وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينن سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ وَعَلَى الِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
تعريفُ العِيد، وحِكَمُه، وحُكمُ صلاتِه
أولاً : تعريف العِيد
العِيد: الموسِمُ، وكلُّ يومٍ فيه جَمْعٌ؛ فهو اسمٌ لِمَا يعودُ من الاجتماعِ العامِّ على وجهٍ مُعتادٍ، عائدٍ بعودِ السَّنةِ، أو بعودِ الشَّهر، أو الأُسبوع، أو نحوِ ذلِك
اثانياً : عددُ أعيادِ المُسلِمينَ
للمُسلِمينَ عِيدانِ: عيدُ الفِطرِ، وهو: أوَّلُ يومٍ من شوَّال،
وعيد الأضحى، وهو: اليومُ العاشرُ من ذي الحجَّة، وليس للمُسلمين عيدٌ غيرُهما إلَّا يوم الجُمُعة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومانِ يَلعَبونَ فيهما، فقال: ((قدْ أبْدَلكم اللهُ تعالى بهما خيرًا منهما؛ يومَ الفِطرِ والأضحى ))
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ
شرَع اللهُ لهذه الأمَّة الفرحَ والسرورَ بتمام نِعمته، وكمالِ رحمته؛ فعيدُ الفِطر يأتي بعدَ تمام صيامهم الذي افترَضَه عليهم كلَّ عامٍ، فإذا أتمُّوا صيامَهم أعتَقَهم من النارِ؛ فشَرَع لهم عيدًا بعد إكمالِ صِيامِهم، وجعله يومَ الجوائز، يرجعون فيه مِن خروجهم إلى صلاتِهم وصَدَقتِهم بالمغفرةِ، وتكون صدقةُ الفطرِ وصلاةُ العيدِ شُكرًا لذلك. وشرَعَ لهم عِيدَ الأضحى عند تمامِ حجِّهم بإدراكِ الوقوفِ بعرفةَ، وهو يومُ العِتقِ من النارِ، ولا يَحصُلُ العتقُ من النارِ، والمغفرةُ للذنوبِ والأوزارِ في يومٍ من أيَّامٍ السَّنة أكثرَ منه؛ فجعَلَ الله عقبَ ذلك عيدًا؛ بل هو العيدُ الأكبر، فيُكمل أهلُ الموسمِ فيه مناسِكَهم
من حِكَم مَشروعيَّةِ صلاةِ العِيدِ:
1- التنويهُ بشعائرِ الإسلام؛ فإنَّ صلاةَ العيدين من أعظمِ شعائره، والناسُ يجتمعون لها أعظمَ من الجُمُعة، وقد شُرِع فيها التكبيرُ
2- أنَّ كلَّ أمَّةٍ لا بدَّ لها من عَرضةٍ، يجتمع فيها أهلُها؛ لتظهرَ شوكتُهم، وتُعلَمَ كثرتُهم؛ ولذلك استُحبَّ خروجُ الجميع، حتى الصِّبيانِ والنِّساءِ، وذواتِ الخدورِ، والحُيَّضِ. واستُحبَّ كذلك مخالفةُ الطِّريق ذَهابًا وإيابًا؛ ليطلعَ أهلُ كِلتا الطريقينِ على شوكةِ المسلمين
3- الشُّكر لله تعالى على ما أَنعم اللهُ به، من أداءِ العبادات المتعلِّقة بهما؛ فعيد الفطر:
شُكرًا للهِ تعالى على إتمامِ صومِ شهرِ رمضانِ، وعيد الأضحى:
شُكرًا على العباداتِ الواقعاتِ في العشرِ، وأعظمهما: إقامةُ وظيفةِ الحجِّ
صلاةُ العِيدينِ مشروعةٌ بالإجماعِ واختَلف أهلُ العِلمِ في حُكمِها، على ثلاثةِ أقوال:
القول الأوّل: أنَّ صلاةَ العيدينِ واجبةٌ على الأعيانِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة، وبه قال ابنُ حبيبٍ من المالِكيَّة، وهو روايةٌ عن أحمد، واختاره ابنُ تيميَّة، وابنُ القيِّم، والصَّنعانيُّ، والشوكانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة: أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2]
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا أمرٌ من الله، والأمر يَقتضي الوجوبَ
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: (أمَرَنا- تعني النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن نُخرِجَ في العِيدينِ: العواتقَ، وذواتِ الخدورِ، وأَمَر الحُيَّضَ أنْ يعتزِلْنَ مُصلَّى المسلمينَ )
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الأمرَ بخروج النِّساء يقتضي الأمرَ بالصَّلاة؛ وذلك لأنَّ الخروجَ وسيلةٌ إلى الصَّلاة، ووجوب الوسيلةِ يستلزمُ وجوبَ المتوسَّل إليه، وإذا أمر بذلك النساءَ، فالرِّجالُ من باب أَوْلى
ثالثًا: أنَّ صلاة العيدينِ مِن أعظمِ شعائرِ الإسلامِ، والناسُ يَجتمعون لها أعظمَ مِنَ الجُمُعةِ، وقد شُرِع فيها التكبيرُ، فلو كانتْ سُنَّةً فربَّما اجتمع الناسُ على تركِها، فيفوتُ ما هو من شعائرِ الإسلامِ؛ فكانت واجبةً صِيانةً لِمَا هو من شعائرِ الإسلامِ عن الفوتِ
رابعًا: أنَّها صلاةٌ شُرِعتْ لها الخُطبة؛ فكانتْ واجبةً على الأعيانِ، كالجُمعةِ
القول الثاني: أنَّها سُنَّةٌ مؤكَّدة، وهو مذهبُ المالِكيَّة، والشافعيَّة، وقولٌ للحنفيَّة، وروايةٌ عن أحمد، واختارَه داودُ الظاهريُّ، وهو قولُ عامَّة أهلِ العِلمِ من السَّلفِ والخَلفِ
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسألُه عن الإسلامِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ اللهُ على عبادِه، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أنْ تطوَّع ))
2- عن عبدِ اللهِ بن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَثَ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه إلى اليَمنِ، فقال: ادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ قد افتَرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ... )) الحديث
ثانيًا: أنَّ صلاةَ العيدينِ صلاةٌ مؤقَّتة، لا تُشرَعُ لها الإقامةُ؛ فلم تجِبِ ابتداءً بالشرعِ كصلاةِ الاستسقاءِ والكسوفِ
ثالثًا: أنَّ صلاةَ العيدينِ لو كانتْ واجبةً لوجَبَتْ خُطبتُها، ووجَب استماعُها كالجُمُعةِ
القول الثالث: صَلاةُ العِيدينِ فَرضُ كفايةٍ، وهو مذهبُ الحَنابِلَةِ، وقولٌ عند الحَنَفيَّة، وقولٌ للمالكيَّة، وقولٌ عند الشافعيَّة، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة
أولًا: الأدلَّة على وُجوبِها قال اللهُ تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2]
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا أمرٌ مِنَ اللهِ، والأمر يَقتضي الوجوبَ
ثانيًّا: لأنَّها لو لم تجِبْ لم يجبْ قتالُ تاركيها، كسائرِ السُّننِ؛ يُحقِّقه أنَّ القتالَ عقوبةٌ لا تتوجَّه إلى تاركِ مندوبٍ، كالقَتْلِ والضربِ
ثالثًا: لأنَّها إظهارٌ لأبَّهةِ الإسلامِ
أدلَّة كونِها على الكِفايةِ:
أولًا: من السُّنَّة
عن طلحةَ بن عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ نجدٍ، ثائر الرأس، نَسمَع دويَّ صوته ولا نَفْقَهُ ما يقولُ، حتى دنا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هو يسألُ عن الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، فقال: هل عليَّ غيرُهنَّ؟ قال: لا؛ إلَّا أنْ تطوَّع، وصيامُ شهرِ رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلَّا أن تطوَّع، وذكر له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الزكاةَ؛ فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أن تطوَّع، قال، فأدْبَر الرجلُ، وهو يقول: واللهِ لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ منه! فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفْلَحَ إنْ صَدَق ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ قوله: (إلا أن تَطَوَّع) استثناء من قوله: (لا) أي لا فرضَ عليك غيرها
ثانيًا: أنَّها لا يُشرع لها الأذانُ، فلم تجبْ على الأعيانِ، كصلاةِ الجنازةِ
ثالثًا: لأنَّها لو وجبتْ على الأعيانِ لوجبتْ خُطبتُها، ووجَب استماعُها كالجُمعةِ
رابعًا: لأنَّها صلاةٌ يتوالَى فيها التكبيرُ في القيامِ، فكانتْ فرضًا على الكِفايةِ، كصلاةِ الجنازةِ
يُسنُّ للنِّساءِ حضورُ صلاةِ العيدِ، وهو مذهبُ المالِكيَّة، والشافعيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ اختارَها ابنُ حامد، والمجدُ، وهو اختيارُ ابنِ باز، وابنِ عُثيمين
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن أمِّ عَطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (أَمرَنا- تعني النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنْ نُخرِجَ في العيدينِ، العواتقَ، وذواتِ الخدورِ وأمَرَ الحُيَّضَ أن يعتزِلْنَ مُصلَّى المسلمينِ)،
وفي روايةٍ: (كنَّا نُؤمَر أن نَخرُجَ يوم العيدِ، حتى تَخرُجَ البكرُ من خِدرهِا، وحتى يَخرجَ الحُيَّضُ فيكُنَّ خلفَ الناس، فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم، ويَدْعونَ بدعائِهم؛ يرجونَ بركةَ ذلك اليومِ وطُهرتَه)
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه علَّل خروجهنَّ بشهودِ الخيرِ ودعوةِ المسلمينَ، ولو كان واجبًا ما علَّل بذلِك
2- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَمْنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ ))
3- عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَمنَعوا إماءَ اللهِ مَساجدَ اللهِ ))
خامساً : خروجُ الصِّبيانِ إلى صلاةِ العيدِ
يُستحبُّ إخراجُ الصِّبيانِ إلى صلاةِ العيدِ؛ نصَّ على ذلك المالِكيَّة، والشافعيَّة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (خرجتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ فِطرٍ أو أضحى، فصلَّى ثم خطَب، ثم أتى النِّساءَ، فوَعظهنَّ وذكَّرهنَّ، وأمرهنَّ بالصَّدقةِ )
2- عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعتُ ابنَ عبَّاس، وقيل له: أشهدتَ الخروجَ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ العيد؟ قال: (نعم، ولولا مكانِي منه ما شهدتُه معه من الصِّغرِ؛ خرَج حتى أتى العَلَمَ الذي عند دارِ كَثيرِ بن الصَّلتِ، فصلَّى، ثم خطَب، ثم أتى النِّساءَ ومعه بلالٌ، فوَعَظهنَّ، وذكَّرهنَّ، وأمرهنَّ بالصَّدقةِ، فرأيتهنَّ يَرمِينَ بأيديهنَّ، ويقذِفْنَه في ثوبِ بلال، ثم انطلق هو وبلالٌ إلى بيتِه )
ثانيًا: أنَّ في إخراجهم إظهارًا لشعائرِ الإسلامِ
أولاً : هل يُشترطُ إذْنُ الإمامِ لإقامةِ صَلاةِ العِيدِ؟
لا يُشترَطُ إذنُ الإمامِ لإقامةِ صلاةِ العيدِ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَةِ على الأصحِّ
وذلك لأنَّها تصحُّ مِنَ الواحدِ في القضاء؛ فلا يُشترَطُ ذلك لصحَّتِها
الثَّاني: الاستيطانُ
مِن شروطِ صلاةِ العيدِ الاستيطانُ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال الشافعيُّ في القديمِ، وبه قال الأكثرون
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يصلِّ صلاةَ العيد في سفرِه ولا خُلفاؤه؛
وقد كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسافر أسفارًا كثيرة، قد اعتمَر ثلاثَ عُمَرٍ سوى عُمرةِ حجَّته، وحجَّ حجَّةَ الوداع ومعه ألوف مؤلَّفة، وغزا أكثرَ من عشرين غزاةً ولم يَنقُل عنه أحدٌ قطُّ أنه صلَّى في السَّفَر لا جُمعة ولا عيدًا، بل كان يُصلِّي ركعتين ركعتين في جميعِ أسفاره
ثانيًا: أنَّه لم يكن أحدٌ يصلِّي صلاةَ العيد بالمدينة إلَّا معه، كما لم يكونوا يُصلُّونَ الجُمُعةَ إلَّا معه، وكان بالمدينةِ مساجدُ كثيرةٌ، لكلِّ دارٍ من دُور الأنصار مسجد، ولهم إمامٌ يُصلِّي بهم، والأئمَّة يُصلُّون بهم الصلوات الخمس، ولم يكونوا يُصلُّون بهم لا جُمُعة ولا عيدًا؛ فعُلم أنَّ العيد كان عندهم مِن جنسِ الجُمُعة، لا من جِنس التطوُّع المطلَق، ولا من جنس صلاةِ الجنازةِ
ثالثًا: أنَّ صلاةَ العيدِ ما ثبتَتْ بالتوارثِ من الصَّدر الأول إلَّا في الأمصارِ
ثالثاً : وجودُ الجماعةِ
مِن شروطِ صلاةِ العيدِ أن تكونَ في جماعةٍ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة والحَنابِلَة، وبه قال الشافعيُّ في القديم؛
وذلك لأنَّها صلاةٌ لها خُطبةٌ راتبةٌ أَشبهتِ الجُمُعةَ
رابعاً : الوَقْت
أولاً : أوَّلُ وقتِ صلاةِ العِيدينِ
أوَّلُ وقتِ صلاةِ العيدينِ حين ارتفاعِ الشَّمسِ قِيدَ رُمحٍ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وهو وجهٌ للشافعيَّة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانا أنْ نُصلِّي فيهنَّ، أو أنْ نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفِعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشَّمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تَغرُبَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ما قبل طلوع الشَّمس قِيد رُمْح وقتَ نهي عن الصَّلاة فيها، فلم يكُن وقتًا للعيدِ كقبلِ طلوعِ الشَّمس
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا طَلَع حاجبُ الشمسِ فأَخِّروا الصلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غاب حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تغيبَ، ولا تَحيَّنوا بصلاتِكم طلوعَ الشمس، ولا غُروبَها؛ فإنَّها تَطلُع بين قَرنَي شيطانٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الوقتَ من طلوعِ الشمسِ إلى ارتفاعِها وقتٌ نُهِيَ عن الصلاة فيه؛ فلم يكُن وقتًا للعيدِ، كقبل طلوعِ الشَّمسِ
3- عن يَزيدَ بنِ خُمَيرٍ الرحبيِّ، قال: ((خرَج عبدُ اللهِ بنُ بُسرٍ- صاحِبُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في يوم عيدِ فطرٍ أو أضحى، فأنكر إبطاءَ الإمام، وقال: إنَّا كنَّا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد فَرَغْنا ساعتَنا هذه، وذلِك حين التَّسبيح ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
في قوله: ((وذلِكَ حين التَّسبيح))، أي: وقتها حينَ يُصلَّى صَلاة الضَّحى إذا مضَى وقتُ الكراهةِ
ثانيًا: أنَّه حُكِي الإجماعُ على أنَّ فِعلها في هذا الوقتِ أفضلُ، وما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليفعلَ إلَّا الأفضلَ
ثالًثا: أنَّه المتوارَث في هذه الأمَّة من بعدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فيجب اتِّباعُه
رابعًا: أنَّه لو كانَ لصلاةِ العيدِ وقتٌ قبلَ طلوعِ الشَّمس قِيدَ رُمح، لكان تقييدُه بطلوعِ الشمس تحكُّمًا بغيرِ نصٍّ، ولا معنى نصٍّ، ولا يجوزُ التوقيتُ بالتحكُّم
ثانياً: آخِرُ وقتِ صلاةِ العِيدينِ
يَستمرُّ وقتُ صَلاةِ العِيدينِ إلى الزَّوالِ.
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
عن أبي عُميرِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ، قال: ((حدَّثني عُمومتي، من الأنصارِ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا: أُغْمَي علينا هلالُ شوال، فأصبحنا صيامًا، فجاءَ ركبٌ من آخِر النهار، فشهِدوا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم رأوُا الهلالَ بالأمس، فأمَرَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُفطِروا، وأنْ يَخرُجوا إلى عيدِهم من الغدِ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنه لو كان الوقتُ باقيًا لَمَا أخَّرها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الغدِ
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ، وابنُ رُشدٍ، والخطيبُ الشربينيُّ، والشوكانيُّ
ثالثاً : تَعجيلُ صلاة الأضحى وتأخيرُ صلاة الفِطر
يُستحبُّ أن تُقدَّمَ صلاةُ عيد الأضحى في أوَّل وقتِها، وأنْ تُؤخَّر صلاةُ عيد الفطرِ عن أوَّلِ وقتها، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وقولٌ للمالكيَّة، وحُكِي الإجماعُ على ذلك؛ وذلك لأنَّ تأخيرَ صلاةِ عيد الفِطرِ مناسبٌ حتى يتَّسعَ الوقتُ لأداء صدقةِ الفطرِ، وتعجيلَ صلاةِ عيدِ الأضحى والتخفيفَ فيها مناسبٌ؛ لشُغلِ الناس في ذبائحِهم
الفرع الرابع: قَضاءُ صَلاةِ العيدِ لِمَن فاتتْه مع الجماعةِ
اختَلَف أهلُ العلمِ في قضاءِ صلاةِ العيدِ إذا أُقيمتْ وفاتتْ بعضَ الناسِ، وذلك على قولين:
القول الأوّل: لا تُقضَى صلاةُ العيدِ لِمَن فاتتْه مع الجماعةِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة، واختارَه داودُ الظاهريُّ، وابنُ تيميَّة، وابنُ عُثيمين؛ وذلك لأنَّها صلاةٌ شُرِعت على وجهِ الاجتماعِ، فلا تُقضَى إذا فاتَتْ كصلاةِ الجُمُعةِ
القول الثاني: تُقضَى صلاةُ العيدِ لِمَن فاتتْه مع الجماعةِ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة على الصَّحيح، والحَنابِلَة، وبه قالت طائفةٌ من السَّلَف
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال نبيُّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نسِي صلاةً، أو نامَ عنها، فكفَّارتها أن يُصلِّيَها إذا ذكَرها ))
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يقول: ((إذا أُقيمتِ الصلاةُ فلا تأتوها تَسعَونَ، وأتُوها تَمشُونَ وعليكم السَّكينةُ؛ فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكم فأتمُّوا ))
ثانيًا: أنَّها قضاءُ صلاةٍ؛ فكانتْ على صِفتِها كسائرِ الصَّلواتِ
خامساً: صلاةُ العيدِ إذا لم تُؤدَّ جماعةً في وقتِها
يُشرَعُ قضاءُ صلاةِ العيدِ في اليوم الثاني إذا لم يُعلَمْ بثبوتِ رؤيةِ الهلالِ إلَّا بعدَ الزَّوالِ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ العُلماءِ
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
عن أبي عُميرِ بنِ أنسٍ، عن عُمومةٍ له من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ ركبًا جاؤوا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشهَدون أنَّهم رأوُا الهلالَ بالأمسِ، فأمَرَهم أن يُفطِروا، وإذا أصبَحوا يُغدُوا إلى مصلَّاهم ))
ثانيًا: ولأنَّها صلاةٌ مؤقَّتة، فلا تَسقُط بفواتِ الوقتِ، كسائرِ الفرائضِ
يُستحَبُّ الخروجُ لصلاةِ العيدِ إلى المصلَّى في الصحراءِ خارجَ البلدِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وهو وجهٌ للشافعيَّة، وحُكي إجماعُ المسلمين على ذلك
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَغدُو إلى المصلَّى والعَنَزةُ بين يَديه تُحمَل، وتُنصَبُ بالمصلَّى بين يديه، فيُصلِّي إليها ))
2- وعن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرُجُ يومَ الفِطرِ والأضحى إلى المصلَّى ))
ثانيًا: فِعل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخلفائِه الراشدين؛ فإنَّهم كانوا يُصلُّونها في الصَّحراءِ، ولولا أنَّ هذا أمرٌ مقصودٌ لم يُكلِّفوا أنفسَهم ولا الناسَ أن يَخرُجوا خارجَ البلدِ بل ذكَر ابنُ قُدامةَ أنَّه إجماعُ الناس؛ يخرجون إلى المصلَّى مع شرفِ مسجدِه
ثالثًا: أنَّ العملَ على هذا في مُعظمِ الأمصارِ
رابعًا: أنَّه أوقعُ لهيبةِ الإسلامِ، وأظهرُ لشعائرِ الدِّينِ
خامسًا: أنَّ الناسَ يَكثُرونَ في صلاةِ العيد، فيَضيقُ عليهم المسجدُ في العادةِ، ويَحصُلُ الزحامُ، وربَّما اختلَطَ الرِّجالُ بالنِّساءِ، فكان من المناسبِ الخروجُ إلى المصلَّى
ثانياً : : صَلاةُ العِيدينِ في مَكَّةَ
الأفضلُ لأهلِ مَكَّةَ إقامةُ صلاةِ العيدِ في المسجِدِ الحرامِ.
الأدلَّة: أولًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ، وابنُ عبد البَرِّ، والنوويُّ
ثانيًا: أنَّ الصَّلاةَ في الصَّحراءِ في مكَّةَ صعبةٌ؛ لأنَّها جبالٌ وأودية، فيشقُّ على الناسِ أن يَخرُجوا
ثالثًا: لخصوصيةِ المسجدِ الحرامِ؛ حيث إنَّ الصلاةَ فيه خيرٌ من مائةِ ألْفِ صلاةٍ في غيرِه
ثالثاً : إقامةُ صلاةِ العِيدينِ داخلَ المسجدِ
يَجوزُ بلا كراهةٍ صلاةُ العيدِ في المسجدِ إنْ كان لعُذرٍ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماع: نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ
لا يُشرَعُ لصلاةِ العيدِ أَذانٌ ولا إقامةٌ.
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عنِ ابنِ جُريجٍ، قال: أخبَرني عطاءٌ، عن ابن عبَّاسٍ، وعن جابرِ بن عبد الله الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهم، قالَا: (لم يَكُن يُؤذَّنُ يومَ الفطرِ ولا يومَ الأضحى. ثم سألتُه (أي: سأل ابنُ جُريجٍ عطاءً) بعد حينٍ عن ذلِك؟ فأخبرني، قال: أخبرني جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ: أنْ لا أذانَ للصلاةِ يوم الفِطر، حين يخرُج الإمام، ولا بعدَما يخرُجُ، ولا إقامةَ، ولا نِداءَ، ولا شيءَ، لا نِداءَ يومئذٍ، ولا إقامةَ)
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((شهدتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصلاةَ يومَ العيدِ، فبدأ بالصَّلاةِ قبلَ الخُطبة بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ ))
3- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((شهدتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العيدينِ غيرَ مرَّةٍ، ولا مرَّتينِ بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ ))
ثانيًا: من الآثار
عن عطاءٍ، أنَّ ابنَ عبَّاس، أرسل إلى ابنِ الزُّبيرِ أوَّلَ ما بُويعَ له: (أنَّه لم يكُن يُؤذَّن للصَّلاةِ يومَ الفِطرِ، فلا تُؤذِّنْ لها، قال: فلم يُؤذِّنْ لها ابنُ الزُّبَيرُ يومَه )
ثالثا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ، والباجيُّ، وابنُ رُشد، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ
: حُكمُ النِّداءِ لصلاةِ العِيدينِ بـ"الصَّلاةَ جامعةً":
لا يُشرَعُ قولُ: (الصَّلاةَ جامعةً) في النِّداء لصلاةِ العيدين، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ، واختارَه ابنُ قُدامةَ، وابنُ تَيميَّة، وابنُ القيِّم، والصَّنعانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة: أولًا: مِنَ السُّنَّة
عن ابنِ جُريجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ، عن ابن عبَّاسٍ، وعن جابرِ بن عبد اللهِ الأنصاريِّ، قالا: (لم يكُن يُؤذَّن يومَ الفِطرِ، ولا يومَ الأضحى، قال ابنُ جُريج: ثم سألتُه (يعني عطاءً) بعد حينٍ عن ذلِك، فأخبرني قال: أخبرني جابرُ بنُ عبد الله الأنصاريُّ أنْ لا أذانَ للصلاةِ يومَ الفِطر حين يخرُج الإمام، ولا بعدَما يخرُج، ولا إقامةَ، ولا نِداءَ، ولا شيءَ؛ لا نِداءَ يومئذٍ، ولا إقامةَ
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قوله: (لا أذانَ... ولا إقامةَ ولا شيءَ) يدلُّ على أنَّه لا يُقال أمامَ صلاةِ العيدِ شيءٌ من الكلامِ
ثانيًا: عدمُ ورودِه مع تكرُّرِ تعييدِه عليه الصلاة والسلام، وقد استسقى، ولم يُنقَلْ عنه فيه نداءٌ كما نُقِل عنه في الكسوفِ، مع أنَّ صلاةَ الكسوفِ كانتْ أقلَّ، ولو كان ذلك معلومُا من فِعله لَنُقِل كما قد نُقِل غيرُه بالرِّواياتِ المشهورةِ
ثالثًا: أنَّه لا حاجةَ له؛ فإنَّ يومَ العيد يومٌ معلومٌ، مُجتمَع له، قد أعدُّوا له؛ فأغنى اجتماعُهم له عن النِّداء، ولم يبقَ للنداء فائدةٌ إلَّا الإعلان بنفس الدخولِ في الصلاة، وهذا يحصُلُ بالتكبيرِ والمشاهدةِ
-
التالي :-
الأربعاء أكتوبر 30, 2024 8:59 pm من طرف عبدالله الآحد
» تأكيد العمل بسنن الفطرة
الأربعاء أكتوبر 30, 2024 2:46 pm من طرف عبدالله الآحد
» الإقعاء منه المكروه ومنه السنة
الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:36 pm من طرف عبدالله الآحد
» النفي في صفات الله سبحانه عز وجل
الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 11:53 am من طرف عبدالله الآحد
» خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 11:02 am من طرف صادق النور
» قال الإمام عبد الغني المقدسي فكما لا يثبت إلا بنص شرعي كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي
الأحد أكتوبر 27, 2024 3:42 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
السبت أكتوبر 26, 2024 8:16 pm من طرف صادق النور
» لا يشرع رفع اليدين في السجود والجلوس
السبت أكتوبر 26, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد
» نتبع القرآن والسنة ولا نبتدع
الجمعة أكتوبر 25, 2024 4:40 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( 2 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الخميس أكتوبر 24, 2024 4:22 pm من طرف صادق النور