تعاقب الملائكة واجتماعهم
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال:
"الملائكةُ يَتعاقَبون، ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار، ويَجتَمعون في صلاةِ الفجرِ والعصر، ثم يَعرُجُ إليه الذين باتوا فيكم، فيَسألُهم وهو أعلم، فيقول: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: ترَكْناهم يُصَلُّون، وأتيناهم يُصَلُّون".
صحيح البخاري (3051)، صحيح مسلم (632)، واللفظ للأول.
معنى "يتعاقبون": تأتي طائفة بعد طائفة.
وأما اجتماعهم في الفجرِ والعصر، فهو من لطفِ الله تعالى بعبادهِ المؤمنين وتكرمةٌ لهم، أن جعلَ اجتماعَ الملائكةِ عندهم ومفارقتهم لهم في أوقاتِ عباداتهم واجتماعهم على طاعةِ ربِّهم، فيكونُ شهادتهم لهم بما شاهدوهُ من الخير[1].
(22)
الوصية بالجار
عن عائشةَ رضيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"ما زالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنه سيورِّثه".
صحيح البخاري (5669)، صحيح مسلم (2625)، ولفظهما سواء.
سيورِّثه: أي يأمرُ عن الله بتوريثِ الجارِ من جاره.
ويحصلُ امتثالُ الوصيةِ بالجارِ بإيصالِ ضروبِ الإحسانِ إليه، بحسبِ الطاقة، كالهدية، والسلام، وطلاقةِ الوجهِ عند لقائه، وتفقُّدِ حاله، ومعاونتهِ فيما يحتاجُ إليه، إلى غيرِ ذلك.
وكفُّ أسبابِ الأذَى عنه على اختلافِ أنواعه، حسِّيةً كانت أو معنوية[2].
(23)
حضور المريض أو الميت
عن أمِّ سلمةَ رضيَ الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"إذا حضرتُم المريضَ، أو الميِّتَ، فقولوا خيرًا، فإنَّ الملائكةَ يؤمِّنون على ما تقولون".
قالت: فلمَّا ماتَ أبو سلمةَ أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلت: يا رسولَ الله، إنَّ أبا سلمةَ قد مات.
قال: "قولي: اللهمَّ اغفرْ لي وله، وأعقِبْني منه عُقبَى حسنة".
قالت: فقلتُ، فأعقبني اللهُ مَن هو خيرٌ لي منه: محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
صحيح مسلم (919).
فيه الندبُ إلى قولِ الخيرِ حينئذ، من الدعاءِ والاستغفارِ له، وطلبِ اللطفِ به، والتخفيفِ عنه، ونحوه. وفيه حضورُ الملائكةِ حينئذٍ وتأمينُهم.
"فإنَّ الملائكةَ يؤمِّنون": أي يقولون "آمين"، على ما تقولون من الدعاء، خيرًا أو شرًّا.
"وأعقِبْني منه عُقبَى حسنة": أي عوِّضني منه عوضًا حسنًا[3].
(24)
الملائكة تتأذَّى..
عن جابر بنِ عبدالله، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"مَن أكلَ من هذه البَقلةِ، الثُّومِ، (وقالَ مرَّةً: مَن أَكلَ البصلَ والثُّومَ والكُرَّاثَ)، فلا يَقْرَبَنَّ مسجِدَنا، فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى ممَّا يَتأذَّى منهُ بنو آدم".
صحيح البخاري (816)، صحيح مسلم (564)، واللفظُ للأخير.
(25)
السيئة
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"قالتِ الملائكة: ربِّ ذاكَ عبدُكَ يريدُ أن يعملَ سيِّئةً - وهو أبصرُ به - فقال: ارقُبُوهُ، فإِنْ عمِلَها فاكتُبوها لهُ بمثلِها، وإِنْ تركَها فاكتُبوها لهُ حسنة، إِنَّما تركَها من جرَّاي".
صحيح مسلم (129). وهو عند البخاري بلفظ آخر، أوله: "يقولُ الله: إذا أرادَ عبدي أن يعملَ سيئة...". صحيحه (7062).
من جرّاي: من أجلي.
ذكرَ ابنُ حجر رحمَهُ الله، أن تركَ المعصيةِ كفٌّ عن الشرّ، والكفُّ عن الشرِّ خيرٌ.
وأوردَ قولَ الخطّابي: محلُّ كتابةِ الحسنةِ على التَّرك، أن يكونَ التاركُ قد قدرَ على الفعلِ ثم تركه؛ لأن الإنسانَ لا يسمَّى تاركًا إلا مع القدرة. ويدخلُ فيه مَن حالَ بينه وبين حرصهِ على الفعلِ مانع، كأنْ يمشيَ إلى امرأةٍ ليزنيَ بها مثلًا، فيجدَ البابَ مغلقًا، ويتعسَّرَ فتحه[4].
(26)
الملائكة تحضر قراءة أُسيد
عن أُسَيدِ بنِ حُضَير قال:
بينما هو يقرأُ من الليلِ سورةَ البقرة، وفرسُهُ مربوطٌ عنده، إذ جالتِ الفرسُ، فسكتَ فسكتتْ، فقرأ، فجالتِ الفرسُ، فسكتَ وسكتتِ الفرسُ، ثم قرأ فجالتِ الفرسُ، فانصرف، وكان ابنُه يحيَى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبَه، فلمّا اجترَّهُ رفع رأسَهُ إلى السماءِ حتى ما يراها، فلمّا أصبحَ حدَّثَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال:
"اقرأْ يا ابنَ حُضير، اقرأ يا ابنَ حُضَير".
قال: فأشفقتُ يا رسولَ اللهِ أن تطأَ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعتُ رأسي فانصرفتُ إليه، فرفعتُ رأسي إلى السماءِ، فإذا مثلُ الظُّلَّةِ فيها أمثالُ المصابيح، فخرجتُ حتَّى لا أراها.
قال: "وتدري ما ذاك"؟
قال: لا.
قال: "تلكَ الملائكةُ، دَنَتْ لصوتِك، ولو قرأتَ لأصبحَتْ ينظر الناسُ إليها، لا تتوارَى منهم".
صحيح البخاري (4730)، صحيح مسلم (796). واللفظُ للأول.
فيه منقبةٌ لأُسَيدِ بنِ حُضير، وفضلُ قراءةِ سورةِ البقرةِ في صلاةِ الليل، وفضلُ الخشوعِ في الصلاة، وأن التشاغلَ بشيءٍ من أمورِ الدنيا ولو كان من المباح، قد يفوِّتُ الخيرَ الكثير، فكيف لو كان بغيرِ الأمرِ المباح؟[5].
(27)
محبة المؤمن
عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادَى جبريلَ: إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبُّهُ جبريلُ، فيُنادي جبريلُ في أهلِ السماء: إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّهُ أهلُ السماءِ، ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ".
صحيح البخاري (3037)، صحيح مسلم (5637)، واللفظُ للأول.
قالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمَهُ الله: المرادُ بالقبولِ في حديثِ الباب، قبولُ القلوبِ له بالمحبَّة، والميلُ إليه، والرضا عنه.
ويؤخَذُ منه أن محبَّةَ قلوبِ الناسِ علامةُ محبَّةِ الله، ويؤيِّدهُ ما تقدَّمَ في الجنائز "أنتم شهداءُ الله في الأرض".
والمرادُ بمحبَّةِ الله إرادةُ الخيرِ للعبد، وحصولُ الثوابِ له، وبمحبَّةِ الملائكة: استغفارُهم له، وإرادتُهم خيرَ الدارَين له، وميلُ قلوبهم إليه؛ لكونهِ مطيعًا لله، محبًّا له. ومحبَّةُ العبادِ له اعتقادُهم فيه الخيرَ، وإرادتُهم دفعَ الشرِّ عنه ما أمكن[6].
(28)
جبريل في الحرب
عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال يومَ بدر:
"هذا جبريلُ آخِذٌ برأسِ فرَسِه، عليه أداةُ الحرب".
صحيح البخاري (3773).
قال الشيخُ تقيُّ الدين السبكي: سُئلتُ عن الحكمةِ في قتالِ الملائكةِ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أن جبريَل قادرٌ على أن يدفعَ الكفارَ بريشةٍ من جناحه، فقلت: وقعَ ذلك لإرادةِ أن يكونَ الفعلُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وأصحابه، وتكونَ الملائكةُ مددًا، على عادةِ مددِ الجيوش؛ رعايةً لصورةِ الأسبابِ وسنَّتِها التي أجراها الله في عباده، والله سبحانهُ هو فاعلُ الجميع[7].
(29)
الملائكة تُظلُّ أبا جابر
قالَ جابر بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما:
لَمَّا قُتِلَ أبي، جعلتُ أكشِفُ الثوبَ عن وجهِه، أبكي ويَنهونني عنه، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَنهاني، فجعلتْ عَمَّتِي فاطمةُ تَبكي، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
"تَبكِينَ أو لا تَبكِين، ما زالتِ الملائكةُ تُظِلُّهُ بأجنحتِها حتى رفعتمُوه".
صحيح البخاري (1187).
معناهُ أنه مكرَّمٌ بصنيعِ الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه[8].
(30)
أفضل الملائكة
عن معاذ بن رفاعةَ بن رافع الزرقي، عن أبيه، وكان أبوهُ من أهلِ بدر، قال:
جاءَ جبريلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:
"ما تعدُّون أهلَ بدرٍ فيكم"؟
قال: "من أفضلِ المسلمين" - أو كلمةً نحوها -.
قال: "وكذلك مَن شهدَ بدرًا من الملائكة".
صحيح البخاري (3771).
وكان الله تعالَ أمدَّ أهلَ بدرٍ ﴿ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [سورة آل عمران:125].
[1] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 133.
[2] ينظر فتح الباري 10/ 442.
[3] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 222، تحفة الأحوذي 4/ 46.
[4] فتح الباري 11/ 326.
[5] فتح الباري 9/ 64.
[6] فتح الباري 10/ 462.
[7] فتح الباري 7/ 313.
[8] فتح الباري 3/ 116.
أمس في 6:57 am من طرف عبدالله الآحد
» تحذير من كتاب القرآن قديم او محدث
الأربعاء مارس 27, 2024 7:04 am من طرف عبدالله الآحد
» اثبات أن القرآن كلام الله حقيقة لا عبارة ولا حكاية
الثلاثاء مارس 26, 2024 6:59 am من طرف عبدالله الآحد
» الرد على أشعري زعم أن أهل السنة مشبهة
الإثنين مارس 25, 2024 6:54 am من طرف عبدالله الآحد
» الاستعاذة بغير الله شرك وبيان أقوال السلف في ذلك
الأحد مارس 24, 2024 6:54 am من طرف عبدالله الآحد
» ذم علم الكلام وأهله
السبت مارس 23, 2024 6:59 am من طرف عبدالله الآحد
» الرد على الاحباش والكلابية واثبات الصفات الاختيارية لله سبحانه
الجمعة مارس 22, 2024 7:02 am من طرف عبدالله الآحد
» الإيمان عند أهل السنة اعتقاد وقول وعمل
الخميس مارس 21, 2024 7:12 am من طرف عبدالله الآحد
» أحكام القرآن لأبن العربي - أبو بكر محمد بن عبد الله الأندلسي
الأربعاء مارس 20, 2024 10:07 pm من طرف صادق النور
» وظائف شهر رمضان المعظم
الأربعاء مارس 20, 2024 4:33 pm من طرف صادق النور