آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» الله أول بصفاته لم يزل ولا يزال متصفا بها سبحانه وتعالى
فرقه المعتزله Ooou110أمس في 5:34 pm من طرف عبدالله الآحد

» الإيمان بأن الله خلق آدم على صورته كما قال رسول الله بلا كيف ولا تشبيه
فرقه المعتزله Ooou110السبت مايو 18, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد

» صفات الله الفعلية قديمة النوع حادثة الآجاد أي متجددة الآحاد غير مخلوقة
فرقه المعتزله Ooou110الجمعة مايو 17, 2024 4:29 pm من طرف عبدالله الآحد

» أهل السنة ليسوا مشبهة وعلامة الجهمية تسميتهم بالمشبهة
فرقه المعتزله Ooou110الخميس مايو 16, 2024 4:52 pm من طرف عبدالله الآحد

» أقوال علماء السنة في أن القرآن ليس قديما بقدم الله ولا يوصف بمحدث
فرقه المعتزله Ooou110الثلاثاء مايو 14, 2024 4:57 pm من طرف عبدالله الآحد

» أخطاء فى الحج كيف نتفاداها ؟؟؟
فرقه المعتزله Ooou110الإثنين مايو 13, 2024 10:55 pm من طرف صادق النور

» أنواع التوحيد عرفت بالاستقراء من القرآن والسنة لهذا تقسيم التوحيد ليس ببدعة بل عليها الدليل وعرفها العلماء
فرقه المعتزله Ooou110الإثنين مايو 13, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد

» التحذير من إنكار صفات الله سبحانه لأن ذلك كفر
فرقه المعتزله Ooou110الأحد مايو 12, 2024 4:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» اثبات صفة النزول لله والرد على شبهة
فرقه المعتزله Ooou110السبت مايو 11, 2024 4:38 pm من طرف عبدالله الآحد

» هل القرآن مدلول كلام الله؟!
فرقه المعتزله Ooou110الجمعة مايو 10, 2024 4:53 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

فرقه المعتزله Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 17 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 17 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 9691 مساهمة في هذا المنتدى في 3213 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 286 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو عبدالرحمن فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع

لا يوجد مستخدم

    فرقه المعتزله

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:13 am



    المعتزلة

    الْمُعْتَزِلَةُ (والمفرد: مُعْتَزِلِيّ) هي فرقةٌ كلاميّةٌ ظهرت في أواخر العصر الأموي (بداية القرن الثاني الهجري) في البصرة وازدهرت في العصر العباسي. لعبت المعتزلة دوراً رئيساً على المستوى الديني والسياسي. غلبت على المعتزلة النزعةُ العقلية فاعتمدوا على العقل في تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل، وقالوا بالفكر قبل السمع، ورفضوا الأحاديث التي لا يقرها العقل حسب وصفهم، وقالوا بوجوب معرفة الله بالعقل ولو لم يرد شرعٌ بذلك. وأنه إذا تعارض النص مع العقل قدموا العقل لأنه أصل النص، ولا يتقدم الفرع على الأصل. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل، فالعقل بذلك موجبٌ، وآمرٌ وناهٍ. ينقدُهم معارضوهم أنهم غالوا في استخدام العقل وجعلوه حاكماً على النص، وبذلك اختلفوا عن السلفية الذين استخدموا العقل وسيلة لفهم النص وليس حاكماً.

    من أشهر المعتزلة واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وإبراهيم النظام، وهشام بن عمرو الفوطي، والزمخشري صاحب تفسير الكشاف، والجاحظ، والخليفة المأمون، والقاضي عبد الجبار. كان للمتعزلة تأكيدٌ على موضوع التوحيد. وبقي القليل من آثار المعتزلة لقرون ولم يعرف عنه سوى من كتابات آخرين أشاروا إليهم عبوراً أو عارضوهم. إلى أن اكتشفت البعثة المصرية في اليمن أهم كتاب في مذهب الاعتزال وهو "المغني في أبواب التوحيد والعدل" للقاضي عبد الجبار وله أيضاً كتاب شرح الأصول الخمسة.

    وصلت الحركة إلى ذروتها السياسية خلال الخلافة العباسية خلال محنة خلق القرآن، وهي فترة الاضطهاد الديني التي أسسها الخليفة العباسي المأمون حيث عاقب علماء الدين، أو سجنوا أو حتى القتل ما لم يمتثلوا لعقيدة المعتزلة. واستمرت هذه السياسة في عهد المعتصم والواثق.

    التأسيس
    يُعتقد أن أول ظهور للمعتزلة كان في البصرة في العراق، ثم انتشرت أفكارهم في مختلف مناطق الدولة الإسلامية كخراسان وترمذ واليمن والجزيرة العربية والكوفة وأرمينيا إضافة إلى بغداد. اختلف المؤرخون في بواعث ظهور مذهب المعتزلة واتجهت رؤية العلماء إلى سببين رئيسيين: سبب ديني وسبب سياسي.

    يشير المؤرخون إلى أن الاعتزال حدث بسبب اختلاف في بعض الأحكام الدينية كالحكم على مرتكب الكبيرة. كما أن السبب الرئيسي فيه هو توسع الدولة العباسية في الفتوحات الإسلامية، وبدأت خلال هذا التوسع تتسرب أفكار فلسفية يونانية. عند نهاية القرن الأول كان قد توسع ودخلت أمم عديدة وشعوب كثيرة في الإسلام ودخلت معها ثقافات مختلفة ودخلت الفلسفة، ويعتقد العلماء المؤيدون لهذه أن سبب التسمية هي:

    وتمثله الرواية الشائعة في اعتزال واصل بن عطاء عن شيخه الحسن البصري في مجلسه العلمي في الحكم على مرتكب الكبيرة، وكان الحكم أنه ليس بكافر. وتقول الرواية أن واصل بن عطاء لم ترقه هذه العبارة وقال هو في (منزلة بين منزلتين)، أي لا مؤمن ولا كافر. وبسبب هذه الإجابة اعتزل مجلس الحسن البصري وكوّن لنفسه حلقة دراسية وفق ما يفهم ويقال حين ذاك أن الحسن البصري أطلق عبارة (اعْتزَلنا واصل).

    بينما يرى آخرون أن الداعي لظهور هذه الفرقة ظرف حضاري أو تاريخي، لأن الإسلام عند نهاية القرن الأول كان قد توسع ودخلت أمم عديدة وشعوب كثيرة في الإسلام ودخلت معها ثقافات مختلفة ودخلت الفلسفة، ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي حاجات المسلمين العقلية في جدالهم. والمنهج الذي يصلح لذلك هو المنهج الطبيعي العقلي، والذي سيصبح أهم المذاهب الكلامية من الناحية الخالصة، فهو أكثر المذاهب إغراقاً وتعلقاً بالمذهب العقلاني.

    العقائد
    بدأت المعتزلة بعقيدةٍ واحدةٍ تطور الخلافُ حولها ليشكل منظومةً من العقائد. أهم الركائز التي ترتكز عليها المعتزلة هي الأصول الخمسة. يذكر أبو الحسين الخياط -أحد أئمة المعتزلة- أنه لا يستحق اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأصول الخمسة هي الأساس المتفقُ عليه بين المعتزلة، إلا أنّ هناك عقائد أخرى منها ما هو محل اتفاق بينهم، ومنها ما اختلفوا فيه، فمن تلك العقائد:

    نفي رؤية الله: حيث أجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، قالوا لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله والجسم إذ لايقع البصر إلا على الألوان وهو منزه عن الجهة والمكان والجسم، وتأولوا قول القرآن: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي منتظرة.
    قولهم بأن القرآن مخلوق: وقالوا إن الله كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة.
    نفيهم علو الله، وتأولوا الاستواء في قول القرآن: "الرحمن على العرش استوى" بالاستيلاء. وقد وافقوا بذلك الأشاعرة وخالفوا أهل الحديث الذين يثبثون العُلو المكاني لله.
    نفيهم شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته. قال الأشعري في المقالات: "واختلفوا في شفاعة رسول الله هل هي لأهل الكبائر فأنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله".
    نفيهم كرامات الأولياء، قالوا لو ثبتت كرامات الأولياء لاشتبه الولي بالنبي.
    نفي قِدم صفاته
    يذكر أبو المظفر الإسفراييني أن الصفة عند المعتزلة هي وصف الواصف، ولم يكن في الأزل واصف، والاسم عندهم التسمية ولم يكن في الأزل مسمى. ومعنى هذا أن الصفة مجرد قول نطلقه للدلالة على الموصوف، وليس معنى ثابت حقيقي، وليس لها وجود فعلي، ومن منطلق فهمهم لمعنى الصفة كان رأيهم في نفي الصفات، ولقد بدأ بحث المعتزلة للصفات على يد واصل بن عطاء، ولكن مقال واصل -فيما يقول الشهرستاني- لم تكن ناضجة فلم تزد عن القول باستحالة وجود إلهين قديمين أزليين، وأن من أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين.

    وبعد ذلك توسع المتعزلة في البحث في الصفات على يد العلاف ومن جاء بعده، وذلك نتيجة تطور البحث في الدراسات الكلامية واتصالها بالفلسفة. والمعتزلة يقولون بنفي وجود صفات قديمة لله، لأن إثبات الصفات القديمة له هو إيجاد قدماء مع الله، فالعلاف يقول إن علم الباري سبحانه هو هو، وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته، وكذلك القول في سائر صفاته، وألزمه الأشعري القول بأن الله علم وقدرة وحياة، وحاول أن يربط بين قول العلاف وبين أرسطاطاليس وأنه أخذ عنه، وذلك لأن أرسطاطاليس قال في بعض كتبه: أن البارئ علم كله، قدرة كله، حياة كله، سمع كله، بصر كله، محسن اللفظ عند نفسه وقال علمه هو هو، وقدرته هي هو. ورد الخياط على دعوى الأشعري مبيناً حقيقة رأي العلاف، فيذكر أن العلاف قد رأى فساد القول بأن الله عالم بعلم قديم، والقول بأنه عالم بعلم محدث، وصح عنده أن الله عالم في الحقيقة، فقال بأن الله عالم بنفسه، ومن الخطأ أن يقال إن رأي العلاف أن الله علم وقدرة، ويستدل على ذلك بأن أهل التوحيد جميعاً يقولون إن وجه الله هو الله، لأن الله قد ذكر الوجه في كتابه فقال: (إنما نطعمكم لوجه الله) وقد فسد أن يكون لله وجه هو بعضه أو وجه صفة له قديمة معه، فلم يبق إلا أن يكون وجهه هو، فكذلك القول إن علم الله هو الله، كما يقال إن وجه الله هو الله.

    ويؤكد المعتزلة أن قول العلاف معناه أن الله يستحق الصفات لذاته، فهو عالم بذاته، وهذا هو مقصوده، وإن كان قد أخطأ في اللفظ ولم تواته العبارة. ويذكر ذلك القاضي عبد الجبار فيقول إن ما أراده العلاف هو ما ذكره الشيخ أبو علي الجبائي، إلا أنه لم تخلص له العبارة، ويؤكد ذلك أيضاً بالقول بأن أحداً لم يقل بأن العلم هو ذات الله حتى القائلين من خصوم المعتزلة أن الله عالم بعلم، لا يقولون إن ذلك العلم هو ذاته. ويؤكد هذا مقصود العلاف بأن الصفات ليست مغايرة للذات لا أن ذاته علماً، وبذلك يخلص من اتهام الأشعري، على أن مفهوم المحرك الأول عن أرسطو مخالف تماماً لمفهوم الله عند المعتزلة وغيرهم من المسلمين، وهذه المخالفة واضحة وبينة، ولعل أوضحها فاعلية الله في الكون وخلقه له وعنايته به عند المسلمين، وانفصاله عنه وتفكيره في نفسه عند أرسطو. وعند النظام تعني الصفات نفي الأضداد، فقال: إن قولي عالم قادر سميع بصير إنما هو إيجاب التسمية ونفي المضاد، ويعد قول النظام إمعاناً في نفي وجود صفات قديمة. وقال أبو علي الجبائي: إن الله يستحق الصفات لذاته فكونه قادراً عالماً حياً موجوداً لذاته. وقال أبو هاشم الجبائي: إن الله يستحق الصفات لما هو عليه في ذاته، فالله عالم لكونه على حال، قادر لكونه على حال، وقال بأن الأحوال لا موجودة ولا معدومة.

    ومن هذه الأقوال والتفسيرات لمعنى الصفات ونسبتها إلى الله يتضح موقف المعتزلة وأنهم ينفون صفات قديمة لله، لأنهم ظنوا أن إثبات الصفات القديمة لله هو إثبات لوجود قدماء مع الله، وهذا ينقض التوحيد ويؤدي إلى تعدد القدماء ويؤدي إلى التجسيم والتشبيه، لذلك أصر المعتزلة على نفي وجود صفات قديمة على اختلاف عباراتهم عن ذلك. أما عن علاقة الصفات بالذات، فالمعتزلة لا يرون وجوداً حقيقياً للصفات عن الذات، فهي عين الذات، وليست شيئاً آخر سوى الذات.

    الكلام الإلهي ومشكلة خلق القرآن
    لا خلاف بين المعتزلة وخصومهم من الفرق الإسلامية على أنه الله متكلم وأن له كلاماً وأن القرآن كلامه، لكن الخلاف حول معنى الكلام وحقيقة المتكلم وهل القرآن مخلوق حادث أم غير مخلوق؟ أولى المعتزلة مشكلة الكلام الإلهي وخلق القرآن عناية خاصة، رغم أنها لا تعدو إلا أن تكون ضمن مشكلة الصفات والتي نفوا قِدَمها، ولقد كان السبب في ذلك، هو خوفهم من أن القول بقدم الكلام الإلهي أن يشبه قول النصارى في قِدَم المسيح وألوهيته وهو كلمة الله، لذلك اهتم المعتزلة بهذه المشكلة اهتماماً خاصاً، وأخذت طابعاً سياسياً حين أوعز أحمد بن داوود وثمامة بن الأشرس إلى الخليفة المأمون بأن يجعل القول بخلق القرآن عقيدة رسمية للدولة يتتبع كل معارض لها بالقتل والحبس والجلد وقطع الأرزاق، ومحنة الإمام أحمد بن حنبل في ذلك مشهورة.

    نفي رؤية الله في الآخرة
    تعد مسألة رؤية الله في الآخرة من المسائل التي ثار حولها الخلاف بين المعتزلة النافين لها وبين خصومهم من المتكلمين المثبتين لها وهم الأشاعرة والماتريدية، على الرغم من أن الخلاف في هذه المسألة كما ذكر القاضي عبد الجبار لا يوجب تكفيراً ولا تفسيقاً، لأنه لا ينبني عليه مسائل اعتقادية، ولقد جوز المعتزلة صحة الاستدلال بالسمع في هذه المسألة، لأن صحة السمع لا تتوقف عليها، فيجوز معرفة الله وتوحيده وعدله مع الشك في أنه يُرى أو لا يُرى. والأساس الذي بنى عليه المعتزلة نفي الرؤية هو نفي الجسمية عن الله، فالله ليس جسماً، ولا يرى إلا الأجسام، فهو لا يرى، فلقد ذكر النظام أنه لا مرئي إلا اللون وهو جسم، والجبائي يقول المرئيات جواهر وألوان وأكوان، وابنه أبو هاشم يذكر أن المرئيات جواهر وألوان. وقرر القاضي عبد الجبار أنه لا أحد يدعي أنه يرى الله سبحانه إلا من يعتقده جسماً مصوراً بصورة مخصوصة، أو يعتقد فيه أنه يحل في الأجسام. وهذا القول من المعتزلة يعد رداً على القائلين بإثبات الرؤية على اعتبار أن الله جسم وأنه يرى بالعين، أما خصومهم من أهل السنة الماتريدية والأشاعرة فلا يقولون بالجسمية في حق الله، وأن الرؤية بلا كيف، لذا تسقط هذه الاعتراضات بالنسبة لهم.

    الأصول الخمسة
    تُمثّل الأصول الخمسة الخط العام لفكر المعتزلة. وهم قد اتفقوا عليها، ولا يعني هذا انعدام الخلاف بينهم، فلقد كان هناك بعض الخلافيات في الفروع التي بُنيت على تلك الأصول، لكن هذه الأصول الخمسة تمثل الأساس العام لفكر المعتزلة، وهذه الأصول لم تتكون دفعة واحدة، بل مرت بمراحل نشأة المعتزلة وتطورها، وأولها من الناحية التاريخية هو أصل المنزلة بين المنزلتين. الأصول الخمسة للمعتزلة هي:

    التوحيد: ويعنون به إثبات وحدانيةِ الله ونفي المثل عنه، وقالوا أن صفاته هي عين ذاته فهو عالم بذاته قادر بذاته... لا بصفات زائدة عن الذات، وقد درج مخالفوهم على تفسير ذلك بأنهم ينفون الصفات عن الله.
    العدل: ويعنون به قياس أحكام الله على ما يقتضيه العقل والحكمة، وبناء على ذلك نفوا أموراً وأوجبوا أخرى، فنفوا أن يكون الله خالقاً لأفعال عباده، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيراً وإن شراً، قال أبو محمد بن حزم: "قالت المعتزلة: بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله عز وجل". وأوجبوا على الخالق الله فعل الأصلح لعباده، قال الشهرستاني: "اتفقوا -أي المعتزلة- على أن الله لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط عدلاً"، وقالوا أيضاً: بأن العقل مستقل بالتحسين والتقبيح، فما حسنه العقل كان حسناً، وما قبحه كان قبيحاً، وأوجبوا الثواب على فعل ما استحسنه العقل، والعقاب على فعل ما استقبحه.
    المنزلة بين المنزلتين: وهذا الأصل يوضح حكم الفاسق في الدنيا عند المعتزلة، وهي المسألة التي اختلف فيها واصل بن عطاء مع الحسن البصري، إذ يعتقد المعتزلة أن الفاسق في الدنيا لا يسمى مؤمناً بوجه من الوجوه، ولا يسمى كافراً، بل هو في منزلة بين هاتين المنزلتين، فإن تاب رجع إلى إيمانه، وإن مات مُصِراً على فسقه كان من المخلدين في عذاب جهنم.
    الوعد والوعيد: والمقصود به إنفاذ الوعيد في الآخرة على أصحاب الكبائر وأن الله لا يقبل فيهم شفاعة، ولا يخرج أحداً منهم من النار، فهم كفار خارجون عن الملة مخلدون في نار جهنم، قال الشهرستاني: "واتفقوا -أي المعتزلة- على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار، وسموا هذا النمط وعداً ووعيداً".
    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا الأصل يوضح موقف المعتزلة من أصحاب الكبائر سواءً أكانوا حكاماً أم محكومين، قال الأشعري في المقالات: "وأجمعت المعتزلة إلّا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك" فهم يرون قتال أئمة الجور لمجرد فسقهم، ووجوب الخروج عليهم عند القدرة على ذلك وغلبة الظن بحصول الغلبة وإزالة المنكر.
    التوحيد
    وحدانية الله أصل من أصول الدين، بل هو أول وأهم أصل قام عليه الإسلام، وعندما يتمسك المعتزلة بهذا الأصل، فهم يحاولون إقراره في مواجهة منكريه من أصحاب الديانات المخالفة للإسلام، وهم في سبيل تقرير ذلك يعطون صورة لتنزيه الله ووحدانيته بعيدة عن كل صور التجسيم والتشبيه، ويقاومون تلك النزعات التي تسربت داخل البيئة الإسلامية عند بعض فرق الغلاة المنتسبة إلى الإسلام، وإمعاناً في تأكيد ذلك التنزيه المطلق، نفوا أن تكون لله صفات قديمة حتى لا تشاركه في القدم، ولم تتوان المعتزلة في اتهام مخالفيهم من الفرق الإسلامية بنقض التوحيد، ومن أمثلة ذلك: ردهم على المشبهة والمجسمة وعلى القائلين بأكثر من إله: خاض المعتزلة معارك كلامية ومناقشات ضد القائلين بأكثر من إله والقائلين بالتجسيم أو الحلول والاتحاد، سواءً أكانوا من أصحاب الديانات الشرقية القديمة أو اليهودية والمسيحية، وهذه نماذج من تلك الردود:

    رد النظام على القائلين بالنور والظلمة، معتمدين على القول باستحالة صدور الخير والشر من واحد، وذلك بأن يلزمهم القول بعدم استحالة ذلك، فالإنسان الواحد قد يكذب في حال ويصدق في حال أخرى، وهذا يدل على أن الفاعل الواحد قد يكون منه شيئان مختلفان، ولقد ضرب النظام أمثلة تؤكد صدور الخير والشر من واحد. ولقد حاول النظام إبطال قول المنانية في امتزاج النور بالظلمة وأن منهما العالم، وهما في أنفسهما وفي أعمالهما مختلفان متضادان، فيرد عليهم أنه إذا كانا متضادان فكيف امتزجا وتداخلا واجتمعا من تلقاء أنفسهما، وليس فوقهما قاهر يقهرهما، ولا جامع جمعهما ومنعهما من أعمالهما إذ أن عملهما مختلفان، وهذا يعني أنه لابد للمتضادان من جامع يجمعهما على ما في طبعهما، وهذا دليل على أن للأشياء خالقاً خلقها ومدبراً دبرها فقهرها على ما أراد، ودبرها على ما أحب، وجمع منها ما أراد جمعه وفرق ما أراد تفريقه.

    ولقد نفت المعتزلة عن الله الجسمية والجوهرية والعرضية، وما يلحق وصف الجسمية من أوصاف كالوجود في المكان والتحرك والذهاب والمجئ، وأيضاً الجوراح والأعضاء وغير ذلك من الأوصاف، ولقد أوجز أبو الحسن الأشعري مجمل عقيدة المعتزلة فذكر أنهم قالوا عن الله إنه ليس بجسم، ولا شبح، ولا جثة، ولا صورة، ولا لحم، ولا دم، ولا شخص، ولا جوهر، ولا عرض، ولا بذي لون، ولا طعم، ولا رائحة، ولا مجسة، ولا بذي حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة، ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا اجتماع ولا افتراق، ولا يتحرك ولا يسكن، ولا يتبعض، وليس بذي أبعاض وأجزاء، وجوارح وأعضاء، وليس بذي جهات، ولا يحيط به مكان، ولا يجوز عليه الحلول في الأماكن، ولا يجري عليه زمان ولا يوصف بصفات المخلوقين الدالة على حدوثهم، ولا تجري عليه الآفات، ولا تحل به العاهات، وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له، وهذا النص يصور بدقة نفي المعتزلة لكل صور التجسيم والتشبيه أو أي معنى يؤدي إليهما.

    ويرد المعتزلة على القائلين بالجسمية أو بمعنى يؤدي إليها، سواء من المخالفين للإسلام أو بعض المغالين المنتسبين للإسلام، وتنبني ردود المعتزلة على أن حقيقة الجسم ومعناه وهو مؤلف ومركب، له طول وعرض وعمق وغير ذلك من معاني الأجسام، مخالفة لذاته، وتنتفي عنه تلك الأوصاف التي هي للأجسام والجواهر. ووصف الله بالجسم أو الجوهر لا يصح لأن ذلك يقتضي التحيز، إذا لابد من تحيزه، ووجب أن لا ينفصل تحيزه عن كونه كائناً في جهة، والكائن لا يكون كائناً في جهة إلا لمعنى محدث، والقول بأنه جسم يعني أنه محدث، والله ليس محدثاً بل قديماً أزلياً بلا بداية. وأيضاً الأجسام متماثلة، وإذا كانت متماثلة استوت في استحقاقها للصفة الذاتية، فلو كان الله جسماً، لكان ما عداه من الأجسام قديماً مثله. وأيضاً نفي كون وصفه بالعرض، وهو ما ينفي عنه الجسمية من أحكام التحيز، ولو كان الله بصفة الأعراض فيجب صحة العدم عليه، وهذا يخرجه عن كونه قديماً.

    ولتأكيد المعتزلة نفي التجسيم والتشبيه أولوا الآيات القرآنية التي قد يوحي ظاهرها بالتجسيم والتشبيه، وتعلق بظاهرها القائلون بالتشبيه والتجسيم من بعض الفرق المنتسبة للإسلام، وهذه الآيات تتعلق بالصفات الخبرية التي طريق ورودها الخبر الصادق، وهي تعطينا أمثلة للتأويل عند المعتزلة. فالشبه التي وقعت على القائلين بالجسمية مثل قوله: (الرحمن على العرش استوى) والاستواء في معنى البشر هو القيام والانتصاب والجلوس وهما من صفات الأجسام، فيجب أن يكون الله جسماً. ويجيب المعتزلة بتأويل معنى الاستواء، بأنه يعني الاستيلاء والغلبة، ويستشهدون على ذلك بما هو مشهور في اللغة بأن معنى الاستواء القهر والغلبة والاستيلاء، وإذا اعترض بأن الله مستول ومستحوذ على العالم جملة فلم خصص العرش؟ يجيب المعتزلة على ذلك: لأنه أعظم خلق الله فلهذا اختصه أو أن معنى العرش المُلك. وأيضاً تعلقهم بقوله: (ولتصنع على عيني) فقالت المجسمة أثبت لنفسه العين، وذو العين لا يكون إلا جسماً، ويجيب المعتزلة بأن المراد بالعين العلم. وأيضاً تعلقهم بقوله: (كل شيء هالك إلا وجهه) فقالت المجسمة أثبت لنفسه وجهاً، وذو الوجه لا يكون إلا جسماً، وترى المعتزلة أن المراد بالوجه الذات، فكل شيء هالك إلا ذاته. وأيضاً تعلقهم بقوله: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين) فيه إثبات اليد وذو اليد لا يكون إلا جسماً، وترى المعتزلة أن اليد تعني القوة. وغير ذلك من الآيات التي أوردها المجسمة والمشبهة، وقام المعتزلة بالرد عليها وتأويلها بما يتفق مع نفي الجسمية والتشبيه وأنه ليس كمثله شيء. ونفى المعتزلة الجهة عن الله، وذلك لأن إثبات الجهة إثبات للجسمية والمكانية، وقال بعضهم كالقوطي والجبائي بأن الله لا في مكان، وقال غيرهم من المعتزلة ومنهم الكعبي أنه في كل مكان بمعنى حافظ له ومدبر له، ولقد اتهم ابن حزم القائلين من المعتزلة بأنه في كل مكان بالقول بالحلول، فقال: لو كان الله في مكان لكان إما جسماً أو عرضاً، ولكان المكان محيطاً به من جهة أو من جهات وهذا منتف عنه لأنه هو المحيط.

    وينفي المعتزلة قول النصارى بالتثليث والاتحاد، ويتهمونهم بالقول بأكثر من إله، وأن القول بالتثليث أو الاتحاد ينقض التوحيد، ويبني المعتزلة موقفهم من معارضة النصارى على أساس إبطال التثليث والاتحاد. أما عن التثليث فيرد المعتزلة بأن القول إن الله جوهر واحد ثلاثة أقانيم فيه مناقضة ظاهرة، لأن قولنا في الشيء أنه واحد يقتضي أنه في الوجه الذي صار واحداً لا يتجزأ ولا يتبعض، وقول ثلاثة يعني أنه متجزئ، وإذا قالوا إنه واحد ثلاثة أقانيم كان في التناقض بمنزلة أن يقال: إنه موجود ومعدوم أو قديم ومحدث في وقت واحد. أي أن هذا القول يؤدي إلى التناقض، ويؤدي إلى التناقض، ويؤدي إلى القول بأن الأشياء متفقة ومختلفة في وقت واحد، وهذا مستحيل. ولو كانت الأقانيم الثلاثة قديمة لتماثلت في القِدَم، واستحال أن يختص القديم لذاته بما يفارق به الآخر، وهذا يبطل قولهم، لأن الأقانيم إذا كانت قديمة، فيجب أن لا يصح أن يختص الأب بما يستحيل على الابن والروح، ولا يصح اختصاصهما بما يستحيل عليه ولا اختصاص كل واحد منهما لما يستحيل على الآخر، وهذا يوجب كون الابن أباً وكون الأب ابناً وكون الأب روحاً والروح أباً. وعلى هذا يلزم المعتزلة القائلين بثلاثة أقانيم بأن كل واحد من الأقانيم إله، لأنه إذا كان الابن والروح مشاركين للأب في القِدَم فما أوجب كونه إلهاً يوجب كونهما إلهين. وإذا قالت النصارى نحن لا نثبت ثلاثة آلهة، إنما هي أقانيم ثلاثة وجوهر واحد في الحقيقة، فإن المعتزلة يردون بأن المعنى لقولهم هذا يؤدي إلى إثبات ثلاث ذوات ولا عبرة باللفظ، والوجه في إفساد المذهب هو المعنى وليس العبارة عنه، فاختلاف العبارات في المذهب أو اختلاف العبارات بحسب اللغات لا يؤثر في معنى المذهب وكونه فاسداً، ولا تتغير حال المذهب بتغير العبارات عنه.

    والمعتزلة يقولون أيضاً إنه لا يصح أن نطلق لفظ الجوهر على الله، وذلك لأن الله ليس جوهراً، إذا لو كان جوهراً لكان محدثاً ولاقتضى ذلك تحيزه، وهي صفات منفية عنه ويحاول المعتزلة أن يلزموا النصارى فساد قولهم إنه جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم، فيذكروا احتمالات ذلك القول، فلا يخلو الإله من أن يكون هو الجوهر - وعندهم أن الجوهر غير الأقانيم - لزمهم إخراج الأب والابن والروح من الإلهية، فإن قالوا إن الإله هو الأقانيم دون الجوهر، لزمهم أن الجوهر القديم ليس بإله، وهذا ترك قولهم، لأنهم يقولون إن الإله جوهر ذو ثلاثة أقانيم، فإن قالوا إن الإله هو هما لزمهم القول بأن الأب والابن والروح ليس بإله، ومن عبد ذلك، لم يعبد إلهاً، ومن كفر به لم يكفر بالإله، وإن قالوا: إن الإله هو الجوهر الذي هو ذو أقانيم ثلاثة، قيل لهم: فيجب أن يكون قولكم إن الإله هو الأب والابن وروح القدس غلط، لأن هذه أمور مضافة إلى الإله لا أنها إله. وهذا الاحتمال الأخير يجعل الأقانيم الثلاثة صفات، ولو قال النصارى أنها صفات، لتعددت الأقانيم بتعدد الصفات، ولم تعد ثلاثة فقط، بل تزداد عددها بزيادة الصفات.

    ولمبدأ التوحيد مفهوم خاص عند المعتزلة، وهو يعني لهم:

    التنزيه المطلق: "ليس كمثله شيء" لا تشبيه ولا تجسيم وتنزيه الله عن أن يكون مثل الأجسام أو الموجودات الحسية ونفي أي تشبيه بين المخلوقات والله، والآيات التي تفيد التشبيه لا يقبلها المعتزلة على ظاهرها بل يقومون بتأويلها مثل "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" نخرج المعنى الظاهر لكلمة (وجه) ونقول أن المقصود بها الذات.
    التوحيد بين الذات والصفات: الله ذات ووجود وهذا الوجود يتصف بصفات ذكرها الله في كتابه وصف الله بها نفسه بأنه عالم، كبير، قدير، سميع، خالق، بصير .
    ويعتبر المعتزلة هذه الصفات مضافة للذات، مثلا: الإنسان لا يولد عليم ثم يصبح عليما. المعتزلة يقولون أن هذه الصفات ليست زائدة عن الذات إنما هي عين ذات الإلهية (العلم – القدرة – الإرادة – الحياة – السمع – البصر – الكلام) سبع صفات للذات.

    صفة الذات: هي الصفة التي لا يجوز أن أصف الله بها وبضدها فلا يجوز أن أصف الله بالجاهل×عالم، ولا بالعاجز×قادر الخ..
    صفات الفعل: يجوز أن يوصف الله بضدها مثل الرزاق فأحيانا يرزق وأحيانا يمنع الرزق، والمعتزلة يقولون أن *الكلام صفة الفعل وليست صفات الذات.
    يقول المعتزلة أن صفات الله الستة لا تنفصل عن الذات وإنما هي عين الذات الإلهية. سميع بذاته، بصير بذاته وهكذا... قال أبو هذيل العلاف "سميع بسمع هو ذاته وبصير ببصر هو ذاته"، والفرق ان الأول نفى الصفة والثاني اثبت الصفة وهي عين الذات.(الملل والنحل، الشهرستاني) لأنه إذا قلنا أن الصفات ليست عين الذات فمعنى ذلك أن هناك تعدد وتجزؤ في الذات الإلهية وهذا لا يجوز عندهم أي المعتزلة لأنه في رأيهم شرك لأنه عندي ذات قديمة وصفات زائدة على الذات ومعنى ذلك أننا نقع في الشرك ونقول بأكثر من قديم . والخروج من هذا المأزق يكون بالتوحيد بين الذات والصفات فصفة العلم هي الذات نفسها. وخصوم المعتزلة يسمونهم المعطلة أو أهل التعطيل أي عطلوا أن يكون للصفات وجود متمايز. وللشيعة والخوارج والإباضية رأي شبيه بهذا المبدأ.

    ويترتب على هذا المذهب بعض المواقف العقيدية مثل نفي رؤية الله لا في الدنيا ولا في الآخرة."لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"، "وجوه يومَئِذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة". إلى ليست حرف جر بل تعني النعمة/ ناظرة أي تنتظر تمشيا مع مبدأ التنزيه فإذا رؤي الله بالأبصار فهو جسم.

    يترتب على مبدأ التوحيد القول بخلق القرآن، فالقرآن كلام الله والكلام صفة من صفات الله فالله متكلم وكلم موسى تكليما وصفة الكلام هي إحدى الصفات التي يعتبرها بعض المسلمين صفات ذات (صفة الذات هي صفة يوصف الله بها ولا يجوز أن يوصف بضدها مثل الحياة والإرادة). ويعتقدون أن كلام الله مخلوق أو حادث أي أنه وجد بعد لم يكن موجودا وتكلم الله به بعد لم يكن متكلما.

    فرض المأمون القول بخلق القرآن وطلب من الجميع أن يقروا بذلك واعتبر القول بقدم الذات الإلهية ضرب من الشرك المضاد للتوحيد؛ إلا أن أحمد بن حنبل تصدى لهذا القول فاستضعف وتعرض للسجن والتعذيب، وقد لقب بإمام أهل السنة.

    العدل
    والعدل مبدأ هام في فكر المعتزلة لأنهم يربطون بين صفة العدل والأفعال الإنسانية ويرون أن الإنسان حر في أفعاله وهم يقولون ذلك لكي ينقذوا التكليف الشرعي لأن الإنسان المسلم مكلف شرعيا والإنسان مسئول عن هذه الأفعال حتى يستقيم التكليف ويكون الثواب عدلا والعقاب عدلا. خلافا للجبرية الذين يعتقدون أن الأفعال من خلق الله والإنسان مجبور عليها. إلا أن المعتزلة ترى أن عدل الله يقتضي أن يكون الإنسان هو صاحب أفعاله. يترتب على القول بالعدل الإلهي بأن الله لا يفعل الشر فأفعال الله كلها حسنة وخيرّة، الشر إما أن يوجد من الإنسان، أو لا يكون شرا إنما لا نعرف أسبابها، أو لا نستطيع أن نجد لها مبرر لكنها ليست شرا.

    يقول المعتزلة أن الله يفعل ما هو الأصلح لعباده ولا يمكن أن يفعل الشر لعباده. ويتمثل المعتزلة الذات الإلهية خيرا مطلقا، ويقولون باللطف الإلهي أن الله يهدي الناس إلى ما فيه الخير لطفا بهم.القول بالحسن والقبح الذاتيين أو العقليين، والمقصود بها أفعال الإنسان الحسنة وأفعال الإنسان القبيحة. مثلا الصلاة فعل حسن، التصدق فعل حسن، إطعام المسكين فعل حسن.../ الزنا فعل قبيح، الاعتداء.. أفعال سيئة قبيحة.

    وبالنسبة لتحديد ما إذا كان الفعل حسنا أو قبيحا فهناك إتجاهان: الأول يقول (أن الشرع قد أخبرني ذلك) يجعل الأفعال حسنة (الشرع أخبرني عن ذلك) يجعل الأفعال قبيحة إذن الإخبار الشرعي هو المعيار وهذا مبدأ التيار السلفي النقلي الذي يأخذ بظاهر النصوص. والإتجاه آخر التيار العقلي يقول أن العقل هو المسئول.

    الوعد والوعيد
    المنزلة بين منزلتين
    حكم الفاسق في الدنيا ليس بمؤمن ولا بكافر. فيظل على هذا الحال فإن تاب أصبح مؤمن وإن لم يتب حتى موته يخلد في النار. ينسب إلى الرواقيين التمييز بين قيمة الخير وقيمة الشر ويقولون هناك أشياء خيره وأشياء شريرة وأشياء بين البينين. وهذه هي فكرة المعتزلة بالقول بمنزلة بين منزلتين إذ تأثروا بالرواقيين وقد تشكل الاعتزال كمذهب في القرن الثاني.

    والسبب فيه انه دخل رجل على الحسن البصري فقال يا امام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون اصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الايمان بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الايمان ولا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الامة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا. فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء انا لا اقول ان صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ولا كافر مطلقا بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما اجاب على جماعة من اصحاب الحسن فقال الحسن اعتزل عنا واصل فسمى هو وأصحابه معتزله.

    ووجه تقريره أنه قال إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمى المرء مؤمنا وهو اسم مدح والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح فلا يسمى مؤمنا وليس هو بكافر مطلقا أيضا لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالد فيها إذ ليس في الآخرة إلا فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    المعتزلة الجدد
    حدثت عدة محاولات لإحياء الفكر المعتزلي. لكن معظم هذه المحاولات كانت تعاني من التأثر بالفكر الغربي. وبالتالي بدت هذه المحاولات وكأنها تلحق الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية. كما أن هنالك محاولات جديرة بالاهتمام تقوم على إحياء الفكر الإسلامي على أسس عقلانية ومعرفية معاصرة ومنهم أمين نايف ذياب والذي ناظر الألباني

    اليوم يستمر المعتزلة التقليديون بشكل رئيسي في المغرب العربي بين أولئك الذين يطلقون على أنفسهم الواصيلية. بالإشارة إلى واصل بن عطا المؤسس الشهير لمعتزلة، تستخدم الحركة عباءة المعتزلة في المقام الأول كعلامة هوية.

    تابعون جزاكم الله خيرا
    ***************
    لا تنسونا من صالح دعائكم



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:15 am


    العقائد والأفكار :

    بدأت المعتزلة بفكرة أو بعقيدة واحدة، ثم تطور خلافها فيما بعد، ولم يقف عند حدود تلك المسألة، بل تجاوزها ليشكل منظومة من العقائد والأفكار، والتي في مقدمتها الأصول الخمسة الشهيرة التي لا يعد معتزليا من لم يقل بها، وسوف نعرض لتلك الأصول ولبعض العقائد غيرها، ونبتدئ بذكر الأصول الخمسة:

    1- التوحيد: ويعنون به إثبات وحدانيته سبحانه ونفي المثل عنه، وأدرجوا تحته نفي صفات الله سبحانه، فهم لا يصفون الله إلا بالسلوب، فيقولون عن الله : لا جوهر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا بذي حرارة ولا برودة .. إلخ، أما الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة فينفونها عن الله سبحانه تحت حجة أن في إثباتها إثبات لقدمها، وإثبات قدمها إثبات لقديم غير الله، قالوا : ولو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الألوهية، فكان التوحيد عندهم مقتضيا نفي الصفات.


    2- العدل: ويعنون به قياس أحكام الله سبحانه على ما يقتضيه العقل والحكمة، وبناء على ذلك نفوا أمورا وأوجبوا أخرى، فنفوا أن يكون الله خالقا لأفعال عباده، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيرا وإن شرا، قال أبو محمد ابن حزم: " قالت المعتزلة: بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله عز وجل ". وأوجبوا على الخالق سبحانه فعل الأصلح لعباده، قال الشهرستاني:" اتفقوا - أي المعتزلة - على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط عدلا "، وقالوا أيضا بأن العقل مستقل بالتحسين والتقبيح، فما حسنه العقل كان حسنا، وما قبحه كان قبيحا، وأوجبوا الثواب على فعل ما استحسنه العقل، والعقاب على فعل ما استقبحه.


    3- المنزلة بين المنزلتين: وهذا الأصل يوضح حكم الفاسق في الدنيا عند المعتزلة، وهي المسألة التي اختلف فيها واصل بن عطاء مع الحسن البصري، إذ يعتقد المعتزلة أن الفاسق في الدنيا لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه، ولا يسمى كافرا بل هو في منزلة بين هاتين المنزلتين، فإن تاب رجع إلى إيمانه، وإن مات مصرا على فسقه كان من المخلدين في عذاب جهنم.


    4- الوعد والوعيد: والمقصود به إنفاذ الوعيد في الآخرة على أصحاب الكبائر وأن الله لا يقبل فيهم شفاعة، ولا يخرج أحدا منهم من النار، فهم كفار خارجون عن الملة مخلدون في نار جهنم، قال الشهرستاني:" واتفقوا - أي المعتزلة - على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض .. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار وسموا هذا النمط وعدا ووعيدا "


    5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا الأصل يوضح موقف المعتزلة من أصحاب الكبائر سواء أكانوا حكاما أم محكومين، قال الإمام الأشعري في المقالات :" وأجمعت المعتزلة إلا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك" فهم يرون قتال أئمة الجور لمجرد فسقهم، ووجوب الخروج عليهم عند القدرة على ذلك وغلبة الظن بحصول الغلبة وإزالة المنكر .


    هذه هي أصول المعتزلة الخمسة التي اتفقوا عليها، وهناك عقائد أخرى للمعتزلة منها ما هو محل اتفاق بينهم، ومنها ما اختلفوا فيه، فمن تلك العقائد :


    6- نفيهم رؤية الله عز وجل: حيث أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، قالوا لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله سبحانه وهو منزه عن الجهة والمكان، وتأولوا قوله تعالى :{ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } أي منتظرة .


    7- قولهم بأن القرآن مخلوق: وقالوا إن الله كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة.


    8- نفيهم علو الله سبحانه، وتأولوا الاستواء في قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } بالاستيلاء .


    9- نفيهم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته . قال الإمام الأشعري في المقالات : " واختلفوا في شفاعة رسول الله هل هي لأهل الكبائر فأنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله "


    10- نفيهم كرامات الأولياء، قالوا لو ثبتت كرامات الأولياء لاشتبه الولي بالنبي .


    فرق المعتزلة

    عادةً ما تبدأ الفرق في عددها وأفكارها صغيرة ثم ما تلبث أن تتشعب وتتفرق، فتصبح الفرقة فرقاً والشيعة شيعاً، وهكذا كان الحال مع المعتزلة فقد بدأت فرقة واحدة ذات مسائل محدودة، ثم ما لبثت أن زادت فرقها، وتكاثرت أقوالها وتشعبت، حتى غدت فرقا وأحزابا متعددة، ونحاول في هذا المبحث أن نذكر بعضا من تلك الفرق، ونقدم موجزاً تعريفياً بها وبمؤسسها، مع ذكر بعض أقوالها التي شذت بها عن أصحابها المعتزلة، فمن فرق المعتزلة:


    1- الواصلية: وهم أصحاب أبى حذيفة واصل بن عطاء الغزال، كان تلميذا للحسن البصري يقرأ عليه العلوم والأخبار، ثم فارقه بسبب خلافه معه في مسألة مرتكب الكبيرة، وقول واصل فيه بأنه في الدنيا في منزلة بين منزلتين .


    2- الهذيلية: وهم أصحاب أبي الهذيل حمدان بن الهذيل العلاّف شيخ العتزلة ومقدمهم، أخذ الإعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، من مفردات قوله: أن حركات أهل الجنة والنار تنقطع وأنهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار.


    3- النظامية: أتباع إبراهيم بن يسار بن هانئ النظّام كان قد خلط كلام الفلاسفة بكلام المعتزلة، وانفرد عن أصحابه بمسائل منها قوله: أن الباري سبحانه لا يوصف بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا، ولا على أن ينقص منه شيئا، وكذلك لا ينقص من نعيم أهل الجنة، ولا أن يخرج أحدا من أهل الجنة، وليس ذلك مقدورا له، وقد ألزم بأن يكون البارى تعالى مجبورا على ما يفعله تعالى الله .


    4- الخابطية والحدثية: أصحاب أحمد بن خابط وكذلك الحدثية أصحاب الفضل الحدثي، كانا من أصحاب النظام وطالعا كتب الفلاسفة، ومن مفردات أقوالهما القول - موافقة للنصارى- بأن المسيح عليه السلام يحاسب الخلق في الآخرة . وكذلك قولهم: أن الرؤية التي جاءت في الأحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون فى رؤيته ) متفق عليه، هي رؤية العقل الأول الذي هو أول مبدع وهو العقل الفعّال الذي منه تفيض الصور على الموجودات، فهو الذي يظهر يوم القيامة وترفع الحجب بينه وبين الصور التي فاضت منه فيرونه كمثل القمر ليلة البدر فأما واهب العقل "الله" فلا يُرى.


    5- البشرية: أصحاب بشر بن المعتمر كان من علماء المعتزلة ، قال الذهبي: " وكان .. ذكيا فطنا لم يؤت الهدى، وطال عمره فما ارعوى، وكان يقع في أبي الهذيل العلاف وينسبه إلى النفاق " من أقواله :" أن الله تعالى قادر على تعذيب الأطفال وإذا فعل ذلك فهو ظالم " .


    6- المردارية: أصحاب عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار، ويسمى راهب المعتزلة، من مفردات أقواله : أن الله تعالى يقدر على أن يكذب و يظلم ولو كذب وظلم كان إلها كاذبا ظالما تعالى الله، وقال إن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة، وكان مبالغا في القول بخلق القرآن وتكفير من خالفه، وقد سأله إبراهيم بن السندي مرة عن أهل الأرض جميعاً فكفّرهم، فأقبل عليه إبراهيم، وقال الجنة التي عرضها السموات والأرض لا يدخلها إلا أنت وثلاثة وافقوك، فخزي ولم يحر جوابا.

    7- الثمامية: أصحاب ثمامة بن أشرس النميري كان جامعا بين سخافة الدين وخلاعة النفس، انفرد عن أصحابه المعتزلة بمسائل منها قوله: في الكفار والمشركين والمجوس واليهود والنصارى والزنادقة والدهرية أنهم يصيرون في القيامة ترابا، وكذلك قال : في البهائم والطيور وأطفال المؤمنين .

    8- الهشامية: أصحاب هشام بن عمرو الفوطي كان مبالغا في نفي القدر، وكان يمتنع من إطلاق إضافات أفعال إلى الباري تعالى وإن ورد بها التنزيل، منها قوله: أن الله لا يؤلف بين قلوب المؤمنين بل هم المؤتلفون باختيارهم، وقد ورد في التنزيل { ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } ، ومنها قوله : أن الله لا يحبب الإيمان إلى المؤمنين ولا يزينه في قلوبهم، وقد قال تعالى : { وحبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } ومن أقواله: أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن، وقال كذلك : أن النبوة جزاء على عمل وأنها باقية ما بقيت الدنيا.


    فهذه هي المعتزلة نشأة وأقوالا ورجالا وعقائد، عرضناها مختصرة بغية تعريف القارئ بحال تلك الفرقة التي أوجدت جدلا شديدا في مراحل كثيرة من التاريخ الإسلامي ، ووضعت الشرع المطهر في مخاصمة مفتعلة مع العقل، فكان أثرها على الشرع سيئاً إذ قللت من هيبته، وأثرها على العقل أسوأ إذ وضعته في مكان لا يرتقي إليه .



    وقفة مع المعتزلة

    ربما ظن البعض أن المعتزلة قد ذهبت من غير ر جعة، وأن أفكارهم الجريئة لم يعد لها وجود، وأن التوازن قد عاد لجدلية العقل والنقل، إلا أن هذا الظن خاطيء، فالمذهب المعتزلي ما زال موجودا حيا في الصدور ومكتوبا في السطور، وما زالت فرق عديدة تتبناه، وإن اختلفت مسمياتها، فضلا عن انتصار كثير من الحداثيين لمنهج الاعتزال في تقديم العقل على النقل وجعله حاكما على نصوص الشريعة، فالاعتزال قائم مبثوث في العقائد والأفكار ولكن الذي ذهب هو حدته وصولته بعد زوال دولته، وتعرضه لعملية نقد متواصلة على أيدي أئمة السنة، فغدا هامدا يظنه الناس ميتا وليس بميت، ونحاول في خاتمة عرضنا لعقيدة المعتزلة أن نقف وقفة مع هذا المنهج نبين فيه أمرا غاية في الأهمية هذا الأمر هو مخالفة منهج المعتزلة لمنهج السلف، ومباينة عقائد الاعتزال لعقائد الصحابة الكرام، ولنروي في هذا الإطار المناظرة الشهيرة التي قصمت ظهر المعتزلة، والتي جرت بين شيخ من شيوخ السنة وشيخ المعتزلة أحمد بن أبي دؤاد، فقد جيء بشيخٍ سني كبير موثقا بحديده ، حتى أوقفوه في حضرة الخليفة الواثق، فطلب منه الخليفة مناظرة أحمد بن أبي دؤاد فوافق، بعد أن طعن في قدرة أحمد بن أبي دؤاد على المناظرة، وابتدأ السؤال قائلا : مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها، من القول بخلق القرآن أداخلة في الدين، فلا يكون الدين تامًّا إَّلا بالقول بها ؟ قال أحمد بن أبي دؤاد : نعم .

    فقال الشيخ : فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إليها أم تركهم ؟ قال أحمد : لا . قال له: يعلمها أم لم يعلمها ؟قال : عَلِمَهَا .قال: فلم دعوت إلى ما لم يدعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، وتركهم منه ؟ فأمسك.

    فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه واحدة. ثم قال له: أخبرني يا أحمد، قال الله في كتابه العزيز:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ديِنَكُمْ }( المائدة :3)، فقلت أنت : الدين لا يكون تاماًّ إلا بمقالتك بخلق القرآن، فالله تعالى – عز وجل – صدق في تمامه وكماله ، أم أنت في نقصانك ؟! فأمسك .

    فقال الشيخ يا أمير المؤمنين ، هذه ثانية .ثم قال بعد ساعة : أخبرني يا أحمد ، قال الله عز وجل:{ يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }( المائدة :67) فمقالتك هذه التي دعوت الناس إليها، فيما بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أم لا ؟ فأمسك.

    فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، هذه الثالثة. ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد، لمّا عَلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتك التي دعوت الناس إليها، أَتَّسع له أن أمسك عنها أم لا ؟ قال أحمد : بل اتَّسع له ذلك .فقال الشيخ : وكذلك لأبي بكر ، وكذلك لعمر ، وكذلك لعثمان ، وكذلك لعلي رحمة الله عليهم ؟ قال : نعم .فصرف وجهه إلى الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين، إذا لم يسع لنا ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه فلا وسع الله علينا.

    فقال الواثق: نعم، لا وسع الله علينا، إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، فلا وسع الله علينا.


    وبهذه المناظرة كسر الله شوكة المعتزلة فتحول وجه الخليفة عنهم، وما زال مذهبهم في هبوط إلى يومنا هذا، ولنختم بكلمة للعلامة ابن الوزير اليماني، يبين فيها هذا الأصل، قال رحمه الله : " وقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فكل ما لم يُبين من العقائد في عصر النبوة فلا حاجة إلى اعتقاده، ولا الخوض فيه والجدال، والمراد سواء كان إلى معرفته سبيل [ غير النقل ] أو لا، وسواء كان حقا أو لا، وخصوصا متى أدى الخوض فيه إلى التفرق المنهي عنه، فيكون في إيجابه إيجاب ما لم ينص على وجوبه " . فاستمسك أخي القارئ بمثل هذا الأصل العظيم، واحفظ به دينك فما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته دينا فليس اليوم دين.


    تابعونا




    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:18 am


    فرق المعتزله

    الفرقة الأولى:
    الواصلية: أتباع أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال مولى بني ضبة، ولد سنة (80هـ)، ونشأ على الرق، وتتلمذ على الحسن البصري، ولم يفارقه إلى أن أظهر مقالته في المنزلة بين المنزلتين، وهو مؤسس فرقة الاعتزال، وتوفي سنة (131هـ) (3) . وهو الذي وضع الأصول الخمسة التي يرتكز عليها الاعتزال.
    يقول الشهرستاني: إن اعتزال هذه الفرقة يدور على أربع قواعد، وهي:
    القاعدة الأولى: القول بنفي الصفات الثابتة لله في الكتاب والسنة، والحجة في ذلك أنه يستحيل وجود إلهين قديمين أزليين، ومن أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين (4) .
    القاعدة الثانية: القول بالقدر، وهو أن العبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر، وهو المجازى على فعله، والرب تعالى أقدره على ذلك، لأنه تعالى حكيم عادل، لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم، ولا يجوز أن يريد من عباده خلاف ما يأمر. ويحتم عليها شيئا ثم يجازيهم عليه ويستحيل أن يخاطب العبد بأفعال وهو لا يمكنه أن يفعل (5) .
    القاعدة الثالثة: القول بالمنزلة بين المنزلتين، وهو أن صاحب الكبيرة في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان، لا مؤمن ولا كافر، وحجته أن الإيمان عبارة عن خصال إذا اجتمعت سمي صاحبها مؤمنا، والفاسق مرتكب الكبيرة لم تجتمع فيه. لذا لا يسمى مؤمنا. وهذا القول هو أول أقواله التي جهر بها، وبسببه فارق الحسن البصري (6) .
    القاعدة الرابعة: قوله في الفريقين من أصحاب الجمل، وأصحاب صفين أن أحدهما فاسق لا بعينه (7) .
    الفرقة الثانية:
    العمروية: أتباع عمرو بن عبيد بن باب، مولى بني تميم، ولد سنة (80هـ)، وتوفي سنة (144هـ)، كان جده من سبي كابل (Cool . عاش في البصرة، وعاصر واصل بن عطاء، وكان تربا له، فلما قام واصل بحركته انضم إليه وآزره، فأعجب واصل به، وزوجه أخته وقال: زوجتك برجل ما يصلح إلا أن يكون خليفة، كذلك كان عمرو معجبا بأستاذه، وقد أصبح شيخ المعتزلة بعد واصل (9) ، وشاركه في جميع أقواله وزاد عليه بما يلي:
    1- قوله بفسق كلا الفريقين من أصحاب الجمل وصفين، وأنهم خالدون في النار، بخلاف واصل، فإنه يفسق أحد الفريقين لا بعينه، وقد ترتب على هذا: عدم قبول عمرو شهادة رجلين من أحد الفريقين (10) .
    2- خالف عمرو واصلا في رده الأحاديث النبوية (11) .
    الفرقة الثالثة:
    الهذلية: أتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله البصري العلاف، ولد سنة (135هـ)، وتوفي سنة (226، وقيل: سنة 235، وقيل: سنة 237هـ) في خلافة المتوكل عن مائة سنة، مولى عبد القيس، وشيخ المعتزلة البصريين، أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل أحد أصحاب واصل بن عطاء (12) . وقد اطلع على الفلسفة اليونانية فجاءت أقواله متأثرة بها (13) .
    وقد انفرد عن أصحابه بمسائل، منها:
    الأولى: قوله: إن علم الله سبحانه وتعالى هو الله وقدرته هي هو (14) .
    الثانية: أنه أثبت إرادات لا محل لها يكون الباري تعالى مريدا بها، وهو أول من أحدث هذه المقالة، وتابعه عليها المتأخرون من المعتزلة (15) .
    الثالثة: قوله في كلام الباري تعالى أن بعضه لا في محل، وهو قول "كن" وبعضه في محل كالأمر والنهي، والخير والاستخبار، وكأن أمر التكوين عنده غير أمر التكليف (16) .
    الرابعة: قوله في القدر مثل ما قاله أصحابه؛ إلا أنه قدري الأولى جبري الآخرة، فإن مذهبه في حركات الخالدين في الآخرة أنها كانت ضرورية، لا قدرة للعباد فيها، وكلها مخلوقة للباري تعالى؛ إذ لو كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلفين بها (17) .
    الخامسة: قوله في حركات أهل الخلدين، أنها تنقطع، وأنهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار، ومذهبه هذا قريب من مذهب جهم؛ إذ حكم بفناء الجنة والنار، وقد التزم أبو الهذيل هذا المذهب؛ لأنه لما ألزم في مسألة حدوث العالم، أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها؛ إذ كل واحدة لا تتناهى. قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى آخرا، كما لا أقول بحركات لا تتناهى أولا، بل يصيرون إلى سكون دائم. وكأنه ظن أن ما يلزمه بالحركة لا يلزمه بالسكون (18) .
    السادسة: قوله في الاستطاعة أنها عرض من الأعراض غير السلامة والصحة، وفرق بين أفعال القلوب، وأفعال الجوارح، فقال: لا يصح وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة عليها، ولا مع موته، وجوز وجود أفعال الجوارح من الفاعل مع عدم قدرته عليها إن كان حيا وبعد موته، وزعم أن الميت والعاجز يجوز أن يكونا فاعلين لأفعال الجوارح بالقدرة التي كانت موجودة فيهما قبل الموت والعجز (19) .
    السابعة: قوله في المكلف قبل ورود السمع؛ أنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر وإن قصر في المعرفة استوجب العقوبة أبدا، ويعلم أيضا حسن الحسن، وقبح القبيح، فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل، والإعراض عن القبيح كالكذب والفجور (20) .
    الثامنة: قوله في الآجال والأرزاق: إن الرجل إذا لم يقتل مات في ذلك الوقت، ولا يزداد في العمر أو ينقص، والأرزاق على وجهين:
    أحدهما: ما خلقه الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال: خلقها رزقا للعباد.
    ثانيهما: ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد، فما أحل منها فهو رزقه، وما حرم فليس رزقا، أي: ليس مأمورا بتناوله (21) .
    التاسعة: حكي عنه أنه قال: إرادة الله غير المراد، فإرادته لما خلقه هي خلقه له، وخلق الشيء عنده غير الشيء، بل الخلق عنده قول لا في محل. وقال: إنه تعالى لم يزل سميعا بصيرا بمعنى سيسمع وسيبصر، وكذلك لم يزل غفورا رحيما محسنا خالقا رازقا مثيبا معاقبا مواليا معاديا آمرا ناهيا بمعنى أن ذلك سيكون منه (22) .
    العاشرة: قوله في الحجة في الأخبار: قال: إن الحجة في الأخبار الماضية الغائبة عن الحواس لا تثبت بأقل من عشرين رجلا فيهم واحد أو أكثر من أهل الجنة.
    وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكما، وخبر ما فوق الأربعة إلى العشرين يصح وقوع العلم به، وقد لا يصح؛ ذلك أن الحجة لا تجب بأخبار الفاسقين والكافرين، فلا بد من معصومين لا يجوز عليهم الكذب والزلل في شيء من الأفعال تجب الحجة بأخبارهم في كل زمان، وأهل الجنة هم أولياء الله المعصومون عن الخطايا، فلا يكذبون ولا يرتكبون الكبائر، والأمة في كل عصر لا تخلو من عشرين منهم واحد من أهل الجنة على أقل تقدير.
    ويرى البغدادي أن أبا الهذيل أراد بهذا القول تعطيل الأخبار الواردة في الأحكام الشرعية عن فوائدها؛ لأن نقلة الأخبار ينبغي أن يكون فيهم واحد من أهل الجنة، أي: واحد على رأيه في الاعتزال، لأن من لم يكن كذلك لا يكون عنده مؤمنا ولا من أهل الجنة (23) .
    الفرقة الرابعة:
    النظامية: أتباع أبي إسحاق إبراهيم بن سيار بن هانئ المعروف بالنظام، سمي بهذا الاسم لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، ولد سنة (185هـ)، وتوفي سنة (231هـ)، عاشر في شبابه قوما من الثانوية والسمنية القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالط بعد كبره قوما من ملحدة الفلاسفة، ثم اتصل بـ هشام بن الحكم الرافضي فأخذ عنه وعن ملحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجزأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة التي لم يسبق إليها، وأخذ عن الثنوية قوله: بأن فاعل العدل لا يقدر على فعل الجور والظلم. وأخذ أيضا عن هشام قوله: إن الألوان والروائح أجسام، وبنى على هذا قوله بتداخل الأجسام في حيز واحد.
    وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات؛ ولذلك أنكر إعجاز القرآن وما روي من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ليتوصل بذلك إلى إنكار نبوته صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه استثقل أحكام الشريعة، فأبطل الطرق الدالة عليها، ومن ثم أبطل حجية الإجماع والقياس في الفروع، وأنكر الحجة من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، وطعن في فتاوى الصحابة، وجميع فرق الأمة من فريقي الرأي والحديث مع الخوارج والشيعة، والنجارية، وأكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام، ولم يتبعه في ضلالته إلا شرذمة قليلة من القدرية كالأسواري، وابن حائط والجاحظ مع مخالفة كل واحد منهم له في بعض ضلالاته.
    وممن قال بتكفيره من شيوخ المعتزلة أبو الهذيل والجبائي والأسكافي، وجعفر بن حرب وكتب أهل السنة في تكفيره تكاد لا تحصى (24) .
    وقد انفرد عن أصحابه بمسائل، منها:
    الأولى: قوله في القدر، قال: إن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وليست هي مقدورة له خلافا لأصحابه، فإنهم قضوا بأنه قادر عليها، لكنه لا يفعلها؛ لأنها قبيحة، وقال أيضا : إن الله لا يقدر أن يفعل بعباده إلا ما فيه صلاحهم هذا فيما يتعلق بقدرته في أمور الدنيا.
    وأما أمور الآخرة، فقال: لا يوصف الباري تعالى بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا، ولا على أن ينقص منه شيئا، وكذلك لا ينقص من نعيم أهل الجنة أو يخرج أحدا من أهلها، وليس ذلك مقدورا له (25) .
    الثانية: قوله في الإرادة، إن الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة، فإذا وصف بها شرعا في أفعاله، فالمراد بذلك أنه خالقها ومنشئها حسب ما علم، وإذا وصف بكونه مريدا لأفعال العباد، فالمعنى أنه آمر بها وناه عنها (26) .
    الثالثة: زعم أن لا عرض في الدنيا إلا الحركة، وأن السكون حركة اعتماد، والعلوم والإرادات من جملة الحركات؛ لأنها حركات النفس، وكان يقول: إن الإنسان لا يقدر إلا على الأعراض، وبما أنه قال: لا عرض في الدنيا إلا الحركة، لذا فإنه ينتج عن ذلك أن أفعال الإنسان، وسائر الحيوان جنس واحد، وأنها كلها حركات (27) .
    الرابعة: قال: إن الجواهر مؤلفة من أعراض اجتمعت، ووافق هشام بن الحكم، في قوله: إن الألوان والطعوم والروائح أجسام، فتارة يقضي بكون الأجسام أعراضا، وتارة يقضي بكون الأعراض أجساما لا غير (28) .
    الخامسة: قوله في الإجماع: إنه ليس بحجة في الشرع، وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجة، وإنما الحجة في قول الإمام المعصوم (29) .
    السادسة: قوله في إعجاز القرآن : إنه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة، ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما (30) .
    السابعة: قوله في الكمون: وهو أن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادنا ونباتا، وحيوانا وإنسانا، ولم يتقدم خلق آدم عليه السلام على خلق أولاده، غير أن الله تعالى أكمن بعضها في بعض، فالتقدم والتأخر، إنما يقع في ظهورها من مكامنها دون حدوثها ووجودها، وإنما أخذ هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة، وأكثر ميله إلى تقرير مذهب الطبيعيين منهم دون الإلهيين (31) .
    الثامنة: حكى الكعبي (32) عنه أنه قال: إن كل ما جاوز الحديث القدرة من الفعل، فهو من فعل الله تعالى بإيجاب الخلقة، أي أن الله تعالى طبع الحجر طبعا، وخلقه خلقة إذا دفعته اندفع، وإذا بلغت قوة الدفع مبلغها عاد الحجر إلى مكانه طبعا (33) .
    التاسعة: الإنسان في الحقيقة ليس البدن، وإنما هو الروح أو النفس، والبدن آلتها، ومال إلى قوة الفلاسفة الطبيعيين، وهو أن الروح جسم لطيف مشابك للبدن، مداخل للقالب بأجزائه، مداخلة المائية في الورد، وقال: إن الروح هي التي لها قوة واستطاعة وحياة ومشيئة (34) . وهي الحاسة المدركة، ولذلك كان يقول: إن النفس هي التي تدرك المحسوسات من هذه الخروق التي هي الأذن والأنف والفم والعين لا أن للإنسان سمعا أو بصرا هو غيره (35) .

    تابعونا




    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:20 am



    العاشرة: قوله في الفكر قبل ورود السمع أنه إذا كان عاقلا متمكنا من النظر يجب عليه تحصيل معرفة الباري تعالى بالنظر والاستدلال، وقال بتحسين العقل وتقبيحه في جميع ما يتصرف فيه من أفعاله، وقال: لابد من خاطرين: أحدهما: يأمر بالإقدام، والآخر: بالكف ليصح الاختيار (36) .
    الحادية عشر: وافق الفلاسفة في نفي الجزء الذي لا يتجزأ، وقال بأن الجزء يمكن تجزئته إلى ما لا نهاية، فلا بعض إلا وله بعض، ولا نصف إلا وله نصف، وفي قوله هذا إنكار أن يكون تعالى محيطا بآخر العالم عالما به (37) ؛ وذلك في قوله تعالى وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [ الجن: 28].
    الثانية عشر: قوله بالطفرة: إن قول النظام بنفي الجزء الذي لا يتجزأ جره إلى القول بالطفرة، وهي دعواه أن الجسم قد يكون في المكان الأول ثم يصير منه إلى المكان العاشر من غير المرور بالأمكنة المتوسطة بينه وبين العاشر، ومن غير أن يصير معدوما في الأول، ومعادا في العاشر (38) .
    ويرى ابن حزم أن هذا القول لا ينطبق إلا على حاسة البصر، فإذا أطبق الإنسان بصره ثم فتح لاقى المرئيات من غير أن يمر بالمسافة التي بين العين وبين المبصر (39) . وابن حزم معذور في هذا، لأنه يجهل ما اكتشفه العلم الحديث من أن النور يقطع المسافة في زمن، وأن سرعته عظيمة بحيث إذا أطبق الإنسان بصره ثم فتحه لاقى الأجرام السماوية في مدة قصيرة، فينخدع الرائي ويظن أن البصر لم يقطع بمسافة، ولم يمض زمن (40) .
    الثالثة عشر: تكلم في مسائل الوعد والوعيد، فزعم أن من خان في مائة وتسعة وتسعين درهما بالسرقة أو الظلم لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه أو غصبه وخان فيه مائتي درهم (41) .
    وقد اعترض البغدادي على هذا القول، فقال: إن كان النظام بنى قوله هذا على ما تقطع به اليد في السرقة، فإنه لم يجعل أحد نصاب القطع في السرقة مائتي درهم، بل قال قوم في نصاب القطع أنه ربع دينار أو قيمته، وبه قال الشافعي وأصحابه، وقال مالك: بربع دينار أو ثلاثة دراهم، وقال أبو حنيفة: بوجوب القطع في عشرة دراهم فصاعدا، واعتبره قوم بأربعين درهما أو قيمتها . . وما اعتبر أحد نصاب القطع مائتي درهم، ولو كان التفسيق معتبرا بنصاب القطع لما فسق الغاصب لألوف الدنانير؛ لأنه لا قطع على الغاصب المجاهر، ولوجب أن لا يفسق من سرق الألوف من غير حرز أو من الإبل، لأنه لا قطع في هذين الوجهين، وإن كان إنما بنى تحديد المائتين في الفسق على أنها نصاب الزكاة، لزمه تفسيق من سرق أربعين شاة لوجوب الزكاة فيها، وإن كانت قيمتها دون المائتي درهم، وإذا لم يكن للقياس في تحديده مجال ولم يدل عليه نص من القرآن والسنة الصحيحة لم يكن مأخوذا إلا من وسوسة شيطانه الذي دعاه إلى ضلالته (42) .
    الرابعة عشر: ميله إلى الرفض ووقيعته في كبار الصحابة، قال: لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا، وقد نص النبي على علي – رضي الله عنه – إلا أن عمر كتم ذلك، وتولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة، ونسبه إلى الشك يوم الحديبية حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟. . وقال: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وأنه كان يصيح: أحرقوا دارها، ولم يكن في الدار إلا علي والحسن والحسين. وعاب عليه أيضا تغريبه نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة وأمره بالتراويح ونهيه عن متعة الحج.
    ثم أوقع في عثمان – رضي الله عنه – وذكر أحداثه من رده الحكم بن أمية إلى المدينة وهو طريد الرسول صلى الله عليه وسلم ونفيه أبا ذر إلى الربذة، وهو صديق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقليده الوليد بن عقبة الكوفة، وضربه عبد الله بن مسعود على إحضار المصحف، وعلى القول الذي شاقه فيه.
    ثم عاب عليا وابن مسعود لقولهما في بعض المسائل. أقول فيها برأيي: وكذب ابن مسعود في روايته "انشقاق القمر". . وفي روايته"الجن ليلة الجن" إلى غير ذلك من الوقيعة الفاحشة في كبار الصحابة (43) – رضي الله عنهم – الذين قال الله تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [ الفتح : 18]. ومن غضب على من رضي الله عنهم فهو المغضوب عليه دونهم.
    الخامسة عشر: قوله في باب المعاد، قال: إن العقارب والحيات والخنافس والذباب والجعلان والكلاب والخنازير وسائر السباع والحشرات تحشر إلى الجنة، وزعم أن كل من تفضل الله عليه بالجنة لا يكون لبعضهم على بعض درجة في التفضيل . . وزعم أنه لا يتفضل على الأنبياء عليهم السلام إلا بمثل ما يتفضل به على البهائم؛ لأن باب التفضيل عنده لا يختلف فيه العالمون وغيرهم، وإنما يختلفون في الثواب والجزاء لاختلاف مراتبهم في الأعمال (44) .
    السادسة عشر: قوله في المتضادات والمستحيل: يرى النظام في قهر المتضادات على الاجتماع دليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى؛ قال: وجدت الحر مضادا للبرد، ووجدت أن الضدين لا يجتمعان من ذات أنفسهما، فعلمت بوجودي لهما مجتمعين أن لهما جامعا جمعهما، وقاهرا قهرهما على خلاف شأنهما، وما جرى عليه القهر ضعيف، وضعفه دليل على حدوثه، وعلى أن له محدثا أحدثه لا يشبهه، وليس الإنسان هو الذي جمعهما؛ لأنه ضعف مثلهما يجري عليه القهر الذي يجري عليهما، فيكون الذي أوجدهما وقهرهما على الاجتماع، وأوجد الإنسان هو الله تعالى الذي لا يشبهه شيء (45) .
    ويروى أنه كان يحيل أن يكون الله قادرا على فعل المستحيل، كأن يجعل المبرد مسخنا أو العكس، لأن الجوهر محال أن يعمل ما ليس في طباعه، ولكن الخياط ينكر أن يكون النظام قال ذلك (46) .
    السابعة عشر: الجسم والعرض: الجسم: هو الطويل العريض العميق وليس لأجزائه عدد يوقف عليه (47) . وكل شيء في هذا العالم سوى الحركة فإنه جسم؛ لأنه لا يثبت عرضا إلا الحركة (48) .
    وللأعراض صفات منها ما يلي:
    1- الأعراض فانية، لأنه لا بقاء للأجسام (49) .
    2- الأعراض لا ترى بالعين، لأن الإنسان محال أن يرى منها إلا الألوان والألوان عند النظام أجسام لطاف (50) . كذلك محال أن تدرك الأعراض بالحواس الباقية؛ لأنها حركات، والحركات ليست أجساما، ولا يدرك بالحواس إلا الأجسام (51) .
    3- سميت الأعراض أعراضا، لأنها تعترض في الأجسام وتقوم فيها، وأنكر أن يكون العرض لا في مكان أو أن يحدث عرض لا في جسم (52) .
    4- الأعراض لا تتضاد، وإنما التضاد يكون بين الأجسام كالحرارة والبرودة (53) .
    5- الأعراض جنس واحد؛ لأنها جميعا حركات (54) .
    6- يجوز أن يقدر الله عباده على فعل الأعراض، فأما الألوان والحرارة والبرودة والأصوات، فإنه أحال أن يقدر عباده عليها، لأنها أجسام عنده، وليس بجائز أن يقدر الله الخلق إلا على الحركات (55) .
    الفرقة الخامسة:
    الثمامية: أتباع أبي معن ثمامة بن أشرس النميري، وكان من مواليهم لا من نسبهم، وهو زعيم القدرية في أيام المأمون والمعتصم والواثق، توفي سنة (213هـ)، وذكره ابن المرتضي في أوائل من ذكر من رجال الطبقة السابعة. يقول الأسفراييني: إن هذا المبتدع يظهر البدعة ويخفي الإلحاد (56) .
    وقد انفرد عن أصحابه بأمور، منها:
    الأولى: بالغ في الوعيد، فجعل من مات من المسلمين مصرا على كبيرة واحدة مخلدا في النار مع فرعون وأبي لهب، وكان المعتزلة قبله يرون أنه يخفف عنه العذاب (57) .
    الثانية: لا فعل للإنسان إلا الإرادة، وما عداها فهو حدث لا محدث له، وحكي عنه أنه قال: العالم فعل الله تعالى بطبعه، أي أن الكون نتيجة قوة طبيعة كامنة في الله سبحانه وتعالى، وليس نتيجة مشيئته واختياره.
    ويرى الشهرستاني: أن ثمامة أراد بذلك ما أرادته الفلاسفة الطبيعيون من الإيجاد بالذات دون الإيجاد على مقتضى الإرادة (58) .
    الثالثة: أن من لم يعرف الله سبحانه وتعالى ضرورة ليس عليه أمر ولا نهي، وأن الله خلقه للسخرة والاعتبار، لا التكليف كما خلق البهائم لذلك، ثم ركب على هذا فقال: عوام الدهرية والزنادقة في الآخرة لا يكونون في جنة ولا نار، بل إن الله يجعلهم ترابا (59) .
    الرابعة: قوله: إن الأفعال المتولدة لا فاعل لها. وهذا يؤدي إلى القول بنفي الصانع، إذ لو جاز أن يكون فعل بلا فاعل لجاز أن يكون كل فعل بلا فاعل كما لو جاز أن تكون كتابة بلا كاتب جاز أن تكون كل كتابة بلا كاتب (60) .
    الخامسة: قوله: إن دار الإسلام دار شرك، ويحرم السبي لأن المسبي – عنده – ما عصى ربه إذ لم يعرفه، وإنما العاصي – عنده – من عرف ربه بالضرورة ثم جحده أو عصاه (61) .
    الفرقة السادسة:
    المعمرية: أتباع معمر بن عباد السلمي، كان رأسا من رؤوس الضلال، ومن أعظم القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات، ونفي القدر خيره وشره عن الله تعالى، وهو من طبقة أبي الهذيل، توفي سنة (220هـ)، وانفرد عن أصحابه بمسائل، منها:
    الأولى: قوله: إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا من الأعراض، وإنما خلق الأجسام فقط، والأعراض من خلق الأجسام، إما طباعا كالنار التي تحدث الإحراق، والشمس التي تحدث الحرارة، وإما اختيارا كالحيوان الذي يحدث الحركة والسكون، وقوله هذا يخالف قوله سبحانه وتعالى: قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [ الرعد: 16] (62) .
    الثانية: إنكاره أن يقال: إن الله تعالى قديم، لأنه يشعر بالتقادم الزمني، ووجود الباري ليس بزماني (63) .
    الثالثة: قوله: إن الإنسان ليس الصورة التي نشاهدها، وإنما هو شيء في هذه الصورة يتصف بالعلم والحياة والقدرة والإرادة، ثم لا متحرك ولا ساكن، ولا يحل موضعا دون موضع، ولا يحصره زمان، ومع ذلك فهو المدبر للجسد، وإذا فعلاقته بالجسد علاقة تدبير وتصريف، وليست علاقة حلول وتمكن (64) .
    ويلزم على هذا القول أن لا يكون إنسان رأى إنسانا قط، وهذا لا يقوله عاقل (65) .
    الرابعة: قوله في المعجزات: إنها ليست من فعل الله، لأنها أعراض، والله سبحانه على رأيه لا يخلق الأعراض، وإنما تخلقها الأجسام. ويرى البغدادي: أن في قول معمر هذا إبطال للشريعة، لأنه يؤدي إلى القول بأن القرآن ليس من عند الله (66) .
    الفرقة السابعة:
    البشرية: أتباع بشر بن المعتمر الهلالي من أهل بغداد، وقيل: من أهل الكوفة. ولعله كان كوفيا ثم انتقل إلى بغداد، وهو رئيس معتزلة بغداد ومن تلامذة ثمامة بن الأشرس، توفي في حدود سنة (210هـ) (67) .
    من أقواله التي انفرد بها عن أصحابه، ما يلي:
    الأولى: إفراطه في باب التولد حتى قال: إن الإنسان يخلق اللون والرائحة والسمع والبصر، وجميع الإدراكات على سبيل التولد، وكذلك يخلق الحرارة والبرودة، وهو في هذا القول مخالف لإجماع المسلمين، لأن أهل السنة لا يقولون بالتولد أصلا، والمعتزلة الذين يقولون بالتولد، لا يفرطون فيه، بل يقصرون التولد على الحركات والاعتمادات (68) .
    الثانية: أن حركة الجسم توجد في المكان الأول، لا في مكان ثان، ولا واسطة بينهما، وإذا لم يكن بين المكانين واسطة لم يكن هذا الكلام الذي يقوله معقولا، ولم يكن له حقيقة بحال (69) .
    الثالثة: قال: من تاب عن كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الأولى، وقوله هذا مخالف لإجماع المسلمين، لأن المعتزلة، وإن قالوا: أن الفاسق يخلد في النار، فإنهم لا يقولون: إنه يعاقب في النار على ما تاب منه من الذنوب (70) .
    الرابعة: قوله: إن الله قادر على لطف لو فعله في الكافر، لآمن طوعا، وهذا القول تكفره فيه القدرية، لكن الأمر بالعكس، فإنه مصيب في هذا القول، وهم الكفرة دونه (71

    تابعونا

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:27 am



    الفرقة الثامنة:
    الهشامية: أتباع هشام بن عمرو الشيباني الفوطي، توفي سنة (226هـ)، ذكره ابن المرتضي في آخر من ذكر من الطبقة السادسة (72) . كان مبالغا في القدر أشد من مبالغة أصحابه، وكان يمتنع من إضافة أفعال إلى الباري سبحانه وتعالى مثل: نفي إضافة الختم على قلوب الكفار إلى الله، وقد قال تعالى:
    خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ [ البقرة: 7] (73) .
    من أقواله التي اشتهر بها:
    الأولى: قوله: إن الله لا يؤلف بين قلوب المؤمنين، بل هم المؤتلفون باختيارهم، والله سبحانه وتعالى يقول:
    وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] (74) .
    الثانية: قوله: إن الله لا يحبب الإيمان إلى المؤمنين، ولا يزينه في قلوبهم، والله سبحانه يقول:
    وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ[الحجرات:7] (75) .
    الثالثة: الموافاة: من كان مؤمنا إلا أنه في علم الله يموت كافرا، فهو الآن عند الله كافر، وكذلك العكس، فمن كان كافرا إلا أنه في علم الله يموت مؤمنا فهو الآن مؤمن (76) .
    الرابعة: قوله: أن الأعراض لا تدل على كون الباري خالقا، ولا تصلح دلالات بل الأجسام هي التي تدل على كونه خالقا (77) .
    الخامسة: قوله: إن الإمامة لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس، وإنما يجوز عقدها في حال الاتفاق والسلامة، وقصد بهذا: الطعن في إمامة علي – رضي الله عنه – إذ كانت بيعته في أيام الفتنة من غير اتفاق جميع الصحابة، إذ بقي في كل طرف طائفة على خلافه (78) .
    السادسة: قوله: إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن، إذ لا فائدة في وجودهما جميعا خاليتان مما ينتفع أو يتضرر به، ويكفر من قال: إنهما مخلوقتان الآن، وقوله هذا زيادة على مذهب المعتزلة في الجنة والنار، إذ أنهم لا يكفرون من قال بذلك، بل يقتصرون على القول الأول فقط (79) .
    ومن أصحابه: عباد بن سليمان الضمري، وقد وافقه على ضلالاته، وزاد فقال: أنه لا يقال: إن الله خلق الكافر، لأن الكافر اسم لشيئين: الإنسان وكفره، وهو غير خالق لكفره، ويلزمه على هذا القياس أن لا يقال: إن أحدا قتل كافرا لأن الكافر اسم للإنسان وكفره، والكفر لا يكون مقتولا. وخالف بعض النصوص القرآنية كقوله تعالى: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ. . الآية [ المجادلة: 7]، فأنكر أن يقال: إن الله رابع كل ثلاثة، أو سادس كل خمسة (80) .
    الفرقة التاسعة: المردارية: أصحاب عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى والملقب بالمردار، أخذ الاعتزال عن بشر بن المعتمر، توفي في حدود سنة (226هـ)، ويسمى راهب المعتزلة، وهو تلميذ الجعفرين، ومن معتزلة بغداد (81) .
    وقد انفرد عن أصحابه بمسائل، منها ما يلي:
    الأولى: قوله في القدر: إن الله قادر على أن يكذب ويظلم ولو كذب وظلم كان إلها كاذبا ظالما – تعالى الله عن قوله علوا كبيرا– (82) .
    الثانية: قوله في التولد: مثل قول أستاذه بشر بن المعتمر، وزاد عليه بأن جوَّز وقوع فعل واحد من فاعلين على سبيل التولد (83) .
    الثالثة: قوله في القرآن : إن الناس على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة، وبالغ في القول بخلق القرآن فكفر من قال بقدمه بحجة أنه أثبت قديمين، وكفر أيضا من لابس السلطان، وزعم أنه لا يرث ولا يورث، وكفر أيضا من قال: إن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى، ومن قال أنه يرى بالأبصار (84) .
    الرابعة: قال في عثمان وقاتليه: إنهم جميعا في النار، لأن عثمان كان قد فسق، وكذلك قاتلوه؛ لأن فسقه لا يستوجب قتله، فاستحقوا جميعا بفسقهم الخلود في النار (85) ... وقد كفر أكثر شيوخه كأبي الهذيل، والنظام وبشر بن المعتمر، وقالوا هم بتكفيره، وكلا الفريقين محق في تكفير صاحبه (86) .
    الفرقة العاشرة:
    الجعفرية: أتباع جعفر بن مبشر الثقفي المتوفى سنة (234هـ)، وجعفر بن حرب الهمذاني المتوفى سنة (236هـ)، وكلاهما من معتزلة بغداد (87) . أتيا بمسائل، منها ما يلي:
    الأولى: قالا: إن الله تعالى خلق القرآن في اللوح المحفوظ، فلا يجوز أن ينتقل منه؛ لأنه يستحيل أن يكون الشيء الواحد في مكانين في آن واحد، وعلى ذلك، فإن الناس لم يسمعوا القرآن على الحقيقة، والقرآن الذي في المصاحف ليس بكلام الله إلا على المجاز، أي هو: عبارة عن حكاية عن المكتوب الأول في اللوح المحفوظ (88) .
    الثانية: قال جعفر بن مبشر: إن فساق هذه الأمة هم شر من اليهود والمجوس والزنادقة؛ مع أنه يرى أن الفاسق موحد، وليس بمؤمن ولا كافر، فجعل الموحد شرا من الكافر الثانوي (89) .
    الثالثة: كان لجعفر بن مبشر تطرف في بعض المسائل الفقهية، فمثلا: قال: من سرق حبة واحدة وهو ذاكر لتحريمها فهو منسلخ من الإيمان والإسلام مخلد في النار، فخالف بذلك أسلافه الذين قالوا بغفران الصغائر عند اجتناب الكبائر (90) . وزعم أيضا : أن تأييد المذنبين في النار من موجبات العقل، فخالف بذلك أسلافه الذين قالوا: إن ذلك معلوم بالشرع دون العقل (91) .
    الفرقة الحادية عشرة:
    الأسوارية: أتباع علي الأسواري، توفي سنة (240هـ)، وكان من أتباع النظام، موافقا له في جميع ضلالاته، وزاد عليه بقوله: إن ما علم الله أنه لا يكون لم يكن مقدورا له تعالى، وهذا القول منه يوجب أن تكون قدرته تعالى متناهية، ومن كانت قدرته متناهية كانت ذاته متناهية، والقول به كفر، فما يؤدي إليه مثله (92) .
    الفرقة الثانية عشر:
    الإسكافية: أتباع محمد بن عبد الله الإسكافي، ذكره ابن المرتضي في رجال الطبقة السابعة، تتلمذ على جعفر بن حرب، وتوفي سنة (240هـ) (93) .
    أتى بمسائل انفرد بها، منها ما يلي:
    الأولى: في الجسم. قال: معنى الجسم أنه مؤتلف، وأقل الأجسام جزآن، والجزء الواحد يحتمل جميع الأعراض إلا التركيب (94) .
    الثانية: في الصفات. قال: لا يجوز أن نقول أن الله يتكلم مع العباد، بل نسميه تعالى (مكلما) لأن المتكلم يقتضي قيام الكلام به، كما أن المتحرك يقتضي قيام الحركة به؛ أما إذا قلنا: مكلما، فلا يقتضي ذلك (95) .
    الثالثة: قال: إن الله تعالى قادر على ظلم الأطفال والمجانين، وليس بقادر على ظلم العقلاء البالغين (96) .
    الفرقة الثالثة عشر:
    الخابطية والحدثية: أتباع أحمد بن خابط، توفي سنة (232هـ)، وفضل الحدثي المتوفى سنة (257هـ)، وهما فرقة واحدة، تطرفت في أقوالها؛ لذلك اعتبرها البغدادي من فرق الغلاة، ففصلها عن سائر فرق المعتزلة (97) . واعتبرها من الفرق المنتسبة إلى الإسلام وليست منه (98) .
    يقول الخياط: إن هذه الفرقة كانت من جملة فرق المعتزلة، ولكنها حينما تطرفت في أقوالها نفاها المعتزلة وتبرأوا من رئيسها (99) . وقد سماها بعض الكتاب المعاصرين كزهدي جار الله الحائطية، ولعل الصحيح ما ذكرناه، وهو أنها الخابطية (100) .
    ويقول الشهرستاني: أن ابن خابط والحدثي كانا من أصحاب النظام، وطالعا كتب الفلسفة أيضا، وضما إلى مذهب النظام مسائل (101) ، منها ما يلي:
    الأولى: زعما أن للخلق ربين وخالقين: الأول: قديم وهو الله؛ والآخر: حديث. وهو المسيح عليه السلام؛ وبذلك فقد أثبتا حكما من أحكام الإلهية في المسيح موافقة للنصارى على اعتقادهم أنه هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة . . وقالا أيضا : إن المسيح تدرع جسدا، ونزل إلى الدنيا، وكان قبل التدرع عقلا. والشهرستاني – كما بينا – يرى: أنهما قالا هذا القول موافقة للنصارى؛ أما البغدادي فيرى: أنهما قالاه موافقة للثنوية في إثبات خالقين (102) .
    الثانية: القول بالتناسخ: زعما أن الله تعالى أبدع خلقه أصحاء سالمين عقلاء بالغين في دار سوى هذه الدار التي هم فيها اليوم، وخلق فيهم معرفته، والعلم به، وأسبغ عليهم نعمه، ولا يجوز أن يكون أول ما يخلقه إلا عاقلا ناظرا معتبرا، وابتدأهم بتكليف شكره، فأطاعه بعضهم في جميع ما أمرهم به وعصاه بعضهم في جميع ذلك، وأطاعه بعضهم في البعض دون البعض، فمن أطاعه في الكل أقره في دار النعيم التي ابتدأهم فيها، ومن عصاه في الكل أخرجه من تلك الدار إلى دار العذاب وهي النار، ومن أطاعه في البعض دون البعض أخرجه إلى دار الدنيا، ويسميها دار الابتلاء، فألبسه هذه الأجسام الكثيفة وابتلاه بالبأساء والضراء والشدة والرخاء والآلام واللذات على صور مختلفة من صور الإنسان والحيوان على قدر ذنوبهم، فمن كانت طاعته أكثر كانت صورته أحسن وآلامه أقل، ومن كانت ذنوبه أكثر، كانت صورته أقبح وآلامه أكثر، ثم لا يزال يموت ويرجع ما دامت معه ذنوبه وطاعاته حتى يمتلئ المكيالان، مكيال الخير، ومكيال الشر، فإذا امتلأ مكيال الخير صار العمل كله طاعة والمطيع خيرا خالصا، فينقل إلى الجنة، وإذا امتلأ مكيال الشر صار العمل كله معصية، والعاصي شريرا، فينقل إلى النار، ولأجل ذلك زعم أن جميع أنواع الحيوان أمم وأن لها رسل، لأنها ممسوخة عن الإنسان العاصي في دار النعيم التي خلق فيها.
    الفرقة الرابعة عشر:
    المويسية: أتباع مويس المتوفى سنة (246هـ)، يكاد لا يرد عن هذه الفرقة في كتب العقائد شيء، ولم تشر كتب التاريخ إلى رئيسها، لذا أكتفي بذكر اسمها (103) .
    الفرقة الخامسة عشر:
    الصالحية: أتباع صالح قبة، المتوفى سنة (246هـ) (104) ، يقول أبو الحسن الأشعري (105) : إن صالح قبة كان ممن يثبتون الجزء الذي لا يتجزأ، وأنه جوز أن يحل الجزء وهو منفرد جميع الأعراض، إلا التركيب (106) . كذلك يرى أن الرؤيا حق، وأن ما يراه النائم في نومه صحيح، كما أن ما يراه اليقظان في يقظته صحيح (107) .
    ويقول أيضا: أن ما يراه الرائي في المرآة إنما هو إنسان مثله اخترعه الله تعالى في المرآة (108) .
    الفرقة السادسة عشر:
    الجاحظية: أصحاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، كان من فضلاء المعتزلة والمصنفين لهم، وقد طالع كثيرا من كتب الفلاسفة، وخلط وروج كثيرا من مقالاتهم بعباراته البليغة، وله منزلة سامية عند أهل الأدب على زيغه، يثق ابن حزم بنقله، ويقول عنه أبو الحسين الملطي أنه كان صاحب تصانيف، ولم يكن صاحب جدل، أخذ عن ثمامة بن الأشرس وعن أبي إسحاق النظام، وتوفي سنة (250هـ، وقيل سنة 255هـ، وقيل سنة 256هـ)، وله من العمر ما يقارب تسعين سنة (109) . وقد اشتهر بمسائل، منها ما يلي:
    الأولى: قال: الجوهر يستحيل أن ينعدم أو يفنى، لذلك فالأجسام المؤلفة من الجواهر يستحيل أيضا أن تنعدم أو تفنى، ولا يقدر الله على إفنائها، ولكنه يقدر على تفريق أجزائها، وإعادة تركيبها فقط، فالأجسام إذا ثابتة لا تفنى، وإنما يمكن أن تتغير من حال إلى حال. وهو بقوله هذا: متأثر بالفلاسفة اليونانيين الطبيعيين الذين يذهبون إلى القول بقدم العالم واستحالة فناء المادة، ويرون أن الخلق عبارة عن تجمع أجزاء المادة في أجسام منتظمة، وأن الفناء هو تفرق أجزاء تلك الأجسام (110) .
    الثانية: أثبتت الطبائع للأجسام، وأوجب لها أفعالا مخصوصة، فقال: إن العباد ليس لهم فعل إلا الإرادة، أما سائر الأفعال، فتقع طباعا لا اختيارا. وبسبب إثباته الطبائع للأجسام قال: إن الله لا يدخل النار أحدا، وإنما النار تجذب أهلها إلى نفسها بطبيعتها، ثم تمسكهم فيها خالدين. وقد اعترض الأسفراييني على هذا فقال: وأما قوله: إن العبد لا يفعل إلا الإرادة فيوجب أن لا يكون العبد فعل صلاة ولا حجا، وأن لا يكون فعل شيئا من موجبات الحدود كالزنا والسرقة، ثم قال: وأما قوله: إن الله لا يدخل أحدا النار، وإنما النار تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها، قال: إنه يلزمه على هذا القول أن يقول في الجنة أنها تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها، وأن الله لا يدخل أحدا الجنة، فإن قال بذلك قطع الرغبة إلى الله في الثواب، وأبطل فائدة الدعاء، وإن قال: إن الله تعالى هو يدخل أهل الجنة الجنة لزمه القول بأن الله يدخل في النار أهلها (111) .
    الثالثة: قوله في عصمة الأنبياء: لما كان الجاحظ يرى أن المعارف ضرورية فلا يعصي الله أحد إلا بعد العلم بما نهاه عنه؛ فقد قال: إن الأنبياء اعتمدوا المعاصي مع العلم بأن الله قد نهى عنها، ومعنى ذلك؛ أنه نفى العصمة عن الأنبياء فخالف أكثر المعتزلة الذين يقولون: إنه لا يجوز على الأنبياء أن يفعلوا قصدا ما علموا أنه ذنب (112) .
    الرابعة: حكي عنه أنه قال في القرآن الكريم أنه جسم يجوز أن ينقلب مرة رجلا ومرة حيوانا (113) .
    يقول زهدي جار الله: إنه لا يعقل أن يقول الجاحظ هذا القول؛ بل الأرجح أن يكون ابن الراوندي (114) نسبه إليه للحط من قدره، وإن كان قاله فعلا فإنه إما أن يدل على الدرجة البعيدة في السخف التي وصلت إليها المحاجات الفلسفية في زمنه، وإما أن يكون الجاحظ – كما قال ماكدونالد قصد بهذا القول التهكم على المجادلين في وقته (115) .
    الفرقة السابعة عشر:
    الشحامية: أتباع أبي يعقوب يوسف بن عبد الله بن إسحاق الشحام من صغار أصحاب أبي الهذيل، وهو أستاذ الجبائي، ورئيس معتزلة البصرة في عصره، توفي سنة (267هـ)، وقد جوز هو والعلاف مقدورا بين قادرين، ويكون كل واحد منهما منفردا بخلقه، فخالف بذلك أهل السنة وأهل القدر (116) .

    تابعونا

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:29 am



    الفرقة الثامنة عشر:
    الخياطية: أتباع أبي الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط من أصحاب جعفر بن مبشر، توفي حوالي سنة (290هـ)، وهو أستاذ الكعبي في ضلالاته، وشارك أكثر القدرية في ضلالاتها، وانفرد عنها بقول لم يسبق إليه في المعدوم مخالفا فيه جميع المعتزلة وسائر فرق الأمة، فزعم أن الجسم في حال عدمه يكون جسما؛ لأنه يجوز أن يكون في حال حدوثه جسما ولم يجز أن يكون المعدوم متحركا؛ لأن الجسم في حال حدوثه لا يصح أن يكون متحركا عنده، فقال: كل وصف يجوز ثبوته في حال الحدوث فهو ثابت له في حال عدمه. ويلزمه على هذا الاعتلال أن يكون الإنسان قبل حدوثه إنسانا، لأن الله تعالى لو أحدثه على صورة الإنسان بكمالها من غير نقل له في الأصلاب والأرحام ومن غير تغيير له من صورة إلى صورة أخرى يصح ذلك.
    وقد لقبت هذه الفرقة بالمعدومية لإفراطهم في وصفهم المعدوم بأكثر أوصاف الموجودات، وقد نقض الجبائي على الخياط قوله: بأن الجسم جسم قبل حدوثه في كتاب مفرد. وذكر أن قوله بذلك يؤدي إلى القول بقدم الأجسام. كذلك كان الخياط ينكر الحجة في أخبار الآحاد. يقول البغدادي: وما أراد بقوله هذا إلا إنكار أكثر الأحكام الشرعية؛ وذلك لأن أكثر فروض الفقه مبنية على أخبار الآحاد (117) .
    الفرقة التاسعة عشر:
    الجبائية: أتباع أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي نسبة إلى جبي، وهي بلد من أعمال خورستان في طرف من البصرة والأهواز، وهو شيخ المعتزلة في البصرة، تلقى الاعتزال عن أبي يعقوب الشحام، وكان مع حداثة سنه معروفا بقوة الجدل، توفي سنة (303هـ) (118) .
    انفرد بأقوال، منها ما يلي:
    الأول: قال: إن حقيقة الطاعة هي موافقة الإرادة، وقد قيل له إن قولك هذا يوجب أن يكون الله مطيعا لعبده إذا أعطاه مراده، فقال: نعم. يكون مطيعا له، فخالف بذلك الإجماع؛ لأن المسلمين قبله أجمعوا على أن من قال: إن الباري سبحانه وتعالى مطيع لعبده كان موصوفا بالكفر. وأيضا: لو جاز أن يقال: أنه لعبده مطيع لجاز أن يكون له خاضعا وهذا غير جائز، فدل على بطلان هذا القول (119) .
    الثاني: قال في الصفات: إن الله لم يزل سميعا بصيرا، ويمتنع من أن يقال: لم يزل سامعا مبصرا، فالله عنده في الأزل سميعا، ولم يكن سامعا إلا عند وجود المسموع، ولم يكن مبصرا إلا عند وجود المرئي؛ وذلك لأن سامعا ومبصرا متعديان بخلاف سميعا وبصيرا، فلما لم يجز أن تكون المسموعات والمرئيات لم تزل موجودات لم يجز أن يكون سامعا ومبصرا (120) .
    وقال في أسماء الله تعالى: إنها يجوز أن تؤخذ قياسا، ويجوز أن يشتق من أفعاله اسم لم يرد به السمع، ولم يأذن به الشرع (121) .
    الثالث: قوله: إن العرض الواحد يجوز أن يكون في محال كثيرة، ويعلل ذلك بقوله: إن الكلام يكتب في محل، فيكون عرضا موجودا فيه، ثم يكتب في محل ثاني فيصير أيضا موجودا فيه من غير أن ينتقل من المحل الأول أو يعدم فيه (122) .
    الرابع: قوله: إن الله سبحانه وتعالى ليس بقادر أن يفني شيئا من أجسام العالم بانفراده، ولكنه إن شاء أفنى العالم بفناء يخلقه لا في محل، فيفنى به جميع العالم (123) .
    الخامس: اعتقاده استحالة بعث الأجسام بعد تفرقها بالموت، ولذلك فإنه يتأول الآيتين الكريمتين، وهما قوله تعالى: يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى . . الآية [ البقرة: 73] و قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ [ الحـج: 7]. على معنى أن الله يحيي أرواح الموتى، ويبعث أرواح من في القبور (124) .
    الفرقة العشرون:
    الكعبية: أتباع عبد الله بن أحمد بن محمد البلخي المعروف بأبي القاسم الكعبي تلميذ الخياط وأحد المعتزلة البغداديين، توفي سنة (319هـ)، أخذ من كل علم بطرف (125) .
    وقد خالف قدرية البصرة في أشياء منها:
    أولا: قوله: إن الله تعالى لا يرى نفسه، ولا يراه غيره (126) .
    ثانيا: قوله: إن الله سبحانه وتعالى لا يسمع ولا يبصر، وكان يزعم أن معنى وصفه بالسميع والبصير بمعنى أنه عالم بالمسموع والمرئي (127) .
    ثالثا: نفي الإرادة عن الله سبحانه وتعالى، وقال: إن الله سبحانه إذا أراد شيئا من فعله فالمقصود أنه فعله، وإذا قيل: أنه أراد من عنده فعلا أنه أمر به، وقال: إن وصفه بالإرادة على الوجهين مجاز (128) . كما أن وصف الجدار بالإرادة مجاز في قوله تعالى: جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [ الكهف: 77].
    رابعا: أنه كان يقول بإيجاب الأصلح للعبد على الله تعالى، والإيجاب على الله تعالى محال لاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئا (129) .
    خامسا: زعم أن المقتول ليس بميت، فخالف قوله سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [ العنكبوت : 57] (130) .
    سادسا: قال: إن الاستطاعة ليست غير الصحة والسلامة (131) .
    الفرقة الواحدة والعشرون:
    البهشمية: هم أتباع أبي هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي رئيس معتزلة البصرة بعد أبيه قدم ابن المرتضي ذكره على جميع رجال الطبقة التاسعة لزعمه أنه متقدم عليهم في العلم، وقد خالف أباه في جملة من المسائل، وتوفي في بغداد في شهر شعبان من سنة (321هـ) (132) .
    من أقواله التي اشتهر بها ما يلي:
    الأول: قوله في التوبة: لقد ذكر عدة حالات لا تصح فيها التوبة، منها: التوبة عن الذنب عند العجز عن مثله، فإنها لا تصح، فمثلا: لا تقبل توبة الكاذب بعد خرس لسانه عن الكذب. ومنها التوبة عن الذنب مع الإصرار على قبيح آخر يعلمه الإنسان أو يعتقده قبيحا، وإن كان في الحديث ذاته حسنا، ويعلل قوله هذا، بقوله: إنما وجب عليه ترك القبيح لقبحه، فإذا أصر على قبح آخر لم يكن تاركا للقبيح المتروك من أجل قبحه (133) .
    الثاني: قوله في الإرادة المشروطة، وهو أنه لا يجوز أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه آخر، بل يجب أن يكون مرادا من جميع الوجوه، فلا يكره من وجه من وجوهه.
    ويرى البغدادي أن في هذا القول هدما لأصول المعتزلة في الحسن والقبح؛ لأنه يلزمه أن يكون من القبائح ما لا يكرهه الله، فمثلا: يريد تعالى السجود له عبادة، فعلى هذا الأصل لا يجوز أن يكره السجود للصنم عبادة (134) .
    الثالث: قوله بنفي جملة من الأعراض التي أثبتها أكثر مثبتي الأعراض كالبقاء والإدراك والألم والشك، وقد زعم أن الألم الذي يلحق الإنسان عند المصيبة ليس بمعنى أكثر من إدراك ما ينفر عنه الطبع، والإدراك ليس بمعنى عنده، وكذلك اللذات عنده ليست بمعنى، ولا هي أكثر من إدراك المشتهى، والإدراك ليس بمعنى. وقال في الألم الذي يحدث عند الوباء أنه معنى كالألم الذي يحدث عن الضرب، لأنه واقع تحت الحس (135) .
    الرابع: الثواب والعقاب: قال أبو هاشم باستحقاق الشكر والذم على فعل الغير، فلو أن زيدا أمر عمرا بفعل طاعة استحق زيد شكرين: شكر على الأمر الذي هو فعله، وشكر على فعل الطاعة التي هي فعل عمرو فخالف الأمة بذلك، وكذلك لو أمره بمعصية؛ استحق ذميين على الأمر وعلى فعل عمرو (136) .
    وكذلك قال: باستحقاق الذم والعقاب لا على فعل، فالإنسان القادر المكلف إذا مات ولم يرتكب معصية، ولكنه لم يفعل بقدرته طاعة لله تعالى استحق الذم والعقاب الدائم لا على فعل، بل من أجل أنه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه، وارتفاع الموانع عنه؛ ولذلك اعتبر من لم يفعل ما أمر به عاصيا، وإن لم يفعل معصية، ولم يعد طائعا إلا من فعل طاعة فحتى يكون الإنسان مطيعا فيتخلص من العقاب، ويستحق الثواب يجب عليه ليس أن يمتنع عن فعل ما نهي عنه فحسب، بل أن يفعل أيضا ما أمر به (137) .
    الفرقة الثانية والعشرون:
    الحمارية: هم قوم من معتزلة عسكر مكرم اختاروا من بدع أصناف القدرية ضلالات مخصوصة، ولم يذكر لهم رئيس بعينه، فأخذوا من ابن خابط قوله بتناسخ الأرواح في الأجساد والقوالب، وأخذوا عن الجعد بن درهم قوله: بأن النظر الذي يوجب المعرفة تكون تلك المعرفة فعلا لا فاعل لها، وقالوا أيضا : أن الخمر ليست من فعل الله وإنما من فعل الخمار، لأن الله لا يفعل ما يكون سببه المعصية. وزعموا أن الإنسان قد يخلق بعض الحيوانات كالديدان من اللحم إذا وضعه في الشمس

    تابعونا





    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:31 am



    إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة

    ومن الشبهات التي أثيرت في العصر الحديث محاولة جملة من المستشرقين الربط بين اعتزال جملة من الصحابة لأحداث الفتنة الأولى، ومسمى المعتزلة الذي ظهر في أول القرن الثاني الهجري، واتخذوا من عبارات المؤرخين دليلاً على قدم مذهب الاعتزال، وأن اعتزال واصل هو امتداد لاعتزال الصحابة للفتنة، ومن هذه النصوص التي اعتمدوا عليها ما ذكره الطبري على لسان المغيرة بن شعبة، عندما سأل عمرو بن العاص، فقال له: "يا أبا عبدالله، أخبرني عما أسالك عنه: كيف ترانا، معشر المعتزلة؟ فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نتأنى، ونثبت، حتى تجتمع الأمة، قال أراكم، معشر المعتزلة، خلف الأبرار، وأمام الفجار" (1) .
    ولفظ الاعتزال هنا تعني معناها اللغوي المعروف؛ من الكف، وعدم المشاركة في القتال، ولم تكن تشير إلى فئة معينة لها تميز فكري، أو عقدي، ولم يصرح المؤرخون بهذا المعنى: لا الطبري، ولا ابن كثير، ولا غيرهم من مؤرخي أهل السنة، ولكن كتاب المقالات من الشيعة زعموا أن أصل الاعتزال يرجع لاعتزال الصحابة للفتنة؛ فقال القمي "ت (302هـ)"، والنوبختي، وعند الذهبي, النوبختي من نفس طبقة القمي، ولم يذكر سنة وفاته (2) ، يقول النوبختي بعد أن يعدد مواقف الصحابة من خلافة علي رضي الله عنه: "وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك، وهو سعد بن أبي وقاص "ت (55هـ)"، وعبدالله بن عمر "ت (73هـ)"، ومحمد بن مسلمة الأنصاري "ت (هـ43)"، وأسامة بن زيد "ت (54هـ)"، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي رضي الله عنه، وامتنعوا عن محاربته، والمحاربة معه، بعد دخولهم في بيعته، والرضاء به؛ فسموا المعتزلة؛ وصاروا أسلاف المعتزلة للأبد، وقالوا: لا يحل قتال علي، ولا القتال معه، وذكر بعض أهل العلم أن الأحنف بن قيس التميمي "ت (هـ67)" اعتزل بعد ذلك في خاصة قومه من بني تميم، لا على التدين بالاعتزال، لكن على طلب السلامة من القتل، وذهاب المال؛ قال لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم" (3) .
    وقال الناشئ الأكبر "ت (292هـ)" أحد مؤرخي الشيعة: "وفرقة اعتزلوا الحرب؛ وهم صنفان: صنف اعتزلوا الحرب، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل، والمقتول في النار)) (4) ، ومن هؤلاء القوم الذين اعتزلوا الحرب على هذه الجهة عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن سلمة، وأسامة بن زيد، وخلق كثير من الصحابة، والتابعين، ممن رأى القعود عن الحرب فضلاً، وديناً، والدخول فيها فتنة، وهؤلاء هم أصحاب الحديث، وهم الذين يأتمون في كل عصر بمن غلب، والصنف الثاني: فهم الذين اعتزلوا الحرب لأنهم لا يعلمون من في الطائفتين أولى بالحق؛ ومن هؤلاء القوم أبو موسى الأشعري "ت (44هـ)"، وأبو سعيد الخدري "ت (64هـ)"، وأبو مسعود الأنصاري "ت (40هـ)"، والأحنف بن قيس التميمي "ت (67هـ)" في قبائل بني تميم، وقد جاءت الأخبار عنهم بذلك؛ فهذا الصنف الذين اعتزلوا الحرب على هذه الجهة، وكانوا يسمون في ذلك العصر المعتزلة، وإلى قولهم في حرب علي "ت (40هـ)"، وطلحة " ت ( 36هـ)"، والزبير "ت (36هـ)"، يذهب واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وهما رئيسا المعتزلة" (5) .
    ويذهب الملطي إلى أن هذا الاسم برز بعد مبايعة الحسن بن علي لمعاوية؛ حيث قال: "وهم سموا أنفسهم معتزلة؛ وذلك عندما بايع الحسن بن علي – عليه السلام – معاوية، وسلم إليه الأمر، اعتزلوا الحسن، ومعاوية، وجميع الناس؛ وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي، ولزموا منازلهم، ومساجدهم، وقالوا نشتغل بالعلم، والعبادة فسموا بذلك معتزلة" (6) .
    وقد بنى المستشرقون على هذه المزاعم أن ربطوا المعتزلين عن الحروب، والفتن، باعتزال واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد؛ ليصلوا إلى هدفهم؛ وهو نسبة هذا الابتداع الضال إلى الصحابة – رضوان الله عليهم -؛ حيث حشد المستشرق نلينلوا مثل هذه النصوص؛ ليخلص إلى القول: "فعندئذ الدليل الحاسم على استعمال لفظ الاعتزال بهذا المعنى السياسي، طوال هذا الزمان الذي عاش فيه مؤسساً مذهب المعتزلة، ونستطيع أن نلاحظ أخيراً في كثير من الاحتمال أن الحديث الموضوع الذي طبقه المعتزلة المتكلمون، من بعد على أنفسهم، كان يشير في الأصل إلى المعتزلة السياسيين، وأعني بهم هؤلاء الذين امتنعوا عن الاشتراك في المنازعات الداخلية في القرن الأول، وأوائل القرن الثاني" (7) ، ثم يعقب الدكتور بدوي بعد النص السابق، فيقول: "من كل هذا الذي سبق يبدو لي أنه ما دامت هذه المسألة قد أخذت حظها من الأهمية؛ بسبب المنازعات السياسية، والحروب الأهلية في القرن الأول، فمن الطبيعي أن يكون اسم المعتزلة قد أخذ عن لغة السياسة في ذلك العصر؛ فكان المعتزلة الجدد، المتكلمون في الأصل، استمراراً في ميدان الفكر، والنظر، للمعتزلة السياسية، أو العملية" (Cool .
    وللرد على هذه المزاعم المعروفة الهدف؛ وهو الربط بين معتزلة الابتداع المتأخرين، واعتزال الصحابة للفتنة، وأحداثها، فهذا الربط باطل، ولا صحة له؛ فإن الصحابة المعتزلين لأحداث الفتنة لم يؤثر عنهم أي خوض في مسائل عقدية مشابهة للتي ابتدعها المتأخرون، بل كان اعتزالهم لحقن دماء الأمة فقط، ولم يتعد ذلك إلى أي مقولة فكرية، أو عقدية، تشق صف الأمة، وتخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ثم إن المعتزلة المتأخرين، لا يعتبرون معتزلة الحرب سلفاً لهم، بل الذي حملهم هذا هم مؤرخو الشيعة، والمستشرقون، ومن تابعهم، بل الثابت أن موقف واصل، وعمرو بن عبيد، من أحداث الفتنة ليس موقفاً وسطاً؛ كما فعل الصحابة المعتزلون، ولكنه موقف يطعن في المقتتلين؛ حيث قال واصل: "إن فرقة من الفريقين فسقة بأعيانهم، وإنه لا يعرف الفسقة منهما، وأجازوا أن يكون الفسقة في الفريقين علياًّ، وأتباعه؛ كالحسن، والحسين، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي أيوب الأنصاري، وسائر من كان مع علي يوم الجمل، وأجاز كون الفسقة من الفريقين عائشة، وطلحة، والزبير، وسائر أصحاب الجمل، ثم قال في تحقيق شكه: لو شهد علي وطلحة، أو علي والزبير، أو رجل من أصحاب علي، ورجل من أصحاب الجمل، عندي على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما؛ لعلمي بأن أحدهما فاسق، لا بعينه" (9) .
    وزاد عمرو بن عبيد على قرينة واصل؛ فقال بفسق كلتا الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل؛ وذلك أن واصلاً إنما رد شهادة رجلين من أصحاب الجمل، والآخر من أصحاب علي رضي الله عنه، وقبل شهادة رجلين كلاهما من أحد الفريقين، وزعم عمرو بأن شهادتهما مردودة، وإن كان من فريق واحد؛ لأنه قال بفسق الفريقين جميعاً" (10) .
    فأين هو الاعتزال الذي قال به الشيعة، والمستشرقون؟ وهل الذي يقول مثل هذا في الصحابة يكون الصحابة المعتزلون للفتنة سلفاً له، وهم الذين كان عندهم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخوضوا في الفتنة؟ لكن واصلاً، وعمراً، انطلقت ألسنتهم العليلة بتفسيق جمهور الصحابة، الذين رضي الله عنهم، ورضوا عنه.
    أما ما قاله الملطي "ت (377هـ)" عن حدوث هذا الاسم بعد بيعة الحسن لمعاوية، فهذا الرأي يكاد قد ينفرد به وحده، ولم يقل به غيره، ولو صح، لاشتهر هذا الاسم اشتهاراً واسعاً، ثم إن الحقائق تنقضه؛ فإن الناس بعد بيعة الحسن لمعاوية – رضي الله عنهما –، قد دخل أغلبهم في بيعة معاوية، وسمي ذلك العام عام الجماعة، فقد بايعه كبار الصحابة، وأعيان الأمصار في كل أرض الخلافة، إلا بقايا من الشيعة السبئية، والخوارج الذين اختاروا سراديب الظلام، وعلى فرض صحة ما قاله الملطي، فإن اعتزال هؤلاء للعلم، والعبادة، وليس لتأسيس نحلة ضالة تخالف منهاج السلف في الكتاب، والسنة.
    وقد حاول الشيعة المعتزلة من الزيدية الذين خلطوا بين الاعتزال، والتشيع، نفي ما قاله واصل وعمرو في الصحابة، بلا دليل يصح؛ حيث يقول نشوان الحميري: ""ومن الناس" من يقول سموا معتزلة لاعتزالهم علي بن أبي طالب – عليه السلام – في حروبه، وليس كذلك؛ لأن جمهور المعتزلة، وأكثرهم، إلا القليل الشاذ منهم، يقولون: إن عليا كان على الصواب، وإن من حاربه فهو ضال" (11) .
    ولو كان هذا صحيحاً لاهتبله مؤرخو الشيعة، وذكروه؛ ليعززوا مواقفهم التي هي من جنس ما يردده المعتزلة؛ من إلقاء الكلام على عواهنه، بلا دليل إلا التهويش، وجلب الأتباع اعتباطاً، لا حقيقة.
    ولكن الأكاذيب التي لا تحتمل هي التي أتى بها ابن المرتضى عندما عدد طبقات المعتزلة، ووضع في الطبقة الأولى: الخلفاء الأربعة، وعبدالله بن العباس "ت (68هـ)"، وابن مسعود "ت (32هـ)"، وغيرهم، ثم زعم أن علياً كان يصرح بالعدل؛ أي يقول بالقدر، وكذلك أبو بكر، وابن مسعود، وساق الأخبار الملفقة عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وأبي بن كعب رضي الله عنهم (12) وزعم أن هؤلاء أسلاف مذهب المعتزلة، والقدرية؛ لترويج أفكارهم الرديئة، والتي كان يبرأ منها ابن عمر، وابن عباس، وكان التابعون يلعنون القدرية، وانحرافهم، ثم يأتي كاتب مغمور في القرن التاسع الهجري ليكذب هكذا، وكأنه اعتقد أن أهل السنة لم يبق فيهم من يدافع عن السلف – رضوان الله عليهم –، من غير دليل، ولا حجة، عن طريق جمع نصوص مبتورة، لا تمت معانيها إلى الواقع بصلة، وتكون عليها فكرة جديدة، يريدون أن تصبح هي الحقيقة المطلقة، أما ممارسات المعتزلة المشينة، وابتداعاتها الواضحة، فإنها تصبح بطولات، ومناداة بمذهب الإرادة الحرة المزعومة، على حساب عقيدة الأمة، التي توجهت كل السهام للطعن بها، وبعلمائها الأبرار، ووصفهم بأشنع الأوصاف؛ لأنهم عارضوا القدرية، وأبانوا عن عورات المعتزلة، وغيرهم من فرق الابتداع (13)

    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:32 am



    حقيقة الإيمان عند المعتزلة

    يرى المعتزلة أن الإيمان الشرعي المعتبر مركب من أجزاء ثلاثة: اعتقاد بالقلب، وتصديق باللسان، وعمل بالجوارح. وهم بهذا يوافقون السلف الذين قالوا بهذا القول، واستدلوا له من الكتاب والسنة، وإنما الخلاف بين الفريقين يكمن في حكم العصاة من المؤمنين وليس هذا موضع إيضاح لجوهر هذا الخلاف فلذلك موضعه، غير أننا هنا نكتفي ببيان مذهب المعتزلة على حقيقته فنقول:
    إن الألفاظ المعبرة عن هذا المذهب قد اختلف من باحث لآخر. وقبل بيان المراد من جميع ما أورده العلماء من تعريفات للإيمان على مذهب هذه الفرقة أبدا بسرد بعض ما ورد من تلك الألفاظ. فهذا أبو أحمد ابن حزم الأندلسي يحكي عن المعتزلة وغيرهم قولهم: إن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين، والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح، وإن كل طاعة وعمل خير فرضا كان أو نافلة فهي إيمان (1) . وحكى البغدادي عنهم قولهم برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر (2) . أما ابن تيمية فحكى عنهم قولهم: إن الإيمان جماع الطاعات (3) . إلى غير ذلك من المصادر التي تحكي عنهم قولا واحدا، نأتي بعد ذلك إلى أبي الحسن الأشعري حيث ذكر عنهم أقوالا ستة، فقال:
    واختلف المعتزلة في الإيمان ما هو على ستة أقاويل:
    1- فقال قائلون: الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها. وإن المعاصي ضربان: منها ما هو صغائر، ومنها ما هو كبائر. وإن الكبائر على ضربين، منها ما هو كفر، ومنها ما ليس بكفر . . الخ. والقائل بهذا القول هم أصحاب أبي الهذيل، وإلى هذا القول كان يذهب أبو الهذيل.
    2- وقال هشام الفوطي: الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها، والإيمان على ضربين، إيمان بالله، وإيمان لله، ولا يقال إنه إيمان بالله.
    3- وقال عباد بن سليمان: (الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغب فيه من النفل، والإيمان على وجهين: إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافرا كالملة، والتوحيد، والإيمان لله إذا تركه تارك لم يكفر) اهـ.
    4- وقال إبراهيم النظام: الإيمان اجتناب الكبائر.
    5- وقال آخرون: الإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله.
    6- وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يزعم أن الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه - على عباده، وأن النوافل ليست بإيمان وأن كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله (4) . اهـ.
    وهكذا فإن أغلب مؤرخي الفرق يحكي عن المعتزلة اتفاقهم على قول واحد، أما أبو الحسن الأشعري فجعل آراءهم ستة. وبعد إمعان النظر في ذلك كله وجدت أن جميع الآراء التي ذكرها الأشعري بالإضافة إلى ما تقدم، ترجع في جملتها إلى رأيين اثنين لا ثالث لهما.
    والخلاف في تعدد الآراء إنما يرجع إلى اللفظ لا إلى الحقيقة، وهذان الرأيان هما:
    1- إن الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها، واجتناب الكبائر.
    2- إن الإيمان هو جميع الطاعات الفرض منها دون النفل، واجتناب الكبائر وقد ذكر هذين الرأيين القاضي عبد الجبار حيث قال: الإيمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات الفرائض دون النوافل، واجتناب المقبحات. وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبحات. قال المعلق: وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة (5) .
    ورأي المعتزلة الذي تتفق عليه والذي يبدو واضحا من التعريفين السالفين هو جعل الطاعات المفروضة من الإيمان وهذا هو بعينه مذهب الزيدية الذين يوافقونهم في هذا الباب (6) . والخلاف كما هو واضح ينحصر بينهم في النوافل هل هي داخلة في الإيمان أو لا. وحينما يعبرون بالطاعات فإنهم يقصدون الطاعات التي تصدر عن القلب، فطاعته اعتقاده وتصديقه، وعن اللسان وطاعته قوله الخير وتعبيره عما في قلبه، والعمل ببقية الجوارح سواء كان ذلك مفروضا أو نافلة. وقد ذكر أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه (طبقات المعتزلة) إجماعهم على هذا المعنى حيث قال: أجمعت المعتزلة على أن الإيمان قول ومعرفة وعمل (7) .
    وإذا فالمعتزلة قد عولوا على العمل كثيرا، والعمل عندهم له شأن لأنه لا قيمة للتكاليف إذا لم يقم بها من كلفوا بأدائها، ولهذا جعلوا الإيمان قولا ومعرفة وعملا، فالقول لا بد منه حتى يكون كالبيان والإظهار لما في القلب، ولا يمكن أن نميز المؤمن عن غيره إلا بالنطق باللسان ولا يقل العمل عندهم في تحقيق الإيمان عن الركنين الآخرين. وهذا الأمر موضع اتفاق بين المعتزلة والسلف.
    أما أدلة المعتزلة على ما ذهبوا إليه في حقيقة الإيمان ، فهي بعينها أدلة السلف في هذا الباب، وقد تقدم ذكرها فأكتفي هنا ببيان مثال منها لتتبين الموافقة في طريقة الاستدلال.
    فمن أدلة المعتزلة من القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ الأنفال: 2]. يقول القاضي عبد الجبار: إن هذه الآية تدل على أن الإيمان ليس هو القول باللسان، أو اعتقاد القلب على ما ذهب المخالف إليه، ولكنه كل واجب وطاعة، لأنه تعالى ذكر في صفة المؤمنين ما يختص بالقلب، وما يختص بالجوارح، لما اشترك الكل في أنه من الطاعات والفرائض.
    ومما استدلوا به من الأحاديث النبوية الشريفة: حديث شعب الإيمان – وقد تقدم – فقد ذكره كدليل للمعتزلة على هذا الرأي العالم الزيدي جعفر بن أحمد بن عبد السلام في كتابه (أمالي القاضي عبد الجبار المعتزلي)، وعقب عليه بذكر كلام القاضي عبد الجبار على هذا الحديث حيث قال قاضي القضاة: وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالشهادة على معرفة وبصيرة، لا كما ينطق بها المنافق، ودل بذلك على أن الإيمان كما يدخل فيه القول، كذلك يدخل فيه الفعل بالجوارح (Cool . وقد ذكر المصنف أدلة مماثلة، وسرد طريقة المعتزلة في الاستدلال بها على هذا النمط، الذي هو بعينه استدلال السلف، فلا داعي لإعادتها. (9)


    تابعونا




    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:33 am


    منهج المعتزلة في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد

    بدأ هذا التيار مع ظهور المعتزلة في القرن الثاني الهجري وما بعده، ويعود بروزه إلى عناية المعتزلة باللغة العربية واهتمامهم بها طلباً لدعم أصولها باللغة، واحتضان بعض خلفاء بني العباس للمعتزلة، ومساعدتهم لهم على ترويج بضاعتهم الفكرية، وبلغ أوج مجده في القرن الرابع الهجري إبان الدولة البويهية، وبالتحديد أيام عضد الدولة البويهي "ت 372هـ"، والصاحب بن عباد "ت 385هـ"، وأبي علي الفارسي "ت 377هـ"، وابن جني "ت 392هـ"، والرماني "ت 384"، والشريف الرضي "ت 406هـ"، واستمر على الوتيرة نفسها حتى القرن الخامس الهجري، ثم بدأ يضعف بعد القرن السادس الهجري نظراً لتقلص دور المعتزلة بوجه عام، وبروز الأشعرية كقوة منافسة لهم، وممن اشتهر بهذا المنهج الاعتزالي قطرب "ت 206هـ"، والأخفش الأوسط "ت 215هـ"، والجاحظ "ت 255هـ"، وأبو علي الفارسي "ت 377هـ"، وابن جني "ت 392هـ"، والرماني "ت 384هـ"، والشريف الرضي "ت 406هـ"، وأخوه المرتضى "ت 436هـ" وجار الله محمود بن عمر الزمخشري "ت 538هـ"، وغيرهم.
    وللمنهج الاعتزالي في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد سمات، منها ما يلي:
    - الاعتماد على العقل في تفسير المفردات الشرعية اللغوية:
    لما كان العقل مرتكز المعتزلة الأول لتقرير العقائد، جعلوه حكماً على غيره من المصطلحات الشرعية واللغوية، دون مراعاة لما تعرفه العرب من لغاتها، ما تدل عليه النصوص من المعاني الشرعية بصيغها العربية، فعلى ضوئه فسروا المفردات الشرعية واللغوية معتبرين ما يوافق أهواءهم، وأوضح مثال على ذلك: الاستواء، فإنه في اللغة دال على الارتفاع والعلو، لكن المعتزلة استخدموا العقل في تفسيره فحملوه على الاستيلاء والاقتدار؛ لأن العقل قد دل عندهم على تنزيه الله عن الأماكن والجهات.
    قال القاضي عبدالجبار "ت 415هـ" في الاستواء: "قد بينا أن المراد بالاستواء هو الاستيلاء والاقتدار، وبينا شواهد ذلك في اللغة والشعر، وبينا أن القول إذا احتمل هذا والاستواء الذي هو بمعنى الانتصاب وجب حمله عليه؛ لأن العقل قد اقتضاه، من حيث دل أنه تعالى قديم، ولو كان جسماً يجوز عليه الإمكان لكان محدثاً، تعالى الله عن ذلك" (1) .
    وقال الشريف المرتضى "ت 436هـ" وهو من لغويي القرن الرابع والخامس: "فكل ما ورد في القرآن مما له ظاهر ينافي العصمة، ويقتضي وقوع الخطأ منهم، فلابد من صرف الكلام عن ظاهره، وحمله على ما يليق بأدلة العقول؛ لأن الكلام يدخله الحقيقة والمجاز، ويعدل المتكلم به عن ظاهره، وأدلة العقول لا يصح فيها ذلك، ألا ترى أن القرآن قد ورد بما لا يجوز على الله تعالى من الحركة والانتقال كقوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]، وقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [البقرة: 210]، ولابد مع وضوح الأدلة على أن الله تعالى ليس بجسم، واستحالة الانتقال عليه، الذي لا يجوز إلا على الأجسام، من تأول هذه الظواهر، والعدول عما يقتضيه صريح ألفاظها، قرب التأويل أو بعد" (2) .
    - الاعتماد على اللغة المجردة والأشعار في تفسير النصوص الشرعية:
    تعتبر الطريقة اللغوية لدى المعتزلة المبدأ الأعلى في تفسير القرآن بعد العقل، ولذلك يحاولون إبطال المعنى الذي يرونه مخالفاً لمبادئهم باللغة المجردة، فإذا لم يحالفهم الحظ أثبتوا للفظ معنى آخر موجوداً في اللغة يزيل الاشتباه ويتفق مع مذاهبهم، فيستشهدون عليه بأدلة من اللغة والشعر (3) .
    ومن شواهد اعتمادهم على اللغة المجردة: رد إبراهيم النظام وغيره من المعتزلة تفسير بعض السلف للويل: بأنه واد في جهنم، والطلح: أنه الموز، والفلق: بأنه واد في جهنم، بدعوى أن هذه التفسيرات مخالفة للغة العربية، وأن معنى الويل، والطلح، والفلق، معروفة في كلام العرب (4) .
    وزعموا أن الاستواء في القرآن بمعنى الاستيلاء، واعتمدوا على قول الشاعر (5) :
    قد استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق (6)

    مع أن هذا البيت مصنوع لا يعرف قائله.
    - تجريد الألفاظ العربية من المعاني التي تدل عليها:
    ولما كانت البدعة معقد المعتزلة ومرساها، جعلوا المفردات العربية تابعة لأغراضهم لا متبوعة، فإذا جاء لفظ دال بعربيته على معنى من المعاني يصطدم مع مقاصدهم جردوه عن معناه ومدلوله، كتجريدهم أسماء الله عن معانيها، فإنهم جعلوها أعلاماً جامدة لا معنى لها ولا دلالات لغوية، مع أنها دالة بالوضع اللغوي على صفات ثابتة له؛ فقالوا: عالم بلا علم، قادر بلا قدرة، وحي بلا حياة؛ لأن إثبات معانيها التي هي الصفات يقتضي عندهم تعدد القدماء، وهذا باطل فالله تعالى بصفاته قديم، وليس شيء منها محدثاً، والشبهة هذه بنوها على توهم التفريق بين الله وبين صفاته، واعتبارها مخلوقات غيره (7) .
    - حمل الألفاظ العربية على ما يتلاءم مع عقائدهم إن تعدد مدلولها معنى ورسماً، من غير مراعاة للسياق:
    ومثال ما تعدد مدلوله معنى: اليد، فإنها تأتي لليد الحقيقية، وبمعنى النعمة والعطية، ولكن السياق هو الذي يحدد المراد، لكن المعتزلة حملوها دائماً في صفات الله على المعنى الثاني.
    قال الأخفش: "وقال: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة: 64]، فذكروا أنها العطية والنعمة، وكذلك: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] كما تقول: إن لفلان عندي يداً، أي نعمة، وقال: أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص: 45] أي أولي النعم، وقد تكون اليد في وجوه: تقول: بين يدي الدار؛ يعني قدامها، وليست للدار يدان" (Cool .
    ومن هذا الباب ما حكي عن بعض المعتزلة في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] أنه من الكلم؛ أي: الجرح، قالوا: ويكون المعنى: "وجرح الله موسى بأظافر المحن ومخالب الفتن" (9) . والذي ألجأهم إلى حمل "كلم" بالتشديد على "كلم" المخففة الدالة على الجرح هو فرارهم من إثبات صفة الكلام لله، فوقعوا في التحريف.
    ومثال ما تعدد مدلوله باختلاف الرسم والضبط: لفظ الصور، فإنه جاء في القرآن مقصوداً به الذي ينفخ في القيامة، لكن المعتزلة لما كانوا لا يقرون بالسمعيات حملوا الصور على الصور فقالوا: الصور جمع صورة، بمعنى نفخ الله في صور الأرواح (10) .
    وعلى هذا الوجه جرى تفسيرهم لقوله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121] بأنه بشم من أكل الشجرة، من قول العرب: غوى الفصيل: إذا أكثر من اللبن حتى يبشم، بناء على مفهوم العصمة عندهم، حيث يرون عصمة الأنبياء من الكبائر والصغائر، وأنه لا يجوز عليهم الخطأ مطلقاً (11) .
    - التصرف في معاني النصوص بالوجوه الإعرابية، والقراءات الشاذة:
    فمثال الأول: ما ورد في قوله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف: 28]؛ فإن الجمهور على إسناد الفعل لـ "أنا" وهو ضمير العظمة العائد إليه سبحانه، و "قلبه" بالفتح مفعول به كما عليه القراءة المتواترة، على معنى: جعلناه غافلاً، فالإغفال فعل الله في العبد بمشيئته وإرادته (12) .
    وخالفتهم المعتزلة، فزعموا أن المعنى: وجدناه، أو صادفناه كذلك، أو نسبناه إلى الغفلة، أو سميناه غافلاً، لا أن الله فعل به ذلك، واستندوا إلى قراءة شاذة لعمرو بن عبيد، وعمرو بن فائد، وموسى بن سيار الأسواريان في الآية، بفتح اللام في أَغْفَلْنَا، ورفع الباء في قَلْبَهُ على أنه فاعل، بمعنى من نسينا قلبه؛ فأصبح غافلاً عنا، قالوا: هو المتعين؛ لأن الله عادل ولا يفعل القبيح، فهو منزه عنه (13) .
    قال الزمخشري وهو ينصر هذا التفسير بعد أن ذكره: "وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وقرئ: أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ بإسناد الفعل للقلب، على معنى: حسبنا قلبه غافلاً، من أغفلته: إذا وجدته غافلاً" (14) .
    ومثال الثاني: قراءة عمرو بن عبيد وعمرو بن فائد وبعض المعتزلة لقوله تعالى: مِن شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق: 2] بالتنوين والنفي (15) ، مخالفين قراءة الجماهير بالإضافة، واعتبار مَا موصلية.
    قال ابن عطية: "وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء" (16) .
    وكذلك تأييد ابن جني لقراءة منسوبة لإبراهيم النخعي في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] بنصب "الله"، فقال: "يشهد لهذه القراءة قوله عز وجل حكاية عن موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: 143]، وغيره من الآي التي فيها كلامه لله تعالى" (17) .
    والحامل لهم على هذا الإعراب، ومخالفة القراءات المتواترة، هو ما تدل عليه آية "سورة الكهف" من خلق الله أفعال العباد، وآية "سورة الناس" من خلق الله للشر، وهم لا يقولون بذلك، وما تدل عليه آية "سورة النساء" من إثبات صفة الكلام لله سبحانه، فاضطروا إلى الإعراب الشاذ في الموضع الأول، وإلى القراءة الشاذة في الموضعين الثاني والثالث (18) .
    - التصرف في دلالات الصيغ الفعلية تخريجاً على أصولهم العقدية:
    وذلك كتصرفهم في صيغتي "أفعال" و"فعل" المسندتين إلى المولى عز وجل، الدالتين على خلقه لأفعال العباد، حيث أحدثوا لها دلالات أخرى، وجعلوها تدل على معنى: سماه، أو وجده، أو صادفه، أو حكم عليه، أو شهد له بذلك؛ فراراً مما تدل عليه من خلق الله لأفعال العباد، وتصرفه فيها؛ مستندين إلى قاعدتهم في العدل أنه تعالى عادل لا يظلم أحداً، وهو منزه عن فعل القبيح، ولذلك قالوا في قوله – تعالى -: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية: 23]، وقوله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف: 146]، وقوله: ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم [التوبة: 127]، وقوله: خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ [البقرة: 7]، ونحوها من الآيات أن معناه: سماهم ضلالا، أو وجدهم كذلك، أو حكم عليهم بالضلال (19) .
    واحتجوا على ذلك بقول الكميت:
    فطائفة قد أكفرتني بحبكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب (20)

    أي: وجدوني بحبكم، أو حكموا عليَّ به (21) .
    قال ابن قتيبة: "وذهب أهل القدر في قول الله – تعالى -: يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء [النحل: 93] إلى أنه على جهة التسمية، والحكم عليهم بالضلالة، ولهم بالهداية، وقال فريق منهم: يضلهم: ينسبهم إلى الضلالة، ويهديهم: يبين لهم ويرشدهم، فخالفوا بين الحكمين، ونحن لا نعرف في اللغة: أفعلت الرجل: نسبته، وإنما يقال إذا أردت هذا المعنى: فعلت، تقول: شجعت الرجل، وجبنته، وسرقته، وخطأته، وكفرته، وفسقته، وفجرته، ولحنته... ولا يقال في شيء من هذا كله: أفعلته، وأنت تريد نسبته إلى ذلك" (22) .
    وقال أبو بكر ابن الأنباري: "هذا التأويل فاسد؛ لأن العرب إذا أرادوا ذلك المعنى قالوا: ضلل يضلل، واحتجاجهم ببيت الكميت باطل؛ لأنه لا يلزم من قولنا: "أكفر" في الحكم صحة قولنا: "أضل"، وليس كل موضع صح فيه "فعل" صح "أفعال"؛ ألا ترى أنه يجوز أن يقال: كسره، ولا يجوز أن يقال: أكسره، بل يجب فيه الرجوع إلى السماع" (23) .
    وقال ابن قيم الجوزية: "وأما تحريفهم هذه النصوص وأمثالها بأن المعنى ألفاهم، ووجدهم، ففي أي لسان وأي لغة وجدتم "هديت الرجل" إذا وجدته مهتدياً، أو ختم الله على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة: وجده كذلك؟ وهل هذا إلا افتراء محض على القرآن واللغة؟ فإن قالوا: نحن لم نقل هذا في نحو ذلك، وإنما قلناه في نحو أضله الله، أي وجده ضالاً، كما يقال: أحمدت الرجل، وأبخلته، وأجبته، إذا وجدته كذلك، أو نسبته إليه، فيقال لفرقة التحريف: هذا إنما ورد في ألفاظ معدودة نادرة، وإلا فوضع هذا البناء على أنك فعلت ذلك به، ولا سيما إذا كانت الهمزة للتعدية من الثلاثي كقام وأقمته، وقعد وأقعدته، وذهب وأذهبته، وسمع وأسمعته، ونام وأنمته، وكذا ضل وأضله الله، وأسعده وأشقاه، وأعطاه وأخزاه، وأماته وأحياه، وأزاغ قلبه، وأقامه إلى طاعته، وأيقظه من غلفته، وأراه آياته، وأنزله منزلاً مباركاً، وأسكنه جنته، إلى أضعاف ذلك، هل تجد فيها لفظاً واحداً معناه أنه وحده كذلك؟ تعالى الله عما يقول المحرفون. ثم انظر في كتاب: (فعل وأفعال) هل تظفر فيه بأفعلته بمعنى وجدته مع سعة الباب إلا في الحرفين أو الثلاثة نقلاً عن أهل اللغة؟ ثم انظر هل قال أحد من الأولين والآخرين من أهل اللغة أن العرب وضعت أضله الله، وهداه، وختم على سمعه وقلبه، وأزاغ قلبه، وصرفه عن طاعته، ونحو ذلك لمعنى وجده كذلك؟! ولما أراد سبحانه الإبانة عن هذا المعنى قال: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى: 7]، ولم يقل: وأضلك، وقال في حق من خالف الرسول، وكفر بما جاء به: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية: 23]، ولم يقل: ووجده الله ضالاً" (24) .
    والقاعدة الغالبة في العربية: أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، والاختلاف في الحركات يؤدي إلى الاختلاف في المعنى (25) ، فحمل "أفعل" على "فعل" مخالف للعربية.
    وحملوا معاني "هدى" و"ختم"، و"طبع"، و"غشى" وأمثالها على الحكم بذلك، أو الوسم به، أو أنه تجوز وتمثيل، لا إحداث معانيها في العباد (26) .
    وذهب الأخفش وأبو علي الفارسي إلى أن صيغة "فاعل" قد تكون من جهة واحدة، كما في قوله: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142]، وأمثالها حرصاً منهما على نفي ما تدل عليه الآية من المفاعلة التي تقتضي وقوع المخادعة من الله على سبيل المقابلة (27) .
    - التصرف في دلالات الحروف والأدوات وتوجيهها حسب المذهب:
    وهذا باب واسع جداً، ومنتشر لدى المعتزلة، وقد ألف الرماني كتاباً سماه كتاب (معاني الحروف) (28) ذكر فيه الحروف والأدوات والمعاني التي تأتي لكل حرف وأداة من أجل هذا الهدف، وطبقه في تفسيره (الجامع لعلوم القرآن) (29) ، واقتفاه الزمخشري فأخذ من ذلك قسطاً كبيراً في (الكشاف) (30) .
    ومثال هذا التصرف في الحروف الاختلاف في لام لِيَكُونَ من قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: 8]، فقد حملها الأخفش وقطرب وغيرهما من المعتزلة على لام العاقبة والصيرورة، وذهب الفراء أنها لام كي لكنها وقعت مكان لام التمليك (31) .
    وسبب صنيع الأخفش وقطرب هو ما يتضمنه القول بلام التعليل في الآية من إثبات القدر، وسبق علم الله بالتقاط آل فرعون لموسى من البحر؛ ليكون لهم عدواً وحزناً.
    قال نفطويه وهو يرد عليهما: "أما الأخفش وقطرب فإنهما رققا عن صبوح، وإنما أرادا أن ينصروا قول من يزعم أن الله لم يخلق المعاصي ولا أرادها، وأما الفراء فإنه ذكر الإعراب ونزل المعنى، واللام على الحقيقة لام "كي" لأن المعنى: أن الله تعالى علم أنه إذا أتاهم الأموال ضلوا، وعلم أن آل فرعون إذا التقطوا موسى كان لهم عدواً وحزناً، فأمكنهم الله من لقطه؛ ليمضي فيهم ما تقدم من علمه، فالمعنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا في علم الله تعالى لا في علمهم؛ لأن الله علم ما يكون من أمره، وكذلك قول الشاعر:
    ....................................... فللموت ما تلد الوالدة

    يعني في علم الله" (32) .
    وأيد ابن كثير هذا فقال: "قال محمد بن إسحاق وغيره: اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل؛ لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه، ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى اللام للتعليل؛ لأن معناه أن الله تعالى قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدواً وحزناً، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه، ولهذا قال: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص: 8]" (33) .
    وقال الرماني "ت 384هـ" في مثال آخر: "ويقال: ما معنى: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا [آل عمران: 178]؟ الجواب: إنما نملي لهم على أن عاقبة أمرهم ازدياد الإثم، وهذه لام العاقبة، والدليل عليها: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: 8]، وقال الشاعر (34) :
    فأم سماكٍ فلا تجزعي فللموت ما تلد الوالده
    فاقسم لو قتلوا مالكا لكنت لهم حية راصدة


    وقال آخر (35) :
    أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها

    وقال آخر (36) :
    وللمنايا تربي كل مرضعة وللخراب يجد الناس بنيانا

    وقال (37) :
    ..................................... لدوا للموت وأبنوا للخراب

    ويقال: لم لا يجوز أن تحمل لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا على الأظهر من معنى اللام، وهو الإرادة لازدياد الآثام؟ الجواب: لأنه لو أراده منهم لكانوا مطيعين له بفعله، ولأن إرادة القبيح عبث، وقد نفى الله ذلك بقوله عز وجل: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا [المؤمنون: 115]، ولأنه يرد إلى المحكم في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ [النساء: 64]".
    فانظر كيف حشر الرماني كل هذه الشواهد الشعرية لإثبات أن اللام في الآية لام العاقبة، مع تنصيصه صراحة على مخالفة الظاهر من معنى اللام الدالة على التعليل، وسبب مخالفته هو فهمه الاعتزالي الخطأ في الإرادة الإلهية، فجعل كل ما يريده الله محبوباً له، وبنى عليه في الآية أن يكون مريداً لزيادة الإثم لهم، وهذا قبيح عنده، فاضطر إلى تحريف معنى اللام بجعلها لام العاقبة، وليس ذلك بصواب، بل الله يفعل ما يريد، وفعله محمود دائماً، وهو كمال لا يستلزم قبحاً ولا نقصاً كما تتوهمه المعتزلة، والإرادة هنا كونية، ولا يلزم فيها أن تكون من محبوبات الله؛ حيث يقع فيها الخير والشر، بعكس الإرادة الشرعية التي لا تكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال (38) .
    ومثاله من الأدوات: ما قاله الزمخشري في "لعل" عند قوله تعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21]، فإنه لما ذكر أنها تأتي للترجي، وللإشفاق، وللإطماع، قال: "فإن قلت: فـ"لعل" التي في الآية ما معناها وما موقعها؟ قلت: ليس مما ذكرناه في شيء؛ لأن قوله: خلقكم لعلكم تتقون، لا يجوز أن يحمل على رجاء الله تقواهم؛ لأن الرجاء لا يجوز على عالم الغيب والشهادة، وحمله على أن يخلقهم راجين للتقوى ليس بسديد أيضاً، ولكن "لعل" واقعة في هذه الآية موقع المجاز لا الحقيقة؛ لأن الله عز وجل خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف، وركب فيهم العقول والشهوات، وأزاح العلة في أقدارهم وتمكينهم، وهداهم النجدين، ووضع في أيديهم زمام الاختيار، وأراد منهم الخير والتقوى، فهم في صورة المرجو منهم أن يتقوا ليترجح أمرهم، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان، كما ترجحت حالة المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل، ومصداقه قوله عز وجل: ِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2]، وإنما يبلو ويختبر من تخفى عليه العواقب، ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الاختيار" (39) .
    والسر في جعله "لعل" مجازاً هو ما تقتضيه في صيغتها الرجائية من أن الله خلقهم لرجاء تقواهم، وذلك مخالف – كما ذكره – لما ذهبت إليه القدرية من أن الله خلق العباد محيرين في أفعالهم، فحملها على المجاز، وزعمه هذا ليس بصحيح، والصواب أنها واقعة موقع الحقيقة، وهي في كلام الله للتعليل المحض، ولا تصح للترجي لعدم صحة ذلك على الله، والمعنى أن خلقهم لأن يتقوه ويعبدون (40) ، كما قال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
    - التصرف في سياقات اللغة العربية بالتأويل، وادعاء أن هناك محذوفاً يجب تقديره:
    وهذا باب لا حدود له لدى المعتزلة، وأمثلته فوق الحصر، كتأويلهم صفة التجلي بتجلي أمر الله أو قدرته، وإتيانه في ظلل من الغمام بمجيء أمره، ونزول الله إلى السماء الدنيا بنزول أمره ورحمته، ومجيئه إلى الموقف للقضاء بمجيء أمره أو ملائكته، وهو من أكثر الوسائل التي استعملتها المعتزلة في نفي الصفات.
    قال قطرب في قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الأعراف: 143]: "تجلى بأمره أو قدرته، قال: وهي كقوله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا [يوسف: 82] يعني أمره؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يزول، كما تقول: قد خشينا أن يأتينا بنو أمية، وإنما تعني حكمهم" (41) .
    ولهذا جعل القاضي عبدالجبار التأويل من أصولهم فقال: "وهكذا طريقتنا في سائر المتشابه: أنه لابد من أن يكون له تأويل صحيح يخرج على مذهب العرب، من غير تكلف وتعسف" (42) .
    رد معاني المدلولات اللغوية الشرعية بالأساليب البلاغية المستحدثة:
    وهذا أيضاً باب مشهور لدى المعتزلة، تمكنوا خلاله من التحكم في معاني النصوص الشرعية، وتوجيهها حسب الطلب الاعتقادي لديهم، بداعي المجاز والتشبيه، والكناية، والاستعارة، والمبالغة، والتجانس، ونحو ذلك.
    ويعتبر الأخفش والجاحظ أول من افتتح هذا الباب، فأولا آيات الصفات بداعي المجاز، وتصرفا في ذلك تصرفاً عجيباً فراراً من إثبات أي صفة للمولى عز وجل (43) .
    ثم تتابع عليه بعده لغويو المعتزلة كالرماني وغيره واشتهر فيما بينهم، حتى عقد ابن جني في الخصائص بابا سماه "باب ما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية"، فذكر فيه جملة من الآيات القرآنية الدالة على بعض الصفات الإلهية، وأولها بالمجاز بعد أن تهكم على أهل السنة والجماعة، ووصمهم بالتشبيه، وقلة الفهم للغة العربية، ثم قال: "وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة...، فلما كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها، وانتشار أنحائها، جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ويعتادونه منها، وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم، وعادتهم في استعمالهم..." (44) .
    وقد قسم الرماني "ت 348هـ" البلاغة إلى عشرة أقسام في كتابه (النكت في إعجاز القرآن)، ومثل لذلك بالآيات القرآنية، وجعل من تلك الأقسام التجانس، وجعل فيه الصفات الواردة لله على وجه المقابلة مثل الاستهزاء والمخادعة، فذكر أنها استعيرت في حق المولى للدلالة على الجزاء، ومزاوجة الكلام، وليست على الحقيقة (45) ، ثم جعل من الأقسام المبالغة، فقسمها إلى ثلاثة أضرب: ثم قال: ".. الضرب الثاني: المبالغة بالصيغة العامة في موضع الخاصة، كقوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [الأنعام: 101]، وكقول القائل: أتاني الناس، ولعله لا يكون أتاه إلا خمسة فاستكثرهم، وبالغ في العبارة عنهم" (46) . ثم قال: "الضرب الثالث: إخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة، كقول القائل: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم له، ومنه قوله عز وجل: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] فجعل مجيء دلائل الآيات مجيئاً له على المبالغة في الكلام، ومنه: فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ [النحل: 26] أي أتاهم بعظيم بأسه فجعل ذلك إتياناً له على المبالغة، ومنه قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: 143]" (47) .
    وهكذا استخدم الرماني الأساليب البلاغية لخدمة معتقداته، فنفى الصفات الإلهية بها، ودفع خلق الله لأفعال العباد بها.
    وللشريف الرضي كتابان في البلاغة هما (تلخيص البيان في مجازات القرآن)، و(المجازات النبوية)، استخدمها لنفي الصفات الإلهية في القرآن والأحاديث، وسيأتي الكلام عليهما.
    أما الزمخشري "ت 538هـ" فحدث عنه ولا حرج، فـ (الكشاف) يعتبر عند جمهور البلاغيين مرجعاً هاماً من مراجع البلاغة القرآنية، وقد استطاع بدهاء أن يجعل تحليلاته البلاغية للآيات في خدمة عقيدته الاعتزالية، وممن رد عليه في كثير من توجيهاته البلاغية بهاء الدين أحمد بن علي السبكي "ت 773هـ" في كتابه (عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح) (48) ، وانتصر فيه لمذهبه الأشعري، كما أن لابن المنير ردوداً لغوية وبلاغية على الزمخشري في (الانتصاف من الكشاف).
    قال ابن تيمية: "ثم يجتهدون في تأويل هذا الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات على طريقتها المعروفة، وإلى الاستعانة بغرائب المجازات، والاستعارات" (49) .
    - عدم الأخذ بتفسير السلف للغة العربية ورده:
    وعلى هذا الوجه ينبني ردهم تفسير السلف للاستواء بأنه العلو والارتفاع، والعرش بأنه سرير الملك، والكرسي أنه موضع القدمين، مع صحة الروايات في ذلك، وهكذا في سائر الألفاظ العربية الواردة في الكتاب والسنة.
    قال الجاحظ: "كان أبو إسحاق يقول: لا تسترسلوا إلى كثير من المفسرين، وإن نصبوا أنفسهم للعامة، وأجابوا عن كل مسألة؛ فإن كثيراً منهم يقول بغير رواية على غير أساس، وكلما كان المفسر أغرب عندهم كان أحب إليهم، وليكن عندكم عكرمة، والكلبي، والسدي، والضحاك، ومقاتل بن سليمان، وأبو بكر الأصم، في سبيل واحدة، فكيف أثق بتفسيرهم، وأسكن إلى صوابهم، وقد قالوا في قوله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ [الجن: 18]: إن الله عز وجل لم يعن بهذا الكلام مساجدنا التي نصلي فيها، بل إنما عنى الجباه، وكل ما سجد الناس عليه، من يد، ورجل، وجبهة، وأنف وثفنة (50) ، وقالوا في قوله تعالى: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية: 17]: إنه ليس يعني الجمال والنوق، وإنما يعني السحاب (51) ، وإذا سئلوا عن قوله: وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ [الواقعة: 29]؟ قالوا: الطلح: هو الموز (52) .... وقالوا في قوله تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: 1]: الويل: واد في جهنم (53) ، ثم قعدوا يصفونه، وقال آخرون: الفلق: المفطرة بلغة اليمن (54) ... وقالوا في قوله تعالى: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا [فصلت: 21] الجلود: كناية عن الفروج (55) ، كأنه كان لا يرى أن كلام الجلد من أعجب العجب! وقالوا في قوله تعالى: كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ [المائدة: 75]: إن هذا إنما كان كناية عن الغائط (56) ، كأنه لا يرى أن في الجوع وما ينال أهله من الذلة والعجز والفاقة، وأنه ليس في الحاجة إلى الغذاء، ما يكتفي به في الدلالة على أنهما مخلوقان، حتى يدعي على الكلام، ويدعي له شيئا قد أغناه الله تعالى عنه، وقالوا في قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4]، إنه إنما عنى قلبه (57) " (58) .
    ويظهر من هذا أن النظام وتلميذه الجاحظ خلطا بين التفاسير الصحيحة والسقيمة، فلم يبقيا شيئاً، وغرضهما هو طرح الكل؛ ما دام لا يرقى إلى عقل المعتزلة وذوقهم الذي جعلوه مقياساً للمقبول والمردود من التفاسير.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة، ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا على السنة ولا على إجماع السلف وآثارهم، وإنما يعتمدون على العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة والحديث وآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التي وضعها رؤوسهم" (59) . (60)

    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:35 am


    منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم

    بنى المعتزلة -كما ذكرنا - عقيدتهم على أصول خمسة وفي سبيل دعم هذه الأصول وتقويتها حتى تلاقي قبولا بين المسلمين كان لابد من استنادها إلى أدلة من القرآن الكريم وقد كان أصل تأسيسهم لها العقل المجرد عن النصوص وما وافق منهجهم من النصوص فإنما وافقه عرضاً لا قصدا فهم إنما بنوا أصولهم على العقل ثم بعد هذا رجعوا إلى النصوص واختاروا ما يوافقه منها وبقي ما لم يوافقه وهو كثير عقبة كأداء في طريقهم أعدوا له عدتهم واستنفروا له كل العلوم والمعارف فمما لا شك فيه أن الأمر يحتاج إلى جهد كبير حتى يستطيع المعتزلي أن يخضع معاني النصوص القرآنية لآرائه وصرفها عن معارضتها لها وإبطال جميع التفاسير الأخرى لها إذا لم توافق آراءهم حتى ولو كانت أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ومما لاشك فيه أيضاً أنهم لم يرجعوا في تأويلهم هذا إلى آية أخرى أو سنة نبوية إذ أن هذا يبقيهم في نطاق دائرة النص الأول ولا يلوي العبارة كما يريدون ليها فلم يبق لهم إلا أن يقفوا موقف المضطرب فيكذبون النصوص النبوية الصريحة ويجرحون رواتها بل ويتجاوزون هذا إلى الصحابة الذين سمعوها من الرسول صلى الله عليه وسلم ورووها كما سمعوها وسخروا كل العلوم والمعارف كاللغة والقراءات والبلاغة والنحو غير ذلك لتأويل الآيات المعارضة لأصولهم وحتى تكون على بينة مما نقول نذكر بعض تأويلاتهم هذه لبعض آيات القرآن الكريم حسب أصولهم في العقيدة.
    ففي التوحيد:
    أولوا الآيات الدالة على إثبات الرؤية كقوله تعالى
    وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22-23] بأن النظر إلى الله تعالى لا يصح لأن النظر هو تقليب العين الصحيحة نحو الشيء طلبا لرؤيته وذلك لا يصح إلا في الأجسام فيجب أن يتأول على ما يصح النظر إليه وهو الثواب كقوله تعالى وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] فأنا تأولناه على أهل القرية لصحة المسألة منهم (1) .
    وحكى الشريف المرتضى تفسيرا لهم "لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها وهو أن يحمل قوله تعالى إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 23] على أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم" ويؤيد هذا بقول أعشى بكر بن وائل.
    أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحما ولا يخافون إلا


    أراد أنه لا يخون نعمه (2) .
    وأولوا الآيات الدالة على إثبات صفة الكلام كقوله تعالى: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] بأن لفظ الجلالة منصوب على أنه مفعول ورفع موسى على أنه فاعل وبهذا أبطلوا صفة الكلام لله سبحانه وتعالى وحاول بعضهم أن يبقي القراءة المشهورة كما هي برفع لفظ الجلالة على أنه فاعل مع تأويل المعنى بحيث لا يثبت صفة الكلام فقال أن كلم من الكلم بمعنى الجرح فالمعنى وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن وقد عاب هذا التأويل الزمخشري وقال عنه أنه من بدع التفاسير وأولها بالقول الأول.
    فأن سلمت جدلا بنصب لفظ الجلالة في هذه الآية وسألت عن المراد في قوله تعالى وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: 143] قالوا: "وكلمه ربه" من غير واسطة كما يكلم الملك وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطا في اللوح وروي أن موسى عليه السلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة" (3) .
    وأولوا كثيرا من الصفات تأويلا باطلا لمخالفته أصولهم فمن ذلك أيضا تأويلهم استوى في قوله تعالى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] بأن استواء الله على العرش كناية عن الملك واستدلوا بقولهم استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتة وأولوا قوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: 10] بأنه تخييل لمعنى أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام ومعنى قوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] أي كل شيء هالك إلا هو (4) .
    وفي العدل:
    ويؤولون قوله تعالى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان: 31] فسره الجبائي المعتزلي بأن الله سبحانه بين لكل نبي عدوه حتى يأخذ حذره منه (5) . وإنما اضطرهم إلى هذا التأويل حتى يتفق مع قولهم بوجوب الصلاح والأصلح.
    ولكنهم يتوقفون في بعض أفعال الله فلا يدركون المصلحة في فعلها فإذا قلت في قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: 2] إذا قلت أن العباد هم الفاعلون للكفر ولكن قد سبق في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ولم يختاروا غيره فما المصلحة في خلقهم؟ مع علمه بما يكون منهم؟ أجاب الزمخشري بأن له وجه حسن "وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته بجهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها" (6) .
    وأن احتججت عليهم في إبطال قولهم بأن الحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح بقوله تعالى رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165] فكيف يكون لهم حجة قبل الرسل والله قد أعطاهم عقلا يدركون به الحسن والقبيح قبل الرسل كما تقولون؟ قالوا: أن الرسل منبهون عن الغفلة وباعثون على النظر فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإزالة الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له" (7) .
    ويؤولون قوله تعالى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى [الأنفال: 17] بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي يوم بدر والله تعالى برميته المقاتل فالملك أضافه تعالى إلى نفسه كما أضاف الرمية أولا إليه بقوله إذ رميت (Cool .
    ويؤولون قوله تعالى: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 65-96] بأن المراد والله خلقكم وما تعملون من الأصنام (9) .
    وفي الوعد والوعيد:
    قالوا أنه لا يجب حمد الله على إدخاله المحسنين للجنة لأنه إنما أعطاهم حقا من حقوقهم ووعدهم وعدا وجب عليه أن ينفذه وأولوا قوله تعالى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ: 1] بأن الحمد في الآخرة ليس بواجب لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذون به كما يلتذ العاطش بالماء البارد (10) .
    وفي المنزلة بين المنزلتين:
    قالوا بمنزلة الفسق وهي منزلة بين منزلة الإيمان ومنزلة الكفر ويؤولون من الآيات ما يقسم الناس إلى مؤمن وكافر ولا يذكر النوع الثالث الذي ذكروا فمن ذلك قوله تعالى إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 3] فيقولون أن الشاكر قد يكون شاكراً وأن لم يكن مؤمنا برا تقيا وأضعف من هذا تأويل الزمخشري لقوله تعالى إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإسراء: 9-10] بقوله "فإن قلت: كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ قلت: كان الناس حينئذ أما مؤمن تقي وإما مشرك وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك" (11) .
    وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    والمسلمون جميعاً متفقون على هذا الأصل ولكنهم مختلفون في مداه ولم يكن للمعتزلة – فيما اطلعت عليه من تفاسيرهم في هذا الباب – ما أولوه تأويلا خارجا عن أقوال السلف أما مبالغتهم في مداه فلم تكن معتمدة على التأويل بل على منهجهم العقلي.
    كانت هذه نماذج لبعض تأويلاتهم لآيات القرآن حسب أصولهم ويحسن بنا هنا أن نذكر أهم مميزات منهجهم الذي سلكوه في هذه التأويلات وغيرها:-
    أ- كان من أصول منهجهم في التفسير تحكيم العقل في الأمور الغيبية تحكيمها مطلقا فأنكروا حقائق كثيرة أثبتها أهل السنة استنادا إلى النصوص فأنكرها المعتزلة استنادا إلى العقل المجرد منها فمن ذلك تمرد بعض أعلام المعتزلة كالنظام على الاعتقاد بوجود الجن (12) وثار الزمخشري ضد من يقول بأن للجن قوة تأثير في الإنسان مع اعترافه بوجودها وأنكروا أيضا أن للسحر حقيقة وأنه لا تأثير له اللهم إلا إذا كان ثّم إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه ولكن قد يفعل الله عند ذلك على سبيل الامتحان فينسبه الحشو والرعاع إليهن وإلى نفثهن والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبثون به (13) .
    ب- موقفهم من الإسرائيليات:
    أما موقفهم من الإسرائيليات فغير منضبط فبينما كان النظام أحد زعماء المعتزلة يقول:- "لا تسترسلوا إلى كثير من المفسرين وإن نصبوا أنفسهم للعامة وأجابوا في كل مسألة فإن كثيرا منهم يقول بغير رواية على غير أساس وكلما كان المفسر أغرب عندهم كان أحب إليهم وليكن عندكم عكرمة والكلبي والسدي والضحاك ومقاتل بن سليمان وأبو بكر الأصم في سبيل واحدة فكيف أثق بتفسيرهم وأسكن إلى صوابهم" (14) بينما كان النظام وغيره يقولون هذا القول ونحوه نرى الزمخشري المعتزلي لا يرى بأسا بإيراد أسطورة أو خرافة إسرائيلية أو قصة غير مستيقنة ما دامت لا تطعن نبيا ولا تخالف رأيا اعتزاليا وبذلك خالف منهجه العقلي (15) بل ويروي من القصص ما يظهر بطلانه فهو يروى مثلا قصة أحد الأسباط الذين سألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفاً حتى خرجوا من وراء الصين وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا وأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد زارهم ليلة أسري به وعرفهم جبريل به فآمنوا وعلمهم بعض آيات القرآن وبعض أمور الإسلام الأخرى (16) ولا يعقب على هذه القصة بما يضعفها مع وضوح بطلانها حتى قال الآلوسي "ولا أظنك تجد لها سندا يعول عليه ولو ابتغيت نفقا في الأرض أو سلما في السماء" (17) .
    ج- التفسير بالمأثور:
    وكان موقفهم من التفسير بالمأثور موقفا عجيبا!! فهم يشككون في الأحاديث التي تصطدم بمبادئهم ويكذبونها. وإن علت درجتها في الصحة أو يؤولونها تأويلا باطلا. بل ويتجاوزون هذا إلى تجريح راويها لا أعني التابعي أو تابعي التابعي بل الصحابي الذي رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون هذا إذا ما كان مصادما لمبدأ من مبادئهم بينما يستشهدون بالأحاديث الضعيفة بل الموضوعة ويعضون عليها بالنواجذ لنصرة مذهبهم الاعتزالي.
    ولا أدري أين هذا العقل الذي اتخذوه قائدا – كما يقولون – ألا يستطيعون به أن يدركوا ضعف هذا الحديث حينما يجدون فيه من ركاكة الأسلوب وضعف المعنى ما يبعده عن البلاغة النبوية وأن يدركوا به صحة هذا الحديث لما يوجد به من قبس من نور النبوة وحكما من ينابيع الوحي مما يجعل القلب السليم يطمئن إليه. بله الاستناد إلى أقوال أئمة المحدثين في سنده ومتنه تصحيحا وتضعيفا.
    بل إن طريقتهم هذه تدل وأكاد أن أقول – يقينا – على أن مقياس أخذهم الحديث ورده لم يكن سائرا على منهجهم – الذي يزعمون – بل كان منهجه منهج الهوى.
    ولست أقول هذا اعتباطا وعصبية وإنما أقوله استنادا إلى كثرة ما رأيته من ردهم لأحاديث صحيحة متفق على صحتها وتمسكهم بأحاديث لا أقول ضعيفة بل جزم أئمة الحديث بوضع كثيرها.
    أفلم يكن في منهجهم بصيص من نور يجلو لهم تلك الحقائق في الظلمات التي انقادوا إليها...
    وحتى لا يقال تلك تهمة لم تذكر دليلها أشير هنا إلى بعض أحاديث صحيحة وأنكروها أو شككوا في صحتها وأولوها تأويلا باطلا وأحاديث ضعفت درجتها أو وضعت واستنصروا بها أذكر هذا بإيجاز إذ المقام هنا مقام إشارة وتنبيه ليس إلا.
    فمن الأحاديث التي أنكروها أو تأولوها أحاديث الرؤية لا لضعف في سندها بل لمخالفتها لمذهبهم في إنكار الرؤية مع أنها متواترة ورواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن (18) ومنها حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال:- ((كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال:- إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته)) (19) وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيا (20) ومع هذا كله لم تلق القبول لدى المعتزلة مع علمهم بها وإطلاعهم عليها فالقاضي عبدالجبار المعتزلي يقول عند تفسيره لقوله تعالى لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26]. "ليس المراد بها الرؤية على ما روي في الخبر؟ وجوابنا أن المراد بالزيادة التفضيل في الثواب فتكون الزيادة من جنس المزيد عليه وهذا مروي وهو الظاهر فلا معنى لتعلقهم بذلك. وكيف يصح ذلك لهم وعندهم أن الرؤية أعظم من كل الثواب فكيف تجعل زيادة على الحسنى؟" (21) .
    ولعل في ذكر قوله بعد ذكر قوة هذه الأحاديث غني عن التعليق.
    ومنها حديث ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها)) وقد رواه البخاري (22) ومسلم (23) , وأحمد (24) , رضي الله عنهم ومع هذا يقول الزمخشري عنه "وما يروى من الحديث ما مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها فالله أعلم بصحته فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك من كان في صفتهما.. واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه.. وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا" (25) فشكك في صحة الحديث أولا ثم أوله تأويلا باطلا وحمله على أنه تخييل وتصوير. وعمم الاستثناء على المعصومين مع قصره في الحديث على مريم وابنها عليهما السلام.
    وتجاوزوا هذا إلى تكذيب الصحابة وتجريحهم بل تجاوزوه إلى سبهم – رضي الله عنهم – إذا كان ما رووه يخالف أصولهم فقال النظام المعتزلي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "وزعم أن القمر انشق وأنه رآه وهذا من الكذب الذي لا خفاء به" (26) وقال عن سمرة بن جندب رضي الله عنه "ما نصنع بسمرة قبح الله سمرة" (27) وكذب الزمخشري ابن مسعود رضي الله عنه لقوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن خط حوله فكان يجيء أحدهم مثل سواد النخل وقال لي لا تبرح مكانك فأقرأهم كتاب الله عز وجل فلما رأى الزط قال كأنهم هؤلاء فقال الزمخشري "وإن زعم من يدعي رؤيتهم زور ومخرقة" (28) .
    واستهزأ بعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وسخر منه لروايته لحديث "ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً" (29) فقال "ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث" (30) .
    ويتمسك المعتزلة بأحاديث ضعيفة أو موضوعة لبيان أصل من أصولهم فيستشهدون مثلا بما وري عن علي رضي الله عنه "أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن شنئ الفاسقين وغضب لله غضب الله له" (31) قال ابن حجر العسقلاني "وهو من طريق إسحاق بن بشر عن مقاتل وهما ساقطان" (32) وقال الذهبي في المغني في الضعفاء "إسحاق بن بشر مجمع على تركه" (33) وقال في الميزان "تركوه وكذبه علي بن المديني وقال الدارقطني كذاب متروك" (34) أما مقاتل فقال وكيع كان كذابا وقال النسائي كان مقاتل يكذب وقال الجوزجاني كان دجالا جسورا (35) وقال في الميزان "ومقاتل أيضا تالف" (36) .
    وبعد: لعل في هذه الإشارة بيان لما كان عليه منهج المعتزلة العقلي وما أدى بهم إليه هذا المنهج من أمور مخالفة لأراء أهل السنة. (37)

    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:38 am




    موقف المعتزلة من السنة

    لقد آمن المعتزلة بأصولهم الخمسة وما تفرع عنها من آراء وجعلوا منها القاعدة والأساس الذي تنطلق منه كل محاوراتهم ومعاملاتهم مع النصوص سواء كانت قرآناً أو سنة، فكان ما يعارض مبادئهم (من آيات يؤولونها وما يعارضها من أحاديث، ينكرونها . . . ولذلك فإن موقفهم من الحديث كثيرا ما يكون موقف المتشكك في صحته، وأحياناً موقف المنكر له لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل) (1) .
    وإعمال العقل كما سبق أن ذكرنا لا يتنافى إطلاقاً مع الشريعة، بل فقد دعا الإسلام إلى إعمال الرأي في أكثر من آية وأكثر من حديث، وقد استخدم علماء الجرح والتعديل من علماء الحديث العقل كذلك لتمحيص الأخبار ونقد الرواة، إلا أن العقل ينبغي أن يحسن استعماله في مواضعه المنصوص عليها في الشريعة بعيداً عن كل زندقة وتعنت وإلحاد، هذه المعاني التي تفسد العقل كأداة تقويم قيمة لنصوص الحديث وغيرها وتحوله عن وجهته الصحيحة.
    ولعله من المفيد أن نمهد الحديث عن موقفهم من السنة بكلمة عن مكانة وأهمية العقل عند المعتزلة:
    لقد أجمع السلف على أن العقل والاجتهاد عموماً يحتل المرتبة الثالثة بعد القرآن ثم السنة، إلا أن المعتزلة خالفوا هذا الإجماع ونصبوا العقل على رأس الأدلة إذ به – كما يقولون – يدركون القرآن نفسه وغيره من الأدلة.
    فهذا القاضي عبد الجبار في معرض حديثه عن الأدلة الشرعية يقول في تصنيفها ما يأتي: (أولها العقل لأن به يميز بين الحسن والقبح، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع). ولا شك أن مدرك مخالفته وصحبه لإجمال الأمة فقال: (وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر، وليس الأمر كذلك لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل) (2) .
    ويواصل تمجيد العقل فيبين أنه إنما يتوصل الناس إلى معرفة الله وإدراك حكمته بالعقل . . . وهكذا فهم أول من حكم العقل في النص لدرجة سمح معها إبراهيم النظام لنفسه أن يقول: وإن جهة حجة العقل قد تنسخ الأخبار (3) كما أن عمرو بن عبيد ذكر له ذات يوم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا (4) .
    وبذلك أعملوا قدسية النص الصحيح قرآنا وسنة خلية عن الهوى، وأقاموا العقل حكماً لا ترد كلمته، وحملوه بالإضافة إلى مهمة التحسين والتقبيح – التي بيناها قريباً – مسؤولية (معرفة الله تعالى بجميع أحكامه وصفاته قبل ورود الشرع) (5) حتى أن الجاحظ يقرر أنه لا يجوز للعبد أن يبلغ ولا يعرف الله (6) ذلك أن أصول المرعفة عندهم واجبة وضرورية ويمكن إدراكها بالعقل قبل ورود السمع (7) .
    ويضيف ثمامة بن الأشرس إلى هذا أن من لم يضطر إليها فهو سخرة للعباد وغيره كسائر الحيوانات غير المكلفة (Cool .
    بل وذهب ثمامة وتلميذه الجاحظ إلى القول أن المعارف كلها طباع رغم كونها أفعالاً للعباد، فهي تصدر عنهم دون أن يكون لهم فيها أثر ولا اختيار اذ لا يملكون إلا الإرادة (9) مما جعل البغدادي يلزمهما أن أفعال العباد من أوامر ونواهي لا توجب ثواباً ولا عقاباً لأنها طباع ليست كسباً (10) ورغم هذا فقد جلب مسلكهم الممالي للعقل على حساب القرآن والسنة عطب الكثير من نقاد الغرب فكالوا لهم شهادات الاستحسان والإكبار وقد تعود الكثير من نقاد الغرب المسيحيين الإشادة بكل ما صار في ذمة التاريخ عند المسلمين حتى يشعروا الأجيال الحاضرة أن لا شيء مما يتمسكون به يدعو إلى الإكبار وبالتالي إلى الاعتزاز:
    فهذا شتينر Stainer أطلق عليهم اسم : "المفكرون الأحرار في الإسلام" وجعل من هذا اللقب عنوان كتابه عنهم.
    ووصفهم آدم ميز Adam Mez وهاملتون Hamiltion بأنهم دعاة الحرية الفكرية والاستنارة.
    أما جولد زيهر فيرفع عقيرته بالثناء عليهم ويصفهم بأنهم (وسعوا معين المعرفة الدينية بأن أدخلوا فيها عنصراً مهماً آخر قيماً وهو العقل الذي كان حتى ذلك الحين مبعداً بشدة عن هذه الناحية (11) .
    هكذا يتجاسر جولد زيهر على قلب الحقائق مسقطاً الواقع الذي يثبت اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين . . . وكتب السنة والسيرة والتاريخ والفقه والخلاف والمقارنات الفقهية حافلة بما يؤيد اجتهادهم وتعويلهم على العقل الذي لم يبق في إجازة في انتظار المعتزلة ليكتسب فعاليته.
    وقبل أن أختم هذا التمهيد الموجز أريد أن أشير إلى ملاحظة مهمة وهي أن المعتزلة رغم ارتمائهم في أحضان العقل بدون تروّ ورغم مجافاتهم للكثير من نصوص الحديث وتعسفهم في تأويل العديد من آي الذكر الحكيم فإنهم لا يرتاحون حين يتهمهم خصومهم بأن كتبهم ومباحثهم خالية من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ هم يدعون لأنفسهم التمسك بالسنة وبالجماعة، وكثيراً ما ينقلبون على مناوئيهم باللائمة فيتهمونهم بأنهم لا يعرفون حقيقة السنة (12) .
    وسوف نتتبع حقيقة موقفهم من السنة بدراسة آرائهم إزاء الموضوعات التالية:
    أ - موقفهم من الصحابة حملة العلم النبوي.
    ب - ومن الأخبار المتواترة.
    ج – ومن أخبار الآحاد.
    د – ومن عدد جم من الأحاديث النبوية.
    رأيهم في الصحابة:
    كان موقف المعتزلة من الصحابة خالياً من كل روح ديني، فهم يعرضونهم على مشرحة انتقادهم ولا أقول نقدهم دون أن يتورعوا عن إلصاق كل تهمة بهم، وهي تهم متحملة متعسفة تثبت لأصحابها سوء الطوية أكثر مما تثبته من حب البحث عن الحقيقة.
    ومما يلفت الانتباه أن بعض المعتزلة يعيب على الصحابة الاجتهاد اجتهاد الرأي هذا الذي جعل منه المعتزلة عنواناً لهم، والذي قدموه على القرآن نفسه كما أسلفنا، حين يطبقه الصحابة يصبح عند المعتزلة من العيوب التي لا تغتفر والتي يؤخذ بها وعليها أصحابها.
    فهذا النظام يقول: (إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وإما أنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء في المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي (13) وبذلك نسبهم كما يقول البغدادي (إلى إيثار الهوى على الدين (14) . بل فإن النظام ضرب المثل السيئ في الوقيعة الفاحشة في الصحابة أجمعين (15) ولم يتورع عن إيجاب الخلود في النار على أعلام الصحابة.
    وحين يفاضل العلماء بين الخلفاء الراشدين حسب إجماع الأمة على مبايعتهم على الخلافة أولاً بأول، نجد أبا علي الجبائي لا يبت في أيهم أفضل (16) ؟ إمعاناً في مخالفة إجماع الأمة.
    ولإثارة الشبه وتعميق الحزازات يميعون القول في حقيقة مقتل عثمان، فهذا أبو الهذيل يقول: (لا ندري قتل عثمان ظالماً أو مظلوماً؟) (17) ، وقبله يعلن واصل بن عطاء أنه لا يعرف، هل كان عثمان هو المخطئ أم قاتلوه وخذلوه؟ (18) .
    حتى إذا ما وصل الأمر إلى النظر في أصحاب الجمل وصفين نجدهم ينسبون الصحابة إلى الفسق جلت أقدارهم وعلت عن ذلك علواً كبيراً، فهذا واصل بن عطاء يجعل أحد الفريقين المتخاصمين في الجمل وفي صفين مخطئا لا يعينه تماما كالمتلاعنين فإن أحدهما فاسق لا محالة . . (وأقل درجات الفريقين أنه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين) (19) .
    وبناءً على هذا فإنه لم يحكم بشهادة رجلين أحدهما من أصحاب علي والآخر من أصحاب الجمل، فهو يقول: (لو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم (20) . وقبل شهادة رجلين من أصحاب علي وشهادة رجلين من أصحاب طلحة والزبير (21) إذ قد يكون أحد الفريقين عدلا وعلى صواب، وهو رأي تبناه بعد ذلك ضرار بن عمرو وأبو الهذيل ومعمر ابن عياد السلمي حيث قالوا جميعا: (نحن نتولى كل واحد من الفريقين على انفراد (22) .
    وهكذا يكونون قد شكوا في عدالة علي وطلحة والزبير مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة بالجنة ومع دخولهم في بيعة الرضوان وفي جملة الذين قال الله تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18].
    وتقدم عمرو بن عبيد خطوة أخرى في تفسيق أصحاب الجمل، فقطع بفسق الطرفين المتحاربين جميعا، وقال: (لا أقبل شهادة الجماعة منهم سواء كانوا من أحد الفريقين أو كان بعضهم من حزب علي وبعضهم من حزب الجمل) (23) وبلغ به الأمر في امتهانهم إلى القول: لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان على شراك (24) نعل ما أجزت شهادتهم (25) وهذا منه متساوق مع ما جبل عليه من كراهتهم وشتمهم (26) .
    أما إبراهيم النظام وبشر بن المعتمر وبعض المعتزلة، فإنهم صوبوا علياً في حروبه وخطأوا من قاتله، فنسبوا طلحة والزبير وعائشة ومعاوية إلى الخطأ (27) وانتفاء العدالة عنهما.
    وقولهم هذا لا شك باطل مرذول ومردود، فقد قال الله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ الحجرات:9] فسماهم مؤمنين مع الاقتتال (28) .
    وعديدون هم الصحابة الذين ألهبتهم ألسنة المعتزلة وأقلامهم بالقدح والتجريح فهذا أبو بكر الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من أسلم من الرجال، وصديق الرسول وحبيبه ينال منه النظام فيتهمه بالتضارب في أقواله، وذلك حين امتنع عن القول في شيء من متشابه القرآن الذي لا يعلم تأويله إلا الله فقال لما سئل عنه: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني . . إذا أنا قلت في آية من كتاب الله تعالى بغير ما أراد الله) (29) ثم سئل عن الكلالة فقال: (أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني هي ما دون الولد والوالد) (30) .
    وكان عمر هدفاً لتهجمات النظام وطعناته فقد زعم أنه شك يوم الحديبية في دينه وذلك ((لما سأل الرسول: ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : نعم. قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا؟)) (31) فغيرة عمر على الدين ورغبته المخلصة في نصرته اعتبرها النظام ترددا وشكا!!
    وآمن النظام بفرية الشيعة في الوصية بالخلافة لعلي وهي البدعة التي اختلقها عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم ليكون رأس الفتنة، واتهم النظام عمر بأنه كتمها وبادر بمبايعة أبي بكر ليحرم آل البيت، بل فإن عمر كما يزعم النظام (ضرب يوم البيعة بطن فاطمة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين).
    بل فحتى نفي عمر لشاعر المدينة الوسيم نصر بن حجاج (32) إلى البصرة مخافة فتنة النساء اعتبره النظام من مطاعن عمر، كما أخذ عليه جلده في الخمر ثمانين جلدة (33) وأعد إحياءه لسنة التراويح بدعة تذكر له بالذم (34) .
    ثم اتهمه بما اتهم به أبا بكر رضي الله عنه من التناقض في أقواله، حيث نسب إليه قوله (أجرؤكم على الفتيا في ميراث الجد أجرؤكم على النار) ثم قضى في الجلد بمائة قضية مختلفة (35) .
    وأحكام النظام كلها تصور قلة غيرته على الإسلام، وميله إلى الابتداع، وهدم ما يتميزه به أعلام الإسلام من هيبة في نفوس المسلمين لكي يزرع فيهم خيبة الأمل ويخلخل في نفوسهم كثيراً من القيم التي يمثلها صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ولم يسلم عبد الله بن مسعود (ت 23هـ) من طعن النظام فقد عاب عليه إعماله الرأي في الفتيا (36) وتجرأ على نسبته إلى الكذب ورد عددا كبيرا من أحاديثه كحديث السعيد من سعد في بطن أمه، وحديث انشقاق القمر وغيرهما (37) . .
    فقد قال عن حديث انشقاق القمر: وهذا من الكذب الذي لا خفاء به، لأن الله تعالى لا يشق القمر له وحده، ولا لآخر معه وإنما يشقه ليكون آية للعالمين . . . فكيف لم يعرف بذلك العامة، وكم يؤرخ الناس بذلك العام، ولم يذكره شاعر، ولم يسلم عنده كافر ولم يحتج به مسلم على ملحد (38) ؟!
    وقال عن الحديث الأول: (ولو كان ابن مسعود بدل نظره في الفتيا، نظر في الشقي كيف يشقى والسعيد كيف يسعد، حتى لا يفحش قوله على الله تعالى، ولا يشتد غلطه لكان أولى به. . ) (39) .
    وللنظام في ثلب أمير المؤمنين عثمان بن عفان الباع الطويل، فقد عاب عليه:
    إيواءه الحكم بن أمية إلى المدينة وهو طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ب – ونفيه أبا ذر الغفاري إلى الربذة وهو صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ج – واستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة وهو من أفسد الناس حتى أنه صلى بالناس وهو سكران.
    د – أعان سعيد بن العاص بأربعين ألف درهم على نكاح عقده.
    هـ - تزويجه ابنته مروان بن الحكم (40) .
    ونال النظام أيضا من حذيفة بن اليمان (ت 36هـ) أمين سر الرسول صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين لم يعلمهم أحد غيره (41) فشتمه واتهمه بالكذب وزعم أنه حلف لعثمان على أشياء ما قالها وقد سمعوه قالها!!؟) (42) .
    وحين أفتى علي برأيه قال عنه النظام: (من هو حتى يقضي برأيه (43) !؟).
    ولم يتورع عن الطعن في أبي هريرة والقول عنه (كان أكذب الناس (44) . وادعى أن عمر وعثمان وعليا وعائشة رضي الله عنهم أكذبوه (45) .

    تابعونا
    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:39 am


    وقد خطأ بعض المعتزلة معاوية (ت 60هـ) ولم يقولوا بإمامته (46) ، وكان عرضة لتهجم القاضي عبد الجبار حيث وسم أعماله بالباطل (47) .
    ولم يسلم سمرة بن جندب (ت 60هـ) من شتم عمرو بن عبيد، فقد سأله أحدهم عن حديث لسمرة فقال له: (ما تصنع بسمرة؟ قبح الله سمرة) (48) !!
    وموقف المعتزلة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عموما يتراوح بين شاك في عدالتهم منذ عهد الفتنة، كما فعل واصل وبين مفسق لهم جميعا كعمرو بن عبيد وبين (طاعن في أعلامهم متهم لهم بالكذب والجهل والنفاق كالنظام، وذلك يوجب ردهم للأحاديث التي جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة بناء على رأي واصل وعمرو ومن تبعهما) (49) .
    وما ذهب إليه المعتزلة كما يقول ابن كثير: (باطل مرذول ومردود (50) ، وهو مخالف للسنة مخالفة صريحة ذلك أن من الذين كفروهم شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير (51) . كما كان العديد من الصحابة الذين نسبوهم إلى الكذب والضلال ضمن أهل بيعة الرضوان الذين أشاد الله بذكرهم.
    ومما يؤيد منافاة طعنهم على الصحابة للسنة الصحيحة ما جاء في صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) (52) ويشرح ابن حجر معنى القرن فيقول: (والمراد بقرن النبي في هذا الحديث الصحابة) (53) .
    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) (54) .
    يقول الإمام الغزالي: فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب سبحانه وتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف ولو لم يرد الثناء، لكان فيما اشتهر وتواتر عن حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأهل في موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته كفاية في القطع بعدم التهم (55) .
    وقد أجمع سلف الأمة وجماهير الخلف على عدالة الصحابة بما فيهم من لابس الفتن (56) ، وصار استنقاصهم آية من آيات الزندقة والمروق عن الإسلام يقول، أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق (57) . ذلك أن طعنهم وتنقصهم لا يعدو كونه هذيانا بلا دليل إلا مجرد (رأي فاسد عن ذهن بارد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد والبرهان على خلافه أظهر وأشهر: مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات في سائر الأحيان والأوقات مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين) (58) .
    ب – إنكارهم للحديث المتواتر:
    يعتبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصل الثاني للتشريع الإسلامي بإجماع علماء الأمة الإسلامية، وتنقسم السنة باعتبار عدد رواتها إلى متواتر وآحاد.
    وعرف علماء المصلطح المتواتر بقولهم (هو ما رواه جمع كثير عن جمع كثير يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقا، وأن يكون مستند انتهائهم الحس ويصيب خبرهم إفادة العلم بنفسه لسامعه) (59) .
    وعرفه أبو عمر يوسف بن عبد البر بأنه (إجماع تنقله الكافة عن الكافة. وهو من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم، فقد رد نصا من نصوص الله يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه مما أجمع عليه المسلمون، وسلوكه غير سبيل جميعهم) (60) وإن لم ينعقد الإجماع على تواتره، بل وقع الخلاف فيه، يكون منكره من الفاسقين (61) .
    ودرج المعتزلة على مخالفة إجماع الأمة على إفادة المتواتر القطع:
    وذهب النظام إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر رغم خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر (62) بناء على ما يعتقده من أن الحجة العقلية جديرة وقادرة على نسخ الأخبار (63) ولا يستغرب إنكاره للمتواتر ما دام ينكر حجية الإجماع كما سنرى ويُجَوَّز اجتماع الأمة على الضلالة (64) .
    ويرى أبو الهذيل أن (الحجة لا تقوم فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام و فيما سواها، إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولا تخلو الأرض عن جماعة هم أولياء الله معصومون لا يكذبون، ولا يرتكبون الكبائر، فهم الحجة، لا المتواتر، إذ يجوز أن يكذب جماعة ممن لا يحصون عددا إذا لم يكونوا أولياء الله ولم يكن فيهم واحد معصوم) (65) .
    وفي إنكارهم للمتواتر واشتراطهم – لثبوت الخبر – أن يكون أحد رواته من أهل الجنة، تعطيل للأخبار الواردة في الأحكام الشرعية وبذلك ينقصون من الأوامر والنواهي ويتحللون من الشريعة تماما.
    ج - ردهم لخبر الآحاد:
    وخبر الآحاد هو ما رواه واحد أو اثنان أو ثلاثة فأكثر دون بلوغ عدد التواتر أو وصل ولكن فقد شرطا من شروط التواتر، وقد اشترط العلماء في راويه لقبوله العدالة والضبط (66) .
    ومتى توفرت فيه شروط القبول يصبح حجة معمولا به وجوبا على رأي الجمهور سواء كان خبر الآحاد صحيحا لذاته أو صحيحا لغيره حسنا لذاته أو حسنا لغيره (67) ، بل ذهب بعضهم إلى القول بأنه يوجب العلم والعمل جميعا (68) .
    وخالف المعتزلة ما ذهب إليه جمهور العلماء المسلمين، وردوا خبر الواحد مشترطين التعدد، فهذا أبو الحسن الخياط أنكر حجة أخبار الآحاد (69) وهذا أبو عليا الجبائي – كما ينقله عنه المازري وغيره (70) – لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا :
    أ – أو عضده ظاهر خبر آخر أو موافقة ظاهر الكتاب.
    ب – إذا نسب إليه خبر عدل آخر.
    ج – أو عمل به بعض الصحابة.
    بل فقد نسب بعضهم إلى الجبائي أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة (71) .
    وللمعتزلة في رد خبر الواحد حجج نذكر منها:
    1- قصة ذي اليدين (72) وكون النبي صلى الله عليه وسلم توقف في خبره حتى تابعه عليه غيره.
    2- قصة أبي بكر حين توقف في خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة (73) .
    3- وقصة عمر حين توقف في خبر أبي موسى في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدري (74) .
    وقد تناول علماء السنة التدليل على حجية خبر الواحد فعقد الإمام الشافعي بابا بهذا العنوان في رسالته (75) ، كما أن البخاري عقد في جامعه الصحيح بابا لهذا الغرض ترجم له بقوله: باب ماجاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، ولا يكاد كتاب من كتب المصطلح لا يخلو من إثبات حجية خبر الواحد ودحض الشبه التي تحوم حوله، وقد تولى ابن حجر الرد على حجج المعتزلة في خبر الآحاد، فبين أن توقف الرسول صلى الله عليه وسلم في قبول خبر ذي اليدين لا حجة فيه للمعتزلة لأن سؤال ذي اليدين عارض علم الرسول، وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل (76) .
    وانفراد ذي اليدين بمراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم دون المصلين جميعا على كثرتهم وأهميتهم مما يدعو الرسول إلى استبعاد حفظ ذي اليدين وتجويز الخطأ عليه (77) وقد طفحت كتب الآثار بأمثلة عديدة تؤيد اعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم لخبر الواحد حجة فقد (بعث رسله واحدا واحدا إلى الملوك، ووفد عليه الآحاد من القبائل فأرسلهم إلى قبائلهم، وكانت الحجة قائمة بإخبارهم عنه مع عدم اشتراط التعدد (78) .
    أما عن قصة توقف أبي بكر في خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة، فهذا ليس منه مطردا، فهو يطلب مزيدا من التثبت والتحوط لا اتهاما للمغيرة، باعتباره راويا فردا. وقد قبل أبو بكر أخبار آحاد كثيرة (79) .
    وأما قصة عمر فإن أبا موسى أخبره بذلك الحديث بعد أن أنكر عليه رجوعه بعد الاستئذان ثلاثا، وتوعده: فأراد عمر أن يتثبت خشية أن يكون أبو موسى إنما أورد الحديث دفعاً عن نفسه (80) .
    وغاية ما يؤخذ من الحديث - على حد تعبير ابن بطال – (التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره (81) سيما وجاء في إحدى الروايات أن عمر قال لأبي موسى (أما إني لم أتهمك ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    وقد قبل عمر كثيرا من أخبار الآحاد العدول:
    أ- فقد قبل خبر عبد الرحمن بن عوف وحده في أخذ الجزية من المجوس (82) .
    ب – كما قبل خبره في الرجوع عن البلد الذي فيه الطاعون (83) .
    ج – وقبل خبر الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها (84) .
    د – كما قبل خبر عمرو بن حزم في أن دية الأصابع سواء (85) .
    هـ - وقبل أيضا خبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين (86) .
    و – وقبل خبر حمل بن مالك بن النابغة في دية الجنين، وكاد يحكم فيه باجتهاده، وقد قال: (لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره) كما قبل غيرها من الأخبار (87) .
    وقد يضطر المعتزلة أحيانا لقبول خبر الواحد (88) – لسبب أو لآخر – إلا أنهم حين يضطرون إليه فلا يروونه بصيغة الجزم وإنما يروونه بصيغة التمريض (89) .
    وردهم لخبر الآحاد يفسر هدفهم الرامي إلى إنكار أكثر أحكام الشريعة لأن أغلب الفروض والمسائل الشرعية قائمة على أخبار الآحاد (90) .
    د – تشكيك المعتزلة وإنكارهم للكثير من الأحاديث:
    لقد آمن المعتزلة بأصولهم الخمسة وما يتفرع عنها من المبادئ والمفاهيم وجعلوا منها قاعدة يخضعون لها كل النصوص سواء كانت قرآنية أو حديثية: فما يعارض مبادئهم من الآيات يؤولونه، وما يعارضها من الأحاديث يردونه وينكرونه، ولذلك كان موقفهم من الحديث كما يقول أحمد أمين: (موقف المتشكك في صحته وأحيانا موقف المفكر له لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل) (91) .
    ولذلك نشهد استخفافا بالحديث وجرأة على حملته بلغت بعمرو بن عبيد إلى القول حين ذكر له حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا (92) فتحكيمه للعقل جعله يعترض على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الله، وكثيرون هم هؤلاء المجترئون على الله والرسول اعتمادا على ما تزينه لهم عقولهم والشيطان من أمثال (الخوارج والمعتزلة وضعفة أهل الرأي حتى انسل أكثرهم عن الدين، وأتت فتاويهم ومذاهبهم مختلة القوانين وذلك لأنهم اتبعوا السبل وعدلوا عن الطريق، وبنوا أمرهم على غير أصل وثيق) (93) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].
    ولعزوف المعتزلة عن الحديث قابلهم أهل البينة والجماعة بامتهانهم واحتقارهم مهما كان جاههم ومنصبهم في الدولة، فهذا المعتصم الخليفة العباسي يلتفت إلى أحمد بن حنبل ويقول له: (كلم ابن أبي دؤاد (94) فأعرض عنه أحمد بوجهه وقال: كيف أكلم من لم أره على باب عالم قط؟) يريد عالم الحديث.
    وقد بلغ المعتزلة عداؤهم للحديث أن ردوا نصوصا كثيرة صحيحة: فقد ردوا حديث الشفاعة (95) وحديث انشقاق القمر (96) كما سنبين ذلك بعد حين وردوا حديث ((جف القلم بما أنت لاق)) (97) ، كما رد النظام حديث ((السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه)) (98) ذلك أن هذين الحديثين يتعارضان مع ما يؤمنان به من نفي القدر وهما حديثان خرجهما البخاري في (الجامع الصحيح) (99) .
    ورد القاضي عبد الجبار حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)) (100) ، وقال إن مثل (هذه الأخبار لا يجوز التصديق بها إذا كانت مخالفة للأدلة القاطعة) (101) .
    والعجيب هنا هو ميلهم إلى الإنكار ونكوصهم عن التأويل ذلك أن بعض الأحاديث مثلها مثل بعض الآيات المتشابهة التي تحتاج إلى فهم عميق، يوفق بين ما يبدو من الاختلاف أو التعارض بينها وبين العقل.
    وقد تولى أهل السنة درس هذا الحديث الذي رده القاضي عبد الجبار فقالوا: واختلف إلى ماذا يعود الضمير في (صورته):
    1- فقيل إلى آدم: أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط وإلى أن مات دفعا لمن توهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى، - أو ابتدأ خلقه. كما وجد لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة.
    وقيل للرد على الدهرية إنه لم يكن إنسان إلا من نطفة ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك، فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة.
    وقيل للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتاثيره. . .
    2- وقيل: (الضمير لله . . . والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء) (102) .
    هكذا أعمل أهل السنة في مثل هذه الأحاديث المختلفة والمشكلة، للتأويل المتزن المنطقي ولم يجرؤوا على ردها، لأنها أحاديث صحيحة ثابتة بينما نكص المعتزلة عن إعمال العقل، وهم من قدم العقل وكان العقل عندهم حكر على التشكيك في الشرع ونصوصه ورجاله.
    5- كذبهم في الحديث:
    ثبت لنا أن المعتزلة يعتبرون العمل شرط صحة لثبوت الإيمان إلا أن الكثيرين من أعلامهم اشتهروا بالتهاون في أداء الفروض وقلة التدين وعدم التورع عن ارتكاب بعض المحرمات ويتضح لنا ذلك عند النظام وثمامة بن أشرس وغيرهما.
    كما أن زعمائهم لا يترددون عن الكذب في الحديث: جاء في مقدمة (صحيح مسلم) (كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث (103) . ومن أمثلة أكاذيبه ما نسبه للحسن البصري حول السكران بالنبيذ من أنه لا يجلد، وسئل أيوب السختياني عن صحة ذلك فقال: (كذب، أنا سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ) (104) .
    ومن أمثلة أكاذيبه أيضا ما نسبه للحسن كذلك من روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) (105) . وقد كذبه أيوب. ولا ريب أن هذا الحديث ظاهر الوضع.
    وكثيرة هي المسائل التي ينسب أحكامها إلى الحسن، وهي على الحقيقة من رأيه هو (106) .
    ولتأييد مذهبه الاعتزالي فإن عمرو بن عبيد كثيرا ما يورد الحديث دون بيان تأويله، من ذلك ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) (107) , وقد سئل عن ذلك عوف بن أبي جميلة فقال: (كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث). بمعنى أن عمرا أورد هذا الحديث لتأييد ما يذهب إليه المعتزلة من تفسيق مرتكب الكبيرة وتخليده في النار ولما كان مستل السيف على أخيه المسلم مرتكباً لكبيرة فهو ليس من أمة الإسلام وبالتالي فهو مخلد في النار (108) .
    ولهذا نجد العلماء يضعفون عمرا ويردون أحاديثه من ذلك أن الفلاس قال: (عمرو متروك صاحب بدعة) (109) . بل فإن الناس كانوا يتحاشون حتى مجالسته لإغراقه في الابتداع رغم ما يشاع عنه من ورع!!
    وإذا جوز النظام الكذب على المكره حيث قال: (إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزره موضوعا عنه) (110) فإن أكثر المعتزلة بما فيهم النظام لا يتورعون عن الكذب لا للإكراه ولكن لتأييد ما يذهبون إليه من آراء متعسفة كما رأينا بالنسبة لعمرو بن عبيد، وكما يروى عن القاضي عبد الجبار الذي يروي عن ابن عباس قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خمس لا يعذر بجهلهن أحد:
    1- معرفة الله تعالى، أن يعرفه ولا يشبه به شيئا.
    2- والحب في الله.
    3- والبغض في الله.
    4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    5- اجتناب الظلمة)) (111) .
    وهذا الحديث ينكره الرواة، وإنما تمسك به المعتزلة ليثبتوا به وجوب معرفة الله بالدليل (112) .
    فالحديث الشريف لم يسلم من المعتزلة حيث جرّحوا رواته من الصحابة، وأنكروا المتواتر منه وردوا الآحاد وأنكروا وشكوا في الكثير من الأحاديث وأخيرا كذبوا في الحديث لتقوية بدعتهم، فهم وإن لم يكترثوا بالحديث إلا أنهم يلجأون إليه، وإن اضطرهم ذلك إلى الوضع حين يرومون تأييد مذهبهم.
    موقفهم من الإجماع والقياس:
    يعتبر الإجماع والقياس من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي بعد القرآن ذلك أن شريعة السماء إنما تستمد شرعيتها وأحكامها من الله تعالى، إما بطريق مباشرة وهي القرآن أو غير مباشرة وهي سنة الرسول المقبولة: صحيحة وحسنة، ثم الإجماع والقياس اللذان يستندان إلى روح القرآن والسنة.
    وقد عرف العلماء القياس بأنه (إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص على حكمه لاشتراكهما في علة الحكم (113) أو هو الحكم للنظير بحكم نظيره إذا كان في معناه والحكم للفرع بحكم أصله إذا قامت فيه العلة التي من أجلها وقع الحكم) (114) .
    والقياس مأخوذ من أكثر من آية في القرآن الكريم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] الاستنباط هو الاستخراج وهو بالقياس لأن النصر ظاهر (115) ، وكذلك مأخوذ من قياس الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حكم، وقد عقد الإمام البخاري في جامعه الصحيح بابا ترجم له بقوله: (باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين)، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل (116) أورد فيه عددا من الأحاديث التي تثبت قياس الرسول صلى الله عليه وسلم الصريح.
    أما الإجماع: فهو إجماع علماء الأمة الإسلامية على أمرها فيصبح بذلك حكما شرعيا والإجماع مأخوذ من قول الله تعالى: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) (117) .
    والعمل بالقياس معلوم عند علماء الأمة وقد ساروا عليه قديما وحديثا حتى حدث أن إبراهيم النظام، وقوم من المعتزلة سلكوا طريقه في نفي القياس (118) . . . وخالفوا ما مضى عليه السلف . . . واتبعهم من أهل السنة على نفي القياس في الأحكام داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري (ت 270هـ).
    أما النظام فقد رد حجية الإجماع والقياس معا ذلك أن الحجة عنده إنما تنحصر في قول الإمام المعصوم تأسياً بما يذهب إليه بعض الشيعة الذين جعلوا الدين طاعة رجل واحد وهو إمامهم (119) .
    وقد تصدى جمع من المعتزلة أنفسهم للرد على النظام من أمثال بشر بن المعتمر شيخ البغداديين ورئيسهم، وأبي الهذيل العلاف وهما من رؤساء المعتزلة وأهل الكلام وكان أشد الناس نصرة للقياس واجتهاد الرأي في الأحكام، وقد قمعا أبا الهذيل وأصحابه (120) .
    كما خلفه بشر بن غياث المريسي (ت 218هـ) وهو فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة (121) والقول بخلق القرآن، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف وكان من المغرقين في القياس الناصرين له الدائنين به (122) وإن كان لا يرى الإجماع كما سنرى بعد حين.
    وإذا انقسم المعتزلة حول القياس فإن موقفهم من الإجماع يكاد يكون متحدا حول رد الإجماع، نعم، نجد القاضي عبد الجبار يقر حجة الإجماع مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على خطأ وعليكم بالجماعة)) (123) ، ولئن شرح المراد بالجماعة وهو ما أجمعت عليه الأمة وثبت ذلك من إجماعها، فإنه يجعل هذا الإجماع لا يرتبط بالعدد بقدر ما يرتبط بطاعة الله والتزام السمت السمي، فهو عنده ينطبق حتى على الفرد الواحد، مستشهدا على رأيه هذا بما ينسبه لابن مسعود: (الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كان رجلا واحدا) (124) .
    وعلى هذا الأساس يصف من يخالف المعتزلة من المشنعين عليهم بأنهم (عند التحقيق لا يميزون ما يقولون) (125) ويصف أصحابه بأنهم هم المتمسكون بالسنة والجماعة دون هؤلاء المشنعين عليهم (126) .
    وفي الحقيقة فإن الواحد لا يمكن أن يكون إجماعا، وإلا فإن المفاهيم تصبح مقلوبة منكوسة ولعل في اعتراف القاضي عبد الجبار (ت 415هـ) بالإجماع وهو من رجال القرن الرابع وأوائل الخامس، وقد شهد ما لحق المعتزلة من النكبات نتيجة غلوهم ومخالفتهم الصريحة للكثير مما يدين به المسلمون ومما هو وارد في الكتاب والسنة، لعل في اعترافه بحجية الإجماع تخفيفا عن المعتزلة بعض أوزارهم، إلا أن التوفيق جانبه لما عرف ذلك التعريف المتجافي حتى مع المعنى اللغوي للإجماع فضلا عن معناه الاصطلاحي.
    أما النظام فإنه أبطل صراحة حجية الإجماع وذهب إلى تجويز إجماع الأمة في جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال (127) ويستدل على رأيه هذا بأن الأمة الإسلامية أجمعت (على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة دون جميع الأنبياء، وليس كذلك، وكل نبي في الأرض بعثه الله تعالى إلى جميع الخلق بعثه لأن آيات الأنبياء – لشهرتها – تبلغ آفاق الأرض، وعلى كل من بلغه ذلك أن يصدقه ويتبعه) (128) .
    وهذه الحجة تتنافى وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((بعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)) وقد رواه البخاري في كتابي التيمم والصلاة (129) والنسائي في كتاب الغسل (130) والدارمي في كتاب الصلاة (131) .
    وقد خالف النظام إجماع الأمة على وجوب الوضوء من النوم، وابتدع القول بأن النوم لا ينقض الوضوء وعلل مخالفته هذه بقوله:
    (وإنما أجمع الناس على الوضوء من نوم الضجعة لأنهم كانوا يرون أوائلهم إذا قاموا بالغداة من نوم الليل تطهروا، لأن عادات الناس الغائط والبول من الصبح، ولأن الرجل يستيقظ وبعينه رمص وبفيه خلوف، وهو متهيج الوجه، فيتطهر للحدث والنشرة (132) لا للنوم (133) .
    والنوم خلافا لما يذهب إليه النظام ينقض الوضوء سيما إذا لم يكن نعسة أو خفقة خفيفة، وقد عقد البخاري في جامعه بابا ترجم له بقوله: باب الوضوء من النوم (134) أورد فيه أحاديث كثيرة تثبت تلك الترجمة.
    وخالف النظام إجماع الأمة أيضا بقوله: (إن الطلاق لا يقع بشيء من الكنايات كقول الرجل لامرأته: أنت خلية أو برية أو حبلك على غاربك أو البتة أو إلحقي بأهلك أو اعتدي أو نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء سواء نوى بها الطلاق أو لم ينوه) (135) .
    ذلك أن ما ذهب إليه المسلمون اعتبار النية. وقد عقد البخاري لهذا المعنى بابا ترجم له بقوله: (باب إذا قال فارقتك، أو سرحتك أو الخلية أو البرية أو ما عني به الطلاق، فهو على نيته) (136) .
    ومن لطيف ما يروى عن بشر بن غياث المريسي المعتزلي في رد الإجماع أنه سأل الإمام الشافعي في حضرة هارون الرشيد: (ادعيت الإجماع، فهل تعرف شيئا أجمع الناس عليه؟).
    قال الشافعي: نعم أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قتل (137) .
    فالإجماع حقيقة تستند إلى الكتاب والسنة لا يمكن إنكارها، ولا يمكن فهمه إلا بالشكل السوي الذي فهمه به السلف الصالح. (166)

    تابعونا





    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:40 am




    الحديث الشريف هو ثاني مصادر الشريعة الإسلامية – بعد القرآن – وهو المفسر والمبين الأول لكتاب الله تعالى، ولهذا عني به أئمة المسلمين وعلماؤهم على مر العصور عناية تفوق الوصف فحرصوا على جمعه بكل طرقه، ثم لما أطلت المبتدعة برؤوسها واتخذوا وضع الأحاديث طريقا للتدليل على مذاهبهم الفاسدة، وضع سلف الأمة السند وعملوا على تمحيصه تمحيصا دقيقا ووضعوا لذلك علوما عديدة (138) تخدم هذا الغرض كعلم الجرح والتعديل وأسماء الرواة وغير ذلك.
    "عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (139) .
    وقد أدى ذلك إلى فرز الحديث صحيحه من ضعيفه، وإلى تنقيته مما وضعه الواضعون من المبتدعة – كالرافضة وغيرهم – فظل الحديث الشريف مصفى من الشوائب مبرأ من المعايب، يأخذ عنه المسلمون أسس دينهم في العقائد النظرية وفي الشرائع العملية على حد سواء، فما دل عليه من عقيدة اتخذوها دينا يتقلدونه، وما هدى إليه من شريعة عملوا بها دون مماحكة أو جدال.
    وكان لابد للمبتدعة - على اختلاف أنواعهم – أن يحاولوا اختراق هذا الجدار المنيع الذي يحمي أسس العقيدة والشريعة وتفاصيلها ليتمكنوا من الزيادة في الدين أو النقص منه حسب ما يشاؤون، فذهبت المعتزلة إلى أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، بينما حكم العقل يقيني إذ أنه هو مناط التكليف – الذي بدونه لا يكون الإنسان مكلفا – وعلى ذلك يجب تقديم الحكم العقلي على خبر الآحاد مطلقا سواء في العقائد أو في الشرائع العملية، بل إنهم ردوا أخبار الآحاد في العقائد جملة بدعوى أن العقيدة يجب أن تثبت بطريق قطعي يقيني لا بطريق ظني كخبر الواحد!، ولم يفرقوا بين ما هو صحيح من الأحاديث أو غيره من درجات الحديث، بل يكفي مخالفته لما ادعوه معقولا لرده وعدم العمل به؛ بل والقدح في رواته بغاية الجرأة والوقاحة.
    وقد موهوا بأن التواتر – وهو رواية الخبر بطريق جمع كبير يؤمن عدم تواطئهم على الكذب أو النسيان – وحده هو الذي يفيد اليقين القطعي، وإن جعلوا الحكم العقلي مقدما عليه كذلك حين التعارض!.
    وكان من جراء ذلك أن رد المعتزلة الكثير من العقائد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كعذاب القبر وكالإيمان بالحوض والصراط والميزان والشفاعة (140) وما سبق ذكره كرؤية الله في الآخرة، كما ردوا الكثير من الأحكام الشرعية الصحيحة الثابتة إما بدعوى مناقضتها للعقل، أو تعارضها مع الكتاب، أو تعارضها مع أحاديث أخرى – بزعمهم -!.
    فمما زعموا معارضته للعقل حديثه صلى الله عليه وسلم : ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده)) (141) ، قالوا: كل الناس تعلم أين باتت يدها، وحتى إذا قصد المسلمون الحرج فالنائم مرفوع عنه الحرج ولا يؤاخذ بما يفعله في نومه "ولو أن رجلا مس فرجه في يقظته لما نقض ذلك طهارته فكيف بأن يمس وهو لا يعلم" (142) .
    ومما زعموا تعارضه مع الكتاب: قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا وصية لوارث)) (143) ، قالوا: هذا معارض بقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ[ البقرة: 180] (144) . والوالدان وارثان على كل حال.
    وكذلك نهيه صلى الله عليه وسلم : ((أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها)) (145) إذ هو معارض لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [ النساء: 23] ولم يذكر عمة الزوجة أو خالتها.
    كما روى عن أبي بكر بن محمد أنه قال: "قال عمرو بن عبيد: لا يعفى عن اللص دون السلطان – قال فحدثته بحديث صفوان بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالSadفهلا قبل أن تأتيني به) (146) . قال: أتحلف بالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؟ قلت: أفتحلف أنت بالله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله".
    وقد كان هذا المنهج من أحوال أهل البدعة التي جروا عليها لشدة الأحاديث عليهم بما تقرره من الحق المخالف لمبتدعات عقولهم، يقول الشاطبي في بيان مسلك أهل البدع:
    ". . . ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، يدعون أنها مخالفة للعقول وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها كالمنكرين لعذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله عز وجل في الآخرة وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء وأنه يقدم الذي فيه الداء، وحديث الذي أخذ أخاه بطنه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بسقيه العسل وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول. وربما قدحوا في الرواة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم – وحاشاهم- وفيمن اتفق من الأئمة من المحدثين على عدالتهم وإمامتهم. كل ذلك ليردوا به على من خالفهم في المذاهب وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة لينفروا الأمة عن اتباع السنة وأهلها" (147) ، وقال بعدها:
    "وذهبت طائفة إلى نفي أخبار الآحاد جملة والاقتصار على ما استحسنته عقولهم في فهم القرآن . . ولما ردوها بتحكيم العقول كاد الكلام معهم راجعا إلى أصل التحسين والتقبيح" (148) .
    أما أهل السنة فقد وفقهم الله تعالى إلى المذهب الحق في كل تلك الأمور، فأما بالنسبة لحجية خبر الآحاد فقد أنعقد إجماع السلف من الأئمة على وجوب العمل به سواء في مجال العقيدة النظرية أو الشريعة العملية، فما دل على عقيدة اعتقدوها دينا، وما دل على شريعة عملية أطاعوها وعملوا بها. فإن خبر الآحاد "الصحيح" يفيد من الاطمئنان القلبي ما يجب بناء عليه أن يعمل بمقتضاه، وقد دلت على ذلك أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة.
    ففي السنة أن أهل قباء جاءهم واحد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم بتحويل القبلة فتحولوا وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم، وبمثل بعثه صلى الله عليه وسلم لعماله واحدا بعد واحد وكذلك بإرساله الرسل فرادى يدعون الناس إلى الإسلام (149) .
    أما عن إجماع الصحابة فقد نقلت عنهم وقائع لا تبلغ الحصر متفقة على العمل بخبر الواحد ووجوب الأخذ به. فمن ذلك ما روي عن أبي بكر الصديق أنه عمل بخبر المغيرة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة أن النبي أطعمها السدس، فجعل لها السدس. ومن ذلك عمل عمر بن الخطاب بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (150) . وعمل أيضا بخبر حمل ابن مالك في الجنين وهو قوله: كنت بين جاريتين لي (يعني ضرتين) فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع بهذا لقضينا غير هذا. وكذلك عمل عثمان وعلي بخبر فريعة بنت مالك في اعتداد المتوفى عنها زوجها في منزل زوجها أنها قالت: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجي أستأذنه في وضع العدة، فقال صلى الله عليه وسلم : ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)) (151) . وغير ذلك من عمل الصحابة كعائشة وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس. . بل ويكفي إجماعهم على الأخذ بخبر أبي بكر الصديق يوم السقيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأئمة من قريش)) (152) . فهذا إجماع منهم على ذلك (153) .
    ولا فرق هنا بين العقائد والشرائع إذ أن الاطمئنان القلبي متحقق في كليهما سواء، لهذا أجمع السلف على الاعتقاد برؤية الله في الآخرة والصراط والميزان والحوض والشفاعة وعذاب القبر (154) .
    أما عن الخبر المتواتر فقد ذهب أهل السنة إلى إفادته "العلم" أي اليقين القلبي القاطع الذي لا تشوبه شائبة من أي ناحية.
    وقد ذهبت طوائف من أهل السنة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وطوائف من المحدثين والفقهاء إلى أن خبر الواحد يفيد العمل ولا يفيد "العلم" (155) ، وقد قصدوا "بالعلم" هو ذلك اليقين القلبي الجازم الحاصل بمثل التواتر. ولا شك أن الفارق موجود بين يقين القلب بخبر التواتر والجزم باستحالة كذبه، وبين الاطمئنان القلبي القريب من اليقين بخبر الواحد الصحيح إلا أن ذلك فرق لا معول عليه بدليل إجماعهم على وجوب العمل به عملا واعتقادا.
    كما أن طوائف من المحدثين والفقهاء قالوا فإفادته للعلم كأحمد بن حنبل وابن تيمية وحكاه ابن حزم عن داود الظاهري والحسين بن علي الكرابيسي، وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وجزم به (156) .
    وأما ما أوردوه من تعارض بين الحديث والعقل أو الكتاب أو الأحاديث الأخرى، فليس فيه تعارض إلا من جهة عقولهم الفاسدة ومناهجهم السقيمة.
    فحديث ((إذا قام أحدكم من نومه. . )) (157) . ليس المقصود بقوله ((أين باتت يده)) هو عدم معرفة مكانها بالليل! "بل لعله في منامه مس بها فرجه أو دبره وليس يؤمن أن يصيب يده قاطر بول أو بقية مني إن كان جامع قبل المنام فإذا أدخلها في الإناء قبل أن يغسلها أنجس الماء وأفسده وخص النائم بهذا لأن النائم قد تقع يده على هذه المواقع وعلى دبره وهو لا يشعر، فأما اليقظان فإنه إذا لمس شيئا من هذه المواضع فأصاب يده منه أذى، وعلم به ولم يذهب عليه فغسلها قبل أن يدخلها في الإناء أو يأكل أو يصافح" (158) .
    وأما عن حديث ((لا وصية لوارث)) (159) . فقد ذهب أهل السنة إلى أن الآية كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ منسوخة بآية المواريث في سورة النساء في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [ النساء: 11].
    "قال ابن عباس والحسن: نسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكية وجماعة من أهل العلم".
    كذلك "قال ابن عمر وابن عباس وابن زيد: الآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبا، ونحو هذا قول مالك رحمه الله".
    وقد كان من الممكن الجمع بين الآيتين "بأن يأخذا – أي الأبوان – المال عن المورث بالوصية وبالميراث إن لم يوص، أو ما بقي من الوصية لكن منع هذا الحديث والإجماع"، "فنسخ الآية إنما كان بالسنة الثانية لا بالإرث على الصحيح من أقوال العلماء" (160) .
    أما عن حديث: ((نكاح المرأة على عمتها أو خالتها)) (161) . فقد قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [ الحشر:7]، وقال تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ [النساء:80]، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((ألا أني قد أوتيت الكتاب ومثله معه)) (162) . أي من الأحكام التشريعية فيجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما حلل وحرم لأمر الله تعالى بذلك.
    قال القرطبي: "فإن الله تعالى قد حرم على لسان نبيه مما لم يذكر في الآية فيضم إليها" (163) . وحكمة ذلك واضحة وهي ترجع إلى أصل عام في الشريعة وهو عدم قطع الأرحام فإنه لا يخفى ما يكون بين المرأة وضرتها ولا يصح هذا بين المرأة وخالتها أو عمتها إلا بقطع الرحم وقد روي عن ابن عباس قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة، وقال: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)) (164) . وروى مثله من مراسيل أبي داود عن حسين بن طلحة" (165) .
    ولأهل السنة منهج في ما قد يتعارض ظاهره من الأدلة وهو "الجمع بين أطراف الأدلة" والتوفيق بين الأدلة الصحيحة بأوجه التوفيق المعتبرة إذ أنه معلوم في الأصول إن إعمال الدليلين الصحيحين يقدم على إعمال أحدهما وإسقاط الآخر، يقول الشوكاني:
    "ومن شروط الترجيح التي لابد من اعتبارها أنه لا يمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول فإن أمكن ذلك تعين المصير إليه ولم يجز المصير إلى الترجيح، قال في المحصول: العمل بكل منهما من وجه أولى من العمل بالراجح من كل وجه وترك الآخر . اهـ، وبه قال الفقهاء جميعا". (167)

    تابعونا









    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:42 am


    صور من انحرافات المعتزلة عن السنة

    إن موقف المعتزلة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم المجافي لما قررته السنة وبينه القرآن العزيز من وجوب احترامهم وإكبارهم وإن كذبهم في الأحاديث المنافي مع وعيد الرسول للكذابين عليه وهو القائل ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (1) وهو حديث متواتر يقول عنه ابن الجوزي قد رواه الصحابة ثمانية وتسعون صحابيا وإن إنكارهم أو تشكيكهم في بعض الأحاديث، وإبطالهم قبول المتواتر والآحاد، هذه المواقف جميعها تعتبر انحرافا عن السنة ومجافاة للسلوك الذي سن اتباعه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم . . . وقد أوردت من الأدلة ما يثبت هذا الانحراف عن الهدي النبوي.
    وفي هذا الفصل نضيف عددا آخر من المواقف والآراء التي آمن بها المعتزلة ووقفوا ينفحون عنها ويعضدونها بأدلتهم العقلية:
    أ- وجوب معرفة الله بالدليل:
    لقد كان الإيمان بالله في عهد الرسول والصحابة بسيطا غير معقد، حتى إذا ما نشأت فرقة المعتزلة أدخلت مباحث غريبة عن الإسلام متأثرة بالمذهب والمقولات الفلسفية، وكان البحث في معرفة الله بالدليل وإيقاف صحة الإيمان على ذلك من بين تلك الموضوعات التي أحدثتها المعتزلة، وبذلك فرضوا على الفرق الأخرى النظر فيها، وقد ورثها عنهم الأشاعرة رغم انفصالهم عن المعتزلة، فقد جاء عن أبي جعفر السماني – وهو من كبار الأشاعرة – قوله: (إن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب) (2) أي المذهب الأشعري.
    ولشدة تعلق المعتزلة بهذا المبحث فإنهم جعلوه منضوبا تحت مفهوم الإيمان فهذا أبو شمر يزعم (أن المعرفة بالله وبما جاء من عنده . . . ومعرفة التوحيد والعدل، عدل الله سبحانه، ونفي التشبيه عنه، كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر) (3) .
    وشغفهم هذا دفع بالقاضي عبد الجبار إلى أن يستشهد بحديث ينكره الرواة كما يقول فؤاد السيد (4) ليبرر ما ذهب إليه المعتزلة من وجوب معرفة الله: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس لا يعذر بجهلهن أحد، معرفة الله تعالى أن يعرفه ولا يشبه به شيئا)) (5) .
    وإذا كانت معرفة الله وصفاته مقررة في الإسلام، فإن تعقيد هذه المعرفة ووجوب تحصيل الدليل عليها هو البدعة المنافية مع السنة الصحيحة.
    فهذا أبو هاشم (عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي ابن أبي علي الجبائي) من المعتزلة ذهب إلى أن (من لا يعرف الله بالدليل فهو كافر) لأن ضد المعرفة النكرة، والنكرة كفر (6) .
    كما أن إبراهيم بن يسار النظام ذهب إلى أن المتمكن من المعرفة إن كان عاقلا (يجب عليه تحصيل معرفة الباري تعالى بالنظر والاستدلال) (7) .
    نعم أن التقليد مذموم. لذلك نجد بعض أهل السنة يوجب الاستدلال هو أيضا إلا أنه لم يرد به (التعمق في طرق المتكلمين) بل اكتفى بما لا يخلو عنه من نشأ بين المسلمين من الاستدلال بالمصنوع على الصانع، وغايته، أنه يحصل في الذهن مقدمات ضرورية تتألف تألفا صحيحا وتنتج العلم، لكنه لو سئل: كيف حصل له ذلك ما اهتدى للتعبير عنه (Cool .
    ويقول ابن حجر لا حجة لمن اشترط النظر (لأن من لم يشترط النظر لم ينكر، أصل النظر، وإنما أنكر توقف الإيمان على وجود النظر بالطرق الكلمية، إذ لا يلزم من الترغيب في النظر جعله شرطا (9) .
    وإذا كان في النظر بالنسبة للجماهير مشقة لم يوجبها عليهم الشرع، فإن فيه بالنسبة للعلماء والمختصين (فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها) (10) .
    والذي يثبت مخالفة ما ذهب إليه المعتزلة من وجوب معرفة الله بالدليل ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)) (11) .
    ففي هذا الحديث كما يقول ابن حجر (دليل . . . على الاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة) (12) .
    وجاء عن معاوية بن الحكم قوله: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية فقلت:يا رسول الله, علي رغبة, أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله: أين الله؟ فقالت: في السماء فقال: ومن أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: فأعتقها)) (13) .
    فبهذه المعرفة الأولية المجملة بالله وبرسوله ثبت لها الإسلام وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقها.
    وكتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد ورسائله كلها تثبت أنه صلى الله عليه وسلم (لم يزد في دعائه . . . على أن يؤمنوا بالله ويصدقوه فيما جاء به من عنده، فمن فعل ذلك قبل منه سواء كان إذعانه عن تقدم نظر أم لا) (14) .
    ب- إنكارهم لرؤية الله يوم القيامة:
    لقد سبق لنا أن بينا أن غلو المعتزلة في فهمهم لعقيدة التوحيد تفرع عنه: أ- إيمانهم بنفي الصفات. ب- نفي الرؤية. ج- القول بخلق القرآن. نفي الصفات فقالوا: بخلق القرآن اعتقادا منهم أن ثبوت قدم أي صفة بما فيها كلامه تعالى: يثبت مع الله قديما غيره، وهذا عين الشرك في نظرهم، ونفوا الرؤية لأنها تقتضي الجسمية وهي ما يتنزه الله عنه.
    والمعتزلة أجمعوا على أن الله سبحانه ليس بجسم ولا عرض وأن شيئا من الحواس لا يدركه في الدنيا ولا في الآخرة. حتى أن بعضهم يكفر من يقول برؤيته (كما ترى المرئيات بالمقابلة أو المحاذاة أو في مكان حالا فيه دون مكان) (15) .
    لكنهم اختلفوا هل يرى الله بالقول؟
    فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة : نرى الله بقلوبنا، بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا، وأنكر هشام الفوطي عباد بن سليمان ذلك (16) .
    أما الخابطية (أصحاب أحمد بن خابط ت 232هـ) والحدثية (أصحاب الفضل الحدثي (ت 257هـ) فإنهم آمنوا بالرؤية ولكنهم صرفوها إلى رؤية العقل الأول العقل الفعال) (17) . وفكرة العقل هذه فكرة يونانية آمن بها بعض الفلاسفة المسلمين وتسربت إلى الفكر الاعتزالي.
    والمعتزلة حين ينفون الرؤية يزعمون أن كل شيء يرى بالعين يجب أن يكون في مقابلة العين، أو ينبغي أن يكون جسما يحتل حيزا، بهذا ناظر أبو إسحاق النصيبيني رئيس معتزلة البصرة أبا بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت 403هـ) (18) ، بل فإن تعله (19) الجسمية يركن إليها كل النفاة لرؤية الله.
    يقول القرطبي: (اشترط النفاة في الرؤية شروطا عقلية كالبنية المخصوصة، والمقابلة وإيصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم) (20) .
    والمعتزلة مناصرة منهم لرأيهم يردون كل الأحاديث النبوية التي تثبت الرؤية بدعوى أنها أحاديث آحاد (وإنما يقبل خبر الواحد فيما طريقه العمل (21) ويحاولون في الوقت نفسه اختلاق أحاديث كثيرة تتساوق مع مذهبهم.
    فهذا القاضي عبد الجبار يورد أثرا بصيغة التمريض ينسبه لابن عباس فيقول وروي أن نجدة الحروري سأل ابن عباس فقال: كيف معرفتك بربك؟ فقال: (أعرفه بما عرفني به نفسه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالقياس معروف بغير تشبيه (22) .
    كما ينسب خبرا لعائشة يقول (إنها سمعت بأن القوم يقولون: بأن الله يرى، فقالت: لقد قف شعري مما قلتموه ودفعت ذلك بقوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103]) (23) .
    أما الآيات القرآنية التي تثبت رؤية الله فإنهم يقفون منها موقف التأويل والتخريج المتعسف:
    فهذا الزمخشري يفسر قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] بأن المراد بناظرة الثانية (بالظاء) منتظرة فالمؤمنون وهم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ينتظرون ذلك اليوم. ويبين أن تقديم المفعول به (إلى ربها) يفيد الاختصاص بمعنى أن هذه الوجوه (تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره . . . ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم . . . فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا إليه محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص) (24) .
    ويستنجد بالعربية ليؤيد تأويله فيقول (والذي يصبح معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي تريد معنى التوقع والرجاء ومنه قول القائل:
    وإذا نظرت إليك من الملك والبحر دونك زدتني نعما (25)

    وسمعت سرورية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقايلهم تقول: عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم.
    والمعنى أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه (26) .
    وكل آية يمكن أن يستشعر منها معنى رؤية الله، يؤولها الزمخشري بشكل يدفع الرؤية، فيشرح الفوز في قوله تعالى: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] بقوله (وأي فوز أعظم من دخول الجنة) ويعلق سراج الدين البلقيني على ذلك بقوله (أشار إلى عدم الرؤية) (27) .
    وهو عين التأويل الذي ينقله القاضي عبد الجبار عن أبي علي الجبائي الذي يصور معنى التطور الذي طرأ على موقف مثبتة الرؤية. ذلك أن أوائلهم كانوا (يقولون بالرؤية مع التشبيه. ثم من بعد لما عرفوا فساد القول بالتشبيه ثبتوا على القول بالرؤية للإلف والعادة، واحتجوا بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة:22-23] وهذا لا حجة لهم فيه لأن النظر ليس هو الرؤية، فتحمل الآية على النظر إلى الثواب أو الانتظار. كما روي عن كثير من الصحابة (28) .
    فهو ينسب عقيدتهم إلى الإلف والعادة لا النظر والفهم، ثم يؤول مستندهم من الآية بنفس تأويل الزمخشري الذي تناول أحمد ابن المنير الرد عنه في كتابه (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال) فقال (ما أقصر لسانه عند هذه الآية فكم له يدندن ويطيل في حجب الرؤية ويشقق القباء ويكثر ويتعمق. لما فغرت فاه صنع في مصامتها بالاستدلال . . . ومما يعلم أن الممتع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ولا يؤثر عليه غيره) (29) ويقول ابن بطال (إن تأويلهم لناظرة بمنتظرة خطأ لأنه لا يتعدى بإلى (30) ويتحدث ابن كثير عمن تأول حرف الجر "إلى" في قوله تعالى إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة:23] وفسره بأنه مفرد الآلاء وهي النعم فيقول: فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه، وأين هو من قوله تعالى: كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] (31) .
    قال الشافعي رحمه الله لما سئل عن هذه الآية: لما حجب الله قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا. وسأله الربيع بن سليمان: أوتدين بهذا يا سيدي؟، فقال (والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا) (32) .
    وبالإضافة إلى الأدلة النقلية الصحيحة التي أوردها أهل السنة فإنهم تناولوا شبهة المعتزلة العقلية بالرد عنها عقليا ولغويا فهذا ابن حجر يورد ما عدده البيهقي من الأوجه اللغوية التي تفيدها عبارة ناظرة في كلام العرب منتهياً إلى أن أولاده بالقبول في الآية هو نظر الرؤية (33) .
    وهذا أبو بكر الباقلاني يرد عن اعتراض أبي إسحاق النصيبيني ويبين أن الرؤية لا تتم بالعين لما يستلزم ذلك من المكان (وإنما يرى بالإدراك الذي في العين، ولو كان الشيء يرى بالعين لكان يجب أن ترى كل عين قائمة، وقد علمنا أن الأجهر عينه قائمة ولا يرى شيئا . . ) ويبين أن إثبات رؤيته ليس فيه قلب لحقيقة ولا إثبات لما يتنافى مع تنزيه الله بل لما كان الله أكمل الموجودات وجب أن يكون مرئيا (والشيء إنما يرى لأنه موجود) (34) .
    وقريب من هذا المعنى يقرره ابن تيمية فهو يقول: (فكل ما كان وجوده أكمل كان أحق بأن يرى . . . والموجود الواجب الوجود أكمل الموجودات وجودا، وأبعد الأشياء عن العدم، فهو أحق بأن يرى، وإنما لم نره لعجز أبصارنا عن رؤيته لا لأجل امتناع رؤيته) (35) .
    أما الأحاديث الصحيحة التي تثبت انحراف المعتزلة عنها، فهي كثيرة وقد عقد الإمام البخاري في كتاب التوحيد بابا ترجم له بقوله باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (36) وقد أورد فيه عددا من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم التي تثبت الرؤية.
    كما عقد مسلم بابا في كتاب الإيمان لهذا الغرض ترجم له النووي بقوله: (باب معرفة طريق الرؤية) (37) سرد فيه عددا من الأخبار تثبت الرؤية منها: جاء عن جرير بن عبد الله قوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنكم سترون ربكم عيانا)). وقد أورده البخاري عن جرير في كتابي مواقيت الصلاة والتوحيد (38) ، وأورد نحوه عن أبي سعيد الخدري في كتاب التفسير (39) .
    كما خرج نحوه مسلم عن أبي سعيد الخدري في كتاب الإيمان (40) وعن أبي هريرة في كتاب الزهد والرقائق (41) .
    وخرجه أيضا ابن ماجه عن جرير في المقدمة وعن أبي هريرة في كتاب الزهد كما أورد نحوه أبو داود في كتاب السنة عن أبي هريرة وخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة عن أبي هريرة.
    فرؤية المؤمنين لربهم في الدار الآخرة لا يمكن دفعها وكل محاولة لمنعها إنما هي إبطال متعمد للحديث الصحيح، وتأويل متعسف لصريح القرآن العزيز.
    ج – إنكارهم لشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم :
    الشفاعة التي أثبتها أهل السنة أربعة أنواع:
    1- الخلاص من هول الموقف، وهي خاصة بمحمد رسول الله صلى الله عليه.
    2- الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
    3- الشفاعة في رفع الدرجات.
    4- الشفاعة في إخراج قوم من النار عصاة أدخلوها بذنوبهم.
    والمعتزلة ولئن اشترطوا في النوع الثاني من الشفاعة أن تكون خاصة بمن لا تبعة عليه فإنهم قبلوا النوعين الأول والثالث، بينما ردوا النوع الرابع (42) ، لأنهم ينكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من الأمة الإسلامية (43) مستندين إلى المتشابه من قوله تعالى: فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] ولأنها تخالف مبدأهم في الوعد والوعيد.
    وقد شذ عنهم أبو هاشم بن الجبائي حيث أقر الشفاعة مع كون الشفيع ساخطا، وقال: (قد تصح بلا توبة) (44) .
    أما القاضي عبد الجبار فيقر شفاعة الرسول ولكنه يجعلها خاصة بأهل الثواب دون أهل العقاب ولأولياء الله دون أعدائه وتتمثل شفاعته صلى الله عليه وسلم في أن يزيدهم من الفضل والتعظيم في الجنة هذا هو مفهوم الشفاعة التي يثبتها ويخطئ من ينكرها خطأ عظيما (45) مستدلا على ما ذهب إليه بقوله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [ غافر: 18]، فأهل النار عنده يستحقون (اللعن والغضب والسخط فكيف يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم، ومن حق الشافع أن يكون محبا لمن يشفع له راضيا عنه، وهذا يوجب إن كان عليه السلام يشفع لهم – أن يكون راضيا عمن سخط عليه ولعنه وذلك لا يصح) (46) .
    فهم يصدرون في إنكارهم للشفاعة عن إيمانهم بالوعد والوعيد، وعيد الله للمذنبين، ووعيده للأتقياء المطيعين، وقد سبقت كلمة الله بذلك، ولا مبدل لكلماته، فإذا خرج المؤمن من الدنيا عن طاعة وتوبة استحق الثواب وإذا خرج عن كبيرة ولم يثب خلد في النار (47) ، إذ لا يصح خروجهم منها لأنهم من أهل العقاب، ولا يجوز مع ذلك أن يكونوا من أهل الثواب لأن ذلك كالمتضاد (48) .
    وهم وإن خلدوهم في النار إلا أنهم جعلوا عذابهم أخف من عذاب الكافرين.
    وبموقفهم هذا يكونون قد أنكروا أمرا أثبت بالسنة الصحيحة، جاء في سنن أبي داود عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) (49) وبناء على ذلك فقد أتت السنة بأن الله يخرج قوما من النار بعد أن يمتحنوا بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم (50) .
    وقد يعترض بعضهم بأن الشفاعة ليست واردة في القرآن، وهذا لا يمنع ثبوتها، وكثيرة هي المسائل والأحكام التي اختصت بذكرها السنة، وقد قيل يوما لعمران بن حصين وهو جالس في المسجد: يا أبا النجيد إنكم لتحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلا في القرآن؟ فغضب عمران وقال لسائله: قرأت القرآن ؟ قال نعم. قال: فهل وجدت صلاة العشاء أربعا ووجدت المغرب ثلاثا. . ؟ إلى أن انتهى إلى ذكر الشفاعة (51) مذكرا لهم بقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [ الحشر:7 ].
    وقد استنبط العديد من الصحابة شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من القرآن نفسه، فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (إنكم يا معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا. . .[الزمر:53] الآية لكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى[الضحى:5] وهي الشفاعة) (52) .
    د – إنكارهم لمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم :
    يعود إنكار بعض المعتزلة لمعجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزات الرسل السابقين إلى تصورهم للنبوة، فقد اختلفوا فيما بينهم: هل هي جزاء أو ثواب؟ أم لا؟ فقال بعضهم: هي ثواب وجزاء على عمل صالح عمله النبي صلى الله عليه وسلم فاستحق أن يجزيه الله بالنبوة.
    وقال آخرون ليست بجزاء ولا ثواب (53) وممن قال بأنها جزاء على عمل عباد بن سليمان، وممن قال بأنها تكون ابتداء أبو علي الجبائي (54) .
    ونفي الاصطفاء عن النبوة رأي قديم أبداه بعض الفلاسفة حيث جعلوا النبوة مرتبة من المعرفة والسمو الروحي يبلغها المجتهدون الذين يتدرجون في معاناة ورياضة نفسية خاصة.
    وبذلك افتقدت النبوة جلالها وقدسيتها، وصارت لدى هؤلاء الفلاسفة ومن تأثر بهم من المعتزلة من الموضوعات التي يتناولونها بعيدا عما تستحقه من الاحترام. فهذا واصل بن عطاء يخطب فيجيد فيقول عمرو بن عبيد وكان شاهدا الجمع: "ترون لو أن ملكا من الملائكة أو نبيا من الأنبياء يزيد على هذا" (55) ؟
    بل بلغ بهم استهتارهم بمقام النبي صلى الله عليه وسلم أن جوز عليه بعضهم تعمد ارتكاب المعاصي إلا أنها لا تكون إلا صغائر (56) .
    وبناء على هذا فإن الكثير من المعتزلة يعتبرون الحجة قائمة على الناس بالعقل لا بالنبوة فحتى من لم يبلغه خبر الرسول فهو محجوج (57) لتقصيره في إعمال عقله للوصول إلى الحقيقة.
    ومن المعتزلة من نفى أن تكون المعجزات دلائل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعواه الرسالة ففلق البحر وقلب العصا حية ومحق السحر وانشقاق القمر والمشي على الماء وغيرها لا تدل في زعمهم على صدق الرسالة (58) .
    والقرآن نفسه كما ذهب إلى ذلك هشام الفوطي وعباد بن سليمان (لم يجعل علما على النبي صلى الله عليه وسلم وهو عرض من الأعراض لا يدل شيء منها على الله ولا على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (59) .
    فهل نعجب بعد هذا إذا أنكر النظام ما روي من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم من انشقاق القمر وتسبيح الحصا في يده ونبوع الماء بين أصابعه (60) ؟ فهو حين يتحدث عن رواية ابن مسعود لحديث الانشقاق يتناولها دون التزام لأي لون من ألوان الأدب إزاء الصحابة الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبوا أصحابي)) (61) فيقول:
    (وهذا من الكذب الذي لا خفاء به لأن الله تعالى لا يشق القمر له وحده ولا لآخر معه وإنما يشقه ليكون آية للعالمين): فكيف لم يعرف بذلك العامة، ولم يؤرخ الناس بذلك العام، ولم يذكره شاعر ولم يسلم عنه كافر ولم يحتج به مسلم على ملحد (62) ؟
    وفي الحقيقة فإنه بإنكاره للكثير من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم إنما يرمي إلى إنكار ثبوته (63) سيما والنظام معجب بقول البراهمة بإبطال النبوات (ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفا من السيف) (64) .
    وقد تسرب هذا التشكيك في المعجزات إلى المسيحيين البيزنطيين، يتسنمونها لرد رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا الإمبراطور باسيليوس الثاني يسال أبا بكر الباقلاني في سفرته إلى بيزنطة: هذا الذي تدعونه من معجزات نبيكم: من انشقاق القمر كيف هو عندكم؟.
    ويتصدى الباقلاني للجواب: هو صحيح عندنا انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأى الناس ذلك، إنما رآه الحضور ومن اتفق نظره في تلك الحال ويقول الملك: وكيف لم يرد جميع الناس؟
    فيجيب الباقلاني: لأن الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقوقه وحضوره ثم قاس له بالخسوف الذي لا يراه جميع أهل الأرض، وإنما يراه من كان في محاذاته ويختم بقوله: (فما أنكرت من انشقاق القمر إذ كان في ناحية أن لا يراه إلا أهل تلك الناحية، ومن تأهب للنظر له، فأما من أعرض عنه، أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر منها فلا يراه) (65) .


    تابعونا



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:48 am



    وهذا أسلوب يستخدم مع الكافرين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذين لا يؤمنون بحديثه، وإلا فقد ثبت حديث انشقاق القمر عن ابن مسعود وابن عمر وأنس وابن عباس.
    جاء عن ابن مسعود قوله: ((انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشهدوا)) (66) .
    وقد أورد محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على ترجمة باب انشقاق القمر بصحيح مسلم ما قاله القاضي عياض في هذا الموضوع وجاء فيه (انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة مخالفي الملة وذلك لمن أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل فيها، لأن القمر مخلوق لله تعالى، يفعل فيه ما يشاء، كما يفنيه ويكوره في آخر الأمر) (67) .
    وبلغت ببعض المعتزلة مناوأتهم للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم أن أنكروا إعجاز القرآن فقال النظام: إن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة فيه على صدقه في دعواه النبوة ذلك أن القرآن كتاب كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من الحلال والحرام، ووجه الدلالة في هذا الكتاب على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو ما فيه من الأخبار عن الغيوب.
    فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته فإن العباد قادرون على مثله وعلى ما هو أحسن منه في النظم والتأليف ولم يعارضه العرب لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك وسلب علومهم به وهو ما عرف عندهم بالصرفة (68) .
    وقال عيسى بن صبيح الملقب بالمردار (ت 226هـ) إن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة (69) .
    ونفى هشام الفوطي وعباد بن سليمان أن يكون شيء من الأعراض دالا على الله سبحانه أو على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كانا يزعمان أن القرآن أعراض فهو ليس علما للنبي صلى الله عليه وسلم (70) .
    وذهب ابن الراوندي الزنديق في كتابه (الدامع) إلى الطعن في نظم القرآن ومعانيه، وارتطم في إثم القول: إن في القرآن سفها وكذبا (71) إلا أن هذه الآراء الغريبة كان قد تناولها العديد من رجال الاعتزال بالطعن والتجريح والرد عليها:
    فتولى أبو الحسين الخياط وأبو علي الجبائي الرد على ابن الراوندي فنقض ما تورط فيه من الانحرافات في كتابه (الدامع) وتولى الجاحظ في كتابه (نظم القرآن) الرد على النظام في قوله بالصرفة (72) .
    ومما رد به أبو سليمان الخطابي في كتابه (إعجاز القرآن على دعوى الصرفة أن دلالة الآية تشهد بخلافه)، وهي قوله سبحانه وتعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88] فأشار القرآن إلى أمر طريقة التكلف والاجتهاد وسبيله التأهب والاحتشاد والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة فدل على أن المراد غيرها (73) .
    هـ - موقفهم من حد شارب الخمر والنبيذ:
    لقد تمسك بعض المعتزلة بالرأي الشاذ حول حد الخمر القائل: إن الرسول لم يفرض في الخمر حدا، وأنه وبعض الصحابة إنما ضربوا بالجريد والنعال والأردية وعزف هؤلاء المعتزلة عما أجمع عليه الصحابة من وجوب الحد في الخمر (74) بل وهاجموا الحد، من ذلك أن جعفر بن مبشر زعم (أن إجماع الصحابة على حد شارب الخمر كان خطأ، إذ المعتبر في الحدود: النص والتوقيف) (75) .
    والملاحظ أن النص والتوقيف متوفران، فالاتفاق كامل بين الصحابة والعلماء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلد من شرب الخمر ولكن ثمة اختلاف حول عدد الجلدات (76) .
    وقد أطنب الفقهاء والمحدثون في الحديث عن الموضوع وسرد كل الآراء مهما كانت متضاربة ومتطرفة، وقد أورد ابن حجر خلاصة حول الموضوع قال فيها: وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وإن لا قتل فيه، واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين (77) .
    والملاحظ أن حد النبيذ بدوره ثمانون جلدة (78) أي أنه مساو لحد الخمر فقد قرر الفقهاء وجوب جلد من شرب خمرا أو نبيذا مسكرا ثمانين سكر أو لم يسكر (79) .
    وخالف عمرو بن عبيد فنسب إلى الحسن البصري أنه قال: إن السكران من النبيذ لا يجلد وقد أكذبه أيوب السختياني وقال: أنا سمعت الحسن يقول: يجلد (80) .
    و - موقفهم من حد السارق:
    ومن المواطن التي خالف فيها العديد من المعتزلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم موقفهم من حد السرقة. فقد جعل القرآن الكريم قطع اليد جزاء وفاقا للسرقة فقال جل من قائل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ المائدة: 38].
    ثم جاءت السنة وحددت قيمة المسروق الذي يوجب القطع وبينت حاله كما بينت ما ينبغي القطع فيه، ومن أين يقع القطع.
    جاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم (81) وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا)) (82) على أن يكون المسروق حرزا والسارق مستغنيا عن السرقة.
    كما سن الرسول أن لا قطع في ثمر ولا كثر (83) ، وبين أن القطع إنما يكون في اليد اليمنى ومن الرسغ.
    وخالف الكثير من المعتزلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا أبو الهذيل العلاف والجبائي يفسقان سارق الدرهم من حرز (84) .
    أما جعفر بن مبشر فيزعم أن من سرق حبة أو ما دونها فهو فاسق منخلع من الإيمان مخلد في النار (85) .
    ويذهب النظام إلى أن من غصب أو سرق مائة وتسعة وتسعين درهما لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه أو غصبه وخان فيه مائتي درهم فصاعدا (86) .
    وبذلك هدموا الشرع وتحللوا من الأحكام وحكموا أهواءهم فيما يأتون وما يدعون.
    ز – تخليدهم صاحب الكبيرة في النار:
    كنا رأينا أثناء حديثنا عن أصل المعتزلة الرابع الوعد والوعيد كيف قرروا أن مرتكب الكبيرة هو في منزلة بين المنزلتين في الدنيا ومخلد في النار يوم القيامة ما لم يتب، ورأينا كيف أن مبدأهم ذلك مبني على إيمانهم بعدل الله، هذا العدل الذي جعلهم غلوهم في تصوره ينفون معه الشفاعة لأنها في رأيهم تعطل تنفيذ وعده ووعيده ولا مبدل لكلماته تعالى:
    على أننا قبل الخوض معهم في آرائهم هذه المنافية للسنة الصحيحة يحسن بنا أن نرى تعريفهم للكبائر والصغائر.
    فقد (قال قائلون منهم: كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير) (87) . وذهب جعفر بن مبشر إلى أبعد من ذلك فقد جعل ارتكاب أي لون من ألوان الذنوب والمعاصي كبيرة شريطة أن يكون مرتكبها متعمدا (88) .
    وقد غلت بعض فرق المعتزلة في الحكم على مرتكبي الذنوب، حتى أنها لم تميز بين الصغير من الذنوب والكبير. فالواصلية مثلا (تزعم أن كل مرتكب للذنب صغير أو كبير مشرك بالله) (89) ، ولعل هذا الحكم القاسي يعود إلى تسوية القدرية عموما (بين الشرك وما دونه من الكبائر في أن كلا من النوعين لا يغفر بدون التوبة، ولا يشاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين) (90) .
    إلا أن واصلا يسمي هذا المذنب موحدا وليس بمشرك ولا كافر (91) .
    وبلغ الغلو بالجبائي درجة وصف معها الكثير من أرض الإسلام والمسلمين بالكفر، وكيف لا يكون كذلك، وهم القائلون أن القرآن غير مخلوق، وأن الله سبحانه أراد المعاصي وخلقها لأن هذا كله عنده كفر، فبغداد ومصر وغيرهما على قياسه – دار كفر (92) .
    ثم إن هذه الذنوب والمعاصي عندهم لن يغفرها الله إلا بالتوبة، وإقامة الحد على المقترف للذنب لا يفيده (93) مستدلين على ذلك بقوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ المائدة: 34].
    وحين تجابهون بقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [ النساء: 48] وهو صريح في أن الله يغفر لمن يشاء من المذنبين والعصاة يلجأون إلى التأويل وإن كان متعسفا.
    يقول الزمخشري لتطويع هذه الآية لمذهبهم (الوجه أن يكون الفعل المنفي لا "يغفر" جميعا موجهين إلى قوله تعالى: لمن يشاء كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب.
    ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله (94) .
    فقد سوى بين المسلم والمشرك في وجوب التوبة مطوعا الآية لخدمة هذه التسوية (فردته ونبت عنه) (95) كما يقول صاحب كتاب (الإنصاف). لأن (الشرك غير مغفور البتة وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفر له، هذا مع عدم التوبة وأما مع التوبة فكلاهما مغفور) (96) . وهذه هي عقيدة أهل السنة و (الآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما سنرى فذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بمشيئة الله، فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة) (97) .
    ثم أن المعتزلة بعد أن أقروا أن الله لا يغفر لمن خرج من الدنيا على معصية بدون توبة لأن ذلك يتنافى مع عدله وبالتالي مع وعده ووعيده، بل ومع نظريتهم في الصلاح والأصلح، وضعوا صاحب الكبيرة في المنزلة بين المنزلتين في الحياة الدنيا وأنزلوه جهنم في الآخرة خالدا فيها غير أن عذابه أخف من عذاب الكافر (98) .
    وهو حكم يزعم جعفر بن مبشر أنه من موجبات العقول مخالفا (أسلافه الذين قالوا: إن ذلك معلوم بالشرع دون العقل (99) .
    ذلك أن أهل النار إذا دخلوها لم يصح خروجهم منها لأن في خروجهم ثوابا، فيصبح الواحد منهم من أهل الثواب، ومن أهل العقاب معا وهذا كالمتضاد (100) .
    وللمعتزلة أدلتهم فيما ذهبوا إليه من تأبيد العقاب في النار من ذلك:
    أ- قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((من قتل نفسه بحديدة, فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) (101) .
    وقد أجيب عنه بستة أجوبة منها:
    1- أن محمد بن عجلان رواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر خالدا مخلدا .
    2- أن الخلود إنما يصدق على من استحله، فله يصير باستحلاله كافرا. والكافر مخلد بلا ريب.
    3- ورد التخليد مورد الزجر والتغليظ وحقيقته غير مراده (102) .
    ب- ويستدلون أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ((إياكم والزنا فإن فيه سوء الحساب وسخط الرحمن وخلود النار)) (103) . وقوله صلى الله عليه وسلم ((من انتسب إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((من اقتطع مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار)). (104)
    ج – ومما يروونه عن خلود أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار نادى مناد بينهما: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت)) (105) .
    ويقول القاضي عبد الجبار كما ثبت خلود أهل الكفر في النار ثبت أيضا تخليد قاتل النفس والفار من الزحف وأكل مال اليتيم وغير ذلك (106) .. وبما أن الله صاحب أعظم نعمة على الإنسان فإن من عصاه ينبغي أن يعظم عقابه بعظم معصيته (وذلك يبين حسن العقاب الدائم) (107) .
    ونجد من المعتزلة من يتخلى عن الخلود كالعلاف ويقول بفناء نعيم أهل الجنة وفناء عذاب أهل النار (108) مما جعل عددا من زعماء المعتزلة يردون عنه ويوبخونه كالجبائي وأبي موسى (عيسى بن صبيح المعروف بالمردار). وقد ألف منهما كتابا ذكر فيه فضائح أبي الهذيل، ولجعفر بن حرب أحد زعماء المعتزلة كتاب سماه (توبيخ أبي الهذيل) (109) .
    وقد تصدى أهل الحديث للرد عن ضلالات المعتزلة مستندين إلى ما صح في السنة النبوية من الآثار، وقد أجمعوا على أن المعاصي ليست موجبة للخلود، فقد جاء عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا أو الحياة شك مالك فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل ، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية)) (110) . وقد عقب ابن حجر على هذا الحديث بقوله: (وأراد البخاري بإيراده، الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود) (111) فلا يلزم من إطلاق دخول النار التخليد فيها (112) .
    وإذا اعتبرت إقامة الحد كفارة لصاحبها ومجزية عن إعلان التوبة، فإن غفران ذنب من لم يقم عليه الحديث ولم يتب يبقى رهن إرادة الله وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في عصابة من صحابته ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله ، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك)) (113) .
    وإن المعتزلة القدرية بتشددهم في تخليد مرتكب الذنب في النار ما لم يتب ينطبق عليهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع) لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصر على الكبائر إن شاء، وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح التي هي بالفساد أجدر وأحق (114) .
    ح- إنكارهم لعذاب القبر:
    ومما أثبتته السنة وأنكره المعتزلة عذاب القبر. يقول الأشعري: إنهم والخوارج نفوا عذاب القبر (115) .
    ولئن جعل القاضي عبد الجبار المعتزلة ينقسمون إلى منكر لعذاب القبر ومثبت له فإنه يقول إن الذي نفاه إنما هو ضرار بن عمرو "وهو من أصحاب واصل بن عطاء" ويورد حجة المنكرين فيقول: إن الميت لما يدفن (لا يسمع ولا يبصر ولا يدرك ولا يلتذ فكيف يجوز عليه المسألة والمعاقبة مع الموت)؟ ويضيف: (وأنكر مشايخنا عذاب القبر في كل حال) (116) .
    وهذا مخالف صراحة لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه، وقد عقد البخاري بابا في كتاب الجنائز ترجم له بقوله: (باب ما جاء في عذاب القبر) (117) وقد أورد فيه عددا من الأحاديث منها:
    - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟)) الحديث (118) .
    كما أن كلا من أبي داود والنسائي والترمذي عقدوا أبوابا ترجموا لها بنحو ما ترجم له البخاري وأوردوا فيها أحاديث كثيرة تثبت كلها عذاب القبر. (137)
    المبحث الرابع: الرد على شبه المعتزلة حول الحديث النبوي (119)
    يعتبر الحديث النبوي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وهو وإن كان دونه في المنزلة، إلا أنه مثله في الحجية....
    وما أثاره المعتزلة حوله من شبه، إنما هي شبه واهية، لا تستند إلى دليل، ولا تؤيدها حجة.
    من تلك الشبه: ذمهم لتعلم الحديث، وإنكار حجية أحاديث الآحاد، ورفض الأحاديث التي تتعارض مع عقولهم وأصولهم.
    - أما ذمهم لتعلم الحديث وأهله: فهو معروف عنهم، إذ حذروا من تعلمه، وقللوا من فائدته والاستدلال به، ونصوا على أنه لا حاجة إليه، إذ اعتبروا أن العقول تغني عنه، والأذهان تكتفي بغيره.
    "وذكروا أن الواحد من أصحاب الحديث يحب الاستكثار من طريق واحد، ولا يكون فيه كبير فائدة، إلا تخير الزيادات فيه.
    "ومعلوم" أن المعتزلة لم يشتهروا بالفقه والحديث، لأنهم توفروا "اكتفوا" على ما عندهم، وهو أجدى في الدين، من طلب الفقه والحديث" (120) .
    هذا وإن ذمهم لتعلم الحديث، ينبئ عن جهلهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم به، وعدم الاعتناء والاهتمام به، ولذلك قل استدلالهم بالحديث في كتبهم.
    قال عبدالله بن المبارك: "وجدت الدين لأهل الحديث، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة، والحيل لأهل الرأي" (121) .
    - أما حجية أحاديث الآحاد: فلو ترك الاحتجاج بها، لتهاوت أركان الشريعة الإسلامية، واندثر الحق، وغاب الهدى، وصار للباطل صولة..
    والأدلة كثيرة من كتاب الله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف، بل وإجماعهم على الاحتجاج وقبول الاستدلال به كثيرة لا تحصى.. وسوف نورد فيها ما يناسب المقام:
    - قال تعالى: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة: 122]. أورد الإمام البخاري هذه الآية، في ترجمة أول باب من كتاب: (أخبار الآحاد) ليدلل بها على جواز العمل به والقول بأنه حجة (122) .
    ولفظ طَآئِفَةٌ في الآية يتناول الواحد فما فوقه، ولا يختص بعدد معين، وذلك منقول عن ابن عباس وغيره (123) .
    - وفي السنة النبوية: روى البخاري بسنده إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة).
    والحجة في هذا الحديث بينة ظاهرة، فإن أهل قباء كانوا على قبلة فرض الله عليهم التوجه إليها، وهي بيت المقدس، فتحولوا عنها بخبر الذي أخبرهم بأن النبي أمر أن يستقبل الكعبة (124) .
    - وقد قبل أبو طلحة ومن معه خبر المخبر لهم في تحريم الخمر، وهو واحد، إذ أخبرهم في تحريم ما كان حلالاً عندهم، وأكد أبو طلحة رضي الله عنه ذلك بإتلاف الجرار وهي مال، وإراقة الخمر وهي سرف، فلو لم يكن الخبر عندهم حجة لما أقدم على ذلك.
    "والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصر، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض، المجاورين لبلاد العرب، وكانوا آحاداً، وأمرهم بتعليم من أسلم، شرائع الدين، كما بعث كثيراً من أصحابه إلى جهات متعددة ليعلموا الناس شعائر الإسلام. فبعث معاذاً إلى اليمن، وأبا موسى إلى زبيد، وأبا عبيدة إلى نجران، وبعث إلى كل طائفة معلماً يعلمهم دينهم، ويبلغهم أحكام الشرع، وكانت الحجة قائمة بتبليغ كل واحد من هؤلاء على من بلغهم، وهم ملزمون بقبول ما أمرهم به" (125) .
    "وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم من سلف الأمة، بل والأمة بأسرها على قبول خبر الواحد الثقة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة، فخالفوا الإجماع" (126) .
    وقد نقل جماعة من العلماء هذا الإجماع (127) .
    أسباب ردهم لأحاديث الآحاد (128) :
    من أبرز الأسباب التي جعلتهم يقفون هذا الموقف، أن الأحاديث هذه كانت تتعارض مع ما قرروه في نظرياتهم العقدية، وأصولهم المنحرفة.
    - من ذلك قولهم في صفات الله تعالى، وتسليط عقولهم على نصوص الوحي بالتأويلات التي لا ضابط لها.
    - ومن ذلك نفيهم الأحاديث في رؤية الله تعالى يوم القيامة، رغم أن أحاديث الرؤية كثيرة بلغت حد التواتر في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين صحابياً (129) .
    ومن تلك الأحاديث ما رواه البخاري بسنده إلى جرير قال:
    ((كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا)) (130) .
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "من كذب بالرؤية فهو زنديق" (131) .
    - ومن ذلك: توسعهم في موضوع القدر، حتى جعلوه أصلاً من أصولهم الخمسة، وقد زعموا أن العقل هو الذي قادهم إلى ذلك، أما نصوص الكتاب والسنة، فلا دخل لها بشأن العدل، وما ورد من أحاديث الآحاد دالاً على ذلك، فهو ضرب من ضروب الخطأ (132) .
    - وفي قضية مرتكب الكبيرة: فالمعتزلة لا يعتمدون على نص من القرآن أو السنة في إطلاقهم الأحكام على صاحب الكبيرة، وإنما كان جل اعتمادهم على العقل، إذ تجاوزوا الأحاديث وحكموا على صاحب الكبيرة بالخلود في النار كالكافر (133) .
    - ورد المعتزلة أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة، وأنكروها أيما إنكار، وقالوا: إن النبي لا يشفع لصاحب الكبيرة ولا يجوز له ذلك؟! لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيحة.
    والفاسق إنما يستحق العقوبة على الدوام، فكيف يخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم؟ (134) .
    والأحاديث التي وردت في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ثابتة، منها أحاديث متعددة في الصحيحين، ومنها ما يكثر عدده في السنن والمسانيد (135) .
    - وقد بارك المستشرقون موقف المعتزلة من السنة النبوية، ورأوا أن وجهتهم في رد الأحاديث بالعقل هي الوجهة الصحيحة التي يجب أن تناصر وتؤيد ضد المتشددين الحرفيين الجامدين على النصوص.. فهم أهل العقل الحر والمنهج القويم، الذي يجب أن يبقى ويستمر (136) . (138)

    ***************
    هذا ما تحصلنا عليه
    وإن من تقصير فمن أنفسنا
    جزاكم الله خيرا
    **************
    لا تنسوني من صالح دعائكم


    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5204
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: فرقه المعتزله

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أغسطس 23, 2021 8:50 am



    وهذا أسلوب يستخدم مع الكافرين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذين لا يؤمنون بحديثه، وإلا فقد ثبت حديث انشقاق القمر عن ابن مسعود وابن عمر وأنس وابن عباس.
    جاء عن ابن مسعود قوله: ((انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشهدوا)) (66) .
    وقد أورد محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على ترجمة باب انشقاق القمر بصحيح مسلم ما قاله القاضي عياض في هذا الموضوع وجاء فيه (انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة مخالفي الملة وذلك لمن أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل فيها، لأن القمر مخلوق لله تعالى، يفعل فيه ما يشاء، كما يفنيه ويكوره في آخر الأمر) (67) .
    وبلغت ببعض المعتزلة مناوأتهم للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم أن أنكروا إعجاز القرآن فقال النظام: إن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة فيه على صدقه في دعواه النبوة ذلك أن القرآن كتاب كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من الحلال والحرام، ووجه الدلالة في هذا الكتاب على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو ما فيه من الأخبار عن الغيوب.
    فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته فإن العباد قادرون على مثله وعلى ما هو أحسن منه في النظم والتأليف ولم يعارضه العرب لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك وسلب علومهم به وهو ما عرف عندهم بالصرفة (68) .
    وقال عيسى بن صبيح الملقب بالمردار (ت 226هـ) إن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة (69) .
    ونفى هشام الفوطي وعباد بن سليمان أن يكون شيء من الأعراض دالا على الله سبحانه أو على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كانا يزعمان أن القرآن أعراض فهو ليس علما للنبي صلى الله عليه وسلم (70) .
    وذهب ابن الراوندي الزنديق في كتابه (الدامع) إلى الطعن في نظم القرآن ومعانيه، وارتطم في إثم القول: إن في القرآن سفها وكذبا (71) إلا أن هذه الآراء الغريبة كان قد تناولها العديد من رجال الاعتزال بالطعن والتجريح والرد عليها:
    فتولى أبو الحسين الخياط وأبو علي الجبائي الرد على ابن الراوندي فنقض ما تورط فيه من الانحرافات في كتابه (الدامع) وتولى الجاحظ في كتابه (نظم القرآن) الرد على النظام في قوله بالصرفة (72) .
    ومما رد به أبو سليمان الخطابي في كتابه (إعجاز القرآن على دعوى الصرفة أن دلالة الآية تشهد بخلافه)، وهي قوله سبحانه وتعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88] فأشار القرآن إلى أمر طريقة التكلف والاجتهاد وسبيله التأهب والاحتشاد والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة فدل على أن المراد غيرها (73) .
    هـ - موقفهم من حد شارب الخمر والنبيذ:
    لقد تمسك بعض المعتزلة بالرأي الشاذ حول حد الخمر القائل: إن الرسول لم يفرض في الخمر حدا، وأنه وبعض الصحابة إنما ضربوا بالجريد والنعال والأردية وعزف هؤلاء المعتزلة عما أجمع عليه الصحابة من وجوب الحد في الخمر (74) بل وهاجموا الحد، من ذلك أن جعفر بن مبشر زعم (أن إجماع الصحابة على حد شارب الخمر كان خطأ، إذ المعتبر في الحدود: النص والتوقيف) (75) .
    والملاحظ أن النص والتوقيف متوفران، فالاتفاق كامل بين الصحابة والعلماء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلد من شرب الخمر ولكن ثمة اختلاف حول عدد الجلدات (76) .
    وقد أطنب الفقهاء والمحدثون في الحديث عن الموضوع وسرد كل الآراء مهما كانت متضاربة ومتطرفة، وقد أورد ابن حجر خلاصة حول الموضوع قال فيها: وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وإن لا قتل فيه، واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين (77) .
    والملاحظ أن حد النبيذ بدوره ثمانون جلدة (78) أي أنه مساو لحد الخمر فقد قرر الفقهاء وجوب جلد من شرب خمرا أو نبيذا مسكرا ثمانين سكر أو لم يسكر (79) .
    وخالف عمرو بن عبيد فنسب إلى الحسن البصري أنه قال: إن السكران من النبيذ لا يجلد وقد أكذبه أيوب السختياني وقال: أنا سمعت الحسن يقول: يجلد (80) .
    و - موقفهم من حد السارق:
    ومن المواطن التي خالف فيها العديد من المعتزلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم موقفهم من حد السرقة. فقد جعل القرآن الكريم قطع اليد جزاء وفاقا للسرقة فقال جل من قائل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ المائدة: 38].
    ثم جاءت السنة وحددت قيمة المسروق الذي يوجب القطع وبينت حاله كما بينت ما ينبغي القطع فيه، ومن أين يقع القطع.
    جاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم (81) وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا)) (82) على أن يكون المسروق حرزا والسارق مستغنيا عن السرقة.
    كما سن الرسول أن لا قطع في ثمر ولا كثر (83) ، وبين أن القطع إنما يكون في اليد اليمنى ومن الرسغ.
    وخالف الكثير من المعتزلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا أبو الهذيل العلاف والجبائي يفسقان سارق الدرهم من حرز (84) .
    أما جعفر بن مبشر فيزعم أن من سرق حبة أو ما دونها فهو فاسق منخلع من الإيمان مخلد في النار (85) .
    ويذهب النظام إلى أن من غصب أو سرق مائة وتسعة وتسعين درهما لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه أو غصبه وخان فيه مائتي درهم فصاعدا (86) .
    وبذلك هدموا الشرع وتحللوا من الأحكام وحكموا أهواءهم فيما يأتون وما يدعون.
    ز – تخليدهم صاحب الكبيرة في النار:
    كنا رأينا أثناء حديثنا عن أصل المعتزلة الرابع الوعد والوعيد كيف قرروا أن مرتكب الكبيرة هو في منزلة بين المنزلتين في الدنيا ومخلد في النار يوم القيامة ما لم يتب، ورأينا كيف أن مبدأهم ذلك مبني على إيمانهم بعدل الله، هذا العدل الذي جعلهم غلوهم في تصوره ينفون معه الشفاعة لأنها في رأيهم تعطل تنفيذ وعده ووعيده ولا مبدل لكلماته تعالى:
    على أننا قبل الخوض معهم في آرائهم هذه المنافية للسنة الصحيحة يحسن بنا أن نرى تعريفهم للكبائر والصغائر.
    فقد (قال قائلون منهم: كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير) (87) . وذهب جعفر بن مبشر إلى أبعد من ذلك فقد جعل ارتكاب أي لون من ألوان الذنوب والمعاصي كبيرة شريطة أن يكون مرتكبها متعمدا (88) .
    وقد غلت بعض فرق المعتزلة في الحكم على مرتكبي الذنوب، حتى أنها لم تميز بين الصغير من الذنوب والكبير. فالواصلية مثلا (تزعم أن كل مرتكب للذنب صغير أو كبير مشرك بالله) (89) ، ولعل هذا الحكم القاسي يعود إلى تسوية القدرية عموما (بين الشرك وما دونه من الكبائر في أن كلا من النوعين لا يغفر بدون التوبة، ولا يشاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين) (90) .
    إلا أن واصلا يسمي هذا المذنب موحدا وليس بمشرك ولا كافر (91) .
    وبلغ الغلو بالجبائي درجة وصف معها الكثير من أرض الإسلام والمسلمين بالكفر، وكيف لا يكون كذلك، وهم القائلون أن القرآن غير مخلوق، وأن الله سبحانه أراد المعاصي وخلقها لأن هذا كله عنده كفر، فبغداد ومصر وغيرهما على قياسه – دار كفر (92) .
    ثم إن هذه الذنوب والمعاصي عندهم لن يغفرها الله إلا بالتوبة، وإقامة الحد على المقترف للذنب لا يفيده (93) مستدلين على ذلك بقوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ المائدة: 34].
    وحين تجابهون بقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [ النساء: 48] وهو صريح في أن الله يغفر لمن يشاء من المذنبين والعصاة يلجأون إلى التأويل وإن كان متعسفا.
    يقول الزمخشري لتطويع هذه الآية لمذهبهم (الوجه أن يكون الفعل المنفي لا "يغفر" جميعا موجهين إلى قوله تعالى: لمن يشاء كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب.
    ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله (94) .
    فقد سوى بين المسلم والمشرك في وجوب التوبة مطوعا الآية لخدمة هذه التسوية (فردته ونبت عنه) (95) كما يقول صاحب كتاب (الإنصاف). لأن (الشرك غير مغفور البتة وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفر له، هذا مع عدم التوبة وأما مع التوبة فكلاهما مغفور) (96) . وهذه هي عقيدة أهل السنة و (الآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما سنرى فذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بمشيئة الله، فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة) (97) .
    ثم أن المعتزلة بعد أن أقروا أن الله لا يغفر لمن خرج من الدنيا على معصية بدون توبة لأن ذلك يتنافى مع عدله وبالتالي مع وعده ووعيده، بل ومع نظريتهم في الصلاح والأصلح، وضعوا صاحب الكبيرة في المنزلة بين المنزلتين في الحياة الدنيا وأنزلوه جهنم في الآخرة خالدا فيها غير أن عذابه أخف من عذاب الكافر (98) .
    وهو حكم يزعم جعفر بن مبشر أنه من موجبات العقول مخالفا (أسلافه الذين قالوا: إن ذلك معلوم بالشرع دون العقل (99) .
    ذلك أن أهل النار إذا دخلوها لم يصح خروجهم منها لأن في خروجهم ثوابا، فيصبح الواحد منهم من أهل الثواب، ومن أهل العقاب معا وهذا كالمتضاد (100) .
    وللمعتزلة أدلتهم فيما ذهبوا إليه من تأبيد العقاب في النار من ذلك:
    أ- قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((من قتل نفسه بحديدة, فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) (101) .
    وقد أجيب عنه بستة أجوبة منها:
    1- أن محمد بن عجلان رواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر خالدا مخلدا .
    2- أن الخلود إنما يصدق على من استحله، فله يصير باستحلاله كافرا. والكافر مخلد بلا ريب.
    3- ورد التخليد مورد الزجر والتغليظ وحقيقته غير مراده (102) .
    ب- ويستدلون أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ((إياكم والزنا فإن فيه سوء الحساب وسخط الرحمن وخلود النار)) (103) . وقوله صلى الله عليه وسلم ((من انتسب إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((من اقتطع مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار)). (104)
    ج – ومما يروونه عن خلود أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار نادى مناد بينهما: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت)) (105) .
    ويقول القاضي عبد الجبار كما ثبت خلود أهل الكفر في النار ثبت أيضا تخليد قاتل النفس والفار من الزحف وأكل مال اليتيم وغير ذلك (106) .. وبما أن الله صاحب أعظم نعمة على الإنسان فإن من عصاه ينبغي أن يعظم عقابه بعظم معصيته (وذلك يبين حسن العقاب الدائم) (107) .
    ونجد من المعتزلة من يتخلى عن الخلود كالعلاف ويقول بفناء نعيم أهل الجنة وفناء عذاب أهل النار (108) مما جعل عددا من زعماء المعتزلة يردون عنه ويوبخونه كالجبائي وأبي موسى (عيسى بن صبيح المعروف بالمردار). وقد ألف منهما كتابا ذكر فيه فضائح أبي الهذيل، ولجعفر بن حرب أحد زعماء المعتزلة كتاب سماه (توبيخ أبي الهذيل) (109) .
    وقد تصدى أهل الحديث للرد عن ضلالات المعتزلة مستندين إلى ما صح في السنة النبوية من الآثار، وقد أجمعوا على أن المعاصي ليست موجبة للخلود، فقد جاء عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا أو الحياة شك مالك فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل ، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية)) (110) . وقد عقب ابن حجر على هذا الحديث بقوله: (وأراد البخاري بإيراده، الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود) (111) فلا يلزم من إطلاق دخول النار التخليد فيها (112) .
    وإذا اعتبرت إقامة الحد كفارة لصاحبها ومجزية عن إعلان التوبة، فإن غفران ذنب من لم يقم عليه الحديث ولم يتب يبقى رهن إرادة الله وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في عصابة من صحابته ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله ، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك)) (113) .
    وإن المعتزلة القدرية بتشددهم في تخليد مرتكب الذنب في النار ما لم يتب ينطبق عليهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع) لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصر على الكبائر إن شاء، وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح التي هي بالفساد أجدر وأحق (114) .
    ح- إنكارهم لعذاب القبر:
    ومما أثبتته السنة وأنكره المعتزلة عذاب القبر. يقول الأشعري: إنهم والخوارج نفوا عذاب القبر (115) .
    ولئن جعل القاضي عبد الجبار المعتزلة ينقسمون إلى منكر لعذاب القبر ومثبت له فإنه يقول إن الذي نفاه إنما هو ضرار بن عمرو "وهو من أصحاب واصل بن عطاء" ويورد حجة المنكرين فيقول: إن الميت لما يدفن (لا يسمع ولا يبصر ولا يدرك ولا يلتذ فكيف يجوز عليه المسألة والمعاقبة مع الموت)؟ ويضيف: (وأنكر مشايخنا عذاب القبر في كل حال) (116) .
    وهذا مخالف صراحة لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه، وقد عقد البخاري بابا في كتاب الجنائز ترجم له بقوله: (باب ما جاء في عذاب القبر) (117) وقد أورد فيه عددا من الأحاديث منها:
    - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟)) الحديث (118) .
    كما أن كلا من أبي داود والنسائي والترمذي عقدوا أبوابا ترجموا لها بنحو ما ترجم له البخاري وأوردوا فيها أحاديث كثيرة تثبت كلها عذاب القبر. (137)
    المبحث الرابع: الرد على شبه المعتزلة حول الحديث النبوي (119)
    يعتبر الحديث النبوي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وهو وإن كان دونه في المنزلة، إلا أنه مثله في الحجية....
    وما أثاره المعتزلة حوله من شبه، إنما هي شبه واهية، لا تستند إلى دليل، ولا تؤيدها حجة.
    من تلك الشبه: ذمهم لتعلم الحديث، وإنكار حجية أحاديث الآحاد، ورفض الأحاديث التي تتعارض مع عقولهم وأصولهم.
    - أما ذمهم لتعلم الحديث وأهله: فهو معروف عنهم، إذ حذروا من تعلمه، وقللوا من فائدته والاستدلال به، ونصوا على أنه لا حاجة إليه، إذ اعتبروا أن العقول تغني عنه، والأذهان تكتفي بغيره.
    "وذكروا أن الواحد من أصحاب الحديث يحب الاستكثار من طريق واحد، ولا يكون فيه كبير فائدة، إلا تخير الزيادات فيه.
    "ومعلوم" أن المعتزلة لم يشتهروا بالفقه والحديث، لأنهم توفروا "اكتفوا" على ما عندهم، وهو أجدى في الدين، من طلب الفقه والحديث" (120) .
    هذا وإن ذمهم لتعلم الحديث، ينبئ عن جهلهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم به، وعدم الاعتناء والاهتمام به، ولذلك قل استدلالهم بالحديث في كتبهم.
    قال عبدالله بن المبارك: "وجدت الدين لأهل الحديث، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة، والحيل لأهل الرأي" (121) .
    - أما حجية أحاديث الآحاد: فلو ترك الاحتجاج بها، لتهاوت أركان الشريعة الإسلامية، واندثر الحق، وغاب الهدى، وصار للباطل صولة..
    والأدلة كثيرة من كتاب الله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف، بل وإجماعهم على الاحتجاج وقبول الاستدلال به كثيرة لا تحصى.. وسوف نورد فيها ما يناسب المقام:
    - قال تعالى: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة: 122]. أورد الإمام البخاري هذه الآية، في ترجمة أول باب من كتاب: (أخبار الآحاد) ليدلل بها على جواز العمل به والقول بأنه حجة (122) .
    ولفظ طَآئِفَةٌ في الآية يتناول الواحد فما فوقه، ولا يختص بعدد معين، وذلك منقول عن ابن عباس وغيره (123) .
    - وفي السنة النبوية: روى البخاري بسنده إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة).
    والحجة في هذا الحديث بينة ظاهرة، فإن أهل قباء كانوا على قبلة فرض الله عليهم التوجه إليها، وهي بيت المقدس، فتحولوا عنها بخبر الذي أخبرهم بأن النبي أمر أن يستقبل الكعبة (124) .
    - وقد قبل أبو طلحة ومن معه خبر المخبر لهم في تحريم الخمر، وهو واحد، إذ أخبرهم في تحريم ما كان حلالاً عندهم، وأكد أبو طلحة رضي الله عنه ذلك بإتلاف الجرار وهي مال، وإراقة الخمر وهي سرف، فلو لم يكن الخبر عندهم حجة لما أقدم على ذلك.
    "والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصر، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض، المجاورين لبلاد العرب، وكانوا آحاداً، وأمرهم بتعليم من أسلم، شرائع الدين، كما بعث كثيراً من أصحابه إلى جهات متعددة ليعلموا الناس شعائر الإسلام. فبعث معاذاً إلى اليمن، وأبا موسى إلى زبيد، وأبا عبيدة إلى نجران، وبعث إلى كل طائفة معلماً يعلمهم دينهم، ويبلغهم أحكام الشرع، وكانت الحجة قائمة بتبليغ كل واحد من هؤلاء على من بلغهم، وهم ملزمون بقبول ما أمرهم به" (125) .
    "وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم من سلف الأمة، بل والأمة بأسرها على قبول خبر الواحد الثقة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة، فخالفوا الإجماع" (126) .
    وقد نقل جماعة من العلماء هذا الإجماع (127) .
    أسباب ردهم لأحاديث الآحاد (128) :
    من أبرز الأسباب التي جعلتهم يقفون هذا الموقف، أن الأحاديث هذه كانت تتعارض مع ما قرروه في نظرياتهم العقدية، وأصولهم المنحرفة.
    - من ذلك قولهم في صفات الله تعالى، وتسليط عقولهم على نصوص الوحي بالتأويلات التي لا ضابط لها.
    - ومن ذلك نفيهم الأحاديث في رؤية الله تعالى يوم القيامة، رغم أن أحاديث الرؤية كثيرة بلغت حد التواتر في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين صحابياً (129) .
    ومن تلك الأحاديث ما رواه البخاري بسنده إلى جرير قال:
    ((كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا)) (130) .
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "من كذب بالرؤية فهو زنديق" (131) .
    - ومن ذلك: توسعهم في موضوع القدر، حتى جعلوه أصلاً من أصولهم الخمسة، وقد زعموا أن العقل هو الذي قادهم إلى ذلك، أما نصوص الكتاب والسنة، فلا دخل لها بشأن العدل، وما ورد من أحاديث الآحاد دالاً على ذلك، فهو ضرب من ضروب الخطأ (132) .
    - وفي قضية مرتكب الكبيرة: فالمعتزلة لا يعتمدون على نص من القرآن أو السنة في إطلاقهم الأحكام على صاحب الكبيرة، وإنما كان جل اعتمادهم على العقل، إذ تجاوزوا الأحاديث وحكموا على صاحب الكبيرة بالخلود في النار كالكافر (133) .
    - ورد المعتزلة أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة، وأنكروها أيما إنكار، وقالوا: إن النبي لا يشفع لصاحب الكبيرة ولا يجوز له ذلك؟! لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيحة.
    والفاسق إنما يستحق العقوبة على الدوام، فكيف يخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم؟ (134) .
    والأحاديث التي وردت في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ثابتة، منها أحاديث متعددة في الصحيحين، ومنها ما يكثر عدده في السنن والمسانيد (135) .
    - وقد بارك المستشرقون موقف المعتزلة من السنة النبوية، ورأوا أن وجهتهم في رد الأحاديث بالعقل هي الوجهة الصحيحة التي يجب أن تناصر وتؤيد ضد المتشددين الحرفيين الجامدين على النصوص.. فهم أهل العقل الحر والمنهج القويم، الذي يجب أن يبقى ويستمر (136) . (138)

    ***************
    هذا ما تحصلنا عليه
    وإن من تقصير فمن أنفسنا
    جزاكم الله خيرا
    **************
    لا تنسوني من صالح دعائكم



      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 11:46 am