:: الوَلاء والبَراءُ ::
:: تَعريفُ الوَلاءِ والبَراءِ ::
: تَعريفُ الوَلاءِ لُغةً :
الوَلاءُ: هو المحبَّةُ والنُّصرةُ والقُربُ، يقال: والى فُلانٌ فُلانًا: إذا أحَبَّه.
وكلُّ مَن انَضَمَّ إليك، فَعَزَّ بِعِزِّك وامتنع بمَنَعَتِك، فهو مَوْلاك؛ ولهذا تُسَمَّى العَصَبَةُ وبنو العَمِّ مَوَالِيَ، وأصلُ (ولي): يدُلُّ على قُربٍ
: تَعريفُ الوَلاءِ اصطِلاحًا :
الوَلاء اصطِلاحًا: هو مُوافَقةُ العَبدِ لرَبِّه فيما يُحِبُّه ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتِقاداتِ والذَّواتِ، ويَلزَمُ مِن ذلك المَحَبَّةُ والنُّصرةُ للهِ ولرَسولِه ودينِه وعامَّةِ المُؤمِنينَ،
ويُطلَقُ الوَلاءُ على الميراثِ الذي يَستَحِقُّه المرءُ بسَبَبِ عِتْقِ شَخصٍ في مِلْكِه، أو بسَبَبِ عَقدِ المُوالاةِ،
والمرادُ هنا المعنى الأوَّلُ، فمَحَلُّ الوَلايةِ الأُمورُ المحبوبةُ للهِ .
قال اللهُ تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس: 62 - 64] .
وقال اللهُ سُبحانَه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71] .
وقال اللهُ تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 55، 56].
قال ابنُ جريرٍ: (يعني تعالى ذِكْرُه بقَولِه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ليس لكم -أيُّها المُؤمِنونَ- ناصِرٌ إلَّا اللهُ ورَسولُه والمؤمِنونَ، الذين صِفَتُهم ما ذَكَر تعالى ذِكْرُه،
فأمَّا اليَهودُ والنَّصارى الذين أمَرَكم اللهُ أن تَبَرَّؤوا مِن وَلايتِهم، ونهاكم أن تتَّخِذوا منهم أولياءَ؛ فلَيسُوا لكم أولياءُ ولا نُصَراءُ،
بل بَعْضُهم أولياءُ بَعضٍ، ولا تتَّخِذوا منهم وَلِيًّا ولا نصيرًا) .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] أي: في التَّوالي والتَّعاضُدِ والتَّراحُمِ، وهو في معنى قَولِه تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71] ) .
وقال السَّعديُّ: (لَمَّا نهى عن وَلايةِ الكُفَّارِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى وغيرِهم، وذَكَر مآلَ توَلِّيهم أنَّه الخُسرانُ المُبِينُ، أخبَرَ تعالى مَن يَجِبُ ويتعَيَّنُ توَلِّيه، وذكَرَ فائِدةَ ذلك ومَصلَحتَه، فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فوَلايةُ اللهِ تُدرَكُ بالإيمانِ والتَّقوى؛ فكُلُّ من كان مُؤمِنًا تَقيًّا كان لله وَلِيًّا، ومَن كان وَلِيًّا للهِ فهو وَلِيٌّ لرَسولِه، ومن توَلَّى اللهَ ورَسولَه، كان تمامُ ذلك توَلِّي مَن توَلَّاه، وهم المؤمِنونَ الذين قاموا بالإيمانِ ظاهِرًا وباطِنًا، وأخلَصوا للمَعبودِ، بإقامتِهم الصَّلاةَ بشُروطِها وفُروضِها ومُكَمِّلاتِها، وأحسَنوا للخَلْقِ، وبَذَلوا الزَّكاةَ مِن أموالِهم لمُستَحِقِّيها منهم.
وقَولُه: وَهُمْ رَاكِعُونَ أي: خاضِعونَ لله ذليلونَ؛
فأداةُ الحَصْرِ في قَولِه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا تدُلُّ على أنَّه يجِبُ قَصْرُ الوَلايةِ على المذكورينَ، والتبَرِّي مِن وَلايةِ غَيرِهم.
ثمَّ ذَكَر فائِدةَ هذه الوَلايةِ، فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ أي: فإنَّه مِنَ الحِزبِ المضافِينَ إلى اللهِ إضافةَ عُبوديَّةٍ ووَلايةٍ، وحِزبُه هم الغالِبونَ الذين لهم العاقِبةُ في الدُّنيا والآخِرةِ،
كما قال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 173] ، وهذه بِشارةٌ عَظيمةٌ لِمن قام بأمْرِ اللهِ وصار مِن حِزْبِه وجُندِه؛ أنَّ له الغَلَبةَ، وإنْ أُدِيلَ عليه في بَعضِ الأحيانِ؛ لحِكمةٍ يُريدُها اللهُ تعالى، فآخِرُ أمْرِه الغَلَبةُ والانتِصارُ، ومَن أصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا؟) .
: تَعريفُ البَراءِ لُغةً :
البَراءُ: التَّباعُدُ مِنَ الشَّيءِ ومُزايلتُه وانِقطاعُ العِصمةِ، يُقالُ: بَرِئتُ مِن فلانٍ، أي: انقَطَعَت بيننا العِصمةُ، ولم يَبْقَ بيننا عُلقةٌ، وأصلُ (برأ): يدُلُّ على التَّفصِّي والتَّباعُدُ مِمَّا يُكرَهُ مُجاوَرتُه .
: تَعريفُ البَراءِ اصطِلاحًا :
البَراءُ اصطِلاحًا: هو مُوافَقةُ العَبدِ رَبَّه فيما يَسخَطُه ويَكرَهُه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتِقاداتِ والذَّواتِ، ويَلزَمُ مِن ذلك البُعدُ والبُغضُ والعَداوةُ لأعداءِ اللهِ ورُسُلِه والمؤمِنينَ، فمَحَلُّ البَراءِ الأُمورُ المكروهةُ للهِ .
قال ابنُ عثيمين: (البَراءُ والوَلاءُ لله سُبحانَه: أن يتبَرَّأَ الإنسانُ من كُلِّ ما تبَرَّأَ اللهُ منه،
كما قال سُبحانَه وتعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا [الممتحنة: 4] وهذا مع القَومِ المُشرِكينَ،
كما قال سُبحانَه: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة: 3] ، فيَجِبُ على كُلِّ مُؤمِنٍ أن يتبرَّأَ مِن كُلِّ مُشرِكٍ وكافِرٍ، فهذا في الأشخاصِ.
وكذلك يجِبُ على المسلِمِ أن يتبَرَّأَ مِن كُلِّ عَمَلٍ لا يُرضي اللهَ ورَسولَه وإنْ لم يكُنْ كُفرًا، كالفُسُوقِ والعِصْيانِ،
كما قال سُبحانَه: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات: 7] ، وإذا كان مُؤمِنٌ عِندَه إيمانٌ، وعِندَه مَعصيةٌ، فنُواليه على إيمانِه، ونَكرَهُه على مَعاصيه) .
وبحَسَبِ ما تقَدَّمَ ذِكرُه في تَعريفِ الوَلاءِ والبَراءِ يتَّضِحُ أنَّهما يتعَلَّقانِ بأربَعةِ أُمورٍ:
1- الأقوالُ: فذِكرُ اللهِ مَحبوبٌ له، واللَّعنُ والسَّبُّ مَبغوضٌ له.
2- الأفعالُ: فالصَّلاةُ والزَّكاةُ والزَّواجُ أمورٌ مَحبوبةٌ للهِ، والرِّبَا والزِّنَا وشُربُ الخَمرِ أفعالٌ يُبغِضُها.
3- الاعتِقاداتُ: فالإيمانُ والتَّوحيدُ مَحبوبٌ للهِ، والكُفرُ والشِّرْكُ مَبغوضٌ له.
4- الذَّواتُ: فالمؤمِنُ الموَحِّدُ مَحبوبٌ للهِ، والكافِرُ والمُشرِكُ والمنافِقُ مَبغوضٌ له .
ثانياًً : أهميَّةُ الوَلاءِ والبَراءِ :
1- الوَلاءُ والبَراءُ شَرطٌ في الإيمانِ.
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
قال الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ذَكَر في هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ مَن توَلَّى اليهودَ والنَّصارى مِنَ المسلِمينَ، فإنَّه يكونُ منهم بتوَلِّيه إيَّاهم، وبَيَّن في مَوضِعٍ آخَرَ أنَّ تَوَلِّيَهم مُوجِبٌ لسَخَطِ اللهِ، والخُلودِ في عَذابِه، وأنَّ مُتَوَلِّيَهم لو كان مُؤمِنًا ما توَلَّاهم،
وهو قَولُه تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 80، 81]،
ونهى في مَوضِعٍ آخَرَ عن توَلِّيهم مُبَيِّنًا سبَبَ التَّنفيرِ منه، وهو قَولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة: 13].
وبيَّن في مَوضِعٍ آخَرَ: أنَّ مَحَلَّ ذلك فيما إذا لم تكُنِ الموالاةُ بسَبَبِ خَوفٍ وتَقِيَّةٍ، وإن كانت بسَبَبِ ذلك فصاحِبُها معذورٌ، وهو قَولُه تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] ، فهذه الآيةُ الكريمةُ فيها بَيانٌ لكُلِّ الآياتِ القاضيةِ بمَنْعِ مُوالاةِ الكُفَّارِ مُطلَقًا، وإيضاحٌ لأنَّ مَحَلَّ ذلك في حالةِ الاختيارِ، وأمَّا عِندَ الخَوفِ والتَّقِيَّةِ فيُرَخَّصُ في مُوالاتِهم بقَدْرِ المُداراةِ التي يكتفي بها شَرَّهم، ويُشتَرَطُ في ذلك سَلامةُ الباطِنِ مِن تلك المُوالاةِ:
ومَن يأتي الأُمورَ على اضطِرارٍ ... فليس كمِثْلِ آتيها اختيارًا
ويُفهَمُ من ظواهِرِ هذه الآياتِ أنَّ مَن تَوَلَّى الكُفَّارَ عَمدًا اختيارًا؛ رغبةً فيهم: أنَّه كافِرٌ مِثلُهم) .
وقال اللهُ سُبحانَه: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 83-84] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فذَكَر جُملةً شَرطيَّةً تقتضي أنَّه إذا وُجِدَ الشَّرطُ وُجِد المشروطُ، بحَرفِ (لو) التي تَقتَضي مع الشَّرطِ انتِفاءَ المَشروطِ، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء، فدلَّ على أنَّ الإيمانَ المذكورَ يَنْفي اتِّخاذَهم أولياءَ ويُضادُّه، ولا يجتَمِعُ الإيمانُ واتِّخاذُهم أولياءَ في القَلْبِ، ودَلَّ ذلك على أنَّ مَن اتَّخَذَهم أولياءَ ما فعَلَ الإيمانَ الواجِبَ من الإيمانِ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه) .
وعن جَريرِ بنِ عَبدِ اللهِ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُبايِعُ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابْسُطْ يَدَك حتَّى أبايِعَك، واشتَرِطْ عليَّ؛ فأنت أعلَمُ. قال: ((أبايِعُك على أن تَعبُدَ اللهَ، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، وتُناصِحَ المُسلِمينَ، وتُفارِقَ المُشرِكينَ)) .
وعن بَهزِ بنِ حَكيمٍ عن أبيه عن جَدِّه: قال: قُلتُ: يا نَبيَّ اللهِ، ما أتيتُك حتَّى حَلَفْتُ أكثَرَ مِن عَدَدِهنَّ -لأصابعِ يَدَيه- ألَّا آتيَك، ولا آتيَ دِينَك، وإنِّي كنُت امرءًا لا أعقِلُ شَيئًا إلَّا ما عَلَّمَني اللهُ ورَسولُه، وإنِّي أسألُك بوَجهِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: بمَ بَعَثَك رَبُّك إلينا؟ قال: ((بالإسلامِ))، قال: قُلتُ: وما آياتُ الإسلامِ؟ قال: ((أن تقولَ: أسلَمْتُ وَجْهِيَ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ وتخَلَّيتُ، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، كُلُّ مُسلِمٍ على مُسلِمٍ مُحَرَّمٌ، أخوانِ نَصيرانِ، لا يَقبَلُ اللهُ عزَّ وجَلَّ مِن مُشرِكٍ بَعْدَما أسلَمَ عَمَلًا أو يُفارِقَ المُشركِينَ إلى المُسلِمينَ )) .
قال ابنُ باز: (مَحَبَّةُ الكُفَّارِ وإعانتُهم على باطِلِهم، واتِّخاذُهم أصحابًا وأخْدانًا، ونَحوُ ذلك:
مِن كبائِرِ الذُّنوبِ، ومِن وَسائِلِ الكُفرِ باللهِ؛ فإنْ نَصَرَهم على المُسلِمينَ وساعَدَهم ضِدَّ المُسلِمينَ، فهذا هو التوَلِّي، وهو من أنواِع الرِّدَّةِ عن الإسلامِ؛ لقَولِ اللهِ سُبحانَه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (مُوالاةُ الكُفَّارِ تكونُ بمُناصَرتِهم وُمعاونَتِهم على ما هم عليه مِن الكُفرِ والضَّلالِ، ومُوادَّتُهم تكونُ بفِعلِ الأسبابِ التي تكونُ بها موَدَّتُهم، فتَجِدُه يُوادُّهم -أي: يَطلُبُ وُدَّهم بكُلِّ طَريقٍ-، وهذا لا شَكَّ يُنافي الإيمانَ كُلَّه أو كَمالَه؛ فالواجِبُ على المؤمِنِ مُعاداةُ مَن حادَّ اللهَ ورَسولَه ولو كان أقرَبَ قَريبٍ إليه، وبُغْضُه والبُعدُ عنه، ولكِنْ هذا لا يَمنَعُ نَصيحتَه، ودَعوتَه للحَقِّ) .
2- أنَّها سَبَبٌ لذَوقِ القَلبِ حَلاوةَ الإيمانِ ولَذَّةَ اليَقينِ.
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إليه ممَّا سِوَاهما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ )) .
قال ابنُ عثيمين: (أعمالُ القَلْبِ الأربعةُ التي لا تُنالُ وَلايةُ اللهِ إلَّا بها، ولا يَجِدُ أحَدٌ طَعمَ الإيمانِ إلَّا بها، وهي: الحُبُّ في اللهِ، والبُغضُ في اللهِ، والوَلاءُ في اللهِ، والعَداءُ في اللهِ- لا تُنالُ وَلايةُ اللهِ إلَّا بها، فلو صَلَّى الإنسانُ وصام ووالى أعداءَ اللهِ؛ فإنَّه لا يَنالُه وَلايةُ اللهِ) .
3- عَقيدةُ الوَلاءِ والبَراءِ جُزءٌ مِن معنى الشَّهادةِ الواجِبةِ للدُّخولِ في الإسلامِ.
قال اللهُ تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: 26 - 28] .
فالنَّفيُ الموجودُ في شَهادةِ: (لا إلهَ إلَّا اللهُ) يقتضي البَراءةَ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ.
قال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مخبِرًا عن عَبدِه ورَسولِه وخَليلِه إمامِ الحُنَفاءِ، ووالِدِ مَن بُعِثَ بَعْدَه من الأنبياءِ، الذي تنتَسِبُ إليه قُرَيشٌ في نَسَبِها ومَذهَبِها: أنَّه تبَرَّأَ مِن أبيه وقَومِه في عِبادتِهم الأوثانَ،
فقال: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: هذه الكَلِمةَ، وهي عِبادةُ اللهِ تعالى وَحْدَه لا شَريكَ له، وخَلْعُ ما سِواه مِن الأوثانِ، وهي لا إلهَ إلَّا اللهُ، أي: جعَلَها دائِمةً في ذُرِّيَّتِه يَقتَدي به فيها مَن هداه اللهُ مِن ذُرِّيَّةِ إبراهيمَ، عليه السَّلامُ؛ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي: إليها) .
وقال السَّعديُّ: (يخبِرُ تعالى عن مِلَّةِ إبراهيمَ الخَليلِ عليه السَّلامُ، الذي ينتَسِبُ إليه أهلُ الكِتابِ والمُشرِكونَ، وكُلُّهم يَزعُمُ أنَّه على طريقتِه، فأخبَرَ عن دينِه الذي وَرَّثَه في ذُرِّيَّتِه، فقال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ الذين اتَّخَذوا من دونِ اللهِ آلِهةً يَعبُدونَهم ويتَقَّربونَ إليهم: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ أي: مُبغِضٌ له، مجتَنِبٌ مُعادٍ لأهلِه إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فإنِّي أتوَلَّاه، وأرجو أن يَهدِيَني للعِلمِ بالحَقِّ والعَمَلِ به، فكما فطَرَني ودبَّرَني بما يُصلِحُ بَدَني ودُنياي،
فـ سَيَهْدِينِ لِما يُصلِحُ دِيني وآخِرَتي. وَجَعَلَهَا أي: هذه الخَصلةَ الحَميدةَ، التي هي أُمُّ الِخصالِ وأساسُها، وهي إخلاصُ العِبادةِ للهِ وَحْدَه، والتبَرِّي من عِبادةِ ما سِواه. كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: ذُرِّيَّتِه. لَعَلَّهُمْ إليها يَرْجِعُونَ؛ لشُهرتِها عنه، وتوصِيَتِه لذُرِّيَّتِه، وتوصيةِ بَعضِ بَنِيه؛ إسحاقَ ويَعقوبَ، لبَعضٍ،
كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: 130] إلى آخِرِ الآياتِ؛ فلم تَزَلْ هذه الكَلِمةُ مَوجودةً في ذُرِّيَّتِه عليه السَّلامُ حتَّى دخَلَهم التَّرَفُ والطُّغيانُ) .
وهكذا كان نبيُّنَا محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعُو النَّاسَ إلى التَّوحيدِ، والبراءةِ مِنَ الشِّركِ وأهلِه، وبهذا يتَحقَّقُ إسلامُ العَبدِ.
قال ابنُ بطَّةَ: (فدعا أي: محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ إلى الإقرارِ بتوحيدِ اللهِ ومَعرفتِه، والبراءةِ من الأضدادِ والأندادِ) .
وقال عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ آل الشَّيخِ: (إنَّ الكُفرَ بالطَّاغوتِ وما عُبِدَ من دونِ اللهِ شَرطٌ في تحريمِ الدَّمِ والمالِ، وأنَّه لا عِصمةَ بمجَرَّدِ القَولِ والمعرفةِ، ولا بمجَرَّدِ تَرْكِ عبادةِ ما عُبِد من دونِ اللهِ، بل لا بدَّ من الكُفرِ بما عُبِد من دونِ اللهِ، والكُفرُ فيه بُغضُه وتَرْكُه وردُّه، والبراءةُ منه ومعرفةُ بطلانِه، وهذا لا بُدَّ منه في الإسلامِ؛
قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة: 256] ، فجمع بين الإيمانِ باللهِ والكُفرِ بالطَّاغوتِ في هذه الآيةِ، ولها نظائِرُ في كتابِ اللهِ،
كقَولِه تعالى عن إبراهيمَ: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف: 26، 27]؛ فدَلَّت هذه الآيةُ وما قَبْلَها على أنَّ الكُفرَ بالطَّاغوتِ شَرطٌ لا يحصُلُ الإسلامُ بدُونهِ) .
ثالثاً : عَقيدةُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في الوَلاءِ والبَراءِ :
الوَلاءُ والبَراءُ مَبنيَّانِ على قاعِدةِ الحُبِّ والبُغضِ، وبناءً على ذلك يمكِنُ تقسيمُ النَّاسِ في هذا الجانِبِ إلى ثلاثةِ أصنافٍ:
الأوَّلُ: مَن يُحَبُّ جُملةً، وهو مَن آمَنَ باللهِ ورَسولِه، وقام بشَرائعِ الإسلامِ عِلمًا وعَمَلًا واعتِقادًا، فأخلَصَ أعمالَه وأفعالَه وأقوالَه للهِ، وانقاد لأوامِرِه، واجتَنَب نواهِيَه.
الثَّاني: مَن يُحَبُّ مِن وَجهٍ، ويُبغَضُ مِن وَجهٍ، وهو المسلِمُ الذي خَلَط عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا، فيُحَبُّ بقَدرِ ما معه مِن خَيرٍ، ويُبغَضُ بقَدرِ ما معه من شَرٍّ.
قال اللهُ تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: 9-10] .
فجعَلَهم إِخوةً رَغْمَ وُجودِ الاقتِتالِ وحُصولِ البَغْيِ مِن بَعْضِهم.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (كان السَّلَفُ مع الاقتِتالِ يُوالي بَعضُهم بَعْضًا مُوالاةَ الدِّينِ، لا يُعادُونَ كمُعاداةِ الكُفَّارِ؛ فيَقبَلُ بَعضُهم بشهادةِ بَعضٍ، ويأخُذُ بَعضُهم العِلمَ عن بَعضٍ، ويتوارَثونَ ويَتناكَحونَ، ويَتعامَلونَ بمُعاملةِ المُسلِمينَ بَعضِهم مع بَعضٍ مع ما كان بيْنهم مِنَ القِتالِ والتَّلاعُنِ وغَيرِ ذلك) .
وعن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا علَى عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وكانَ يُضْحِكُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ جَلَدَه في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ به يَوْمًا فأمَرَ به فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتَى بهِ؟! فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (( لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ -ما عَلِمْتُ- إنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ )) .
قال ابن تيمية: (إذا اجتمَعَ في الرَّجُلِ الواحِدِ خَيرٌ وشَرٌّ وفُجورٌ، وطاعةٌ ومَعصيةٌ، وسُنَّةٌ وبِدعةٌ- استحَقَّ مِن الموالاةِ والثَّوابِ بقَدْرِ ما فيه مِنَ الخَيرِ، واستحَقَّ مِن المعاداةِ والعِقابِ بحَسَبِ ما فيه مِنَ الشَّرِّ، فيَجتَمِعُ في الشَّخصِ الواحِدِ مُوجِباتُ الإكرامِ والإهانةِ، فيَجتَمِعُ له من هذا وهذا، كاللِّصِّ الفقيرِ تُقطَعُ يَدُه لسَرِقَتِه، ويُعْطى مِن بَيتِ المالِ ما يَكْفيه لحاجتِه، هذا هو الأصلُ الذي اتَّفَق عليه أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وخالَفَهم الخوارِجُ والمُعتَزِلةُ، ومن وافَقَهم عليه) .
وقال ابنُ باز: (الحُبُّ في اللهِ: أن تُحِبَّ مِن أجْلِ اللهِ جَلَّ وعلا؛ لأنَّك رأيتَه ذا تقوى وإيمانٍ، فتُحِبُّه في اللهِ، وتُبغِضُه في اللهِ؛ لأنَّك رأيتَه كافِرًا عاصِيًا للهِ، فتُبغِضُه في اللهِ، أو عاصِيًا وإن كان مُسلِمًا فتُبغِضُه بقَدْرِ ما عِندَه مِن المعاصي، هكذا المؤمِنُ يتَّسِعُ قَلْبُه لهذا أو هذا؛ يحِبُّ في اللهِ أهلَ الإيمانِ والتَّقوى، ويُبغِضُ في اللهِ أهلَ الكُفرِ والشُّرورِ والمعاصي،
ويكونُ قَلْبُه مُتَّسِعًا لهذا وهذا، وإذا كان الرَّجُلُ فيه خيرٌ وشَرٌّ، كالمسلِمِ العاصي، أحَبَّه مِن أجْلِ إسلامِه، وأبغَضَه مِن أجْلِ ما عِندَه مِن المعاصي، ويكونُ فيه الأمرانِ، الشُّعْبتانِ: شُعبةُ الحُبِّ، والبُغضِ. أهلُ الإيمانِ والاستقِامةِ يُحِبُّهم حُبًّا كامِلًا، وأهلُ الكُفرِ يُبغِضُهم بُغضًا كامِلًا، وصاحِبُ الشَّائِبَتينِ؛ صاحِبُ المعاصي، يُحِبُّه على قَدْرِ ما عِندَه مِنَ الإيمانِ والإسلامِ، ويُبغِضُه على قَدْرِ ما عِندَه مِن المعاصي والمخالَفاتِ) .
الثَّالِثُ: مَن يُبغَضُ جُملةً، وهو مَن كَفَر باللهِ ومَلائِكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ، ولم يُؤمِنْ بالقَدَرِ؛ خَيرِه وشَرِّه، أو أشرَكَ باللهِ في عِبادتِه أحَدًا مِن الأنبياءِ والأولِياءِ والصَّالحينَ، وصَرَفَ لهم نوعًا من أنواعِ العِبادةِ، كالحُبِّ والدُّعاءِ، والخَوفِ والرَّجاءِ، والتَّعظيمِ والتوَكُّلِ، والاستِعانةِ والاستِعاذةِ والاستِغاثةِ، والذَّبحِ والنَّذرِ، والذُّلِّ والخُضوعِ، والخَشْيةِ والرَّغبةِ والرَّهبةِ، أو ألحَدَ في أسمائِه وصفاتِه، واتَّبَع غَيرَ سَبيلِ المؤمِنينَ، وانتَحَل ما كان عليه أهلُ البِدَعِ والأهواءِ المضِلَّةِ، وكذلك كُلُّ من قامت به نواقِضُ الإسلامِ، فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يتبَرَّؤونَ مِمَّن حادَّ اللهَ ورَسولَه، ولو كان أقرَبَ قَريبٍ.
قال اللهُ تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة: 22] .
ويمتَثِلونَ لنَهيِ اللهِ في قَولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 23-24] .
ومُوالاةُ هذا الصِّنفِ الثَّاِلِث تتَّخِذُ صُوَرًا ومَراتِبَ مُختَلِفةً، فالحُكمُ فيها ليس حُكمًا واحِدًا؛ فإنَّ مِن صُوَرِ الموالاةِ ما يُوجِبُ نَقْضَ الإيمانِ بالكُلِّيَّةِ، ومنها ما هو دونَ ذلك، فيَكونُ مِن الكَبائِرِ والمحَرَّماتِ.
وهذه الموالاةُ التي تُناقِضُ الإيمانَ قد تكونُ اعتِقادًا فحَسْبُ، وقد تَظهَرُ في أقوالٍ وأعمالٍ .
قال الشِّنقيطيُّ: (يَقولُ اللهُ جَلَّ وعلا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال: 73] ، هذه الآيةُ الكريمةُ مِن الآياتِ العِظامِ التي يُعتبَرُ بها؛ لأنَّ ما ذكَرَه اللهُ جَلَّ وعلا فيها وما حَذَّرَ منه مِنَ الفِتنةِ والفَسادِ الكَبيرِ إنْ لم يُوالِ المُسلِمونَ بَعضُهم بعضًا، ويَقْطعوا مُوالاةُ الكُفَّارِ، ويَترُكوا الكُفَّارَ بَعضُهم يُوالي بَعضًا؛ ما حَذَّرَ به مِن أنَّهم إن لم يُحاِفظوا على صِدقِ المُوالاةِ بيْنهم، ومُقاطعةِ أعدائِهم، تَقَعْ في الأرضِ الفِتنةُ والفَسادُ الكبيرُ، فهو واقِعٌ مُنتَشِرٌ الآنَ: يَدُلُّ على عِظَمِ هذا القُرآنِ العَظيمِ، وأنَّه كلامُ رَبِّ العالَمينَ، وأنَّ تحذيرَه حَقٌّ، وتَرغيبَه حَقٌّ) .
قال اللهُ تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] .
قال ابنُ جريرٍ: (معنى ذلك: لا تتَّخِذوا -أيُّها المؤمِنونَ- الكُفَّارَ ظَهرًا وأنصارًا، توالونَهم على دِينِهم، وتُظاهِرونَهم على المسلِمينَ مِن دونِ المؤمِنينَ، وتَدُلُّونَهم على عَوْراتِهم؛ فإنَّه مَن يَفعَلْ ذلك فليس مِنَ اللهِ في شَيءٍ، يعني بذلك: فقد بَرِئَ مِنَ اللهِ، وبَرِئَ اللهُ منه بارتدادِه عن دينِه، ودُخولِه في الكُفرِ، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً إلَّا أن تكونوا في سُلطانِهم، فتَخافوهم على أنفُسِكم، فتُظهِروا لهم الوَلايةَ بألسِنَتِكم، وتُضمِروا لهم العَداوةَ، ولا تُشايعوهم على ما هم عليه مِنَ الكُفرِ، ولا تُعينوهم على مُسلِمٍ بفِعلٍ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149] .
قال سُلَيمانُ بنُ عَبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (أخبَرَ تعالى أنَّ المؤمِنينَ إن أطاعوا الكُفَّارَ فلا بُدَّ أن يَرُدُّوهم على أعقابِهم عن الإسلامِ؛ فإنَّهم لا يَقنَعونَ منهم بدونِ الكُفرِ، وأخبَرَ أنَّهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسِرينَ في الدُّنيا والآخِرةِ، ولم يُرَخِّصْ في موافقتِهم وطاعتِهم خَوفًا منهم، وهذا هو الواقِعُ؛ فإنَّهم لا يَقتَنِعونَ مِمَّن وافَقَهم إلَّا بشَهادةِ أنَّهم على حَقٍّ، وإظهارِ العَداوةِ والبَغضاءِ للمُسلِمينَ) .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121] .
قال الشِّنقيطيُّ: (حذْفُ الفاءِ مِن قَولِه: إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ يَدُلُّ على قَسَمٍ محذوفٍ... فهو قَسَمٌ مِنَ اللهِ جَلَّ وعلا أقسَمَ به على أنَّ مَن اتَّبَع الشَّيطانَ في تحليلِ المَيتةِ أنَّه مُشرِكٌ، وهذا الشِّرْكُ مُخرِجٌ عن المِلَّةِ بإجماعِ المسلِمينَ) .
وقال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:25، 26].
قال ابنُ حزم: (جعَلَهم تعالى مُرتَدِّينَ كُفرًا بعد عِلْمِهم الْحَقَّ، وَبعد أن تبَيَّنَ لهم الهُدى، بقَولِهم للكُفَّارِ ما قَالوا فقط) .
ويَدخُلُ في مُعتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: البَراءةُ مِن أربابِ البِدَعِ والأهواءِ.
وصاحِبُ البِدعةِ المكَفِّرةِ المُخرِجةِ عن مِلَّةِ الإسلامِ: له مِنَ العَداءِ والبُغضِ بمِثلِ ما للكافِرِ الأصليِّ.
قال اللهُ تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140].
وقال اللهُ سُبحانَه: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 180] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] .
وقال اللهُ تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام: 159] .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: تلا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا رأيتُم الذين يتَّبِعونَ ما تَشابَهَ منه، فأولئك الذين سَمَّى اللهُ؛ فاحْذَروهم)) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (لا تجالِسْ أهلَ الأهواءِ؛ فإنَّ مجالَستهَم مُمرِضةٌ للقُلوبِ) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما لَمَّا أخبَرَه يَحيى بنُ يَعمَرَ عن القَدَريَّةِ قال: (فإذا لَقِيتَ أولئك فأخبِرْهم أنِّي بَريءٌ منهم، وأنَّهم بُرَآءُ مِنِّي) .
وعن الحَسَنِ وابنِ سِيرينَ قالا: (لا تُجالِسوا أهلَ الأهواءِ، ولا تُجادِلوهم، ولا تَسمَعوا منهم) .
وقال الشَّافعيُّ: (حُكْمي في أهلِ الكَلامِ أن يُضْرَبوا بالجَريدِ، ويُحمَلوا على الإبِلِ، ويُطافَ بهم في العَشائِرِ والقبائِلِ، ويُنادى عليهم: هذا جزاءُ مَن تَرَك الكِتابَ والسُّنَّةَ، وأقبَلَ على عِلمِ الكَلامِ) .
وقال أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ حاكيًا مَذهَبَ السَّلَفِ: (اتَّفَقوا مع ذلك على القَولِ بقَهرِ أهلِ البِدَعِ، وإذلالِهم وإخزاِئهم، وإبعادِهم وإقصائِهم، والتَّباعُدِ منهم، ومِن مُصاحبِتهم ومُعاشَرتِهم، والتقَرُّبِ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ بمُجانبتِهم ومُهاجَرتِهم) .
وقال البَغَويُّ: (قد مَضَت الصَّحابةُ والتَّابِعونَ وأتباعُهم وعُلَماءُ السُّنَّةِ على هذا، مجمِعينَ مُتَّفِقينَ على مُعاداةِ أهلِ البِدعةِ، ومُهاجَرتِهم) .
وقال ابنُ قُدامةَ: (من السُّنَّةِ: هِجرانُ أهلِ البِدَعِ ومُباينَتُهم، وتَرْكُ الجِدالِ والخُصوماتِ في الدِّينِ، وتَرْكُ النَّظَرِ في كُتُبِ المبتَدِعةِ والإصغاءِ إلى كلامِهم، وكُلُّ مُحدَثةٍ في الدِّينِ بِدعةٌ، وكُلُّ مُتَسَمٍّ بغيرِ الإسلام ِوالسُّنَّةِ مبتَدِعٌ، كالرَّافِضةِ والجَهْميَّةِ، والخوارِجِ والقَدَريَّةِ، والمُرْجِئةِ والمعتَزِلةِ، والكَرَّامِيَّةِ والكُلَّابِيَّةِ، ونَظائِرِهم، فهذه فِرَقُ الضَّلالِ، وطوائِفُ البِدَعِ. أعاذنا اللهُ منها) .
وفي حَديثِ كَعبِ بنِ مالِكٍ رَضِي اللهُ عنه في قِصَّةِ الثَّلاثةِ الذين خُلِّفوا في غزوةِ تَبوكَ، فهَجَرهم المسلِمونَ بأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم،
قال النَّوويُّ في ذِكرِ ما فيه مِن فَوائِدَ: (استِحبابُ هِجرانِ أهلِ البِدَعِ والمعاصي الظَّاهِرةِ، وتَرْكِ السَّلامِ عليهم، ومُقاطَعتِهم؛ تَحقيرًا لهم وزَجْرًا) .
-------------------------------------------------------------------------------
التالي : -
رابعاً : : التشَبُّهُ بالكُفَّارِ :
:: تَعريفُ الوَلاءِ والبَراءِ ::
: تَعريفُ الوَلاءِ لُغةً :
الوَلاءُ: هو المحبَّةُ والنُّصرةُ والقُربُ، يقال: والى فُلانٌ فُلانًا: إذا أحَبَّه.
وكلُّ مَن انَضَمَّ إليك، فَعَزَّ بِعِزِّك وامتنع بمَنَعَتِك، فهو مَوْلاك؛ ولهذا تُسَمَّى العَصَبَةُ وبنو العَمِّ مَوَالِيَ، وأصلُ (ولي): يدُلُّ على قُربٍ
: تَعريفُ الوَلاءِ اصطِلاحًا :
الوَلاء اصطِلاحًا: هو مُوافَقةُ العَبدِ لرَبِّه فيما يُحِبُّه ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتِقاداتِ والذَّواتِ، ويَلزَمُ مِن ذلك المَحَبَّةُ والنُّصرةُ للهِ ولرَسولِه ودينِه وعامَّةِ المُؤمِنينَ،
ويُطلَقُ الوَلاءُ على الميراثِ الذي يَستَحِقُّه المرءُ بسَبَبِ عِتْقِ شَخصٍ في مِلْكِه، أو بسَبَبِ عَقدِ المُوالاةِ،
والمرادُ هنا المعنى الأوَّلُ، فمَحَلُّ الوَلايةِ الأُمورُ المحبوبةُ للهِ .
قال اللهُ تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس: 62 - 64] .
وقال اللهُ سُبحانَه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71] .
وقال اللهُ تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 55، 56].
قال ابنُ جريرٍ: (يعني تعالى ذِكْرُه بقَولِه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ليس لكم -أيُّها المُؤمِنونَ- ناصِرٌ إلَّا اللهُ ورَسولُه والمؤمِنونَ، الذين صِفَتُهم ما ذَكَر تعالى ذِكْرُه،
فأمَّا اليَهودُ والنَّصارى الذين أمَرَكم اللهُ أن تَبَرَّؤوا مِن وَلايتِهم، ونهاكم أن تتَّخِذوا منهم أولياءَ؛ فلَيسُوا لكم أولياءُ ولا نُصَراءُ،
بل بَعْضُهم أولياءُ بَعضٍ، ولا تتَّخِذوا منهم وَلِيًّا ولا نصيرًا) .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] أي: في التَّوالي والتَّعاضُدِ والتَّراحُمِ، وهو في معنى قَولِه تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71] ) .
وقال السَّعديُّ: (لَمَّا نهى عن وَلايةِ الكُفَّارِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى وغيرِهم، وذَكَر مآلَ توَلِّيهم أنَّه الخُسرانُ المُبِينُ، أخبَرَ تعالى مَن يَجِبُ ويتعَيَّنُ توَلِّيه، وذكَرَ فائِدةَ ذلك ومَصلَحتَه، فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فوَلايةُ اللهِ تُدرَكُ بالإيمانِ والتَّقوى؛ فكُلُّ من كان مُؤمِنًا تَقيًّا كان لله وَلِيًّا، ومَن كان وَلِيًّا للهِ فهو وَلِيٌّ لرَسولِه، ومن توَلَّى اللهَ ورَسولَه، كان تمامُ ذلك توَلِّي مَن توَلَّاه، وهم المؤمِنونَ الذين قاموا بالإيمانِ ظاهِرًا وباطِنًا، وأخلَصوا للمَعبودِ، بإقامتِهم الصَّلاةَ بشُروطِها وفُروضِها ومُكَمِّلاتِها، وأحسَنوا للخَلْقِ، وبَذَلوا الزَّكاةَ مِن أموالِهم لمُستَحِقِّيها منهم.
وقَولُه: وَهُمْ رَاكِعُونَ أي: خاضِعونَ لله ذليلونَ؛
فأداةُ الحَصْرِ في قَولِه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا تدُلُّ على أنَّه يجِبُ قَصْرُ الوَلايةِ على المذكورينَ، والتبَرِّي مِن وَلايةِ غَيرِهم.
ثمَّ ذَكَر فائِدةَ هذه الوَلايةِ، فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ أي: فإنَّه مِنَ الحِزبِ المضافِينَ إلى اللهِ إضافةَ عُبوديَّةٍ ووَلايةٍ، وحِزبُه هم الغالِبونَ الذين لهم العاقِبةُ في الدُّنيا والآخِرةِ،
كما قال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 173] ، وهذه بِشارةٌ عَظيمةٌ لِمن قام بأمْرِ اللهِ وصار مِن حِزْبِه وجُندِه؛ أنَّ له الغَلَبةَ، وإنْ أُدِيلَ عليه في بَعضِ الأحيانِ؛ لحِكمةٍ يُريدُها اللهُ تعالى، فآخِرُ أمْرِه الغَلَبةُ والانتِصارُ، ومَن أصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا؟) .
: تَعريفُ البَراءِ لُغةً :
البَراءُ: التَّباعُدُ مِنَ الشَّيءِ ومُزايلتُه وانِقطاعُ العِصمةِ، يُقالُ: بَرِئتُ مِن فلانٍ، أي: انقَطَعَت بيننا العِصمةُ، ولم يَبْقَ بيننا عُلقةٌ، وأصلُ (برأ): يدُلُّ على التَّفصِّي والتَّباعُدُ مِمَّا يُكرَهُ مُجاوَرتُه .
: تَعريفُ البَراءِ اصطِلاحًا :
البَراءُ اصطِلاحًا: هو مُوافَقةُ العَبدِ رَبَّه فيما يَسخَطُه ويَكرَهُه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتِقاداتِ والذَّواتِ، ويَلزَمُ مِن ذلك البُعدُ والبُغضُ والعَداوةُ لأعداءِ اللهِ ورُسُلِه والمؤمِنينَ، فمَحَلُّ البَراءِ الأُمورُ المكروهةُ للهِ .
قال ابنُ عثيمين: (البَراءُ والوَلاءُ لله سُبحانَه: أن يتبَرَّأَ الإنسانُ من كُلِّ ما تبَرَّأَ اللهُ منه،
كما قال سُبحانَه وتعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا [الممتحنة: 4] وهذا مع القَومِ المُشرِكينَ،
كما قال سُبحانَه: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة: 3] ، فيَجِبُ على كُلِّ مُؤمِنٍ أن يتبرَّأَ مِن كُلِّ مُشرِكٍ وكافِرٍ، فهذا في الأشخاصِ.
وكذلك يجِبُ على المسلِمِ أن يتبَرَّأَ مِن كُلِّ عَمَلٍ لا يُرضي اللهَ ورَسولَه وإنْ لم يكُنْ كُفرًا، كالفُسُوقِ والعِصْيانِ،
كما قال سُبحانَه: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات: 7] ، وإذا كان مُؤمِنٌ عِندَه إيمانٌ، وعِندَه مَعصيةٌ، فنُواليه على إيمانِه، ونَكرَهُه على مَعاصيه) .
وبحَسَبِ ما تقَدَّمَ ذِكرُه في تَعريفِ الوَلاءِ والبَراءِ يتَّضِحُ أنَّهما يتعَلَّقانِ بأربَعةِ أُمورٍ:
1- الأقوالُ: فذِكرُ اللهِ مَحبوبٌ له، واللَّعنُ والسَّبُّ مَبغوضٌ له.
2- الأفعالُ: فالصَّلاةُ والزَّكاةُ والزَّواجُ أمورٌ مَحبوبةٌ للهِ، والرِّبَا والزِّنَا وشُربُ الخَمرِ أفعالٌ يُبغِضُها.
3- الاعتِقاداتُ: فالإيمانُ والتَّوحيدُ مَحبوبٌ للهِ، والكُفرُ والشِّرْكُ مَبغوضٌ له.
4- الذَّواتُ: فالمؤمِنُ الموَحِّدُ مَحبوبٌ للهِ، والكافِرُ والمُشرِكُ والمنافِقُ مَبغوضٌ له .
ثانياًً : أهميَّةُ الوَلاءِ والبَراءِ :
1- الوَلاءُ والبَراءُ شَرطٌ في الإيمانِ.
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
قال الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ذَكَر في هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ مَن توَلَّى اليهودَ والنَّصارى مِنَ المسلِمينَ، فإنَّه يكونُ منهم بتوَلِّيه إيَّاهم، وبَيَّن في مَوضِعٍ آخَرَ أنَّ تَوَلِّيَهم مُوجِبٌ لسَخَطِ اللهِ، والخُلودِ في عَذابِه، وأنَّ مُتَوَلِّيَهم لو كان مُؤمِنًا ما توَلَّاهم،
وهو قَولُه تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 80، 81]،
ونهى في مَوضِعٍ آخَرَ عن توَلِّيهم مُبَيِّنًا سبَبَ التَّنفيرِ منه، وهو قَولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة: 13].
وبيَّن في مَوضِعٍ آخَرَ: أنَّ مَحَلَّ ذلك فيما إذا لم تكُنِ الموالاةُ بسَبَبِ خَوفٍ وتَقِيَّةٍ، وإن كانت بسَبَبِ ذلك فصاحِبُها معذورٌ، وهو قَولُه تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] ، فهذه الآيةُ الكريمةُ فيها بَيانٌ لكُلِّ الآياتِ القاضيةِ بمَنْعِ مُوالاةِ الكُفَّارِ مُطلَقًا، وإيضاحٌ لأنَّ مَحَلَّ ذلك في حالةِ الاختيارِ، وأمَّا عِندَ الخَوفِ والتَّقِيَّةِ فيُرَخَّصُ في مُوالاتِهم بقَدْرِ المُداراةِ التي يكتفي بها شَرَّهم، ويُشتَرَطُ في ذلك سَلامةُ الباطِنِ مِن تلك المُوالاةِ:
ومَن يأتي الأُمورَ على اضطِرارٍ ... فليس كمِثْلِ آتيها اختيارًا
ويُفهَمُ من ظواهِرِ هذه الآياتِ أنَّ مَن تَوَلَّى الكُفَّارَ عَمدًا اختيارًا؛ رغبةً فيهم: أنَّه كافِرٌ مِثلُهم) .
وقال اللهُ سُبحانَه: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 83-84] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فذَكَر جُملةً شَرطيَّةً تقتضي أنَّه إذا وُجِدَ الشَّرطُ وُجِد المشروطُ، بحَرفِ (لو) التي تَقتَضي مع الشَّرطِ انتِفاءَ المَشروطِ، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء، فدلَّ على أنَّ الإيمانَ المذكورَ يَنْفي اتِّخاذَهم أولياءَ ويُضادُّه، ولا يجتَمِعُ الإيمانُ واتِّخاذُهم أولياءَ في القَلْبِ، ودَلَّ ذلك على أنَّ مَن اتَّخَذَهم أولياءَ ما فعَلَ الإيمانَ الواجِبَ من الإيمانِ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه) .
وعن جَريرِ بنِ عَبدِ اللهِ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُبايِعُ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابْسُطْ يَدَك حتَّى أبايِعَك، واشتَرِطْ عليَّ؛ فأنت أعلَمُ. قال: ((أبايِعُك على أن تَعبُدَ اللهَ، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، وتُناصِحَ المُسلِمينَ، وتُفارِقَ المُشرِكينَ)) .
وعن بَهزِ بنِ حَكيمٍ عن أبيه عن جَدِّه: قال: قُلتُ: يا نَبيَّ اللهِ، ما أتيتُك حتَّى حَلَفْتُ أكثَرَ مِن عَدَدِهنَّ -لأصابعِ يَدَيه- ألَّا آتيَك، ولا آتيَ دِينَك، وإنِّي كنُت امرءًا لا أعقِلُ شَيئًا إلَّا ما عَلَّمَني اللهُ ورَسولُه، وإنِّي أسألُك بوَجهِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: بمَ بَعَثَك رَبُّك إلينا؟ قال: ((بالإسلامِ))، قال: قُلتُ: وما آياتُ الإسلامِ؟ قال: ((أن تقولَ: أسلَمْتُ وَجْهِيَ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ وتخَلَّيتُ، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، كُلُّ مُسلِمٍ على مُسلِمٍ مُحَرَّمٌ، أخوانِ نَصيرانِ، لا يَقبَلُ اللهُ عزَّ وجَلَّ مِن مُشرِكٍ بَعْدَما أسلَمَ عَمَلًا أو يُفارِقَ المُشركِينَ إلى المُسلِمينَ )) .
قال ابنُ باز: (مَحَبَّةُ الكُفَّارِ وإعانتُهم على باطِلِهم، واتِّخاذُهم أصحابًا وأخْدانًا، ونَحوُ ذلك:
مِن كبائِرِ الذُّنوبِ، ومِن وَسائِلِ الكُفرِ باللهِ؛ فإنْ نَصَرَهم على المُسلِمينَ وساعَدَهم ضِدَّ المُسلِمينَ، فهذا هو التوَلِّي، وهو من أنواِع الرِّدَّةِ عن الإسلامِ؛ لقَولِ اللهِ سُبحانَه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (مُوالاةُ الكُفَّارِ تكونُ بمُناصَرتِهم وُمعاونَتِهم على ما هم عليه مِن الكُفرِ والضَّلالِ، ومُوادَّتُهم تكونُ بفِعلِ الأسبابِ التي تكونُ بها موَدَّتُهم، فتَجِدُه يُوادُّهم -أي: يَطلُبُ وُدَّهم بكُلِّ طَريقٍ-، وهذا لا شَكَّ يُنافي الإيمانَ كُلَّه أو كَمالَه؛ فالواجِبُ على المؤمِنِ مُعاداةُ مَن حادَّ اللهَ ورَسولَه ولو كان أقرَبَ قَريبٍ إليه، وبُغْضُه والبُعدُ عنه، ولكِنْ هذا لا يَمنَعُ نَصيحتَه، ودَعوتَه للحَقِّ) .
2- أنَّها سَبَبٌ لذَوقِ القَلبِ حَلاوةَ الإيمانِ ولَذَّةَ اليَقينِ.
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إليه ممَّا سِوَاهما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ )) .
قال ابنُ عثيمين: (أعمالُ القَلْبِ الأربعةُ التي لا تُنالُ وَلايةُ اللهِ إلَّا بها، ولا يَجِدُ أحَدٌ طَعمَ الإيمانِ إلَّا بها، وهي: الحُبُّ في اللهِ، والبُغضُ في اللهِ، والوَلاءُ في اللهِ، والعَداءُ في اللهِ- لا تُنالُ وَلايةُ اللهِ إلَّا بها، فلو صَلَّى الإنسانُ وصام ووالى أعداءَ اللهِ؛ فإنَّه لا يَنالُه وَلايةُ اللهِ) .
3- عَقيدةُ الوَلاءِ والبَراءِ جُزءٌ مِن معنى الشَّهادةِ الواجِبةِ للدُّخولِ في الإسلامِ.
قال اللهُ تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: 26 - 28] .
فالنَّفيُ الموجودُ في شَهادةِ: (لا إلهَ إلَّا اللهُ) يقتضي البَراءةَ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ.
قال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مخبِرًا عن عَبدِه ورَسولِه وخَليلِه إمامِ الحُنَفاءِ، ووالِدِ مَن بُعِثَ بَعْدَه من الأنبياءِ، الذي تنتَسِبُ إليه قُرَيشٌ في نَسَبِها ومَذهَبِها: أنَّه تبَرَّأَ مِن أبيه وقَومِه في عِبادتِهم الأوثانَ،
فقال: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: هذه الكَلِمةَ، وهي عِبادةُ اللهِ تعالى وَحْدَه لا شَريكَ له، وخَلْعُ ما سِواه مِن الأوثانِ، وهي لا إلهَ إلَّا اللهُ، أي: جعَلَها دائِمةً في ذُرِّيَّتِه يَقتَدي به فيها مَن هداه اللهُ مِن ذُرِّيَّةِ إبراهيمَ، عليه السَّلامُ؛ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي: إليها) .
وقال السَّعديُّ: (يخبِرُ تعالى عن مِلَّةِ إبراهيمَ الخَليلِ عليه السَّلامُ، الذي ينتَسِبُ إليه أهلُ الكِتابِ والمُشرِكونَ، وكُلُّهم يَزعُمُ أنَّه على طريقتِه، فأخبَرَ عن دينِه الذي وَرَّثَه في ذُرِّيَّتِه، فقال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ الذين اتَّخَذوا من دونِ اللهِ آلِهةً يَعبُدونَهم ويتَقَّربونَ إليهم: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ أي: مُبغِضٌ له، مجتَنِبٌ مُعادٍ لأهلِه إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فإنِّي أتوَلَّاه، وأرجو أن يَهدِيَني للعِلمِ بالحَقِّ والعَمَلِ به، فكما فطَرَني ودبَّرَني بما يُصلِحُ بَدَني ودُنياي،
فـ سَيَهْدِينِ لِما يُصلِحُ دِيني وآخِرَتي. وَجَعَلَهَا أي: هذه الخَصلةَ الحَميدةَ، التي هي أُمُّ الِخصالِ وأساسُها، وهي إخلاصُ العِبادةِ للهِ وَحْدَه، والتبَرِّي من عِبادةِ ما سِواه. كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: ذُرِّيَّتِه. لَعَلَّهُمْ إليها يَرْجِعُونَ؛ لشُهرتِها عنه، وتوصِيَتِه لذُرِّيَّتِه، وتوصيةِ بَعضِ بَنِيه؛ إسحاقَ ويَعقوبَ، لبَعضٍ،
كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: 130] إلى آخِرِ الآياتِ؛ فلم تَزَلْ هذه الكَلِمةُ مَوجودةً في ذُرِّيَّتِه عليه السَّلامُ حتَّى دخَلَهم التَّرَفُ والطُّغيانُ) .
وهكذا كان نبيُّنَا محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعُو النَّاسَ إلى التَّوحيدِ، والبراءةِ مِنَ الشِّركِ وأهلِه، وبهذا يتَحقَّقُ إسلامُ العَبدِ.
قال ابنُ بطَّةَ: (فدعا أي: محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ إلى الإقرارِ بتوحيدِ اللهِ ومَعرفتِه، والبراءةِ من الأضدادِ والأندادِ) .
وقال عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ آل الشَّيخِ: (إنَّ الكُفرَ بالطَّاغوتِ وما عُبِدَ من دونِ اللهِ شَرطٌ في تحريمِ الدَّمِ والمالِ، وأنَّه لا عِصمةَ بمجَرَّدِ القَولِ والمعرفةِ، ولا بمجَرَّدِ تَرْكِ عبادةِ ما عُبِد من دونِ اللهِ، بل لا بدَّ من الكُفرِ بما عُبِد من دونِ اللهِ، والكُفرُ فيه بُغضُه وتَرْكُه وردُّه، والبراءةُ منه ومعرفةُ بطلانِه، وهذا لا بُدَّ منه في الإسلامِ؛
قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة: 256] ، فجمع بين الإيمانِ باللهِ والكُفرِ بالطَّاغوتِ في هذه الآيةِ، ولها نظائِرُ في كتابِ اللهِ،
كقَولِه تعالى عن إبراهيمَ: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف: 26، 27]؛ فدَلَّت هذه الآيةُ وما قَبْلَها على أنَّ الكُفرَ بالطَّاغوتِ شَرطٌ لا يحصُلُ الإسلامُ بدُونهِ) .
ثالثاً : عَقيدةُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في الوَلاءِ والبَراءِ :
الوَلاءُ والبَراءُ مَبنيَّانِ على قاعِدةِ الحُبِّ والبُغضِ، وبناءً على ذلك يمكِنُ تقسيمُ النَّاسِ في هذا الجانِبِ إلى ثلاثةِ أصنافٍ:
الأوَّلُ: مَن يُحَبُّ جُملةً، وهو مَن آمَنَ باللهِ ورَسولِه، وقام بشَرائعِ الإسلامِ عِلمًا وعَمَلًا واعتِقادًا، فأخلَصَ أعمالَه وأفعالَه وأقوالَه للهِ، وانقاد لأوامِرِه، واجتَنَب نواهِيَه.
الثَّاني: مَن يُحَبُّ مِن وَجهٍ، ويُبغَضُ مِن وَجهٍ، وهو المسلِمُ الذي خَلَط عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا، فيُحَبُّ بقَدرِ ما معه مِن خَيرٍ، ويُبغَضُ بقَدرِ ما معه من شَرٍّ.
قال اللهُ تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: 9-10] .
فجعَلَهم إِخوةً رَغْمَ وُجودِ الاقتِتالِ وحُصولِ البَغْيِ مِن بَعْضِهم.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (كان السَّلَفُ مع الاقتِتالِ يُوالي بَعضُهم بَعْضًا مُوالاةَ الدِّينِ، لا يُعادُونَ كمُعاداةِ الكُفَّارِ؛ فيَقبَلُ بَعضُهم بشهادةِ بَعضٍ، ويأخُذُ بَعضُهم العِلمَ عن بَعضٍ، ويتوارَثونَ ويَتناكَحونَ، ويَتعامَلونَ بمُعاملةِ المُسلِمينَ بَعضِهم مع بَعضٍ مع ما كان بيْنهم مِنَ القِتالِ والتَّلاعُنِ وغَيرِ ذلك) .
وعن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا علَى عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وكانَ يُضْحِكُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ جَلَدَه في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ به يَوْمًا فأمَرَ به فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتَى بهِ؟! فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (( لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ -ما عَلِمْتُ- إنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ )) .
قال ابن تيمية: (إذا اجتمَعَ في الرَّجُلِ الواحِدِ خَيرٌ وشَرٌّ وفُجورٌ، وطاعةٌ ومَعصيةٌ، وسُنَّةٌ وبِدعةٌ- استحَقَّ مِن الموالاةِ والثَّوابِ بقَدْرِ ما فيه مِنَ الخَيرِ، واستحَقَّ مِن المعاداةِ والعِقابِ بحَسَبِ ما فيه مِنَ الشَّرِّ، فيَجتَمِعُ في الشَّخصِ الواحِدِ مُوجِباتُ الإكرامِ والإهانةِ، فيَجتَمِعُ له من هذا وهذا، كاللِّصِّ الفقيرِ تُقطَعُ يَدُه لسَرِقَتِه، ويُعْطى مِن بَيتِ المالِ ما يَكْفيه لحاجتِه، هذا هو الأصلُ الذي اتَّفَق عليه أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وخالَفَهم الخوارِجُ والمُعتَزِلةُ، ومن وافَقَهم عليه) .
وقال ابنُ باز: (الحُبُّ في اللهِ: أن تُحِبَّ مِن أجْلِ اللهِ جَلَّ وعلا؛ لأنَّك رأيتَه ذا تقوى وإيمانٍ، فتُحِبُّه في اللهِ، وتُبغِضُه في اللهِ؛ لأنَّك رأيتَه كافِرًا عاصِيًا للهِ، فتُبغِضُه في اللهِ، أو عاصِيًا وإن كان مُسلِمًا فتُبغِضُه بقَدْرِ ما عِندَه مِن المعاصي، هكذا المؤمِنُ يتَّسِعُ قَلْبُه لهذا أو هذا؛ يحِبُّ في اللهِ أهلَ الإيمانِ والتَّقوى، ويُبغِضُ في اللهِ أهلَ الكُفرِ والشُّرورِ والمعاصي،
ويكونُ قَلْبُه مُتَّسِعًا لهذا وهذا، وإذا كان الرَّجُلُ فيه خيرٌ وشَرٌّ، كالمسلِمِ العاصي، أحَبَّه مِن أجْلِ إسلامِه، وأبغَضَه مِن أجْلِ ما عِندَه مِن المعاصي، ويكونُ فيه الأمرانِ، الشُّعْبتانِ: شُعبةُ الحُبِّ، والبُغضِ. أهلُ الإيمانِ والاستقِامةِ يُحِبُّهم حُبًّا كامِلًا، وأهلُ الكُفرِ يُبغِضُهم بُغضًا كامِلًا، وصاحِبُ الشَّائِبَتينِ؛ صاحِبُ المعاصي، يُحِبُّه على قَدْرِ ما عِندَه مِنَ الإيمانِ والإسلامِ، ويُبغِضُه على قَدْرِ ما عِندَه مِن المعاصي والمخالَفاتِ) .
الثَّالِثُ: مَن يُبغَضُ جُملةً، وهو مَن كَفَر باللهِ ومَلائِكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ، ولم يُؤمِنْ بالقَدَرِ؛ خَيرِه وشَرِّه، أو أشرَكَ باللهِ في عِبادتِه أحَدًا مِن الأنبياءِ والأولِياءِ والصَّالحينَ، وصَرَفَ لهم نوعًا من أنواعِ العِبادةِ، كالحُبِّ والدُّعاءِ، والخَوفِ والرَّجاءِ، والتَّعظيمِ والتوَكُّلِ، والاستِعانةِ والاستِعاذةِ والاستِغاثةِ، والذَّبحِ والنَّذرِ، والذُّلِّ والخُضوعِ، والخَشْيةِ والرَّغبةِ والرَّهبةِ، أو ألحَدَ في أسمائِه وصفاتِه، واتَّبَع غَيرَ سَبيلِ المؤمِنينَ، وانتَحَل ما كان عليه أهلُ البِدَعِ والأهواءِ المضِلَّةِ، وكذلك كُلُّ من قامت به نواقِضُ الإسلامِ، فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يتبَرَّؤونَ مِمَّن حادَّ اللهَ ورَسولَه، ولو كان أقرَبَ قَريبٍ.
قال اللهُ تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة: 22] .
ويمتَثِلونَ لنَهيِ اللهِ في قَولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 23-24] .
ومُوالاةُ هذا الصِّنفِ الثَّاِلِث تتَّخِذُ صُوَرًا ومَراتِبَ مُختَلِفةً، فالحُكمُ فيها ليس حُكمًا واحِدًا؛ فإنَّ مِن صُوَرِ الموالاةِ ما يُوجِبُ نَقْضَ الإيمانِ بالكُلِّيَّةِ، ومنها ما هو دونَ ذلك، فيَكونُ مِن الكَبائِرِ والمحَرَّماتِ.
وهذه الموالاةُ التي تُناقِضُ الإيمانَ قد تكونُ اعتِقادًا فحَسْبُ، وقد تَظهَرُ في أقوالٍ وأعمالٍ .
قال الشِّنقيطيُّ: (يَقولُ اللهُ جَلَّ وعلا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال: 73] ، هذه الآيةُ الكريمةُ مِن الآياتِ العِظامِ التي يُعتبَرُ بها؛ لأنَّ ما ذكَرَه اللهُ جَلَّ وعلا فيها وما حَذَّرَ منه مِنَ الفِتنةِ والفَسادِ الكَبيرِ إنْ لم يُوالِ المُسلِمونَ بَعضُهم بعضًا، ويَقْطعوا مُوالاةُ الكُفَّارِ، ويَترُكوا الكُفَّارَ بَعضُهم يُوالي بَعضًا؛ ما حَذَّرَ به مِن أنَّهم إن لم يُحاِفظوا على صِدقِ المُوالاةِ بيْنهم، ومُقاطعةِ أعدائِهم، تَقَعْ في الأرضِ الفِتنةُ والفَسادُ الكبيرُ، فهو واقِعٌ مُنتَشِرٌ الآنَ: يَدُلُّ على عِظَمِ هذا القُرآنِ العَظيمِ، وأنَّه كلامُ رَبِّ العالَمينَ، وأنَّ تحذيرَه حَقٌّ، وتَرغيبَه حَقٌّ) .
قال اللهُ تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] .
قال ابنُ جريرٍ: (معنى ذلك: لا تتَّخِذوا -أيُّها المؤمِنونَ- الكُفَّارَ ظَهرًا وأنصارًا، توالونَهم على دِينِهم، وتُظاهِرونَهم على المسلِمينَ مِن دونِ المؤمِنينَ، وتَدُلُّونَهم على عَوْراتِهم؛ فإنَّه مَن يَفعَلْ ذلك فليس مِنَ اللهِ في شَيءٍ، يعني بذلك: فقد بَرِئَ مِنَ اللهِ، وبَرِئَ اللهُ منه بارتدادِه عن دينِه، ودُخولِه في الكُفرِ، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً إلَّا أن تكونوا في سُلطانِهم، فتَخافوهم على أنفُسِكم، فتُظهِروا لهم الوَلايةَ بألسِنَتِكم، وتُضمِروا لهم العَداوةَ، ولا تُشايعوهم على ما هم عليه مِنَ الكُفرِ، ولا تُعينوهم على مُسلِمٍ بفِعلٍ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149] .
قال سُلَيمانُ بنُ عَبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (أخبَرَ تعالى أنَّ المؤمِنينَ إن أطاعوا الكُفَّارَ فلا بُدَّ أن يَرُدُّوهم على أعقابِهم عن الإسلامِ؛ فإنَّهم لا يَقنَعونَ منهم بدونِ الكُفرِ، وأخبَرَ أنَّهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسِرينَ في الدُّنيا والآخِرةِ، ولم يُرَخِّصْ في موافقتِهم وطاعتِهم خَوفًا منهم، وهذا هو الواقِعُ؛ فإنَّهم لا يَقتَنِعونَ مِمَّن وافَقَهم إلَّا بشَهادةِ أنَّهم على حَقٍّ، وإظهارِ العَداوةِ والبَغضاءِ للمُسلِمينَ) .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121] .
قال الشِّنقيطيُّ: (حذْفُ الفاءِ مِن قَولِه: إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ يَدُلُّ على قَسَمٍ محذوفٍ... فهو قَسَمٌ مِنَ اللهِ جَلَّ وعلا أقسَمَ به على أنَّ مَن اتَّبَع الشَّيطانَ في تحليلِ المَيتةِ أنَّه مُشرِكٌ، وهذا الشِّرْكُ مُخرِجٌ عن المِلَّةِ بإجماعِ المسلِمينَ) .
وقال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:25، 26].
قال ابنُ حزم: (جعَلَهم تعالى مُرتَدِّينَ كُفرًا بعد عِلْمِهم الْحَقَّ، وَبعد أن تبَيَّنَ لهم الهُدى، بقَولِهم للكُفَّارِ ما قَالوا فقط) .
ويَدخُلُ في مُعتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: البَراءةُ مِن أربابِ البِدَعِ والأهواءِ.
وصاحِبُ البِدعةِ المكَفِّرةِ المُخرِجةِ عن مِلَّةِ الإسلامِ: له مِنَ العَداءِ والبُغضِ بمِثلِ ما للكافِرِ الأصليِّ.
قال اللهُ تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140].
وقال اللهُ سُبحانَه: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 180] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] .
وقال اللهُ تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام: 159] .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: تلا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا رأيتُم الذين يتَّبِعونَ ما تَشابَهَ منه، فأولئك الذين سَمَّى اللهُ؛ فاحْذَروهم)) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (لا تجالِسْ أهلَ الأهواءِ؛ فإنَّ مجالَستهَم مُمرِضةٌ للقُلوبِ) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما لَمَّا أخبَرَه يَحيى بنُ يَعمَرَ عن القَدَريَّةِ قال: (فإذا لَقِيتَ أولئك فأخبِرْهم أنِّي بَريءٌ منهم، وأنَّهم بُرَآءُ مِنِّي) .
وعن الحَسَنِ وابنِ سِيرينَ قالا: (لا تُجالِسوا أهلَ الأهواءِ، ولا تُجادِلوهم، ولا تَسمَعوا منهم) .
وقال الشَّافعيُّ: (حُكْمي في أهلِ الكَلامِ أن يُضْرَبوا بالجَريدِ، ويُحمَلوا على الإبِلِ، ويُطافَ بهم في العَشائِرِ والقبائِلِ، ويُنادى عليهم: هذا جزاءُ مَن تَرَك الكِتابَ والسُّنَّةَ، وأقبَلَ على عِلمِ الكَلامِ) .
وقال أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ حاكيًا مَذهَبَ السَّلَفِ: (اتَّفَقوا مع ذلك على القَولِ بقَهرِ أهلِ البِدَعِ، وإذلالِهم وإخزاِئهم، وإبعادِهم وإقصائِهم، والتَّباعُدِ منهم، ومِن مُصاحبِتهم ومُعاشَرتِهم، والتقَرُّبِ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ بمُجانبتِهم ومُهاجَرتِهم) .
وقال البَغَويُّ: (قد مَضَت الصَّحابةُ والتَّابِعونَ وأتباعُهم وعُلَماءُ السُّنَّةِ على هذا، مجمِعينَ مُتَّفِقينَ على مُعاداةِ أهلِ البِدعةِ، ومُهاجَرتِهم) .
وقال ابنُ قُدامةَ: (من السُّنَّةِ: هِجرانُ أهلِ البِدَعِ ومُباينَتُهم، وتَرْكُ الجِدالِ والخُصوماتِ في الدِّينِ، وتَرْكُ النَّظَرِ في كُتُبِ المبتَدِعةِ والإصغاءِ إلى كلامِهم، وكُلُّ مُحدَثةٍ في الدِّينِ بِدعةٌ، وكُلُّ مُتَسَمٍّ بغيرِ الإسلام ِوالسُّنَّةِ مبتَدِعٌ، كالرَّافِضةِ والجَهْميَّةِ، والخوارِجِ والقَدَريَّةِ، والمُرْجِئةِ والمعتَزِلةِ، والكَرَّامِيَّةِ والكُلَّابِيَّةِ، ونَظائِرِهم، فهذه فِرَقُ الضَّلالِ، وطوائِفُ البِدَعِ. أعاذنا اللهُ منها) .
وفي حَديثِ كَعبِ بنِ مالِكٍ رَضِي اللهُ عنه في قِصَّةِ الثَّلاثةِ الذين خُلِّفوا في غزوةِ تَبوكَ، فهَجَرهم المسلِمونَ بأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم،
قال النَّوويُّ في ذِكرِ ما فيه مِن فَوائِدَ: (استِحبابُ هِجرانِ أهلِ البِدَعِ والمعاصي الظَّاهِرةِ، وتَرْكِ السَّلامِ عليهم، ومُقاطَعتِهم؛ تَحقيرًا لهم وزَجْرًا) .
-------------------------------------------------------------------------------
التالي : -
رابعاً : : التشَبُّهُ بالكُفَّارِ :
أمس في 5:34 pm من طرف عبدالله الآحد
» الإيمان بأن الله خلق آدم على صورته كما قال رسول الله بلا كيف ولا تشبيه
السبت مايو 18, 2024 5:13 pm من طرف عبدالله الآحد
» صفات الله الفعلية قديمة النوع حادثة الآجاد أي متجددة الآحاد غير مخلوقة
الجمعة مايو 17, 2024 4:29 pm من طرف عبدالله الآحد
» أهل السنة ليسوا مشبهة وعلامة الجهمية تسميتهم بالمشبهة
الخميس مايو 16, 2024 4:52 pm من طرف عبدالله الآحد
» أقوال علماء السنة في أن القرآن ليس قديما بقدم الله ولا يوصف بمحدث
الثلاثاء مايو 14, 2024 4:57 pm من طرف عبدالله الآحد
» أخطاء فى الحج كيف نتفاداها ؟؟؟
الإثنين مايو 13, 2024 10:55 pm من طرف صادق النور
» أنواع التوحيد عرفت بالاستقراء من القرآن والسنة لهذا تقسيم التوحيد ليس ببدعة بل عليها الدليل وعرفها العلماء
الإثنين مايو 13, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد
» التحذير من إنكار صفات الله سبحانه لأن ذلك كفر
الأحد مايو 12, 2024 4:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» اثبات صفة النزول لله والرد على شبهة
السبت مايو 11, 2024 4:38 pm من طرف عبدالله الآحد
» هل القرآن مدلول كلام الله؟!
الجمعة مايو 10, 2024 4:53 pm من طرف عبدالله الآحد