آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

<<< اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفو عنا <<< اللهم أعنا علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك <<< اللهم أرزقنا توبة نصوحاً قبل الموت وأرزقنا حسن الخاتمه <<<

المواضيع الأخيرة

» الإرادة الكونية والإرادة الشرعية
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110اليوم في 6:57 am من طرف عبدالله الآحد

» تحذير من كتاب القرآن قديم او محدث
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110أمس في 7:04 am من طرف عبدالله الآحد

» اثبات أن القرآن كلام الله حقيقة لا عبارة ولا حكاية
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الثلاثاء مارس 26, 2024 6:59 am من طرف عبدالله الآحد

» الرد على أشعري زعم أن أهل السنة مشبهة
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الإثنين مارس 25, 2024 6:54 am من طرف عبدالله الآحد

» الاستعاذة بغير الله شرك وبيان أقوال السلف في ذلك
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الأحد مارس 24, 2024 6:54 am من طرف عبدالله الآحد

» ذم علم الكلام وأهله
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110السبت مارس 23, 2024 6:59 am من طرف عبدالله الآحد

» الرد على الاحباش والكلابية واثبات الصفات الاختيارية لله سبحانه
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الجمعة مارس 22, 2024 7:02 am من طرف عبدالله الآحد

» الإيمان عند أهل السنة اعتقاد وقول وعمل
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الخميس مارس 21, 2024 7:12 am من طرف عبدالله الآحد

»  أحكام القرآن لأبن العربي - أبو بكر محمد بن عبد الله الأندلسي
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الأربعاء مارس 20, 2024 10:07 pm من طرف صادق النور

» وظائف شهر رمضان المعظم
أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooou110الأربعاء مارس 20, 2024 4:33 pm من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 28 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 28 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 9552 مساهمة في هذا المنتدى في 3151 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 286 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو eleen فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:24 am


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله
    ::
    نبداء أحبتي الكرام في الحديث عن أدعيه ألأستفتاح لفضيله ألأستاذ الدكتور /خالد بن عثمان بن علي السبت
    وهي سلسله ممتعه ومفيده جداً وترتقي بالقارئ لمعرفه أذكار حبيبنا المصطفي صل الله عليه وسلم وما كان يقوله في أستفتاح صلاته حتي نكون نعم المقتدي به صل الله عليه وسلم .. وسأنقلها لكم كما كتبها فضيله الشيخ دون حذف أو أضافه لآن شرح فضيلته لا يقارن بشرح
    ..
    ((الجزء ألأول ))
     دعاء الاستفتاح (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)
    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    في هذه الليلة نشرع في الكلام على أدعية الاستفتاح، وأول ذلك مما أورده المؤلفُ هنا هو: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد[1].

    هذا الحديث، وهذا الدُّعاء، وهذا الاستفتاح جاء من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، كما أشرنا في الليلة الماضية، وذلك أنَّه قال: كان رسولُ الله ﷺ يسكت بين التَّكبير وبين القراءة إسكاتةً. قال: أحسبه قال: هُنَيَّةً، فقلتُ: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التَّكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي .. الحديث.

    ففي قول أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "كان رسولُ الله ﷺ يسكت بين التَّكبير وبين القراءة إسكاتةً"، عرفنا أنَّ هذا التَّعبير يدل على المداومة غالبًا، وأنَّه كان من عادته ﷺ أنه يسكت سكتةً يسيرةً بين تكبيرة الإحرام والقراءة، حينما يُكبر تكبيرةَ الإحرام يسكت سكتةً قصيرةً، ثم بعد ذلك يشرع في الفاتحة، فـ(كان) هذه تدل على المداومة، وكثرة الفعل، وتكرره، وقد تُستعمل في مجرد وقوعه مرةً واحدةً.

    فقوله: "كان رسولُ الله ﷺ يسكت بين التَّكبيرة وبين القراءة"، وهذا الحديث المخرج في "الصَّحيحين" يدل على أنَّ هذه السَّكتة ثابتةٌ وسُنَّةٌ، أي: أنَّ الإمام يسكت في هذا الموضع، وهذا السُّكوت كما يُوضِّحه حديثُ أبي هريرة لما سأل النبيَّ ﷺ عن ذلك، فأخبره أنَّه يقول هذا الدُّعاء وهذا الاستفتاح، بمعنى: أنَّه لم يكن يسكت ﷺ من أجل أن يقرأ مَن خلفه الفاتحة، كما ذكر ذلك بعضُ أهل العلم، قالوا: يسكت من أجل أن يُتيح الفرصة لمن خلفه ليقرأ الفاتحة. وهذا غير صحيحٍ، فهذه سكتة ثابتة لقراءة الاستفتاح، والمأموم كذلك، يعني: أنَّه يقرأ الاستفتاح في هذه السَّكتة، فإنَّ قراءةَ الإمام للاستفتاح لا تكفي عن قراءة المأموم.

    وأما السُّكوت بعد الفاتحة من أجل أن يقرأ المأمومُ الفاتحةَ، فهذا لا يصحّ فيه حديثٌ، فما ورد في ذلك فهو ضعيفُ الإسناد.

    ومن هنا فإنَّ الإمام لا يُشرع له أن يسكت بعد الفاتحة سكوتًا يطول من أجل أن يقرأ المأمومُ الفاتحةَ، وإنما كان يسكت سكوتًا يسيرًا بقدر ما يتراد إليه النفسُ فقط؛ ولهذا فإنَّ بعض المأمومين لربما يُنكر على الإمام أنَّه لا يُعطيهم فرصةً ووقتًا كافيًا لقراءة الفاتحة، وهذا غير مشروعٍ في حقِّ الإمام، بل إنْ فعل ذلك يكون قد خالف هدي النبي ﷺ.

    إذًا متى يقرأ المأمومُ الفاتحةَ؟

    يقرأها في سكتات الإمام، فينبغي أن تكون قراءةُ الإمام قراءةً مُفصَّلةً، مُترسّلةً، يقرأ آيةً آيةً، فيقرأ المأمومُ في سكتاته.

    إذًا السَّكتة التي بعد الفاتحة لا تثبت، وإنما بقدر ما يتراد إليه النفسُ، وهنا هذه السَّكتة ليس المقصودُ أنه يبقى صامتًا لا يتكلم بشيءٍ، وإنما المقصود أنَّه لا يجهر بشيءٍ، فهم بالنسبة إليهم يكون ذلك في حكم السُّكوت، ولكن هنا لما سأله أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أخبره بما يقول.

    إذًا لم يكن ﷺ صامتًا في هذه السَّكتة، وإنما هو سكوت عن الجهر، لا عن مُطلق القول والذِّكْر، هو سكوت عن قراءة القرآن، يعني: قبل أن يشرع بالفاتحة، فيسكت سكتةً يسيرةً.

    قال: "يسكت إسكاتةً"، يعني: السُّكوت الذي يقتضي بعده كلامًا، يُقال: سكت إسكاتةً، يعني: ليس سكوتًا دائمًا مُستمرًّا، ليس بعده نطقٌ، ولا كلامٌ، ولا قراءةٌ، وإنما إسكاتة، يعني: أنَّها محدودة، يعقبها بعد ذلك القراءة، ويعقبها بعد ذلك النُّطق، ويعقبها بعد ذلك التِّلاوة أو الكلام، يُقال: سكت فلانٌ إسكاتةً، يعني: سكتةً محدودةً، ثم تكلَّم بعدها، هذا هو المراد، والله تعالى أعلم.

    وهذه الإسكاتة هي إسكاتة يسيرة، كما يدلّ عليه قوله في هذا الحديث: "قال: أحسبه قال: هنية"، وهنية وهنيهة، أي: أنها سكتة يسيرة، فالهنية هي اليسير من الشَّيء، يعني: سكتة قصيرة، وليست بسكتةٍ طويلةٍ.

    فهنا النبي ﷺ كان يسكت إسكاتةً، لكنَّه يقول فيها سرًّا دعاء الاستفتاح، وهذه الإسكاتة محدودة ويسيرة وقصيرة، قال: "أحسبه قال: هنية"، يعني: يسكت إسكاتةً هنية، أو يسكت هنية، يعني: سكوتًا يسيرًا، فهذه على رواية الظنّ: "أحسبه قال: هنية"، هذه من رواية عبدالواحد بن زياد، وهي عند البُخاري[2].

    ولكن في روايةٍ أخرى عند مسلمٍ قال: "سكت هنية"، بدون شكٍّ، ما قال: "أحسبه قال: هنية"[3]، فقال له أبو هريرة : "بأبي وأمي يا رسول الله"، يسأل النبيَّ ﷺ ويفديه بأبيه وأمِّه: "إسكاتك بين التَّكبير والقراءة ما تقول؟".

    ولاحظوا: هنا دلَّ على أنَّه عرف أنَّ النبي ﷺ كان يقول شيئًا، فلم يقل: هل تقول فيه شيئًا؟ وإنما قال: ما تقول؟ باعتبار أنَّه يقول، لكن ما الذي يقوله مما لم يجهر به؟ فسأله عن ذلك.

    "بأبي وأمِّي" الباء هنا تتعلَّق بمحذوفٍ مُقدَّرٍ: إمَّا اسم، يعني: أنت مُفدّى بأبي وأمّي. أو بفعلٍ، يعني: فديتُك بأبي وأمي. وهذا يدل على أنَّ النبي ﷺ يُفدى بالآباء والأُمّهات -عليه الصلاة والسلام-.

    ولكن هل يُقال ذلك لغيره أو لا؟

    بعض أهل العلم منع من ذلك، قال: لا يُقال هذا إلا له؛ لأنَّ حقَّ الوالدين ومنزلةَ الأبوين هي ما قد علمتُم.

    وبعضهم قال: لا بأسَ بذلك مُطلقًا.

    وبعضهم يقول: لا بأسَ لمن كان من أهل العلم، أو من أهل الصَّلاح، ولا يُقال لغيرهم من المفرِّطين المضيِّعين.

    فهنا سأله قال: "إسكاتك" بالرَّفع هنا على الابتداء، أو بالنَّصب: "إسكاتك" على أنَّه مفعولٌ به بفعلٍ مُقدَّرٍ: أسألك إسكاتك. أو على نزع الخافض -حرف الجرِّ-، بمعنى: أنَّه يقول: ما تقول في إسكاتك؟ فلمَّا حذف حرف الجرّ جاء منصوبًا، وجاء ذلك في روايةٍ: قال: ما تقول في سكتتك بين التَّكبير والقراءة؟

    وهذا يُفسّر قوله: "إسكاتَك" أو "إسكاتُك ما تقول؟" يعني: ما تقول في سكتتك بين التَّكبير والقراءة؟ هذه الرِّواية مُصرّحة بالصيغة التي جاء عليها السؤال من غير تقديرٍ.

    وفي روايةٍ لمسلم: "أرأيت سكوتك"[4]، يعني: أخبرني سكوتك ما تقول فيه؟

    فلاحظوا: هنا سمَّاه: سكوتًا، وقال: ما تقول فيه؟ لأنَّه عرف أنَّه يقول شيئًا، إذًا هذا السُّكوت هو بمعنى عدم الجهر، وليس بمعنى أنَّه يكون صامتًا.

    ولربما استدلّ على أنَّه كان يقول شيئًا أنَّه رأى مثلاً شفة النبي ﷺ تتحرك، فعرف أنَّه يقرأ، كما كانوا يعرفون قراءَته في السرية باضطراب لحيته -عليه الصلاة والسلام-، وكانت له لحيّة كثَّة، وكانت لحيتُه ﷺ تُغطِّي صدرَه -عليه الصَّلاة والسلام-، وما كان ﷺ يأخذ منها: لا من طولها، ولا من عرضها، ولا من أسفلها، وهو القُدوة والأسوة الكاملة، الذي أُمرنا بالائتساء والاقتداء به.

    فهنا سأله عمَّا يقول، فأجابه النبيُّ ﷺ بقوله: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، "باعد" يعني: أبعد، فجيء به على صيغة المبالغة: (باعد)، مبالغة في المباعدة؛ لأنَّ المفاعلة تدلّ على المبالغة، مثل: ضاعف.

    و(باعد) هذه بعض أهل العلم يقول: إنها تدل على البُعْد من الجانبين؛ لأنَّ المفاعلةَ في الأصل أن تكون بين شيئين، مثال: المحادة، والمقاتلة، والمناظرة، فالمباعدة تكون أيضًا من الجانبين، يعني: يبتعد هو عن الخطايا وعن آثارها -كما سيأتي-، وهي أيضًا تكون بعيدةً عنه: باعد بيني وبين خطاياي، وكأنَّه يقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، وباعد بين خطاياي وبيني، أبعدني عنها، وأبعدها عني، لا يكون هناك اقترابٌ بحالٍ من الأحوال بيني وبين خطاياي، يعني: مُجانبة الخطايا، والمبالغة في ذلك.

    خطاياي الخطايا جمع خطيّةٍ، كالعطايا جمع عطيّةٍ، والذي يقول: باعد بيني وبين خطاياي هو النبيُّ ﷺ، فهذه الخطايا ما المراد بها؟ هل هي خطايا سابقة وقعت، أو أنَّ المقصودَ بها خطايا لاحقة، يعني: مما يقع، أو يمكن أن يقع للإنسان في مستقبل الأيام؟

    هذا يحتمل، فإن كان المرادُ بها اللَّاحقة التي تقدّر في المستقبل، أو يتخوّف من حصولها، فمعناه: إذا قُدِّر لي ذنبٌ فباعد بيني وبينه. وإن كان المرادُ بها السَّابقة فيكون معنى ذلك: باعد بيني وبينها بالمحو والمغفرة والتَّجاوز عمَّا سلف وكان.

    فهو إمَّا أن يكون يقصد بذلك خطايا لم تقع: فباعد بيني وبينها، لا تقع، ولا تصدر عني. أو أنها خطايا وقعت، فهو يقول: يا ربّ، تجاوز واعفُ عمَّا كان من ذلك.

    ولاحظ: باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، فأعاد هنا (بين) ثانيةً، تقول مثلاً: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78]، فـ(بين) هذه كثيرٌ من أهل العلم من النُّحاة وأهل اللُّغة يقولون: إنَّها لا تُكرر إذا كانت بين ظاهرين، من الأسماء الظَّاهرة مثلاً، أو بين لفظين ظاهرين، وإنما تُكرر إذا كانت معطوفةً على مُضمرٍ مجرورٍ، أو نحو ذلك، لكن هذا هو الشَّائع.

    كما باعدتَ بين المشرق، ولم يقل: وبين المغرب؛ لأنَّ المشرق والمغرب اسمان ظاهران، فلا تأتي (بين) بينهما، فتسقط.

    ولكن الواقعَ أنَّ هذا ليس باضطرادٍ، فلاحظ هنا في نفس الحديث أبو هريرة  لما سأله قال: "يا رسول الله، أرأيتَ إسكاتك بين التَّكبير والقراءة؟" هنا وقعت (بين) الضَّمير الكاف وبين القراءة، ولم يقل: وبين القراءة، لكن قبله: "كان رسولُ الله ﷺ يسكت بين التَّكبير وبين القراءة"، فأعاد (بين) بين اسمين ظاهرين.

    فهذا أحد الشَّواهد التي تدلّ على صحّة إعادة لفظة (بين) هذه بين اسمين ظاهرين، فهذا من ناحية اللُّغة صحيحٌ، ليس بخطأ، ولكن الغالبَ أنَّها تسقط بين الظَّاهرين، وتكون مُثبتةً إذا كان ذلك في العطف على المضمر -والله تعالى أعلم.

    هذه فائدة جانبية يحتاج إليها طلابُ العلم.

    ولاحظ هنا: أنَّ النبي ﷺ هو الذي يقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، يعني: كتبعيدك بين المشرق والمغرب. وجه الشَّبه: أنَّ المشرقَ والمغربَ لا يلتقيان، فهذا يُذكر على سبيل المبالغة في المباعدة، تقول: بين فلان وفلان كما بين المشرقين، أو كما بين المشرق والمغرب، معناه: غاية المباينة والمباعدة.

    ولاحظ هنا: يمكن أن نقول: بين فلان وفلان، بالواو، ويمكن أن نقول: بين فلان وبين فلان، أن نُعيدها بين الاسمين، لكن الغالب: بين فلان وفلان، لكن حينما نقول: بينك وبين فلان.

    ما تُريدون مثل هذه الأشياء اليسيرة في الإعراب، لكنَّها فائدة عزيزة، وإلا فنحن لا نشتغل بهذا في مثل هذه المجالس.

    فعلى كل حالٍ، هنا أراد المبالغة في المباعدة بينه وبين خطاياه، فيكون ذلك بهذه المثابة، لا يقترب منها، ولا تقترب منه بحالٍ من الأحوال، سواء قلنا: إنَّ ذلك المقصود به المباعدة بينه وبين ما وقع، أو المباعدة بينه وبين ما هو مُرتقب، يعني: في المستقبل.

    لكن خطاياه التي لم تقع إذا قدّرنا أنَّ المقصودَ بها الخطايا المرتقبة، كيف أضافها إليه؟ يعني: الأفعال التي لو فعلتُها تصير خطايا، وتُنْسَب إليَّ.

    فالمقصود هو الحفظ والتَّوفيق بترك المعاصي والجنايات والذُّنوب، أو ما كان واقعًا، فالمطلوب هو المغفرة، وإذا كان النبي ﷺ هو الذي يقول ذلك، فهذا منه من قبيل إظهار العبودية والتَّذلل والتَّواضع، وتعظيم المعبود ، وإلا فالنبي ﷺ قد غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ولكن يمكن أن يُقال بأنَّ هذه المغفرة التي حصلت للنبي ﷺ قد قدّرت وركبت على أسبابٍ، منها: استغفاره ﷺ؛ ولهذا كان يُكثر من الاستغفار، فالله قد غفر له، كما ندعو للنبي ﷺ بالوسيلة والفضيلة، وهي مُتحققة له، لكن يمكن أن يكون الله -تبارك وتعالى- قد قدَّر له ذلك بهذا الاعتبار، يعني: جعله كائنًا ومُقدَّرًا، وجعله مُسبَّبًا عن دُعاء المؤمنين أيضًا، فهذا مضى الكلامُ عليه.

    وعلى كل حالٍ، في هذا إرشادٌ من النبي ﷺ لأُمَّته، يُعلِّمهم كيف يقولون.

    ويحتمل أنَّ ذلك كان أيضًا قبل أن يُوحَى إليه: أنَّه قد غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ولكن هذا فيه بُعْدٌ؛ لأنَّ النبي ﷺ كان مُلازمًا للاستغفار حتى بعدما أعطاه الله  ذلك، فهو أعبد الناس لربِّه، وأعظمهم تواضعًا وإخباتًا واستغفارًا؛ لأنَّ العبد يحتاج إلى الاستغفار إزاء النِّعَم التي أعطاه الله إيَّاها؛ لأنَّه لا يُوفي شُكرها، وهو بحاجةٍ إلى الاستغفار إزاء التَّقصير في الطَّاعات والعبادات، وبحاجة إلى الاستغفار إزاء ما يقع من خلاف الأولى، وقد ذكرنا في بعض المناسبات أنَّ الإنسان يمكن أن يتوب من فعل المكروه، ومن ترك المستحبّ، فكل هذا قد يحصل.

    وعمران بن حُصين  لما كانت تُسلِّم عليه الملائكةُ، فلمَّا اكتوى لم يعد ذلك يقع له، فتاب، والكيّ ليس بمحرَّمٍ، وإنما هو مكروهٌ على الأرجح، فلمَّا تاب منه رجع إليه ذلك[5]، فصار يسمع تسليم الملائكة، فدلَّ على أنَّ التوبة تكون من فعل المكروه، ومن فعل خلاف الأولى، ومن التَّقصير عمومًا، ومن ترك المستحبّ، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

       متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
       أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (702).
       أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
       أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
       أخرجه أبو داود: كتاب الطب، بابٌ في الكيّ، برقم (3367)، وصححه الألباني.

    ******************************
    سنتابع هذه السلسله الجميله فأبقوا معنا
    ::
    ::
    هو  الشيخ/ خالد بن عثمان بن علي السبت، من مواليد منطقة الزلفي، عام 1384 هـ، ثم انتقل مع والديه إلى منطقة الدمام، ودرس بها الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وبعد تخرجه من الثانوية العامة توجه للرياض وهو في شوق شديد لتحصيل العلم، خاصة على سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فالتحق بقسم السنة في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وممن درسه من المشايخ المشهورين؛ فضيلة الشيخ/ عبد الكريم الخضير حقظه الله، ولكن لم يطل مكث الشيخ بالرياض نظراً لبعض الظروف، فانتقل إلى الأحساء، وكان جل وقته يقضيه في القراءة والتحصيل الشخصي، واعتنى بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله عناية بالغة، بالإضافة إلى عنايته بسماع الأشرطة العلمية المتيسرة في ذلك الوقت، ثم عاد بعد تخرجه إلى الدمام؛ فدرَّس سنتين في ثانوية الشاطئ، واستمر على طريقته في تكوين نفسه علمياً ـ نظراً لفقر المنطقة في ذلك الوقت من العلماء البارزين ـ وكانت عنايته في هذه الفترة منصبة على شروح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، كما أنه درَّسَ عدداً من المتون العلمية كعمدة الأحكام، وغيرها من متون العقيدة لمجموعة من الطلبة في ذلك الوقت، حتى أذن الله بانتقاله إلى المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام، فكانت هذه النقلة مرحلة جديدة ومكثفة في تحصيل شيخنا ودراسته على المشايخ، فاعتنى بدراسة علم أصول الفقه فقرأ على الشيخ/ أحمد عبد الوهاب عددا من المتون في أصول الفقه كمتن الورقات، ومتن المراقي، ثم قرأ شرح البنود على المراقي كاملاً، ثم نثر الورود كاملاً، والمواضع الناقصة منه استكملها من شرح الولاتي، وقرأ عليه الموافقات للشاطبي حتى أنهاه،،وقرأ أيضا على الشيخ/ عمر عبدالعزيز في الأصول، وفي مناهج الأصوليين وطريقتهم في التأليف، كما اعتنى الشيخ بعلم اللغة والنحو فقرأ على الشيخ/ عبد الرحمن أبو عوف الآجرومية، وشذور الذهب، وقطر الندى، وشرح ابن عقيل، وشرح عبد العزيز فاخر على الألفية، كما قرأ الألفية كاملة مفرقة على أكثر من شيخ، ومنهم الشيخ غالي الشنقيطي، والشيخ / محمد الأغاثة الشنقيطي، كما قرأ في الأدب كتاب روضة العقلاء، وكتاب عيون الأخبار لابن قتيبة كاملاً على الشيخ/ عبد الرحمن أبو عوف أيضاً، وقرأ على الشيخ/ أحمد الخراط عددا من الكتب، بالإضافة إلى قراءات في كتاب الكامل للمبرد، وكان الشيخ يعجبه في هذا المجلس جمعه لعدد من العلوم كالنحو، والقواعد الإملائية والإعرابية، والأدب وغيرها، وقرأ على الشيخ / حمدو الشنقيطي؛ ومما قرأ عليه شرح قصيدة بانت سعاد، كماقرأ ـ شيخنا ـ في الفقه أشياء على الشيخ/ علي بن سعيد الغامدي، والشيخ/ فيحان المطيري، وقرأ في المصطلح على الشيخ / محمد مطر الزهراني في نزهة النظر، ومن المشايخ الذين يجلهم الشيخ كثيراًَ ويكثر من ذكر أخبارهم، ويذكر أن مجالسه وأحاديثه كانت عامرة بالفوائد والفرائد في العلم والأدب؛ فضيلة الشيخ/ عبد العزيز قارئ وهو الذي أشرف على رسالتي الشيخ في الماجستير والدكتوراه، وقد قرأ عليه مواضع من الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، والبرهان في علوم القرآن للزركشي، كما قرأ على الشيخ/ علي عباس الحكمي، بالإضافة على عدد آخر من الشيوخ، وكانت قراءته عليهم لا تنقطع طوال الأسبوع حتى في يوم الجمعة، حتى إن زملاءه في الدراسات العليا كانوا يتعجبون من جمعه بين هذا الكم من الدروس، واعتنائه برسالته العلمية، وسائر أعماله الأخرى، وكان الشيخ يستغل الإجازات  ليرحل إلى فضيلة الشيخ/ ابن عثيمين رحمه الله ليقرأ عليه، فقرأ من مختصر التحرير في الأصول، ومواضع من صحيح البخاري، وأشياء من قواعد ابن رجب رحمه الله، إضافة إلى ذلك فقد كان معتنياً عناية شخصية فائقة بعلم التوحيد والعقيدة وأصول الدين،وقد استمر الشيخ على هذه الحال من العناية البالغة بالتحصيل مع نهم الشديد في القراءة والطلب، وقد وهبه الله جلداً عظيماً قل نظيره، حتى عرفه علماء المدينة ومشايخها وطلبة العلم فيها؛ سواء من أهل البلد أو غيرهم من الوافدين من طلاب الجامعة، فلم ألق أحداً من فضلاء المشايخ في المدينة؛ أو غيرها ممن عرف الشيخ وجالسه؛ إلا وهو يثني على الشيخ ويجله ويحفظ له قدره، وقد جمع الشيخ ـ رفع الله درجته ـ بالإضافة إلى عنايته البالغة بالعلم تحصيلاً وتدريساً، اهتماماً بالدعوة إلى الله في المدينة وخارجها من مناطق المملكة،وبلدان العالم الإسلامي فقد رحل الشيخ إلى أندونيسيا مراراً وإلى غيرها من البلدان ليقيم الدورات العلمية هناك.وقد بدأ الشيخ حفظه الله دروسه الرسمية المعلنة في منطقة الدمام عام 1413 هـ فدرَّس متن الورقات، ونظمه، وقواعد الأصول ومعاقد الفصول، وأشياء من روضة الناظر في أصول الفقه، وشَرَح الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، والواسطية وغيرها، كما شَرَح كتاب التوحيد على مدى ثلاث سنوات في الإجازات الصيفية فقط. ثم توقفت الدروس فترة لبعض الأسباب؛ حتى يسر الله عودة الشيخ إلى الدمام أستاذاً في كلية المعلمين ثم عميداً لكلية الدراسات القرآنية في عام 1418هـ، وبدأ نشاط الشيخ العلمي يظهر في المنطقة بشكل ملحوظ؛ فأقام عدداً من الدروس العامة في مسجده ـ مسجد القاضي بحي المريكبات ـ ومن تلك الدروس: شرح مراقي السعود، وشرح صحيح الإمام مسلم، وشرح عمدة الفقه، والتعليق على التفسير الميسر، بالإضافة لدرس التفسير العام الذي ابتدأ فيه الشيخ من أول القرآن، وهو يسير فيه على نفس الإمام الشنقيطي رحمه الله ـ وللشيخ عناية خاصة بعلم هذا الحبر العلامة رحمه الله ـ، كما شرح الشيخ مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعلق على فتح المجيد كاملا، وكذلك اقتضاء الصراط المستقيم،وشَرَح القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين، إضافة لعدد من الدورات العلمية التي أقامها؛ كالمهمات في علوم القرآن، وشرح رسالة الشيخ ابن سعدي في القواعد الفقهية، بالإضافة إلى عدد من المحاضرات العامة التي يلقيها في منطقة الدمام وما حولها ومن أبرزها محاضرات في أعمال القلوب أنصح جميع الأخوة بالحرص عليها.وأما نتاج الشيخ العلمي فمن أبرزه ما يلي:رسالة كبيرة بعنوان: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).و (كتب مناهل العرفان دراسة وتقويم) ـ وهي رسالة الماجستير ـو (قواعد التفسير) ـ وهي رسالة الدكتوراه ـوتحقيق كتاب (القواعد الحسان) لابن سعدي رحمه الله.وتحقيق كتاب (نور البصائر)، وهو متن صغير في الفقه؛ لمبتدئي الطلبة ألفه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.و كتاب (العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)، وقد بذل فيه الشيخ جهدا مضنياً جداً؛ أسأل الله أن يدخر له أجره يوم يلقاه، وأن يجمعنا وإياه والإمام الشنقيطي في أعلى الدرجات عنده مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. آمينوالشيخ حفظه الله ميزه الله بهمة وقادة، ونفس طموحة، مع ورع نادر،وأخذ للنفس بالعزيمة والجد، يحلي ذلك كله دماثة في الخلق، وطيب في المعشر، مع صلة قوية بالله يظهر أثرها في سمته وسيماه، ولكلامه صولة على قلب مستمعه بحيث لا يكاد يشك سامعه في صدقه ونصحه، مع هضم عظيم للنفس، واحتقار للعمل، وكم من مرة سألته عن اختياره، فقال لي: "مثلي لا يكون له اختيار"، هكذا أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، ومثلي أقل من أن يزكي الشيخ،وإنما هو اعتراف ببعض فضله، وشيء من القيام بحقه، والله يتولانا ويتولاه في الدنيا والآخرة .. إنه سميع قريب.
    ##################
    تابعونا جزاكم الله خيرا
    ولا تنسونا من صالح دعائكم




    عدل سابقا من قبل sadekalnour في الأربعاء مايو 04, 2022 10:38 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح (اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:31 am


    دعاء الاستفتاح (اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)



    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    كنا ابتدأنا الحديثَ عن دعاء الاستفتاح الأول مما ذكره المؤلفُ في هذا الكتاب، وهو قوله ­ﷺ: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد[1]، وقد مضى الكلامُ على صدر هذا الدعاء.

    واليوم نتحدَّث عن باقيه -إن شاء الله-:

    فقوله: اللهم نقِّني من خطاياي يعني: نقِّني منها، وطهِّرني من خطاياي بإزالة هذه الخطايا وما لها من آثارٍ؛ ولهذا وقع التَّشبيه فيه بتنقية الثَّوب الأبيض من الدَّنس؛ فإنَّ الثوبَ الأبيض يظهر فيه أدنى دنسٍ، والنَّقاء يكون فيه أبلغ وأظهر وأوضح، أمَّا الثوب الأسود فإنَّ الدنسَ لا يظهر فيه، فقد يكون فيه من الدَّنس الشَّيء الكثير مما لو كان بغير هذا اللون، كما في اللون الأبيض، ولكنَّه لا يظهر في الأسود، أمَّا الأبيض فإنَّ ذلك يظهر فيه ولو قلَّ.

    فحينما يُقال: "كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس"، بمعنى: أنَّه لا يبقى فيه ولو الشَّيء اليسير، فالأسود قد يبقى فيه، إنما ينقى ما يظهر، وما الذي عسى أن يظهر في الثوب الأسود؟

    إذًا هذا يُقصد به غاية التَّنقية، فتزول الذُّنوب ومُوجباتها، والآثام وما يترتب عليها من المؤاخذة والعقوبة، فينقّى من ذلك كلِّه كتنقية الثوب الأبيض من الوسخ، يعني: طهِّرني أتمَّ التَّطهير، وأبلغ التَّطهير من الذُّنوب والخطايا والأدناس والأرجاس.

    ولاحظوا هنا أنَّه قدَّم التَّنقية: نقِّني من خطاياي على الغسل: اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، فأيُّهما أولى بالتَّقديم: الغسل أو التَّنقية؟

    التَّنقية أولى؛ لأنَّه من باب التَّخلية، فينقى، ثم بعد ذلك يغسل بالماء والثَّلج والبرد.

    ثم إنَّ قوله: اللهم اغسلني، وفي لفظٍ: اغسل خطاياي[2]، وهنا: اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، فالحديث فيه اختلافٌ في الألفاظ والرِّوايات.

    فعلى كل حالٍ، هنا: اغسلني، أو اغسل خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، يحتمل معنيين:

    فيحتمل أن يكون المقصودُ بذلك المبالغة في التَّنقية والتَّطهير، فذكر هذه الأشياء ليدل على هذا المعنى، يعني: نقِّني تنقيةً كاملةً، وطهِّرني واغسلني تطهيرًا وغسلاً كاملاً، بحيث لا يبقى معه شيءٌ، كأنَّه أراد على هذا المعنى الكلي الذي لا ينظر فيه إلى الأفراد، فالثَّلج ماذا يعني؟ والتَّطهير بالماء ماذا يعني؟ والبرد ماذا يعني؟ لا.

    فهنا يحتمل أن يكون المرادُ المبالغة في التَّطهير والتَّنقية، دون اعتبارٍ لهذه المذكورات بعينها، بحيث لا ينظر إليها على أنَّ كلَّ واحدٍ يدل على معنًى خاصٍّ، وإنما المقصود المبالغة في التَّنقية والتَّطهير، ويكون بذلك أبلغ ما يكون من محو الخطايا، فالثوب الذي تتكرر عليه التَّنقية بثلاثة أشياء مُنقية يكون في غاية الطَّهارة والنَّقاء، فيكون المعنى بهذا الاعتبار وبهذا الإجمال: نقِّني وطهِّرني تنقيةً وتطهيرًا تامًّا، بحيث لا يبقى معه أثرٌ للذنوب والخطايا والآثام والمعاصي والأوزار، فهذا يحتمل.

    كما أنَّه يحتمل أن يكون كلُّ واحدٍ من هذه المذكورات الثلاثة: الماء، والثلج، والبرد؛ مقصودًا في التَّنقية، بحيث كلّ واحدٍ يُساهم في التَّطهير في جانبٍ مُعينٍ، وإذا اجتمعت هذه الثلاثة حصل التَّطهير الكامل، ولا يحصل على أبلغ الوجوه وأتمّها إلا باجتماع هذه الأمور الثلاثة؛ فيحصل المحو بذلك.

    وهذا نجده في مثل قوله -تبارك وتعالى-: وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا [البقرة:286]، فذكر العفو، والمغفرة، والرَّحمة، فهل هذه الثلاثة بمعنًى واحدٍ، أو أنَّ كلَّ واحدٍ منها له معنًى؟ وهذا هو الأقرب، فهنا هذه الأوصاف الثلاثة من أهل العلم مَن نظر إلى كلِّ واحدٍ منها وقال: إنَّه يُشير إلى معنًى معينٍ في التَّطهير، وإن اختلفت عباراتهم في تفسيره، لكن هذا منحًى في تفسير هذا الدُّعاء.

    ففي هذه الأشياء المذكورة الثلاثة لو نظرنا نجد أنَّ الماء يُستعمل للتَّنظيف، والثَّلج للتَّبريد، والبرد أبلغ في ذلك، كما سيتَّضح، إن شاء الله تعالى.

    فهذه المذكورات الثلاثة على هذا الاعتبار تكون مُرادةً، خلافًا لمن قال: إنَّها مجرد أمثال، يعني: ذُكرت ولا يُراد حقيقة ذلك، وإنما المبالغة في التَّطهير فحسب.

    فعلى كل حالٍ، ذكر الماء والثَّلج والبرد يعني: بأنواع المطهِّرات، مغفرة الذُّنوب وسترها بأنواع الرَّحمة والألطاف، هكذا بعضُهم يُفسّر الماء والثلج والبرد: بالمحو، والسَّتر، والغفر.

    وبعضهم يقول: لما كانت الخطايا مُؤدية إلى النَّار نُزِّلت هذه الخطايا منزلة النار، والنار حارَّة مُحرقة، فاستعمل في محوها المبردات التي يحصل بها إطفاء النَّار وإزالة الحرارة التي فيها: الماء والثَّلج والبرد.

    فمن أهل العلم مَن نظر إلى أنَّ ذلك يُشير إلى معانٍ من الرَّحمة والمغفرة بعد العفو؛ لإطفاء حرارة عذاب النَّار التي تكون ناشئةً عن الذنوب والمخالفات والمعاصي.

    وقد جاء من حديث عبدالله ابن أبي أوفى عند مسلمٍ وصف الماء بالبرودة: والماء البارد[3]، فهذه الخطايا بمنزلة النَّار؛ لأنَّها تكون سببًا لدخول النَّار، فعبَّر عن إطفائها بالغسل، وبالغ فيه بما يُقابل حرارة النَّار، واستعمال المبردات ترقيًا من الماء إلى ما هو أبرد، وهو الثَّلج، ثم البرد.

    والثَّلج معروفٌ، لا يكون من السَّحاب، وإنما يكون مثل الرَّذاذ ينزل من غير سحابٍ، فيتراكم ويجتمع على الأرض، وأمَّا البرد فهو يسقط من السَّحاب: مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ [النور:43]، والفرق بين الثَّلج والبرد معروفٌ، لا يخفى، فالبرد يتساقط كالحجارة، فيُفسد الزروع والثِّمار والمحاصيل، وما إلى ذلك، وأمَّا الثَّلج فهو يسقط دون أن يشعر الناسُ بتأذٍّ في سقوطه، ولكنَّه حينما يجتمع قد يتضررون بذلك.

    إذًا من أهل العلم مَن يُفسِّره بهذا، ولكن ابن رجب -رحمه الله- والحافظ ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحم الله الجميع- فسَّروا ذلك بمعنًى أشرتُ إليه فيما سبق، ولكن كلامَهم فيه أوضح وأتمّ؛ فابن رجب -رحمه الله- يقول: لما كانت الذنوبُ تُؤثر في القلب دَنَسًا، وهو المذكور في قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]، وتُوجب للقلب احتراقًا؛ طُلب في هذا الدُّعاء المباعدة بينه وبينها على أقصى وجوه المباعدة، والمراد: المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدّنيوية والأُخروية[4]، وطلب أيضًا تنقية القلب من دنسها، كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، وطُلب أيضًا إطفاء حرارتها وحريقها للقلب بأعظم ما يوجد في الدنيا إنقاءً وتبريدًا، وهو الماء والثَّلج والبرد.

    وفي حديث عائشة: اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثَّلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب[5]، وفي الدُّعاء الذي يُدْعَى للميت: واغسله بالماء والثَّلج والبرد[6].

    فهنا في هذا الاستفتاح -استفتاح الصَّلاة- يُدْعَى بذلك، يقول ابنُ رجب: لأنَّ الصَّلوات الخمس تُكَفِّر الذنوب والخطايا، كما قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، فإقامة الصَّلوات المفروضة على وجهها يُوجِب مُباعدة الذنوب، ويُوجِب أيضًا الإنقاء منها والتَّطهير، وهذه الصَّلوات الخمس كما مثَّلها النبيُّ ﷺ بالنَّهر الجاري الذي يغتسل فيه المسلمُ كل يومٍ خمس مرَّات، وهذا أيضًا الثَّلج والبرد يُوجب تبريد الحريق الذي تكسبه الذُّنوب؛ فيحصل إطفاء وتبريد[7] بالماء والثَّلج والبرد.

    وفي الحديث الصَّحيح: تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم الفجرَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم الظهرَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم العصرَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم المغربَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم العشاء غسلتها[8].

    وكذلك جاء عن أنسٍ  مرفوعًا إلى النبي ﷺ: إنَّ لله ملكًا يُنادي عند كلِّ صلاةٍ: يا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتُموها على أنفسكم فأطفئوها بالصَّلاة[9]، وهذا الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ضعَّفه في بعض كتبه القديمة، ثم بعد ذلك تراجع وصححه في بعض كتبه المتأخّرة.

    فهذا حاصل كلام ابن رجب -رحمه الله-، ثم يذكر وجه تخصيص الثَّلج والبرد بالذِّكْر باعتبار أنَّهما على خلقتهما لم يستعملا، ولم تنلهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب، وجرت في الأنهار، وجُمعت في الحياض، فالثَّلج والبرد أحقُّ بالطَّهارة؛ لأنَّها لم يمسّها دنسٌ أبدًا، فهي نازلةٌ من السَّماء، وليست كمياه الأنهار، أو مياه الآبار، فهذا يكون أنقى وأبلغ.

    وعلى كل حالٍ، هذا كلّه من قبيل الاحتمال، وقد يقول قائلٌ بأنَّ الماء السَّاخن أبلغ في التَّنظيف والتَّنقية من الأوساخ والأدناس من الماء البارد، فلماذا ذكر هنا الثَّلج والبرد، ولم يذكر الماء السَّاخن؟

    يمكن أن يُقال: إنَّ الذنوبَ لها حرارة، وإنَّ الذي يُناسبها البرودة، هذا بالإضافة إلى ما ذكره الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: لما سأل ابنُ القيم -رحمه الله- شيخَه؛ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الجواب عن هذا، كيف تطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التَّخصيص بهذا مع اللَّفظ الآخر: والماء البارد، وأنَّ الحارَّ أبلغ في الإنقاء؟

    فأجابه شيخُ الإسلام -رحمه الله- قال: "الخطايا تُوجِب للقلب حرارةً ونجاسةً وضعفًا؛ فيرتخي القلب، وتضطرم فيه نارُ الشَّهوة، وتُنجِّسه، فإنَّ الخطايا والذُّنوب له بمنزلة الحطب الذي يمدّ النار ويُوقدها؛ ولهذا كلَّما كثرت الخطايا اشتدَّت نارُ القلب وضعفه، والماء يغسل الخبثَ، ويُطفئ النار، فإن كان باردًا أورث الجسمَ صلابةً وقوةً، فإن كان معه ثلجٌ وبردٌ كان أقوى في التَّبريد وصلابة الجسم وشدّته، فكان أذهب لأثر الخطايا"[10].

    لاحظ: هناك رخاوةٌ بسبب الذُّنوب والمعاصي، فالبارد يشدّه ويُقويه، هذا ما ذكره شيخُ الإسلام في الجواب عن سؤال ابن القيم، وهو أمرٌ مُشاهدٌ معروفٌ: أنَّ الماء البارد يشدّ الجسم ويُقويه ويُنشّطه، بخلاف الماء السَّاخن، فإنَّه يُورثه الفتور؛ ولذلك الإنسانُ إذا أراد النوم فإنَّه يغتسل بماءٍ ساخنٍ؛ فيفتر الجسم ويرتخي، وإذا أراد أن يتنشَّط فإنَّه يغتسل بالماء البارد، فيذهب عنه الكسلُ والنَّومُ والضَّعفُ، كما هو معلومٌ.

    وابن القيم -رحمه الله- بعدما ذكر هذا الجواب من شيخ الإسلام أضاف إليه قائلاً: "فاعلم أنَّ هاهنا أربعة أمورٍ:

    أمران حسيّان، وأمران معنويّان. فالنَّجاسة التي تزول بالماء هي ومُزيلها حسيّان، وأثر الخطايا التي تزول بالتَّوبة والاستغفار هي ومُزيلها معنويّان، وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتمّ إلا بهذا وهذا، فذكر النبيُّ من كلِّ شطرٍ قسمًا نبَّه به على القسم الآخر، فتضمّن كلامُه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار، وحُسن البيان، كما في حديث الدُّعاء بعد الوضوء: اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين[11]، فإنَّه يتضمّن ذكر الأقسام الأربعة، ومن كمال بيانه وتحقيقه لما يُخبر به ويأمر به: تمثيله الأمر المطلوب المعنويّ بالأمر المحسوس، وهذا كثيرٌ في كلامه"[12].

    ويقول أيضًا في كتاب "زاد المعاد": "وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ الدَّاء يُداوى بضدِّه؛ فإنَّ في الخطايا من الحرارة والحريق ما يُضادّه الثَّلج والبرد والماء البارد، ولا يُقال: إنَّ الماء الحارَّ أبلغ في إزالة الوسخ؛ لأنَّ في الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس في الحارِّ، والخطايا تُوجِب أثرين: التَّدنيس والإرخاء، فالمطلوب مُداواتها بما يُنظف القلب ويصلبه، فذكر الماء البارد والثَّلج والبرد إشارة إلى هذين الأمرين"[13].

    بقيت جزئيةٌ أخيرة، وهي مُناسبة هذا الدُّعاء للاستفتاح حينما يستفتح المسلمُ صلاتَه بهذا، فهنا ذكر الحافظُ ابن رجب -رحمه الله- إشارةً إلى معنًى لطيفٍ، وهو أنَّه لما كانت الصلاةُ صلةً بين العبد وربِّه، وكان المصلِّي يُناجي ربَّه، وربُّه يُقرِّبه منه؛ لم يصلح للدُّخول في الصَّلاة إلا مَن كان طاهرًا في ظاهره وباطنه؛ طهارة الباطن التَّنقية من الخطايا، وطهارة الظَّاهر بالتَّخلي من النَّجاسات والأدناس، وما إلى ذلك.

    يقول ابنُ رجب: "ولذلك شرع للمُصلي أن يتطهّر بالماء؛ فيُكفّر ذنوبه بالوضوء، ثُم يمشي إلى المساجد؛ فيُكفّر ذنوبه بالمشي، فإن بقي من ذنوبه شيءٌ كفَّرته الصَّلاةُ"[14]، فهو تطهيرٌ وغسيلٌ.

    وجاء عن سلمان : "الوضوء يُكفّر الجراحات الصِّغار، والمشي إلى المسجد يُكفّر أكثر، والصَّلاة تُكفّر أكثر من ذلك"[15]، يعني: هو في تطهيرٍ حتى يُصلِّي، ثم بعد ذلك يخرج وقد طهر من ذنوبه.

    يقول ابنُ رجب: "فإذا قام المصلِّي بَيْن يدي ربِّه فِي الصَّلاة وشرع فِي مُناجاته شُرع لَهُ أول مَا يُناجي ربَّه أن يسأل ربَّه أن يُباعد بينه وبين مَا يُوجِب لَهُ البُعد من ربِّه؛ وَهُوَ الذّنوب، وأن يُطهّره مِنْهَا؛ ليصلح حينئذٍ للتَّقريب والمناجاة، فيستكمل فوائد الصَّلاة وثمراتها من: المعرفة، والأُنس، والمحبَّة، والخشية؛ فتصير صلاتُه ناهيةً لَهُ عَن الفحشاء والمنكر، وهي الصَّلاة النَّافعة"[16].

    هذا ما ذكره الحافظُ ابن رجب، وهذا ما يتعلَّق بهذا الحديث مما يحسُن إيراده، وإلا فكلام أهل العلم في ذلك كثيرٌ جدًّا، وأكثره في أمورٍ قد لا نحتاج إليها في مثل هذا المقام.

    هذا، وأسأل الله  أن يُعلمنا وإيَّاكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يُفقهنا في الدِّين، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التَّكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتَّوبة والاستغفار، باب التَّعوذ من شرِّ الفتن وغيرها، برقم (4877).
    أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسَه من الركوع، برقم (735).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/373).
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا وفتنة النار، برقم (5898)، ومسلم: كتاب الذكر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، باب التَّعوذ من شرِّ الفتن وغيرها، برقم (4877).
    أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، باب الدُّعاء للميت في الصَّلاة، برقم (1600).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/374).
    أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" برقم (121)، و"المعجم الأوسط" برقم (2224)، و"المعجم الكبير" برقم (8739)، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/265): "حسنٌ صحيحٌ".
    أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" برقم (9452)، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/265): "حسنٌ لغيره".
    "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" - المعرفة (1/57).
    أخرجه الترمذي: كتاب الطَّهارة، باب فيما يُقال بعد الوضوء، برقم (50)، وصححه الألباني.
    "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" - المعرفة (1/57).
    "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/269).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/375).
    "فتح الباري" لابن رجب (4/205).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/375-376).
    #################################
    تابعونا جزاكم الله خيرا
    ::
    ولا تنسونا من صالح دعائكم


    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:34 am


    دعاء الاستفتاح (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)


    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نُواصل الحديث عمَّا أورده المؤلفُ من أدعية الاستفتاح، وذلك ما روته عائشةُ -رضي الله عنها-، قالت: كان رسولُ الله ﷺ إذا استفتح الصَّلاةَ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك[1].

    هذا الذكر مما يُقال في الاستفتاح، جاء عن عمر ، وهو مُخرَّجٌ في "صحيح مسلم"، وجاء عن عمر موقوفًا[2]: أنَّه كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانك الله وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك.

    وجاء أيضًا عن غيره من الصَّحابة: كأبي بكرة[3])، وعثمان[4]، وابن مسعود[5] -رضي الله عن الجميع-، ولكنَّه جاء مرفوعًا إلى النبي ﷺ، وليس في "صحيح مسلم"، وإنما رواه بعضُ أهل السُّنن، كما أنَّ الرِّوايات الواردة في هذا الحديث منها ما جاء تقييد ذلك فيه بقيام الليل، ومنها ما جاء على سبيل الإطلاق: "كان إذا قام إلى الصَّلاة"، هذا يشمل الفريضة، والنَّافلة، وصلاة الليل، وصلاة النَّهار، فكل ذلك يُقال فيه، لا سيّما أنَّ عمر -رضي الله تعالى عنه- كان يجهر كما في بعض الرِّوايات من أجل أن يُعلِّم الناس هذا الذكر، وهذا يفعله في صلاة الفريضة، إذًا هذا من الأذكار العامَّة التي تُقال في الفرض، وفي النَّفل.

    يقول الأسود بن يزيد: صليتُ خلف عمر أكثر من سبعين صلاة، فكان يُكبِّر، ثم يقول ذلك[6]. وظاهره أنَّه صلَّى خلفه الفريضة.

    وعرفنا أنَّ الجهرَ بدعاء الاستفتاح غير مقصودٍ، وإنما يكون ذلك للتَّعليم، وإلا فالأصل الإسرارُ به، وقد ذكرنا الأدلةَ على هذا، ووجه الجمع بينه وبين الأحاديث التي تُصرِّح بأنَّ النبي ﷺ كان يفتتح الصَّلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وقلنا: المقصود فيما يُسْمِع مَن وراءه، وأمَّا ما يُسرّ به فهذا كما سأل أبو هريرة النبيَّ ﷺ عمَّا يقوله في سكتته، فدلَّ على أنَّ النبي ﷺ لم يكن يجهر بذلك، ومن هنا سأله أبو هريرة .

    هذا الذكر قلنا: هو الذي اختاره شيخُ الإسلام -رحمه الله-، ورأى أنَّه الأكمل والأفضل مما ورد من أدعية الاستفتاح[7]، واختاره قبله أيضًا الإمامُ أحمد -رحمه الله-[8]، ولكن الإمام أحمد وشيخ الإسلام، كلّ هؤلاء يقولون: لو أنَّه استفتح بشيءٍ مما جاء عن رسول الله ﷺ سوى هذا فلا شيءَ في ذلك.

    وقد ذكرنا من قبل أنَّ الأفضل والأكمل هو هدي النبي ﷺ، وهو أن يُنوّع بين هذه الأذكار، وأنَّ من أهل العلم -كشيخ الإسلام رحمه الله- مَن أشار إلى أنَّه قد يكون أنفع لبعض المكلَّفين أن يتَّخذ واحدًا من هذه الأذكار بعينه؛ لأنَّه أصلح لحاله، أو نحو ذلك.

    الحاصل: أنَّ شيخَ الإسلام -رحمه الله- حينما اختار مثل هذا الذكر له تعليلات، وقد أشرنا إلى شيءٍ منها من قبل، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- ذكر أوجهًا لهذا الاختيار، من ذلك: أنَّ عمر  كان يُكثر من إسماع المأموم خلفه، فدلّ على أنَّ هذا هو المختار والأكمل والأكثر ذيوعًا وانتشارًا بين أصحاب رسول الله ﷺ.

    كذلك أيضًا ما ذكرناه سابقًا من أنَّه يتضمن أفضل الكلام بعد القرآن والباقيات الصَّالحات، حيث اشتمل على التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل، فإذا اجتمع معه تكبيرةُ الإحرام في أول الصَّلاة؛ فهنا يكون قد اشتمل ذلك جميعًا على الكلمات الأربع، فهذا من حيث المضمون.

    كذلك أيضًا أنَّه قد تمحض في الثَّناء على الله -تبارك وتعالى-، وذكرنا من قبل في المفاضلة بين الأذكار: أنَّ الأعلى من ذلك ما كان من قبيل الثَّناء المحض على الله، ثم يلي ذلك من الذكر ما كان من قبيل الإخبار: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك[9] يُخبر عن نفسه وعن تعبُّده، وما إلى ذلك، ثم يلي ذلك الدُّعاء.

    فهذه الأذكار الواردة منها ما هو ثناء محض، ومنها ما هو إخبار، ومنها ما هو من قبيل الدُّعاء، فهذا من النوع الأول، وقلنا من قبل: إنَّ ذلك لا يختصّ به، وذكرنا ما يمكن أن يصدق عليه مثل هذا الوصف.

    وكذلك أيضًا باعتبار أنَّ كثيرًا من هذه الأذكار الواردة قد جاء تقييده بأنَّه في صلاة الليل، وقد أشرتُ إلى ذلك من قبل، وميزتُ بين هذه الأذكار، هذا بالإضافة إلى أمورٍ أخرى يكفي منها ما ذُكِرَ.

    هنا: "كان إذا قام إلى الصَّلاة"، وهنا في حديث عائشة: "كان رسولُ الله ﷺ إذا استفتح الصَّلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك"، وعرفنا من قبل أنَّ مثل هذه الصِّيغة تدل غالبًا على التَّكرار والمداومة، مع أنها قد تأتي لمجرد الإخبار عن الفعل، ولو كان ذلك وقع على غير المداومة والتَّكرار.

    ثم يقول: سبحانك اللهم التَّسبيح هنا عرفنا من قبل أنَّ المقصود به التَّنزيه لله -تبارك وتعالى- عن كل عيبٍ ونقصٍ في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فهو كاملٌ في ذاته، وهو كاملٌ في صفاته، وأسمائه، وأفعاله، لا يتطرَّق إلى ذلك شيءٌ من النَّقص والعيب، فهذا تنزيهٌ له -تبارك وتعالى- في هذه جميعًا، وهذا يتضمّن أنَّه مُنَزَّهٌ عن الشُّركاء في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، فذاته لا تُشبه الذَّوات، وأفعاله هي الكاملة من كلِّ وجهٍ، وأسماؤه هي الحُسنى، وهي مُتضمنة للأوصاف العُلا، كلّ هذا يُنزّه الله -تبارك وتعالى- فيه عن النَّقائص والعيوب، وما نزَّهه مَنِ ادَّعى له الشَّريك، أو الصَّاحبة، أو الولد، فالله -تبارك وتعالى- مُنزَّهٌ في ذلك جميعًا.

    سبحانك اللهم وبحمدك "سبحان" هذا مصدر من التَّسبيح، أو أنَّه اسمٌ أُقيم مقام المصدر، يعني: التَّسبيح هو المصدر: سبَّح تسبيحًا، فالسّبحان: اسم مصدر، على وزن الرّجحان والغفران، وما إلى ذلك، يعني: أُنزهك يا ربّ تنزيهًا من كل سوءٍ وعيبٍ ونقصٍ.

    اللهم عرفنا أنَّ هذه الميم تكون عِوَضًا عن ياء النِّداء، يعني: أصله: يا الله، فلمَّا حُذفت الياء لكثرة الاستعمال عُوِّض عنها بالميم، فقيل: اللهم، وعرفنا أنها لا تجتمع الياء مع الميم، فلا يُقال: يا اللهم، وإنما يُقال: اللهم، أو يُقال: يا الله.

    فـسبحانك اللهم وبحمدك لاحظ هنا عندنا الواو: "وبحمدك"، وعندنا الباء، فهذه الواو بعضهم يقول: إنها زائدة، يعني: سبحانك اللهم بحمدك، يعني: أُسبِّحك تسبيحًا مُتلبِّسًا بحمدك، باعتبار أنَّ الباء هذه للمُلابسة، أو أنها للمعية والمصاحبة: أُسبِّحك تسبيحًا مصحوبًا بحمدك، ويمكن أن تكون هذه الواو للاقتران: أُسبِّحك تسبيحًا مُقترنًا بحمدك، ويمكن أن تكون الباءُ للسَّببية، فيكون المعنى على أحد الاحتمالات على هذا الوجه، يعني: أنَّه يُسبح الله  بسبب حمده -تبارك وتعالى-، وهذا لا يخلو من بُعْدٍ، يعني: بحمدك سبَّحتك، أو بسبب الثَّناء الجميل -الذي هو الحمد- عليك، إضافة الأوصاف والكمالات إلى الله -تبارك وتعالى-، يقول: اعتقدتُ نزاهتك. هكذا ذكر بعضُ أهل العلم، ولكن هذا لا يخلو من بُعْدٍ -والله تبارك وتعالى أعلم-، لكن يمكن أن يُقال: سبحانك اللهم وبحمدك يعني: أنَّك تُسبّح الله  تسبيحًا مُقترنًا بحمده، مُتلبِّسًا به.

    وهنا: سبحانك اللهم وبحمدك يعني: أُسبِّحك تسبيحًا مُقترنًا بحمدك.

    وتبارك اسمك الحمد عرفنا في مناسباتٍ شتى أنَّه إضافة أوصاف الكمال، وإضافة الكمالات إلى الله -تبارك وتعالى-، ووصفه بالكمال مع المحبَّة والتَّعظيم يكون حمدًا؛ لأنَّه إن خلا من المحبَّة والتَّعظيم ومُواطأة القلب، فإنَّ ذلك قد يكون تملُّقًا، ومن هنا جاء الفرقُ بين المدح والحمد: فالمدح قد يكون تملُّقًا وتزلُّفًا، قد يكون نفاقًا، ونحو ذلك، فإذا حصلت مُواطأة القلب مع المحبَّة والتَّعظيم فهذا هو الحمد.

    وعرفنا أيضًا من قبل أنَّ الحمدَ يفترق مع الشُّكر في كون الحمد يكون باللِّسان، فهذا من أبرز الفروقات بين الحمد والشكر؛ إذ إنَّ الشُّكر يكون باللسان والقلب والجوارح، ويقولون بأنَّ مورد الشُّكر يكون من جهة النِّعمة، يعني: يُشكر على النِّعمة، وأنَّ الحمدَ يكون مورده أعمّ، بمعنى: أنَّ الحمدَ يكون على السَّراء والضَّراء، هكذا يقولون.

    وعند التَّحقيق: قد لا يكون ذلك لازمًا؛ وذلك أنَّ الشُّكر قد يكون أيضًا على الضَّراء، وقد تكلَّمنا على هذا طويلاً في الكلام على الأعمال القلبية، وقلنا: إنَّ المراتبَ أربع:

    فالأولى: التَّسخط، وهو حرامٌ.

    والثانية: الصَّبر، وهو واجبٌ.

    والثالثة: الرِّضا، وقلنا: إنَّ الراجحَ أنه مُستحبٌّ.

    والأخير: هو الشُّكر، وهذه درجة عالية مُستحبَّة، يُشكر على البلاء، ويُشكر على المصيبة، وذكرنا نماذج من أحوال السَّلف -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- في ذلك.

    وتبارك اسمك تبارك يعني: كثرت بركةُ اسمك، والبركة تدل على النَّماء والكثرة في الخير، يعني: كثرت بركةُ اسمك، وتكاثر خيرُه، فضلاً عن مُسمَّاه، فالبركة هي ثبوت الخير، وكثرته، ونماؤه، وتعاظمه، وإنما تكون من الله -تبارك وتعالى-، وهذا فيه إشارة -كما ذكر بعضُ أهل العلم- إلى ارتباط أسماء الله -تبارك وتعالى- بالبركة.

    تبارك اسمك كمل وتعاظم وتقدّس، وكثرت بركته، فإذا كان الاسمُ يُقال فيه ذلك، فالمسمَّى من باب أولى، فالله -تبارك وتعالى- البركة إنما تكون منه، وليست من غيره.

    ومن هنا ذكرنا في مناسباتٍ شتى أنَّه لا يُقال: يا فلان، تباركت علينا، أو نحو ذلك مما يُعبِّر به كثيرٌ من الناس، أو قد يقول: تبارك هذا الشَّيء الذي ركبته، أو نحو ذلك، وإنما البركةُ تكون من الله؛ وذلك جميعًا يُمنَع تارةً لأنَّه غير صحيحٍ في ذاته، كما يُقال: تباركتَ علينا؛ لأنَّه ليس هو مصدر البركة، وتارةً لأنَّه لا يخلو من تزكيةٍ؛ كأن يُقال مثلاً: حلَّت بنا البركة، ونزلت علينا البركة، مع أنَّه لا يُنكر أنَّ بعض الذَّوات جعل الله  فيها البركة، ولكن مَن يستطيع أن يحكم بأنَّ فلانًا مُباركٌ، أو نحو هذا؟

    فحينما نقول: "تبارك" هذه اللفظة مبنية في أصلها على السَّعة والمبالغة، يعني: هذا يدل على كمال البركة، وعظمتها، وسعتها، فاسم الله -تبارك وتعالى- لا شكَّ أنَّه مُبارك، وأنَّه سببٌ لحلول البركة فيما ذُكِرَ عليه، ومن هنا يُسمَّى على الطَّعام، فيكون ذلك سببًا للبركة فيه، وقل مثل ذلك في كثيرٍ من المزاولات التي أُمرنا بالتَّسمية عندها.

    وتعالى جدُّك التَّعالي بمعنى: الارتفاع، تعالى يعني: ارتفعت عظمتُك فوق كلِّ عظمةٍ، جدُّك الجدّ فُسِّرَ بمعنى: العظمة، وفُسِّرَ بمعنى: الغنى.

    ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدّ[10]، قيل: لا ينفع صاحبَ الغنى منك غناه، يعني: تعالى غناك عن أن يحتاج لأحدٍ، أو أن يلتجئ إليه مُفتقرٌ ويرجع خائبًا، والجنّ أخبر الله  عن قيلهم: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3]، أي: عظمته، كما قال بعضُهم، أو غناه، كما قال آخرون.

    ولا إلهَ غيرك هذه كلمة التوحيد، وقد مضى الكلامُ عليها، يعني: لا معبودَ بحقٍّ إلا أنت، وجاء ذلك مُرتبًا على ما قبله؛ وذلك أنَّ مَن كان مُستحقًّا لأوصاف الكمال من كلِّ وجهٍ فهو المستحقّ لأن يُعبد وحده دون مَن سواه.

    وقوله هنا: ولا إله غيرك يعني: لا معبودَ بحقٍّ سواك، فصار هذا الذكرُ مُشتملاً على التوحيد بأنواعه الثلاثة.

    هذا، وأسأل الله  أن ينفعنا وإيَّاكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإيَّاكم هُداةً مُهتدين، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

    أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب حُجّة مَن قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399).
    أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب حُجّة مَن قال: لا يجهر بالبسملة، برقم (399).
    أخرجه الطَّبراني في "المعجم الكبير" برقم (9301).
    أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" برقم (9301).
    أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" برقم (9301).
    "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/355).
    "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/355).
    "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص46).
    أخرجه أحمد في "مسنده" ط. الرسالة، برقم (3712)، وقال مُحققو "المسند": "إسناده ضعيف".
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصَّلاة، برقم (844)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب استحباب الذكر بعد الصَّلاة وبيان صفته، برقم (593).

    ###############################
    أبقو معنا
    ::
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:37 am


    دعاء الاستفتاح (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)

    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نتحدَّث عن ذكرٍ جديدٍ من الأذكار والأدعية التي تُقال في استفتاح الصَّلاة، وذلك ما رواه علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه وأرضاه-، عن النبي ﷺ أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة قال: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذُّنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيّئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كلّه في يديك، والشَّر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، أستغفرك وأتوب إليك[1].

    هذا الحديث أخرجه الإمامُ مسلم -رحمه الله- في "صحيحه"، وأخرجه أيضًا بعض أصحاب السُّنن[2]، ولفظه في "صحيح مسلم"، وعند مَن خرَّجه من أصحاب السُّنن، وعامَّة مَن خرَّجه من غيرهم، كالإمام أحمد[3] وغيره، كل ذلك بهذا اللَّفظ.

    هنا المؤلفُ في قوله: والخير كلّه في يديك، قال: والخير كلّه بيديك، واللَّفظ الأول في مسلم، والثاني ليس في "صحيح مسلم"، وليس في عامَّة روايات هذا الحديث، ولكنَّه قد يوجد في بعض ألفاظه، ولكن الرِّواية التي عليها عامَّة الرواة وخرَّجها عامَّة المصنفين هي بهذا اللَّفظ: والخير كلّه في يديك.

    فالكلام على هذا الحديث -أيّها الأحبّة- قبل الشُّروع في الكلام على جمله ومعانيه وما تضمّنه من الهدايات، كلام أهل العلم على هذا الحديث من جهاتٍ مُتعددةٍ، من هذه الجهات: أنَّ العلماء -رحمهم الله- كأنَّهم استطالوا هذا الحديث، فرأوا أنَّه طويلٌ، ومن ثَمَّ فهل كان رسولُ الله ﷺ يقوله في الفريضة؟ مع أنَّ حديثَ أبي هريرة  لما سأل النبيَّ ﷺ عمَّا يقوله في سكتته، وأنَّه كان يسكت هنيةً[4]، وقلنا: هي المدّة اليسيرة، لكن النبي ﷺ لما سأله ذكر له دعاءً أو ذِكرًا غير هذا، لكن هذا مما كان يقوله ﷺ، فهل للإمام أن يقول هذا في الفريضة، فيكون ذلك تطويلاً على المأمومين؟

    الآن لو أردتَ أن تقول هذا في الفريضة لشرع مَن خلفك يُسبِّحون يظنون أنَّك قد حصل لك سهوٌ في الصلاة، وجرِّب هذا، ستجد أنَّك تُبتدر بالتَّسبيح، يظنون أنَّك سهوتَ عن الجهر فيُذكِّرونك به.

    ومن هنا فإنَّ أهلَ العلم تكلَّموا في هذه القضية، واستشكلوا هذا، وتنوّعت أقوالهم وآراؤهم كما سيأتي، والسَّبب هو ما ذكرتُ، هذا من جهةٍ.

    ومن جهةٍ أخرى الرِّوايات والألفاظ الواردة في هذا الحديث أو ما يُشبهه في بعض ألفاظه كما سيأتي.

    والأمر الثالث: هو ما جاء في "صحيح مسلم" نفسه، حيث إنَّ الإمامَ مسلم خرَّج هذا الحديث ضمن الأحاديث التي في قيام الليل، في صلاة الليل، ثم أيضًا إنَّه قد جاء في بعض الرِّوايات -كما سيأتي- الاقتصار على بعضه.

    هذه الأمور مُجتمعة حملت طوائف من أهل العلم على مذاهب وآراء وأقاويل تجاه هذا الحديث، وسأُشير إلى بعضها، وإلا فهي كثيرة، وفي بعض هذه الأقوال من البُعْد ما لا يستحقّ معه أن يُذْكَر، أو أن يطول المجلس بالجواب عنه، ولكني أهدف أحيانًا إلى ذكر الأقوال، مع أنَّ هذا الكلام أعلم أنَّه يسمعه طالبُ العلم، ويسمعه غيره، ونحن في هذه المجالس نستهدف الجميع، كل أحدٍ يستفيد بحسبه، ولكن حينما أذكر مثل هذه الخلافات أعلم أننا في الوقت نفسه قد ابتُلينا بهذه الوسائل الحديثة -وسائل الإعلام الجديد- التي تحوي خيرًا وشرًّا، وربما يكون فيها من الأمور المشوشة على عامَّة الناس: أنهم يرون الآراء والأقوال تختلف، فيحصل لهم بسبب ذلك ضيقٌ وإشكالات وسؤالات: لماذا هؤلاء يختلفون؛ هذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، والقرآن واحدٌ، والرسول ﷺ واحدٌ؟

    ففي مثل هذه المواضع أحيانًا أجد أنَّ الفرصة مُناسبة للإشارة إلى أشياء توسع المدارك، فنحن مُضطرون لهذا الآن؛ لنُبين بطريقةٍ عمليةٍ: لماذا يختلفون؟ ولنقول لمن كان ناشئًا في طلب العلم أيضًا، ويضيق صدرُه بأقوالٍ يتصور أنَّها بعيدة أحيانًا، ويُعبِّر بعبارات قاسية تجاه أولئك العُلماء الذين قالوها، وهم أئمّة يُقتدى بهم، ويظن أنَّ هذا قالوه بمحض رأيهم، وأنَّهم يُعارضون الحديثَ بآرائهم، وهذا غير صحيحٍ.

    هؤلاء العُلماء الظنُّ بهم ليس كما قد يظنّه هذا الظانُّ، فسنرى في ثنايا هذا -أيّها الأحبّة- أشياء تُبين عن جوانب وموضوعات نحتاج إليها ضمنًا، فنحن نتربَّى جميعًا على نصوص الوحي من الكتاب والسُّنة، وليس المقصود بذلك أن يُذكر المعنى صرفًا، أو أن يُذكر الفقه بعيدًا عن ترويض النفوس، وتربيتها، وإصلاحها، وتقويمها، بحيث يخرج لنا السَّامع أو طالب العلم بشخصيةٍ مُتَّزنةٍ، مُعتدلةٍ، مُتكاملةٍ، يُوقِّر أهلَ العلم، ويُقدِّر أقوالهم، ويترحَّم عليهم.

    فلاحظوا هذا اللَّفظ عند مسلمٍ من حديث عليٍّ ، قال: عن رسول الله ﷺ أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة. فهذا اللفظ عامٌّ، فلا يختص بقيام الليل، ولا النافلة، ولا الفريضة، فيشمل ذلك صلاة الفرض والنَّفل، وصلاة الليل، وصلاة النَّهار، هذا مُقتضى هذا اللَّفظ، إذًا يكون ذلك مما يُقال في الفريضة، كما هو ظاهر هذه الرِّواية.

    ولاحظ أنَّه جاء في روايةٍ في "صحيح مسلم"، لكنَّها ليست هي الرِّواية الأصل في الباب، فالرِّواية الأصلية هي هذه التي أوردناها، لكن في روايةٍ أخرى عنده ذكرها بعدها: "كان إذا استفتح الصَّلاة كبَّر، ثم قال"[5]، ما هي الزِّيادة هنا؟

    في الرِّواية الأصلية: "كان إذا قام إلى الصَّلاة"، وهنا: "إذا استفتح الصَّلاة كبَّر"، فهذا أفادنا فائدة، وهي ضمن هذه القضايا والمسائل التي يُوردها أهلُ العلم ممن قالوا: إنَّ هذا الحديثَ طويلٌ. وظنوا أنَّ النبي ﷺ لم يقله في الفريضة، فبعضهم -كما سيأتي- ذهب إلى أنَّ ذلك يُقال بين يدي الصَّلاة قبل تكبيرة الإحرام: "كان إذا قام إلى الصلاة"، يعني: قبل أن يُكبر، لكن اللَّفظ الآخر عند مسلم: "إذا استفتح الصَّلاة كبَّر وقال: وجَّهتُ وجهي"، فدلَّ على أنَّه يقوله، وسيأتي ما هو أصرح من ذلك؛ فقد جاء من حديث محمد بن مسلمة  قال: إنَّ رسولَ الله ﷺ إذا قام يُصلي تطوُّعًا قال: الله أكبر، وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا مُسلمًا، وما أنا من المشركين[6]، وذكر الحديث، ولكنَّه بشيءٍ من الاختصار والمغايرة في بعض الألفاظ، يعني: حديث محمد بن مسلمة اشتمل على جملٍ مما جاء في حديث عليٍّ -رضي الله تعالى عنه-.

    إذًا هو نوعٌ من أنواع الاستفتاح، ولا يُقال: إنَّ ذلك رواية من روايات حديث الاستفتاح الذي يرويه عليّ -رضي الله تعالى عنه-، وإنما يُقال: هذه صيغة، وهذه صيغة أخرى؛ ففي ذكر حديث محمد بن مسلمة قال: وما أنا من المشركين، وكذلك: اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، لكنَّه أخصر من حديث عليٍّ، مع مُغايرةٍ في بعض الألفاظ.

    إذًا نقول: هذا ذكرٌ مُستقلٌّ، وحديث محمد بن مسلمة ثابتٌ صحيحٌ، وهذا ذكرٌ مُستقلٌّ، ولا ينبغي الرَّبط بينهما؛ لأنَّ الذين قالوا: إنَّ حديثَ عليٍّ  يُقال في التَّطوع، مما احتجّوا به حديث محمد بن مسلمة: "كان إذا قام يُصلي تطوعًا"، فقالوا: هذا يُبيّن؛ فذاك مُطلق، وهذا مُقيد، والمطلق محمولٌ على المقيد.

    نقول: لا، هذا حديثٌ آخر ودعاءٌ آخر من أدعية الاستفتاح، لا يصحّ الرَّبط بينهما فيُقال: هو واحدٌ، اختلفت رواياته، وأيضًا حديث جابر بن عبدالله  قال: كان النبيُّ ﷺ إذا استفتح الصَّلاة كبَّر، ثم قال: إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمرتُ، وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيِّئ الأعمال، وسيِّئ الأخلاق، لا يقي سيّئها إلا أنت[7]، هذا عند النَّسائي، والحديث ثابتٌ صحيحٌ، وقال عنه الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: رجاله ثقات[8]. وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحم الله الجميع-[9].

    ولاحظ: كان النبيُّ ﷺ إذا استفتح الصَّلاةَ كبَّر، ثم قال: إنَّ صلاتي ونُسكي، هذا اشتمل على بعض الجمل الواردة في حديث عليٍّ ، ولكنَّه أخصر منه، ومن ثم لا يُؤخذ من هذا الحديث أنَّ ما جاء في حديث عليٍّ  أنَّ الذي يُقال في الفريضة إنما هو بعضه، كما قال ذلك بعضُ أهل العلم، كما سيأتي.

    الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في "البلوغ" لما أورد حديثَ عليٍّ  قال بأنَّه في روايةٍ لمسلم: أنَّ ذلك في صلاة الليل[10].

    وهذه الرِّواية التي أشار إليها الحافظُ ابن حجر -رحمه الله- لا وجودَ لها في النُّسخ المطبوعة بين أيدينا في "صحيح مسلم"، بل إنَّ العلماء -رحمهم الله- من بعد الحافظ ابن حجر استدركوا عليه ذلك، وإن كان بعضُهم نقله عنه، وقلَّده فيه، لكن بعضهم قال: هذا وهمٌ. وعلى مقام الحافظ -رحمه الله- وتبحره ومعرفته وبراعته في الحديث، إلا أنَّ الإنسانَ عُرْضَةٌ للوهم، فقالوا: هذا وهمٌ من الحافظ ابن حجر. لكن الإمام مسلم أخرج هذا الحديثَ في ضمن الأحاديث التي في قيام الليل.

    وللفائدة: فإنَّ تراجم الأبواب التي في "صحيح مسلم" ليست من وضع الإمام مسلم، ومن هنا فإنَّه لا حاجةَ للوقوف عندها، واستنباط الفقه منها، فإنَّ هذا التَّبويب قد تنوّع، وليس بمتَّحدٍ أيضًا، يعني: عندنا أكثر من تبويبٍ في "صحيح مسلم"، وكل ذلك من وضع بعض الشُّراح بعد الإمام مسلم، إنما الكتب هذه من وضع الإمام مسلم، أما الأبواب فلا، لكنَّه يجمع الأحاديث في الموضوع الواحد، ويُوردها إيرادًا في غاية الدِّقة.

    فإيراد الإمام مسلم لهذا الحديث ضمن الأحاديث المتعلقة بصلاة الليل قد يُفهم منه أنَّ الإمام مسلمًا -رحمه الله- يرى أنَّ ذلك يُقال في صلاة الليل، ولكن هذا لا يُوجد ما يدلّ عليه من الرِّوايات.

    والترمذي -رحمه الله- يقول: "قال بعضُ أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم: يقول هذا في صلاة التَّطوع، ولا يقوله في المكتوبة"[11]، أي: أنَّ حديث عليٍّ  يُعمل به في التَّطوع دون الفريضة، وهذا قال به بعضُ الحنفية؛ لماذا؟

    قالوا: أولاً: لأنَّ الإمام مسلمًا أخرجه في أبواب صلاة الليل، وكذلك أيضًا ما سمعتُم من حديث محمد بن مسلمة: "كان إذا قام يُصلي تطوعًا"، فربطوا بين هذا وهذا، وقلنا: إنَّ هذا حديثٌ آخر مُستقلٌّ.

    فعلى كل حالٍ، هكذا قال بعضُهم، والإمام أحمد -رحمه الله- كما قد عرفنا يُوسّع في ذلك، وإن كان له اختيارٌ فيما هو أفضل وأكمل[12] مما يُقال في استفتاح صلاة الفريضة، لكن يرى أنَّه لا بأسَ أن يتخير، وإن كان عامَّةُ ما ورد من ذلك إنما هو في قيام الليل.

    وقد نقل الوليدُ بن مسلم عن سعيد بن عبدالعزيز: أنَّه أخبره عن المشيخة: أنَّهم كانوا يقولون هؤلاء الكلمات حين يُقبلون بوجههم إلى القبلة[13]. يعني: قبل تكبيرة الإحرام، ومَن هؤلاء المشيخة الذين ينقل عنهم؟

    هذا قاله بعضُ أهل العلم والفُقهاء وأهل الكوفة أيضًا، ولكن أين الدَّليل على هذا؟

    هم يحتجُّون بأشياء، منها: وجَّهتُ وجهي، يقولون: التَّوجه هنا بمعنى: أنَّه تهيأ للصَّلاة، وأقبل عليها، ولما يدخل بها. وقالوا: إنَّ قوله -تبارك وتعالى-: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]، هذا كلّه مما يكون قبل تكبيرة الإحرام.

    فعلى كل حالٍ، هؤلاء يقولون بأنَّ ذلك قبل تكبيرة الإحرام، فيكون خارجًا عن أدعية الاستفتاح، ثم بعد ذلك يُكبر تكبيرةَ الإحرام، ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك.. إلى آخره، وهذا فيه نظر.

    وانظروا إلى العُلماء والفُقهاء من أهل الحديث -وهذه فائدةٌ أخرى-: كيف يُبوِّبون؟

    بعض طلاب الدِّراسات العليا، لا سيّما الجيل الجديد الذي اعتاد على الموسوعات الإلكترونية، فهو يقف على المعلومة مباشرةً، دون أن يتصفَّح الكتب، وينظر ويجرد المطوّلات، ويقرأ في المختصرات، فهؤلاء ليس عندهم موضوعات في أذهانهم، يعني: لم يُجرد الكتب، ولم يدرس العلم كما كان الناسُ عليه، فتنبعث في نفسه الموضوعات التي تحتاج إلى دراسةٍ، يعني: مثلاً الآن فقه الأئمّة في تراجم الأبواب، في العادة لا يُذكر إلا الإمام البخاري، لكن الإمام النَّسائي له فقه في هذا الباب معروفٌ في تراجم الأبواب، وابن خُزيمة "إمام الأئمّة" هكذا يُلقَّب، وتجد من فقهه في تراجم الأبواب الشَّيء الكثير، وابن حبان -رحمه الله- أحيانًا الترجمة تصل إلى سطرين، يذكر فيها فقهَه.

    فانظروا هذا المثال الآن في هذه المسألة: ابن خزيمة -رحمه الله- ذكر حديث عليٍّ -رضي الله عنه- تحت باب: "ذكر الدُّعاء بين تكبيرة الافتتاح وبين القراءة"، ولاحظ بدقّة: "بين تكبيرة الافتتاح وبين القراءة"، ولاحظ العبارة.

    ونحن قلنا: (بين) المشهور أنَّها لا تُذْكَر بين ظاهرين، وهنا قال: "بين تكبيرة الافتتاح وبين القراءة"، لم يقل: والقراءة. فلم يحذف كلمة (بين) كما هو المشهور، مما يدلّ على صحّة هذا الاستعمال في اللُّغة.

    فلاحظ هذا التَّبويب من ابن خزيمة، وذكر الحديث، ولفظه -ولاحظ اللَّفظ-: "كان إذا قام إلى الصَّلاة المكتوبة كبَّر، ويقول حين يفتتح الصَّلاة بعد التَّكبير: وجَّهتُ وجهي إلى: من المسلمين".

    هذا فيه ثلاث فوائد رئيسة:

    الفائدة الأولى: أنَّه في هذا اللَّفظ صرَّح: "كان إذا قام إلى الصَّلاة المكتوبة"، فهنا لا مجالَ لأن يُقال: قيام ليلٍ، ولا تطوع، فهي روايةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ، وهو نفس حديث عليٍّ .

    "ويقول حين يفتتح الصَّلاة بعد التَّكبير: وجَّهتُ وجهي"، هذا يدل صراحةً على أنَّ ذلك لا يُقال قبل تكبيرة الإحرام، بل بعدها وقبل القراءة، فهذا يردّ ذلك القول الذي يقول بأنَّه قبيل تكبيرة الإحرام، ويردّ أيضًا على مَن قال: إنَّ ذلك في النَّافلة، أو في قيام الليل.

    ثم في هذه الرِّواية: وجَّهتُ وجهي إلى قوله: من المسلمين هذا يستدلّ به مَن يقول: إنَّه لا يُقال كاملاً، وإنما يُقال إلى هذا الموضع.

    والعلماء قد لا يُصرِّح الواحدُ منهم بالدليل، ولكن الواقع لو أنَّك نظرتَ لوجدتَ ما يُستدلّ به، وهذا تجده في التَّفسير كثيرًا، فتجد أقوالاً أحيانًا تظنّ أنها في غاية البُعْد، وإذا تتبعتَ المرويات والآثار تجد أحيانًا ما يشهد لذلك، بصرف النَّظر عن صحّته من عدمها، لكنَّه استند إلى شيءٍ، بمعنى: أنَّه ما جاء برأيٍ محضٍ.

    وهنا ابن حبان ذكره تحت باب: "ذكر ما يدعو المرءُ به بعد افتتاح الصَّلاة وقبل القراءة"، يعني: هو مُصرّح بأنَّ ذلك بعد تكبيرة الإحرام، وقبل القراءة، ولفظ الحديث عند ابن حبان: "كان إذا ابتدأ الصَّلاة المكتوبة"، وعند ابن خزيمة: "كان إذا قام إلى الصَّلاة المكتوبة".

    وذكره ابنُ حبان أيضًا تحت باب: "ذكر ما يدعو به المرء عند افتتاح الصَّلاة الفريضة"، ولاحظ التَّبويب: "ويقول بعد التَّكبيرة"، حتى لا يقع عند أحدٍ أدنى لبسٍ، ثم ذكره أيضًا تحت باب: "ذكر البيان بأنَّ المصطفى ﷺ كان يدعو بما وصفنا بعد التَّكبير لا قبله"، يعني: هنا قطع بهذا التَّبويب على كل احتمال كون ذلك يُقال قبل تكبيرة الإحرام، أو أنَّه يُقال في غير الفريضة.

    ولاحظوا التَّبويب، ولو أنَّ أحدًا تتبع فقه هؤلاء الأئمّة في تراجم الأبواب لوجد من ذلك علمًا كثيرًا.

    وهكذا جاء في إحدى روايات الحديث عند الإمام الترمذي: "كان إذا قام إلى الصَّلاة المكتوبة"[14]، "ويقول حين يفتتح الصَّلاة بعد التَّكبير"[15].

    وكل ذلك مع ما تدلّ عليه الرِّواية التي عند مسلم: "كان إذا استفتح الصَّلاة كبَّر، ثم قال: وجَّهتُ وجهي"، إذًا هذه الرِّوايات بمجموعها تدلّ على أنَّ ذلك يُقال في الفريضة، وأنَّ ذلك يُقال بعد التَّكبير، وقبل القراءة، حتى لو ورد في روايةٍ من روايات الإطلاق، كما هي رواية مسلم، بل حتى لو جاء في أحاديث أخرى أنَّه قاله ﷺ في التَّطوع، أو في قيام الليل، فهذا مثلما قلنا في قول: سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره: أنَّه جاء أنَّ ذلك في الفريضة، وجاء أنَّه في قيام الليل، ولا إشكالَ في ذلك.

    وبعض العلماء كابن الجوزي -رحمه الله- يقول: "كان ذلك في أول الأمر، أو النَّافلة"[16]؛ لماذا؟ استطالوه في أول الأمر.

    ولهذا قال ابنُ قُدامة -رحمه الله-: "ولأن العملَ به متروكٌ؛ فإنَّا لا نعلم أحدًا يستفتح به كلّه، وإنما يستفتحون بأوَّله"[17]، إلى: وأنا من المسلمين.

    وهذا الكلام فيه نظر؛ فإنَّ الحديثَ واضحٌ وصريحٌ، وإذا جاء نهرُ الله بطل نهرُ معقل، ولا داعي لمثل هذا الاستشكال، ويُقال: يراعي الإمامُ حالَ مَن وراءه، ثم إنَّ الإنسان قد يُصلي في السرية فيقوله، ولا يذكر ذلك في الجهرية إذا كان هذا يُشكل على الناس، لكنَّه يقوله في السّرية، والناس لا يدرون ماذا يقرأ؟ أدعاء الاستفتاح أم السّورة؟

    ثم أيضًا يمكن أن يقوله الإنسانُ لنفسه في الفريضة، يعني: ماذا نقول في قيام الليل، أو قبل التَّكبير؟ يقوله لنفسه إذا صلَّى مُنفردًا، والمرأة تقوله حينما تُصلي لنفسها، فليس وراءها أحدٌ يمكن أن يستطيل ذلك.

    على كل حالٍ، ممن ذهب إلى الاستفتاح بهذا الحديث -وهو حديث عليٍّ - الإمامُ الشَّافعي وأصحابه[18]، وإسحاق بن راهويه في روايةٍ[19].

    وظاهر كلام الإمام الشَّافعي -رحمه الله- وبعض أصحابه: أنَّه يُستفتح به كلّه، الإمام وغير الإمام، وذهب بعضُ أصحابه إلى أنَّه يقتصر على قوله: وأنا من المسلمين، يقف إلى هذا الحدِّ، وهذا يمكن أن يُحتّج له بإحدى روايات الحديث، فمَن اقتصر على هذا القدر فله دليله، ولا بأسَ أن يقتصر على هذا الموضع، وإذا أتمَّه فيكون ذلك أكمل، ويمكن أن يُراعي أحوال الناس، فإن صلَّى بالناس اقتصر على قوله: وأنا من المسلمين، وإن صلَّى وحده أو في الصَّلاة السرية قاله كاملاً.

    وذهبت طائفةٌ من أهل العلم -كما ذكرنا من اختيار شيخ الإسلام رحمه الله-[20] إلى أنَّه يجمع بين قوله: سبحانك اللهم وبحمدك مع وجَّهتُ وجهي؛ ليكون قد حوى الأنواع الثلاثة: الذي هو الثَّناء المحض على الله في قوله: سبحانك اللهم، وهذا الدُّعاء الذي بين أيدينا الآن -حديث عليٍّ- يشتمل على الإخبار: وجَّهتُ وجهي، يُخبر عن نفسه في صدره، ثم فيه أيضًا دُعاء، فيكون قد جاء بالثلاثة.

    لكن الجمع بين هذه وإن قال به شيخُ الإسلام، وهو أيضًا قول طائفةٍ من أهل العلم كأبي يوسف[21]، وهو رواية عن إسحاق بن راهويه، وقالت به طائفةٌ من الشَّافعية[22]، وبعض الحنابلة، لكن الوارد في الجمع بينهما لا يخلو من ضعفٍ، وشيخ الإسلام أشار إلى أنَّ هذا قد ورد في بعض الأحاديث، لكن لا يصحّ -والله أعلم-.

    هذا بين يدي الكلام على ألفاظ الحديث، وأرى أنَّ ذلك يحتاج إليه، ويفتق الذهن، ويفتح آفاقًا للسَّامع، وكلَّما اتَّسعت المدارك في العلم صار عند الإنسان من الاحتياط والتَّحرز ووزن الحرف ما لا يكون عند غيره، فالذي لا يعرف من العلم إلا قدر رأس هذا القلم، إذا طُرح سؤالٌ في مجلسٍ على عالـمٍ، أو غير ذلك، بادر بالجواب؛ لأنَّ القضيةَ عنده لا تحتمل شيئًا آخر، لكن العالم يرى أشياء، ويرى الرِّوايات في ذهنه، وأقوال العلماء، وأنَّ هذه المسألة تتجاذبها قواعد، وأنَّ الألفاظَ تحتمل، ويبقى في عمليةٍ ذهنيةٍ طويلةٍ، وهو يستجمع ذهنه، وإذا بغيره يُبادرون ويقولون: هذا جائزٌ، وهذا لا إشكالَ فيه، وهذا ما يحتاج سؤالاً، والله المستعان.

    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    أخرجه الترمذي في "سننه": أبواب الدَّعوات، برقم (3422)، وأبو داود في "سننه": أبواب تفريع استفتاح الصَّلاة، باب ما يستفتح به الصَّلاة من الدُّعاء، برقم (760)، وصححه الألباني.
    أخرجه أحمد في "مسنده" ط. الرسالة، برقم (803)، وقال مُحققو "المسند": "إسناده صحيحٌ على شرط مسلمٍ".
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التَّكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى": كتاب السَّهو، ذكر ما ينقض الصَّلاة وما لا ينقضها، برقم (717)، وصححه الألباني.
    أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى": كتاب الافتتاح نوع آخر من الدّعاء بين التكبير والقراءة، برقم (896)، وصححه الألباني.
    "نتائج الأفكار" لابن حجر (1/411).
    في "صحيح سنن النسائي" (3/40) (896).
    "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" ط. السلفية (ص74).
    "سنن الترمذي" (11/302).
    "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السّجستاني" (ص46).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/387-388).
    أخرجه الترمذي في "سننه": كتاب الدَّعوات، برقم (3345)، وقال الألباني: "حسنٌ صحيحٌ".
    أخرجه الترمذي في "سننه": كتاب الدَّعوات، برقم (3345)، وقال الألباني: "حسنٌ صحيحٌ".
    "التحقيق في أحاديث الخلاف" (1/342) (443).
    "المغني" (1/550).
    "المجموع شرح المهذب" (3/321).
    "مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه" (2/514).
    "الاختيارات الفقهية" (ص416).
    "المجموع شرح المهذب" (3/321)، و"الاختيارات الفقهية" (ص416).
    "المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة" (1/136).
    ###################################
    وما زلنا أحبابي تابعونا
    ::
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح - المعاني والهدايات من قوله (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:40 am


    دعاء الاستفتاح - المعاني والهدايات من قوله (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)


    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فبعد تلك المقدّمات التي ذكرتُها بين يدي هذا الذكر والدُّعاء من أدعية الاستفتاح، وهو قول النبي ﷺ: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا من المسلمين[1]، إلى آخر هذا الذكر.

    ونشرع اليوم في بيان ما تضمّنه هذا الاستفتاح وهذا الذكر من المعاني والهدايات.

    فقوله: وجَّهتُ وجهي يعني: توجَّهتُ بالعبادة، هذا يكون مُتضمنًا للإخلاص بتوجيه وتوجّه القلب إلى ربِّه وخالقه وفاطره -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

    وبعضهم يُفسِّره بمعنى: صرفتُ وجهي وعملي ونيَّتي، أو أخلصتُ وجهتي وقصدي.

    فهذه عبارات لأهل العلم، ولا شكَّ أنَّ ذلك يتضمن الإخلاص وتوجّه القلب لله -تبارك وتعالى.

    والحافظ ابن كثير -رحمه الله- فسَّره بـ"أخلصتُ ديني، وأفردتُ عبادتي"[2]، يعني: لله -تبارك وتعالى-، فسَّره بتوحيد الوجهة، وهي وجهة القلب بالقصد والإرادة: أنَّه إنما يتوجّه إلى الله وحده دون مَن سواه، يعني: لا يكون في القلب أدنى التفاتٌ إلى المخلوق بهذه العبادة، وإنما يكون مُوحِّدًا، كما قيل:
    فلواحدٍ كن واحدًا في واحدٍ أعني سبيل الحقِّ والإيمانِ[3]

    "فلواحدٍ" أي: الله، "كن واحدًا" في وجهتك، "في واحدٍ": الطَّريق التي رسمها الله لعباده من أجل سلوكها، فلا يذهب يمنةً ولا يسرةً: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، وهو صراطٌ واحدٌ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

    فحينما يقول المصلِّي: وجَّهتُ وجهي تدل على التَّوجيه لعبادة الله ، وإفراده بالعبادة، وهذا كما قال الله -تبارك وتعالى-: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:29]، بمعنى: الإخلاص والتَّجرد والتَّوحيد لله ربِّ العالمين، يعني: أخلصوا العبادة له في عبادتكم.

    والمسجد يحتمل أن يكون ما هو أوسع من المسجد الذي يُصلَّى فيه، فيكون بمعنى: كل موضعٍ يتعبّد لله -تبارك وتعالى- فيه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18].

    ويحتمل أن يكون المرادُ بالمسجد هو الموضع المخصص للصَّلاة، فهذا كلّه يُقال له: مسجد، ويكون المعنى: أخلصوا العبادة لله -تبارك وتعالى-، وأخلصوا عبادتكم وصلاتكم، كما قال الله -تبارك وتعالى-: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا [آل عمران:20]، فإسلام الوجه لله  بمعنى: أن يُوحّد ربَّه -تبارك وتعالى-، وأن يكون مُخلصًا، عابدًا لله وحده دون مَن سواه.

    وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [لقمان:22]، مَن يُسلم وجهَه إلى الله، بمعنى: أنَّه يُوحد ربَّه، ويُفرده بالعبادة والطَّاعة والإخلاص والتَّوحيد، فكل ذلك يُفسَّر به، وهو يرجع إلى شيءٍ واحدٍ.

    وحينما نقول: وجَّهتُ وجهي فالوجه هنا يحتمل أن يكون المرادُ به: ذاتي، وتوجَّهتُ إليك بكُليتي، باعتبار أنَّه عبَّر بالوجه عن الذَّات على سبيل التَّوسع، فهذا احتمالٌ، ولكنَّه يتضمن توجّه القلب ولا بدّ؛ لأنَّ القلبَ هو الأساس، فإذا توجّه القلبُ إلى الله وحده دون مَن سواه تبعته سائرُ الجوارح؛ ولهذا كان ذلك مُتضمنًا للإخلاص؛ ولذلك فإنَّ بعضَهم فسّر توجّه الوجه وتوجيه الوجه: بتوجيه القلب، فهذا يكون من قبيل التَّفسير له بما يستلزمه، أو بما يتضمنه هذا اللَّفظ، يعني: وجَّهتُ قلبي لعبادة ربي -تبارك وتعالى-.

    وشيخ الإسلام -رحمه الله- تحدَّث عن هذه الجملة، وذكر نظائرها في القرآن، ثم بين ما تحتمله من الوجوه، ثم نظم هذه الوجوه في سلكٍ واحدٍ، وجمع بينها على عادته في تفننه -رحمه الله- في تفسير نصوص الكتاب والسُّنة، فهو يجمع المعاني التي يمكن أن يحتملها اللَّفظ، ففسّر توجيه الوجه لله ، فيذكر: أنَّ إسلامَ الوجه لله والإحسان هما أصلا هذه الشَّريعة[4]، ويستدلّ له فيذكر أنَّ ذلك جاء مُقترنًا بالإحسان، مع تنوّع الاستعمال: إسلام الوجه، وتوجيه الوجه، وإقامة الوجه، في نصوصٍ مُتعددةٍ من الكتاب والسُّنة، كقوله -تبارك وتعالى-: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۝ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [البقرة:111-112]، فذكر إسلامَ الوجه مع الإحسان، فهذا في سورة البقرة.

    ثم ذكر جزاء هؤلاء فقال: فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:112]، مَن جمعوا بين إسلام الوجه لله -تبارك وتعالى-، مع الإحسان، فيكون هؤلاء لهم هذا الوعد من الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

    وهكذا في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ، فذكر هذا وهذا فقال: وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125]، يقول: "فقد أنكر أن يكون دينٌ أحسن من هذا الدِّين، وهو إسلام الوجه لله، مع الإحسان"[5]؛ لأنَّ (من) هنا استفهامية مُضمّنة معنى النَّفي: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعني: لا أحدَ أحسن دينًا ممن أسلم وجهه له وهو مُحْسِنٌ، لا يُوجد أحدٌ أحسن دينًا من هذا، فهنا جعل إسلامَ الوجه مع الإحسان، هذا أحسن الناس تدينًا واستقامةً وطاعةً.

    يقول: "وأخبر أنَّ كلَّ مَن أسلم وجهه لله وهو مُحْسِنٌ: فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:112]"[6].

    يقول: "وهذان الوصفان -يعني: إسلام الوجه لله مع الإحسان- هما الأصلان المتقدِّمان، وهما: كون العمل خالصًا لله، صوابًا، مُوافقًا للسُّنة والشَّريعة"[7]، إسلام الوجه لله هذا التوحيد والإخلاص؛ ألا يلتفت إلى غير الله  في توبته وطاعته وعبادته، وهو مُحسنٌ، لا يكون مُحسِنًا إلا إذا كان على السُّنة، فالعمل يكون صالحًا: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا، العمل الصَّالح هو الذي تابع فيه النبيّ ﷺ، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، فهذا يتضمّن التوحيد والإخلاص، فهنا ذكر الأمرين: إسلام الوجه لله ، والإحسان.

    يقول: "وذلك أنَّ إسلامَ الوجه لله هو مُتضمن للقصد والنّية لله، كما قال بعضُهم:
    أستغفرُ الله ذنبًا لستُ مُحصيه ربّ العباد إليه الوجه والعملُ"[8]

    "إليه الوجه" يعني: القصد، تتوجه إليه بالإرادة دون مَن سواه، ويُوجّه إليه العمل الذي يتقرّب به دون إشراكٍ.

    فهذه الألفاظ: إسلام الوجه، وإقامة الوجه، وتوجيه الوجه، شيخ الإسلام يذكر دلائلَها: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:29]، فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، "أقم وجهك": وحِّد ربَّك، وأفرده بالطَّاعة، وأخلص له العبادة، توجيه الوجه كقول إبراهيم ﷺ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:79]، وهذا مثل صدر هذا الحديث وهذا الدّعاء الذي نقوله في الاستفتاح: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا.

    وفي "الصحيحين" من حديث البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ النبي ﷺ كان مما يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم أسلمتُ نفسي إليك، ووجَّهتُ وجهي إليك[9].

    الإخلاص في كل مكانٍ: يفتتح الصَّلاة بالإخلاص والتوحيد، وينام على الإخلاص والتوحيد، فكيف يكون في قلب العبد التفاتٌ إلى ما سوى الله  وهو يُكرر هذا ويُردده عند نومه ويقظته، وعند صلاته، وعند طهوره، وفي أحواله كلِّها؟ فكيف يطلب ما عند الناس، ويلتفت إلى غير الله -تبارك وتعالى-، أو يتوجّه إلى ميتٍ يدعوه، أو إلى معبودٍ سوى الله يرجوه، أو يُعظِّمه، أو يخافه، أو نحو ذلك؟

    فشيخ الإسلام -رحمه الله- يجمع بين هذه المعاني فيقول: "الوجه يتناول المتوجّه، والمتوجّه إليه"[10]، يقول: أريد هذا الوجه، يعني: هذه الوجهة، وكذلك أيضًا يتناول المتوجّه نحوه، المتوجّه إليه، تقول: مُتوجّه إلى الله، والمتوجّه نحوه، أو مُتوجّه إلى كذا، إلى النَّاحية الفلانية، يعني: أنَّ وجهتَه إلى البلد الفلاني مثلاً.

    يقول: "كما يُقال: أيّ وجهٍ تريد؟ أي: أي وجهةٍ وناحيةٍ تقصد؟"[11]، يقول: "وذلك أنَّهما مُتلازمان"[12]، أي: الوجه والوجهة، "فحيث توجَّه الإنسانُ توجَّه وجهُه، ووجهه مُستلزمٌ لتوجّهه"[13]، يعني: حيث أراد الإنسان، حيث قصد؛ فإنَّ وجهه يتوجّه إلى ذلك، وتوجّه الوجه إليه معنى ذلك أنه يقصده، فإنَّ ذلك يقتضي الوجهة.

    فيربط بين هذه المعاني، يقول: لا داعي لأن نقول مثلاً بأنَّ تفسير "توجيه الوجه" أنَّه مجرد القلب، بل حتى الوجه والوجهة التي تقصدها، والوجه الذي تُريد ما هو؟ ما عند الله -تبارك وتعالى- والدَّار الآخرة، بحيث يريد بعمله الآخرة، أو يريد بعمله الدنيا: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16]، فيكون مُريدًا لما عند الله -تبارك وتعالى- والدَّار الآخرة.

    فشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "حيث توجّه الإنسانُ توجّه وجهُه، ووجهُه مُستلزمٌ لتوجّهه، وهذا في باطنه وظاهره جميعًا"[14]، يعني: أنَّ الظاهر يتوجّه، والباطن يتوجّه، فلا يلتفتُ إلى غير الله ، بل يقصد ما عند الله، وأن يريد طاعته وحده دون مَن سواه، يقول: مَن وجَّه وجهه ناحيةً، فمعنى ذلك أنَّه يُريدها ويقصدها، ومن وجَّه وجهه نحو فلان، فمعنى ذلك أنَّه يقصده ويُريده، فهذا يكون في الباطن والظَّاهر.

    يقول: "والباطن هو الأصل، والظَّاهر هو الكمال والشِّعار"[15]، يعني: الآن هو يريد الناحية الفلانية، فهو يتوجّه إليها ويقصدها، فهي وجهته، يقول: "فإذا توجّه قلبُه إلى شيءٍ تبعه وجهه الظَّاهر"[16].

    لاحظ: لم يحمله على القلب فقط، يقول: "يتبعه الوجه الظَّاهر، فإذا كان العبدُ قصده ومُراده وتوجّهه إلى الله، فهذا صلاح إرادته وقصده، فإذا كان مع ذلك مُحسنًا فقد اجتمع أن يكون عمله صالحًا"[17]؛ لأنَّ المحسِن -كما سبق- هو الذي عمله على السُّنة: وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، وفي موضعٍ آخر تكلَّم أيضًا على توجيه الوجه لله -تبارك وتعالى- في قول إبراهيم ﷺ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، قال: "لأنَّ الوجهَ إنما يتوجّه إلى حيث توجّه القلبُ، فهو تابعٌ له، والقلب هو الملك، فإذا توجَّه الوجهُ نحو جهةٍ كان القلبُ مُتوجِّهًا إليها، ولا يمكن للوجه أن يتوجّه بدون القلب، فكان إسلامُ الوجه وإقامته وتوجيهه مُستلزمًا لإسلام القلب وإقامته وتوجيهه"[18]، جعله من باب اللَّازم.

    فهذه التَّفسيرات التي يذكرها العلماءُ صحيحةٌ: إقامة الوجه لله -تبارك وتعالى- مَن فسَّره بالإخلاص، وإقامة القلب والذَّات والوجه، كلّ هذا صحيحٌ لا إشكالَ فيه، فالمصلِّي يقول: وجَّهتُ وجهي إليك. فيُعلن بذلك أنَّه مُريدٌ لله -تبارك وتعالى- بعمله، وأنَّه ليس في قلبه أدنى التفات إلى أحدٍ سواه، مَن التفت يُقال: وجهه لكذا.

    ولما ذُكِرَ بعضُ مَن اتُّهم بالنِّفاق عند النبي ﷺ، وذكر لهم النبيُّ ﷺ أنَّه يُصلي، فماذا قالوا؟ أما ترى وجهه للمُنافقين؟! باعتبار أنَّه مُصغٍ إليهم، يميل إليهم بتوجّهه وقلبه، فهو كأنَّه منهم.

    "وجَّهتُ وجهي" لمن؟ "للذي فطر السَّماوات والأرض"، "فطر" يعني: الذي أوجدهما وخلقهما من غير مثالٍ سبق، فهذا هو الفطر، فأصل هذه المادة: "الفاء والطَّاء والرَّاء" يدلّ على ابتكارٍ وإيجادٍ من غير مثالٍ سبق.

    "للذي فطر السَّماوات والأرض": أبدعهما وأوجدهما من غير نظيرٍ، يعني: الآن لو نظرنا إلى أحوال الناس في الدنيا، وفي صناعتهم، يُقال: إنَّ الصين -وهي من أكبر البلاد الصناعية كما هو معروفٌ- يُقلِّدون، ولا يبتكرون، يعني: أعطهم ما شئتَ من الصِّناعات، فإنَّهم يصنعون على غراره، ومثيلاً له، وربما طبق الأصل على مستوى الصِّناعات المتفاوتة عندهم، لكن هل يبتكرون؟ المعروف أنَّهم لا يبتكرون، هذا هو المعروف عنهم، وإنما يُقلِّدون الصِّناعات الأخرى على مستويات، يعني: قد يُقلد على نفس مستوى الصِّناعة، وقد يكون دونها، فتلك الصِّناعات عندهم على مراتب، لكنَّهم ينظرون إلى فعل غيرهم وابتكار الصّناع، ثم بعد ذلك يُحاكونه، فهذا على مثالٍ سابقٍ، لكن مَن ابتكر شيئًا على غير مثالٍ سابقٍ يقال: هو الذي فطره، يُقال: أنا فطرتُ البئر، بمعنى: حفرتها أولاً، لم تكن محفورةً.

    ومن هنا: فالله فاطر السَّماوات والأرض، يعني: أنَّه الموجِد لهما على غير مثالٍ سابقٍ، وهو المبتدع لذلك، فخلقهما على هذه الحال، والسَّماوات هنا تشمل هذه الأجرام العلوية العِظام: السَّماوات السَّبع وما تحويه من الأفلاك والنُّجوم، وما إلى ذلك.

    فالعبد يقول: أنا توجَّهتُ إلى هذا الخالق المبدع الذي يستحقّ أن يُعبد.

    وإذا تتبعت نصوص القرآن تجد القرآن يُقرر أنَّ العبادةَ ينبغي أن تُصرف لمن كان خالقًا، فأول أمرٍ في المصحف: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21- 22] على اختلاف أقوال المفسّرين في هذا الموضع، لكن منها: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّه هو الخالق وحده؛ لأنَّهم كانوا يُقرُّون بهذا، فكيف تعبدون سواه؟! فالارتباط بين العبادة والخلق هذا ظاهرٌ في القرآن، كثيرٌ، وأنَّ العبادة ينبغي أن تُصرف لمن خلق وأوجد.

    فهنا: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات، فالذي لا يخلق لا يستحقّ أن يُعْبَد، ولا أن يُقْصَد، ولا أن يُتوجّه إليه، فهذا المبدع الخالق الموجِد من العدم حقيقٌ بأن تتوجّه الوجوه إليه، وأن تُقبل القلوبُ عليه، وأن ترتبط به كلّ الارتباط دون مَن سواه، فهذا الذي تُعول عليه القلوب في سائر أحوالها، ولا يصحّ التفاتٌ إلى أحدٍ غيره، ولا يُرجى إلا رضاه، ولا يُخاف إلا من سخطه.

    أسأل الله  أن ينفعنا وإيَّاكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإيَّاكم هُداةً مُهتدين، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    "تفسير ابن كثير" ت. سلامة (3/291).
    لابن القيم: "توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية = نونية ابن القيم" (2/258).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص58).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص58).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص58).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص58).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص58).
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب النوم على الشقِّ الأيمن، برقم (5840)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم (4885).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية (ص59).
    "النبوات" لابن تيمية (1/351).
    #######################################
    وما زلنا أحبابي
    ::
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح " اللهم أن الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك...

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:45 am


    دعاء الاستفتاح
    " اللهم أن الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك...



    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    نواصل الحديثَ في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- عمَّا جاء عن النبي ﷺ من قوله: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيّئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كلّه في يديك، والشَّر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، أستغفرك وأتوب إليك[1].

    وقد مضى الكلامُ على شرح شطره الأول، وبقي الكلامُ على قوله: اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت وما بعده.

    فقوله: اللهم أنت الملك يعني: الذي لك الملك الحقيقي، فإنَّ الملك الذي يُضاف إلى غير الله -تبارك وتعالى- إنما هو ملكٌ ناقصٌ، مسبوقٌ بفقدٍ لهذا الملك، ويلحقه الفقدُ والعدمُ، وهو ينتابه بين ذلك النَّقصُ، ولا يقوم إلا بالأعوان والأجناد، وما إلى ذلك، فهذا مُلْكٌ ناقِصٌ.

    قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26]، فالله هو الذي يملك الملك في الدنيا والآخرة، ولكنَّه في الدنيا يُعطي الملك أو يُعطي بعضَه لمن شاء من عباده: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، وانظروا في صفحات تاريخ الأمم تجدون مصداق هذه الآية، يهب الله  الملكَ لمن شاء من عباده، وينزعه ممن شاء، وقد شاهد الناسُ في هذا العصر في هذه السّنوات المتأخّرة ما فيه العظة والعبرة لمن كان له قلبٌ، فالله -تبارك وتعالى- هو الملك.

    اللهم يعني: يا الله، كما عرفنا، وقلنا: إنَّ هذه الميم نيابة عن ياء النِّداء؛ ولهذا لا تجتمعان إلا في الشِّعر: يا الله لك الملك، ويا الله أنت الملك، والملك الحقيقي لك، وأنت المتصرِّف التَّصرف المطلق، وهذه هي حقيقة الملك.

    لا إله إلا أنت فهذه كلمة التَّوحيد، لا معبودَ ولا مألوه بحقٍّ سواك، فهو الملك، وهو الإله الواحد -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-، وهو الربّ المعبود.

    أنت ربي السَّيد، المربِّي، المالك؛ لأنَّ من معاني الربّ: المالك، فأثبت له المـُلْك، وأثبت له المِلْك، فهو الملك، وهو المالك، وهما القراءتان في قوله -تبارك وتعالى-: مَلِكِ يوم الدِّين[2]، كما هو قراءة الجمهور، وفي القراءة الأخرى المتواترة التي نقرأ بها: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وقد مضى الكلامُ على الفرق بينهما في الكلام على أسماء الله الحسنى، وفي التَّعليق على التَّفسير عند الكلام على سورة الفاتحة.

    أنت ربي أنت مالكي وسيدي، وأنت الذي تُربيني بالنِّعَم الظَّاهرة والباطنة، وأنت الذي تُدبِّر شؤوني، فإنَّ العبدَ لا تدبيرَ له، وإنما الذي يُدبِّره هو الله -تبارك وتعالى-؛ ولهذا فإنَّ العبدَ يسأل ربَّه أن يُدبِّره، فإنَّ العبدَ لا يُحْسِن التَّدبير، وماذا عسى أن يبلغ إليه عقلُ الإنسان ونظره القاصر الذي قد حُجب عن الغيوب؟! فهو لا يعرف مصلحته أين تكون؟ فقد يكره أشياء وهي عين الخير له، ولكنَّه لا يشعر.

    فهذا الثَّناء الذي يُثني به العبدُ على ربِّه -تبارك وتعالى-، ويُقرّ له بملكه وإلهيته وربوبيته، ثم يُقرّ بالذلِّ والخضوع: أنت ربي، وأنا عبدك، ثم يُقرّ بالتَّقصير في حقِّه: ظلمتُ نفسي بما يقع من تقصيري في طاعة الله ، والمخالفات، والمعاصي، فيعترف العبدُ ويُقرّ بهذا، وكلنا مُقَصِّرٌ، ولكن العبدَ حينما يبلغ به الجهلُ مبلغه يُحجَب عن هذا النَّظر، ويظن أنَّه قد كمل، وأنَّه لا يتطرق إليه مثل هذا، وإذا دُعِيَ له بالهداية غضب، فهو يرى أنَّه على استقامةٍ وطاعةٍ، فلا يحتاج إلى تكميلٍ، ولا يعترف بالتَّقصير؛ لأنَّه دائمًا ينظر إلى مَن هو دونه فيما يتَّصل بالكمالات ومعالي الأمور ومُراتب العبودية، ومَن كان ينظر بهذا النَّظر -أيّها الأحبة- فهو لا يزال ينسفلُ ويهبط؛ لأنَّه سيجد مَن هو دونه حتى ينحدر إلى الهاوية، وهو يقول: هناك مَن هو أسوأ، وهناك مَن هو شرٌّ مني.

    والمؤمن لا ينظر بهذا النَّظر إلا في الأمور الدّنيوية، فيمَن هو دونه في الغنى والعافية وصحّة البدن، وما إلى ذلك، حتى يعرف نعمةَ الله  عليه، وأمَّا في معالي الأمور والطَّاعة والاستقامة ولزوم الصِّراط المستقيم فإنَّه دائمًا ينظر إلى مَن هو أعلى منه، حتى يعرف أنَّه دونهم، وأنَّه مُقصِّر، وأنَّه بحاجةٍ إلى مُجاهدات ومُزاولات ليرتقي.

    هنا يقول: ظلمتُ نفسي بغفلتي وتقصيري وذنوبي، واعترفتُ بذنبي؛ لأنَّ الإنسانَ حينما يُقصِّر ويعصي هو لا يضرّ الله شيئًا، وإنما يعود ذلك إليه هو، فيقول: ظلمتُ نفسي ...، واعترفتُ بذنبي، فهو يُقرّ بهذه الجنايات، ثم بعد ذلك يسأل المغفرة، وهذا من أحسن ما يكون فيما يُقدِّمه بين يدي الدُّعاء من الثَّناء على الله -تبارك وتعالى-، وذكر الافتقار، وإظهار التَّذلل والخضوع والتَّقصير لربِّه وخالقه .

    وهذه المقدِّمات التي تكون بين يدي الدُّعاء هي أنواع: فتارةً يُقدِّم بأنَّه لم يشقَ من قبل بدُعاء ربِّه -تبارك وتعالى-، كان الله يُجيبه ويُعطيه سُؤْلَه، ويُحقق مطالبه، فيقول: عوّدني الإجابة، فأجبني في مسألتي هذه.

    وتارةً إذا كان العبدُ يُريد المغفرة ونحو ذلك، يعترف بالتَّقصير والذّل، ويعترف بالذَّنب، ويُظهر فقرَه ومسكنتَه، لعلَّ الله أن يغفر له.

    فاغفر لي ذنوبي جميعًا نسمع بعضَ الناس يقول -وربما دعاهم إلى ذلك محبّةُ السَّجع والميل إليه-: أستغفر الله العظيم من كلِّ ذنبٍ عظيمٍ، من كلِّ ذنبٍ عظيمٍ فقط. وسمعتُم في الآيات التي في صلاة العشاء: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، بدأوا بالصِّغار، كما قال بعضُ التَّابعين: "ضجّوا والله من الصَّغائر"[3]، بدأوا بصغائر الذُّنوب قبل الكبائر: لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، فكل شيءٍ يُحصيه الله  على عباده، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7- 8].

    فهنا فاغفر لي ذنوبي جميعًا، وهذا هو اللَّائق في الاستغفار، ولا يقول: "أستغفر الله العظيم من كل ذنبٍ عظيمٍ"، أليس العبدُ بحاجةٍ إلى الاستغفار من جميع الذُّنوب؟ بل هذا هو الواجب عليه.

    فاغفر لي، وعرفنا أنَّ الغفر يتضمّن أمرين: السَّتر والوقاية، السَّتر فلا يفتضح: لا في الدنيا، ولا في الآخرة، والوقاية: أنَّه يُوقى تبعةَ هذا الذَّنب وأثره، بحيث يكون سالـمًا من العقوبة؛ لأنَّ الإنسان إذا جنى الجنايةَ، وحصل المعصية، ووقع في المخالفة، فإنَّه عُرضة للمُؤاخذة، فإذا قال: أستغفر الله، فهو يطلب السّتر، ويطلب الوقاية. وقلنا: مثل "المغفر"، قيل له ذلك لأنَّه يستر رأسَ لابسه ويقيه الضَّرب بالسِّلاح والحديد، وما إلى ذلك.

    فاغفر لي ذنوبي جميعًا هنا قدَّم هذا الاعتراف بالتَّقصير على سؤال المغفرة تأدُّبًا، انظروا إلى آدم وحواء -عليهما السلام-: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، قالوا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا، والدُّعاء هنا يُناسِب ذكر اسم الربِّ -تبارك وتعالى-، كما هو الغالب في القرآن، وغالب دعاء الأنبياء: (ربنا)؛ لأنَّ العطاء والمنع والغفر والعفو كلّ ذلك من معاني ربوبيته -تبارك وتعالى-.

    فإنَّه لا يغفر الذُّنوبَ إلا أنت الفاء هنا تدل على التَّعليل، مع دلالة (إنَّ) على التوكيد، فإنَّه يقول: أنا أعترف لك، فاغفر لي، فإنَّه لا يغفر الذُّنوبَ إلا أنت، فأتوجّه إلى مَن؟ فأنت الذي تملك ذلك وحدك، دون سواك، ومن ثم فإني أتوجّه إليك بطلب المغفرة، فمغفرة الذنوب بيدك، وليست لأحدٍ سواك، ولا يتولاها غيرك، ولا يقدر عليها مخلوق.

    واهدني لأحسن الأخلاق اللَّفظ السَّابق طلب المغفرة، وهذا من باب التَّخلية، فإنَّ المحلَّ المتَّسخ بحاجةٍ إلى تنظيفٍ وتطهيرٍ، ثم بعد ذلك يأتي التَّعطير والتَّطييب، فالمحلّ الذي نريد أن نزرعه ليُثمر نحتاج أولاً إلى إزالة الشَّوائب والعوالق والعوائق، فتكون الأرضُ صالحةً للنبات، وهكذا القلوب والنفوس في إصلاحها وتربيتها وتزكيتها وتقويمها هي بحاجةٍ إلى تهذيبٍ وبناءٍ، وهذه حقيقة التَّزكية: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] طهَّرها وبناها بالإيمان والعمل الصَّالح، فالعملية تقوم على هذين الأصلين.

    فقوله: اهدني لماذا؟ لأحسن الأخلاق، والهداية هنا تشمل هدايةَ الإرشاد: دُلَّني عليها، وهداية التَّوفيق، فإنَّ من الناس مَن قد لا يعرف أصلاً أنَّ هذا من الفضائل والأخلاق، أو أنَّ هذا أفضل وأكمل من غيره، ومن الناس مَن يعرف، ولكنَّه أبعد ما يكون عن هذا: إمَّا لأنَّ نفسَه أقعدته، أو لأنَّه يحسب الأمور بطريقةٍ مختلفةٍ، فيرى أنَّ هذا من الضَّعف في هذا المقام، أو أنَّ هذا يُجَرِّئ الآخرين، أو نحو ذلك مما يتصوره أحيانًا ويظنّه من الظنون الفاسدة، فيظنّ أنَّه إذا قدَّر الآخرين، أو تعامل معهم بشيءٍ من الاحترام؛ أنَّ هذا نوعٌ من التَّملُّق.

    فبعض التَّلاميذ لربما يرون الأستاذ هو الذي يمسح السّبورة، وهو الذي يبحث عن كرسيٍّ يجلس عليه، وهو الذي يحمل كتبًا كثيرةً أحيانًا تبلغ عشرين مجلدًا، فيحملها، ولا يقوم أحدٌ، فالأستاذ هو الوحيد الذي لا يُوجد له كرسيٍّ يجلس عليه، والطَّلاب أخذوا كلَّ المقاعد وجلسوا عليها، وما يقوم أحدٌ ويقول: تفضّل اجلس هنا؛ لماذا تعجز وأنت تُريد أن تُفسّر هذه التَّصرفات وهذه السَّلبية؟ ولا يعرفون محاسنَ الأخلاق، أو أنَّ هؤلاء قد تحجَّرتْ نفوسُهم، أو أنَّهم يُفكِّرون بطريقةٍ أخرى.

    ثم حينما تتساءل لربما تعرف من بعضهم أنَّهم يرون أنَّ ذلك من قبيل الـتَّملُّق الذي يترفَّعون عنه، وبعض الناس لربما لا يهوي إلى رأس أبيه أو أمِّه ليُقبّله؛ لأنَّه يرى أنَّ هذا نوعٌ من التَّذلل، فتحمله عزَّته على التَّجافي عنه، أخلاقه جافَّة، وتعامل جاف، وأخلاق صحراوية، بيتٌ بعيدٌ عن الرِّفق والتَّلطف، وعن العبارات اللينة، والكلام الطَّيب الحسن الذي يجذب القلوبَ ويأسرها، فتجد التَّعامل بين الإخوان جافًّا، فلا توجد لغةُ حوارٍ، ولا توجد لغةُ تفاهمٍ، وهذا للأسف خلاف الأخلاق.

    اهدني لأحسن الأخلاق فلم يقل: اهدني للأخلاق الحسنة، وإنما أحسن الأخلاق؛ لأنَّ المؤمنَ دائمًا يطلب الارتقاء، فمهما استطعتَ أن تُجاهد نفسَك لتكون الأحسن في الأخلاق، لا أن تكون الأخلاقُ حسنةً، أمَّا أخلاق سيئة فهذا مرفوضٌ، لا يمكن أن يُقبل، لكن أحسن الأخلاق، وانظر إلى مَن حولك: هل أنت الأفضل في الخلق تعبُّدًا لله  بهذا الخلق، لا نفاقًا، ولا رياءً، ولا تملُّقًا، وإنما لإرادة ما عند الله -تبارك وتعالى؟

    فالنَّفس تحتاج إلى مجاهدةٍ، قد يصعب عليها بعضُ هذا، بعض الناس قد يقول: يُسْتَنْكَر مني هذا، الناس ما اعتادوه، يستنكرون منك الإحسان واللُّطف، هذا أمرٌ لا يجمل، ولا يحسُن، لكنَّهم دعهم يستنكرون منك خلافه لو بدر لأي سببٍ من الأسباب، لو رأوا منك شيئًا من ترك بعض ذلك استغربوا، قالوا: فلان ما له اليوم؟! لم نعهد اللُّطف الذي عهدناه منه! هذا أحسن من أن يُستغرب من الإنسان اللُّطف، فيُقال: ماذا عنده اليوم؟! غريبة! أليس هو فلانًا الذي عرفناه؟! هم عرفوه وحشًا كاسرًا -نسأل الله العافية-، لا يقف في وجهه أحدٌ، ولا يستطيع أحدٌ أن يُطالبه بحقٍّ، ولا يتكلَّم معه، ولا أن يتحاور، ولا أن يتفاهم، يغضُّون عنده، ويبلعون ما في نفوسهم؛ لأنَّه لا يتحرك أحدٌ إلا ثار في وجهه، وشرُّ الناس مَن أحسن الناسُ إليه اتِّقاء شرِّه.

    فلاحظ هذا الدُّعاء، فنحن حينما ندعو في صلاتنا دعاء الاستفتاح: اهدني لأحسن الأخلاق، أرشدني ودُلَّني عليها لأعرفها، فهذا هو الخطوة الأولى للعمل والامتثال.

    وأيضًا وفِّقني؛ لأنَّ ما كلّ مَن عرف طبَّق، وهذه قضية نحن أحوج ما نكون إليها، وينبغي على المربين أن يُركِّزوا على هذه المحاضن التَّربوية بربط صلة هؤلاء الشَّباب والفتيات بالله ، هذا أمرٌ ينبغي أن يُوثق، بحيث يكون عنده انبعاثٌ إلى الطَّاعة من عند نفسه، ولا يحتاج إلى دفعٍ، فإذا أذّن ذهب إلى المسجد، لا يُقال له: قم صلِّ. ويُجاهد على هذا جهادًا كبيرًا حتى يذهب إلى المسجد، وظاهره الصَّلاح، هذه تربية ضعيفة وناقصة وهشَّة، وسرعان ما يتساقط هؤلاء وينحرفون لأدنى عارضٍ.

    هذا هو الجانب الأول: نحتاج أن نُربي الأولاد والبنات عليه، ويعتني به المربّون، مع الآباء والأمّهات، وهو تقوية الصِّلة بالله .

    الجانب الثاني: وهو برّ الوالدين. والجانب الثالث: الأخلاق.

    فإذا وُجدت هذه الثلاثة يأتي ما بعدها -إن شاء الله-، وهي صلته بالله : بإدامة ذكره، وإقبال القلب عليه، وما إلى ذلك، وهذا هو الذي يُثمر كلّ عملٍ طيبٍ، وقولٍ طيبٍ، وما إلى ذلك، هذه أصول كبار.

    فيحتاج العبدُ إلى هذا الدُّعاء، فالمسألة ليست بسهلةٍ، النفوس تحتاج إلى مجاهدةٍ: اهدني، ودُلَّني، ووفقني، وثبّتني، وأوصلني لأحسن الأخلاق في عبادتك أو غيرها، الأخلاق الظَّاهرة والباطنة، والحياء من الأخلاق، والبنت حين تكون ما تستحي: تلبس لباسًا يُظهر العورات، ويكشف السَّوآت، أو يحجّمها، أو يشفّ عنها، وتخرج أمام أخواتها، أو أمام زميلاتها، أو في مناسباتٍ؛ فهذا خلاف الأخلاق، فالحياء خلقٌ منه ما هو جبليٌّ، ومنه ما هو مُكتَسَبٌ، وقلْ مثل ذلك في الحلم والقول اللَّين، وهذا بابٌ واسعٌ: لأحسن الأخلاق لأكملها، وأفضلها.

    لا يهدي لأحسنها إلا أنت مَن الذي يهدي لأحسن الأخلاق إلا الله  في الدّلالة عليها؟ والناس حينما يتكلَّفون ويعصرون أذهانهم من أجل أن يُولِّدوا أخلاقًا فاضلةً في زعمهم، قد تكون هذه الأخلاق غير نظيفةٍ؛ لأنَّ الأذهانَ والعقولَ قاصرةٌ وناقصةٌ، وإنما الذي يدل على الأخلاق هو الله -تبارك وتعالى- بتشريعاته الكاملة.

    إذًا هذا يُؤخذ من أين؟ من مشكاة الوحي، لا من المناهج الغربية والنَّظريات التي لا تخلو في غالبها من لوثات، ثم يأتي قائلٌ يقول -وهو ينتسب ربما إلى التربية أو الدَّعوة-: أفضل التربية اليوم هي التربية الأمريكية. هذا كلامٌ يقوله مَن عرف الوحي وما جاء به الرسولُ ﷺ؟!

    فالله هو الذي يهدي لأحسنها، ويدلّ عليها، إذًا تُؤخَذ هذه من الوحي، وكذلك أيضًا التَّوفيق إليها؛ لا يمكن أن يُوفّق، ولا يمكن أن يُوصِل إلى ذلك إلا الله، فالعبد تقعد به نفسُه عن الوصول إلى هذه المقامات، إلا مَن هداه الله  ووفَّقه.

    والنبي ﷺ يقول: إنَّ من أحبِّكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنُكم أخلاقًا[4]، يعني: هذا أثر حُسن الخلق في الآخرة، يصل بالعبد إلى القُرب من النبي ﷺ، فيصل به إلى هذه المراتب العالية، ويبلغ بالخلق مرتبةَ الصَّائم الذي لا يُفطر، والقائم الذي لا يفتر، وتجد الإنسان أحيانًا صاحب الخلق الطَّيب، والكلام اللَّطيف، والقلب النَّظيف، والله أحبّ إلينا من إنسانٍ يصوم الدَّهر، ويقوم الليل، ولكن قلبُه مُظلم؛ يحقد على الناس، ويحسدهم على ما آتاهم اللهُ من فضله، ولسان -أعوذ بالله- لا يسلم منه أحدٌ، فما هذه الصَّلاة؟! وما هذا الصِّيام؟! وما هذا القيام؟! هذا الذي يذهب في الصَّباح ويشتري خبيزات، ثم يجلس مع أولاده؛ والله خيرٌ من ذاك الذي أصبح صائمًا، ولكنَّه يحمل قلبًا مُظلمًا، ولسانًا -أعوذ بالله- فاحشًا، فيحتاج العبدُ إلى أن يتضرَّع إلى الله -تبارك وتعالى- ليصل إلى هذه المقامات.

    وأسأل الله  أن ينفعنا وإيَّاكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإيَّاكم هُداةً مُهتدين.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا.

    ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنَّك رؤوفٌ رحيمٌ.



    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    "السبعة في القراءات" (ص64).
    من قول الفُضيل في "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التَّأويل" (2/678).
    أخرجه الترمذي في "سننه": كتاب البرِّ والصِّلة، باب ما جاء في معالي الأخلاق، برقم (1941)، وصححه الألباني.
    ##################################################
    وما زلنا أحبابي
    ::
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح " واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت...

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:48 am


    دعاء الاستفتاح
    " واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت...

    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: أيّها الأحبّة، بقيت بقيةٌ من حديثٍ مضى الكلامُ على أوَّله، ونسيتُ أن أتكلم عن آخره، ظننتُ أنَّه قد تمَّ الكلامُ عليه، فنبَّهني بعضُ الإخوان، وهو حديث علي بن أبي طالبٍ ، عن النبي ﷺ: أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة قال: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، إلى هنا مضى الكلامُ على الحديث، وبقي آخره، قال: واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيّئها إلا أنت، لبيك، وسعديك، والخير كلّه في يديك، والشَّر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، أستغفرك وأتوب إليك[1]. رواه مسلمٌ.

    فقوله: واهدني لأحسن الأخلاق مضى الكلامُ على هذا القدر؛ أي: دُلَّني ووفّقني لأحسن الأخلاق؛ لأكون مُتحققًا بها، مُتخلِّقًا بها، وهذا يدل على أهمية الخلق، فيسأل العبدُ ربَّه ذلك في دُعائه في الاستفتاح للصَّلاة: أن يهديه الله -تبارك وتعالى- لأكملها وأفضلها، فالعبدُ يسعى دائمًا ليكون بمنزلةٍ هي الأعلى في الأخلاق، والناس في ذلك مراتب ودرجات، وأقربهم إلى النبي ﷺ منزلةً يوم القيامة أحاسنهم أخلاقًا، فأهل الأخلاق يتفاوتون، ثم بعد ذلك من نقص عن الحدِّ اللَّائق هؤلاء أيضًا يتفاوتون في الدَّركات.

    لا يهدي لأحسنها إلا أنت فإنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الهادي إلى هذه الأخلاق والأعمال، فهو الذي يُرشد لأحسنها، وهو الذي يُوفّق للتَّحقق بها، والعمل بمُقتضاها.

    واصرف عني سيّئها اصرف يعني: هذا طلبٌ للمُباعدة من سيِّئ الأخلاق، وهذا يدل على شأن الخلق، وأنَّ سُوء الخلق مما ينبغي التَّجافي عنه، وأنه يكون عيبًا ومذَمَّةً، يحتاج العبدُ إلى أن يسأل ربَّه أن يُخلصه منه، وإلا فإنَّ العبدَ إذا تُرِكَ مع حظوظ نفسه، وشهواتها، ومطالبها؛ فإنَّها تشدّه إلى الأسفل، فيهوي، وينسفل، ويترك ما ينبغي، وما يجمل، وما يحسُن من الأقوال والأفعال.

    ثم يقول: لبيك مضى الكلامُ عليه في التَّلبية، ما يقوله الملبِّي في الحجِّ، وذكرنا في جملة ما ذكرنا أنَّ من أهل اللغة مَن يرجع أصل ذلك إلى معنى الإقامة بالمكان: ألببتُ بالمكان، يعني: أقمتُ به، فهو هنا حينما يقول: "لبيك" على هذا المعنى، يعني: أنا مُقيمٌ على طاعتك.

    وهذا المعنى قال به بعضُ الكبار: كالخليل بن أحمد -رحمه الله-، وبعضهم يُرجع ذلك إلى معنى التَّوجه، "لبيك" مأخوذٌ من قوله: داري تلب دارك، يعني: تُواجهها، فأنا اتّجاهي إليك، لا ألتفت إلى أحدٍ سواك. هناك الإقامة على الطَّاعة، وهنا الإخلاص، توحيد الوجه: توحيد القصد لله -تبارك وتعالى.

    وبعضهم يُرجع ذلك إلى معنى المحبَّة، من قولهم: امرأة لبّة، يعني: أنَّها محبّة لولدها، لبّة، فيكون بمعنى: إعلان المحبّة لله -تبارك وتعالى-.

    وهذه المعاني يقول بها علماءُ من أهل اللغة؛ مما يدلّ على أنَّ ذلك جميعًا معروفٌ في كلام العرب، فإذا أردنا أن نجمع هذه المعاني فنقول: إنَّ هذا الملبي حينما يقول: "لبيك" فهو يُعلن إخلاصه وتوحيد الوجه، كما يُعلن الإقامة على طاعة مولاه، وأنه محبٌّ له، مع المحبّة، فكل ذلك مُتحققٌ فيه، والله تعالى أعلم.

    وحينما يقول: "لبيك" يعني: أنا مُداومٌ على طاعتك دوامًا بعد دوامٍ، مُقيمٌ على عبادتك إقامةً بعد إقامةٍ، أنا محبٌّ لك، وجهتي واحدة؛ هي طلب مرضاتك، فلا يتلفَّت القلبُ يمنةً، ولا يسرةً، فهذا مصدر "لبيك"، مثنى من لبَّى، أو ألبَّ، فأُضيف إلى المخاطب الكاف: "لبيك"، والتَّثنية هنا يُراد بها التَّكرير، يعني: ليس المقصودُ أنَّ ذلك بعدد مرتين، وإنما التَّكرير من غير نهايةٍ، كما قال الله : ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك:4]، ليس المقصودُ أن يُرجعه مرتين، وإنما مرةً بعد مرةٍ، فهو لن يجد خللاً بهذا الخلق، كرةً بعد كرةٍ، مرةً بعد مرةٍ.

    تنتشر هذه الأيام رسائل يتداولها بعضُ الناس، ربما يسأل بعضُهم عنها: أنَّ "لبيك" لا تُقال إلا في حقِّ الله .

    وهذا الكلام غير صحيحٍ؛ فالإنسان حينما يدعوه داعٍ فيقول له: لبيك، يعني: أنا مُجيبٌ لك إجابةً بعد إجابةٍ، ما الإشكالُ في هذا؟ إذا قال: أنا مُحبٌّ لك، أنا مُتوجِّهٌ إليك، ما الإشكال في هذا؟ لا إشكالَ فيه، ولا أدري هؤلاء من أين يأتون بهذه المعاني التي ينشرونها بين الناس، ويُحذِّرون من إطلاقها؟! خللٌ في العقيدة خطيرٌ يقوله بعضُنا دون أن يشعر، مُغالطات نسمعها، فيسأل الناس عنها، ولا أدري من أين يخترعون هذا؟! هل هناك مَن يتلاعب بالناس، ويُنشئ أشياء من هذا القبيل، فيضحك من عقولهم؟! أم أنَّ هذا هو مُنتهى عقل هذا الإنسان الذي كتبها، وهذا مبلغه من العلم؟! لا تدري، يحتمل هذا، ويحتمل هذا، لكن النَّتيجة هي نشر الجهل والأخطاء.

    ولذلك انتبهوا تُنْشَر أشياء أحيانًا: إمَّا أن يكون هذا الذي نشرها أحيانًا، غير هذا المثال، تقول: هذا من أهل التَّصوف، وأحيانًا تقول: هذا من الرَّافضة، أو أنَّ هذا مُوغِلٌ في الجهل، فوجد ذلك في موقعٍ، أو في كتابٍ، أو شيءٍ من هذا القبيل فنشره، النَّتيجة واحدة: نشر الضَّلالات.

    فينبغي للإنسان ألا ينشر شيئًا حتى يتحقق أنَّه صحيحٌ، ويسأل، البعض لا يسأل، والبعض يسأل إذا نشر، أو أُنْكِرَ عليه، أو قيل له: اسأل، تحقق، فهذا كله غير صحيحٍ.

    لبيك، وسعديك يعني: أسعد أمرك، وأتبعه، يعني: إسعادًا مُتكررًا كما قلنا في التَّثنية، بمعنى: أنَّه يقول: أسعد بإقامتي على طاعتك، وإجابتي لدعوتك سعادةً بعد سعادةٍ، أو إسعادًا بعد إسعادٍ، فهو يُعلن إقامته ومحبَّته وتوحيد وجهته، مع السَّعادة بذلك كلِّه: لبيك، وسعديك، وهذا بخلاف مَن يتثاقل العبادة والطَّاعة لله ، ويرى أنها عبءٌ ثقيلٌ يُثقل كاهلَه.

    فهذا الذي يقول: لبيك، وسعديك أنا مقيمٌ على طاعتك، أنا محبٌّ لك، أنا قد وحَّدتُ وجهتي، هل هو كذلك؟ هل هو مُقيمٌ على طاعة الله ؟ هل هو مُوحِّدُ الوجهة؟ هل هو مُحبٌّ لربِّه -تبارك وتعالى-، سعيدٌ بهذه الطَّاعة والعبادة، أو أنَّه مُستثقِلٌ لذلك كلِّه، مُتبرِّمٌ به؟

    الله  أخبر أنَّ المنافقين: لَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54]، وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]، فهؤلاء يستثقلونها، إنما يحضرون حيث يراهم الناس؛ ولذلك كانت أثقل الصَّلاة عليهم هي صلاة العشاء والفجر، ظُلمة، لا يراهم أحدٌ، لماذا يأتون؟ ليس هناك احتسابٌ؟ لم تكن هناك أنوارٌ مثل الآن، فلا يُعرف مَن حضر، ومَن لم يحضر، وإنما قال النبيُّ ﷺ مرةً، سأل: هل شهد فلان؟ هل شهد فلان؟ هل شهد فلان؟.

    فهؤلاء -نسأل الله العافية- بهذه المثابة؛ ولذلك الإنسان يخاف على نفسه، وينبغي أن يُربي أولادَه على محبَّة هذه العبادة، والإقبال عليها، والاغتباط بها، ولا يقوم إليها مُتثاقلاً، لا يكاد ينهض من فراشه.

    والخير كلّه في يديك الخير كلّه، لاحظ هذا الأدب في الثَّناء على الله -تبارك وتعالى-، تُضاف إليه الكمالات والمحاسن والخير، دون المساوئ كما سيأتي: والشَّر ليس إليك.

    فالخير كلّه في يد الله -تبارك وتعالى-، خزائنه عند الله، وهو المانُّ به، المتفضِّل على عباده، ويده سحَّاء بهذا الخير والعطاء والإفضال، فهو يرزق عباده، ويُغدق عليهم الأرزاق، وهو الذي يكلأهم بالليل والنَّهار، فخزائن الرِّزق عنده، ويمينه لا تغيضها نفقة، جميع الخير بيده -تبارك وتعالى-.

    إذا كان الأمرُ كذلك -أيّها الأحبّة- فلا يصحّ بحالٍ من الأحوال أن يتحرَّى الخير من المخلوقين، أن يتعلَّق القلبُ بهم لينفعوه، أو ليدفعوا عنه، فالخير كلّه بيد الله .

    فينبغي أن نُعظم الرَّغبة إلى الله ، أن تكون القلوبُ مُعلَّقةً بباريها وفاطرها ، إذا علمت أنَّ الخيرَ كلَّه في يديه، إن كان الخيرُ كلّه في يديه فما الذي يبقى عند غيره؟ فمن الخطأ أن يتوجّه إلى غير الله -تبارك وتعالى-.

    فالذي يقول هذا الكلام في دعاء الاستفتاح -أيّها الأحبة- وقلبُه مُعلَّقٌ بالمخلوقين هذا يُعلن كذبَه وتناقضَه في ابتداء صلاته، انظر مثل هذه المعاني كيف تُورث اليقين، وتُصحح سلوك العبد على صراط الله القويم؟

    والخير كلّه في يديك، وفي هذا إثبات اليدين لله -تبارك وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته.

    والشَّر ليس إليك الشَّر لا يُضاف إلى الله، ولا يُنْسَب إليه: لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فأفعاله كلّها خير، ولكن الشَّر يقع في مفعولاته؛ المطر هذا الذي ينزل هو خيرٌ، لكن قد يحصل بسبب غرق زيدٍ أو عمرو، قد يحصل بسببه خراب دار فلان من الناس، قد يحصل بسببه هلاكٌ لزروع بعض الناس، ولكن يبقى هذا خير، وقُلْ مثل ذلك في أشياء وأمثلة كثيرة جدًّا.

    فأفعال الله  كلّها خير، ولكن الشَّر يقع في مفعولاته، فهذا الذي غرق في هذا الماء، أو تخرَّبت دارُه، هذا بالنسبة إليه كان ذلك شرًّا لربما، ولكنَّه بالنسبة لأفعال الله  لا شكَّ أنَّه خيرٌ.

    قُلْ مثل ذلك في وجود إبليس، خلق إبليس، وجود المعاصي، والكفر، والشَّياطين، والحيَّات، والهوامّ، وما إلى ذلك، فهذه بالنسبة إلينا شرٌّ، لكن بالنسبة لأفعال الله  هي خيرٌ، خلقها لحِكَمٍ عظيمةٍ، تظهر فيها معاني أسماء الله وصفاته، ويتفاضل الناسُ بوجود الفقر والغنى، هذا الفقر بالنسبة إليه لربما يكون شرًّا، قد يكون كذلك، ولكن بالنسبة لأفعال الله  تظهر فيه معاني المعطي والمانع، تظهر فيه معاني الرَّزاق، تظهر فيه معانٍ من حكمته  في تدبير أمر هذه الخليقة، والتَّفاوت الواقع بينها.

    وهكذا يتميز الناس ويتمايزون في الآخرة: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، فلا يتميز ويتبين ما لأهل الإيمان من النَّعيم إلا بأضداده، وهكذا في أمثلةٍ كثيرةٍ، مع أنَّ الله خالق الجميع، خالق الخير والشَّر، كل ذلك خلقه ، لكن في الإضافة لا يُقال: الله -تبارك وتعالى- يُضاف إليه الشَّر، وإنما يتأدّب معه في ذلك، وإلا فالله خالق كلِّ شيءٍ، ومن ثَمَّ انظروا إلى هذه الآداب: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، "مرضتُ" أضاف المرضَ إلى نفسه، والشِّفاء إلى الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

    الخضر لما خرق السَّفينة قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79]، فنسب العيبَ إلى نفسه، ما قال: فأراد الله عيبَها، لكن في الغلام أو في الغُلامين اليتيمين قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [الكهف:82]، فأضاف ذلك إلى الله -تبارك وتعالى-.

    وانظر إلى هذه الآية في سورة الفاتحة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ، أضاف الإنعامَ إليه: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ، ما قال: الذين غضبتَ عليهم، قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ [الفاتحة:7]، فحذف الفاعل، وبنى ذلك للمفعول، لاحظوا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ، مع أنَّ الله هو الذي غضبَ عليهم.

    وهكذا في أمثلةٍ كثيرةٍ، وقد مضى الكلامُ على شيءٍ من هذا في بعض المناسبات.

    ثم يقول: أنا بك يعني: أنا أعوذ، وألوذ، وأعتمد، قيامي بك، فمن غير الله  لا يمكن للعبد أن ينهض بنافعةٍ، ولا أن يُحقق نجاحًا، ولا فلاحًا.

    ومن هنا يخرج العبدُ من حوله وطوله، يقول: أنا إمكانياتي، قُدراتي، ما تلقيتُه من الدّورات والتَّدريب، ذكائي، عقلي. لا يقول: هذا المال، هذا الغنى: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص:78]، وإنما يقول: أنا بك، كل ما يحصل لي من خيرٍ، ونجاحٍ، وفلاحٍ، وعملي طاعة من الطَّاعات إنما هو بتوفيقك، ما مني شيء، ولا لي شيء.

    لو أنَّ العبدَ تجرَّد هذا التَّجرد لأراح واستراح، هو يطمئنّ ويرتاح، ويعرف أنَّه ما منه شيء، ويُريح الآخرين، فلا يحتاج هؤلاء إلى أن يُزاولوا معه ألوان المزاولات من أجل أن يُرضوه؛ فيُعظَّم من أجل أن يرضى، من أجل أن يكفَّ شرَّه، هذه مشكلة موجودة للأسف، ومُتجذرة في بعض النفوس، ويحتاج العبدُ إلى مُعالجة نفسه دائمًا؛ ليخرج من الدّوران حول هذه النَّفس، فيعرف أنَّه ما منه شيء، ولا له شيء.

    أنا بك انظر إلى هذه التربية في هذه المعاني التي نُرددها، ولكننا لا نستشعرها، فإذا جاء المتعاظمُ لنفسه وقال: أنا بك وإليك، فهو كذَّابٌ، يُعلن كذبَه بأول صلاته.

    أنا بك وإليك إليك أتوجّه، إليك ألتجئ، إليك أرجع، إليك أتوب، إليك أصير، وهكذا، فهو يُعلن استعانته بربِّه -تبارك وتعالى-، ويُعلن توجّهه إليه، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي أوجده، وأعطاه، وحباه، ووفَّقه، ولولا ذلك لضاع، وكذلك هو إنما يتوجّه إلى الله -تبارك وتعالى-، ويلتجئ إليه، ويُنيب.

    تباركتَ تعاظمتَ، تمجّدتَ، تكاثر خيرُك، فهذه كلمة تدلّ على الدَّوام والثَّبات، ثبت خيرك، كثرت بركتُك، عظم مجدُك، وبرُّك، وإحسانك.

    وقد ذكرنا أنَّ ذلك لا يُقال إلا لله، ما يُقال: فلان تبارك، تباركتَ علينا يا فلان. وإنما يُقال: تبارك الله، البركة من الله، وليست من المخلوقين.

    تباركتَ وتعاليتَ تعاليتَ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ في ذاتك، وأسمائك، وصفاتك، وأفعالك، فهو المتعاظم عن كلِّ نقصٍ، المتعالي عن كلِّ عيبٍ.

    أستغفرك السّين والتاء للطَّلب، أطلب مغفرتك، وعرفنا أنَّ العبدَ حينما يطلب المغفرةَ فهو يطلب شيئين: الأول: السَّتر. الثاني: الوقاية؛ لأنَّ كلمة "الغفر" تدلُّ على هذا، مغفر على الرأس يستره، ويقيه ضرب السِّلاح، فإذا قلتَ: يا ربّ، اغفر لي. يعني: استرني في الدنيا والآخرة، وقني تبعة المعصية من المؤاخذة والعقوبة، وما إلى ذلك.

    أستغفرك وأتوب إليك أي: أرجع عن فعل الذَّنب، أرجع إلى الله ، يتوب في أول صلاته، فإذا كان يقول هذا وهو مُصِرٌّ على المنكر، يقول هذا وهو ينتظر متى يُسلِّم الإمامُ حتى يرجع إلى تلك المنكرات التي كان مُقيمًا عليها قبل الصَّلاة، وهو يقول: أستغفرك وأتوب إليك، تستغفر من ماذا؟! وتتوب من ماذا؟! فهنا يكون الإنسانُ قد غالط نفسَه، ويقول كلامًا هو كاذبٌ فيه، كلام لا حقيقةَ له، دعوى، لا يوجد ما يُصدِّقها من واقعه، فهل نعي ما نقول؟!

    هذه الأذكار -أيّها الأحبّة- لو كنا نعقل لكانت صلاتنا تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكن يُردد هذا الكلام الذي يلهج، ثم يخرج العبدُ وما يدري ما صلَّى! ولو سُئل في كثيرٍ من الأحيان: ماذا قرأ الإمامُ في الركعة الأولى، أو في الركعة الثانية؟ يقول: ما يدري! الإمام يقرأ لمن؟! ويجهر لمن؟! أين كنتَ؟! ما هذا المهم الذي شغلك؟! ما يدري!

    أسأل الله  أن يُصلح قلوبَنا وأعمالنا، وأن يتوبَ علينا، وأن يُلهمنا رُشدنا، وأن يقينا شرَّ أنفسنا.

    اللهم اجعل القرآنَ العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا، وجلاء همومنا.

    اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلّمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النَّهار على الوجه الذي يُرضيك عنا، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

    ####################################
    تابعونا جزاكم الله خيرا
    ::
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5162
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه الاستفتاح( 1) (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) Empty دعاء الاستفتاح " اللهم رب جبرائيل ومكيائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض... "

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 8:54 am


    دعاء الاستفتاح
    " اللهم رب جبرائيل ومكيائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض... "



    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نشرح حديثًا جديدًا من الأحاديث الواردة في دعاء الاستفتاح؛ وذلك ما يرويه أبو سلمة ابن عبدالرحمن، عن عائشة -رضي الله عنها- حينما سألها: بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ الله ﷺ يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاتَه: اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السَّماوات والأرض، عالم الغيب والشَّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مُستقيمٍ[1].

    هذا الحديث -كما هو ظاهرٌ- كان النبيُّ ﷺ يقوله في افتتاحه لصلاة الليل، وهو مُتضمن لمعنًى عظيمٍ يفتقر إليه كلُّ أحدٍ من هداية الله -تبارك وتعالى-، يحتاج إليه العالـم، والجاهل، وطالب العلم، والمفتي، والمعلم، والتَّلاميذ، والرَّجل، والمرأة، والصَّغير، والكبير، لا يستغني أحدٌ عن هداية الله -تبارك وتعالى- طرفةَ عينٍ، لا سيّما فيما اختلف الناسُ فيه.

    وقد ذكر الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين": بأنَّه حقيقٌ بالمفتي أن يُكثر من هذا الدُّعاء[2]. يقول: "وكان شيخُنا -يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- كثير الدُّعاء بذلك"[3].

    وقوله هنا في هذا الحديث: "كان إذا قام من الليل افتتح صلاته"، أي: افتتح صلاةَ الليل، أو افتتح صلاةَ نفسه بهذا الدُّعاء.

    هنا سأل أمّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ الله ﷺ يفتتح صلاته؟ وكان جوابها: "كان إذا قام من الليل افتتح صلاتَه: اللهم ربّ جبرائيل"، يعني: صلاةَ نفسه.

    وقول عائشة -رضي الله عنها-: "كان إذا قام من الليل افتتح صلاته" هذا الأقرب أنَّه مُطابقٌ للسؤال، أي: أنَّه يفتتح صلاةَ نفسه بهذا الدُّعاء، مع أنَّ من أهل العلم مَن حمل ذلك على أنَّه يفتتح صلاةَ الليل بهذا الدُّعاء.

    فقوله: اللهم ربّ جبرائيل عرفنا أنَّ المعنى: "يا الله"، وأنَّ هذه الميم هي عِوض عن ياء النِّداء: يا الله، يا ربّ جبرائيل.

    وجبرائيل هذه كلمة ليست عربيةً، وكذلك أيضًا إسرافيل وميكائيل، فهذه كلمات غير عربيةٍ، وبعض أهل العلم يُفسِّر ذلك بأنَّ الشِّقَّ الثاني منها بمعنى: الله، وأنَّ الشقَّ الأول بمعنى: عبد، هكذا قالوا، يعني: أنَّ الترجمة: عبدالله، يقولون: بأنَّ جَبْرَى مُعرَّب من كَبْرَى، والعرب تتصرَّف في الأسماء بما يتَّفق مع ألسنتها، يعني: لا يأتون بالألفاظ الأعجمية المنقولة عن اللُّغات الأخرى حرفيًّا كما هي، وإنما يتصرَّفون فيها بما يتَّفق مع ألسنتهم، بمعنى: أنَّهم لا يتكلَّفون في نطقها كما تنطق الأعاجم الذين انعقدت ألسنتُهم على تلك اللغات الأعجمية، وإنما يتوسَّعون في ذلك ويتساهلون، فيقولون: أصله يعني: كبرى، وأنَّ (إيل) أي: الله، وهكذا ميكائيل وإسرافيل، يقولون: المعنى: عبدالله، هكذا قالوا -والله تعالى أعلم-، وهكذا يقولون في: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:40] أي: عبدالله.

    اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل لا شكَّ أنَّ تخصيصَ هؤلاء الملائكة الكرام الثلاثة يدلّ على منزلتهم وشرفهم، وعلى عظيم قدرهم، هذا قدرٌ لا إشكالَ فيه، والله -تبارك وتعالى- هو ربّ كل شيءٍ ومليكه، وهو خالق الخلق أجمعين، ولكن هذه الإضافة لهؤلاء الثلاثة، فخصّهم بالذكر لمزيتهم وشرفهم، ولربما لمعنًى يتَّصل بهذا الدعاء كما سيأتي، وإلا فإنَّ الله -تبارك وتعالى- هو ربّ جميع المخلوقات، كما هو معلومٌ، وهذا كثيرٌ في نصوص الكتاب والسُّنة؛ فالله -تبارك وتعالى- هو رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ [المؤمنون:86]، مع أنَّه ربّ كلِّ شيءٍ، والله - تبارك وتعالى- هو رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:116]، وربّ الملائكة والروح، مع أنَّه ربّ كلِّ شيءٍ، وهكذا هو رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17]، وربّ الناس، مع أنَّه ربُّ جميع الخلائق، فلا يخرج أحدٌ من الخلق عن ربوبيَّته -تبارك وتعالى-، ولكن كلّ ذلك يُذْكَر على سبيل التَّعظيم لله ، حيث إنَّه ربّ هذه المخلوقات العِظام؛ ولذلك لا يحسُن أن يُضاف إليه من جهة الربوبية بعض ما يتحاشى ذكره ونسبته من الأشياء الحقيرة التي لا قدرَ لها؛ فلا يُقال: ربّ كذا، وربّ كذا، وربّ كذا، لكن يُقال على سبيل العموم: الله ربّ الخلق، وهذه من جملة الخلق، لكن لا يحسُن تخصيصها بذلك، ولا داعي للتَّمثيل بهذه الأشياء الحقيرة من الهوامّ ونحو ذلك مما لا يحسُن التَّمثيل بها، وإلا فهي من جملة خلق الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

    وعلى كل حالٍ، تخصيص هؤلاء الملائكة الثلاثة في هذا الذكر والدّعاء العلماء -رحمهم الله- يذكرون فيه أوجهًا؛ كقول الحافظ ابن حجر المكي -رحمه الله-: بأنَّ ذكر جبريل  باعتبار أنَّه أمين الكتب السَّماوية، فسائر الأمور الدِّينية راجعةٌ إليه[4]، قدَّمه بهذا الاعتبار، وأنَّه أخَّر إسرافيل لأنَّه أمين اللوح والصُّور[5]. هكذا قال.

    وعلى كل حالٍ، قال: "فإليه أمر المعاش والمعاد، ووسط ميكائيل لأنَّه أخذ بطرفٍ من كلٍّ منهما؛ لأنَّه أمير القَطْر والنَّبات ونحوهما مما يتعلَّق بالأرزاق المقومة للدِّين والدنيا والآخرة"[6]، إلى آخر ما قال.

    هذا من جهة ذكر هؤلاء الثلاثة على هذا الوجه من الترتيب -والله تعالى أعلم بذلك-، والمقصود أنَّ ذكر هؤلاء الثلاثة يدل على شرفهم، وهذا فيه التَّوسل إليه  بربوبيته العامَّة والخاصَّة لهؤلاء الثلاثة من الملائكة الموكّلين بهذه المهام والأعمال العظيمة الجليلة؛ فجبريل ﷺ مُوكَّلٌ بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل مُوكَّلٌ بالقَطْر الذي به حياة الأرض والنَّبات والحيوان، وإسرافيل مُوكَّلٌ بالنَّفخ في الصُّور الذي فيه حياة الخلق بعد مماتهم. هذا مما ذُكِرَ في تخصيص هؤلاء الملائكة الثلاثة في دعاء الاستفتاح.

    وعلى كل حالٍ، يأتي كلامٌ أوضح من هذا وأكثر بسطًا مما ذكره بعضُ أهل العلم.

    أما قوله: فاطر السَّماوات والأرض الفاطر يعني: الذي أوجد على غير مثالٍ سابقٍ، يعني: المبدع والمخترع، خالقٌ للسَّماوات والأرض على غير مثالٍ سبق.

    عالم الغيب والشَّهادة يعلم ما غاب وما ظهر، فالكل عنده سواء، لا تخفى عليه خافيةٌ في الأرض، ولا في السَّماء.

    أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون يحكم الله  بين هؤلاء العباد بين المحقِّ والمبطل، وبين الظالم والمظلوم، فهذه الخلائق والعباد يأتون يوم القيامة بأعمالٍ وأديانٍ وجناياتٍ، فالله -تبارك وتعالى- يحكم بينهم في ذلك، فيتبين المحقُّ من المبطل، وهذا التَّنازع الذي بين أهل الأديان، وهذا التَّنازع الذي يكون بين طوائف الأُمَّة، الله -تبارك وتعالى- يحكم بينهم في ذلك كلِّه، فيما اختلفوا فيه من أمر الدِّين.

    اهدني لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنك الهداية هنا تشمل هدايةَ الإرشاد، أي: يدلّه على الحقِّ، أي: يعرفه به، فإنَّه قد يخفى، وقد يلتبس، وتتشابه الأقوال والمذاهب، فلا يستطيع أن يميز المحقّ من المبطل.

    وكذلك أيضًا يشمل ذلك هدايةَ التوفيق، أي: يُلهمه الحقَّ، وأن يدلّه عليه، أي: يُوفِّقه للعمل به، وتَبَنِّيه، فيكون ممن يعتنقه ويقبله، ويأخذ به، ويعمل بمُقتضاه، فهذه كلّها داخلةٌ فيه، والله  يقول: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].

    فهذا الدُّعاء -أيّها الأحبّة- فيه هذا المطلوب العظيم، جليل القدر، وهو طلب العبد من ربِّه -تبارك وتعالى- الهداية التي عليها مدار النَّجاة والفلاح والسَّعادة في الدنيا والآخرة.

    والحافظ ابن رجب -رحمه الله- أورد سؤالاً: ما وجه سؤال المؤمن من ربِّه -تبارك وتعالى- الهداية؟

    فذكر أنَّ الهدايةَ على نوعين: هداية مُجملة، وهي الهداية إلى الإسلام، يعني: بعض الناس يقول: الله هدانا إلى الإسلام، فلماذا نسأل الهداية؟!

    فابن رجب يقول: الهداية نوعان: هداية مُجملة، وهي الهداية إلى الإسلام، فهذه هدى الله  لها أهل الإيمان. والنوع الثاني من الهداية: وهي الهداية المفصّلة، فهي هداية إلى معرفة تفاصيل الإيمان والإسلام، وأن يُعان الإنسانُ على معرفة ذلك، والعمل به، مع الإيمان واليقين.

    فهذا كلّه يحتاج العبدُ إليه ليلاً ونهارًا؛ ولهذا أمرنا أن نقرأ في كل ركعةٍ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6][7]، ومن ثم فإنَّ قولَ العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ -كما ذكرنا في بعض المناسبات- يشمل أن يُهدى الإنسانُ -إن كان مسلمًا- إلى تفاصيل الصِّراط المستقيم، فإنَّ هذه الشَّريعة واسعة، وأحكامها متنوعة، والأعمال التي فيها وأبواب الأعمال والخيرات والمشروع من ذلك واسعٌ جدًّا، ولو أنَّ الإنسان استغرق العمر من أوله إلى آخره في تطلب بابٍ من الأبواب ليعمل به بعد الفرائض؛ فإنَّه قد ينقضي العمر وما أدرك آخره، أو ما أحاط به، فيكون مُشتغلاً بالمفضول عن الفاضل أحيانًا، والعمر قصيرٌ.

    وكذلك أيضًا قد يلتبس عليه الحقُّ، وقد يبحث ويقرأ، ولكنَّه لا يُوفَّق، فيحتاج إلى هدايةٍ للعلم الصَّحيح، وهدايةٍ إلى العمل به، وهدايةٍ إلى أن يعرف الأفضل من الأعمال، وهدايةٍ ليثبت على ذلك إلى الممات.

    فالعبد بحاجةٍ إلى هذه الهدايات الكثيرة المتنوعة، ومن أحسن مَن تكلَّم فيما وقفتُ عليه من كلام أهل العلم في شرح هذا الحديث الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- في "مفتاح دار السعادة"، فهو -رحمه الله- ذكر ما حاصله: أنَّ الهدايةَ هي العلم بالحقِّ، مع قصده، وإيثاره على غيره، فالمهتدي هو العامل بالحقِّ، المريد له، يعني: يعمل به ويقصده ويُريده ويُؤثره على غيره[8]، فهذه إذا حصلت للعبد فلا شكَّ أنها أعظم نعمةٍ؛ ولهذا أمرنا الله -تبارك وتعالى- أن نُردد هذا السؤال في كل يومٍ وليلةٍ في صلواتنا الخمس؛ لشدّة حاجة العباد إلى معرفة الحقِّ الذي يُرضي الله في كل حركةٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ، فإذا عرفها فهو محتاجٌ إلى مَن يُلهمه قصد الحقِّ، فيجعل إرادته في قلبه، ثم إلى مَن يُقدّره ويجعله قادرًا على فعله، ومعلومٌ أنَّ ما يجهله العبدُ أضعاف أضعاف ما يعلمه، وما يعلمه فإنَّ نفسَه قد لا تُطاوعه على العمل به، وامتثاله، والنُّهوض بما يجب من ذلك، ولو أراده لعجز عن كثيرٍ منه، فهو مُضطرٌّ في كلِّ وقتٍ إلى هدايةٍ تتعلق بالأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل.

    أمَّا الماضي فهو محتاجٌ إلى محاسبة النفس عليه، هل وقع على الوجه المطلوب؟ وهل وقع على السَّداد؟ فيشكر ربَّه -تبارك وتعالى- على ذلك، أمَّا إن خرج عن وجه الحقِّ، فيتوب إلى الله تعالى منه ويستغفر، ويعزم على ألا يعود.

    هكذا المؤمن دائمًا في مُراجعةٍ، لا يكون سادرًا، لا يلوي على شيءٍ، وإنما يُحاسِب نفسَه؛ لأنَّه سيأتيه اليوم الذي يقف فيه بين يدي الله ، فيُحاسَب على الصَّغير والكبير: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].

    وأمَّا في الحال؛ الهداية التي يحتاج إليها الحال: فهذه لا شكَّ أنها مطلوبة؛ لأنَّ الإنسان ابنُ لحظته، وحياة الإنسان هي اللحظة التي يعيشها الآن، وهي الحياة الحقيقية، أمَّا الذي مضى انتهى، وأمَّا ما يستقبل فلم يأتِ بعد، حياتك هي هذه، فاشتغل بإصلاحها وتعميرها بطاعة الله ، واجعل الذي بينك وبين الله عامرًا، إذا كان الذي بينك وبين الله عامرًا فلا يضرّك بعد ذلك لو كان الذي بينك وبين الخلق خرابًا، المهم أن يرضى الله -تبارك وتعالى-.

    فهنا يحتاج العبدُ أن يعلم حكم ما هو مُتلبِّسٌ به الآن: هل هو على صوابٍ أو على خطأ؟ وهل هو على حقٍّ أو هو على باطلٍ؟

    ثم هناك هداية تتعلق بالمستقبل؛ ليكون سيره على الطَّريق: الأشياء التي يُريد أن يعملها، والأشياء التي يقصدها، والأشياء التي يتوجّه إليها، فهذه هدايات لا يستغني عنها العبدُ بحالٍ من الأحوال، فإذا قال: اهدني، فإنَّ ذلك يدخل فيه هذه الأمور الثلاثة، فإذا كان هذا هو شأن الهداية عَلِمَ العبدُ أنَّه مُضطرٌّ إليها في كل لحظةٍ.

    فكيف يأنف بعضُ الناس إذا قيل له: هداك الله؟! فيغضب وكأنَّه قد لحقته في ذلك مسبّة، أو نحو ذلك، هذا لا شكَّ أنَّه من قصور العلم، ومن نقص العقل في آنٍ واحدٍ.

    فهنا يتبين أنَّ ذلك السؤال الذي قد يُورد: ما الحاجة لأن نسأل الله أن يهدينا الصِّراط المستقيم في كل ركعةٍ؟

    يتبين أنَّ هذا السؤال لا محلَّ له، وأنَّ الإجابات التي قد تُذكر أحيانًا بمعنى: ثبِّتنا على الصِّراط، نحن اهتدينا، فقط ثبِّتنا؛ أنَّ هذا جوابٌ ناقصٌ، فإنَّه وإن كانت الهدايةُ هي بمعنى: الثَّبات، إلا أنَّه واحدٌ من معانٍ كثيرةٍ تدخل فيه.

    ومن ثم -أيّها الأحبّة- فنحن دائمًا بحاجةٍ إلى تكرار وإعادة هذا الطَّلب والسؤال: أن يهدينا الله -تبارك وتعالى-، لا سيّما إلى ما اختُلف فيه من الحقِّ، وإلا فإنَّ العبدَ يضلّ إذا تخلَّى الله  عنه طرفةَ عينٍ؛ إذا حُرِمَ العبدُ هدايةَ الله: توفيقه وتسديده.

    ومن ثم -أيّها الأحبة- فإنَّ العبد لا يتحقق له ذلك إلا بتوفيق الله  وإرشاده وتسديده، وأن تزول عنه جميعُ العوائق والصَّوارف والموانع؛ لأنَّه قد يريد العبدُ الهدايةَ، وقد يسعى لها، وقد يطلب الحقَّ وينشده، ولكن توجد عوائق وموانع وصوارف تحول بينه وبين الحقِّ، فإذا هدى اللهُ  العبدَ فإنَّ ذلك جميعًا يزول عنه؛ فيعرف الطريق، ويعرف مراد الله -تبارك وتعالى- منه، ثم بعد ذلك تزول عنه جميعُ الصَّوارف والعوائق التي تحول دون الكثيرين، وتتلاشى عنه خواطر السُّوء، وما يُلقيه شياطين الإنس والجنِّ، والشَّهوات التي تصرفه عن الحقِّ، وتحول بينه وبين مُلازمته والعمل بمُقتضاه، فإنَّ العبدَ إذا تُرك مع هذه الشَّهوات والخواطر والوساوس فإنَّه يضيع، فهو بحاجةٍ إلى أن يتوسّل إلى الله -تبارك وتعالى- بمثل هذا التَّوسل، ويسأل الهداية.

    فهنا انظروا: ذكر كونه فاطر السَّماوات والأرض، والمطلوب كما يقول ابنُ القيم: "تعليم الحقِّ، والتَّوفيق له"[9]، فذكر علمه  بالغيب والشَّهادة، وأنَّ مَن هو: بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] جديرٌ بأن يُطلب منه التَّعليم والإرشاد والهداية، فهو بمنزلة التَّوسل إلى الغنيِّ بغناه وسعة كرمه أن يُعطي عبدَه شيئًا من ماله، والتَّوسل إلى الغفور بسعة مغفرته أن يغفر لعبده، وبعفوه أن يعفو عنه، وبرحمته أن يرحمه، وهكذا.

    فذكر هنا ربوبيَّته تعالى لجبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وانظروا كلام ابن القيم على هذا التَّخصيص، قال: "وهذا -والله أعلم- لأنَّ المطلوبَ هدًى يحيا به القلب، وهؤلاء الثلاثة الأملاك قد جعل اللهُ تعالى على أيديهم أسبابَ حياة العباد[10]، الحياة بأنواعها"، يقول: "أمَّا جبريل فهو صاحب الوحي الذي يُوحيه اللهُ إلى الأنبياء، وهو سبب حياة الدنيا والآخرة، وأمَّا ميكائيل فهو مُوكّل بالقطر الذي به سبب حياة كلِّ شيءٍ، وأمَّا إسرافيل فهو الذي ينفخ في الصُّور فيُحيي اللهُ الموتى بنفخته، فإذا هم قيامٌ لربِّ العالمين"[11].

    ثم ذكر أنَّ الهدايةَ لها أربع مراتب:

    المرتبة الأولى: الهداية العامَّة، وهي هداية كل مخلوقٍ من الحيوان والآدمي لمصالحه التي تقوم بها حياته، قال الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۝ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى الآيات [الأعلى:1-4]، الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى فذكر هذه الهداية؛ هداية المخلوقات لمصالحها وما تقوم به معايشها.

    المرتبة الثانية: هي هداية البيان والدّلالة والإرشاد التي أقام بها حُجَّته على خلقه، فهذه لا تستلزم التَّوفيق، قال الله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17]، بمعنى: بيَّن لهم الحقَّ من الباطل، لكنَّهم آثروا الباطلَ والكفر.

    والثالث: هو هداية التَّوفيق والإلهام: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25]، فالدَّعوة لجميع الخلق: يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ، والهداية لمن شاء، قال الله  لنبيه ﷺ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، فهذه هي التي تكون مُوجبةً للاهتداء والاستقامة، وأمَّا التي قبلها -هداية الإرشاد- فتكون من قبيل الشَّرط لهداية التَّوفيق.

    المرتبة الرابعة: وهي الهداية في الآخرة إلى طريق الجنَّة والنار، كما قال الله : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات:22- 23]. هذا ما يتعلق بهذه الهدايات الثلاثة[12].

    فنحن -أيّها الأحبّة- بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى أن نُكثر من هذا الدُّعاء، لا سيّما في هذه الأوقات التي كثر فيها الشَّر والفتن والاختلاف بين طوائف الأُمَّة من المنتسبين إلى العلم أو غيره، فالعبد حينما يرى ذلك، وما يُدار به هذا الخلاف للأسف الشَّديد، كما تُشاهدون عبر وسائل التَّواصل والاتِّصال من لغةٍ مُتدنيةٍ وضيعةٍ؛ فإنَّ ذلك يُوجب على العبد أن يُكثر من سؤال ربِّه -تبارك وتعالى- أن يهدي قلبَه، وأن يُوفِّقه للحقِّ، وأن يتجرَّد في طلبه للحقِّ، وألا يتعصَّب لشيخٍ، أو طائفةٍ، أو متبوعٍ، أو غير ذلك، وإنما يكون مقصودُه دائمًا الحقَّ، فيدور معه حيث دار، ولا يردّ الحقَّ؛ لأنَّه جاء عن طريق فلانٍ أو فلانٍ ممن يبغضه، أو من الطَّائفة الفلانية؛ لأنَّه يشنأها، ولا يُحبها، أو نحو ذلك، فإنَّ هذا لا يجوز، واليهود ردُّوا دعوةَ النبي ﷺ، سألوه: مَن الملَكُ الذي يأتيك؟ فلمَّا ذكر أنَّه جبريل، قالوا: إنَّ هذا هو الذي يأتي بالعذاب، وما إلى ذلك، يعني: تعذيب الأمم والهلاك والاستئصال، قالوا: لو كان الذي يأتي به ميكائيل لقبلنا ذلك.

    فمثل هذا لا يصحّ بحالٍ من الأحوال، المؤمن يقبل الحقَّ ممن جاء به.

    وأسأل الله  أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحقِّ بإذنه، إنَّه يهدي مَن يشاء إلى صراطٍ مُستقيمٍ، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.



    1- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770).
    2- "إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين" ت. مشهور (6/197).
    3- "إعلام الموقعين عن ربّ العالمين" ت. مشهور (6/197).
    4- "فتح الإله في شرح المشكاة" لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (ص53).
    5- "فتح الإله في شرح المشكاة" لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (ص53).
    6- "فتح الإله في شرح المشكاة" لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (ص53).
    7- "جامع العلوم والحكم" ت. الأرنؤوط (2/40).
    8- "مفتاح دار السعادة" (1/83).
    9- "مفتاح دار السعادة" (1/84).
    10 - "مفتاح دار السعادة" (1/84).
    11- "مفتاح دار السعادة" (1/84).
    12- "مفتاح دار السعادة" (1/84).
    #######################################
    نلتقي في درس آخر من أدعيه ألأستفتاح
    تابعونا
    ::
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 7:38 pm