط، أو مشهورة، فلا يصح زعمهم: "أنها أخبار آحادٍ وهي ظنية لا تثبت بها العقيدة". لأنها ليست أخبار آحادٍ باصطلاح الحنفية الماتريدية واعترافهم بل هي فوق أخبار الآحاد في المنزلة وإفادة العلم، فقد صرحوا بأن المتواتر يوجب اليقين بلا شكٍ عندهم، وأما المشهور فيوجب علم الطمأنينة؛ فيجوز الزيادة به على كتاب الله عندهم، والمشهور في حيز المتواتر، بل قد صرح الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي بأن المشهور قسم من المتواتر؛.
    فقد صرح الحنفية بأن حديث الرجم وأحاديث المسح على الخفين، ونحوها مما كان أخبار الآحاد في القرن الأول ثم اشتهر فصار من المشهور في القرن الثاني والثالث (12) ومثل هذا يثبت به العقيدة حتى باعترافهم هم وشهادتهم بلسانهم وبنانهم.
    فقد قال الإمام شمس الأئمة السرخسي الحنفي رحمه الله (490هـ): "فأما الآثار المروية في عذاب القبر، ونحوها فبعضها مشهورة، وبعضها آحاد وهي توجب عقد القلب..." (13) .
    ومثله بنصه قوله الإمام صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود الحنفي (747هـ): "فيكفي له خبر الواحد وفي هذا نظر لأنه يجب أن لا يختص هذا بأحكام الآخرة بل يكون كل الاعتقاديات كذلك" (14) .
    ثم لم يجب عن هذا الإشكال وهذا يدل على أنهم عملوا قوة هذه الأخبار ولو كانت أخبار آحاد.
    الحاصل: أنه لما أنه لما كان غالب أحاديث الصفات إما متواتراً لفظاً ومعنى أو معنى فقط، أو مشهوراً - وهذه الأنواع أعلى مرتبة من أخبار الآحاد؛ فالمتواتر يفيد العلم القطعي اليقيني، والمشهور يفيد علم الطمأنينة، وكلا النوعين تثبت به العقيدة عند الحنفية الماتريدية - لم يصح دعواهم حول أحاديث الصفات أنها ظنية بحجة أنها أخبار الآحاد؛ فإن دعواهم بهذا الإطلاق والعموم منهدمة على عروشها منهارة على أسسها، وهذا واضح جداً، فدعواهم هذه كما تدل على استخفافهم بالنصوص وتقديم العقول الفاسدة عليها، كذلك تدل على جهلهم بالنصوص وبعدهم عنها؛ لأن أحاديث الصفات ليست كلها أخبار آحاد بل غالبها متواتر.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    "والأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية العلمية أربعة أقسام:
    أحدها: متواتر لفظاً ومعنى.
    والثاني: أخبار متواترة معنى، وإن لم تتواتر بلفظ واحد.
    والثالث: أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة.
    والرابع: أخبار آحاد مروية بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    فأما القسمان الأولان: فكالأخبار الواردة في عذاب القبر، والشفاعة، والحوض، ورؤية الرب تعالى، وتكليمه عباده يوم القيامة، وأحاديث علوه فوق سماواته على عرشه، وأحاديث إثبات العرش... ونحو ذلك مما يعلم بالاضطرار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بها كما يعلم بالاضطرار أنه جاء بالتوحيد وفرائض الإسلام وأركانه، وجاء بإثبات الصفات للرب تبارك وتعالى - فإنه ما من باب من هذه الأبواب إلا وقد تواتر فيه المعنى المقصود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواتراً معنوياً لنقل ذلك عنه بعبارات متنوعة من وجوه متعددة يمتنع في مثلها في العادة التواطؤ على الكذب عمداً أو سهواً... أفادت العلم اليقيني... وهذا عند أهل الحديث أعظم من علم الأطباء بوجود بقراط وجالينوس فإنهما من أفاضل الأطباء، وأعظم من علم النحاة بوجود سيبويه، والخليل، والفراء، وعلمهم بالعربية،، لكن أهل الكلام وأتباعهم في غاية قلة المعرفة بالحديث وعدم الاعتناء به وكثير منهم بل أفضلهم عند أصحابه لا يعتقد أنه روي في الباب الذي يتكلم فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء أو يظن أن المروي فيه حديث أو حديثان كما تجده لأكابر شيوخ المعتزلة، كأبي الحسين البصري الحنفي يعتقد أنه ليس في الرؤية إلا حديث واحد وهو حديث جرير، ولم يعلم أنه فيها ما يقارب ثلاثين حديثاً؛ وقد ذكرناها في كتاب (صفة الجنة) (حادي الأرواح) (15) .
    فإنكار هؤلاء لما عليه أهل الوراثة النبوية من كلام نبيهم أقبح من إنكار ما هو مشهور من مذاهب الأئمة عند أتباعهم.
    وما يعلم أن كثيراً من الناس قد تطرق سمعه هذه الأحاديث ولا تفيده علماً، لأنه لم تجتمع طرقها وتعددها واختلاف مخارجها من قبله.
    فإذا اتفق له إعراضٌ أن نفرةٌ عن رواتها، وإحسان ظن بمن قال بخلافها.
    أو تعارض خيال شيطاني فهناك يكون الأمر كما قال الله تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت:44].
    فلو كانت أضعاف ذلك لم تحصل لهم إيماناً ولا علماً...
    فإذا اجتمع في قلب المستمع لهذه الأخبار العلم بطريقها ومعرفة حال رواتها وفهم معناها - حصل له العلم الضروري، الذي لا يمكن رفعه؛ ولهذا كان جميع أئمة الحديث - الذين لهم لسان صدق في الأمة - قاطعين بمضمون هذه الأحاديث شاهدين بها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جازمين بأن من كذب بها أو أنكر مضمونها فهو كافر مع علم من له إطلاع على سيرتهم وأحوالهم بأنهم من أعظم الناس صدقاً وأمانةً وديانةً، وأوفرهم عقولاً وأشدهم تحفظاً وتحرياً للصدق ومجانبة للكذب وأن أحداً منهم لا يحابي في ذلك أباه ولا ابنه ولا شيخه، ولا صديقه، وأنهم حرروا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحريراً لم يبلغه أحدٌ سواهم لا من الناقلين عن الأنبياء ولا عن غير الأنبياء وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال وأعظم وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ حتى انتهى الأمر إلى من أثنى الله عليهم أحسن الثناء وأخبر برضاه عنهم واختياره لهم واتخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة.
    ومن تأمل ذلك أفاده علماً ضرورياً بما ينقلونه عن نبيهم أعظم من كل علم تنقله كل طائفة عن صاحبها، وهذا أمر وجداني عندهم، لا يمكنكم جحده؛ بل هو بمنزلة ما تحسونه من الألم واللذة والحب والبغض، حتى إنهم يشهدون بذلك ويحلفون عليه، ويباهون من خالفهم عليه.
    وقول هؤلاء القادحين في الأخبار والسنن: "يجوز أن يكون رواة هذه الأخبار كاذبين أو غالطين" بمنزلة قول أعدائه: "يجوز أن يكون الذي جاء به شيطاناً كاذباً"... فإن أنكروا حصوله لأنفسهم لم يقدح ذلك في حصوله لغيرهم، وإن أنكروا حصوله لأهل الحديث، كانوا مكابرين لهم... والمناظرة إذا انتهت إلى هذا الحد لم يبق، فيها فائدة وينبغي العدول إلى ما أمر الله به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من المباهلة، قال الله تعالى: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] (16) .
    قلت: رحم الله ابن القيم الإمام وشيخ الإسلام ورفعهما مكانا عليّا؛ فقد عرفا حقيقة هؤلاء المتكلمين من المعتزلة، والماتريدية والأشعرية أفراخ الجهمية المعطلة.
    الوجه الرابع:
    أن نقول: لو سلمنا أن أحاديث الصفات أخبار آحادٍ، لكن لا نسلم أنها أخبارُ أحادْ مجردةٌ ظنيةٌ، بل هي قطعيةٌ، لأنها موافقة لكتاب الله تعالى، والعقل الصريح والفطرة السليمة، وإجماع السلف في الدلالة على صفات الله تعالى، كعلو الله تعالى على خلقه، واستوائه، على عرشه، ووجهه الكريم، ويديه، ورضاه، وغضبه، ومحبته وكراهيته، وغيرها من صفات الله تعالى، التي تنفى حقائقها الماتريدية ويحرفون نصوصها؛ فقد جاءت بها نصوص كتاب الله كما جاءت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فحينئذ لا يصح زعمهم: "أن تلك الأحاديث أخبارُ آحادٍ وهي ظنية، لا تثبت بها العقيدة" لأن أحاديث الصفات ليست مجردة عن موافقتها العقل الصريح والفطرة السليمة، وإجماع السلف ومطابقتها لكتاب الله؛ ولأن تلك الصفات ثابتة بنصوص كتاب الله تعالى الصريحة مع موافقتها للعقل الصريح والفطرة السليمة، وإجماع السلف، فيكون مجييء الأحاديث بتلك الصفات من قبيل توافر الأدلة، وتواردها على مدلول واحد، وفيما يلي نبذة من كلام أئمة السنة:
    1- قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    "هذه الأخبار الصحيحة في هذا الباب يوافقها القرآن ويدل على مثل ما دلت عليه، فهي مع القرآن بمنزلة الآية مع الآية والحديث مع الحديث، المتفقين وهما كما قال النجاشي في القرآن: "إن هذا والذي جاء به موسى من مشكاةٍ واحدة"؛
    ومعلوم أن مطابقة هذه الأخبار للقرآن وموافقتها له أعظم من مطابقة التوراة للقرآن.
    فلما كانت الشهادة بأن هذه الأخبار والقرآن يخرجان من مشكاة واحدة فنحن نشهد لله على ذلك شهادةً على القطع والبت إذا شهد خصومنا شهادة الزور أنها تخالف العقل.
    وما يضرها أن تخالف العقول المنكوسة إذا وافقت الكتاب وفطرة الله التي فطر عباده عليها والعقول المؤيدة بنور الوحي.
    وكذلك شهادة ورقة بن نوفل بموافقة القرآن لما جاء به موسى... كان قوله: المبطل: "هذه الأحاديث لا تفيد العلم" - بمنزلة قول من قال في قصص القرآن "إنها لا تفيد العلم".
    وهكذا قال المبطلون سواء وإن اختلفت جهة إبطال العلم، عندهم من نصوص الوحي فنصوص القرآن لا تفيد علماً من جهة الدلالة، وهذه لا تفيد علماً من هذه الجهة ومن جهة السند، وهذا إبطال لدين الإسلام رأساً.
    بل ذكر هذه الأحاديث بمنزلة ذكر أخبار المعاد، والجنة، والنار التي شهدت بما شهد به القرآن...، وهل يخفى على ذي العقل السليم أن تفسير القرآن بهذه الطرق خير مما هو مأخوذ عن أئمة الضلال، وشيوخ التجهم، والاعتزال... وأضرابهم من أهل التفرق، والاختلاف الذين أحدثوا في الإسلام ضلالاتٍ وبدعاً؛ وفرقوا دينهم وكانوا شيعاً..؛ فإذا لم يجز تفسير القرآن وإثبات ما دل عليه وحصول العلم اليقين بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة الثابتة وكلام الصحابة وتابعيهم - أفيجوز أن يرجع في معاني القرآن إلى تحريفات جهم وشيعته؟.. من كل أعمى أعجمي القلب واللسان بعيد عن السنة والقرآن مغمور عند أهل العلم والإيمان"؟ (17) .
    2-5- وقال الحافظ ابن حجر:
    (تنبيهان):
    أحدهما: الذي يظهر من تصرف البخاري في كتاب (التوحيد)، أنه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل كل حديث منها في باب يؤيده بآية من القرآن بلا إشارة إلى خروجها من أخبار الآحاد، على طريق التنزل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقادات، وأن من أنكرها خالف الكتاب والسنة جميعاً.
    وقد أخرج ابن أبي حاتم في كتاب (الرد على الجهمية)، بسند صحيح عن سلام بن أبي مطيع وهو شيخ شيوخ البخاري أنه ذكر المبتدعة فقال: "ويلهم ماذا ينكرون من هذه الأحاديث والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن مثله؛ يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75] لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ [عمران:28].
    وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ونحو ذلك فلم يزل - أي سلام بن أبي مطيع- يذكر الآيات من العصر إلى غروب الشمس" (18) .
    6- وللخطيب البغدادي كلام في مثل هذه المعنى يأتي نص كلامه قريباً إن شاء الله.
    7-8 ومثله كلام للإمام أبي محمد أحمد بن عبدالله المفضلي المزني (356هـ). رواه عنه البيهقي بإسناده إليه، وأقره (19) .
    9- ولإمام الأئمة ابن خزيمة (311 هـ) كلام مهم أيضاً (20) .
    10- وقال ابن القيم: ولهذا كان أئمة السلف يذكرون الآيات ثم الأحاديث كما فعل البخاري ومن قبله ومن بعده، فإن الإمام أحمد وابن راهويه وغيرهما يحتجون على صحة ما تدل عليه أحاديث النزول والإتيان ونحوها بالقرآن (21) .
    الحاصل: أن أخبار الصفات الصحيحة يؤيدها كتاب الله، فهي تفيد العلم اليقيني ويثبت بها الاعتقاد.
    الوجه الخامس:
    أن نقول: إن أحاديث الصفات لو سلم أنها أخبارُ آحادٍ؛ لكن لا نسلم أنها ظنيةٌ لا تفيد اليقين ولا تثبت بها العقيدة.
    لأنها ليست أخبار آحادٍ فقط مجردةً من قرائن الصحة، بل هي محتفة بالقرائن؛ ومن المعروف المقرر المعترف به، أن أخبار الآحاد المحتفة بقرائن الصحة مفيدة للعلم اليقيني النظري.
    وقد صرح بهذا كبار أئمة الأمة، بما فيهم كثيرٌ من أساطين الماتريدية وعلى آخرهم الكوثري، وكثير من أئمة الأشعرية، بل بعض كبار المعتزلة؛ فنصوص هؤلاء حجة عليهم في باب الصفات.

    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:36 pm



    وفيما يلي نماذج ممن صرح بكون الخبر المحتف بالقرآئن مفيداً للعلم اليقيني لتكون شاهدة لما قلنا وتقطع أعذار الماتريدية وتتم عليهم الحجة:
    1- أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام رأي المعتزلة (231هـ) (22) .
    2- الإمام الحافظ الخطيب البغدادي (463هـ) (23) .
    3- إمام الحرمين أبو المعالي عبدالملك الجويني (478هـ) (24) .
    4- الغزالي (505هـ) الذي يلقبونه بـ "حجة الإسلام وكلاهما من كبار أئمة الأشعرية" (25) .
    5- وفخر الدين الرازي فيلسوف الأشعرية (606هـ) (26) .
    6- سيف الدين الآمدي (631هـ) وهو من كبار أئمة الأشعرية (27) .
    7- الإمام جمال الدين أبي عمرو وعثمان بن عمرو المعروف بابن الحاجب (646) (28) .
    8- عضد الدين عبدالرحمن بن أحمد الإيجي من أئمة الأشعرية صاحب (الموقف) (756هـ) (29) .
    9- سعد الدين التفتازاني فيلسوف الماتريدية (792هـ) (30) .
    10- الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) ومفاد كلامه: أنه لا خلاف في هذه المسألة؛ لأن الخلاف فيها لفظي؛ لأن من قال: يفيد العلم، أراد العلم النظري، ومن أبى - خص بالمتواتر ولم ينف أن المحتف بالقرائن أرجح (31) .
    11- كمال الدين بن الهمام (861هـ) وهو من أكابر الحنفية والماتريدية (32) .
    12- وتلميذه ابن أمير الحاج الحنفي (879هـ) (33) .
    13- شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي (902هـ) (34) .
    14- جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (911هـ) (35) .
    15- محمد أمين المعروف "بأمير بادشاه" الحنفي (987هـ) (36) .
    16- العلامة أنور شاه الكشميري الحنفي الديوبندي (1352هـ) (37) .
    17- الكوثري مجدد الماتريدية (1371هـ).
    وغيرهم ممن لا يحصون.
    أنواع الأخبار المحتفة بالقرائن:
    ذكر الحافظ ابن حجر أربعة أنواع للخبر المحتف بقرائن الصحة:
    الأول: ما أخرجه الشيخان في (صحيحهما)، مما لم يبلغ حد الواتر ولم ينقده أحد من الحافظ ولم يقع التجاذب بين مدلوليه.
    الثاني: المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة.
    الثالث: المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريباً، كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد مثلاً، ويشاركه فيه غيره من الشافعي، ويشاركه فيه غيره عن مالك، فإنه يفيد العلم عند سماعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته.
    الرابع: المتلقى بالقبول:
    قال: "وهذا التلقي وحده أقوى من إفادته العمل من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر" (38) .
    قلت:
    أما النوع الأول:
    وهو الحديث المتفق عليه فقد صرح أهل هذا الشأن بأنه أعلى أقسام الصحيح؛ فيذكرون للحديث مراتب سبعاً:
    الأولى: ما أخرجه الشيخان في (صحيحيهما).
    الثانية: ما انفرد به البخاري.
    الثالثة: ما انفرد به مسلم.
    الرابعة: ما كان صحيحاً على شرطهما جميعاً.
    الخامسة: ما كان على شرط البخاري.
    السادسة: ما كان على شرط مسلم.
    السابعة: ما كان صحيحاً، ولم يكن على شرط واحد منهما (39) .
    فهذا النوع من الأحاديث قد صرح جمع غفير من الجهابذة النحارير من المحدثين، ومن كبار أساطين المتكلمين من الماتريدية والأشعرية بأنها تفيد العلم اليقيني النظري.
    فكيف يصح زعم الماتريدية: أن أحاديث الصفات أخبار آحاد ظنية؟
    وفيما يلي نماذج من هؤلاء الأعلام:
    1- أبو إسحاق إسماعيل بن محمد الأسفراييني الملقب بركن الدين (418هـ) فقد نقل على ذلك إجماع أهل الحديث فقال: "أهل الصنعة مجموعة على أن الأخبار التي اشتمل عليها "الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع" (40) .
    2- الإمام أبو بكر محمد بن أحمد المعروف بشمس الأئمة السرخسي (483هـ) إمام الحنفية في وقته (41) .
    3- أبو عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي - صاحب (الجمع بين الصحيحين) (488هـ) (42) .
    4- الإمام أبو حامد الغزالي (505هـ) أحد كبار أئمة الأشعرية، ذكره الكوثري فيمن يقولون بإفادة أحاديث (الصحيحين) القطع.
    5- الإمام أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (507هـ) (43) .
    6- أبو نصر بن يوسف (هو عبدالرحمن بن عبدالخالق اليوسفي) (574هـ) (44) .
    7- الإمام الحافظ صدر الدين أبي طاهر أحمد بن محمد الأصفهاني السلفي (576هـ) (45) .
    8- الإمام أبو عمرو بن الصلاح (643هـ).
    ونص كلامه: "وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به...، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعاً بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك، وهذه نكتة نفيسة نافعة..." (46) .
    9- شيخ الإسلام (728هـ) (47) وسيأتي نصه قريباً إن شاء الله تعالى.
    10- الإمام ابن القيم (751هـ) (48) .
    11- الحافظ ابن كثير (774هـ).
    ومن كلامه: "وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه، وأرشد إليه" (49) .
    12- والإمام عمر بن رسلان البلقيني (805هـ) (50) .
    13- وأبو الفيض محمد بن محمد بن علي الفارسي المعروف بفصيح الهروي الحنفي (837هـ) (51) .
    ومن قوله: "ما روياه، أو واحد مقطوع بصحته، أي يفيد العلم القطعي نظراً لا ضرورةً..." (52) .
    14- الحافظ ابن حجر (852هـ).
    قال: ".. منها ما أخرجه الشيخان في (صحيحهما) مما لم يبلغ حد المتواتر، فإنه احتفت به قرائن، منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تميز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، إلا أن هذا يختص بما لم ينقده أحد من الحفاظ مما في الكتابين، وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في الكتابين" (53) .
    15- والسخاوي (902هـ) (54) .
    16- والسيوطي (911هـ).
    وقال: "وهو الذي اختاره، ولا أعتقد سواه" (55) .
    17- والعلامة محمد معين السندي الحنفي (1161هـ) (56) فله بحث قيم في إفادة أحاديث (الصحيحين) القطع (57) ودراسته تقمع الحنفية.
    18- الإمام الشاة ولي الله الدهلوي إمام الحنفية في وقته (1176هـ).
    فقد قال: "أما (الصحيحان) فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأنه كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين وإن شئت الحق الصراح فقسهما بكتاب ابن أبي شيبة وكتاب (الطحاوي) و(مسند الخوارزمي)، وغيرهما تجد بينها، وبينهما بعد المشرقين" (58) .
    وقال في الثناء على صحيح البخاري:
    "ولعمري! إنه نال من الشهرة، والقبول درجة لا يرام فوقها" (59) وكم لهذا الإمام من نصوص تقطع دابر أصول الحنفية.
    19- والأمير اليماني الصنعاني (1182هـ) (60) .
    20- والإمام الشوكاني (1250هـ) (61) .
    21- والحافظ المحدث أبي العلي محمد عبدالرحمن المباركفوري (1253هـ) (62) .
    22- ومحدث الشام العلامة جمال الدين القاسمي (1332هـ) (63) .
    23- والشيخ طاهر بن صالح الجزائري (1378هـ) (64) .
    24- العلامة محمد أنور شاه الكشميري الديوبندي الملقب بإمام العصر (1352هـ) الذي يعظمه الديوبندية والكوثرية غاية التعظيم، ونحن نسوق نصه بطوله لأهميته، ولمكانته عندهم إتماما للحجة وإيضاحا للمحجة.
    قال رحمه الله: "القول الفصل في أن خبر (الصحيحين) يفيد القطع اختلفوا في أن أحاديث الصحيحين هل تفيد القطع أم لا؟
    فالجمهور (65) إلى أنها لا تفيد القطع، وذهب الحافظ رضي الله عنه إلى أنها تفيد القطع، وإليه جنح شمس الأئمة السرخسي رضي الله عنه من الحنفية، والحافظ ابن تيمية من الحنابلة، والشيخ أبو عمرو بن الصلاح رضي الله عنه، وهؤلاء وإن كانوا أقل عدداً (66) إلا أن رأيهم هو الرأي.
    وقد سبق في المثل السائر:
    تعرينا أنا قليل عديدنا فقلت لها: إن الكرام قليل

    ...فإن قيل: إن فيهما أخباراً آحاداً، وقد تقرر في الأصول أنها لا تفيد غير الظن.
    قلت: لا ضير؛ فإن هذا باعتبار الأصل، وذاك بعد احتفاف القرائن، واعتضاد الطرق فلا يحصل القطع إلا لأصحاب الفن الذي يسر لهم الله سبحانه التمييز بين الفضة، والقضة ورزقهم علماً من أحوال الرواة، والجرح والتعديل، فإنهم إذا مروا على حديث وتتبعوا طرقه، وفتشوا رجاله، وعلموا حال إسناده - يحصل لهم القطع، وإن لم يحصل لمن لم يكن له بصر ولا بصيرة..؛
    ألا ترى أن الواحد جليل القدر إذا أخبرك بأمر، فنظرت إلى حاله وثقته، وعلمه ودينه - أيقنت بخبره كفلق الصبح، ولا يبقى في نفسك قلق، واضطراب، وكفاك جماعة؛ فإن واحداً قد يزن جماعة بل يرجحهم، والآخر كريشة طائر لا يوازي جناح بعوضة، وإن إبراهيم كان أمة قانتاً، ومن أمته من يجيء يوم القيامة أمة وحده.
    ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد

    ...، ولما كان هذا أمراً لا يسع إنكاره لأحد - جعل الحافظ هذا النزاع راجعاً إلى النزاع اللفظي، فلم يبق في نفس إفادة القطع خلاف، ولا شقاق، وإنما هو في أن تلك الإفادة بديهية، أو نظرية فمن ذهب إلى أنها تفيد القطع أراد به النظري، ومن أنكرها أراد به الضروري.
    وهذا، فإنه تحقيق حقق بالقبول، ومن حاد عنه فقد عدل عن المسلك القويم" (67) .
    قلت: نص العلامة الكشميري هذا يستأصل مزاعم الماتريدية ولا سيما الكوثرية والديوبندية منهم.
    25- والكوثري مجدد الماتريدية وإمامهم في وقته (1371هـ)، فقد اعترف في صدد إثبات نزول عيسى عليه السلام بأن أحاديث (الصحيحين) تفيد القطع. وهذا حجة عليه، وعلى الماتريدية في باب الصفات.
    26- ومحدث مصر، العلامة أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر (1377هـ) (68) .
    27- والعلامة محمد إسماعيل السلفي (1387هـ) فله خدمة مشكور عليها في هذا الباب (69) .
    28- والدكتور خليل ملا خاطر "من المعاصرين" له عمل عظيم في الذب عن مكانة (الصحيحين)، وله بحث قيم في إفادة أحاديث (الصحيحين) القطع (70) وهذا الكتاب عديم النظير لقلع نسج متعصبة الحنفية.
    قلت: الحاصل أن أحاديث (الصحيحين) تفيد العلم القطعي بشهادة من ذكرنا وفيهم كبار أعيان الحنفية الماتريدية الديوبندية منهم، والكوثرية، وغيرهم.
    بل ثبت بلسان الحافظ ابن حجر، والعلامة الكشميري الديوبندي أن هذه المسألة لا خلاف فيها: فمن أثبت العلم القطعي - أراد النظري، ومن نفى ذلك أراد البديهي ولم ينف النظري.
    تنبيه مهم:
    لقد تبين مما سبق من علو مكانة (الصحيحين) وأن أحاديثهما تفيد القطع، وأنها أصح الصحاح.
    إذا تقرر هذا علم أن أحاديث (الصحيحين) مقدمة على غيرها عند التعارض ولا أعلم في هذا خلافاً لأحد إلا لمتأخري الحنفية، فقد قالوا عدم ترجيح أحاديث (الصحيحين) عند التعارض على غيرها، وذلك لأنهم يعلمون جيداً أن مذهبهم مخالف لكثير من أحاديث (الصحيحين)، فوضعوا هذا الأصل ليخرجوا بهذا عن هذا المضيق؛ فقالوا: لا ترجيح لأحاديث (الصحيحين) عند التعارض بل - يجوز أن يقدم حديث آخر على حديث (الصحيحين).
    وأول من وضع هذا الأصل - فيما أعلم- من الحنفية هو الإمام ابن الهمام (861هـ) ثم تابعه الحنفية، ولا سيما الديوبندية منهم، والكوثرية (71) .
    قلت: وهذا الأصل الفاسد مبني على أصلهم الآخر أفسد منه، وهو: أن للحنفية أصولاً وقواعد في تصحيح الحديث وتضعيفه، كما أن للمحدثين قواعد، فرب حديث ضعيف عند المحدثين صحيح عند الحنفية، وبالعكس فلا لوم على الحنفية إذا خالفوا بعض الأحاديث (72) .
    قلت: هذا الذي عرضناه من مكانة أحاديث (الصحيحين)، وأنها مما احتف بالقرائن، وأنها تلقتها الأمة بالقبول، وأنها تفيد العلم القطعي اليقيني - على لسان كبار أئمة الحنفية، وغيرهم - يقطع دابر هذا الأصل الفاسد، ولقد تصدى للرد على هذا الأصل المحدث المباركفوري (1253هـ) (73) .
    قلت: ويكفي لرد مزاعمهم في تقديم حديث خارج (الصحيحين) على أحاديثهما ورد أحاديث (الصحيحين) بذلك دفاعاً عن مذهبهم - ما قاله الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني الملقب بركن الدين (418):
    "أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها (الصحيحان) مقطوع بصحة أصولها، ومتونها ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها، ورواتها".
    قال: "فمن خالف حكمه خبراً منها، وليس له تأويل سائغ للخبر نقضنا حكمه، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول" (74) .
    قلت: لكثير من متعصبة الحنفية موقف مذموم من (الصحيحين) وفي قلوبهم حزازة منهما يبدو أثرها بين حين وآخر، وما تخفي صدورهم أكبر؛ ولكن كتابي (الدراسات) و (المكانة) قضاء عليهم (75) .
    وللحنفية عدة أصول باطلة فاسدة حماية للمذهب يحتاج إبطالها إلى كتاب مستقل ولي في ذلك كتاب ،، علًة يفتح لإخراجه باب ،،
    وأما النوع الثاني:
    من المحتف بالقرائن - وهو المسلسل بالأئمة - فقد حكى السهيلي إفادته العلم اليقيني عن بعض الشافعية (76) .
    وحكاه الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (476هـ) عن بعض المحدثين (77) .
    قلت: وجزم به الحافظ ابن حجر حيث قال: "فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته، وأن فيهم من الصفات اللائقة الموجبة للقبول ما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم..." (78) .
    قلت: وإلى هذا يشير كلام العلامة الكشميري الديوبندي حيث يقول: "فإن واحداً قد يزن جماعة بل يرجحهم...؛
    ليس على الله بمستنكر أن يجمع العلام في واحد

    وأما النوع الرابع:
    من المحتف بالقرائن - وهو المتلقى بالقبول - فهذا النوع بمدلوله أعم من الأنواع الثلاثة الأولى فهو يشملها جميعاً سواء كان في (الصحيحين) أو كان مشهوراً، أو كان مسلسلاً بالأئمة، فهو يفيد العلم اليقيني القطعي النظري، وهو مذهب كثير من أهل الكلام من المعتزلة، والماتريدية والأشعرية ومذهب أهل الحديث قاطبة والسلف عامة، وهو مذهب عامة المحققين من كبار أئمة الحنفية، والمالكية والشافعية، والحنابلة، ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة قليلة من المتأخرين تبعاً لبعض المتكلمين، فلا عبرة بهم، كما صرح به شيخ الإسلام وغيره (79) .
    ولا شك أن أحاديث الصفات لا تخلو من هذا النوع فهي مفيدة للعلم القطعي اليقيني فكيف يصح دعوى الماتريدية وغيرهم من المتكلمين: أنها أخبار آحاد، لا تفيد إلا الظن؟.
    وفيما يلي عرض بعض نصوص العلماء إتماماً للحجة وإيضاحاً للمحجة وقطعا لأعذار الماتريدية وإلقامهم الأحجار.
    1- الإمام عيسى بن أبان (221هـ) وهو من كبار أئمة الحنفية الأوائل (80) فقد حكي عنه أنه قال:
    "خبر الواحد إذا عمل عليه أكثر الصحابة وعابوا من لم يعمل به يقطع به" (81) .
    2- أبو هاشم عبدالسلام بن محمد الجبائي الحنفي، إمام الهاشمية من المعتزلة (321هـ) (82) .
    3- أبو الحسن عبيد الله بن الحسن الكرخي أحد كبار أئمة الحنفية (340هـ) (83) .
    4- وقال الإمام أبو بكر بن علي الجصاص إمام الحنفية في وقته (370هـ) (84) .
    عند الكلام حول حديثين في طلاق الأمة، وعدتها:
    "وقد استعملت الأمة هذين الحديثين في نقصان العدة - وإن كان وروده من طريق الآحاد - فصار في حيز التواتر، لأن ما تلقاه الناس بالقبول من أخبار الآحاد فهو عندنا في معنى المتواتر لما بيناه في مواضع" (85) .
    5- الإمام أبو بكر بن فورك (406هـ) من كبار أئمة الأشعرية - فقد حكى عنه إمام الحرمين أنه قال:
    "الخبر الذي تلقته الأئمة بالقبول محكوم بصحته... وإن تلقوه بالقبول قولاً وقطعاً حكم بصدقه" (86) .
    6- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفراييني الملقب بركن الدين (418هـ) فقد حكى عنه إمام الحرمين:
    "أن ما اتفق عليه أئمة الحديث مستفيض وهو قسم آخر بين المتواتر وبين خبر الواحد، وأنه يقيني العلم نظراً" (87) .
    7- وقال أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري الحنفي المعتزلي (436هـ):
    "فأما خبر الواحد إذا أجمعت الأمة على مقتضاه، وحكمت بصحته، فإنه يقطع على صحته، لأنها لا تجمع على خطأ" (88) .
    8- وقال الخطيب البغدادي (463هـ): ".. وقد يستدل على صحته بأن يكون خبراً عن أمر اقتضاه نص القرآن، أو السنة المتواترة، أو أجمعت الأمة على تصديقه، أو تلقته بالقبول وعملت بموجبه" (89) .
    9- أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي أحد الأئمة الشافعية (476هـ)
    قال: "... خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول، فيقطع بصدقه سواء عمل الكل به أو عمل البعض، وتأويله البعض، فهذه الأخبار توجب العمل، ويقع العلم بها استدلالاً" (90) .
    10- الإمام أبو بكر محمد بن أحمد المعروف بشمس الأئمة السرخسي (483هـ) أحد أكابر أئمة الحنفية.
    11- وللإمام أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني (489هـ) جد صاحب الأنساب: كلام في غاية الأهمية في قبول خبر الواحد في العقيدة، وأن الخبر إذا صح ورواه الثقات وتلقته الأئمة بالقبول فهو يوجب العلم اليقيني وهذا قول عامة أهل الحديث وخلاف ذلك قول أهل البدعة، وقد ذكرنا نص كلامه.
    12- وقال الإمام محفوظ بن أحمد الكلوذاني من أئمة الحنابلة في وقته (510هـ):
    "فأما خبر الواحد إذا أجمعت الأمة على حكمه وتلقته بالقبول..
    فظاهر كلام أصحابنا: أنه يقع به العلم.." (91) .
    13-18 وقال شيخ الإسلام (728هـ):
    "... فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن غالبه من هذا النحو؛ ولأنه قد تلقاه أهل العلم بالقبول، والتصديق؛ والأمة لا تجتمع على خطأ؛ فلو كان الحديث كذباً في نفس الأمر - والأمة مصدقة له قابلة له - لكانوا قد أجمعوا على تصديق ما هو في نفس الأمر كذب؛ وهذا إجماع على خطأ، وذلك ممتنع".
    وقال: "ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً - إذا كان في الاعتقاد - أو عملاً - إذا كان في الأحكام - أنه يوجب العلم، وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة، ومالك والشافعي وأحمد.
    إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك، ولكن كثيراً من أهل الكلام، أو أكثرهم يوافقون الفقهاء، وأهل الحديث والسلف على ذلك، وهو قول أكثر الأشعرية، كأبي إسحاق، وابن فورك.
    وأما ابن الباقلاني: فهو الذي أنكر ذلك، وتبعه مثل أبي المعالي وأبي حامد وابن عقيل، وابن الجوزي، وابن الخطيب، والآمدي ونحو هؤلاء.
    والأول هو الذي ذكره الشيخ أبو حامد، وأبو الطيب، وأبو إسحاق، وأمثاله من الشافعية، وهو الذي ذكره القاضي عبدالوهاب، وأمثاله من المالكية.
    وهو الذي ذكره شمس الدين السرخسي، وأمثاله من الحنفية.
    وهو الذي ذكره أبو يعلى وأبو الخطاب، وأبو الحسن بن الزاغروني، وأمثالهم من الحنبلية.
    إذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع فالاعتبار (92) في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث كما أن الاعتبار في الإجماع على الأحكام بإجماع أهل العلم بالأمر والنهي والإباحة..." (93) .
    19-23- قلت: قد قتل كلام شيخ الإسلام هذا جماعة من العلماء وأقروه: كالإمام ابن القيم (751هـ) (94) ، والحافظ ابن كثير (774هـ) (95) ، والإمام عمر بن رسلان البلقيني (805هـ) (96) .
    والحافظ ابن حجر (852هـ) (97) والسخاوي (902هـ) (98) والسيوطي (911هـ) (99) ، والعلامة محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار (972هـ) (100) والأمير الصنعاني (1182هـ) (101) ، وجمال الدين القاسمي (1332هـ) (102) ، وطاهر بن صالح الجزائري (1338هـ) (103) .
    والكوثري مجدد الماتريدية وإمامهم في وقته (1371هـ) ذكر نص كلام شيخ الإسلام، ولكن لشدة عدائه إياه، لم ينسبه إليه، والعلامة محمد إسماعيل السلفي (1387هـ) (104) ، والشيخ أحمد بن محمد شاكر (1377هـ) (105) .
    والدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر (أشعري العقيدة)، فقد ألف كتابه العظيم (مكانة الصحيحين) أجاد فيه وأفاد، وذكر كلام شيخ الإسلام ثم قال: "وهذا الذي قاله كلام نفيس، ومهم يعبر عن نظرةٍ بعيدةٍ، وسير لأسانيد وروايات طرق الأحاديث" (106) .
    33- وللإمام ابن أبي العز الحنفي (792هـ) بحث قيم في الأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة، وأن الخبر المتلقى بالقبول من قسم المتواتر، وأنه لا نزاع فيه عند السلف (107) .
    34- الشيخ أبو غدة الكوثري، فقد نقل عن الإمام الشافعي، والسخاوي: أن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ به المقطوع (108) .
    قلت: إذا كان الحديث الضعيف يرتفع إلى منزلة المتواتر بمجرد التلقي فما ظنك بأحاديث الصفات المتواترة، والمشهورة والمتفق عليها، المتلقاة بالقبول، المحتفة بالقرائن؟ وفي هذا كله عبرة للماتريدية أيما عبرة.
    خاتمة هذا الوجه:
    35- لما كان الكوثري يعدّ إماماً للماتريدية؛ بل مجدداً لهم في وقته، ولاسيما للكوثرية منهم، والديوبندية أردت أن أختم هذا الوجه بنصوص الكوثري التي اعترف فيها بالحق لما رأى وسمع أن أعداء الإسلام احتجوا بقاعدة المتكلمين - من أن خبر الواحد ظني لا يثبت به العقيدة- على إنكار نزول عيسى عليه السلام (109) .
    فتصدى لهم الكوثري، وألف في الرد عليهم كتاباً بعنوان (نظرة عابرة) أجاد فيه وأفاد، ورد على تلك القاعدة الفاسدة للمتكلمين من أن أخبار الآحاد لا تفيد اليقين، ولا تثبت بها العقيدة - ولكن هذا الكتاب كله حجة عليه، وعلى الماتريدية في باب الصفات وهذا تناقض.
    وهذه بعض نصوص الكوثري:
    (من قال: "إن خبر الآحاد لا يفيد العلم" يريد خبر الآحاد من حيث هو بالنظر إلى رأي جماعة، وإلا فخبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول، يقطع بصدقه، كما نص على ذلك أبو المظفر السمعاني في (القواطع) (110) ؛
    وقد حكى السخاوي في (فتح المغيث) عن جماعة من المحققين إفادة خبر الآحاد العلم عند احتفافه بالقرآن، بل قال جماعة: إن ما اتفق عليه البخاري ومسلم يفيد - في غير مواضع النقد منه - العلم؛ لاحتفافه بالقرائن، ومنهم الغزالي).
    وقال: "وأين اجتماع نصوص العلماء مع قول أمثال أبي حامد الأسفراييني، وأبي إسحاق الأسفراييني، والقاضي أبي الطيب، وابي إسحاق الشيرازي، وشمس الأئمة السرخسي، والقاضي عبدالوهاب، ورواية ابن خويز منداد عن مالك، وقول أبي يعلى وأبي الخطاب، وابن الزاغوني، وابن فورك، وغيرهم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، وفي الخبر المحتف بالقرائن" (111) .
    وقال: (بل جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له، أو عملاً به أنه يوجب العلم كما تجد تفصيل ذلك في (توجيه النظر) في ص: 134" (112) .
    قلت: كلام الكوثري هذا حق لا ريب فيه غير أنه لم يقتصر على مسألة "نزول عيسى عليه السلام" فقط، بل هو شامل لجميع الأحاديث الواردة في جميع الأبواب، ومنها باب صفات الله تعالى، فكلام الكوثري هذا حجة عليه خاصة، وعلى الماتريدية عامة كما هو حجة على منكري نزول عيسى عليه السلام، وغيرهم من الملحدين في أسماء الله وصفاته.
    وقال الكوثري: "ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة هذه النعرة بين حين، وآخر تهوين أمر أخبار الآحاد الصحيحة من السنة..،..، فبتهوين أمر أخبار الآحاد يتخلصون من كتب السنة، من صحاح، وسنن وجوامع ومصنفات، ومسانيد، وتفاسير بالرواية، وغيرها...؛
    فهل يسلك مثل هذه السبيل من سبل الشيطان غير صنائع أعداء الإسلام؟ على أن أخبار الآحاد الصحيحة قد يحصل بتعدد طرقها تواتر معنوي؛ بل قد يحصل العلم بخبر الآحاد عند احتفافه بالقرائن؛ بل يوجد بين أهل العلم من يرى أن أحاديث الصحيحين - غير المنتقدة - من تلك الأحاديث المحتفة بالقرائن" (113) .
    قلت: أول من استخف بالأحاديث النبوية واستهان بأمرها هم هؤلاء المتكلمون - أئمة الكوثري وهو منهم - في باب الصفات - فهم قدموا عليها عقولهم الفاسدة وردوها أو حرفوها وعلى كل حالٍ كلام الكوثري هذا حجة عليه وعلى الماتريدية في باب الصفات وهذا تناقض واضح فاضح.
    الحاصل: أن أحاديث الصفات لو سلمنا أنها أخبار آحادٍ لكنها محتفة بالقرائن مفيدةٌ للعلم القطعي بشهادة أئمة الإسلام، وكبار المتكلمين من المعتزلة والماتريدية والأشعرية، أولهم النظام، وآخرهم الكوثري.
    ولكن الكوثري مع تناقضه الفاضح شهد على نفسه ببيانه الواضح
    فكان كعنز السوء قامت لظلفها إلى مدية تحت التراب تثيرها

    الوجه السادس:
    لو سلمنا أن أحاديث الصفات أخبار آحاد مجردة، وسلمنا أيضاً أنها غير محتفة بالقرائن، وسلمنا أيضاً أنها لا تفيد اليقين ولا تفيد إلا العمل فقط، لكن لا نسلم أن لفظ "العمل" مقصور بعمل الجوارح فقط. بل المراد من "العمل" أعم من "عمل الجوارح" فيشمل "عمل القلب"، فيصح الاحتجاج بخبر الواحد في باب الاعتقاد؛ لأنه من "عمل القلب"، وهذا كله بشهادة كبار الماتريدية واعترافهم بما فيهم الكوثري.
    فكيف يصح إبعاد أخبار الآحاد عن حيز الاحتجاج بها في باب العقيدة؟.
    وكيف يصح زعمهم أنها ظنية لا تثبت بها العقيدة؟.
    هذا كله على فرض تسليم أنها ظنية كفرض المحال، مع أنها متواترة، ومشهورة، ومحتفة بالقرائن، ومتفق عليها، متلقاة بالقبول، مفيدة للعلم القطعي يصح الاحتجاج بها في الاعتقاد والأحكام جميعاً بإجماع السلف، ونصوص كبار المتكلمين من المعتزلة، والماتريدية والأشعرية كما سبق، فهي أحد مصدري تلقي العقيدة في دين الإسلام.
    وإليك بعض نصوص الماتريدية في أن "العمل" أعم من "عمل الجوارح" فيشمل "عمل القلب" فيصح الاحتجاج بخبر الواحد في باب الاعتقاد؛ لأنه من عمل القلب؛ فأقول وبالله التوفيق:
    لقد تصدى الكوثري للرد على مزاعم منكري نزول عيسى عليه السلام الذين تمسكوا بقاعدة فاسدة باطلة وضعها المتكلمون من أن أخبار الآحاد ظنية لا تثبت بها العقيدة؛ فقالوا: "إن أحاديث نزول عيسى عليه السلام أخبار آحاد ظنية لا تثبت بها العقيدة، ولا تصلح إلا للأحكام العملية". إلزاماً للمتكلمين واحتجاجاً عليهم.
    فرد عليهم الكوثري ردوداً عدة:
    منها أن المراد من العمل في كلام المتكلمين: "أن أخبار الآحاد لا تصلح إلا للعمل" أعم من "عمل الجوارح" فيشمل "عمل القلب" وهو الاعتقاد.
    فيقول الكوثري: (قال علاء الدين عبدالعزيز بن أحمد البخاري في شرح أصول فخر الإسلام البزدوي: "اعتقاد القلب فضل على العلم، لأن العلم قد يكون بدون عقد القلب، كعلم أهل الكتاب بحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم، مع عدم اعتقادهم حقيقة..، والعقد قد يكون بدون العلم أيضاً كاعتقاد المقلد، وإذا كان كذلك جاز أن يكون خبر الواحد موجباً للاعتقاد الذي هو عمل القلب، وإن لم يكن موجباً للعلم.
    قال أبو اليسر: "الأخبار الواردة في أحكام الآخرة من باب العمل فإن العمل نوعان: عمل الجوارح، واعتقاد القلب، فالعمل بالجوارح إن تعذر لم يتعذر العمل بالقلب اعتقاداً".
    وذلك عند شرحه لقول فخر الإسلام "وفيه ضرب من العمل أيضاً، وهو عقد القلب عليه، إذ العقد فضل عليه".
    فظهر أن خبر الآحاد الصحيح قد يفيد اعتقاداً جازماً في أناس، ولا يفيد البرهان العلمي اعتقاداً في آخرين، فواحد يعتقد اعتقاداً جازماً بنزول عيسى عليه السلام بمجرد أن سمع حديثاً واحداً في ذلك من صحيح البخاري مثلاً، وآخر لا يعتقد ذلك ولو أسمعته سبعين حديثاً، وثلاثين أثراً من الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع وسائر المدونات في الحديث مما يحصل التواتر بأقل منها بكثير، فالناجي هو ذاك الواحد دون الآخر) (114) .
    ويقول الكوثري أيضاً: (والواقع أن من قال: "إن خبر الواحد يفيد العمل فقط". يريد بالعمل ما يشمل عمل الجوارح، وعمل القلب - وهو الاعتقاد، كما نص على ذلك البزدوي نفسه حيث قال في آخر مبحث الآحاد: "فأما الآحاد في أحكام الآخرة فمن ذلك ما هو مشهور، ومن ذلك ما هو دون ذلك، لكنه يوجب ضرباً من العلم على ما قلنا، وفيه ضرب من العمل أيضاً، وهو عقد القلب...، فصح الابتلاء بالعقد كما صح الابتلاء بالعمل بالبدن".
    وبذلك يعلم وجه تدوين أخبار الآحاد في كتب الحديث في المغيبات، وأمور الآخرة...؛
    فالآن قد ظهر من يفهم معنى العقيدة، ومن لا يفهمه حقاً، ومن تزبب قبل أن يتحصرم يلقى ما يلقاه من تزعم قبل أن يتعلم..) (115) .
    وقال الكوثري أيضاً: (والاعتقاد عمل قلبي يؤخذ من خبر الآحاد، كما سبق من فخر الإسلام، فيكون إنكار أخذ الاعتقاد من خبر الآحاد إنكاراً للدليل العقلي المفيد للعلم الموجب للعمل بخبر الآحاد أعم من أن يكون عمل الجوارح، وعمل القلب - وهو الاعتقاد -.. ؛
    فيعلم أن حفاظ الأمة ما كانوا عابثين في تدوينهم لأخبار الآخرة، والأمور الغيبية في كتبهم، ولا كان الأئمة لاعبين في تدوينهم السمعيات في كتب العقائد) (116) .
    قلت: نعمد إلى حجة الماتريدية والكوثري هذه - التي احتجوا بها على منكري نزول عيسى عليه السلام - فنقلبها حجة على الكوثري خاصة والماتريدية عامة، فنقول: لو سلمنا أن أحاديث الصفات أخبار آحاد مجردة، ظنية، لا تفيد إلا العمل، لكن نقول: إن العمل نوعان: عمل الأركان، وعمل الجنان؛ فهي تفيد عمل الجنان، وهو الاعتقاد، فصح أخذ العقيدة من أخبار الآحاد؛ وخبر الآحاد الصحيح قد يفيد اعتقاداً جازماً لأناس بقوا على فطرتهم السليمة؛ فإن أحدهم إذا سمع حديثاً واحداً من صحيح البخاري في صفات الله تعالى اعتقده اعتقاداً جازماً.
    أما الذين زاغت قلوبهم، وفسدت فطرهم، وعقولهم بالفلسفة والكلام فإن أحدهم لو أسمعته سبعين حديثاً، وثلاثين أثراً من الصحاح، والسنن لا يحصل لهم شيء من العلم بل ربما يردها أو يحرفها.
    فالآن قد ظهر من يفهم معنى العقيدة فهماً صحيحاً، ومن تزبب قبل أن يتحصرم يلقى ما يلقاه من تزعم قبل أن يتعلم كما تبين أن أئمة السنة وحافظ الأمة ما كانوا عابثين ولا لاعبين في تدوينهم لأحاديث الصفات وغيرها في كتب العقائد، ولله الحمد والمنة،، على أن هدانا إلى السنة،، وله الشكر على أن قتل الكوثري سلاح لسانه، وسيف بيانه وسكين بنانه،، ورده بغيظه برد كيده في نحره،، وهتك مكره وأمره بعجره وبجره،، فهو متناقص مفضوح صريح قتيل ذليل،، بقاله هذا وقيله الآتي عما قليل،


    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:37 pm


    الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات

    الماتريدية - كغيرهم من فرق المعطلة- عرضت لهم شبهة وهي أن ظواهر نصوص الصفات موهمة للتشبيه فزعموا أنه لو بقيت هذه النصوص - بدون تفويض أو تأويل- على معانيها الحقيقية من العلو، والنزول، والاستواء، والوجه واليدين والغضب والرضا ونحوها - لزم تشبيه الله تعالى بالمخلوقات وهذا ينافي تنزيه الله تعالى عن مشابهتهم، والعقل يستحيل إبقاء هذه النصوص على ظاهرها فلذلك لابد من تفويض معانيها إلى الله تعالى، أو تأويلها إلى ما يوافق العقل.
    ولا يجوز حملها على ظاهرها.
    وهذه الشبهة هي التي دفعتهم إلى التقول بالتفويض الباطل على السلف، وتعطيل كثير من الصفات الكمالية لله تعالى، وتحريف نصوصها.
    ونحن بتوفيق الله تعالى نناقشهم ونذكر وجوهاً لإبطال هذه الشبهة وبيان خطرها. إن شاء الله تعالى، فنقول وبالله التوفيق.
    الوجه الأول:
    أن القول بأن ظاهر نصوص الصفات تشبيه، أو ظواهر هذه النصوص موهمة للتشبيه - قول في غاية الفساد والضلال؛ لأن ذلك يستلزم أموراً كفرية جداً منها:
    1- أن ظاهر نصوص القرآن والسنة هو الضلال البعيد والكفر الصريح والشرك القبيح والباطل المحض؛ لأن تشبيه الله بخلقه كفر.
    2- أن الكتاب والسنة مشتملان على كفر وضلال، ولا يستفاد منهما نور وهداية وبيان الحق.
    3- أن الكتاب والسنة لا يصلحان أن يكونا مصدرين لتلقي العقيدة فيما يخبران عن الله تعالى.
    4- أنهما ليس فيهما ما يصلح للاعتقاد بل فيهما ما يفسد العقيدة، ويضلل الناس.
    5- أن القلوب تتخلَّى عن الجزم بشيء مما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    6- أن يُعزل الكتاب والسنة عن الدلالة والإرشاد ولاسيما فيما يتعلق بصفات الله.
    7- أن ترك الناس بلا كتاب ولا رسالة كان خيراً لهم.
    8- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم التابعين يتكلمون بما ظاهره كفر وضلال دائماً ولم يقولوا يوماً من الدهر أن ظاهرها غير مراد.
    9- أن هذا يستلزم إقرار الصدر الأول من الصحابة والتابعين لهذا الكفر العظيم؛ حيث تكلموا بما ظاهره كفر بدون بيان ودون تحذير الأمة.
    10- أن هذا فتح الأبواب لأنواع من المشركين والمبتدعين من الباطنية وغيرهم لا يمكن سدها وهذه الأمور العشرة أذكرها مفصلة:
    قال شيخ الإسلام: "فإن كان الحق فيما يقول هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة - من هذه العبارات ونحوها، دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصاً وإما ظاهراً فكيف يجوز على الله ثم على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم على أخير الأمة أنهم يتكلمون دائماً بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق، ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط، ولا يدلون عليه لا نصاً، ولا ظاهراً، حتى يجيء أنباط الفرس والروم، وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل فاضل أن يعتقدها.
    لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون، والمتكلفون هو الاعتقاد الواجب - وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا الواجب - وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصاً أو ظاهراً - لقد ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير؛ بل كان وجود الكتاب والسنة ضرراً محضاً في أصل الدين؛
    فإن حقيقة الأمر - على ما يقوله هؤلاء- أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله عز وجل، ولا من طريق سلف الأمة؛ ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقاً له من الصفات فصفوه به، سواء كان موجوداً في الكتاب والسنة أو لم يكن، وما لم تجدوه مستحقاً له في عقولكم فلا تصفوه به...؛ هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء المتكلمين؛
    وهذا الكلام قد رأيته بمعناه لطائفة منهم، وهو لازم لجماعتهم لزوماً لا محيد عنه؛
    ومضمونه: أن كتاب الله لا يهتدي به في معرفة الله، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- معزول عن التعليم، والإخبار بصفات من أرسله، وان الناس عند التنازل لا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول -صلى الله عليه وسلم- بل إلى مثل ما كانوا عليه في الجاهلية، وإلى مثل ما يتحاكم إليه من لا يؤمن بالأنبياء كالبراهمة والفلاسفة، وهم المشركون، والمجوس، وبعض الصابئين ...؛
    وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:60]
    ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين، أو الصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا به...؛
    قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]
    ولازم هذه المقالة أن لا يكون الكتاب هدىً للناس، ولا بياناً، ولا شفاء لما في الصدور، ولا نوراً، ولا مرداً. عند التنازع؛ لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلفون: إنه الحق الذي يجب اعتقاده - لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصاً ولا ظاهراً...؛
    وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش، ولا فوق السماوات، ونحو ذلك بقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، لقد أبعد النجعة، وهو إما ملغز وإما مدلس، لم يخاطبهم بلسان عربي مبين؛
    ولازم هذه المقالة أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم في أصل دينهم؛ لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد، وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالة؛
    يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوماً من الدهر، ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، واعتقدوا كذا وكذا. فإنه الحق وما خالفه ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه وما لا يوافق فتوقفوا فيه أو انفوه؛
    ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة (1) . فقد علم ما سيكون ثم قال: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله))؛
    وروى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في صفة الفرقة الناجية: ((هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).
    فهلا قال: من تمسك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال؟ وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم، وما يحدثه المتكلمون منكم؟.." انتهى كلام شيخ الإسلام (2) .
    وقال الإمام ابن ابي العز الحنفي: "ويجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه، وأن من فهم ذلك فهو لقصور فهمه ونقص علمه وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس:
    وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم

    وقيل:
    عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها وما عليَّ إذا لم تفهمِ البقرُ

    فكيف يقال في قول الله الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث، وهو الكتاب الذي أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير [هود: 1] إن حقيقة قولهم أن ظاهر القرآن والحديث هو الضلال وأنه ليس فيه ما يصلح من الاعتقاد، ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه (3) .
    هذا حقيقة قول المتأولين، والحق: أن مادل عليه القرآن فهو حق وما كان باطلاً لم يدل عليه والمنازعون يدعون دلالته على الباطل الذي يتعين صرفه. فيقال لهم: هذا الباب الذي فتحتموه - وإن كنتم تزعمون أنكم تنتصرون به على إخوانكم المؤمنين في مواضع قليلة خفية - فقد فتحتم عليكم باباً لأنواع المشركين والمبتدعين، ولا تقدرون على سده...".
    ثم ذكر رحمه الله نتائج وخيمة:
    منها: أن ذلك يستلزم أن لا نقر بشيء من معاني الكتاب والسنة.
    ومنها: أن القلوب تتخلى عن الجزم بشيء مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لا يوثق بأن الظاهر هو المراد، والتأويلات مضطربة، فيلزم عزل الكتاب والسنة عن الدلالة والإرشاد إلى ما أنبأ الله به العباد، والقرآن هو النبأ العظيم؛ وهذا فتح باب الزندقة نسأل الله تعالى العافية (4) .
    ونكفتي به الآن في بيان ضرر هذه الشبهة وسيأتي مزيد إيضاح في الوجوه الآتية، إن شاء الله تعالى.
    الوجه الثاني:
    أن نقول: إن أصحاب شبهة التشبيه - الذين ردوا نصوص الصفات أو حرفوها وعطلوا ما دلت عليه من صفات الله تعالى- لم يعرفوا حقيقة التشبيه المنفي عن الله تعالى وصفاته (5) ؛ فأتوا من سوء فهمهم.
    كما أنهم لم يعرفوا حقيقة التنزيه، وحقيقة التوحيد.
    فأدخلوا في مفهوم التشبيه ما ليس منه، كما أنهم أدخلوا في مفهوم التنزيه والتوحيد ما ليس منهما (6) فيسمون نفي الصفات توحيداً وتنزيهاً (7) كالجهمية والفلاسفة والقرامطة (Cool .
    حيث أدخلوا في التشبيه إثبات الصفات، وأدخلوا في التنزيه نفي الصفات، وظنوا أن هذا هو التوحيد بحجة أن إثبات الصفات لله تعالى يخالف التنزيه والتوحيد ويستلزم التشبيه (9) .
    مع أن الأمر ليس كذلك.
    بل الحقيقة أن وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بالله - بلا تكييف ولا تمثيل ليس من باب التشبيه والتجسيم في شيء بل هذا عين التنزيه والتوحيد والإيمان، لأن في ذلك تنزيه الله تعالى عن العيوب، والنواقص. ونفي الصفات تشبيه الله تعالى بالمخلوق بل المعدوم والممتنع حتى باعتراف أبي منصور إما الماتريدية (10) .
    لأن إثبات الصفات وفق منهج السلف إثبات الكمال لله تعالى ونفي كل عيب ونقص عنه سبحانه.
    وإنما التشبيه أن يقال: علو الله تعالى كعلو خلقه؛ واستوائه، ونزوله وغضبه ورضاه وضحكه، وفرحه، ويده، ووجهه، وعينه كاستواء خلقه أو كنزوله وغضبه، ورضاه، وضحكه، وفرحه، ويده، ووجهه، وعينه.
    ومذهب السلف بعيد عن التشبيه بل هو وسط بين طرفي النقيض لا علاقة له بالتعطيل ولا بالتمثيل فمذهبهم عين التنزيه البعيد عن التشبيه.
    قال شيخ الإسلام: "ومذهب سلف الأمة وأئمتها: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي صفات الله تعالى - التي وصف بها نفسه - ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين، بل هو سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله... ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالين: إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات؛ فقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11] رد على أهل التشبيه والتمثيل. وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ رد على أهل النفي، والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، والممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً" (11) .
    وقد بين أئمة هذه الأمة حقيقة التشبيه المنفي عن الله وعن صفاته كما بينوا أن إثبات الصفات لله تعالى بلا تكييف ولا تمثيل ليس من باب التشبيه رداً على المعطلة، ونصوص الإمام أبي حنيفة حجة على الماتريدية.
    وإليك أقوال بعض أئمة الإسلام غير أبي حنيفة:
    1- قال الإمام نعيم بن حماد (228هـ) "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه".
    2- وقال الإمام إسحاق بن راهويه: (238هـ): "إنما التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال: كما قال الله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً وهو كما قال الله تعالى في كتابه:
    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]
    3- وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241هـ) في جواب سؤال: من المشبهة؟ قال: "من قال: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، فقد شبه الله بخلقه" (12) .
    قلت: إدخال نفي الصفات في مسمى التنزيه والتوحيد وجعل إثبات الصفات داخلاً في مسمى التشبيه ورمي من وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم بالتجسيم والتشبيه هو عين عقيدة الجهم وأصحابه كما قال الإمام أحمد عن الجهم: (... ووجد ثلاث آيات من المتشابه قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:2]، لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103]، فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافراً، وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشراً كثيراً، وتبعه على أقواله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية) (13) .
    4- وقال الإمام الترمذي: "وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: "قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال: كيف؟" هكذا روى عن مالك وسفيان بن عيينة وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمِرّوها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا التشبيه؛
    وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: "اليد، والسمع، والبصر" فتأولت الجهمية هذه الآيات وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة".
    ثم ذكر كلام الإمام إسحاق بن راهويه الذي سقنا نصه آنفاً (14) .
    5- وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "فتدبروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب، في ذكر اليدين، كنحو قولنا في ذكر الوجه، والعينين تستيقنوا بهداية الله إياكم وشرحه جلّ وعلا صدورّكم للإيمان بصفات خالقنا وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق، والصواب، والعدل في هذا الجنس مذهُبنا مذهبُ أهلِ الآثارِ، ومُتَّبِعي السُّنَنِ، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه" (15) .
    6-7- وذكر الحافظ ابن حجر والشاه ولي الله كلام الإمام إسحاق بن راهويه المتقدم آنفاً، وكلام الإمام الترمذي الذي يمثل عقيدة أئمة الإسلام أمثال مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وغيرهم في بيان حقيقة التشبيه وأن إثبات الصفات على منهج السلف ليس من التشبيه في شيء؛ وأقراه، وحققا أن التشبيه: أن يقال يد الله كيد خلقه ووجهه كوجه خلقه مثلاُ (16) .
    8- وقال المحدث المباركفوري في شرح كلام الإمام الترمذي هذا: "قوله: وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات" إلخ قال الحافظ في (مقدمة الفتح): "الجهمية من ينفي صفات الله تعالى التي أثبتها الكتاب والسنة، ويقول: القرآن مخلوق".
    "وقالوا: هذا تشبيه" وذهبوا إلى وجوب تأويلها "فتأولت الجهمية هذه الآيات وفسروها على غير ما فسر أهل العلم" فتفسيرهم لهذه الآيات ليس إلا تحريفاً فالحذر الحذر عن تأويلهم وتفسيرهم، "وقالوا: "إن الله لم يخلق آدم بيده"، وقالوا: "إنما معنى اليد القوة" فغرضهم من هذا التأويل هو نفي اليد لله تعالى ظناً منهم أنه لو كان له تعالى يد لكان تشبيهاً، ولم يفهموا أن مجرد ثبوت اليد له تعالى ليس بتشبيه، "وقال إسحاق بن إبراهيم" هو إسحاق بن راهويه: "إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد الخ" هذا جواب عن قول الجهمية" (17) .
    9- وقال شيخ الإسلام: "فمن قال: إن علم الله كعلمي، أو قدرته كقدرتي، أو كلامه مثل كلامي أو إرادته، ومحبته، ورضاه، وغضبه مثل إرادتي، ومحبتي ورضائي وغضبي؛ أو استواؤه على العرش كاستوائي، ونزوله كنزولي، أو إتيانه كإتياني، ونحو ذلك - فهذا قد شبه الله ومثَّله بخلقه، تعالى الله عما يقولون؛
    وهو ضال، خبيث، مبطل، بل كافر،
    ومن قال: إن الله ليس له علم ولا قدرة ولا كلام، ولا مشيئة ولا سمع، ولا بصر، ولا محبة ولا رضى، ولا غضب، ولا استواء، ولا إتيان ولا نزول - فقد عطل أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وألحد في أسماء الله وآياته؛ وهو ضال، خبيث، مبطل، بل كافر" (18) .
    قلت: لقد ظهر ظهوراً بيناً من نصوص هؤلاء الأئمة أن إثبات الصفات لله تعالى بلا تكييف ولا تمثيل ليس فيها شائبة من التشبيه وأن هذا عين التنزيه فالذين فسروا التشبيه من الجهمية وأذيالهم من الماتريدية وغيرهم بغير ما فسره به أئمة الهدى فقد حرفوا النصوص وقلبوا التوحيد وعطلوا الصفات ورموا أئمة السنة بالتشبيه والتجسيم والكفر والشرك والوثنية بهتاناً وعدواناً ولم يعرفوا حقيقة التشبيه ولا حقيقة التنزيه بل ولا حقيقة التوحيد.
    اعتراف الماتريدية والأشعرية:
    لقد اعترف أئمة الماتريدية والأشعرية - شعروا أم لا- بأن إثبات الصفات لله تعالى على طريقة السلف ليس من باب التشبيه أصلاً، وإليك بعض الأمثلة من اعترافاتهم:
    1- الإمام أبو منصور الماتريدي إمام الماتريدية اعترف بذلك في صدد رده على المعتزلة: فقال: "وليس إثبات الأسماء، وتحقيق الصفات تشابه، لنفي حقائق ما في الخلق عنه... لكنا أردنا به ما يسقط التشبيه من قولنا عالم لا كالعلماء وهذا في كل ما نسميه، ونصفه؛ والله الموفق" (19) .
    واحتج الماتريدي على المعتزلة والجهمية الأولى الذين يزعمون أن إثبات الصفات تشبيه فذكر لهم أن إثبات الصفات وإن كان في بادئ النظر تشبيهاً ولكن نهايته توحيد وتنزيه فنفي الصفات تعطيل، وإثباتها تشبيه، ولكن إذا قلنا: "عالم وقادر لا كالعلماء والقادرين" هذا يزيل شبهة التشبيه.
    فمن نص كلام الماتريدي: "والأصل في حرف التوحيد أن ابتداءه تشبيه وانتهاءه توحيد... فقيل عالم وقادر، ونحو ذلك، إذ في الإمساك عن ذلك تعطيل، وفي تحقيق المعنى في خلقه تشبيه، فوصل به "لا كالعلماء، ونحوه" ليجعل نفي التشبيه ضمن الإثبات: فهذا فيما ألزمت ضرورة العقل القول به والسمع جميعاً" (20) .
    وقال أبو منصور الماتريدي أيضاً في الاحتجاج على الجهمية الأولى: "ثم الوصف لله بأنه قادر عالم كريم جواد، والتسمية بها حق من السمع والعقل جميعاً...؛ إلا أن قوماً وجهوا تلك الأسماء إلى غيره ظناً منهم أن في إثبات الاسم تشابهاً بينه وبين كل مسمى. ولو كان به ذلك لكان بنفي التعطيل ذلك، وبنفيه أيضاً تشابه وبين مالا يدخل تحت اسم..." (21) .
    قلت: هلا يسير الماتريدي، والماتريدية هذا المنهج في مثل علو الله واستوائه ونزوله ويده وغيرها؟
    وقال: "ثم الدليل على ما قلنا مجيء الرسل والكتب السماوية بها ولو كان في التسمية بما جاءت به الرسل تشبيه لكانوا سبب نقص التوحيد، وهم جميعاً دعوا إلى عبادة الواحد وإلى معرفة وحدانية الباري. لم يجز أن يكون ذلك - أي إثبات الصفات- مما يحقق العدد، ويثبت الموافقة للخلق، ولا قوة إلا بالله" (22) .
    قلت: تدبر كلام هذا الرجل كيف احتج على الجهمية الأولى حجة أهل السنة؟ مع أن هذه الحجة تنقلب حجة عليه، وعلى أتباعه الماتريدية جميعاً أيضاً فيما نفوه من الصفات كالعلو والاستواء والنزول والغضب والرضى واليدين وغيرها فكان ينبغي لهم أن ينهجوا منهج السلف في جميع الصفات لئلا يقعوا في تناقض فاضح، واعتراف واضح.
    2- ولقد أقحم شيخ الإسلام هؤلاء الماتريدية والأشعرية لما ادعوا أن أثبات العلو والاستواء والنزول وغيرها يستلزم التشبيه - في تلك المناظرة المشهورة التي عقدت حول العقيدة الواسطية فكلهم سكتوا وبهتوا وكان يوماً مشهوداً حضرها الأمراء وكبار الأشعرية وأعداء شيخ الإسلام وقد أظهر من قيام الحجة وبيان المحجة- ما أعز الله به السنة والجماعة، وأرغم به أهل البدعة والضلالة قاله شيخ الإسلام (23) .
    ولما تشبثوا بشبهات وأخذوا يذكرون نفي التشبيه والتجسيم ويطنبون في هذا-
    قال لهم شيخ الإسلام:
    "قولي: "من غير تكييف، ولا تمثيل" ينفي كل باطل وإنما أخذتُ هذين الاسمين لأن "التكييف" مأثور نفيه عن السلف كما قال ربيعة ومالك وابن عيينة وغيرهم المقالة التي تلقاها العلماء بالقبول: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". فاتفق هؤلاء السلف على أن الكيف غير معلوم لنا؛ فنفيتُ اتباعاً لسلف الأمة، وهو أيضاً منفي بالنص تأويل آيات الصفات يدخل فيها حقيقة الموصوف، وحقيقة صفاته، وهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله كما قرر ذلك في قاعدة مفردة ذكرتها في التأويل، والمعنى، والفرق بين علمنا بمعنى الكلام وبين علمنا بتأويله.
    وكذلك "التمثيل" يُنفي بالنص والإجماع القديم، مع دلالة العقل على نفيه، ونفي التكييف إذ كنه الباري تعالى غير معلوم للبشر.
    وذكرت في ضمن ذلك كلام الخطابي الذي نقل أنه مذهب السلف وهو: "إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحتذى فيه حذوه، ويتبع فيه مثاله. فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف".
    فقال أحد كبراء "المخالفين": فحينئذ يجوز أن يقال: هو جسم، لا كالأجسام".
    فقلت له أنا وبعض الفضلاء الحاضرين: "إنما قيل: إنه يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس في الكتاب والسنة أن الله جسم، حتى يلزم هذا السؤال..." (24) .
    إلى آخر كلام طيب قامع ودامغ لهذه الشبهة الواهية، شبهة التشبيه".
    3- الإمام بدر الدين العيني الحنفي رحمه الله (855هـ) الذي يبجله الكوثري ويجله غاية الإجلال ويرجحه على الحافظ ابن حجر كما يرجح "عمدته" على "فتحه" بل طعن في ابن حجر دفاعاً عن العيني (25) .
    فقد ذكر العيني عقيدة شيخ الإسلام وأقرها وقال في الدفاع عنه والرد على أعدائه من الماتريدية والأشعرية:
    "... بل الخالق سبحانه وتعالى بائن من المخلوقات ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11] لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل يوصف الله بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل فلا تمثل صفاته بصفات خلقه، ومذهب السلف إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، وقد سئل الإمام مالك - رضي الله عنه- عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فقال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
    فهذا الإمام - أي شيخ الإسلام- كما رأيت عقيدته، وكاشفت سريرته، فمن كان على هذه العقيدة كيف ينسب إليه الحلول والاتحاد، أو التجسيم أو ما يذهب إليه أهل الإلحاد..." (26) .
    قلت: كلام الإمام البدر العيني صريح في أن إثبات الصفات بلا تكييف ولا تمثيل ليس من باب التشبيه في شيء. وفي نصه عبرة للماتريدية ولاسيما الكوثرية كما أنه نص صريح على سلامة عقيدة شيخ الإسلام!.
    4- العلامة الملا على القاري الحنفي (1014هـ) الذي يُكْبُرهُ الكوثري ويقول فيه: "إنه ناصر السنة" (27) وجعله الكوثري في قائمة كبار أئمة الحنفية (28) .
    فقد دافع القاري جزاه الله خيراً - دفاعاً كاملاً عن شيخ الإسلام وابن القيم، ورد على من رماهم بسوء الاعتقاد والتجسيم، والتشبيه والضلال، وأقر عقيدة السلف في الصفات وأنها لا تستلزم التشبيه كما دافع عن أهل الحديث ورد على من يطعن فيهم بالتشبيه والحشو.
    ثم حقق أن عقيدة شيخ الإسلام وابن القيم هي بعينها عقيدة الإمام أبي حنيفة رحمه الله؛ فمما قال العلامة القاري:


    تابعونا




    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:38 pm



    "أقول: صانهما - (يعني شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم) - الله عن هذه الوهمة الشنيعة، والنسبة الفظيعة ومن طالع شرح منازل السائرين - (يعني مدارج السالكين) - ... تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة بل ومن أولياء هذه الأمة...
    وأنه - (أي شيخ الإسلام )- بريء مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل على عادتهم في أهل الحديث والسنة بذلك...
    وذلك ميراث من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في رميه ورمي أصحابه بأنهم صباة قد ابتدعوا ديناً محدثاً، وهذا ميراث لأهل الحديث والسنة من نبيهم بتلقيب أهل الباطل لهم بالألقاب المذمومة".
    ثم ذكر العلامة القاري الحنفي بيتين إرغاماً للمعطلة:
    فإن كان تجسيماً ثبوت صفاته وتنزيهها عن كل تأويل مفتر
    فإني بحمد الله ربي مجسم هلموا شهوداً واملئوا كل محضر

    ثم ذكر نبذة من عقيدة الإمام أبي حنيفة التي تمثل عقيدة السلف عامة ولاسيما الإمام أبو حنيفة ومالك إمام دار الهجرة ثم أقرها وصرح أن عقيدته - (ابن القيم) - عين عقيدة الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فقال: "ثم بين في الشرح المذكور - ( يعني بين ابن القيم في (مدارج السالكين)) - ما يدل على براءته من التشنيع المسطور والتقبيح المزبور وهو ما نصه: "إن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أفهام العامة، ولا نعني بالعامة الجهال، بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
    فرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر، وهذا الجواب من مالك رحمه الله شافٍ عامٌ في جميع مسائل الصفات من السمع والبصر والعلم، والنزول والغضب والرحمة والضحك، فمعانيها كلها معلومة، وأما كيفيتها فغير معقولة، إذ تعقُّلُ الكيفِ فرعُ العلم بكيفية الذات، وكنهها، فإذا كان ذلك غير معلومٍ فكيف يعقل لهم كيفية الصفات؟.
    والعصمة النافعة في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبت له الأسماء والصفات، وينفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثبات منزهاً عن التشبيه ونفي منزهاً عن التعطيل، فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل، ومن شبهه باستواء المخلوقات على المخلوق فهو مشبه، ومن قال: هو استواء ليس كمثله شيء فهو الموحد المنزه".
    انتهى كلامه - (أي ابن القيم)- وتبين مرامه، وظهر أن معتقده موافق لأهل الحق من السلف... فالطعن الشنيع والتقبيح الفظيع غير موجه عليه ولا متوجه إليه فإن كلامه بعينه مطابق لما قاله الإمام الأعظم، والمجتهد الأقدم في (فقهه الأكبر)، ما نصه: "وله تعالى يد ووجه ونفس.. له صفات بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطالُ الصفةِ، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف..." (29) .
    5- وبعدما ذكرنا من نصوص أئمة الحنفية لا نحتاج إلى مزيد، ولكن مع ذلك أود أن أقدم للقراء نص كلام العلامة الشاه محمد أنور الكشميري الحنفي (1352هـ) محدث الديوبندية والذي يبجله الكوثري وأبو غدة ويعظمانه ويبجلانه غاية الإجلال بله الديوبندية إطراء وغلواً (30) .
    قال العلامة أنور - رحمه الله:
    "ألا ترى أن الأشعري لما بالغ في التنزيه وشدد فيه لزمه نفي كثير من الصفات التي أثبتها السمع حتى قارن المعطلة فلم يبق للاستواء المنصوص عنده مصداق، وصار نحو ذلك كله من باب المجازات عنده فالقرآن يأبى عما يريده الأشعري من تنزيهه هذا - تبارك الله- وقد نقلنا لك فيما أسلفنا أننا لم نجد تعبيراً في القرآن أزيد إيهاماً من قوله تعالى: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30]، ومن قوله بُورِكَ مَن فِي النَّارِ [النمل:8]، وكان ذلك مسموعاً فالأشعري يزعمه خلاف التنزيه قلت: فعليه أن يكره هذا التعبير أيضاً، ولكن القرآن قد أتى به ولم يبال بذلك الإيهام، ولا رآه مخالفاً للتنزيه.. وبالجملة قد ثبت إسناد كثير من الأشياء في السمع ولا يرضى الأشعري إلا بقطعها عن الله تعالى، مع أن القرآن على ما يظهر لا يسلك مسلك تلك التنزيهات العقلية" (31) .
    قلت: هذا كلام جيد غير أن الردَّ على الأشعري والسكوتَ على الماتريدي ليس من الإنصاف في شيء، فكلامه هذا.
    أولاً: حجة على الماتريدي والماتريدية أيضاً.
    وثانياً: فيه اعتراف بالحق، وهو أن إثبات الصفات ليس من التشبيه في شيء.
    ثالثاً: أن تنزيهاتهم المزعومة تعطيل في الحقيقة وليس من التنزيه المطلوب في شيء؛ بل يجب تنزيه الله تعالى من هذا التنزيه الباطل.
    فليتدبر القراء الكلام ولا سيما الحنفية الماتريدية في هذه النصوص التي سقتها عن هؤلاء الأئمة: الإمام أبو حنيفة، والإمام أبو منصور الماتريدي والإمام البدر العيني، الشاه ولي الله، والملا على القاري، والشاه أنور شاه الديوبندي ليعرفوا أن كلامهم مشتمل على أمور مهمة أذكر منها ما يلي:
    1- العقيدة الإسلامية في الصفات هي عقيدة السلف الصالح لا غيرها.
    2- عقيدة السلف في الصفات أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل والصفات ومن غير تكييف ولا تمثيل.
    3- لا صلة للتفويض بعقيدة السلف وإنما تفويض السلف تفويض علم الكيف لا علم المعنى فمعاني الصفات معلومة، وكيفيتها مجهولة.
    4- إثبات الصفات لله تعالى وفق المنهج السلفي ليس من التشبيه والتجسيم في شيء.
    5- مذهب السلف وسط بين الإفراط والتفريط من التشبيه والتعطيل.
    6- تأويل الخلف خروج على منهج السلف.
    7-9 تأويل الصفات تحريف للنصوص وتعطيل للصفات وإبطالها، وأنه مذهب الجهمية.
    10- أن الله تعالى عالٍ على خلقه بائن من مخلوقاته لا في ذاته شيء من المخلوقات ولا في المخلوقات شيء من ذاته.
    11- فَزّعْمُ أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، ولا فوق ولا تحت... باطل، وهذيان المجانين والمحمومين.
    12-13 الدفاع الكامل عن الإمامين شيخ الإسلام وابن القيم، وأنهما بريئان من تهمة التشبيه والتجسيم، وأن رميهما بتلك الألقاب عدوان وبهتان على عادة الجهمية رمي أهل الحديث والسنة بها، وأنهما من أهل السنة والجماعة، بل من أولياء هذه الأمة؛ وأن عقيدتهما بعينها عقيدة السلف الصالح بما فيهم الإمام أبو حنيفة رحمهم الله تعالى.
    الوجه الثالث:
    أن نقول: هؤلاء الماتريدية وغيرهم من أهل الكلام كما لم يعرفوا حقيقة "التشبيه" الواجبِ نفيُه عن الله، فأدخلوا في مفهوم "التشبيه" إثبات صفات الله تعالى ثم عطلوها بحجة التشبيه.
    كذلك هم لم يعرفوا حقيقة "التنزيه" الواجبِ إثباته لله تعالى فأدخلوا في مفهوم "التنزيه" نفي كثير من صفات الله تعالى فعطلوها بحجة التنزيه.
    وقد ناقشناهم في الوجه السابق وأوضحنا أن وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل ليس من التشبيه في شيء ونتحدث في هذا الوجه عن عدم معرفتهم حقيقة "التنزيه" وأن ما يسمونه من "التنزيه" يتضمن تعطيل صفات الله تعالى، وأن تنزيههم باطل يجب تنزيه الله تعالى من تنزيههم، فنقول وبالله التوفيق.
    "التنزيه" المطلوب الذي دل عليه الكتاب والسنة، والذي فهمه السلف أئمة هذه الأمة بما فيهم الإمام أبو حنيفة رحمهم الله تعالى - هو تنزيه الله تعالى من كل عيب ونقص مع إثبات ما ورد به الشرع من الأسماء الحسنى، المطلوب تحقيقه البتة.
    بل تسميةُ نفي الصفات "تنزيهاً" من قبيل تسمية الشيء بغير اسمه، كما أن إثبات الصفات الكمالية له تعالى ليس من باب "التشبيه" المطلوب نفيه.
    الوجه الخامس:
    لقد ذكرنا في الوجه السابق - لإبطال شبهة التشبيه - نصوص كبار أئمة الماتريدية، وغيرهم على أن اشتراك المسميات والموصوفين في الأسماء العامة والصفات المطلقة لا يستلزم التماثل بينهما، ونذكر الآن أنه لابد من وجود القدر المشترك بين الأشياء للإفهام والتفهيم، وإلا لا نسد باب الإفادة والاستفادة المقصودة في تفاهم الكلام وتعقل معانيه ومراد المتكلم منه، وهذا هو الطريق الوحيد للمعرفة والتفاهم.
    قال الإمام ابن أبي العز الحنفي: "واعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلا أن يعرف عينها، أو ما يناسب عينها، ويكون بينهما قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى، وإلا فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط" (32) .
    وقال: "فالرسول صلوات الله وسلامه عليه لما بين لنا أموراً لم تكن معروفة قبل ذلك، وليس في لغتهم لفظ يدل عليها بعينها - أتي بألفاظ تناسب معانيها تلك المعاني، وجعلها أسماءً لها، فيكون بينهما قدر مشترك، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والإيمان، والكفر.
    وكذلك لما أخبرنا بأمور تتعلق بالإيمان بالله وباليوم الآخر، وهم لم يكونوا يعرفونها قبل ذلك حتى يكون لهم ألفاظ تدل عليها بعينها - أخذ من اللغة الألفاظ المناسبة لتلك بما تدل عليه من القدر المشترك بين تلك المعاني الغيبية والمعاني الشهودية التي كانوا يعرفونها، وقرن بذلك من الإشارة ونحوها ما يعلم به حقيقة المراد".
    وقال: "وأما ما يخبر به الرسول من الأمور الغائبة، فقد كانوا مما أدركوا نظيره بحسهم وعقلهم كإخبارهم بأن الريح قد أهلكت عاداً، فإن عاداً من جنسهم والريح من جنس ريحهم وإن كانت أشد...، وقد يكون الذي يخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم- مما لم يدركوا مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه.
    كما إذا أخبرهم عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر، فلابد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ وبين مفردات ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم... به يعلم المستمعون أن معرفتهم بالحقائق المشهودة هي الطريق التي يعرفون بها الأمور الغائبة؛
    فينبغي أن يعرف هذه الدرجات:
    وثانيها: عقله لمعانيها الكلية.
    وثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية والعقلية.
    فهذه المراتب الثلاث لابد منها في كل خطاب فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة فلابد لنا من تعريفنا المعاني المشتركة بينها، وبين الحقائق المشهودة، والاشتباه الذي بينهما وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة.
    ثم إن كانت مثلها لم يحتج إلى ذكر الفارق كما تقدم في قصص الأمم.
    وإن لم تكن مثلها بين ذلك بذكر الفارق، بأن يقال: "ليس ذلك مثل هذا" ونحو ذلك، وإذا تقرر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق.
    وانتفاء التساوي لا يمنع وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة، ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط" (33) .
    قلت: هذا الذي ذكره ابن أبي العز رحمه الله تعالى. حقيقة واقعة اعترف بها أبو منصور الماتريدي أيضاً حيث يقول:
    "وليس في إثبات الأسماء، وتحقيق الصفات تشابه لنفي حقائق ما في الخلق عنه كالهستية - (كلمة فارسية بمعنى الوجود)- والثبات ولكن الأسماء لما لم يحتمل التعريف، ولا تحقيق الذات بحق الربوبية إلا بذلك، إذ لا وجه لمعرفة غائب إلا بدلالة الشاهد، ثم إذا أريد الوصف بالعلو، والإجلال فذلك طريق المعرفة في المشاهد، وإمكان القول، إذ لا يحتمل وسعنا العرفان بالتسمية بغير الذي شاهدنا..، لكن أردنا به ما يسقط الشبه من قولنا: "عالم لا كالعلماء"، وهذا النوع في كل ما نسميه به، ونصفه، والله الموفق" (34) .
    قلت: الحاصل: أن القدر المشترك بين الأشياء مما لابد منه للتفاهم، وأنه لا يستلزم التشبيه لأن التشبيه ينتفي بمجرد الإضافة والتقييد، والتخصيص، ولاسيما إذا قلنا: "عالم لا كالعلماء" فوصف الله تعالى بالصفات الكمالية بلا تكييف ولا تمثيل ليست فيه رائحة التشبيه، بل هذا عين التنزيه.
    الوجه السادس:
    أن ظاهر كل نص يختلف حسب سماع كل سامع فقد يظهر لسامع أن إثبات الصفات لله تعالى تشبيه ولا يظهر لسامع آخر؛ وسبب ذلك تغير الفطرة وفساد البيئة؛ فإذا كان السامع لنصوص الصفات سليم القلب صحيح الفطرة، ولم يتأثر ببيئةٍ فاسدةٍ فلسفية كلامية - لم يفهم منها إلا ما هو اللائق بالله تعالى ولا يخطر بباله رائحة التمثيل والتشبيه؛ فأقحاح العرب في جاهلية والإسلام حين سمعوا كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الصفات لم يقل أحد منهم إن ظاهره التشبيه أو ظاهره غير مراد، وهكذا خيار هذه الأمة بعد الصحابة التابعون وأتباعهم مضوا على هذا من دون نكير ولا ارتياب ولا تأويل، ولا تفويض مزور، بل كان إثبات الصفات بلا تشبيه، وتنزيه الله بلا تعطيل أمراً جِبِلّيًّا فُطِرَتْ قلوبهم على ذلك فكانوا يعرفون ذلك من أعماق قلوبهم من دون الحاجة إلى الدراسة (35) .
    وبعكس ذلك، إذا كان السامع لنصوص الصفات فاسد القلب والفطرة والعقل متأثراً ببيئة منتنة فلسفية كلامية غريقاً في ظلمات بعضها فوق بعض غريقاً في بحر لجي يغشاه موجٌ فوقه موجٌ - فهو ليلاً ونهاراً يفكر في التشبيه. والتمثيل، والتنزيه، والتركيب، والجهة، والحيز، وغيرها من المصطلحات الفلسفية الكلامية.
    فكلما مر عليه نص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول صفات رب العرش الكريم، يتبادر إلى ذهنه منه الصفة اللائقة بالمخلوق ثم يقف زاعماً: أن هذا النص لو بقي على ظاهره يلزم منه تشبيه الله بخلقه، وهذا مناف للتوحيد والتنزيه - في زعمه- الذي هو عين التعطيل في الواقع - فيلتجئ إلى الإنكار أو التأويل أو على الأقل إلى التفويض.
    ثم لفساد القلوب والفطر دركات شتى فكلما كان الفساد في القلوب والعقول، والفطر أشد وأعمق غوراً، كان أصحابها أشد وأعمق غوراً، في التعطيل. ألا ترى أن غلاة الجهمية لما كان فساد قلوبهم وفطرهم أشد - كانوا أشد غلواً في التعطيل حتى عطلوا الأسماء والصفات جميعاً.
    وبحجة لزوم التشبيه نفسه قاربهم المعتزلة فكانوا أحسن حالاً منهم وأقل خبثاً من هؤلاء الغلاة فعطلوا الصفات وأثبتوا الأسماء مجردة عن معانيها لزعمهم أن التشبيه إنما يتحقق في أثبات الصفات دون الأسماء.
    وقاربهم تلاميذهم الماتريدية، وزملاؤهم الأشعرية الكلابية؛ فأثبتوا الأسماء مع معاني بعضها وإلحاد في بعضها.
    كما أثبتوا بعض الصفات ونفوا سائرها، لظنهم أن التشبيه لا يتحقق فيما أثبتوه كالحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر؛ وإنما يتحقق التشبيه فيما نفوه من الصفات، كالعلو، والاستواء، والنزول، والوجه، واليدين، والغضب، والرضا، ونحوها.
    فلو كانت عقولهم وفطرهم صحيحة ولم يتأثروا بخرافات الفلاسفة وبيئة منتنة كلامية - لكانوا أسعد بالإيمان بالصفات كما كان الصحابة والتابعون أهل القرون المفضلة أسعد به.
    ونوضح هذا المقام بأمثلة يمانية ضربها العلامة المعلمي اليماني (1386هـ) رحمه الله تعالى لبيان تأثر المتكلمين بفساد البيئة والفطرة حتى نفوا الصفات بحجة التشبيه، وتشبثوا بشبهة واهية وارتكبوا ما لا يقره عقل ولا نقل فقال:
    "والحق أن العقول كلها تنبذه البتة إلا من أرعبته شبهة المخالفين لعظمتهم في وهمه، وطالت ممارسته لها، وقد يأنس بالنفي الساقط كما تقدم، وهذا الأنس إنما هو ضرب من الحيرة بل هو ضرب من الجنون.
    أ- افرض أنك خرجت من بيتك، وعلى رأسك عمامة، فيلقاك رجل فيقول لك: "لم خرجت بلا عمامة؟ فترى أنه يمازحك: ثم يلقاك آخر فيقول لك نحو ما قال الأول، وثم يلقاك الثالث، ثم رابع، ثم خامس، هكذا كل منهم يقول لك نحو مقالة الأول.
    ألا ترتاب في نفسك، وتخاف أن تكون قد جُننت، حيث تعتقد أن على رأسك عمامة تراها وتلمسها، وتحس ثقلها، وهؤلاء كلهم ينفون ذلك وقد ينتهي بك الحال إلى أن تحاول أن تقنع نفسك بأنه ليس على رأسك عمامة، وتنفي أن تخبر أحداً بأنك تعتقد أن على رأسك عمامة، بل قد ترى الأولى أن ترمى العمامة عن رأسك حتى يتفق اعتقادك واعتقاد الناس.
    ب- ولكن افرض أنك رميت بها واعتقدت أنه ليس على رأسك عمامة، فلقيك رجل فقال لك: "عمامتك هذه كبيرة"؛ ثم لقيك آخر فقال: "عمامتك هذه وسخة" ثم ثالث، ثم رابع، ثم خامس وهلم جراً. كل منهم يثبت لك أن على رأسك عمامة؛ فماذا يكون حالك؟ وقد وقع ما يشبه هذا فكانت نتيجته الجنون.
    ج- أخبرت أنه كان في هذه البلدة امرأة من نساء كبار الأمراء وكان لها ولد يعارضها ويمانعها عما تريد. واشتدت مضايقته لها، حتى عمدت إلى جماعة أعدتهم لمجالسة ولدها، وصحبته، وأن يتعمدوا مخالفته، وإظهار التعجب منه في أشياء كثيرة، كانوا يقولون في الحلو: "إنه حامض" وفي الأصفر: "إنه أحمر" ونحو ذلك، ففعلوا ذلك، وألحوا فيه حتى تشكك الولد، وجُنَّ.
    د- وأخبرت: أنه كان لرجل من كبار الوزراء ابن وابن أخ، وقريب آخر، وكان القريب عاقلاً ذكياً فطناً مهذباً نبيل الأخلاق، وكان الابن دون ذلك، فخاف الوزير أن يموت، فيتولى الوزارة قريبه دون ابنه فأعد جماعة لمجالسة قريبه، وأمرهم بمخالفته وتشكيكه، ففعلوا ذلك حتى جن المسكين" (36) .
    قلت: وهكذا حال هؤلاء المتكلمين المجانين العقلاء، وذلك لفساد الفطرة والعقل والبيئة؛ فأفضت بهم عقلياتهم إلى طامات لا يقرها عقل ولا نقل، ولا إجماع ولا فطرة من القرمطة والسفسطة ورفع النقيضين؛ وشكوك وشبهات ظنوها براهين قاطعات وتعطيل الصفات وتحريف نصوصها بشبهة "التشبيه" وتشبيه الله بالحيوانات، والجمادات؛ بل بالمعدومات والممتنعات؛ فهم في الحقيقة - مع كونهم معطلة- مشبهة لا منزهة.
    الوجه السابع:
    أن قولهم: "ظاهر النصوص تشبيه أو يوهم التشبيه، أو ظاهر النصوص غير مراد". من الكلمات المجملة الكلامية والألفاظ المستحدثة البدعية المتشابهة المحتملة للحق والباطل كقولهم: "الله ليس في جهة، وليس له حد، ولا مكان، والله منزه عن الأعراض والحوادث" ونحوها.
    وقاعدة السلف في مثل ذلك: التوقف عن الحكم عليها نفياً وإثباتاً قبل التفصيل وقبل بيان مراد قائلها: فيجب فيها التفصيل وتمييز الحق من الباطل؛ فإن كان مراد قائلها معنًى حقا يقبل، وإلا يرد على قائلها، مع أن التقييد بالألفاظ الشرعية المأثورة هو الطريق المتبع (37) .
    فقولهم: (ظاهر النصوص تشبيه) أو قولهم: (ظاهر النصوص غير مراد) نعرضه على تلك القاعدة.
    قال شيخ الإسلام: (القاعدة الثانية: إذا قال القائل: "ظاهر النصوص مراد، أو ظاهرها ليس بمراد". فإنه يقال: لفظ "الظاهر" فيه إجمال واشتراك؛ فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا "ظاهراً"، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً؛ والله سبحانه وتعالى اعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر وضلال.
    والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين:
    تارة: يجعلون المعنى الفاسد "ظاهر اللفظ" حتى يجعلوه محتاجاً إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك.
    وتارة: يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل) (38) .
    وقال: "وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع فإن الله تعالى لما أخبر إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الشورى:12]، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:6]، واتفق أهل السنة وأئمة المسلمين على أن هذا على ظاهره، وأن ظاهر ذلك مراد، كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا.
    وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقةً، عالم حقيقةً، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير.
    فكذلك إذا قالوا - في قوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة:119]، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]-: "وإنه على ظاهره". لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواءً كاستواء المخلوق، ولا حباً كحبه، ولا رضا كرضاه؛ فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين لزمه أن لا يكون شيء في ظاهر ذلك مراداً، وإن كان يعتقد أن ظاهرها هو ما يليق بالخالق ويختص به. لم يكن له نفي هذا الظاهر، ونفي أن يكون مراداً إلا بدليل يدل على النفي وليس في العقل ولا في السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات فيكون الكلام في الجميع واحداً.
    وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام، وهي أبعاض لنا، كالوجه واليد.
    ومنها ما هي معان وأعراض، وهي قائمة بنا كالسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.
    ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير لم يقل المسلمون: "إن ظاهر هذا غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا".
    فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيده لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهوم في حقنا؛
    بل صفة - كل- موصوف تناسبه.
    فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين فصفاته كذلك ليست من مثل صفات المخلوقين ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه، وليس المنسوب كالمنسوب، ولا المنسوب إليه كالمنسوب إلينا...".
    ثم ذكر شيخ الإسلام من مفاسد قولهم: "ظاهر النصوص غير مراد أو ظاهرها تشبيه" ما يلي:
    أ- أن مدلول النصوص هو التمثيل.
    ب- إبقاء النصوص معطلة عما هو اللائق بالله تعالى.
    ج- نفي الصفات التي تدل عليها تلك النصوص فيكون معطلاً، لما يستحقه سبحانه وتعالى.
    د- وصف الرب سبحانه وتعالى بنقيض صفاته اللائقة به تعالى من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات.
    ثم قال: "فيكون قد عطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل فيكون ملحداً في أسماءه وآياته..." (39) .
    وقال شيخ الإسلام: "وجماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة.
    1- قسمان يقولون: تُجْرَى على ظواهرها.
    2- وقسمان يقولون: هي على خلاف ظاهرها.
    3- وقسمان يسكتون.
    أما الألولون فقسمان:
    أحدهما: من يجريها على ظاهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين فهؤلاء المشبهة، ومذهبهم باطل أنكره السلف.
    الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله كما يُجْرَى اسم "العليم، والقدير، والإله، والموجود، والذات" ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله.
    فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث، وإما عرض قائم به، فالعلم والقدرة والكلام، والمشيئة، والرحمة، والرضا، والغضب" ونحو ذلك في حق العبد أعراض.
    و"الوجه، واليد، والعين" في حقه أجسام.
    فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً، وقدرة، وكلاماً، ومشيئة، وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز (40) عليه ما يجوز على صفات المخلوقين - جاز أن يكون وجه الله، ويداه صفاتٍ ليست أجساماً يجوز (41) عليها ما يجوز على صفات المخلوقين.
    وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي، وغيره من السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضح.
    فإن الصفات كالذات، فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات - فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات، فمن قال: "لا أعقل علماًً، ويداً إلا من جنس العلم واليد المعهودين"،
    قيل له: فكيف تعقل ذاتاً من غير جنس ذوات المخلوقين؟
    ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته، وتلائم حقيقته.
    فمن لم يفهم من صفات الرب - الذي ليس كمثله شيء - غلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله، ودينه.
    وما أحسن ما قال بعضهم: (إذا قال لك الجهمي: "كيف استوى"، أو "كيف ينزل إلى سماء الدنيا" أو "كيف يداه" ونحو ذلك؟.
    فقل له: "كيف هو في نفسه"؟
    فإذا قال لك: "لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر" فقل له: "فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف.
    فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف، لم تعلم كيفيته؟ وإنما تعلم الذات، والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك...).
    ثم ذكر شيخ الإسلام بقية الأقسام فراجعه (42) .
    قلت: الحاصل من هذا الوجه: أن من زعم أن ظاهر نصوص الصفات موهم لتشبيه الله بخلقه ثم التزم ذلك فهو مشبه عابد صنم ممثل الله تعالى بخلقه، ومن زعم أن ظاهرها موهم للتشبيه ولكنه غير مراد ثم أولها إلى ما يقتضيه عقله الفاسد فهو أولاً: معطل لصفات الله تعالى، وثانياً: محرف لنصوصها، وثالثاً: واقع فيما فر منه، ورابعاً: مشبه لله تعالى بالجمادات والمعدومات، والممتنعات، كما أنه غالط في قوله: إن هذا ظاهر النصوص ومن آمن بالصفات ونصوصها بلا تكييف ولا تمثيل فقد أصاب الحق وسلم من التعطيل والتمثيل، لأن ذلك هو الظاهر اللائق بجلال الله تعالى، وبالله التوفيق.
    الوجه الثامن:
    أن نقول: إن الذين تشبثوا في نفي بعض الصفات بشبهة التشبيه، ويقولون: فإن ظاهر نصوصها تشبيه، أو موهم للتشبيه فظاهرها غير مراد"، أو يقولون: "إن هذه النصوص ظواهرها ظنية في معارضة العقليات القطعية، فهي إما أن تفوض معانيها إلى الله، أو تؤول إلى ما يوافق البراهين العقلية"، إلى أخر ما يزعمون - مضطربون متناقضون، وقولهم متناقض تناقضاً واضحاً، متضارب تضارباً فاضحاً؛ فإنهم قد أثبتوا بعض الصفات، كالحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، فلم لم يفهموا من ظاهر نصوص تلك الصفات تشبيه الله بخلقه؟.
    ولم لم يقولوا: إن ظاهرها موهم للتشبيه، أو ظاهرها غير مراد ونحوه؟ فهؤلاء إذا لم يفهموا من نصوص الصفات التي أثبتوها - تشبيه الله بخلقه- كان يجب عليهم أن لا يفهموا التشبيه من نصوص الصفات التي نفوها، كعلوا الله تعالى خلقه، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا وغضبه، ورضاه، ووجهه، ويديه، ونحوها.
    فإثبات بعض الصفات، ونفي بعضها، وتأويل بعض النصوص وعدم تأويل بعضها ليس إلا تناقضاً واضطراباً؛ وهومذهب ليس له قاعدة ولا ميزان؛ وموقف منهار؛ ولا مخلص لهم من هذا التناقض والاضطراب إلا أن يرجعوا إلى العقيدة السلفية التي ليس فيها إفراط ولا تفريط، من تشبيه وتعطيل.
    وأن يثبتوا جميع الصفات الكمالية الواردة في الكتاب والسنة وفق المنهج السلفي، وهو إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل، وإلا يلزمهم نفي ما أثبتوه من بعض الصفات أيضاً؛ بل نفى الأسماء الحسنى كلها بل نفي وجود الله تعالى لأجل شبهة التشبيه حتى يكونوا من غلاة غلاة غلاة المعطلة، ومع ذلك لا يمكن لهم التخلص من التشبيه مهما غالوا في نفيه؛ لأنهم سيقعون في تشبيه الله تعالى بالمعدومات، بل الممتنعات في آخر المطاف، ولابد من ذلك لهم إلا بالرجوع إلى العقيدة السلفية.
    هذا، ولكثير من العلماء نصوص مهمة في بيان تناقضهم، واضطراب موقفهم نذكرها في وجوه إبطال التأويل إن شاء الله تعالى.
    الحاصل: أن الماتريدية لما أثبتوا بعض الصفات، ونفوا بعضها بشبهة التشبيه، وظنوا أن ذلك مقتضى التنزيه - وقعوا في التناقض حيث أثبتوا بعضها، ونفوا بعضها مع أن القول في جميعها واحد، ثم لم ينجوا من التشبيه حيث وقعوا فيه بعد ما عطلوا بعضها وحرفوا نصوصها، لآن مالها إلى التشبيه قبل التأويل وبعده لازم ولا نجاة منه إلا بالمنهج السلفي الذي هو إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل، والحمد لله. (43)



    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:39 pm



    الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه

    لقد سبق أن عرضنا موقف الماتريدية من هذه الصفة.
    فقد تقدم أنهم عطلوها وحرفوا نصوصها إلى شتى المعاني المجازية كالاستيلاء والتمام، أو القصد، فأرجعوا صفة الاستواء "إلى" صفة "القدرة".
    وإما إلى صفة "الإرادة" (1) .
    وكانت لهم حول هذه الصفة شبهات:
    فقد قالوا: لو حملنا نصوص "الاستواء على ظاهرها وحقيقتها يلزم منه لله "المكان" "والتغير" و"الانتقال" و"التحيز" وكونه "محدوداً" "محاطاً" وغير ذلك، وهذا كله من أمارات الحدوث والحاجة والنقصان، والله منزه عنها.
    فالله لا على العرش ولا على غيره، لأن ذلك من صفات الأجسام (2) .
    وأيدوا تحريفهم لنصوص الاستواء ببيت مكذوب مصنوع، مفتعل موضوع، منسوب كذباً وزوراً، إلى كافر نصراني مختل العقل مضطرب الكلام وهو "الأخطل".
    قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق (3)

    ويقول: الكوثري: "وأنى لهم التمسك بآية "الاستواء" والاستواء له معان, وللعرش معان في اللغة" (4) .
    وقال: "وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز....".
    ثم قال الكوثري في تحريفه كلام الإمام مالكٍ: "وإما أن لا يفسر كما قال الإمام مالك وغيره "إن الاستواء معلوم" يعني مورده في اللغة، والكيفية التي أرادها الله مما يجوز عليه من معاني الاستواء مجهولة.
    فمن يقدر أن يعينها؟.
    فتحصل لك من كلام إمام المسلمين "مالك" أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه" (5) .
    ويصرح الكوثري أن استواءه تعالى على العرش فعل من أفعاله وليس صفة من صفاته فيقول: "قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى صيغة فعل مقرونة بما يدل على التراخي، وذلك يدل على أن "الاستواء" فعل الله تعالى مقيد بالزمن وبالتراخي شأن سائر الأفعال وعدُّ ذلك "صفة" إخراج الكلام عن ظاهره...
    وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا تحدث له صفة فلا مجال لعدّ ذلك صفة" (6) .
    قلت: هذا بناء على مذهبهم أن مرجع الصفات الفعلية هو "التكوين" وأن متعلقات "التكوين" من جميع أفعال الله تعالى ليست من صفات الله على الحقيقة، بل هي أمور اعتبارية إضافية، لئلا يلزم قيام الحوادث بالله.
    فآيات "الاستواء" ونحو ذلك، ليس من آيات "الصفات" عندهم، وهذا لون آخر من البدع وفي طي هذا الكلام انخراط في تعطيل مبين لا ينتبه له إلا من عرف حقيقة قولهم وقد سبق إبطاله.
    ولنا كلام مع الماتريدية في تعطيلهم لصفة "الاستواء" لله تعالى على عرشه من عدة نواح:
    الناحية الأولى:
    أن عامة شبهاتهم ترجع إلى شبهة "التشبيه".
    وقد فصلنا القول في إبطالها في فصل مستقل في الباب الثاني.
    الناحية الثانية:
    أن ما يلوكونه بألسنتهم من وساوس فلسفية ودسائس كلامية من لزوم "المكان" و"الحيز" و"الجهة" و"التحيز" وكونه "محدوداً" "محاطاً" ونحوه -
    تقدم الجواب عن ذلك في المبحث الأخير من الفصل السابق.
    الناحية الثالثة:
    أن ما تشبثوا به من أن "الاستواء" فعل حادث وليس من صفات الله تعالى، لئلا يلزم حلول الحوادث بذات الله تعالى.
    فقد تقدم الرد عليه وبينا أن صفات الأفعال صفات الله تعالى قائمة به سبحانه، تتجدد آحادها، ونوعها قديم، على أن القول بحلول الحوادث لازم لهم يشعرون أم لا يشعرون؟ وقد اعترف بذلك بعض أساطينهم.
    وهذا مبني على أصلهم من نفي قيام الأفعال الاختيارية به تعالى وجعل أفعاله اللازمة كأفعاله المتعدية، فكل ذلك عند هؤلاء الماتريدية والأشعرية مفعول منفصل عن الله تعالى.
    الأول: جعل الفعل من المخلوقات:
    والثاني: نفيهم قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى التي هي صفاته الفعلية التي تتعلق بمشيئته وقدرته، وقولهم مخالف لمذهب أهل السنة (7) .
    قلت: كان المفروض أن يكون الماتريدية موافقين لأهل السنة في هذا لقولهم بالتكوين وقولهم بأن المكون، غير التكوين (Cool .
    وهذا القول موافق في الجملة لأهل السنة في قولهم: إن الخالق غير المخلوق كما صرح به شيخ الإسلام (9) لكن الذي أوقعهم في البدعة الشنيعة ونفي قيام الصفات الاختيارية به تعالى قولهم: إن صفة "التكوين" صفة واحدة قديمة أزلية، وأن جميع ما يتعلق بما فهو متعلقات التكوين، وليست صفات حقيقية وإلا لزم قيام الحوادث به تعالى وكذا لزم منه تكثير القدماء جداً.
    وقد بينا أن الفريقين من الماتريدية والأشعرية كلاهما على الباطل المحض وكلامهم يتضمن التعطيل المبين.
    الناحية الرابعة:
    أن ما تمسكوا به من شهبة "التغيير"-
    نقول في الجواب عنها: إن هذه اللفظة "التغيير" من الألفاظ المجملة المتشابهة الكلامية التي تحتمل حقاً وباطلاً.
    وقد ذكرنا قاعدة أئمة السنة في مثل هذه الكلمات.
    وقد قال إمام أهل السنة في المتكلمين وكلماتهم المجملة المتشابهة المهولة المدهشة: "يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس ما يشبهون عليهم" (10) .
    فنقول في ضوء هذه القاعدة ما قال شيخ الإسلام بعد ما ذكر اعتراف الرازي:
    "وإيضاح ذلك: أن لفظ "التغيير" لفظ مجمل.
    فالتغيير "في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون محل قامت به الحوادث فإن الناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب - إذا تحركت - إنها قد تغيرت،
    ولا يقولون: للإنسان - إذا تكلم ومشى - إنه تغير.
    ولا يقولون: - إذا طاف وصلى وأمر ونهى وركب - إنه تغير إذا كان ذلك عادته.
    بل إنما يقولون: "تغير" لمن استحال من صفة إلى صفة.
    كالشمس إذا ما زال نورها ظاهراً - لا يقال: إنها تغيرت.
    فإذا اصفرت - قيل: قد تغيرت.
    وكذلك الإنسان إذا مرض، أو تغير بجوع أو تعب - قيل: قد تغير.
    وكذلك إذا تغير خلقه ودينه، مثل أن يكون فاجرا فيتوب ويصير براً، أو يكون براً فينقلب فاجراً -
    فإنه يقال: قد تغير....
    وإذا كان هذا معنى "التغيير" فالرب تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً، بصفات الكمال منعوتاً بنعوت الجلال والإكرام، وكمالاته لوازم ذاته فيمتنع أن يزول عنه شيء من صفات كماله، ويمتنع أن يصير ناقصاً بعد كماله.
    وهذا الأصل يدل عليه قول السلف وأهل السنة:
    "إنه لم يزل متكلماً إذا شاء ولم يزل قادراً ولم يزل موصوفاً بصفات الكمال ولا يزال كذلك فلا يكون متغيراً"...." (11) .
    الحاصل: أنه لا يستلزم من إثبات صفة "استواء" الله تعالى على عرشه كونه تعالى متغيراً.
    الناحية الخامسة:
    أن شبهتهم من لزوم "الانتقال" من مكان إلى مكان -
    شبهة قديمة لقدماء الجهمية.
    وأئمة السنة وسلف هذه الأمة قد أفحموهم وأسكتوهم وكسروا أسنانهم بالحجر فبهت الذي كفر.
    وستأتي إن شاء الله أجوبة أمثال الإمام الفضيل بن عياض (187هـ) الذي جعله الحنفية حنفياً،
    ويعظمونه تعظيماً بالغاً وهو أهل له.
    وإمام الجرح والتعديل يحيى بن معين (233هـ) الذي يجعله الحنفية ولاسيما الكوثرية حنفياً صلبا متعصباً ويجلونه غاية الإجلال وهو أهل للإكرام.
    والإمام حماد بن زيد (179هـ).
    والإمام إسحاق بن راهويه (238هـ).
    في إسكات هؤلاء الجهمية.
    الناحية السادسة:
    قولهم: "إن للاستواء خمسة عشر معنى، وللعرش معان فكيف يصح تمسكهم بآية "الاستواء"؟
    فنقول: هذا تدليس واضح وتلبيس فاضح، وتشكيك في العقيدة. مَنْ هذا الذي قال من سلف هذه الأمة من أئمة السنة: إن معنى الاستواء ومعنى العرش في جميع تلك النصوص القرآنية الصريحة غير معلومين؟.
    كلا والذي استوى على عرشه! بل معنى "الاستواء"، ومعنى "العرش" في تلك الآيات الواضحات - معلومان بلا ريب.
    وأول من قال: هذه المقالة - فيما أعلم - هو الإمام أبو بكر بن العربي (543هـ) (12) سامحه الله وإيانا - وتبعه الكوثري.
    ولكن الإمام ابن القيم جعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس.
    والإمام أبو بكر بن العربي هو الذي لعبت به عقليته الكلامية - على جلالة قدره - حتى قال ما قال في وجوب النظر والاستدلال.
    وقد سبق أن ذكرنا جواباً شافياً كافياً عن هذه الشبهة فلا نعيده (13) .
    غير أننا نضيف ههنا أموراً:
    الأمر الأول: أن الله تعالى ذكر صفة "استوائه" على عرشه في سبعة مواضع من كتابه:
    1-2- فقال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54]، [يونس: 3]
    3-وقال: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2]
    4- وقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]
    5-6- وقال: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان: 59، السجدة: 4]
    7- وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ... [الحديد: 4]
    وهذه الآيات كلها تواطأت على لفظين إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ طـه:5]
    فالناظر السليم الفطرة، عن أرجاس الفلسفة وأنجاس الكلام -
    إلى هذه الآيات البينات والمتدبر بحق في هذه الكلمات المحكمات لا يفهم منها إلا علو الله تبارك وتعالى على عرشه، ولا يتبادر إلى ذهنه المعاني الخمسة عشر للاستواء، والخمسة للعرش أبداً وهذه حقيقة واقعة لا ينكرها إلا منكر مكابر، ومعاند مجاهر؛ لأن "الاستواء" المعدى بلفظه "على" نص صريح محكم في العلو والارتفاع ولشيخ الإسلام كلام مهم فراجعه (14) .
    الأمر الثاني: أن المتشبث بهذه الشبهة الواهية يتدرج بقوله:
    "إن للاستواء معاني وللعرش معاني".
    إلى القول بالتفويض في صفة الاستواء.
    وقد أقمنا أدلة قاهرة باهرة على إبطال القول بالتفويض المطلق الكلامي المفتعل الموضوع المصنوع على السلف، وأبطلنا نسبته إلى السلف.
    كما أبطلنا شبهاتهم التي تشبثوا بها لدعم التفويض.
    وبينا الفرق بين التفويض الباطل الخلفي وبين التفويض الحق السلفي.
    الأمر الثالث: إن صفة "الاستواء" لله تعالى على عرشه في هذه الآيات وهذا السياق قد عرفه سلف هذه الأمة وفسروه بالعلو والارتفاع،
    كابن عباس وأبي العالية رفيع بن مهران الرياحي (90هـ) ومجاهد ابن جبر (101هـ) والربيع بن أنس البكري (140هـ).
    وعلى هذا بعدهم أئمةُ السنة والحديث والتفسير، أمثال: أبي عبيدة (210هـ).
    والبخاري (256هـ) وابن قتيبة (276هـ) وابن جرير (310هـ) وابن أي حاتم (327هـ) وابن عبدالبر (463هـ) والبغوي (516هـ) وغيرهم (15) .
    وهو قول: كبار أئمة اللغة أمثال: الخليل بن أحمد (175هـ) والفراء (207هـ) والأخفش (215هـ) وأبي العباس ثعلب (291هـ) وابن الأعرابي (230هـ) وابن عرفة المعروف بـ"نفطويه" (323هـ) وغيرهم (16) .
    وهكذا كبار أساطين الكلام، كابن كلاب (240هـ) والأشعري (324هـ) والباقلاني (403هـ) (17) .
    قال الإمام الحافظ الفقيه أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن شيرويه (305هـ).
    "سمعت إسحاق بن راهويه - (الإمام أحد الأثبات الثقات الأعلام) (238هـ) - أنبأنا بشر بن عمر الزهراني - (أحد ثقات أئمة الأعلام) (207هـ) قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ طـه:5]، "على العرش ارتفع" (18) .
    الأمر الرابع: أن واقع نصوص أئمة السنة وسلف هذه الأمة يدل دلالة قاطعة على أن للعرش ولاستواء الله تعالى عليه معنى واحداً معلوماً؛
    وهو أن العرش هو عرش الرحمن المحيط على السموات والأرض.
    وأن استواء الله تعالى عليه هو علوه تعالى وارتفاعه عليه.
    وهو معلوم غير أن كيفيته مجهولة.
    وفيما يلي نصوص بعضهم:
    1- فقد سئل الإمام ربيعة بن عبدالرحمن فروخ أبو عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي (136هـ) شيخ الإمام مالك إمام دار الهجرة -
    عن قوله تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]
    كيف استوى؟.
    قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التصديق" (19) .
    وفي رواية: "الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، ويجب عَلَّى وعليك الإيمان بذلك كله" (20) .
    2- وجاء رجل إلى مالك بن أنس إمام دار الهجرة (179هـ) فقال: يا أبا عبدالله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - [طه: 5] - كيف استوى؟.
    فقال له مالك: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالاً".
    3- وقال الإمام أبو حنيفة: "ونقر بأن الله تعالى على العرش استوى..." (21) .
    مع كلام الإمام أبي حنيفة في تكفير من أنكر كون الله تعالى على العرش أو شك في ذلك أو شك في كون العرش في السماء.
    قلت: تدبر أيها المسلم طالب الحق والإنصاف نصوص هؤلاء الأئمة كيف صرحوا بأن استواء الله تعالى على عرشه معلوم المعنى كما أن عرشه أيضاً معلوم غير أن كيفية استوائه غير معلوم؟.
    بل صرح الإمام أبو حنيفة بتكفير من شك في كون العرش في السماء.
    فهل يمكن لأحد أن يقول: إن للاستواء خمسة عشر معنى وأن للعرش خمسةً معانٍ فلا ندري ما المراد من الاستواء وما المراد من العرش؟؟.
    الناحية السابعة:
    زعم الكوثري المحرف المخرف في تحريف كلام الإمام مالك: "الاستواء معلوم والكيف مجهول" - أن معناه: أن موارد لفظ "الاستواء" في اللغة معلومة وأن ما يجوز على الله غير معلوم.
    باطلٌ عاطلٌ وتخريفٌ وتحريفٌ لكلام إمام المسلمين الإمام مالك.
    يظهر ذلك لكل من تدبر كلامه بإنصاف، بعيداً عن الاعتساف؛ لأن السائل لم يسأل عن موارد لفظ "الاستواء" في اللغة بل سأله عن صفة "استواء" الله تعالى على عرضه الوارد في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] فأجاب إمام المسلمين بأن الاستواء المعروف باللام المعهود المطلوب في السؤال الوارد في كتاب الله تعالى معلومٌ المعنى لكنه مجهول الكيف.
    وإلا لقال: "الاستواء والكيف كلاهما مجهول".
    وهذا أظهر من الشمس في رابعة النهار لمن له عينان ناظرتان وأذنان سامعتان؛ ولكن قد قيل:
    خفافيش أعشاها النهار بضوئه ووافقها قطع من الليل مظلم

    ولشيخ الإسلام وابن القيم مبحث قيم في إزالة نسج عناكب التحريف (22) .
    وقد تقدم شيء من ذلك (23) .
    وهذه حقيقة واقعة إلى حد اعترف بها الإمام ابن العربي (543هـ) مع غلوه في المباحث الكلامية، وصرح بأن معناه معلوم والكيفية مجهولة، قاله في تفسير مقالة الإمام مالك.
    والإمام ابن العربي هذا من أهم المصادر الكلامية للكوثري (24) .
    الناحية الثامنة:
    أن تأويل الماتريدية لكثير من صفات الله تعالى ومنها "استوائه" على عرشه سبحانه - بدعة في الإسلام، وخروج على إجماع سلف هذه الأمة وأئمة السنة وأن مقالة التأويل مستلزمة لتعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها.
    بل هي في الأصل مقالة اليهود الكفار، ثم أدخلت على المسلمين بأيدي الجهمية الأولى والمعتزلة وفتحٌ لأبواب الزندقة والإلحاد وسائر الطامات.
    ولذلك نرى أن المعتزلة يعطلون صفة "الاستواء" ويحرفون نصوصها إلى الاستيلاء ويستدلون بذلك البيت الموضوع المصنوع (25) .
    بشهادة كبار أئمة الإسلام وأساطين الكلام (26) .
    وهذا دليل على أن الماتريدية في مثل هذه التحريفات وتعطيل الصفات أتباع للجهمية الأولى وليسوا من أهل السنة.
    الناحية التاسعة:
    أنه لم يأت في اللغة العربية الصحيحة كون "الاستواء" بمعنى "الاستيلاء".
    قاله إمام أئمة اللغة العربية محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي (230هـ).
    فقد قاله الإمام أبو سليمان داود بن علي بن خلف إمام الظاهرية (270هـ).
    "كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: ما معنى قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ طـه:5].
    فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل.
    فقال: يا أبا عبدالله ليس هذا معناه إنما معناه "استولى".
    قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل: استولى، أما سمعت النابغة:
    ألا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد

    قلت: الرجل في قول الإمام داود: "كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل..." لم أعرفه. ولكن قال شيخنا الألباني: "قلت: لعله أحمد بن أبي دؤاد الجهمي - الحنفي رأس الفتنة والاعتزال - المصرح بأنه السائل في الرواية التي قبل هذه" (27) .
    فقد سأل ابن أبي دُؤاد هذا ابن الأعرابي: "أتعرف في اللغة "استوى"؟ بمعنى (استولى) فقال: لا أعرف".
    ولفظ ما حكى الإمام ابن القيم عن ابن الأعرابي: "أرادني ابن أبي دؤاد أن أطلب له في بعض لغات العرب، ومعانيها.... "استوى" بمعنى "استولى" فقلت: له والله ما يكون هذا ولا وجدته" (28) .
    وهذا يدل على خبث ما تنطوي عليه قلوب رؤوس الجهمية، والاعتزال فردهم الله بغيظهم ولم ينالوا خيراً، فهذا كلام إمام العربية ابن الأعرابي يصرخ أن الاستواء لم يأت في لغة العرب بمعنى الاستيلاء، وأن "الاستيلاء" لا يصح أن يكون تفسيراً لآيات الاستواء" لما في الاستيلاء من معنى المضادة، والمغالبة والتمانع والله منزه من ذلك كله.
    وقد قال: كثير من الأئمة مثل ما قاله إمام اللغة العربية ابن الأعرابي (29) .
    قال الخطابي وابن عبدالبر، واللفظ له:
    "وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، وأما إدعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل الاستواء "استولى" - فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، معنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة على أنه أريد به المجاز..." (30) .
    وقال الأئمة أيضاً في إبطال تأويل الاستواء بالاستيلاء: إن الله تعالى لم يزل مستوياً غالباً قادراً محيطاً على خلقه كله على عرشه وغيره فأي فائدة في هذا؟ صرح بهذا الأشعري والخطابي والباقلاني (31) .
    الناحية العاشرة:
    أن هذا البيت: "قد استوى بشر..." مصنوع موضوع على العرب.
    قال الإمام أبو سليمان الخطابي ( (388هـ): "وزعم بعضهم أن معنى الاستواء ها هنا الاستيلاء ونزع فيه ببيت مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله...".
    قلت: واعجباً للماتريدية خاصة، والجهمية عامة؛ يستدلون ببيت مصنوع مختلق موضوع على العرب ولم يتجرأوا على نسبته إلا إلى الشاعر الكافر الأخطل النصراني!!!.
    وقد صنعوا مثل هذا الفعل الشنيع في باب صفة "كلام" الله تعالى أيضاً فاستدلوا ببيت: "إن الكلام لفي الفؤاد...".
    فقد بنوا بنيانهم المنهار على بيت مصنوع موضوع على العرب (32) ونسبوه إلى هذا الشاعر الكافر الأخطل النصراني، وهذا البيت أيضاً لا يوجد في ديوانه (33) وتجرأ بعضهم فنسبه إلى علي رضي الله عنه!! (34) .
    أما صرائح الكتاب والسنة المتواترة والإجماع والفطرة فيحرفونها ولا يطمئنون بها هذا من العجب العجاب!!! (35) .
    وأعجب من ذلك عدم رجوعهم إلى الأحاديث الصحيحة الصريحة وتمسكهم بخيالات الفلاسفة وخزعبلات الجهمية (36) .
    الناحية الحادية عشرة:
    أن تحريف الاستواء إلى الاستيلاء فراراً من التشبيه عينُ الوقوع في التشبيه فلا فائدة في هذا غير الوقوع في التحريف والتعطيل والتشبيه؛ فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.
    قال ابن جرير والألوسي وابنه نعمان الألوسي، واللفظ للثاني:
    "وأنت تعلم... أن تفسير الاستواء بالاستيلاء تفسير مردود إذ القائل به لا يسعه أن يقول: كاستيلائنا بل لابد أن يقول: هو استيلاء لائق به عز وجل، وليقل من أول الأمر هو استواء لائق به جل وعلا" (37) .
    الناحية الثانية عشرة:
    أن المحرفين لصفة "الاستواء" بالاستيلاء وغيره مع وقوعهم فيما سبق من المفاسد متناقضون مضطربون في مذهبهم؛ فإنهم لما حرفوا نصوص "الاستواء" وعطلوا هذه الصفة فراراً من التشبيه والتجسيم - هلا حرفوا نصوص الحياة والسمع والبصر وغيرها، فإثبات بعض الصفات وتعطيل بعضها ليس إلا إيماناً ببعض الكتاب وكفراً ببعضه مع التناقض الواضح والاضطراب الفاضح.
    قال الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني (438هـ) والد إمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك الجويني (478هـ):
    "فإن قالوا لنا في الاستواء: شبَّهْتُمْ - نقول لهم: في السمع شَبَّهْتُمْ، ووصفتم ربكم بالعرض... فجميع ما يلزموننا به في الاستواء والنزول، واليد، والوجه والقدم، والضحك، والتعجب، من التشبيه نلزمهم به في الحياة، والسمع والبصر والعلم...، وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول، والوجه، واليد، صفات المخلوقين. فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف؛
    فإن فهموا من هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا من الصفات السبع صفات المخلوقين" (38) .
    قلت: هذا الذي ذكرنا فيه كفاية لطلاب الحق والإنصاف والإخلاص ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب أئمة السنة ولاسيما إلى مباحث الإمام ابن القيم، فإنه قد أبطل تأويل صفة "الاستواء" باثنين وأربعين وجهاً فأجاد وأفاد (39) .
    خلاصة مبحث الاستواء:
    لقد اشتمل هذا المبحث على ما يلي من النتائج المهمة:
    1- أن صفة "الاستواء" صفة لله سبحانه كغيرها من صفات الله تعالى.
    2- أن مذهب السلف في إثباتها لله تعالى بلا كيف ولا تمثيل فلا يحرفون نصوصها ولا يعطلونها.
    3- أن الماتريدية معطلة لهذه الصفة محرفة لنصوصها.
    4- أن الماتريدية في مذهبهم في صفة الاستواء على مذهب الجهمية والمعتزلة.
    5- أن الماتريدية مبتدعة في مذهبهم هذا خارجون على مذهب الإمام أبي حنيفة كما هم خارجون عن إجماع أئمة هذه الأمة.
    6- أن الماتريدية كعادتهم حرفوا نصوص الاستواء الصريحة وتشبثوا ببيت مصنوع موضوع على العرب منسوب زوراً إلى شاعر كافر نصراني.
    7- أنا الماتريدية حرفوا معنى الاستواء بالاستيلاء الذي لا تساعده اللغة العربية بل أئمة اللغة أنكروا مجيء الاستواء بمعنى الاستيلاء.
    8- أن الماتريدية مع تحريفهم وتعطيلهم لصفة الاستواء لم ينجوا من التشبيه بل وقعوا فيه، ولنعم ما قيل:
    أقام يعمل أياما رويته وشبه الماء بعد الجهد بالماء

    9- أن هؤلاء لو ربحوا رأس المال لكنهم حرفوا وعطلوا فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.
    التنبيه على تمويه التفتازاني تبعاً للقزويني والسكاكي الساحر الحنفي:
    قالوا: "استوى" محمول على الإيهام والتورية المجردة، "وهي التي لا تجامع شيئاً مما يلائم المعنى القريب نحو "الرحمن على العرش استوى" فإنه أراد بـ"استوى" معناه البعيد وهو "استولى" ولم يقرن به شيء مما يلائم المعنى القريب الذي هو "الاستقرار" (40) .
    أقول: تعجبوا يا قوم! من إلحاد هؤلاء الجهيمة؛ تعالى الله سبحانه وكلامه عن إلغاز الملغزين وتمويه المموهين وتورية الساحرين. (41)


    تابعونا


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه الماتريدية

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 5:42 pm



    الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

    لقد سبق أن ذكرنا مذهب الماتريدية في أسماء الله الحسنى وما كان عندهم من حق يشكرون به وباطل يذمون به.
    وكان من جملة ما عندهم من الباطل القول ببدعة خلق أسماء الله الحسنى.
    ولنا في المقام كلمات ثلاث:
    الكلمة الأولى:
    أن هذه البدعة مبنية على بدعة خلق القرآن؛ لأن أسماء الله تعالى من كلام الله تعالى والقرآن كلام الله سبحانه.
    وضرر هذه البدعة لا تقل عن ضرر بدعة خلق القرآن.
    ولذلك ترى سلف هذه الأمة وأئمة السنة قد كفروا من قال: بخلق أسماء الله الحسنى، كما كفروا من قال: بخلق القرآن.
    وسبب ذلك:
    أنهم لما قالوا: "الاسم هو المسمى".
    حجوا بتعدد أسماء الله تعالى.
    فقالوا فراراً عن هذا المضيق: إن هذه الأسماء تسميات وهي ألفاظ وحروف غير الله تعالى فهي مخلوقة.
    فصار قولهم بخلق أسماء الله الحسنى كقولهم بخلق القرآن.
    هكذا تطورت البدع من الجعد (126هـ) إلى الجهم (128هـ) ثم إلى بشر المريسي الحنفي (228هـ) ثم إلى بقية المعتزلة ثم إلى الكلابية فالماتريدية وزملائهم الأشعرية فالبدع تكون في البداية نقطةً ثم تكون بحاراً لا ساحل لها ولا أرجاء.
    كما قال شيخ الإسلام: "فالبدع تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعاً وأميالاً وفراسخ" (1) .
    فوقعوا في خرق وحمق من وجهين:
    الأول: جعلهم الاسم عين المسمى.
    الثاني: قولهم بأنها مخلوقة.
    فخالفوا ما دل عليه الكتاب والسنة ،، ولغة العرب وإجماع الأمة.
    قال شيخ الإسلام: "ولهذا أنكر قولهم جمهورُ الناس من أهل السنة وغيرهم" (2) .
    وقال: "وكلاهما باطل مخالف لما يعلمه جميع الناس من جميع الأمم ولما يقولونه..." (3) .
    وقال: "والتسمية نطق بالاسم وتكلم به، وليست هي الاسم بنفسه، وأسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها، وليست هي عين الأشياء" (4) .
    فهؤلاء أصابوا في جعلهم التسمية غير الاسم.
    ولكن أخطأوا في جعل الاسم عيناً للمسمى، كما أخطأوا في جعلها مخلوقةً.
    وهؤلاء إذا قالوا: الاسم غير مخلوق يقصدون المسمى وهو الله.
    وإذا قالوا: الاسم مخلوق يقصدون لفظ "الله" ولفظ "الرحمان" ولفظ "الرحيم" ومن لم يمارس اصطلاحات هؤلاء قد لا يتفطن لما يريدون، فيظن أنهم على طريقة أهل السنة.
    ولذلك قال شيخ الإسلام.
    "فهم تكلفوا هذا التكليف ليقولوا: "إن اسم الله غير مخلوق".
    ومرادهم، أن الله غير مخلوق.
    وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة.
    فإن أولئك ما قالوا: الأسماء مخلوقة.
    إلا لما قال هؤلاء: "هي التسميات".
    فوافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى.
    ووافقوا أهل السنة في اللفظ" (5) .
    الكلمة الثانية:
    هل الاسم للمسمى أم عينه أم غيره؟".
    قلتُ: هذه صورٌ ثلاثٌ.
    فالصورة الأولى: هي المقالة الصحيحة فالاسم للمسمىً، قال الله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]
    وقال سبحانه: قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الإسراء: 110]
    قال شيخ الإسلام: وهذا هو القول بأن "الاسم للمسمى" وهذا الإطلاق، اختيار كثير من المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره (6) .
    والصورة الثالثة: مقالة الجهمية الأولى.
    وكان قصدهم بها التدرج إلى أن يقولوا أسماء الله مخلوقة؛ لأنها غير الله وكل ما هو غير الله فهو مخلوق (7) ، فأسماء الله مخلوقة.
    أما الصورة الثانية: وهي أن الاسم عين المسمى - فهي مقالة الماتريدية كما سبق، وهكذا قالت: الأشعرية (Cool .
    ومقاصدهم باطلة تتضمن الضلال من القول بخلق أسماء الله الحسنى.
    ولكن هذا القول قاله كثير من المنتسبين إلى السنة أيضاً لكن مقاصدهم طيبة.
    قال شيخ الإسلام: "الذين قالوا: الاسم هو المسمى كثير من المنتسبين إلى السنة مثل أبي بكر عبدالعزيز وأبي القاسم الطبري اللالكائي، وأبي محمد البغوي صاحب (شرح السنة) وغيرهم...".
    ثم ذكر محملاً حسناً لكلامهم كما بين خطأ الناس عليهم (9) .
    قلتُ: هذا من الألفاظ الكلامية البدعية المجملة وقد تقدم قاعدة أئمة السلف فيها من أنه يجب التفصيل في ذلك ليتبين الحق من الباطل.
    قال شيخنا عبدالله بن محمد الغنيمان حفظه الله: "فلا يطلقون - (أهل السنة) - بأنه المسمى ولا غيره بل يفصلون حتى يزول اللبس فإذا قيل لهم: أهو مسمى أم غيره؟ قالوا: ليس هو نفس المسمى ولكن يراد به المسمى.
    وإن أريد بأنه غيره: كونه بائناً عنه - فهو باطل لأن أسماء الله من كلامه وكلامه صفة له قائمة به لا تكون غيره" (10) .
    قلت: قد يكون لقول القائل: "الاسم عين المسمى" وقول الآخر: "الاسم غير المسمى" توجيه صحيح آخر.
    بشرط أن لا يقصد معنى باطلاً.
    وبيانه أنه إذا قال القائل: ما معبودكم؟.
    فقلنا: "الله".
    فالمراد ههنا: "المسمى" فيكون الاسمُ "عين المسمى"؛ لأنه ليس القصد أن المعبود هو لفظ "الله" أو هذا القول"، بل القصد: أن المعبود هو ما سمي بالله.
    وإذا قال ما اسم معبودكم؟.
    فقلنا: "الله".
    فالمراد ههنا: أن اسم معبودنا هو هذا القول: "الله" ولفظه.
    وليس المراد: أن اسمه هو عين ذاته.
    فإن السائل لم يسأل عن ذاته وإنما سأل عن اسمه.
    فههنا يكون الاسم غير المسمى.
    لاختلاف السؤال فلكل مقام مقال (11) . والجواب حسب السؤال.
    لكن الجهمية الأولى وأفراخهم من الماتريدية والأشعرية قصدوا بذلك باطلاً لما في طيه ضلال، وتعطيل وقول بخلق أسماء الله تعالى.
    فاشتد نكير أئمة السنة عليهم (12) .
    ولم يكن السلف خاضوا في ذلك لا نفياً ولا إثباتاً (13) .
    بل شنوا الغارة على من خاض في ذلك.
    حتى يروى عن الإمام الشافعي (204هـ) والإمام عبدالملك بن قريب الأصمعي (216هـ) وغيرهما:
    "إذا سمعت الرجل يقول "الاسم غير المسمى".
    فاشهد عليه بالزندقة" (14) .
    وقال الإمام ابن جرير الطبري (310هـ) "وأما القول في الاسم أهو المسمى أم غير المسمى" فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيه شين، والصمت عنه زين.
    وحسب امرئ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الله عز وجل ثناؤه الصادق، وهو قوله: قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الإسراء: 110] وقوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]
    ويعلم أن ربه هو الذي "على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض، وما بينهما وما تحت الثرى"؛
    فمن تجاوز ذلك، فقد خاب وخسر وضل وهلك" (15) .
    الكلمة الثالثة:
    في فساد القول بخلق أسماء الله الحسنى:
    ضرر هذه المقالة لا تقل عن خطر مقالة خلق القرآن.
    فقد اشتد نكير سلف هذه الأمة وأئمة السنة على هاتين المقالتين وكفروا أصحابهما، وفيما يلي نماذج من نصوص أئمة السنة:
    1- قال ناصر السنة الإمام الشافعي (204هـ) رحمه الله: "من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة أو بالصفا والمروة، فليس عليه الكفارة، لأنه مخلوق وذاك غير مخلوق.
    2- وقال إمام المحدثين والفقهاء سفيان الثوري (161هـ).
    "من قال: إن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ مخلوق - فهو كافر".
    3- وقال سيد المحدثين والفقهاء عبدالله بن المبارك (181هـ):
    الذي تعظمه الحنفية ومنهم الكوثرية وعدوه في كبار أئمة الحنفية: "من قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [ طـه:14] مخلوق - فهو كافر".
    4- وقد ذُكر لإمام الجرح والتعديل يحيى بن سعيد القطان (198هـ) وسيد الحافظ الذي تبجله الكوثرية وذكروه في عداد كبار الحنفية.
    "أن قوماً يقولون: القرآن مخلوق، فقال: كيف يصنعون بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ الإخلاص:1] كيف يصنعون بقوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [ طـه:14] يكون مخلوقاً؟".
    5- وقال إمام أهل الحديث إسحاق بن راهويه (138هـ):
    "أفضوا - (الجهمية) - إلى أن قالوا: "أسماء الله مخلوقة..." وهذا الكفر المحض...".
    6- وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241هـ):
    "من زعم أن أسماء الله مخلوقه فهو كافر".
    7- وقال "من قال: "القرآن مخلوق".
    فهو عندنا كافر؛ لأن القرآن من علم الله عز وجل، وفيه أسماء الله عز وجل".
    8- وقال: "وأسماء الله في القرآن، والقرآن من علم الله، فمن زعم أن القرآن مخلوق" فهو كافر،
    ومن زعم: "أن أسماء الله مخلوقة" -فقد كفر".
    9- وذكر له رجل: أن رجلا قال: إن أسماء الله مخلوقة والقرآن مخلوق"؛ فقال أحمد: "كُفْرٌ بَيِّنٌ".
    10- وقال الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث (256هـ):
    "الجهمية... قالوا: "إن اسم الله مخلوق".
    ويلزمهم أن يقولوا إذا أذّن المؤذن:
    لا إله إلا الذي اسمه "الله"؟.
    وأشهد أن محمداً رسول الذي اسمه "الله".
    لأنهم قالوا: "إن اسم الله مخلوق..." (16) .
    11- وللإمام أبي القاسم هبة الله الطبري اللالكائي (418هـ) مبحث قيم ذكر فيه أدلةً من الكتاب والسنة وأقوال سلف هذه الأمة وأئمة السنة في التشديد على من قال بخلق أسماء الله الحسنى (17) .
    12- وقال شيخ الإسلام (728هـ): "وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول؛ لأن أسماء الله من كلامه، وكلام الله غير مخلوق؛
    بل هو المتكلم به، وهو المسمى لنفسه بما فيه من الأسماء..." (18) .
    قلتُ: الحاصل، أن القول ببدعة خلق أسماء الله الحسنى ذيل للقول ببدعة خلق القرآن، وأن الماتريدية قائلون بهذه البدعة الظلماء جهاراً، كما هم قائلون بخلق القرآن، وأن سلف هذه الأمة وأئمة السنة قد كفروا القائلين بخلق أسماء الله تعالى، كما كفروا القائلين بخلق القرآن.
    وأن الماتريدية في ذلك كلهم جهمية محضة مع ما زادوه من البدع وأنهم مخالفون للعقل والنقل وإجماع السلف في آن واحد، فمذهب الماتريدية في القرآن وأسماء الله - في غاية الفساد والضلال والإلحاد والإضلال. (19)
    **************
    هذا ما تحصلنا عليه
    فإن كان من تقصير فمن أنفسنا فسامحونا

    ______________
    لا تنسونا من صالح دعائكم




      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 1:24 pm