نسب جدنا ادريس واخبار دولته السنيه

يسري في عروق المشهد الثقافي الديني تيار من الأفكار والآراء تطرح -على أنها- للنقاش والتبادل. ويتم تمريرها في تؤدة وسلام وفق مبادئ الفكر المتحضر والتجديد كما يوهمون قُرَّاءهم، ويتم الأمر في غفلة من المهتمين والمعنيين بالأمر سواء من أولي الشأن من العلماء أو المثقفين.

يتولى هذا العمل أسماء برزت وأخرى تحاول -يعرفون بتشيعهم المقيت والمفضوح أو المخفي البائن- ويستولون أو يتموقعون على مساحات واسعة من مواقع الأنساب على وجه الخصوص -وأكثرها من تصميمهم ونشرهم- ثم يطرحون قضايا للنقاش باعتماد مراجع عافها التاريخ ورماها في المزابل وإن عادوا للمصادر -الأمهات- بحثوا عن كل شبهة فجعلوها أصلاً يُرجع إليه والأصل شبهة تتطلب قراءة وتأويلاً.

ومن ضمن ما صار متداولاً أو موضوعًا سلسًا نسب إدريس بن عبد الله الكامل وأخبار دولته وهل كانت دولة شيعية. وبعض قضايا التراث الشعبي مثل الألوان المستخدمة على أضرحة الأولياء والاحتفال بعاشوراء وربطها بتشيع البربر المزعوم. كل محاولة رد على تلك المزاعم في نفس المساحة -الموقع- تلقى المضايقة أو تنشر فتحاصر والغريب أنها تتلقى الردود المجحفة وفي الكثير من الأحيان من طرف أهل السنة -جهلاً- بالنوايا والخفايا وجهلاً بالحقائق والمعارف.

نسب إدريس وأخبار دولته السنية:

لا خلاف في أن نسب إدريس إلى أهل البيت صريح لا يحتاج تدقيقًا أو تأويلاً، وقديمًا ردت مزاعم بني الأغلب في الطعن في نسب الأدارسة. لكن المتشيعون الجدد أو شيعة المغرب العربي الذيل الإيراني المتواهي يحاولون تأطير وتأصيل تشيعهم أو انحيازهم الأعمى إلى الشيعة بمواد تاريخية ومزاعم قديمة معدلة على مقاس الثورة الإيرانية كقولهم بأن الأدارسة كانوا أو أسسوا دولة شيعية ديدنهم في ذلك جورجي زيدان بقوله إن الشيعة استقبلوا إدريس في المغرب وبايعوه(1) وهذا لا يقوم على أساس تاريخي أو اعتبارات موضوعية للأسباب التالية:

- الأول:

أن الشيعة لم يكونوا قد وصلوا المغرب فلم يكن المغرب العربي قد عرف التشيع إلا ما كان من الخوارج، والشيعة لم يظهروا إلا بعد سنة 293 هجرية زمن أبي عبيد الله الشيعي ولم تقم الدولة الفاطمية في المهدية إلا بمعونة بعض الفرق من قبيلة كتامة بعد أن قمعوا معارضيهم كما يقول القاضي النعمان في افتتاح الدعوة: "...الفتح بن يحيى المسلاتي والمهدي بن أبي كناوة رئيس ولهاصة وفرح بن جيران رئيس اجانة وفرح بن نوح رئيس لطاية وزيادة المتوسي بالإضافة إلى عمال الأغالبة..."(2).

وكان قول العامة من الناس من المعارضين حول المكتومين أو كما سَمَّوْا أنفسهم الاخوان -الفرد منهم اخانا- "...لو كان هذا الأمر فيه خير ما ستر وما هو إلا خلاف دين الإسلام..."(3) فقمعت المعارضة.

هذا من جهة ومن جهة أخرى أن دولة الأدارسة قامت قبل هذا بقرن وعشرين سنة. فالثابت في التاريخ أن إدريس أقام دولة الأدارسة بعد سنة 172 وأن الخلاف حول ضبط السنوات بسيط، فالبكري يقول إنها 170 هجرية وابن خلدون يذكر تاريخين مختلفين هما 170 و172 وابن الأبار يذكر 172 وابن الخطيب في أعمال الأعلام 172(4)

- الثاني:

القبائل التي أيدت وبايعت إدريس كانت قبائل سنية لعدة اعتبارات، أنها قبائل كانت تحت طاعة بني الأغلب عمال العباسيين. وأن المساحة الجغرافية والزمنية متباعدتين؛ فالمهدية في تونس وفاس في المغرب الأقصى وما بينهما كان الخوارج الصفرية والإباضية وقبائل همل شراة كلهم حسب تعبير اليعقوبي الذي جال المنطقة قبل سنة 287 هجرية(5).

وعلى أساس أن هذه القبائل هي قبائل بربرية زناتية "...ثم بعد ذلك أتته قبائل زناتة وأصناف البربر من أهل المغرب فبايعوه ودخلوا في طاعته فقويت أموره وتمكن سلطانه..."(6)، وهذه القبائل التي بايعت إدريس وساهمت في تقوية شوكة دولة الأدارسة هي نفسها القبائل التي ستحارب فيما بعد دولة الشيعة في جولات كثيرة ما بين سنتي 297و305 من التاريخ الهجري في مسرح من الأحداث يكشف قبح وشناعة الجرم الشيعي في التقتيل والتنكيل بأهل السنة.

ويذكر ابن عذارى "...في سنة 298 تجول -الشيعي- في بلاد البربر وحارب زناتة وصدينة وقتل الرجال وأخذ الأموال وسبى الذرية وأحرق بعض المدن بالنار وكتب إلى أبي عبيد الله بالفتوحات..."(7).

- الأمر الثالث:

أن الدليل على سنية دولة الأدارسة هي طبيعة التوظيفات التي قام بها إدريس في أهم أركان دولته:

- تعيين القاضي عامر بن محمد القيسي العالم الصالح الذي روى عن الإمام مالك وسفيان الثوري.

- الكاتب عبد الله بن مالك الخزرجي المالكي.

- مصعب بن عمير الأزدي الذي عين وزيرًا وهو من نسل عرب الفتح المجاهدين(Cool.

- طبيعة المصاهرات التي قامت بين أبناء إدريس وعرب الفتح أو المهاجرين العائدين من الأندلس.

إن أعلى الأدارسة ملكًا في آخر عهدهم وفي فترة ظهور الشيعة ألا وهو يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل كان سنيًّا بما في الكلمة من معنى ومصاحبًا لعلماء السنة؛ حيث قال صاحب روض القرطاس: "..كان ذكيًّا حافظًا للحديث. ..لم يبلغ أحدٌ من الأدارسة مبلغه..."(9).

وذكر أبو عبيد البكري نقلاً عن النوفلي أحد قضاتهم "...كان يشهد مجلس يحيى بن إدريس العلماء والشعراء وكان أحمد الشافعي من جلسائه..."(10).

المسألة الأهم هي مقارنة الأعمال التي تبين شيعية الدولة؛ فمثلاً لم تذكر كتب التاريخ أن إدريس قام بتعطيل صلاة التراويح أو زاد في أذان الفجر شيئًا بينما قام الشيعي باشنع من ذلك مما أسخط عليه أهل السنة بين قبائل كتامة، ويذكر صاحب البيان المعرب أن الشيعة أَلْغَوْا صلاة التراويح على أنها من سنة عمر بن الخطاب وعوضوها بتطويل القراءة في صلاة العشاء وزادوا في الأذان بعد حي الصلاة قولهم حي على خير العمل، وأسقط من أذان الفجر الصلاة خير من النوم(11).

وقياسًا على ما سبق نطرح جملة من التساؤلات لندحض مزاعم المتشيعين الجدد والذين لا يملكون إلا مزابل التاريخ يُقَلِّبُون في كتبها الرَّثَّة القشيبة المتهالكة:

أين ما قاله بعض المستشرقين أو جورجي زيدان وغيره مما قاله فطاحل المؤرخين مثل ابن خلدون والبكري وابن عذارى والمراكشي وابن حيان والقاضي النعمان واليعقوبي ممن يطول ذكرهم؟ أين تلك الشبهة أو السند الضائع للتصديق أو كسب مصداقية للتشيع مقابل فضائح التاريخ وأكاذيب الشيعة وجرائمهم؟

إن تزييف الحقائق لا يقود إلى نتائج صادقة أو مقولات معقولة والتاريخ لا يرحم.

أما القضية الثانية التي لا يستندون فيها إلى مرجع واضح بحيث يمكن التلاعب والتأويل هي قولهم بأن المغرب العربي كان شيعيًّا بتصرفات شعوبه وقبائلهم ودليلهم في ذلك أن قبور الأولياء وأضرحتهم محاطة باللون الأخضر ومغطاة بأغطية يغلب عليها اللون الأخضر، وهذا محض هراء، متى كان القياس على ما أُحْدِثَ بعد قيام دولة الأدارسة -بِقُرُون- دليلاً على تشيعهم، ومتى قيس أصلاً على الشاذ؟

لأن المهتمين بأمور الأولياء وأضرحتهم من العامة وأكثرهم يغلب عليهم الأُمِّيَّة الدينية التي سادت أثناء الاستعمار خاصة، بالإضافة إلى أن أشهر الأولياء هم أهل السنة، وانظر إلى قبر الشيخ عبد الرحمن الثعالبي وتقديس العامة له، وهو تلميذ الحافظ العراقي وابن الكويك وفهرسته في مروياته تثبت تمسكه وتلاميذه وشيوخهم بخدمة السنة وأهلها.

ثم إن اللون الأخضر الذي فرض على الأدارسة لتمييزهم كعمامة لا يدل على تشيعهم وهم على المذهب المالكي في الفقه، وعقيدة أهل السنة غالبة عليهم.

الأمر الثاني هو الاحتفال بعاشوراء التي تتطلب توضيح وخاصة وأن الكثير يتخذها دليلاً على شيعية السكان ظلمًا وبهتانًا لأن المعايشة تكشف أن نية الناس في الاحتفال بيوم عاشوراء أو بداية السنة الهجرية عادة وبدعة منكرة -شرعًا- لكن لا ترتبط بقصة الحسين ولا تعرف الناس القصة أصلاً بتفاصيلها، ويجري الاحتفال كعملية مقابلة لاحتفالات المسيحيين ببداية السنة الميلادية واحتفال البربر بالسنة "التيفغانية" وهي ما يسمى في المغرب العربي "الناير" وهي في 12 من شهر يناير أو جانفي الأعجمي؛ أي أن تقليد قوم لأقوام آخرين ليس دليلاً على التشيع بل هو منافسة ابتكرتها العامة ولم يقل بها شرع أو عالم أو دولة فلا يقاس عليها.

دائماً تأتى لنا بكل جديد ومميز
نشكرك على معلوماتك الفياضة
ونرجوا أن لا تغيب عن منتداك
نحن فى حاجة دائمة لك